• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

::وضع الإصر عن أهل العصر بالرد على دجال مصر:: لأبي بكر بن ماهر بن عطية المصري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الله الله فى الحق

    والله لقد قمنا بزياره للشيخ منذ يومين ما وجدنا منه الا حرصا على السنه واهلها ولا يتكلم فى مسأله والا وهو يحسنها ويطيل النفس فيها فييفندها تفنيدا مهما كانت دقيقه اسأل الله له الشفاء امين

    تعليق


    • #17
      التعليق على الدرس الحادي والستين بعد المائة الأولى


      ليلة الجمعة الموافقة للخامس من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وتسع وعشرين للهجرة.

      قوله: «الله! دا الكلام دا فيه دروس، الموقِفِِين، في الموقفين دروس، وفي القولين دروس، في قول الرجل الصحابي الجليل من بني سلمة، ولم تَذْكر الرواية اسمه، وفي قول معاذ بن جبل، رجل قال: حبسه برداه، يا رسول الله حبسه برداه، ونظره في عطفيه.
      هذا ما قال إلا غَيرة على دين الله، وما قال هذا القول الشديد -وهو من باب الطعن- إلا نصرة لله ولرسوله، وهذا جائز عند علماء أهل السنة، إن طعنوا في أهل البدع والأهواء، وبكتوهم بما فيهم، ليحذروا الناس من شرهم، بشرط أن يقولوا ذلك نصرة لله، ونصحًا للأمة وللدين، وتحذيرًا للمسلمين، لا لأغراضهم الشخصية وأهوائهم، خلِّ بالك من التأصيل ده، آه في جرح، لازم يكون فيه جرح مع التعديل، لا ننكر هذا الباب أبدًا، لا ننكر، هذا باب من أعظم الأبواب التي امتن الله بها على الأمة لحفظ الحديث، مَن نأخذ منه؟ ومن نُعرض عنه؟ فلابد منه، لكن يتصدى لهذا الباب، باب الجرح والطعن في أهل البدع، والطعن في أهل الأهواء، والتحذير من شرهم، وفسادهم وإفسادهم، يتصدى له أهل الورع، أهل العلم، أهل الدين، أهل الفضل، أهل الخوف من الله، مَن يتحرجون، ويخشون ربهم، ويفكرون ألف مرة، قبل أن ينطقوا مرة، ولا ينطقون إلا بحق، ولا يجرحون إلا بعدل وإنصاف.
      فهذا الصحابي الجليل ما قال في كعب بن مالك ذلك من باب التشفي، ولا من باب الهوى، ولا من باب تصفية الحسابات، لا، بل قال ذلك غيرة على الدين، ونصرة للدين ونصرة لرسول رب العالمين، ولا حرج، بشرط أن يكون صادقًا في غيرته، والله يعلم الصادق من الكاذب.
      ممكن أخ يجلس في مجلس علم، ويجي على شيخ من مشايخنا الأجلاء، ورمز من رموز الأمة الكبار، ويتهكم على الشيخ، يسخر منه، أو يهزأ به، أو يطعن فيه، وبعدين بِبُؤِّين سُخْنِين كُبار، وبكلام تخين: والله ما أريد إلا نصرة الدين، يا راجل اتق الله! مَنْتَ أول واحد عارف انك كذاب، وعارف ان مَفِيش فيها حاجه أبدًا لله، دا كلها للنفس، كلها للهوى، كلها للهوى، أنا أريد أن أنصر نفسي، أريد أن أنصر هواي، يا راجل لو نصرة للدين، ينفع أؤول في مجلس بين الناس: ابن حجر مين وابن زلط مين وألباني إيه؟! دي نصره للدين؟!
      أُلَّك: والله أريد أن أنصر الدين، الألباني متساهل في التصحيح، يا راجل: اتأدب، خلِّ عندك أدب، وخل عندك صدق وإخلاص، دانت بتنصر هواك، هو يا مولانا الشيخ يعني هو نبي ومفيش .. لأ، نحن لا نحكم بالعصمة لأحد، ولا من الصحابة، فلقد انتهى زمن العصمة بموت المصطفى، .. بيطعن اللي قرأ الكتابين، اللي دايمًا بؤول عليهم: شرشر نط أكل البط، هو اللي يطعن في الكبار؛ لنو ما عندوش .. مفيش أدب، ومتعبش، دا دا طالب علم الكمبيوتر، آه بيئُعُد باسطوانة ويشتغل على الأزرار، ويطلَّع تخريج الحديث من مليون كتاب، والواد بئى عالم، ويطعن في الألباني، ويطعن في ابن باز وابن عثيمين، بئس الطلب، وبئست النية، ولذلك انظر حتى إلى أدب العلماء بئى، لمّا عالم يصحح لعالم ويعترض على عالم، وضع تاني، أدب جم، أدب جم، هو دا منهج العلماء، والكمال لله، ولا زال العلماء يختلفون، وسيختلفون إلى يوم القيامة، ألّه سبحان الله!! أنا أحب مشايخنا وعلماءنا، لكن ما الحرج أن أختلف وأنا طالب من طلابهم، مع شيخ من شيوخي في عشرات المسائل، ولا شيء، لكن أحتفظ له بالأدب والمكانة، وورب الكعبة لا أستحي ولا أتورع إن رأيت هذا الشيخ وهذا العالم، أن أسارع الخطا لأحمل له حذاءه بين يدي، والله أفعل، لا أقول ذلك تجملاً ولاتزينًا، وقد أخالفه، لكن يبئى فيه أدب، إنما نتطاول على أهل العلم، وعلى أهل الفضل، وبعدين نئول: نُصرة للدين، لا، ليست نصرة للدين، ما كان التطاول نصرة للدين أبدًا، فلما يؤول الصحابي الجليل في كعب بن مالك هذا من باب الغيرة على دين الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو صادق، لا من باب الطعن والتشفي، وإطفاء نار حقد متأججة في الصدر والقلب على أخيه، فلا بأس بذلك، وهذا منهج أهل السنة من علماء الجرح والتعديل في الطعن في أهل البدع والأهواء، ونحن ندين لله -عز وجل- بهذا، ولا ننكر أبدًا منهج الجرح والتعديل، ومن أنكره فهو جاهل سفيه، بل هذا من أعظم أبواب العلوم التي منّ الله -عز وجل- بها على أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- لحفظ السنة، ولحفظ السند، ولحفظ المتن معًا، السند والمتن معًا»
      كلامه بصوته من هنا:http://jumbofiles.com/c0jil0vfn4h9
      وقال أيضًا في نفس الدرس:
      قوله:«فأنا أقول: رُد وذب عن عرض العلماء، وعرض المشايخ، وعرض الدعاة بما تعلم عنهم من خير، أنا أُلْت مرة: بكل أسف، ممكن يبئى فيه شيخ بيعلمنا بَآَلُو مثلاً خمسطاشر سنة أو عشرين أو تلاتين سنة، وأهل الباطل يريدون أن يسقطوا هذا الشيخ أو أن يشوهوا صورته، فيقولوا كلامًا كاذبًا باطلاً، كما قالوا على نبينا وعلى أصحابه وعلى ربنا، مكمن الخطر أنه ربما يتأثر بهذا الكلام كثير ممن كانوا يتربَون على يديه طيلة السنوات الماضية، كارثة، تلائيه في يوم يؤلك: صحيح يا أخي، تصور مكناش واخدين بالنا، دا حنا كنا مغفلين أوي، يا للعار والشنار!! ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
      هذه هي المصيبة، أن يُطَيِّر أهل النفاق كلمات خبيثة، ليشقوا بها الناس قسمين وصنفين، أما الأول يذب ويرد، وأما الثاني يتأثر، وربما يردد، ولقد رضضـ.. ردد كلمات عبدالله بن أُبَيّ الخبيثة في حق أم المؤمنين عائشة، بعض الطيبين، بعض الطيبين من أصحاب سيد النبيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله»
      استمع إلى كلامه بصوته من هنا: http://jumbofiles.com/g1p8h8rqdjpa
      أقول: قارن بين كلامه الكثير هنا، وفيما مضى، وفيما سيأتي -إن شاء الله- وبين قوله في الدرس التاسع والخمسين: «فأنا ياخوانا والله، ثم والله، ثم والله، لا ألتفتُ لهذا ...»
      وتأمل كيف يقسم على الكذب!! وهو يعلم!!
      وقارن بين كلامه هنا وكلامه في الدرس الثالث والستين:
      «... لإن انا مَلِيش في المسائل دي، مانيش فاضي ليها أصلاً، مش فاضي للعكعكه اللبتحصل دي، والله مانا فاضي»
      وتأمل كيف يقسم على الكذب!! وهو يعلم!!
      فهل كان مثل هذا القسم لمصلحة الدعوة؟!!
      قوله:«... خلِّ بالك من التأصيل ده، آه في جرح، لازم يكون فيه جرح مع التعديل، لا ننكر هذا الباب أبدًا ...»
      قلت: وكيف تنكرون هذا الباب، وقد حولتموه عن وجهه، واستغللتموه لجرح أهل السنة؟! هذا أمر، الأمر الثاني: أنكم لم تعملوا بهذا، وعباراتك في طول دروسك هذه وعرضها، شاهدة عليك بذلك، وما وقع من ذكرك فلانًا وغيره بأنهم من أهل السنة، فهذا مع ندوره، هو كذر الرماد في العيون، وإلا، فكيف لا تذكر حسنات كل من جرحتهم وشوهتهم وشوهت منهجهم، مع أنك ترى في موضع آخر ذكر حسنات المخالف من أهل السنة لا حسنات أهل البدع؟! فأنت تدور بين أمرين لا ثالث لهما، فإما أنك لا تعتبر هؤلاء العلماء من أهل السنة، وتكون بذلك كذبت، ونقضت قولك بأنهم من أهل السنة، وإما أنك ناقضت نفسك، ونقضت مذهبك القاضي بذكر حسنات أهل السنة!! أمران أحلاهما مر!! فاختر لنفسك ما شئت.
      وإذا كنا نحن لا نوجب ذكر حسنات أهل السنة عند الرد عليهم إلا إذا اقتضى المقام ذلك، فكيف نوجب ذكر حسنات أهل البدع عند الرد عليهم؟!
      وكيف بمن يغمض عينيه عن حسنات أهل السنة، ويثني في الوقت نفسه على أهل البدع؟!
      ثم إن أهل السنة -ولله الحمد- قائمون بهذا الباب على أكمل وأتم وجه، فهم يعدِّلون أهل السنة وأئمة أهل السنة من أمثال ابن باز، والألباني، وابن عثيمين، والوادعي، والمدخلي، والنجمي، وغيرهم من أئمة الإسلام وعلمائه وطلبة العلم وسائر السلفيين العدول، وهم في الوقت نفسه -ولله الحمد- يجرحون أهل الباطل وأهل البدع من أمثال فرقة الإخوان المسلمين، والقطبيين والسروريين والحدادية وفرقة التبليغ وفرقة الجهاد!! وغيرها من فرق الضلال، وينصون في الوقت نفسه على تبديع أرباب الضلال من أمثال القرضاوي، والبنا، وقطب، وأبي الحسن المصري نزيل مأرب، وعبد الرحمن بن عبد الخالق نزيل الكويت، وأبي إسحاق الحويني، ومحمد بن حسان -الدجال الذي نحن بصدد الرد عليه- وعلي الحلبي، وغيرهم من المنافحين عن أهل الضلال بالضلال، والمدافعين عن أهل الباطل، والمداهنين لأهل الضلال، والمحامين عن أهل البدع بالزور والكذب والدجْل والتمويه والتلبيس، وهم -أعني أهل الأهواء هؤلاء وأمثالهم وأضرابهم- قائمون -في الوقت نفسه- على قدم وساق، بتشويه المنهج السلفي، وتشويه أهله الذين هم أهله، بشتى سبل التشويه والتنفير والصد عنه وعن أهله وحملته، بأساليبهم الشيطانية ووسائلهم الخبيثة.
      أمّا أنه -لابد- من جرح مع التعديل في الشخص الواحد، فهذا لا يخرج -في الجملة- عن أصول أهل الباطل، الذين وضعوا واخترعوا وأحدثوا مذهب الموازنات بين الحسنات والسيئات، القاضي بأنك لا تذكر سيئات شخص إلا وذكرت حسناته، وقد بينا فساد هذا المذهب وبطلانه في غير ما موضع من كتاباتنا -ولله الحمد- وقد سَبَقَنا إلى تفنيده وإبطاله وتزييفه علماءُ الإسلام وأئمته من أمثال الألباني، والمدخلي، والفوزان، وغيرهم -فلله درهم- وما وضع المُحْدَثون هذا المذهب إلا محاماة ودفاعًا عن إخوانهم من أهل الضلال.
      ومَن أوجب تعديل المجروح في الوقت نفسه، ونسب ذلك إلى الكتاب والسنة وإلى أئمة الإسلام، فقد أعظم على الله الفرية، وأعظم على رسول الله الفرية، وأعظم على أئمة الإسلام الفرية، ومن أوجب ذكر التعديل مع الجرح في الشخص الواحد، فقد تناقض في الجملة؛ لأنه أثبت ما نفاه، ونفى ما أثبته، وهذا هو عين التناقض، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
      فإن التناقض أول مقامات الفساد.
      هذا، وليُعلم أنه يجوز أن يُخَطَّأ شخص ويُصَوَّب في قوله أو فعله في آن واحد، فيقال: أصاب في كذا وأخطأ في كذا، إذا اقتضى المقام ذلك، كما يجوز أيضاً اجتماع جرح وتعديل في شخص واحد في آن واحد، كأن يقال في المجتهد العدل: فَرَّطَ في بحثه واجتهاده في مسألة كذا وكذا، إن كان مُفَرطًا، وهذا جرح عائد إلى العدالة، فهذا المجتهد يناله ذم ما من جهة تفريطه وتقصيره في الاجتهاد، وهذا الذم هو نوع جرح في الجملة، وقد يعود الجرح إلى الضبط، فيقال في الراوي مثلاً: ثقة يهم، أو صدوق يخطئ، فقولهم: يهم، ويخطئ، هو نوع جرح في الجملة، ولكنه مغتفر في بحر حفظ الراوي وضبطه، ومثل هذا الجرح لا يسلب الراوي التوثيق، بل هو باقٍ على أصل التوثيق ما لم يَفحش خطؤه ووهمه الذي يستحق به الترك، ومَثَل هذا العدل الذي فيه نوع جرح لا يخرجه عن حد العدالة، كمثل النهار لا يخرجه وجود الضباب فيه عن كونه نهارًا، ولو كان مثل ذلك التفريط أو مثل تلك الأخطاء أو الأوهام أو غيرها من الهفوات موجبة لسقوط العدالة عمن كان هذا شأنه من الخطأ أو الوهم أو التفريط، لكدت ألا تجد عدلاً، وهذا باطل، إذ لو سُلِّم هذا لطُعن في نَقَلة هذا الدين، ولطُعن في الدين المنقول إلينا بسبب الطعن في نقلته، وهذا باطل محال.
      إذا علمت هذا، فاعلم أن الجمع بين الجرح والتعديل في شخص واحد جائز على النحو الذي ذكرناه، بخلاف الشأن في أهل الأهواء، فإن بدعهم تغلب على حسناتهم، وتكدر دلاءهم، ولو خالفوا في أصل واحد من أصول أهل السنة، وهذا ليس بغريب ولا عجيب، ألا ترى أن من كذب على الله أو على رسول الله عامداً متعمداً صار كذاباً، ولو كذب في شيء واحد، أو حديث واحد؟! ولم يمنعه صدقه -ولو كثر- من الحكم عليه بأنه كذاب؛ لشناعة كذبه وعظمه من جهة، ولفقد صاحبه التأويل السائغ من جهة أخرى.
      إذا علمت ذلك التفصيل، فاعلم أنه لا تناقض بين تجويزنا لوجود جرح مع التعديل، وبين إنكارنا عليه قوله بلزوم وجود التعديل مع الجرح؛ لأن تجويزنا وإثباتنا لوجود جرح مع التعديل متعلق بمن هو عدل في الأصل، بخلاف من لم يكن كذلك، وإنما كان من أصحاب الأهواء الذين فسقوا ببدعتهم، وخرجوا بسببها عن حد العدالة، على أنه يجوز ذكر بعض حسنات المبتدع إذا اقتضى الأمر ذلك، لا إيجاب ذلك مطلقًا، ولا يلزم من ذكر تلك الحسنات، خروجه عن حد الجرح إلى حد العدالة، بل إنه يبقى على أصل الجرح.
      وإذا كان الجرح المتعلق بالعدالة، هو من النوع الذي لا يُخرج العدل عن حد العدالة، أو كان الجرح المتعلق بالضبط هو من النوع الذي لا يخرج الثقة عن حد التوثيق؛ لاغتفار مثل هذين النوعين في بحر العدالة والضبط، فإن من كان فاسقاً ببدعته، فاقداً للعدالة، فإن حسناته مغمورة في بحر بدعته، ولا تخرجه حسناته تلك -ولو كثرت- عن حد البدعة والفسق إلى حد العدالة، ومَثَله كمثل الليل لا تخرجه نجومه -ولو كثرت- عن كونه ليلاً، على أنه لا يجوز مخالفة طريق السلف بذكر حسنات ذلك الفاسق عند جرحه بفسقه، مالم يقتض المقام ذلك، فالسلف لا يوجبون ذكر حسنات الفاسق بمعصيته كالكذاب مثلاً، أو الفاسق ببدعته كالخارجي مثلاً، ما لم يقتض المقام ذكر شيء من تلك الحسنات، وعمل السلف جارٍ على هذا، وما ورَّثوه من العلم شاهد صدق عليهم.
      قوله:«لكن يتصدى لهذا الباب، باب الجرح والطعن في أهل البدع، والطعن في أهل الأهواء، ... أهل الورع، أهل العلم، أهل الدين، أهل الفضل، أهل الخوف من الله...» إلي آخره
      أقول: أجل، قد تصدى لهذا الباب ولهذا العلم أئمة الإسلام وجهابذة العلماء الذين ينخُلون الأهواء نخلا،ً ويغربلونها غربلة، ويدقونها دقًا، ويطحنونها طحنًا، ولا تزال -ولله الحمد- رحى طحنهم دائرة على أصول أهل الضلال، تطحنها طحنًا، وتبددها تبديدًا، وقد ذكرنا لك أسماء بعض هؤلاء الأئمة الأجلاء الذين هم أهل العلم والورع والدين والفضل والخوف من الله وخشية ربهم، ولا يتكلمون في أهل الأهواء إلا بالحق، ولا يجرحون إلا بعدل وإنصاف، لكنهم -في الوقت نفسه- لا يرون أن من العدل وجوب ذكر حسنات المخالف المجروح المردود عليه والمطعون فيه، لا يرون أن من العدل وجوب ذكر حسنات مثل هذا في مقام التجريح، مالم يقتض المقام ذلك، فلينظر الدجالون ما هم قائلون!!
      إن هؤلاء العلماء وطلبتهم المستنين بهم وبمن سبقهم من أئمة الإسلام، لا يجرحون المجروح إلا غيرة على الدين، ونصرة للدين، ونصرة لسنة رسول رب العالمين، وهم صادقون في غيرتهم، والله يعلم الصادق من الكاذب، ولا يفعلون ذلك رياءً ولا سمعة ولا اتباعًا لأهوائهم، كالتشفي من هؤلاء المجروحين وتحقيق حظوظ أنفسهم، ضاربين بحق الله عُرض الحائط.
      أما قوله:«... ولا من باب تصفية الحسابات، لا ...»
      فأقول فيه: عبارة تصفية الحسابات عبارة مجملة، والعبارات المجملة لابد فيها من التفصيل، وبيان المراد منها؛ لأنها قد تحتمل حقًا، وقد تحتمل باطلاً، واستعمال العبارات المجملة هو مهنة وصنعة وحرفة أهل الأهواء، ثم إن هذه الحسابات قد تكون دنيوية، وقد تكون دينية، فإن كانت دنيوية فالحق فيها هو وجوب إعطاء كل ذي حق حقه، خصوصاً عند التشاح واستقصاء الحقوق، ووجوب نصر المظلوم بإعطائه حقه، ونصر الظالم بحجزه ومنعه عن الظلم، وإن كانت هذه الحسابات دينية، فإن أهل السنة يستقصون أخطاء المخالفين الدينية -ولو في الجملة- ويتتبعونها، ويفندونها، حتى لا يبقى لبدعتهم عين ولا أثر، وهم في ذلك مشكورون مأجورون من ربهم -سبحانه وتعالى- إذ كانوا حريصين على الذب عن الدين، وصيانته، وحفظه من أن تمتد إليه يد أحد من أهل الأهواء والضلال بسوء -أي سوء-.
      فهذا العمل من هؤلاء الأئمة ممدوح، سواءٌ سماه أحد بتصفية الحسابات أم لم يسمه بذلك، أمّا إن كان الحامل للمنتقد على الانتقاد هو حظ نفسه مخالفاً الكتاب والسنة، ولم يراعِ حق الله ولا حق رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو في الوقت نفسه ينتقد أهل الفضل والعلم والدين ينتقدهم بالباطل، فمِثل هذا موزور غير مأجور ولا مشكور، على أننا نقول: لو انتقد أحدٌ أحدًا من أهل الباطل أو البدع والضلال، وكان الناقد ناقدًا وناقضًا لباطلٍ -أي باطل- وجب قبول خبر مثل هذا ما دمنا تبينا أن نقده في محله، وما دمنا تثبتنا من صحة ما يقوله، ولو كان هو فاسقًا في نفسه، ولو تبينا من أنه لم يحمله على نقده هذا الذي أصاب فيه إلا حظ نفسه، وأنه غير مخلص في نقده لله رب العالمين، فلنا -والشأن ما ذكر- صدقه في هذا، وعليه نفاقه أو رياؤه، ولو كان هذا الناقد المصيب في نقده هذا كذوبًا في غير ذلك، وجب قبول نقده مادام شرط التبين والتثبت من صحة انتقاده وكونه في محله قائمًا، وقد قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه- عن الشيطان:
      ((صدقك وهو كذوب))
      فقد يصدق الكاذب، والله يعلم الصادق من الكاذب!! نعم ! من عقوبة الكاذب ألا يقبل صدقه، لكن هذا محمول على ما إذا لم نتبين صدق الكاذب، أما إذا تبينا صدقه، فلا يجوز تكذيبه فيما صدق فيه، ومَن كذَّب الكاذب فيما صدق فيه -والشأن ما ذكر- فعليه عهدة تكذيبه، هذا، ولا يجوز لأحد رد الحق أو البقاء على الباطل بدعوى أن هذا من باب تصفية الحسابات!!
      قال:«ممكن أخ يجلس في مجلس علم، ويجي على شيخ من مشايخنا الأجلاء، ورمز من رموز الأمة الكبار، ويتهكم على الشيخ، يسخر منه، أو يهزأ به، أو يطعن فيه، وبعدين بِبُؤِّين سُخْنِين كُبار، وبكلام تخين: والله ما أريد إلا نصرة الدين، يا راجل اتق الله! مَنْتَ أول واحد عارف انك كذاب، وعارف ان مَفِيش فيها حاجه أبدًا لله، دا كلها للنفس، كلها للهوى، كلها للهوى، أنا أريد أن أنصر نفسي، أريد أن أنصر هواي، يا راجل لو نصرة للدين، ينفع أؤول في مجلس بين الناس: ابن حجر مين وابن ظلط مين وألباني إيه؟! دي نصره للدين؟!
      أولك: والله أريد أن أنصر الدين، الألباني متساهل في التصحيح، يا راجل: اتأدب، خلِّ عندك أدب، وخل عندك صدق وإخلاص، دانت بتنصر هواك ...» إلي آخره.
      أقول: قوله: «ممكن أخ يجلس ...» لم يجزم بوجود هذا، وإنما قال بالإمكان، ونحن ما انتهينا بعد من النظر في الأمور الواقعة، حتى نشتغل بالفرض والإمكان!!
      أمّا إن كنت تقصد برموز الأمة الكبار أمثالَ الحويني، والمأربي، وعبد الرحمن بن عبد الخالق -وهذا هو الظاهر- إضافة إليك في آخرين -وهم لا شك- رموز عندك، فهؤلاء رموز ضلال عندنا، حيث حاربوا المنهج السلفي وأهله تحت ستار السلفية المدعاة المكذوبة المفتراة، أما التهكم والسخرية والاستهزاء بمن هذا حاله، فأهل السنة حججهم أشد في وقعها على المخالفين من أمثال هؤلاء وغيرهم، أشد من وقع السياط على الظهر، ولا يحتاجون إلى تجاوز الحد في الرد على المخالف، على أن ما ذكرت من هذه الأشياء جائز وقوعه من أهل السنة -بلا إشكال- نحو المخالف، إذا استحق ذلك، خاصة إذا كان دجالاً عنيدًا مموهًا، رأسًا من رءوس التدليس والتلبيس، ورأساً في الدعاء إلى بدعته، فأهل الأهواء والبدع والزندقة مهانون غير مكرمين، وقد بكَّت شيخ الإسلام ابن تيمية أحد الزنادقة عند قتله تبكيتاً على أقواله وزندقته.
      أما تجاوز الحد في هذا أو في غيره -إن وجد- فغير مقبول ولا مرضي عند السلفيين، ولا يُحكم على المنهج السلفي وحملته جميعًا، بتجاوز أحد منهم، في أمر ما، عن الحد الشرعي، أو ببغيه على غيره ولو كان المبغي عليه كافرًا، لمخالفته للشرع فيه, فالباطل مردود على صاحبه كائنًا من كان، ولو كان منتسبًا إلى السلفيين، أما أن يُحمّل المنهج السلفي وحملته ما لم يحملوه، أو يُشَوَّه المنهج السلفي وحملته لشذوذ أحد أفراد السلفيين في أمر ما -إن وجد هذا الفرد وصح أن يسمى ما جاء به شذوذًا- فهذا ظلم بين للمنهج السلفي وحملته، ولا يفعل ذلك إلا الباغون الظالمون، ثم إن أهل السنة صرحاء في جرحهم لأهل الباطل، بخلاف أهل الأهواء، فإنهم يجرحون أهل السنة، ويدَّعون خلاف ذلك، فجمعوا طعناً وكذباً -قاتلهم الله- .
      أما جزمه بوقوع هذا الممكن بقوله: «مَنْتَ أول واحد عارف انك كذاب، وعارف ان مَفِيش فيها حاجه أبدًا لله، دا كلها للنفس، كلها للهوى»
      فنوليه فيه ما تولى, لكن أعتقد أن قائل هذا الكلام فيه جرأة عظيمة, حيث اتهم البواطن بلا برهان، وجزم بنفي الإخلاص لله في هذا كله، وجزم بإثبات أن كل هذا للنفس والهوى، فإن كان هذا المدعي قد نقب عن قلب هذا الأخ، وعرف ما بدا خله مما ذكر، أو أُوحي إليه بذلك بوحي من الله بواسطة جبريل، فنعم!! وتأمل كيف يتهمون النوايا كذباً وزوراً !!
      أمَّا إن اتهم السلفيون أهل الضلال بزيغ القلب، بناءً على الأدلة والبراهين والقرائن الظاهرة، فويل له من أهل الأهواء!! ثم ويل له!! ثم ويل له!! وقالوا: يتدخل في النوايا والبواطن أو نحو ذلك، ثم أين حسنات هذا المذكور في كلامه -على فرض أنه موصوف بما وصفه به- ؟! ثم إني لا أعلم سبباً لذكره الوقوع في مثل الحافظ ابن حجر أو الألباني في الوقت الذي يرد فيه السلفيون عليه وعلى أمثاله، مع أن السلفيين يَقدرون ابن حجر والألباني قدرهما اللائق بهما، فإن لم يكن مقصوده من ذلك إلا تشويه السلفيين، فلا أعلم له مقصودا،ً ومعلوم أن الطاعنين في أهل العلم هم أهل الأهواء من حدادية وغيرهم.
      أما السلفيون فهم أعظم الناس توقيراً لأهل العلم، وإن لم يكونوا كذلك، فلا أعلم أحداً موقراً لأهل العلم.
      أما من حقر مثل ابن حجر والألباني، وتهكم بهم، فمثله يجب أن يعزر ويؤدب ويؤخذ على يديه، ويجب على ولي الأمر أن يُنزل به من العقوبة ما يردعه ويزجره عن باطله، وَمَنْ مِثْلُ ابن حجر اليوم في علومه الحديثية، واطلاعه على كتب الحديث؟! فقد كان أمير المؤمنين في الحديث في زمانه، وكان حافظًا، وقد قال فيه الشيخ الألباني- رحمه الله-: ومن أوسع اطلاعًا على السنة من ابن حجر؟!
      قلت: والتعبير بالحديث أولى، لمخالفة الحافظ في بعض أصول السنة، فليس كل محدث سلفياً قحاً.
      رحم الله الحافظ ابن حجر، على أن الباطل يرد على صاحبه كائنًا من كان، ولو كان الحافظ ابن حجر، أو أعلى وأعلم وأجل من الحافظ ابن حجر، ولقد تعقبه العَلَم الإمام، والحبر الهمام، الشيخ ابن باز -رحمه الله- في تعليقه على فتح الباري، في بعض المواضع، خصوصًا تلك التي تتعلق بباب الأسماء والصفات، واستواء الله على عرشه الذي في السماء، ولا إشكال في أن خراب السماوات والأرض أهون من نفي استواء الله على عرشه، ومن نفي بعض صفاته، عند من قَدَرَ الله حق قدره، ولولا التأويل لكفرنا من نفى علو الله واستواءه على عرشه، ولكان كفره كفراً بواحاً، أغلظ من كفر اليهود والمشركين، فإنهم مع كفرهم لم ينفوا علو الله، ولم يكن لهذا النافي من سلف إلا أئمة الباطل والضلال، الذين عطلوا الله عن صفاته، كالجهم بن صفوان وشيعته الجهمية، الذين قال فيهم ابن القيم -رحمه الله- في أوائل نونيته:


      إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني *** فعليـكِ إثم الكاذب الفتانِ
      جهمِ بن صفوانٍ وشيعته الأُلى *** جحدوا صفاتِ الخالق الديانِبل
      عطلوا منه السموات العلا *** والعرشَ أخْـلَوه من الرحمـنِ


      وقال -رحمه الله- أيضًا في ثنايا نونيته، في سياق سرده للأدلة المتنوعة الدالة على علو الله -سبحانه وتعالى- واستوائه على عرشه:


      يا قوم والله العظيم لِقولنا *** ألف تدل عليه بل ألفانِ


      أي من الأدلة الدالة على ذلك.
      أما ما ذكره الحافظ في الفتح من الشبهة المأخوذة من قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يتنخمن قِبل وجهه، فإن الله قِبَل وجهه" للإلزام بنفي علو الله على عرشه واستوائه عليه، فشبهة داحضة، إذ لا تعارض بين هذا الحديث وبين الأدلة الدالة على علو الله بوجه، وإذا كان ثبوت اليقين بعلو السماء -مع كونها مخلوقة- لا ينافي كونها قِبَل وجه الناظرين، فإن ثبوت الإيمان واليقين بعلو الله الخالق، لا ينافي كونه قِبَل وجه المصلي من باب أولى، ولله المثل الأعلى، وهذا القياس الأولوي معمول به في باب الصفات، بخلاف قياس التمثيل والشمول، على ضوء ما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ومَن شَرَح كلامه.
      قلت: وهاك نصَّ الحديث، مع جزء من شرح الحافظ عليه، ومع تعليق الشيخ ابن باز-رحمه الله- عليه، كما في الفتح جـ1، صـ507 إلى صـ508،حديث رقم 405، المطبعة السلفية، القاهرة1380، حيث قال الإمام البخاري -رحمه الله-:
      حدثنا قتيبة قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حُميد عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رُؤي في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته، فإنه يناجي ربه -أو إن ربه بينه وبين القبلة- فلا يبزقن أحدكم قِبَل قبلته، ولكنْ عن يساره أو تحت قدميه" ثم أخذ طرَف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال: "أوْ يفعل هكذا"
      قال الحافظ -رحمه الله-:
      قوله: " أو أن ربه" كذا للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب. وللمستملي والحموي "وأن ربه" بواو العطف، ... إلى أن قال:
      وأما قوله: "وإن ربه بينه وبين القبلة" وكذا في الحديث الذي بعده "فإن الله قِبَل وجهه" فقال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مُفضٍ بالقصد منه إلى ربه، فصار في التقدير: فإن مقصوده بينه وبين قبلته. وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله. وقال ابن عبد البر: هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة. وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان، وهو جهل فاضح؛ لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه، وفيه نقض ما أصّلوه، وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته، ومهما تُؤُوِّل به هذا، جاز أن يُتأول به ذاك. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله-.
      قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- في التعليق على كلام الحافظ:
      "ليس في الحديث المذكور رد على من أثبت استواء الرب -سبحانه- على العرش بذاته؛ لأن النصوص من الآيات والأحاديث في إثبات استواء الرب -سبحانه- على العرش بذاته محكمة قطعية واضحة لا تحتمل أدنى تأويل، وقد أجمع أهل السنة على الأخذ بها، والإيمان بما دلت عليه على الوجه الذي يليق بالله -سبحانه- من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، وأما قوله في هذا الحديث: "فإن الله قِبَل وجهه إذا صلى"وفي لفظ "فإن ربه بينه وبين القبلة" فهذا لفظ محتمل، يجب أن يُفسر بما يوافق النصوص المحكمة، كما أشار الإمام ابن عبد البر إلى ذلك، ولا يجوز حمل هذا اللفظ وأشباهه على ما يناقض نصوص الاستواء، الذي أثبتته النصوص القطعية المحكمة الصريحة، والله أعلم" انتهى كلام الشيخ ابن باز -رحمه الله-.
      قلت: لا يلزم من هذا الحديث نفي صفة استواء الله على عرشه بأي وجه من الوجوه، ولا يحتمل ذلك النفيَ بأي وجه من وجوه الاحتمال؛ لأن الله العلي الأعلى الموصوف بصفة العلو لا يُتصور نفي صفة العلو عنه، كما لا يتصور وصفه بصفات المخلوقين، ولا يجوز أن يقاس على خلقه قياس تمثيل أو قياس شمول، أما قياس الأولى فهو جائز في حقه -سبحانه- كما سبق، وإذا كنا نُثبت صفات الله كلها من السمع والبصر والحياة وغيرها، دون أن يخطر في بالنا نفي هذه الصفات، ولا مماثلتها للمخلوقين، فكذلك نثبت ما ورد في هذا الحديث على الوجه اللائق بالله -تعالى- دون أن يخطر ببالنا نفي له، أو مماثلته للمخلوقين، وإنما نشأ الإشكال عند من أَشكل عليه هذا الحديث، بسبب قياسهم الخالق على المخلوق، وهذا باطل محال، فإذا كان لا يجوز قياس الرجل على المرأة، مع كونهما مخلوقين، فكيف يقاس الخالق على المخلوق؟! وإذا كان لا يجوز قياس الحي على الميت، ولا المؤمن على الكافر لوجود الفارق، فكيف يقاس الخالق على المخلوق؟! معاذ الله، وإذا جاز أن يقال: إن بين المصلي في مصرَ وبين قبلته التي أمامه أو قبلته في مكة وهي الكعبة سماءً أو سحاباً، من غير أن يلزم من ذلك نفيُ صفة العلو للسماء أو للسحاب، فكذلك لا يلزم من كون الرب بين عبده المصلي وبين قبلته التي أمامه أو قبلته في مكة وهي الكعبة، لا يلزم نفي صفة علوه -سبحانه- ولا نفي استوائه على عرشه -مع اعتقاد بينونته من خلقه، وعدم حلوله فيهم- من باب أولى، فكما نعتقد أن السماء أو السحاب -إذا ذكرا- أنهما في العلو، وأنه لا يخطر بالبال غير ذلك، مع كونهما مخلوقَين، فكذلك نعتقد أن الله الخالق في العلو، وأنه لا يخطر بالبال غير ذلك من باب أولى، وكما لا يلزم من وجود سماء أو سحاب أو طير محلق في السماء بين المصلي في مصر مثلاً وبين قبلته التي أمامه أو قبلته بمكة وهي الكعبة، عدم وجود سماء أو سحاب أو طير محلق في السماء قَبل المصلي في مصر من جهة الغرب، أو بعد المصلي في الصين مثلاً من جهة الشرق، فكذلك لا يلزم من كون الله بين المصلي في مصر مثلاً وبين قبلته التي أمامه، أو قبلته في مكة، عدم كونه -سبحانه- بين المصلي الذي قَبل مصر من جهة المغرب، ولا عدم كونه بعد المصلي في الصين من جهة الشرق، فالله -عز وجل- أكبر من السماوات والأرض والعرش والكرسي والجنة والنار وسائر المخلوقات، فمهما تصورت من وجود مُصلٍ في الشرق أو في الغرب، فالله بينه وبين قبلته، مع عدم لزوم حلوله -سبحانه- في خلقه، ولا لزوم تعدده -سبحانه-.
      فبان بذلك أن هذا الحديث محكم في الدلالة على علو الله -سبحانه وتعالى- عند أصحاب العقول السليمة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حين تحدث في الحديث السابق، إنما تحدث عن وصف الله -سبحانه- لا عن وصف غيره، وذكر أنه -سبحانه- قِبَل وجه المصلي، أو أنه بينه وبين القبلة، ومعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- موصوف بالعلو المطلق، وظاهر سبب الحديث المذكور هو تنخم أحد المصلين في القبلة، ومعلوم أن من أذكار المصلي في سجوده: سبحان ربي الأعلى، فصفة العلو لله ثابتة عند الصحابة بأدلة الكتاب والسنة قبل أن يقول النبي-صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وهذه الأدلة أخبار أو متضمنة للأخبار، وأخبار الله ورسوله صدق كلها، والأخبار لا نسخ فيها، وإذا ثبت العلو بهذه الأدلة بيقين، فلا يتصور ورود دليل -كهذا الحديث الذي بين أيدينا- يُشكل على تلك الأدلة، بل هو ناصر لها ومعضد لها، وتأمل مناسبة ذكر اسم الأعلى في حالة السجود، تجد أن ذكر هذا الاسم في هذه الحالة، فيه دفع لأي إيهام بحلول الرب سبحانه في خلقه، فسبحان الله، وصلى الله وسلم وبارك على من أوتي جوامع الكلم.
      فهذان اللفظان في الحديث لا يحتملان غير علو الله -سبحانه وتعالى- على خلقه، وكما أننا نقول: بيننا وبين الكعبة أو القبلة نجم أو نجوم من غير أن يحتمل هذا القول عدم كون النجم أو النجوم بذاتها في السماء، فكذلك نقول: إن الله بين المصلي وبين قبلته من غير أن يحتمل هذا القول عدم كون الله في السماء، ولله المثل الأعلى، بل عدم احتمال عدم كون الله في السماء أظهر من عدم احتمال عدم كون النجم في السماء؛ لأن علو الله ثابت بجميع الأدلة، فهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، فالله له العلو المطلق من جميع الوجوه، بخلاف المخلوقات، فليس لها العلو المطلق، والقاعدة أنه إذا وُصف المخلوق بصفة كمال، وجاز أن يتصف بها الخالق، فوصفه -سبحانه- بها أولى؛ لأن الله واهب الكمال، وواهب الكمال أولى به، على أن كمال الخالق لا يماثل كمال المخلوق، قال -تعالى-:
      { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فله الكمال المطلق من جميع الوجوه، بخلاف كمال المخلوق، فللخالق كمال يليق به، وللمخلوق كمال يليق به، ولا يلزم من عدم رؤية الله في العلو، عدم علوه.
      وكما لا يلزم من عدم رؤية المطر عند نزوله، عدم نزوله من السماء، فكذلك لا يلزم من عدم رؤية الله في الدنيا، عدم علوه واستوائه على عرشه -ولله المثل الأعلى- فآثار رحمة الله، بل كل الأدلة دالة على علوه -سبحانه- وإن لم نره.
      واعلم -رحمني الله وإياك- أن استواء الله على عرشه لا يلزم منه عدم كون الرب -سبحانه- أكبر من العرش، فالرب -سبحانه وتعالى- أكبر من كل شيء، واعلم -رحمني الله وإياك- أنه كما لا يلزم من قولك: الجبل بيني وبينك، نفي صفة كبر الجبل واتساعه، إذ لا يتصور في الجبل نفي كبره واتساعه، وإلا، فلا يصح أن يسمى جبلاً، وقد قال -تعالى-:
      {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}
      فكذلك قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "فإن ربه بينه وبين القبلة" لا يلزم منه نفي صفة العلو لله، ولا نفي كونه واسعاً -من باب أولى- مع اعتقادنا أن الله ليس حالاًّ في خلقه.
      وكما لا يلزم من قولك: نيلنا بين أسوان في جنوب مصر وبين السودان، أنه ليس بين القاهرة والحبشة، فكذلك لا يلزم من كون الله بين عبده المصلي وبين قبلته، أنه ليس الأكبر بإطلاق، من باب أولى -ولله المثل الأعلى- مع اعتقادنا أن الله ليس حالاًّ في خلقه-.
      وأوضح من هذين قول المغربي للمشرقي: السماء بيني وبينك، فإنه لا يلزم من ذلك نفي علو السماء ولا كبرها ولا اتساعها، فكذلك لا يلزم من كون الله بين عبده المصلي وبين قبلته، نفي كونه العلي الأعلى الكبير الواسع.
      وتأمل اقتران اسم الكبير بالمتعال، في قوله -تعالى-:
      {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}
      وكما أنه ليس من المحال استواء سفينة واسعة كبيرة على صخرة دونها في الكبر والسعة، فكذلك لا يمتنع استواء الله الكبير المتعالي على العرش، مع أن العرش دون الله في الكبر، وأن الله -سبحانه- أكبر وأوسع من العرش -ولله المثل الأعلى- فالله -عز وجل- أكبر وأوسع من العرش وغير العرش، فهو الكبير بإطلاق، المتعالي بإطلاق، الواسع بإطلاق، قال تعالى: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
      وقال: {وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}
      فكما أن كون الله بين المصلي وقبلته، لا ينافي كونه واسعًا، ولا ينافي كونه كبيرًا، ولا ينافي كونه متعاليًا، فكذلك استواؤه -سبحانه- على عرشه، لا ينافي كونه الكبير والأكبر من العرش وما دونه، فبان بذلك أنه ليس في هذا الحديث المذكور ما يُشكَل به، ولا ما يُشَبَّه به ولا ما يُعَكَّر به، ولا ما يُردُّ به على من أثبت صفة استواء الله تعالى على عرشه، وأن من رد به على من أثبت صفة استواء الله على عرشه، فقد أخطأ في الموضعين، أخطأ في فهم الحديث من جهة، وأخطأ في نفيه صفة الاستواء من جهة أخرى.
      وبان بذلك دحض ما شبَّه به الحافظ ابن حجر على صفة العلو والاستواء على العرش، وبان بذلك -أيضًا- أن هذين اللفظين لا يحتملان تأويلاً -أي تأويل- ينافي علو الله واستواءه على عرشه، والمعصوم من عصم الله.
      أما الألباني، فأولى الناس بالألباني هم السلفيون الذين يمشون على خطى الألباني السلفية ومنهجه السلفي، الذي يطفح بالرد على المبطلين والمخالفين، من أمثال القرضاوي، والغزالي، والسقاف، وغيرهم ممن لا يُحصوَن كثرة، ومن تلك الردود، ردودُه على فرقة التبليغ، ووسمه ووصمه إياها بأنها صوفية عصرية، وردودُه على الإخوان المسلمين، ولما سئل عنهم: أهم من أهل السنة؟! قال: لا يزالون يحاربون السنة، أو كما قال، إلي غير ذلك من كلامه المحكم المفصل المبين في الردود على أهل الباطل، كقوله في بعض الأدعياء المتعالمين ومنهجهم: خارجية عصرية، فأين هو من منهج الألباني السلفي في رده على أهل الباطل؟!
      أم هو التشدق -فحسب- بالألباني وغيره في سياق كلامه، حتى يروِّج تلبيسه، ويروج تشويهه للمنهج السلفي وحملته؟! وحتى يروج طعنه وإعماله للجرح والتعديل في غير محله؟!
      فهو يجرح العلماء السلفيين بتشويهه لهم ولمنهجهم مرات ومرات، وكرات وكرات، ويُعدِّل من بدعهم أهل العلم، ولا يغرنك -أيها السلفي- تشدُّقه أحيانًا بقوله في الشيخ ربيع وأمثاله: إنهم من أهل السنة، فهذا منه كذر الرماد في العيون، وإلا، فما قدْر وقيمة قوله هذا مع سلوكه الطرق الخبيثة الماكرة في الطعن في السلفيين -عن بكرة أبيهم- والطعن في علمائهم، والطعن في المنهج السلفي، فكن على حذر من هذا الصنف من الناس.
      وكيف يكون صادقًا هنا؟! وهو يُشيد بأهل الضلال الذين يطعنون في الألباني -رحمه الله- ومنهم فوزي السعيد، الذي يقول عن الشيخ الألباني: إنه يقول في الإيمان بقول الجهم بن صفوان، كبرت كلمة تخرج من فيه إن يقول إلا كذبًا، وهاك ما ذكره ابن القيم -رحمه الله- في نونيته مبيناً مذهب الجهم في الإيمان، بما يبريء الشيخ الألباني مما رماه به فوزي السعيد، وبما يُلقِم فوزي السعيد ومَن أشاد به أحجاراً، حيث قال ابن القيم -رحمه الله- في النونية صـ 26 طبعة المكتبة التوفيقية، ما نصه:

      63- قَـالُوا وإقْـرَارُ العِبَـادِ بِأنَّـه *** خلاقُهُم هُوَ مُنْتهىَ الإيمَـانِ
      64- والناسُ في الإيمانِ شيءٌ واحـدٌ *** كالمِشْطِ عِنْدَ تَماثُلِ الأسْنَانِ
      65- فاسْـألْ أبا جَهلٍ وشيعتَـهُ ومَنْ *** وَالاهُمُ مِنْ عَابِدي الأوثَـانِ
      66- وسَلِ اليهُودَ وكُلَّ أقْلَفَ([1]) مُشْركٍ *** عَبدَ المَسِيـحَ مُقَبِّلِ الصُّلبَـانِ
      67- وَاسْألْ ثَمُودَ وعادَ بل سَلْ قَبلَهُم *** أعْـدَاءَ نُوحٍ أُمَّـةَ الطُّـوفَانِ
      68- واسأَلْ أبَا الجنِّ اللعينِ أتعرفُ الـ *** خَلاقَ أَمْ أصْبَحْتَ ذَا نُكْرَانِ؟!
      69- وَاسْألْ شِـرارَ الخلقِ أعْنِي أُمّـَةً *** لُوطِيَّةً همُ ناكِحُـوا الذُّكْرَانِ
      70- وَاسْأل كَذَاكَ إمَامَ كُـلِّ مُعطّـِلٍ *** فِرْعَونَ مَعْ قَارُونَ مَعْ هَامَـانِ
      71- هل كانَ فيهِمْ مُنْكـرٌ للخالِقِ الرَّ *** بِّ العظيمِ مكوِّن الأكْـوانِ؟!
      72- فَلْيُبْشِرُوا ما فيهِـمُ مِنْ كافِـرٍ *** هُمْ عندَ جَهْمٍ كَامِلوا الإيمـانِ!!



      أقول: فعلى اتهام فوزي السعيد للشيخ الألباني -رحمه الله- بأنه قال في الإيمان بقول الجهم بن صفوان، يكون مقتضى مذهب الشيخ الألباني -رحمه الله- في الإيمان -بناءً على هذا الاتهام- هو الحكم بالإيمان لهؤلاء الكفرة المذكورين جميعًا، وسائر إخوانهم من الكافرين الذين يقرون بوجود الله، وأنه الخلاق، وأن الشيخ الألباني -رحمه الله- يرى أن الإيمان هو الإقرار بالله الخالق فحسب، وأن الناس عنده فيه سواء، وأنهم كاملوا الإيمان بهذا الإقرار، وهذا محض كذب وافتراء على الشيخ العلامة المحدث السلفي، أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني، ناصر الحديث والسنة، وقامع الرأي والبدعة، فمذهب الشيخ الألباني في الإيمان، الذي صرَّح به في كتبه، وعُرف عنه وذاع واشتهر، هو مذهب أهل السنة والجماعة، وأن الإيمان قول وعمل، أو بتعبير آخر: اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وعلى هذا فالمؤمنون متفاوتون فيه عنده، وإذا كان فوزي السعيد قد عمي عن معرفة حقيقة مذهب الألباني في الإيمان، فقد عرف مذهبه السلفيون، أنصار الألباني ذي المذهب السلفي.
      وإن تعجب فعجب قول ابن حسان في لقاء مع محمد بن عبد السلام، على قناة الرحمة، بعنوان: مقومات الداعية:
      «وأرجو الله -عز وجل- أن يَرَوا في هذا البرنامج بالذات، وجوهًا جديدة، تظهر على قناة الرحمة لأول مرة، يعني أود لو أذِنْتَ لي، أن .. أن نسعد في هذه الأيام المقبلة، باستضافة أخي الحبيب الدكتور محمود عبد الرزاق، فهو من الدعاة الذين أحبهم في الله، أخي الحبيب فضيلة الشيخ محمد رسلان، إيه وددت بكل قلبي أن لو سعدت قناة الرحمة، بأخي الحبيب الشيخ محمد عبد المقصود، بأستاذنا المبارك، بأخي الحبيب الشيخ نشأت، بأخي الحبيب الشيخ فوزي، هؤلاء من الدعاة، أنا أنا أتكلم عن الدعاة، الذين -يعني .. بفضل الله، برزوا على الساحة، أتمنى، وأرجو الله -عز وجل- أن نستفيد بخبرة أخي الحبيب وشيخنا المبارك، الشيخ أبي إسحاق الحويني، وكذلك الشيخ محمد حسين يعقوب، فهؤلاء سادة، وهؤلاء قادة، فأرجو أن تستفيد بهم وبوجودهم وبغيرهم وبغيرهم»
      ثم قال في نفس اللقاء بعد الرد على بعض المكالمات الهاتفية:
      «أنا أرجو أن توجِّه لو تكرمت دعوة في مثل هذا البرنامج، لـ .. يعني أستاذ من أساتذة الدعوة إلى الله في العصر الحديث، الدكتور محمد إسماعيل، الدكتور أحمد فريد، أنا أدعو، والله أنا أخشى بس أن أذكر أسماءً، وأن أغفل عن أسماء، الدكتور عبد العظيم بدوي، الدكتور طلعت عفيفي، أساتذة الدعوة إلى الله -عز وجل- وما أكثرهم في الأزهر!! وأنا أحيى الأزهر؛ لأنه يعني مصدر الدعوة إلى الله -عز وجل- ووالله ثم والله لا أقول ذلك مجاملة لأحد، لا ينبغي أبدًا أن نقلل من شأن الأزهر، ولا من شأن علمائنا وأساتذة الدعوة إلى الله في الأزهر، فأنا شخصيًا منهم تعلمت، وعلى دربهم خطوت، ولا زلت أرى أنني متسلق على نباتهم الغض، ومتسلق على مائدتهم الغضة العذبة، فأنا أرجو يا دُكتُر محمد هذه فرصة، و ولو استضفت إخواننا، لو في كل إيه يعني ساعة مثلاً، استضفت عالمًا من هؤلاء الأفاضل، لأثريت هذا الموضوع؛ لأنه موضوعهم، لاسيما الدكتور عمر عبد العزيز -أيضًا- أستاذ في الدعوة، وغيرهم كتير، يعني، فأسأل الله -عز وجل- أن يبارك فيهم جميعًا، وأخشى ألا يغضب مني أحد، إن كنت قد ذكرت اسمًا دون اسم، فوالله ما ذكرته .. يعني من ذكرته .. يعني، لا يقل حب من لم أذكرهم في قلبي عن حب من ذكرتهم بفضل الله -جل وعلا-»
      وهذا رابط كلامه بصوته:http://jumbofiles.com/q8jqsvfa4vxe
      قلت: لقد بان بذكره لهؤلاء، وثنائه عليهم، وإشادته بهم، بان بذلك عورته أكثر، وانكشف بذلك سوأته أكثر وأكثر، فمَن ذكرَهم، منهم التكفيري، ومنهم الإخواني، ومنهم المنتسب إلى منهج السلف، وليس محققًا للمنهج السلفي -في أحسن أحواله- ومنهم المجهول، الذي يكفيك في التعريف بحاله ثناؤه عليه،كما أن ثناءه على هؤلاء، وجمعه إياهم في سياق واحد يكفيك في التعريف بحاله، فتأمل.
      ثم إني لا أعلم أحدًا من السلفيين الذين هم خصومه في معاركه، قال عن الحافظ ابن حجر متهكمًا: ابن حجر مين؟! وابن زلط مين؟! أو قال: ألباني إيه؟!
      فإما أن يكون هذا مختلقًا على السلفيين، وإما أن يكون قائله هو من أذناب أو أرباب فرق الضلال، من أمثال الفرقة الحدادية، فأهل الضلال من أمثال فرقة التبليغ وفرقة الإخوان المسلمين وجميع ذيولهم وأفراخهم بما فيهم أدعياء السلفية، من أمثاله، هم المعروفون بالطعن في العلماء، وهذا الرد بطوله وعرضه يدل بلا خفاء على طعنه في المنهج السلفي وعلمائه، فيصدق عليه المثل السائر: رمتني بدائها وانسلت، ويقال: إن بعض أهل الضلال يقول عن ابن باز -رحمه الله-: ابن جاز، وإن بعضهم يقول عن السلفية: تلفية.
      وقد سمعت بعض المخذولين باليمن بمسجد الخير بصنعاء، يقول عن الشيخ مقبل وطلبته: حزب مكافحة الأحزاب!! قالها تهكمًا، وأقول له ولأمثاله:
      إن الشيخ مقبلاً -رحمه الله- وطلبته -حفظهم الله وبارك فيهم- هم من حزب الله السلفي، الذي هو واقف بالمرصاد لأهل الضلال، والذي هو حجر عثرة في طريق أرباب الضلال، ومناهج الضلال.
      واليوم نقول:إن الشيخ يحيى الحجوري -حفظه الله- الوارث لكرسي التدريس للشيخ مقبل -رحمه الله- هو وطلبة دار الحديث بدماج -حفظهم الله- واقفون اليوم بالمرصاد لأهل الضلال، وهم حجر عثرة في طريق أرباب الضلال ومناهج الضلال، كما كان شيخهم -رحمه الله- وطلبته، ويغتفر لأمثال هؤلاء المكثرين في العلم والتدريس والتأليف والخطابة وغير ذلك مالا يغتفر لأهل الزيغ والضلالة والقلة في العلم والضآلة، بل أقول:
      إن غاية ما يَنشده الدجالون أو أشياعهم اليوم هو المُلك، وغاية ما ينشده السلفيون هو نصرة الحق، والحق يغلب الملك، وسياط الحق على ظهورهم وقلوبهم أشد من سياط الجلود وغيرها، ولن يهنأ مبتدع بمُلكه على يد السلفيين، كما لم يهنأ فرعون بملكه على يد موسى وهارون، وكما لم يهنأ المأمون والواثق وغيرهما من ملوك العباسيين، الذين امتحنوا العلماء في القرآن، فكان مَن أجاب منهم، وقال: إن القرآن مخلوق، خلوا سبيله، ومن لم يُجب، وقال: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، قتلوه، أو سجنوه، أو ضربوه، أقول:
      لم يهنأ هؤلاء بملكهم على يد أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة -رحمهم الله- وليس معنى هذا أن السلفيين يخرجون على حكامهم، فإن أحمد بن حنبل لم يخرج على ملوك زمانه، ولم يأذن لأهل بغداد في الخروج على الواثق، وحذرهم من الدماء، ووصاهم بالصبر، حتى يستريح بر ويستراح من فاجر، كما في السنة للخلال، مع أنهم امتحنوه في القرآن وآذوه وسجنوه وضربوه، ومع أن هؤلاء الملوك سجنوا من سجنوا، وقتلوا من قتلوا في المحنة كأحمد بن نصر الخزاعي، الذي قتله الواثق، وإنما المقصود أن الحق قاهر لأهل الأهواء، ولو كانوا ملوكاً وسلاطين وخلفاء.
      وينبغي للعاقل أن يعتبر بمصير أهل الأهواء، من أمثال أسامة بن لادن وغيره، فما جنت الأمة منه ومن أمثاله إلا الثمار المرة، وقد قيل: بثمارهم تعرفونهم، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينتصر للسلفيين المظلومين الذين ظلمهم أهل الأهواء ظلمًا شديدًا في هذا العصر، وأن ينتصر للشيخ جميل الرحمن، الذي كان أمير الجهاد بولاية كُنر بأفغانستان، والذي قتله خصوم الدعوة السلفية ظلمًا وعدوانًا، فاللهم عليك بالبغاة المعتدين، الذين يعتدون على أوليائك، ويصدون عن سبيلك في كل مكان، هذا، ولا ينبغي لعاقل أن يترك الرد على أهل الأهواء في هذه المحن المتعلقة بالخوارج في هذه الأيام، بدعوى أن العلمانية زاحفة على الدين، أو أنها ضد الدينيين ومتربصة بهم، أو نحو ذلك؛ لأننا نقول -نحن معشر السلفيين-: إننا ضد أهل الأهواء وضد العلمانية معًا، إلا أن الرد على أهل الأهواء أوجب من الرد على العلمانيين؛ لأن أهل الأهواء يَلبسون على الناس أمر دينهم باسم الدين وتحت مظلته، فيغتر بهم كثير من الناس، ويحسبون أنهم مهتدون، كما هو الواقع، أما العلمانيون، فأمرهم وشأنهم وفسادهم أظهر من أمر أهل الأهواء، بحيث لا ينطلي أمرهم على مثل من ينطلي عليه أمر أهل الأهواء، فتفطن.
      فإن قيل: ما قيمة ردود أهل السنة على أهل الأهواء مع عدم مبالاة أهل الأهواء بها؟!
      قلنا:تلك الردود هي من باب إقامة الحجة على أهل الأهواء، وقطع عذرهم، والخروج من عهدة الكتمان، ورجاء أن ينتفع بها غيرهم، ومن شاء الله له الانتفاع، وما ضر نوحاً ولا غيره من الرسل عدم استجابة من لم يستجب لهم من أقوامهم، وممن أُرسلوا إليهم، وقد قال النووي-رحمه الله- ما معناه: يجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو عُلم عدم الاستجابة.
      ثم إن من استكبر عن قبول الحق ضرب الله عليه الذل، لمفهوم ما رواه مسلم -رحمه الله- في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: "وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله" أوكما قال، فمفهومه أن من تكبر، ولم يتواضع لله الحق، ولم يقبل هُدى الله الذي أَرسل به رسوله، خفضه الله، ووضعه، ونكَسه، وأذله، إضافة إلى منطوق سائر الأدلة من الكتاب والسنة، الدالة على ذل من خالف أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كقوله تعالى عن إبليس: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}
      ففي هذه الآية أن المتكبر غير ممكن، وأن العاقبة ليست له، وإنما العاقبة للمتقين وللتقوى، لا للمتكبرين الصاغرين ولا للطاغين ولا للطغوى.
      وقوله تعالى عن اليهود:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}
      وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}
      وقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الحديث الصحيح، لما رأى سِكَّة، أي آلة حرث، بالمدينة : "ما دخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل" وقد حمله بعض أهل العلم على ما إذا شغلت أصحابها عن الجهاد أو نحو ذلك، ويؤكد ذلك قوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري" وتأمل ارتباط الجملة الأخيرة في الحديث هنا بالتي قبلها، مما يؤكد لك أن ترك الجهاد سبب للذل، ويؤكد ذلك أيضاً قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه عنكم، حتى ترجعوا إلى دينكم" ومن هنا تعلم أن جهاد أهل السنة لأهل الأهواء والمبطلين، بسيف الحجة، سبيل عز وتمكين، وقد قال الله تعالى بشأن القرآن: {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} والجهاد الكبير يثمر عزاً كبيرًا، وتمكينًا كبيرًا، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في نقض المنطق: قال مجاهد -وهو إمام أهل التفسير- الذب عن الشرع أفضل من الجهاد. انتهى بمعناه.
      ومن هنا تعلم أيضاً مدى الذل والصغار المضروب على أهل الأهواء والضلال، ذاك الذل الذي لا يفارقهم في يقظة ولا منام، فمن أهان الدين أهانه الله، ومن أذل الدين أذله الله، ومن أهان أهل العلم أهانه الله، ومن أذل أهل العلم أذله الله، فلا تغرنك -أيها السلفي- جعاجع وفراقع وقعاقع القوم وكثرتهم، فلو كانت العبرة بالكثرة، ولو كان الحق يعرف بالكثرة، لكانت يأجوج ومأجوج وسائر المشركين والكفار هم من أصحاب الجنة، وهذا باطل محال؛ لمناقضته الأدلة الكثيرة الدالة على أن أكثر أهل الأرض مشركون وكفار، فلا يزهدنك -أيها السلفي- أحد في الرد على أهل الباطل والضلال بعزم وجد وقوة، بدعوى أن هذا يثير الفتنة، فإن هؤلاء المزهدين هم قطاع طرق الآخرة، وحائلون بين الناس وبين سبيل عزهم، ثم إن الفتنة كل الفتنة هي مخالفة الكتاب والسنة، لا الذب عن الكتاب والسنة، وقد قال تعالى:
      {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
      قال الإمام أحمد -رحمه الله-: الفتنة الشرك، قلت: يُصدقه قوله تعالى:
      {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}
      وقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}
      وقوله تعالى في المنافقين: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}
      قلت: وإذا كان الذب عن السنة فتنة، فماذا تسمى البدعة والضلالة؟!
      واعلم –رحمني الله وإياك- أن المجاهدين في الله أهدى الناس سبيلاً، قال تعالى:
      {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
      وها هم أهل السنة يجاهدون، ويقاتلون أهل الأهواء بسيف الحجة والبرهان، حتى لا تكون فتنة، وحتى يهديهم الله سبله، وحتى يحققوا الإحسان، الذي يَنعم ويُؤَيَّد صاحبه بمعية الله.
      واعلم -رحمني الله وإياك- أن أهل العلم ليسوا في باب هذا الجهاد سواءً، وأعلاهم قدراً هو أعظمهم جهادًا، وتأمل رفعة مثل أبي بكر الصديق، الذي جاهد المرتدين، ورفعة أحمد بن محمد بن حنبل، الذي جاهد المعتزلة وغيرهم من أهل الضلال، وتأمل رفعة شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، الذَين جاهدا أهل الشرك والضلال والتعصب المذهبي، وتأمل رفعة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي، الذي جاهد المشركين ونصر التوحيد، وتأمل رفعة ابن باز والألباني وابن عثيمين والوادعي والنجمي والمدخلي وغيرهم ممن نصر السنة، وقمع البدعة، ونصر التوحيد، وقمع الشرك في هذا العصر، فضلاً عن تأمُّل رفعة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي جاهد الكفار والمنافقين، ورفعة سائر إخوانه من المرسلين الذين دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وجاهدوا أهل الباطل بالسنان أو اللسان أوبهما معاً، فكن على سبيل هؤلاء تفز، فهم القوم لا يشقى بهداهم مقتدٍ، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفق ولاة الأمور ببلاد الحرمين -سددهم الله وأعزهم بطاعته- بما آتاهم الله من عز وتمكين، أن يوفقهم لهدم القبة المبنية على قبر الرسول وصاحبيه، مع صون حرمتهم، عملاً بالأدلة الصحيحة في النهي عن البناء على القبر، والأمر بتسوية القبور المشرفة، حتى لا يتذرع بهذه القبة صوفي قبوري، ولا رافضي خبيث، في تجويز وإقرار القباب والمشاهد التي يُشد إلى أصحابها الرحال في شتى البلدان، ويدعى أصحابها من دون الله، ويُستغاث بهم، ويتبرك بأتربتهم، ويطاف حولهم، إلى غير ذلك من الشركيات والبدع التي تنافي إخلاص التوحيد بالله سبحانه وحده لا شريك له، وأن يسنوا بذلك -أعني ولاة أمور بلاد الحرمين -أعزهم الله بطاعته- سنة حسنة لسائر ولاة أمور المسلمين، وأن يعين ولاة أمور المسلمين جميعاً في سائر البلدان على سد جميع ذرائع الشرك، فإنّ نصْر التوحيد، ومجاهدة الشرك وذرائعه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هو سبيل النصر والعز والتمكين، قال تعالى:
      {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
      قلت: وتغيير أي منكر منوط بالاستطاعة، فإن تحققت، وجب تغيير المنكر، وإلا، فلا، إذ لا واجب مع العجز، ولا يجوز تغيير منكر بما هو أنكر، ويجب دفع المفسدة العظمى إن لم يمكن دفع المفسدتين الصغرى والكبرى، إذ لا يجوز أن نبني قصراً ونهدم مصراً، وهذا من أعظم الفقه الذي يميز السلفيين عن الحمقى والمغفلين من أهل الأهواء الحماسيين، الذين يجنون على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويؤلبون، ويثيرون أعداء الإسلام عليها، ويجرون عليها الويلات.
      أما حكايته قول من قال:«الألباني متساهل في التصحيح» فقد مر التعليق على مثله ولا بأس بالإعادة مع الزيادة، فأقول:
      لا أعلم أحدًا من أهل العلم بالحديث الراسخين فيه، أطلق القول في الحكم على الألباني -أمير المؤمنين في الحديث في عصره -رحمه الله- بأنه متساهل في التصحيح، ولم أسمع شيخنا مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- مع مخالفته للشيخ الألباني -رحمه الله- في حكمه على بعض الأحاديث أو كثير منها بالحسن أو الصحة- لم أسمعه حكم على الألباني -رحمه الله- بأنه متساهل في التصحيح، مع أنه كان يُعْرَض عليه في أحايين كثيرة، كلام الشيخ الألباني على بعض الأحاديث التي يصححها أو يحسنها الشيخ الألباني، فيقول الشيخ مقبل -رحمه الله-: الحديث ضعيف يا إخواننا، أو يقول: لا يرتقي الحديث إلى الحسن، أو نحو تلك العبارات، وهو في الوقت نفسه كان يجل الشيخ الألباني -رحمه الله- إجلالاً كبيرًا، وقد قال ذات مرة عن الشيخ الألباني -رحمه الله- بعد مخالفته إياه في الحكم على حديث:
      حسبه أن يكون إمام عصره، أما أن يناطح الأوائل، فلا.
      هذه أحفظها من الشيخ -رحمه الله-.
      وكان الشيخ -رحمه الله- يقول إذا سئل عما لو اختلف هو مع الشيخ الألباني في الحكم على حديث بقول من نأخذ؟! فيجيب الشيخ بالأخذ بقول الألباني، هذا قاله قديمًا، أما بعد ذلك فكان يقول: من كان أهلاً للبحث فليبحث، وليأخذ بالحكم الذي يترجح له، وكان أحيانًا يشدد في العبارة إذا عُرض عليه كلام الشيخ الألباني على بعض الأحاديث التي يسهب الشيخ الألباني -رحمه الله- في جمع طرقها، ثم يحكم -أي الشيخ الألباني -رحمه الله - بحسن الحديث أو بصحته، ويقول -أعني شيخنا مقبلاً-رحمه الله-: "هذه لفلفة" أو "ما هذه اللفلفة؟!" أو نحو ذلك، ذاكرًا كلمة "لفلفة" حيث كان شيخنا الوادعي -رحمه الله- يخالف الشيخ الألباني في حكمه على مثل ذلك الحديث بالصحة أو الحسن، ويرى أن هذه الطرق التي جمعها وحشدها الشيخ الألباني لا تقوى بمجموعها على الوصول إلى درجة الحسن أو الصحة، إذ إن مدارها على متروكين ونحو هؤلاء ممن لا تُصحح أحاديثهم، ولا تُحسن، ولو تعددت مثل تلك الطرق.
      وقارن -أخي السلفي- بين قوله:«ممكن أخ ... ويتهكم على الشيخ، يسخر منه، أو يهزأ به، أو يطعن فيه ...» إلى آخره، وبين قوله:
      «بيطعن اللي قرأ الكتابين، اللي دايمًا بؤول عليهم: شرشر نط أكل البط، هو اللي يطعن في الكبار...» إلي آخره، مع أن خصومه هؤلاء هم في الجملة سلفيون، ويتكلمون فيمن يُسَمون رموزاً!! أو شيوخاً، بالدليل والبرهان، سالكين في ذلك سبيل العلم وأهل العلم، وإن لم يقصد بتهكمه السلفيين الذين هم خصومه، فمن المقصود به؟!
      قلت: ولقد قال الله تعالى-:
      { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}
      وقال: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}
      فهل مثل هذا الذي يقلب الحقائق يؤمن على دين الناس؟! اللهم لا.
      ثم أين هذا الطالب الذي يخرج الحديث من مليون!! كتاب، ويرى أنه صار عالمًا!! ويطعن في الألباني، ويطعن في ابن باز وابن عثيمين؟!
      هذا الطالب إن كان موجودًا يومًا في عالم الأحياء، فلن يكون كلامه ولا طعنه معتبرًا عند أهل العلم، على أن مثل هذا الطالب إن وجد مثله بين السلفيين، فله نظائر وأشباه كثيرة شر منه بين أهل الضلال، من أمثال فرقة التبليغ والإخوان وأفراخهم، على أن أسعد الناس بالحديث وأكثرهم اشتغالاً به هم السلفيون، وأن أشقى الناس بالحديث وأكثرهم ابتعادًا عنه هم أهل الضلال وأهل الهوى وأهل الرأي، على أن مخالفةَ أحدِ أهل العلم أو طلبة العلم لعالم من العلماء، والحكم على العالم بأنه أخطأ في مسألة كذا وكذا، لا يعد طعنًا في المخالِف، ما دام المخالِف متأهلاً لأن يخالف، ويَعرف الصواب من الخطأ، ويَقبل الحق بدليله، ولا يلزم من مخالفة طالب علم لأحد العلماء والأئمة في مسألة أو أكثر اتبع فيها هذا الطالب الحق والدليل، لا يلزم من تلك المخالفة كون هذا الطالب أعلم من هذا العالم أو الإمام بإطلاق.
      واعلم -رحمني الله وإياك- أن العالم قد يصف غيره بأنه جهل حكم مسألة كذا، أو غفل عن حديث كذا، أو دليل كذا، أو وهم في كذا، أو صحَّف في كذا، أو أخطأ في كذا، أو غلط في كذا، إلى غير ذلك من أشباهه ونظائره، وهذا، وإن كان فيه نوع طعن، إلا أنه ليس بالطعن الذي يصل بالمطعون إلى حيز فَقْد الضبط -الذي هو أحد شرطي الثقة أو ركنيها- بإطلاق.
      وكوننا نعتقد أن مثل هذه الأمور التي تند من العالم، لا تصل بنا إلى حد فقد الثقة به، أو الحكم عليه بفقد ضبطه بعبارة أخرى، فإننا في الوقت نفسه نَعُدُّ مثل هذه المآخذ نوعًا من الطعن، ولو أن مثل تلك الأشياء كثرت وفحشت من صاحبها، فإنه يخرج -والشأن ما ذكر- عن حد الاحتجاج به، وعن حد الثقة إلى حد عدم الاحتجاج به؛ لفقده الضبط، والثقة لا يكون ثقة إلا إذا كان عدلاً ضابطًا، فإذا فقد الضبط، لم يكن ثقة، وإذا فقد العدالة، لم يكن ثقة، ولا يكون ثقة إلا إذا كان عدلاً ضابطًا، أما من ندرت أو قلت أخطاؤه وأوهامه، ولم يفحش خطؤه ولا غلطه ولا وهمه، فحديثه مقبول، وكلامه وخبره مقبول، بخلاف فاحش الغلط، فإنه من جنس المتروكين، كالمتهم بالوضع أو الكذب، وإن كان المتروك لاتهامه بالكذب أو بالوضع أسوأ حالاً من المتروك لفحش غفلته وغلطه وخطئه؛ لعود الأول إلى أمر الدين لا إلى أمر الضبط، فكلمة الطعن المذكورة في كلامه كلمة فيها نوع إجمال؛ لأن الطعن قد يُخرج المطعون عن دائرة أهل السنة، وقد لا يخرجه، فلا بد من بيان نوع الطعن.
      قوله: «بيطعن اللي قرأ الكتابين، اللي دايمًا بؤول عليهم: شرشر نط أكل البط، هو اللي يطعن في الكبار؛ لنو ما عندوش .. مفيش أدب، ومتعبش، دا دا طالب علم الكمبيوتر، آه بيئُعُد باسطوانة ويشتغل على الأزرار، ويطلَّع تخريج الحديث من مليون كتاب، والواد بئى عالم»
      قلت: تأمل تهكمه ومبالغته وإفراطه وإسرافه وغلوه في قوله: من مليون كتاب!! ولو قال ألف كتاب لكان مبالِغًا، فكيف بألف ألف؟! وهذا منه إخبار، وهو مخالف للواقع عادة، فهو كذب، وإلا، فليأتنا بمثال واحد لمخرِّج يُخرِّج الحديث من مليون كتاب!!
      وأما قوله: «ما الحرج أن أختلف وأنا طالب من طلابهم، مع شيخ من شيوخي في عشرات المسائل»
      فنقول فيه: هناك حرج شديد في الاختلاف مع أهل العلم بلا حجة ولا برهان، ولو كان الخلاف في مسألة واحدة، فضلاً عن عشرات المسائل!!
      وأما قوله:«وورب الكعبة لا أستحي ولا أتورع إن رأيت هذا الشيخ وهذا العالم، أن أسارع الخطا لأحمل له حذاءه بين يدي، والله أفعل ...»
      فنقول فيه: ليتك أسرعت الخطى خلف العلماء السلفيين، وسرت على منهجهم، فإننا نرضى منك ذلك، ولو لم تحمل لهم الحذاء، أما السير خلف أهل الأهواء مع حمل الحذاء، فكل ذلك عناء وشقاء، ولقد ثبت أن عبدًا للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قام ليحُل رحله، فأتاه سهم فقتله، فقال الصحابة: هنيئًا له الشهادة، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا، أو كما قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومعلوم أن العبد خادم، وخدمته أعم من أن تُقصر على حمل نعل، ثم مَن هذا العالِم الذي لا تستحيي ولا تتورع أن تسرع الخطا إن رأيته لتحمل له الحذاء بين يديك؟!
      أهو الشيخ ربيع المدخلي، الذي بدعك أنت والحويني، وقال: إن تربيتكما إخوانية؟!
      أم الشيخ ربيع ليس بعالم؟!
      أم ستنفر منه، وتفر منه ومن أمثاله، فرارك من الأسد، ونفرتك من الأسد؟!
      وأما قوله:«ولا ننكر أبدًا منهج الجرح والتعديل، ومن أنكره فهو جاهل سفيه»
      فيقال فيه: منهجكم في الجرح والتعديل قائم على تجريح أ‎هل السنة، وتعديل أهل البدعة، أما أهل السنة فمنهجهم قائم على تجريح أهل البدعة، وتعديل أهل السنة, ومن أنكر منهجهم في ذلك فهو جاهل سفيه، بل مبتدع زائغ يخشى عليه الكفر، قلت: ولما كان أدعياء السلفية يداهنون المجروحين من أمثال الإخوان المسلمين وغيرهم، ولم تكن تلك المداهنة قائمة على أصل وساق المنهج السلفي الحق بداهة، فإنه سرعان ما تنقلب تلك المودة الظاهرة بينهم إلى عداوة ظاهرة بحيث يأكل بعضهم بعضاً لحمًا، ويرمي بعضهم بعضاً عظماً، كما يقال، فأهل الأهواء مختلفون فيما بينهم، ولو ادعوا خلاف ذلك في الظاهر، وما مقاتلة أهل الأهواء بعضهم بعضاً، واشتغال بعضهم ببعض في أفغانستان بعد مقاتلتهم الروس منا ببعيد، وقد قيل:
      بثمارهم تعرفونهم- نسأل الله العافية-.
      قوله:«فأنا أقول: رُد وذب عن عرض العلماء، وعرض المشايخ، وعرض الدعاة بما تعلم عنهم من خير، أنا أُلْت مرة: بكل أسف، ممكن يبئى فيه شيخ بيعلمنا بَآَلُو مثلاً خمسطاشر سنة أو عشرين أو تلاتين سنة، وأهل الباطل يريدون أن يسقطوا هذا الشيخ أو أن يشوهوا صورته، فيقولوا كلامًا كاذبًا باطلاً، كما قالوا على نبينا وعلى أصحابه وعلى ربنا، مكمن الخطر أنه ربما يتأثر بهذا الكلام كثير ممن كانوا يتربَون على يديه طيلة السنوات الماضية، كارثة، تلائيه في يوم يؤلك: صحيح يا أخي، تصور مكناش واخدين بالنا، دا حنا كنا مغفلين أوي، يا للعار والشنار!! ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
      هذه هي المصيبة، أن يُطَيِّر أهل النفاق كلمات خبيثة، ليشقوا بها الناس قسمين وصنفين، أما الأول يذب ويرد، وأما الثاني يتأثر، وربما يردد، ولقد رضضـ.. ردد كلمات عبدالله بن أُبَيّ الخبيثة في حق أم المؤمنين عائشة، بعض الطيبين، بعض الطيبين من أصحاب سيد النبيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله»
      أقول: كيف يرد مستمعوك، ويذبون عن عرض العلماء والمشايخ والدعاة الذين هم علماء ومشايخ ودعاة سنة عندك -لا عند أهل السنة- من أمثالك وأمثال الحويني وفوزي السعيد ومحمد بن عبد المقصود ومحمد بن إسماعيل المقدم وياسر برهامي، وغيرهم ممن هم على شاكلتهم، من أهل التحزب والضلال، أقول:
      كيف يردون، ويذبون عن هؤلاء بعلم، والحال أن شيخهم يفتقر إلى العلم؟! وإذا كان الشيخ يرد بالباطل، فكيف بالطالب؟! وقد قيل:


      إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا *** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

      ثم إنه لا إشكال في أن الطالب قد يتبين له بعد عشر سنوات، أو خمس عشرة سنة، أو عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، أو أقل أو أكثر، قد يتبين له دجْل شيخه وتمويهه، فيتركه ولا كرامة، وهم حينما يرددون كلام أهل العلم في أهل الأهواء بصدق وإخلاص، يصبحون بريئين من النفاق، ويصبحون ناجين سالمين، وهل أهل العلم الفحول النحارير السلفيون الأقحاح، الذين يتكلمون في أهل الأهواء بحق، هم كعبد الله بن أبي بن سلول -رأس المنافقين- بحيث لا يجوز ترديد كلامهم؟!
      وهو بدجله ذاك، يريد أن يُثَبِّت أتباعه على التعصب لأمثاله، وهل أنتم -وقد بدعكم العلماء- كأمنا عائشة أم عبد الله، الصديقة بنت الصديق، زوج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وأحب النساء إليه؟! نعوذ بالله من دجْل يبلغ بصاحبه إلى مثل هذا الحد من التشبيه والتشويه.
      ولا بأس أن يصدع العلماء في أهل الباطل بحكمهم الحق، ولو شُق الناس نصفين، أو شقوا أثلاثًا، أو أرباعًا، أو أخماسًا، أو أسداسًا، أو أسباعًا، أو أثمانًا، أو أتساعًا، أو أعشارًا، أو أكثر من ذلك، حتى يميزوا الخبيث من الطيب، ويجعلوا الخبيث بعضه على بعض، ولو اختلف الخبيث بعضه مع بعض، فالدَّرَك والتبعة والعهدة في هذه الفُرقة هي على أهل البدعة والفرقة، لا على أهل السنة والجماعة، الذين يوقفون الناس على طريق الحق، ولو قل سالكوه، ولو تشعبت بأهل الضلال والبدع الطرائق والسبل، فدعك من مسكنات آلام أتباعك، فإنها حقن ومسكنات كاذبة، خافضة غير رافعة.
      قال: «ولقد رضضـ.. ردد كلمات عبدالله بن أُبَيّ الخبيثة في حق أم المؤمنين عائشة، بعض الطيبين، بعض الطيبين من أصحاب سيد النبيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله»
      أقول: لو قال: بعض صحابة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بدلاً من قوله: «بعض الطيبين ...» لكان أقوم قيلاً، وأهدى سبيلاً، وأرفع لأدنى إيهام بشر أو سوء ظن بأحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فَتَرْكُ مثل هذه اللفظة في مثل هذا السياق، هو سبيل أهل العلم من العلماء وحذاق الأمة، الحريصين على إغلاق أي باب وسبيل يفضي إلى الوقيعة في أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فكلمة: «بعض الطيبين من» قد توهم أن غيرهم ليس بطيب، وقد توهم أن هؤلاء الطيبين مغفلون، لما علم من العرف المصري أن كلمة طيب قد تساق مساق ذم صاحبها وغفلته، ومعلوم أن المتحدث بها هاهنا مصري، والذين يشافههم مصريون، خاصة إذا علمت أنه أورد هذه اللفظة في سياق ذكره أهل النفاق، الذين يُطَيِّرون كلمات خبيثة، ليشقوا بها الناس قسمين وصنفين، أما الأول يرد، وأما الثاني يتأثر وربما يُردد -على حد حكاية كلامه- ثم ذكر في سياق التمثيل للصنف الثاني المُردِّد بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال:
      «ولقد رضضـ.. ردد كلمات عبدالله بن أُبَيّ الخبيثة ... بعض الطيبين من أصحاب سيد النبيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله »!!
      قلت: ولقد أنكر شيخنا الوادعي قول بعض الطلبة حين وصف صحابة النبي بالطيبين الطاهرين، وقال شيخنا: الشيعة يقولون هذا، أو بهذا المعنى.
      وفهمت من إنكار الشيخ -رحمه الله- أن الشيعة -قبحهم الله- يقولون مثل هذا القول لما عُلِم من موقفهم الخبيث السيئ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فهم يذكرون آل البيت وبعض الصحابة القليلين بهذا الوصف دون سائر أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رضي الله عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أجمعين، وعن آله الغر الميامين، ولا رضي عن الرافضة الملاعين المقبوحين.


      تم الفراغ منه في ليلة الثلاثاء، الموافق السابع من

      شهر جمادى الآخرة، لسنة اثنتين وثلاثين

      وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية،

      على صاحبها الصلاة

      والسلام



      وكتب

      أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري

      أبو عبد الله



      يتبع إن شاء الله


      1- في القاموس: ورجل أقلف بيِّن القلف:لم يُختن. انتهى.

      تعليق


      • #18
        الرابط الاخير لا يعمل اخى الحبيب اسامه

        لو ترفعونه مره اخرى يكن افضل جزاكم الله خيرا

        تعليق


        • #19
          المشاركة الأصلية بواسطة ابو مريم محمد بن عمر المصرى مشاهدة المشاركة
          لو ترفعونه مره اخرى يكن افضل جزاكم الله خيرا
          بوركت أخانا أبا مريم، الرابط يعمل، وقد جربته أخيرًا، وهذا رابط آخر: http://jumbofiles.com/1jo8silqoi5v

          وجزاك الله خيرًا

          تعليق


          • #20
            التعليق على الدرس الثاني والستين بعد المائة الأولى من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.


            ليلة الجمعة الموافقة للرابع من شهر ربيع الآخر لعام ألف وأربعمائة وتسعة وعشرين من الهجرة.


            قوله:«فالهجر للدين مشروع، بشرط أن يكون الهجر للدين بالفعل، مِش للهوى، ولا للنفس، أن تهجر أخاك لله، لله؟! أه، للدين، للتأديب، إن كنت أهلاً لذلك، وإن كنت صادقًا في ذلك، لا يحركك في ذلك هوى؛ لأن كثيرًا من إخواننا الآن يرفعون راية الهجر باسم الدين، ولو صدقوا الله رب العالمين، لعلموا يقينًا أنهم ما رفعوا إلا راية الهوى، وراية نصرة النفس الأمارة بالسوء.
            لماذا تهجر فلانًا؟ نصرة للدين.
            ولو صدق، لعلم أنه لا يهجره إلا لينصر نفسه وهواه، فاصدق الله، واعلم بأن الله يعلم منك السر وأخفى، الأمر يحتاج إلى صدق، وإيمان، ومجاهدة شديدة جدًا للنفس، والهوى مَلِكٌ ظلومٌ غشومٌ جهول، يصم الآذان عن سماع الحق، ويَعمي الأبصار عن رؤية الدليل، والهوى لا يُرفع بالدليل -خلِ بالكو يا شباب- والهوى لا يرفع بالدليل، ولكن يُرفع بالتقوى، لا يَدفع الهوى الحجة، ولو كانت ناصعة كالشمس في وضح النهار، أبدًا، قلب فيه هوى، تُناظره أو تُناقشه أو تجادله، وتَقْرَعه الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، لا يمكن أبدًا أن يسمع، أو أن يستجيب؛ لأن هذا القلب مليء بالهوى، والهوى لا يُدفع بالحجة، ولا يدفع بالدليل، إنما يدفع بتقوى الملك الجليل {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}
            يبئى ممكن تجلس مع الآخ فلان، أو مع الشيخ فلان، إيه يا عم الشيخ؟! إنت هاجر الشيخ الفلاني ليه؟! إنت رافع راية الحرب عليه ليه؟! بتجرَّحه ليه؟!
            من أجل الدين، طيب، نناقش المسائل، نبسُط المسائل، أنت تقول: كذا، والرجل ما قال هذا، وإنما يقول: كذا وكذا وكذا، الأصل أن يقول:
            أستغفر الله، لو كان الأمر دينًا، أستغفر الله، والله ما فهمت منك هذا.
            أخطأ مرتين، الأولى حين لم يتحقق ولم يتثبت، وأصدر الحكم، والثانية حين تثبت وتحقق، كان من الواجب عليه أن يبرز إلى الناس، ليبين الخطأ الذي وقع فيه، وليبين الحق الذي عليه أخوه، ولكنه مع ذلك في المرة الثانية، زاد الطين بلة، فجلس في ذات مجلسه، ليكرر نفس الكلام الذي كان يكرره في المرة الأولى، بعد ما جلس معه أخوه، وبين له الحق في المسألة.
            قلت: لأن الأمر لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه لو كان الأمر دينًا، لرفع الدليلُ هذا القولَ الخطأ، ولكن القلوب يملؤها الهوى، والهوى لا يدفع بالدليل، ولا تدفعه الحجة، إنما تدفعه وترفعه التقوى، أسأل الله أن يرزقنا التقوى.
            واقع أليم، تعيشه الصحوة الآن، ويعيشه كثير من شبابنا وأولادنا.
            طَب ماخوك مِش بِعيد عنك، مَتِرْفَع سماعة التِلِفون، وتؤله: يا مولانا الشيخ! يا شِخنا! -بارك الله فيك- بلغني عنك كـ .. كذا، أخبرني الثقات، آه ياني من الثقات، ماشي ياعمي، أخبرني الثقات أنك قلت، ماشي، جزاك الله خيرًا، وأنا أقول لك: أيها الشيخ، بل قلت: كذا وكذا وكذا، خلاص انتهت القضية، خلاص، يبين الحق لأخيه، وانتهت القضية، إنما القضية مش قضية دين، ولا قضية حق، ولا قضية نُصرة، قضية هوى، ليه فلان مَبْئاش أنا؟! ليه مَبْئاش أنا؟! ليه يبئى فلان؟!
            آه، هوى، هوى مش دين، فهذا لا يمكن أبدًا، ولو أتيت له بكل الأدلة أن تقنعه، أو أن تُثنيه عما هو فيه؛ لأن القضية لا علاقة لها بالهجر من أجل الدين، ولا من أجل نصرة الشرع، إنما القضية متعلقة بنصرة الهوى، ونصرة النفس الأمارة بالسوء، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم التجرد والإخلاص، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
            يبئى الهجر مشروع، إذا كان من أجل الدين، ومن أجل الغيرة على الدين، ومن أجل تحقيق الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن أجل البراء من الشرك والمشركين، هذا هجر تؤجر عليه، بشرط أن يكون لله فعلاً، والله يعلم الصادق من الكاذب، أما الهجر المحرم، فهو الهجر من أجل الدنيا، الهجر من أجل الدنيا، هذا محرم، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، وهذا الحديث متفق عليه "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
            لأ، خُذ الرواية التانية دي، رواية خطيرة، ولو سمعها كل مسلم صادق، لتوقف الليلة كثيرًا مع نفسه، والحديث في صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
            "تعرض الأعمال -أي على الله- في كل اثنين وخميس -هكذا، لفظ مسلم- تعرض الأعمال على الله في كل اثنين وخميس، تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، اسمع، قال -صلى الله عليه وسلم-: فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءًا، إلا امرءًا -ولو كان لا يشرك بالله شيئًا- إلا امرءًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله -عز وجل-: "اتركوا هذين حتى يصطلحا"
            لا يغفر الله لهما حتى يصطلحا، الحديث تاني، رواه مسلم، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:
            "تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول -جل جلاله-: "اتركوا هذين، اتركوا هذين حتى يصطلحا".
            انت زعلان من أخيك ليه؟ اصدق الآن، والله يا شيخ من أجل الدين، ياراجل دانت بكّاش كبير!! دين إيه!! انت زعلان منُّه عشان دنيا، انت زعلان منه عشان هوى في قلبك، عشان في قلبك حسد، وفي قلبك بُغض، مَنْتَش زعلان لله، الشحناء إللي بينك وبين أخيك مش لله.
            ألّه!! مش كان معاك يا عم امبارح كويس، وكنت معايا أول امبارح كويس، وتمام التمام، وسمنه على عسل، إيه اللي خلاَّك تفجر في الخصومة، لمجرد خطأ وقع فيه؟! نسيت الأخوة تمامًا، وفجرت في الخصام، وأخرجت كل الغسيل النجس، ليه كده؟! وتئول: لله، أنت صادق؟! لله؟! كل دا لله؟! لا والله ما هو لله، دا لو كان لله، كنت سترت على أخيك، لو كان غضبك منه لله لَسَتَرت عليه، ليه، ليه استر عليه؟ آه؛ لأنه مستور الحال، خلِ بالك؛ لأنه مستور الحال، فالناس صنفان، كما قال القرطبي وغيره: صنف اشتُهر بين الناس بالصلاح -اللهم اجعلنا منهم يارب- صنف اشتهر بين الناس بالصلاح، بالأخلاق، وبالدين، راجل مصلي، راجل مستور الحال، ربنا ساتره، الظاهر إنه راجل على خلق، الظاهر إنه على دين، وإنت ماشي معاه، وماشي معاه لدينه وأخلاقه، وِجِه أخطأ، هذا يحرم عليك أن تهتك ستره، يحرم عليك أن تفضحه، بل يجب عليك أن تستر عليه، إن زل، يا معشر من آمن بلسانه، ولمَّا يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضحه في جوف بيته، في أَلْب بيتك هاتُفضح، انت بيتك من زجاج، انت بيتك من الزجاج، من أَرَقّ ألوان الزجاج، بتِقْذِف الناس بالحجارة ليه؟! تقذف إخوانك بالحجارة ليه؟!
            ولسانك طويل على اخوانك ليه؟!
            لماذا لا تحجم لسانك؟! لماذا لا تتقي الله في كلامك؟!
            لماذا لا تراقب الله في قولك، ليه؟!
            وكلك عورات، وأنا كلي عورات، ليه التطاول على الناس، والتطاول على الأخوة، والتطاول على الآخرين، والتطاول على أهل الفضل، وأهل العلم، ليه؟!
            إن دل، فإنما يدل على خذلان المتكلم والمتطاول، والله هذه من علامات الخذلان، أن يتطاول المسلم على أخيه المسلم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة، أوستره الله في الدنيا والآخرة.
            إنما العبد الجريء، المتطاول على الخلق، الذي يريد للناس أن تفضح أستارهم، وأن تهتك أسرارهم، هذا لابد أن يفضح في قلب بيته، وقد رأينا، قد رأينا بأعيننا، والمتابع يرى، وسنرى أن كل من تطاول على أهل الفضل، وأن كل من تطاول على أهل الستر، وعلى أهل الخير، وعلى أهل الصلاح، سيُفضح في الدنيا قبل الآخرة.
            الصنف الآخر، صنف جرئ على الله، فاجر، فاسق، مجاهر بالمعصية، آه، إن نصحت له، فلم ينتصح، بكِّته بما فيه، واذكر ما في بنية أن تحذر الناس من شره، حتى لايقع الناس في شره، هذا تبكيت للفاجر بما فيه كي يحذره الناس، ولا حرج في ذلك، أما الصنف الأول، إياك أن تهتك ستره.
            الأخ يمشي مع أخيه سنة، وسنتين، وخمس سنين، وممكن يحصل خلاف، الاتنين اشتركوا في تجارة، وعندنا نماذج طبعًا كثيرة، اشتركوا في تجارة، خسرت التجارة، اتهم الأخ أخاه بأنه حرامي، وبأنه لص، وبأنه نصاب، وبأنه أكل ماله، وفين الصلا اللي كنا بنصليها؟! وفين قيام الليل؟! وفين الصيام؟! وفين مجالس العلم؟! ويبدأ ينسف الأخ أخاه نسفًا، وينسى له كل فضل، ويهجره، هذا من أجل دنيا، من أجل دنيا، مش من أجل دين، هذا هو الهجر الحرام، هذا .. هذا هو الهجر الحرام، وخلِ بالكو يا شباب من الرواية الجميلة دي، في صحيح مسلم، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»
            من هنا كلامه بصوته: http://jumbofiles.com/1pd1ocm2w0a4
            أقول:الله أعلم مَن المقصود بعينه بكلامه ذاك، ولا إخاله إلا القوصي، فإن صدق ظني، فإنا نبشره بانتكاسة القوصي، على أن للقوصي كلاماً قديماً جيداً في الرد على أدعياء السلفية من أمثاله، على أننا نتبنى النصيحة بعدم الاطلاع عليه، وعدم نشره، عقوبة له من جهة، ولدفع الاغترار بباطله من جهة أخرى، وللاستغناء عنه بكلام أهل العلم الراسخين من جهة ثالثة، ثم إنا قد عهدنا منك الطعن في السلفيين ومنهجهم، ثم إن هذا الكلام لما كان يمكن أن يُحمَل وينَزل على السلفيين باعتبارهم الطاعنين في أدعياء السلفية من أمثاله وفي غيرهم من أهل الأهواء، كان لابد من تبرئة ساحة السلفيين من ظلمهم لأهل الأهواء، حينبدعوهم وهجروهم، فنقول:
            إن أهل السنة والجماعة السلفيين، هم أدرى الناس -ولله الحمد- بضوابط الهجر، سواءٌ كان متعلقًا بالدين أو الدنيا، وهم أصدق الناس -على الإطلاق- في ذلك الهجر وفي غيره، وهم أعظم الناس إخلاصًا -أيضًا- وهم أبعد الناس عن الهوى وعن نصرة الهوى، وعن نصرة النفس الأمارة بالسوء، فنفوسهم -ولله الحمد- مطمئنة بما هي عليه من المذهب السلفي الصافي الوافي الشافي الكافي، وعندهم من الإيمان ما ليس عند غيرهم من ذوي الأدواء والأمراض والأهواء، وعندهم ما عندهم من مجاهدة النفس، فهم أعظم الناس مجاهدة في الله، ولهذا هداهم الله سبله، كما قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
            فهم يجاهدون أنفسهم في الله، ويجاهدون أهل الأهواء في الله، ويجاهدون كل مخالف على وجه الأرض في الله -وما أكثر خصومهم ومخالفيهم-!!
            وأهل السنة والجماعة هم أهل دليل وبرهان وتقوى معًا، وتباكيكم على الواقع الأليم الذي تعيشه ما تسمونه الصحوة!! الآن ويعيشه كثير من شبابكم!! وأولادكم!! لا ينفعكم، ولا يغني عنكم شيئًا، ما لم تسيروا على خطى السلف الصالح، ومالم تقتفوا آثار السلف حقًا وصدقًا، ومالم توقروا أهل العلم المعاصرين، ومالم ترجعوا عما أخذوه عليكم، وانتقدوكم فيه، كمناصرتكم لأهل الأهواء والضلال، وموالاتكم إياهم، وطعنكم في أهل السنة من أجل حمايتهم والحفاظ عليهم، وإدخالكم إياهم في أهل السنة كرهًا مع خروجهم منها طواعية، وهذا منكم بيع للدين بالدنيا -شئتم أم أبيتم- وإلا، فكيف توالون فرق الضلال من أمثال فرقة التبليغ وفرقة الإخوان وجميع أذنابها وأذيالها وأفراخها، وإن رغم أنف أهل العلم الأجلاء -وما أكثرهم-!! الذين بدعوا هذه الفرق والأحزاب؟!
            إنكم ظلمتم أنفسكم بذلك، وظلمتم المنهج السلفي، وظلمتم أهل العلم، وأنتم في الوقت الذي تدافعون فيه عن أهل الأهواء تقفون جميعًا وقفة رجل واحد ضد أهل السنة السلفيين حقًا وصدقًا فشوهتموهم، وشوهتم مذهبهم الصافي النقي، الذي يميز أهل السنة من أهل البدعة، ويميز السنة من البدعة، ولم يملك هؤلاء السلفيون غير الرد عليكم بما تيسر لهم، وغير هجركم في الله، إذ قد بدا منكم العناد والدجل والتمويه وتشويه السلفيين، ومن منهجكم -إن لم يكن همكم الأكبر أو الوحيد- اليوم الطعن في السلفيين، ومحاولة إضعاف -على الأقل- عقيدة الولاء للسنة وأهلها، والبراء من البدعة وأهلها -شئتم أم أبيتم- ولم تبلغ بأهل السنة -ولله الحمد- الغفلة والاغترار حتى ينطلي عليهم خداعكم ودجلكم وتمويهكم وتلبيسكم وتباكيكم، فاستعمَلوا معكم الجلاد، بعد أن بدا منكم العناد، ومِثلكم لا ينفع معه الجدال، إلا أن يشاء ربي شيئًا، وها نحن اليوم نرد على كلامكم الذي قلتموه بلسانكم، كما رددنا على كلامكم الذي قلتموه بلسانكم بالأمس، و قد ترفقنا بكم في أشرطة إسعاف الجريح في الرد على شريط إلى غلاة التجريح، وها نحن اليوم نعقد صفقة رد حازم حاسم على دجلكم، لنظهره للمغرورين بخداعكم وتمويهكم وتلبيسكم، عسى الله أن يفتح بهذا الرد أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، ولا أقل من أن نَخرج من عهدة الكتمان وترك البيان، وبين هذا الرد والذي سبقه سنوات، وإن كنا رددنا عليكم في البرزخ الذي بين الردين هذين تبعًا للرد على غيركم، فتارة وتارة، تارة نرد على سبيل الاستقلال، وتارة نرد على سبيل التبع، ولكل مقام مقال، ولم نعلم عنكم إلا تماديكم في السوء، والشر، والمغالطات، وقلب الحقائق، والإمعان في التمويه والدجْل والتلبيس، والإكثار من ذلك، وكلامُك الكثير في هذا، خير شاهد على كذبِكم في ادعائكم عدم التفاتكم إلى من يتكلم فيكم، وعلى كذبِكم في ادعائكم عدم تفرغكم لما سميتموه «عكعكة» فاستح يا رجل من الكذب والدجل -والحياء خير كله- فإن قلتم عن أنفسكم إننا نعتقد الولاء للسنة والبراءة من البدعة، قلنا:
            لا يتم لكم ذلك حتى توالوا أهل السنة، وتبرءوا من أهل البدعة، هذا إن سلمنا ولاءكم للسنة، وبراءتكم من البدعة، ولسنا بمسَلمين ذلك، فواقعكم يشهد عليكم بمناصرتكم وموالاتكم لأهل البدعة من أمثال فرقة الإخوان المسلمين وأفراخها من أمثال أسامة بن لادن المفسد الهالك الذي وصفتَه بالبطل، وغيرُه كثير، ومعاداتكم ومخالفتكم لأهل السنة ولأهل العلم، وتأصيلكم لأصول أهل الضلال، وسيركم بسير أهل الضلال، فإن قلتم عن أنفسكم:
            نحن لا نعتقد أن جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين والقطبيين والسروريين وغيرهم، لا نعتقد أنهم مبتدعون، وإنما نعتقد أنهم أهل سنة يصيبون ويخطئون، فكيف تحاكموننا إلى مالا نعتقد؟! قلنا:
            قد كان السلف -ولا يزال خلفهم- يحاكمون أهل الأهواء إلى الكتاب والسنة بفهم السلف مع مخالفتهم لذلك، ويحكمون عليهم بالضلال بسبب اعتقادهم الفاسد، من أمثال المعتزلة والأشاعرة وسائر أفراخ الجهمية وغيرهم من سائر فرق الضلال، ولو كان لا يجوز محاكمة أحد إلى ما لا يعتقد، ما حَكم أحد من أهل العلم على أحد بالضلال، وهذا باطل؛ لتكذيبه للواقع، ولقد حكم أهل العلم على الفرق المعاصرة من أمثال فرقة التبليغ وفرقة الإخوان المسلمين وغيرها بالضلال، ومَن لم يقبل أحكام أهل العلم في هذه الفرق فَمَثَله كمثل من قال عن الليل: إنه نهار، ومِثل هذا لا يكون إلا معاندًا مكابرًا، أو أعمى، أعماه الجهل، أو أعماه التقليد.
            هذا، ولقد قلت لبعض إخواني قديمًا منذ سنوات، في أوائل كشف صحائف فتنتكم وضلالكم، وقد انتقدكم أهل العلم بحق وعلم، لقد قلت:
            لئن خُيرنا بين أن نحشر مع الشيخ ربيع والشيخ مقبل والشيخ النجمي وأمثال هؤلاء، وبين أن نحشر مع محمد بن حسان، والحويني، والمأربي وأمثال هؤلاء، مع من نختار أن نحشر؟! الجواب: نختار أن نحشر مع الأئمة من أمثال الشيخ ربيع والشيخ مقبل والشيخ النجمي وغيرهم، هذا على فرض أن الشخص لم يظهر له مع مَن الحق في هذا الخلاف، فكيف إذا ظهرت الأدلة، وبانت المحجة، وقامت البراهين على إصابة العلماء الكبار، وخطأ وضلال خصومهم الآخرين، ودلت الأدلة على اقتفاء هؤلاء الأئمة لآثار السلف، واقتفاءِ خصومهم ومخالفيهم -بالبغي والعدوان- لآثار الخلف؟!
            قلت لإخواني قديمًا هذا بمعناه، ثم إن أهل العلم حينما أدانوكم، أدانوكم بواقعكم وأقوالكم وألفتكم لأهل الأهواء، ولذلك حينما يصفونكم بالبدعة والهوى، يصفونكم من خلال واقعكم، والقرائن والشواهد والأدلة على صدقهم في ذلك معهم بما يُدينكم،
            وتأمل عبارته التالية حيث قال:
            «لأن كثيرًا من إخواننا الآن يرفعون راية الهجر باسم الدين، ولو صدقوا الله رب العالمين، لعلموا يقينًا أنهم ما رفعوا إلا راية الهوى، وراية نصرة النفس الأمارة بالسوء»
            قلت: فض فوك، فإن مثل هذا الاتهام بهذا الإطلاق باطل، وهو صنيع العجزة الذين عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة، فلجأوا إلى مثل هذه الاتهامات، صدًا للناس عن العلم وأهله، وعن أهل الحديث والسنة، وعن مذهبهم في جرح من استحق الجرح، وتعديل من استحق التعديل، فَعَضَّ على اتهام أهل السنة -بما تعجز عن إثباته- بالنواجذ!! واعلم-أيها السلفي- أن الإطلاق والإجمال في مقام البيان هما من مسالك أهل الضلال، قال ابن القيم-رحمه الله- في نونيته:
            فعليك بالتفصيل والتمييز فالـ *** إطلاق والإجمال دون بيانِ
            قد أفسدا هذا الوجود وخبطا *** الأذهان والآراء كل زمانِ
            وإلا، فمَن إخوانه هؤلاء الكثيرون المذكورون في كلامه؟! إن لم يكونوا السلفيين فلا ندري من هم!! والمعلوم أن السلفيين يهجرون أهل البدع بالحق، بخلاف أهل البدع، فإنهم يهجرون أهل السنة ومنهجهم بالباطل، ولا أعلم وصف هذا الرجل للسلفيين بإخوانه إلا في معرض الذم- شانه الله- وإذا علمت ذم الإطلاق والإجمال في مقام التفصيل والتبيين، فاعلم أن أي كتابة فيها إجمال وإطلاق في مقام التفصيل والتبيين هي قد سلك صاحبها مسلك أهل الضلال، وكانت كتابته سببًا لإفساد الوجود وتخبط الأذهان والآراء، واعلم أن رسالة تصنيف الناس بين الظن واليقين للشيخ بكر أبو زيد قد تحامل فيها على السلفيين، وبغى عليهم بغياً شديداً -فضلاً عن التناقض بين قوله وفعله- وقد حصل بها وبخطابه الذهبي المشؤم من الفساد والإفساد ما الله به عليم، وقد وقع للشيخ العباد -عفا الله عنا وعنه- بعض الرسائل غير المحمودة أيضاً، ومثل تلك الرسائل هي في حقيقة أمرها لا تنصر سنة، ولا تكسر بدعة، وإنما تنصر بدعة، وتكسر سنة -شاء مؤلفوها أم أبوا- إضافة إلى الإجمال الذي في مثل تلك الرسائل، والذي شابهوا فيه مسلك أهل الضلال.
            واعلم -رحمني الله وإياك- أن نسبة العلماء المجاهدين لأهل الأهواء بالنسبة لسائر الناس نسبة قليلة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
            "تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة"
            الحديث رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر-رضي الله عنهما- برقم: [232-(2547)] دار ابن رجب الطبعة الأولى لسنة 1422 ومثل هذه الرسائل لا يجوز طبعها ولا نشرها، لما يترتب عليها من عظيم المفاسد، ونصرة البدعة وكسر السنة، وتبًا وهلاكًا لمن نشرها، وروج لها، وأفٍ له، ثم أف له، ثم أف له، ولا عجب من كلامنا هذا، فإنه إذا كان واجبًا رد ما أخطأ فيه بعض الصحابة، وما أخطأ فيه مَن تبعهم من العلماء والأئمة، مع أن خطأهم دون ذلك، فوجوب الرد على مثل هذين الشيخين في مثل تلك الكتابات ثابت من باب أولى، ولِم لا؟ وقد تذرع بها أهل الأهواء اليوم والأمس، فالواجب على جميع أهل العلم هو الوقوف في خندق واحد ضد أهل الأهواء جميعًا، الذين يتربصون بأهل السنة في كل مكان، وفي كل البلدان، ومنها بلاد الحرمين التي يُخشى عليها من هؤلاء المتربصين -وما أكثرهم-!! وهذا أمر واقع، وليس من الإرجاف في شيء، وما يوقده أهل الأهواء من نيران الفتنة اليوم في بلدان شتى، وما حدث من قَبل من التفجير في بلاد الحرمين شاهد صدق على ذلك، نسأل الله أن يمكن حكام المسلمين من الأخذ على أيدي هؤلاء المتربصين، وأن يعز السنة وأهلها، وأن يذل البدعة وأهلها، وأن يمكن حكام المسلمين من معرفة خططهم الخبيثة، وأن يحول بينهم وبين تسللهم إلى المناصب في ثوب المكر والحيلة.
            هذا، ومن فرَّط من أهل العلم في صد عدوان أهل الأهواء، فهو مؤاخذ بقدر تفريطه، ونحن إذ نقول ذلك نشكر للشيخين ربيع بن هادي المدخلي ساكن العوالي بمكة اليوم -أعلى الله مكانه- ويحيى بن علي الحجوري باليمن -حفظه الله وأعزه بالسنة- ونشكر لغيرهما من أهل العلم وقوفهم حائط صد للأهواء وأهلها، ومثل تلك الرسائل كان الواجب على أصحابها نصرة أهل العلم من أمثال هؤلاء المجاهدين للبدع والأهواء، بدلاً من الإجمال في الكلام الذي يستغله، ويتذرع به أهل الأهواء -أخزاهم الله في المحيا والممات- في نصرة أهوائهم أو بدلاً من التحامل والبغي الذي يضر صاحبه ولا ينفعه.
            ثم إن قوله:« لأن كثيرًا من إخواننا»
            يؤكد دفاعنا عن عموم أهل السنة، الذين يجرحون أهل الأهواء، ويهجرونهم، وتأمل عباراته الفجة كذكره الغسيل النجس وغير ذلك، في الوقت الذي ينعى فيه على غيره الفجور في الخصومة.
            ونقول له -تبرئة لأهل السنة-: إن أهل السنة رفعوا راية الجرح والتعديل، وهم يعلمون يقينًا صدقهم في ذلك وإخلاصهم، فلا هم رفعوا راية الهوى، ولا هم رفعوا راية نصرة النفس الأمارة بالسوء، وإنما رَكَزوا راية الجرح والتعديل عالية خفاقة، تفضح أهل العناد والدجل والتمويه، وتشنع عليهم بقبيح صنائعهم وفعالهم، وتبشر أهل السنة بالنصر المؤزر على أهل الدجل.
            ثم إن من اتهم السلفيين بالحسد لأهل الأهواء، فإنه كاذب عليهم، فالسلفيون يثنون على الصغير الذي يستحق الثناء والمدح فضلاً عن الكبير، وهل يَحْسُد عاقل صاحبَ هوى على هواه الذي ابتلي به؟!
            ثم إني أقول: إني على استعداد على حشد أهلي وأولادي على أن يحشد مَن تُسول له نفسه رمينا بالحسد أن يحشد نفسه وأهله وأولاده، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين الأبعدين عن الحق في الأمور التي بيننا وبينه فيها خلاف، ونجعل لعنة الله على الحاسدين الحاقدين، وليختر ما شاء من الأماكن التي يُحشر فيها الناس، فإما أن يكون أمام مسجد التوحيد التابع لجماعة أنصار القطبية المسماة بجماعة أنصار السنة المحمدية، وإما أمام مسجد الجمعية الشرعية -زعموا- وكلا المسجدين بمدينة المنصورة، وإن شاء داخل المسجدين، فنحن على استعداد لذلك، وإن شاء في غير ذلك من الأماكن التي نتفق عليها، فعلنا، ولو كان ذلك عند الكعبة، وحبذا لو كان ذلك بحضرة سلطان أو نائبه؛ لأننا لا نأمن على أنفسنا من سفهائهم.
            وإن شاء أن نتلاعن الآن على صفحات الأوراق، وصفحات الشبكة العنكبوتية فعلنا، وعلى كل حال فإننا نقول: لعنة الله على الدجالين الكذابين المموهين السفهاء الأبعدين عن الحق في مسائل النزاع بينهم وبين أهل السنة، ولعن الله الحاسد الحاقد منا ومنهم، إلى متى يا رجل دجلك، وتمويهك، وخداعك، وكذبك، وفحشك، اتق الله يا رجل، فإنا والله قادرون على أن نستبدل بالسيئ من القول معكم الحسن منه، إن تبتم وأصلحتم وبينتم، وكنتم مع أهل السنة ومنهجهم وعلمائه ضد أهل البدع والضلال ومنهجهم، وإن كنا لا نرجوكم؛ لقول بعض السلف:
            إذا نشأ الحدث على السنة فارجه، وإذا نشأ على غير السنة فلا ترجه.
            وهل يتمنى السلفي أن يكون بمرتبة فلان أو فلان من الدجالين المموهين؟! معاذ الله! وقد قال الله -تعالى-:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}
            وقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
            واعلم أن أهل السنة ما ازدادوا بردهم على أهل الأهواء إلا رفعة، والله خير الشاهدين.
            أما دعاؤه في أدبار كلامه بقوله:«أسأل الله أن يرزقنا ... الإخلاص ...» فإنه يذكرني بما صح عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال:
            ((إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم" وقال: "يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ثم ذكر الرجل، يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!)) أو كما قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد قال -تعالى-: {وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: بالخير، قال -تعالى-: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}، بخلاف الدجالين الكذابين المموهين المحرفين للقول من بعد مواضعه، فإنهم ليسوا من أهل هذه الآية، وأمثال هؤلاء إنما يُبَشرون بالسوء.
            ثم إن أهل السنة المجاهدين لأهل البدع، هم أولى الناس بالإخلاص، قال -تعالى-:
            {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
            والإخلاص هو أحد تلك السبل التي هداهم الله إليها، والحق هو أن أهل الباطل والبدع والضلال هم الذين يَحسُدون أهل السنة على ما آتاهم الله من السنة والفضل، وقد قال -تعالى-:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}
            وتأمل كيف ينكر الفجور في الخصومة، ويأتي بمثل تلك العبارات:
            «بكّاش ... هوى في قلبك!! عشان في قلبك حسد ... مش لله ... الغسيل النجس ... لا والله ما هو لله»!!
            وتأمل كيف حُكمه على القلوب وقسمه على ذلك!! ويا ويل السلفي من أمثال هؤلاء، لو قال فيهم السلفي ما هو دون ذلك بدون قسم!! مع أنهم -أعني السلفيين- إنما يحكمون بعلم وعدل، ويستدلون بفساد الظاهر على فساد الباطن، فأنت إذا رأيت بئرًا تنضح بالعذِرة، فلا يمكن أن يكون في باطنها الشهد أو العسل المصفى!!
            ولا أدري كيف تكون أعراضهم مصونة ومحرمة، وتكون أعراض أهل العلم كلأً مستباحًا لهم؟!
            واعلم -أيها الرجل- إن كنت تمعن في الدجل والتمويه على الناس، فاعلم أن السلفيين النقاد الخبراء البصراء بمواقع عيوبكم، يعرفون من أين تؤكل الكتف، فأكثر من الدجل أو أقلل أو ذر.
            أما فضيحة أهل السنة لأهل الأهواء فإنها لا تنافي الإخلاص، وكذلك الإخلاص، فإنه لا يوجب ستر أهل الأهواء المعلنين بعدائهم للمنهج السلفي وأهله، والمشوهين للمذهب السلفي وأهله على رءوس المنابر والمنائر، والمداهنينن والمنافحين، والمدافعين عن أهل الضلال والباطل بالباطل، فلابد من مكافأة أهل الباطل باتخاذ الوسائل الشرعية المكافِئة والكفيلة بالرد على باطلهم.
            وتأمل تشنيعه على أهل السنة على رءوس الناس، وهو في الوقت نفسه ينصح برفع سماعة (التليفون)!! فكم سماعةً من سماعات الـ (تليفون) رفعتموها على علماء أهل السنة، كأبي محمد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- وغيره؟!
            نعم، أنتم رفعتم عقيرتكم وصوتكم بإلهاب أهل السنة بسياط الظلم والعدوان والباطل والدجل والكذب والتشويه، ولا أدري أين ذهبت حينئذٍ سماعة (التليفون)؟!
            وتأمل إكثاره من كلمة «شبابنا» فالقوم يستثيرون عواطف الشباب، ويستدِّرون حماسهم وحميتهم لنصرة ما هم عليه من الباطل، ولِيأخذوا بهم ذات الشمال، عند البدع والأهواء، وإني لأنصح للناس كلهم، ذكورًا وإناثًا، شبابًا وشيبًا، أن يتقوا الله في السلفيين وفي المنهج السلفي، وأن يعلموا أن هناك فرقًا كبيرًا بين دعوى السلفية من كثير من الأدعياء اليوم، وبين السلفية الحقة وأهلها المحقين، وأن هذا الفرق كالفرق بين الليل والنهار، وأن يُقبِلوا على العلم النافع، وعلى أخذه عن أهله الذين هم علماء الإسلام وطلبة العلم، ولو اقتضى ذلك الرحلة في سبيل تحصيله، وقد قيل: العلم غريب، وأن يبتعدوا عمن تكلم فيهم العلماء، وطعنوا في منهجهم، من أمثال هذا الرجل الذي أخشى على الناس من أن يكونوا وقود فتنته وفتنة أمثاله([1]).
            أما قوله:«وتؤله: يا مولانا الشيخ، يا شِخنا -بارك الله فيك- بلغني عنك كـ.. كذا أخبرني الثقات، آه ياني من الثقات، ماشي يا عمي، أخبرني الثقات أنك قلت، ماشي، جزاك الله خيرًا، وأنا أقول لك: أيها الشيخ، بل قلت: كذا وكذا وكذا، خلاص انتهت القضية»
            قلت: يا هذا ! لو أخبرنا الثقة عن أحد بشيء، وكان المخبَر عنه ثقة عندنا، لما سهل علينا رد خبر هذا الثقة عنه، بل يجب قبول خبره؛ لأن رد خبره يستلزم خروجه عن حد التوثيق، والرجل ثقة، فإذا رد المخبَر عنه قولَه عليه، بما يوجب ترجيح خبره على خبره، تبين لنا -في هذه الحال- أنه وهم في النقل عنه، وإلا، وجب قبول خبر هذا الثقة ما لم يدفعه دافع، وَرَدُّ قوله -والشأن ما ذكر من كونه ثقة- ليس بأولى من رد خبر المخبَر عنه، ما لم يذكر المخبَر عنه ما يوجب ترجيح خبره على خبر المخبِر عنه، فكيف إذا كان الرواة المخبِرون جمعًا من الثقات؟! فإن الوهم إلى المخبَر عنه -وشأنه ما ذكر من كونه ثقة- أقرب، ويكون خبره شاذًا، ويكون خبرهم هو المحفوظ، فكيف إذا كان المخبِرون عنه جمعًا من الثقات، وكان مخالفهم لا ثقة ولا مأمونًا، وكان من أهل الأهواء الذين يكذبون ولا يبالون؟! وإذا كان المردود عليه هنا يحلف على البواطن كذباً، فكيف بالكذب على الظواهر؟!
            إنه -والشأن ما ذكر- لا يسهل، بل لا يمكن قبول خبره ورد خبرهم، بل الواجب قبول خبرهم ورد خبره عليه؛ لفقده الثقة، وكان هذا القبول حتمًا لازمًا، إذ إن رد خبر هؤلاء الثقات يستلزم الطعن فيهم، وهذا يعود على أخبار الثقات بالرد، وهذا باطل محال، وكيف يمكن عدم قبول خبر الثقات، وقبول خبر غير الثقات؟!
            ألسواد أعينهم؟! أم لغير ذلك؟!
            كلا، ولا كرامة ولا نعمى عين، سوّد الله وجوه أهل البدع والدجْل، وبيض أعين أهل الضلال والتلبيس.
            أما قوله: «يا معشر من آمن بلسانه، ولمَّا (كذا) يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضحه في جوف بيته»
            فأقول فيه: هذا معنى حديث مرفوع إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والذي وقفت عليه من لفظ الحديث (ولم) بدلاً من (ولمّا) و (جوف رجله) بدلاً من (جوف بيته) والفرق بين (لم) و (لمّا) أن (لم) تفيد نفي وقوع الفعل في الماضي، أما (لمّا) فتفيد نفي وقوع الفعل في الماضي مع توقع وقوعه في المستقبل، وسائر الحديث ذكره بالمعني، وأقول:
            إن السلفيين لا يغتابون المسلمين المذكورين في الحديث، فالمسلمون إذا أُفردوا بالذكر، يدخل فيهم المؤمنون، ومثل هؤلاء لا تجوز غِيبتهم، ولا تتبع عوراتهم، أما المجاهرون بالمعاصي، فهؤلاء ليسوا كاملي الإيمان، وليسوا من أهل المعافاة، لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين))
            وإذا كان المجاهرون بالمعاصي ليسوا من أهل المعافاة، فالمجاهرون بالبدع الداعون إليها، ليسوا من أهل المعافاة من باب أولى، وليس في الحديث النهي عن غيبة فسقة المسلمين المجاهرين بفسقهم والداعين إليه، وليس فيه النهي عن غيبة مبتدعة المسلمين المجاهرين ببدعتهم والداعين إليها، ثم إن الإجماع منعقد على جواز جرح الرواة وأهل الأهواء والأخطاء، فمن خالف الإجماع فقد اتبع غير سبيل المؤمنين.
            ثم إن أهل السنة لم يتجسسوا علي بيوت المسلمين، ولم يتبعوا عوراتهم، وإنما ردوا باطلاً منشورًا لأهل الأهواء في الوسائل المقروءة أو المسموعة، فأهل الأهواء هم الذين فضحوا أنفسهم حينما جهروا بباطلهم، وأعلنوه، وأذاعوه، ونشروه، ففتحوا بصنيعهم هذا ألسنة لهب أهل السنة لإحراق بدعهم، وتصييرها دخانًا مبددًا لا بقاء له.
            ثم إن أهل الأهواء لم يُفضحوا في جوف بيوتهم فحسب, وإنهم لو فضحوا في قرار وجوف بيوتهم أو رحالهم ومنازلهم، لكانت فضيحتهم أهون، ولكن القوم لما كان باطلهم منشورًا على الملأ، وعلى رءوس الأشهاد، فضحهم الله على الملأ، وعلى رءوس الأشهاد، ولا تزال الفضائح في ازدياد، ثم إن أهل الأهواء هم الذين يتتبعون في الحقيقة زلات العلماء، ويطيرون بها، تشويهًا لأهل العلم والدين والاجتهاد، الذين يدورون في اجتهادهم بين الأجر والأجرين، فإن أصابوا فلهم أجران، أجر على اجتهادهم، وأجر على إصابتهم، وإن أخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم، والمجتهد قد بذل وسعه، فإن أخطأ فلا لوم عليه ولا تثريب، وقد قال -تعالى-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} بخلاف أهل الأهواء، فإنهم ليسوا من أهل العلم والإيمان، بل إن أمر أهل الأهواء لا يقف عند التقاطهم لزلات العلماء لتشويههم بها، وإنما يشوهون منهجهم السلفي، والحق الجلي، في الوقت الذي ينصرون فيه البدعة وأهلها.
            ثم إن أهل السنة أولى الناس بالإيمان اعتقاداً وقولاً وعملاً، فعاد ذباب سيف الباغي في نحره وصدره، وعافى الله أهل السنة مما يرميهم به البغاة المعتدون، ولو صدق هذا، لنزَّل هذا الحديث على أمثاله، ولكانوا أولى به من خصومهم.
            وطعونه في أهل السنة في طول كلامه وعرضه شاهد على ذلك، وعلى وقوعه في غيبة أهل السنة، التي هي من أقبح أبواب الغيبة، ومن أنتن نوافذ تلك الغيبة.
            قوله: «إنما العبد الجريء، المتطاول على الخلق، الذي يريد للناس أن تفضح أستارهم، وأن تهتك أسرارهم، هذا لابد أن يفضح في قلب بيته، وقد رأينا»
            قلت: وبهذا الإجمال في الكلام، وبمثل هذا التخويف من مثله، يتهيأ له إسدال وإرخاء الستر على علم الجرح والتعديل، وجرح أهل الأهواء، وطعنهم، وفضح أسرارهم، وهتك أستارهم، ولو صدق هذا القائل، وفصَّل القول لكان خيرًا له، فأهل السنة يهجرون المبتدعة، وهجرهم هذا هو من باب الدين، ويجوز أن يستمر الهجر إلى أن يتوب المبتدع، وإن لم يتب فهجره مشروع مدى حياته، وأما آثاره من كتب وأشرطة فتهجر أيضًا، ويُحذر منها، هذا إن لم يمكن إتلافها، فإن إتلاف آثار أهل الأهواء المقروءة والمسموعة ونحوها واجب، صونًا للدين وحرصًا على المسلمين، وإتلافُها أوجب من إتلاف آلات العزف واللهو والطرب التي حرمها الله ورسوله، لما عُلم من أن البدعة أشد ضررًا من المعصية، وفي كلٍّ الشر والضرر، ولا ضمان على متلف هذه الأشياء، بل إن له من الله لأجرًا، وإن له منا لشكرًا؛ لأنه محسن، وقد قال -تعالى-: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وهذا الإتلاف منوط بالاستطاعة لقوله -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}ولقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))ولا يجوز تغيير منكر بمنكر أنكر.
            ومع أن أهل الأهواء من أمثاله يحاولون إرخاء الستر على علم الجرح والتعديل، فإنهم يُرخونه، ويَسدلونه، ويُرهبون الناس بالمجمل من القول أو المجمل من الأدلة في سبيل ذلك، إذا كان الأمر متعلقاً بجرح أهل السنة لأهل الأهواء، بخلاف ما إذا كان الأمر متعلقًا بجرحهم أهل السنة، وطعنهم فيهم.
            وكان اللائق به -إن كان محذرًا ومُخوفًا حقًا وصدقًا- أن يحذر نفسه وأتباعه، وأن يخوف نفسه وأتباعه مغبة وعاقبة الكلامِ في السلفيين، والطعنِ فيهم بغير وجه حق، وكان عليه هو وقرناؤه ونظراؤه وأتباعه أن يعتبروا، وينزجروا بما حصل لهم من فضح أسرارهم، وهتك أستارهم، وقد رأينا بأعيننا -ولله الحمد، وبلا شماتة- ما حل بهم وبإخوانهم وأشياعهم من تلك العقوبة العاجلة، فليحذروا العقوبة الآجلة.
            قلت: وتأمل قوله: «لأن كثيرًا من إخواننا الآن يرفعون راية الهجر باسم الدين، ولو صدقوا الله رب العالمين، لعلموا يقينًا أنهم ما رفعوا إلا راية الهوى، وراية نصرة النفس الأمارة بالسوء.
            لماذا تهجر فلانًا؟ نصرة للدين.
            ولو صدق، لعلم أنه لا يهجره إلا لينصر نفسه وهواه»
            وقوله:«إيه اللي خلاَّك تفجر في الخصومة، لمجرد خطأ وقع فيه؟! نسيت الأخوة تمامًا، وفجرت في الخصام، وأخرجت كل الغسيل النجس، ليه كده؟! وتئول: لله، أنت صادق؟! لله؟! كل دا لله؟! لا والله ما هو لله»
            وقوله: «الصنف الآخر، صنف جرئ على الله، فاجر، فاسق، مجاهر بالمعصية، آه، إن نصحت له، فلم ينتصح، بكِّته بما فيه، واذكر ما في بنية أن تحذر الناس من شره، حتى لايقع الناس في شره، هذا تبكيت للفاجر بما فيه كي يحذره الناس، ولا حرج في ذلك»
            وقارن بين هذه الأقوال وبين قوله في الدرس الحادي والستين بعد المائة الأولى:
            «وهذا جائز عند علماء أهل السنة، إن طعنوا في أهل البدع والأهواء، وبكتوهم بما فيهم، ليحذروا الناس من شرهم، بشرط أن يقولوا ذلك نصرة لله، ونصحًا للأمة وللدين، وتحذيرًا للمسلمين، لا لأغراضهم الشخصية وأهوائهم، خلِّ بالك من التأصيل ده، آه في جرح، لازم يكون فيه جرح مع التعديل، لا ننكر هذا الباب أبدًا، لا ننكر، هذا باب من أعظم الأبواب التي امتن الله بها على الأمة لحفظ الحديث»
            وقوله في الدرس الرابع والعشرين بعد المائة الأولى:
            «طيب أنا بئول: ما من مسلم إلا وله محاسن ومساوئ، ومن الظلم البين أن تذكر من أخيك أسوأ ما تعلم، وأن تكتم من أخيك خير ما تعلم والله -تبارك وتعالى- يقول: ولا تبخسوا الناس أشياءهم»
            فهل تجد لمذهب الموازنات المزعوم القاضي بوجوب ذكر الحسنات عند ذكر السيئات عينًا أو أثرًا، وإلا، فأين حسنات هؤلاء الذين ذكرهم في هذا الدرس الذي نحن بصدد الرد عليه فيه؟!
            أليس عدم ذكر حسنات إخوانه!! هؤلاء -بناء على محاكمته إلى مذهبه- هو من الظلم البين، حيث ذكر عن إخوانه أسوأ ما يعلم، وكتم منهم خير ما يعلم، والله -تبارك وتعالى- يقول: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم}!! أم لا يعلم حسنة لهم فيذكرها؟!
            أليس عدم ذكر التعديل الذي لابد منه مع الجرح -بناءً على مذهبه في ذلك- يكون ناقضًا لمذهبه؟! ويكون حاكمًا على نفسه بالظلم البين، وعدم العمل بأصله ومذهبه؟!
            وإذا كان هذا حاله -بناءً على محاكمته إلى أصله وإلى مذهبه في ذلك- فكيف إذا حاكمناه إلى شرع الله، وهو الحكم العدل؟!
            إن مثل هذا عند المحاكمة الشرعية يكون دجالاً كذابًا ظالمًا، شبيهًا بالنصارى، الذين قال الله فيهم:
            {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}
            فهذا وأمثاله قد ابتدعوا أصلاً، ومع ذلك لم يرعُوه، فجمعوا بين شر الابتداع، وشر إلزامهم غيرهم بأصلهم المبتدع مع تركهم العمل به.
            هذا كله على فرض التسليم بذمه لإخوانه هؤلاء، فكيف إذا لم يكونوا كذلك -والشاذ إن وجد فلا يقعد عليه- وكانوا أهل علم وعدل وتقوى وورع، وكان هو المذموم من كل وجه؟!

            تم الفراغ منه في ليلة الأحد، الموافق الثاني عشر من
            شهر جمادى الآخرة، لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية، على صاحبها الصلاة والسلام.

            وكتب
            أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري
            أبو عبد الله


            يتبع إن شاء الله




            [1]- كان هذا الكلام الأخير قبل فتنة الخوارج في مصر في الأيام الماضية، وقد اتضحت حقيقة الرجل فيها أكثر، فاللهم زدنا بصيرة بأهل الأهواء.

            تعليق


            • #21
              التعليق على الدرس الخامس والستين بعد المائة الأولى من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.

              ليلة الجمعة الموافقة للتاسع عشر من شهر ربيع الآخر لعام ألف وأربعمائة وتسعة وعشرين من الهجرة.

              قوله: «التربية، ثم التربية، ثم التربية، ولن يتغير الواقع بهذه الهتافات الصاخبة، ولا بحرق الأعلام، ولا بحرق الماكتات، ولا بالإضرابات المخربة المفسدة، أدين بذلك لربي، ورب الكعبة.
              المنهجية الصحيحة لإقامة دين الله في الأرض، أن يتربى كل فرد على هذا المنهج، وأن يحوِّله في حياته إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة، وأن يدعو غيره لاتباع هذا المنهج الحق بحق، ولو عاشت الأمة آلاف السنين تهتف وتصرخ وتحرِّق وتخرِّب.
              أخ من إخوانا الأفاضل، الأفاضل، يقسم لي بالله، يئولي: والله العظيم يا شيخ محمد، أَبْل الأحداث المؤلمة المفجعة في المحلة، يقسملي بالله أبلها بتَلَتْ تِِيَام كان مطلّع ألف وخمسميه وستين شنطة للفقراء، بيؤولي: وفي مخازني، في مخازني، كمان أكتر من ستة آلاف شنطة، يؤولي: والله المخزن كله اتحرأ، ليه؟! ليه؟!
              ليه يُحرَق مخزن هذا الرجل الفاضل، اللي مجهز للفقراء؟!
              ليه إزاز سيارتي يتكسر؟!
              ليه واجهة المحل بتاعي تتخرب؟! ليه؟!
              كدا هنغير الضيق إلى سعة، والفقر إلى غنى، أبدًا، مستحيل، عواطف سهلة جدًا، وشحن الناس والجماهير بكلمات رنانة سهل جدًا، ممكن أسخنك لحد متؤوم تضرب دماغك في العمود ده، طب والنتيجة إيه؟!
              أبأى أنا خائن لله ولرسوله، والله أبأى خائن لله ولرسوله وللمؤمنين، ستتحطم رؤوسنا، وستبقى الجدار الصلدة، هذا الطريق من هنا، لسا يامولانا؟! أيوا ! لسه، ما هي القضية، أن تموت أنت وأنت على المنهج، لكن القضية ليست أن تقطف الثمار أنت بالضرورة، مَتخلي الثمرة يقطفها ولدك، أو حفيدك، لكن انت كن رجلًا، عش رجلًا، ثابتًا على المنهج على الحق على المبدأ، وسلِّم الراية لولدك وأنت رجل، بس، لكن أنا مش ها أُسأل ليه النصرة مجتشي في عصرك؟! أنا مش ها أُسأل عن هذا أبدًا، إنما سأُسأل: اِنت عملت إيه؟ اِنت قدمت إيه؟! فاتقوا الله ما استطعتم، لسا كتير أوي في ما استطعتم دي أنا مَعَمَلْتُوش، فاتقوا الله ما استطعتم، لسا كتييييير في ما استطعتم إحنا معملنهوش»
              كلامه بصوته من هنا:
              http://jumbofiles.com/j2bh58ktgplf
              أقول:
              أجل! التربية ثم التربية ثم التربية!! لكن ما نوع هذه التربية؟!وعلى أي مذهب هذه التربية؟!
              أهي
              التربية الحزبية التي تملأ الناس تعصبًا وتحزبًا لأدعياء السلفية الذين طعنهم العلماء؟!
              أم
              التربية على مبدأ الحيلولة بين الشباب وبين العلماء السلفيين، حتى لا يتفلتوا من قبضة الحزبين وأدعياء السلفية، حتى يُعدوهم وقودًا للفتن -أعاذنا الله منها-؟!
              أم
              التربية على تشويه المنهج السلفي وعلمائه، وصب التهم الكاذبة عليهم بلا كيل ولا ميزان؟!
              أم
              التربية على منهج أهل الضلال والباطل من الفرق الزائغة المعاصرة، وعلى وضع قواعد وأسس الضلال لحماية تلك الفرق، والدفاع عنها، والمحاماة عنها، وبث وغرس النفرة من المنهج السلفي وحملته وحماته، بناءً على هذه القواعد الفاسدة والأصول الكاسدة؟!
              أم
              التربية على حب أهل الضلال وأئمته، والتوهين من ضلالهم وأخطائهم من أمثال قطب والبنا والقرضاوي وغيرهم؟!
              أم
              التربية على الدجل والكذب والخداع والتمويه والتلبيس والتدليس؟!
              أم
              التربية على يد مشايخ أهل السنة الناقدين البصراء، الذين يبصرون الناس بالمنهج السلفي الصحيح، ويحذرون الناس من البدع والضلالات الجلية والخفية، ويحذرونهم من أهل الضلال ومن ألفتهم، كفرقة التبليغ، وفرقة الإخوان المسلمين، والقطبية، والسرورية، والحدادية، وغيرها؟!
              أم
              ... أم ... أم ... إلى آخر ذلك.
              ثم إنك لم تقل هنا قولاً جزلاً، ولا حكمًا موجزاً فصلاً في أمر المظاهرات المبنية على الهتافات الصاخبة، ولا في أمر حرق الأعلام وغيرها، ولا في الإضرابات المخربة المفسدة، سوى ما ذكرت من أن الواقع لن يتغير بهذه الأشياء، وعُدتَ باللوم على مخربي المخزن! وتساءلت مستنكرًا:
              « ليه إزاز سيارتي يتكسر؟!»و«ليه واجهة المحل بتاعي تتخرب؟!»
              وتركت الحكم الفصل في هذه الأمور بلا تطويل، ألا وهو التحريم قولاً واحدًا.
              ولا عبرة بمخالفة أرباب الهوى والضلال، في حكم الظاهرات والإضرابات، فهم لا يعتبر وفاقهم، فكيف يعتبر خلافهم؟!
              فالمظاهرات شريعة الكفار، وسنة الكفار، تلقفها عنهم أهل الأهواء، وتشبهوا بالكفار فيها، ولا يزال المسلمون من لدن محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى زماننا هذا، ينكرون المنكر بوسائل الإنكار الشرعية، لا بالوسائل الإبليسية الشيطانية الخبيثة، المأخوذة عن بلاد الكفر وأهله، فالمسلمون -والحمد لله- عندهم ما يغنيهم من وسائل إنكار المنكر، والتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف، وليسوا في ضرورة ولا حاجة إلى هذا التشبه بأعداء الإسلام الذين حُرِموا ما عليه المسلمون، ولا يصح في تظاهر عمر و حمزة حديث، وقد رد الشيخ ابن باز في فتاواه على من اعتمد على ما لا يصح في ذلك.
              فأهل العلم على عدم تجويز المظاهرات، أما أهل الضلال وأهل الزيغ فيتلاعبون بالناس تلاعبًا، ويراوغون مرواغة، ويتركون لأنفسهم خط رجعة -كما يقال- وسيأتي -إن شاء الله- تجويزه للمظاهرات كوسيلة تعبير!! لا منهج تغيير!! مما يؤكد عدم تحريمه للمظاهرات هنا بإطلاق، وعلى كل حال، فالمجوزون للمظاهرات، إما أن يكونوا مفتتحي باب ضلالة، وإما أن يكونوا على ملة أهدى من ملة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- التي ورِثها أصحابه والتابعون لهم بإحسان إلي يومنا هذا؟!
              ولما كان الفرض الأخير هنا متعذرًا، كان الأول متعينًا.
              فنحن ننكر المظاهرات، سواءً كانت مخربة أم غير مخربة، وكفى بها -من حيث هي- خرابًا للدين، فكيف إذا كان فيها من الاختلاط الفاتن ما فيها؟!
              وكيف إذا شغلت ولاة أمور المسلمين، وكلفت الدولة ما كلفتهم من الأعباء والأموال والأوقات؟!
              وكيف إذا كان القائم بها أرباب الضلال والهوى، الذين يشقون عصا الطاعة لولي الأمر المسلم؟!
              وكيف إذا روع أصحابها الآمنين، أوأتلفوا الأموال، أوسفكوا الدماء؟!
              وكيف إذا قووا قلوب الكفار باتباعهم سنتهم؟!
              وكيف إذا كان حرق الأعلام أو غيرها يعتبر إفسادًا للمال، وقد قال الله:
              {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا}؟!
              وكيف ... وكيف ... وكيف ...؟!
              ثم إن قولك:
              «ولا بالإضرابات المخربة المفسدة»
              يوهم منك هنا أن هناك إضرابات غير مخربة وغير مفسدة، ثم إن من يجوز المظاهرات كوسيلة تعبير، فلا يستبعد تجويزه للإضرابات كوسيلة تعبير من باب أولى، ونحن نقول:
              الإضرابات من حيث هي مخربة مفسدة، وكفى بها تخريبًا وإفسادًا للدين!! حيث إن المضربين يخالفون أوليا الأمور، وكفى بذلك معصية وتخريبًا وإفسادًا، إضافة إلى تعطيل مصالح الناس وحقوقهم، واتباع سنن الكفار.
              ثم إن كلاً من المظاهرات والإضرابات لا تجوز لو كانت مبنية على إنكار منكر حقًا، فكيف إذا كانت مثل تلك المظاهرات والإضرابات ونحوها هي من باب تأييد المنكر والأمر به، والصد عن المعروف والنهي عنه؟!
              وإذا علمت أن مثل هذه المظاهرات في بلاد الإسلام لا يتبناها إلا أهلُ الضلال من أمثال فرقة الإخوان المسلمين وأشباههم، علمت أنه لا يجتنى من الشوك العنب، وأنها -أعني- المظاهرات لا تكون شرعية في الصدور ولا في الورود.
              فهؤلاء المبطلون إما أنهم يؤيدون الباطل والضلال بمظاهراتهم، وإما أنهم ينهون عن المعروف، وإما أنهم ينكرون المنكر بما هو منكر، أو بما هو أعظم نكارة من المنكر، وتأمل -أخي السلفي- ما ذكرته لك من الوضوح والصراحة، وما ذكره هذا المتماوت في الكلام عن هذه الأمور العظيمة والخطوب الجسيمة هنا، تعلم أن الأمر جلل.
              أما قوله :
              « ممكن أسخنك لحد متؤوم تضرب دماغك في العمود ده»
              فلا يكاد ينقضي العجب منه، ولقد ظللت أضحك كثيرًا هنا، مع أني وحدي، ليس معي أحد، إذ غلبني الضحك بسبب هذا القول، وكأنه يخاطب مجانين أو بقراً -لا بشرًا- بل إن البقر مهما سخنته بكلام أو بضرب، فلا إخاله يضرب دماغه في العمود، وإنما يمكن أن ينطح فاعل ذلك برأسه وقرنيه، وربما جرى وراءه، فكيف ساغ له هذا القول؟! وكيف انطلى مثله على أتباعه، نعم إن الهوى يُعمي ويُصم.
              ولقد تذكرت أثناء ضحكي المثل المصري :"هَمٌّ يُضحِك وهَمٌّ يُبكِي"
              فهذا هو الهم المضحك، وقلت في نفسي وأنا أضحك: ترويحة!!
              أما قوله :
              «لكن القضية ليست أن تقطف الثمار أنت بالضرورة متخلي الثمرة يقطفها ولدك أو حفيدك»
              فأقول فيه:
              إن ثمار أهل الأهواء مرة دائمًا، كمرارة الحنظل بل أشد، فثمرة أهل الأهواء هي سفك الدماء، وترويع الآمنين، والتخريب والإفساد في الأرض، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل، وإخافة السبيل، وغير ذلك، وأبشرك بقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الخوارج:
              ((كلما خرج قرن منهم انقطع، حتى عد اثني عشر قرنًا، حتى يخرج آخرهم في عراض الدجال)) أو كما قال.
              ونحن وأنتم حديثو عهد بانقطاع الخوارج الأخير بمصر في العقد الماضي من هذا القرن، وهذا للعبرة لا للشماتة!!
              أما قوله:
              «لكن أنا مش هأُسأل ليه النصرة مجتشي في عصرك؟! أنا مش هأُسأل عن هذا أبدًا»
              فأقول فيه:
              ذكر النفي التأبيدي في كلامه فيه جرأة عجيبة، وتقوّل على الله، وهذا من أعظم الظلم، وبيان ذلك أن الله -عز وجل- قال:
              {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
              وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
              وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون))
              وكونهم ظاهرين يدل على دوام نصرهم -ولله الحمد- فمَن نصر دين الله فهو منصور -لاشك في ذلك- فالرسل جميعهم منصورون، وأتباع الرسل جميعهم منصورون، فإذا تخلف النصر عن قوم دل على أنهم لم ينصروا الله -عز وجل- أي لم ينصروا دينه وكتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومنهج السلف الصالح -رضي الله عنهم-.
              ولا شك في أن العبد سيُسأل عما تركه مما أوجبه الله عليه، وعما اقترفه واكتسبه مما حرمه الله عليه، وهذا الترك للواجب، وذاك الفعل للمحرم، سبب لتخلف النصر عن صاحبهما، فهو مسئول بلا مرية عن ذلك، سواءً قلنا: سيسأل لِم لَم يتحقق النصر بسببه، أو قلنا: سيسأل عن تركه الواجب وفعله المحرم، الذي كان سببًا في تخلف النصر، فنصر الله للعبد مشروط بنصر العبد الله في قوله -تعالى-:
              {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}
              وتخلف الشرط يؤدي إلى تخلف المشروط، ثم إن النصر لا يقتصر على النصر في شيء معين، كالنصر في الحروب المسلحة، أو إقامة الخلافة العامة ونحو ذلك، فهناك نصر على أهل البدع، ونصر على أهل الدجل والتمويه والخداع والكذب والتشويه للمنهج السلفي وحملته، وهناك نصر على أهل الفرق الزائغة الضالة، ببيان باطلهم، وهتك أستارهم، وتفنيد قواعدهم الكاسدة، وأصولهم الفاسدة، وهناك نصرٌ بجعل الله الود للمؤمنين، كما قال -تعالى-:
              {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}
              وهناك نصرٌ برفعة السنة، ورفعة أهلها، وعلو قدرهم ورتبتهم، وبتر شانئيهم وخصومهم، وقهرهم بالحجة والبرهان، واضمحلال ذكرهم، وبغض أهل العلم والإيمان لهم، وإلباسهم لباس الذل والصغار، وهناك نصر أهل السنة بالرزق الحسن والمتاع الحسن، والسيرة الصالحة، والسكينة والطمأنينة، والعافية من الفتن، والبركة في الرزق والأهل والمال والولد، فكل خير يجريه الله على عباده المؤمنين، فهو من جنس الرزق والنصر والفتح.
              ومما يدل على ذلك قوله -تعالى- بخصوص غزوة الأحزاب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } إلى أن قال -عز وجل-:
              {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}
              فالنبي وأصحابه قد أخذوا بأساب النصر، فكفاهم الله شر عدوهم، بإرسال الريح عليهم، فأكفأت قدورهم، وقلعت خيامهم، ورُدوا بسببها مهزومين، وأهل السنة اليوم يأخذون بأسباب النصر بجهاد المخالف لدين الله ولسنة رسول الله ولمذهب السلف الصالح، وآيات وأدلة نصر الله لأهل السنة وهزيمته للمخالفين كثيرة واضحة للعيان، لا تخفى إلا على العميان، إذا علمت هذا، فاعلم أن النصر ليس قاصرًا على إقامة خلافة ونحو ذلك، وإلا لزم من ذلك عدم وجود الطائفة الظاهرة المنصورة الناجية من وقت بعيد، أي من زمن زوال الخلافة العثمانية، بل في أزمنة أسبق من هذا أيضًا، وهذا باطل، فلا يصح قصر النصر على إقامة الخلاقة أو نحو ذلك، بل إن المؤمن منصور، ولو كان غالب أو كل أهل الأرض كفارًا.
              يدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في مجيء الأنبياء يوم القيامة: ((فرأيت النبي ومعه الرهط-وفي لفظ الرهيط- ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان ورأيت النبي وليس معه أحد))
              فهؤلاء الأنبياء كانوا منصورين بالحجة والبرهان والتأييد من الله على الرغم من حال القلة تلك، ولو كان لابد للمنصور من اشتراط نصره على الأعداء بالسنان والسلاح حتى يسمى منصورًا، للزم من ذلك عدم نصر هؤلاء الأنبياء المذكورين في الحديث، وللزم من ذلك أيضاً عدم نصر الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة إن لم تقاتل بالسلاح، وللزم من ذلك أيضاً عدم نصر العلماء على أهل الأهواء، وكل هذه اللوازم باطلة، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم، يؤكد ذلك قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} وقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}
              فهذه الآيات تدل على نصر عموم المرسلين والمؤمنين، سواء قاتلوا أعداءهم بالسِّنان أم لم يقاتلوا، ومعلوم عند من تدبر القرآن أن كثيرًا من الرسل لم يقاتلوا مَن عصاهم من أقوامهم، وإنما استأصلهم الله بعذابه، كقوم نوح، وعاد قوم هود، وثمود قوم صالح، ومدين قوم شعيب وغيرهم، وهكذا اليوم، فكل مؤمن منصور -ولله الحمد- ولو كان وحده، وإذا كان المؤمن منصورًا ولو كان وحده، فكيف إذا كان يعيش في بلاد الإسلام؟!
              وإذا علم المؤمن أنه منصور ولو كان وحده -فضلاً أن يكون معه غيره- فإنه يقوي عزمه على الازديا من الأخذ بأسباب النصر، ويحدو به هذا النصر إلي المزيد من الإيمان والعمل حتى يحوز نصرًا أكبر وأعظم، فالحمد لله على نصره عباده المؤمنين، واعلم أن الضعف في العدد والعدة لا ينافي النصر على الأعداء، ولا يستلزم عدم النصر، ولا عدم الظهور، كما في حديث الطائفة الظاهرة السابق، أما قوله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}
              فليس فيهما أن مِن شرطِ تحقق النصر، مقاتلة الكفار بالسلاح وقتلهم، وإذا كان لا يجوز قصر النصر على تحقيق أمر الخلافة المأمول والمنشود حصوله ووجوده، فكيف إذا كان أمر إقامة الخلافة المأمولة والمنشودة، هو بمنظار أهل الأهواء، لا من بمنظار أهل السنة والجماعة؟!
              على إن إبعاد تحقيق أمل النصر قد يُضعف العبد ويكسله عن سلوك سبيل النصر أو ينسيه السير في هذا السبيل، وإذا علمت مدى ومبلغ خصومة هذا الرجل للمذهب السلفي وأهله، علمت في الوقت نفسه تصوره لهذا النصر، وعلمت في الوقت نفسه قدرَ هذا النصر المأمول والمنشود، وعلمت أنصر هو أم عذاب، وسعادة هو أم شقاء وويل وبلاء؟!
              وإذا علم المؤمن أنه منصور في كل وقت وحين ولو ابتلي بأنواع الابتلاء، زاده ذلك شكرًا لله على نعمة النصر، وزاده عملاً وإيمانًا حتى يحوز نصرًا أكبر، وكل نصر بحسبه، فاللهم انصرنا على الدجالين المموهين، أهل الأهواء الزائغين، الذين يصدون عن سبيلك وسبيل رسولك، وسبيل عبادك المؤمنين.
              أما قوله:
              «ممكن أسخنك لحد متؤوم تضرب دماغك في العمود ده، طب والنتيجة إيه؟!
              أبأى أنا خائن لله ولرسوله، والله أبأى خائن لله ولرسوله وللمؤمنين، ستتحطم رؤوسنا، وستبقى الجدار الصلدة»
              قلت:
              هذا الكلام ينطبق عليكم في موقفكم من خصومكم السلفيين، فقد سخَّنْتَ نفسك، وسخنت أتباعك، حتى ضربتم أدمغتكم في عمود السنة، عمود مذهب السلف الصالح، عمود السلفيين الصلب الأشم الصلب الصخري الجُلمود، فماذا كانت النتيجة؟!
              هي أنكم حزتم نصيبًا كبيرًا من الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، وتحطمت رءوسكم، وبقيت جدران بل بقي بنيان أهل السنة الأشم العالي المنيف الشاهق، وتحطمت آمالكم، وخاب سعيكم عند عتبات هذا البنيان، فاضربوا إن شئتم في العمود أو في الصخر الجلمود!!
              ولقد قلت لبعض إخواني:
              إن الشبهة تأتي فلا تجاوز عتبة بابنا، فالحمد لله على أن البدعة والشبهة لا تلقى منا إلا طردًا طردًا، وكيف نأذن للبدعة بالدخول، وما عليها تربينا؟!
              وكيف نأنس بها، ونحن منها نستوحش؟!
              وكيف نأذن لها بالدخول، وهي غير سالمة ولا مُسَلِّمة؟!
              نقول هذا تحدثًا بنعمة الله علينا، ونقول كما قال الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم:
              {ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}
              قوله:
              «إنما سأُسأل أنت عملت إيه؟!»
              قلت:
              يا ويل من كان جوابه وحاله، هو أن عمله كان الطعن في المنهج السلفي وعلمائه وتشويهه، وتشويه أهله، والمحاماة عن أهل البدع والضلال!!
              يا ويله، ثم يا ويله، ثم يا ويله.
              قوله:
              «لسا كتير أوي في ما استطعتم دي أنا مَعَمَلْتُوش...» إلى آخره.
              قلت:
              أجل، ومن ذلك المستطاع -لولا الشبهات والشهوات- نصرة المنهج السلفي، والسير في ركاب أهله وعلمائه، ومؤازرة السلفيين، والذب عنهم وعن منهجهم، والرد على أهل البدع والضلال، وتفنيد ورد أصولهم الفاسدة وقواعدهم الكاسدة.
              أين نصرتك لإمام السنة ربيع بن هادي المدخلي؟!
              وأين نصرتك لدار الحديث السلفية بدماج، برعاية الشيخ يحيى بن علي الحجوري، الذي هو الربيع بعد الربيع؟!
              وأين نصرتك للسلفيين في الدنيا، وأين حملتك على أهل الأهواء؟!
              وألاَ، وهلاَّ جعلت حملتك الشرسة على أهل السنة، جعلتها على فرق الضلال والبدعة، الذين أنت تنصرهم، أم هذا ليس عندكم بمستطاع؟! وباطلكم هو المستطاع؟!
              واعلم أننا لم نستقص الرد عليك لا في هذا ولا في غيره، فباطلك المردود قطرة من مطرة، ولكننا ننبه بما رددناه عليك على ما وراءه من أضعافه من الباطل، فليس من الحكمة مجاراة أهل الأهواء بالاشتغال في رد كل باطلهم عليهم، إذا أغنى الرد على بعضه عن استقصائه كله، ولهذا لا نجد أكابر أهل العلم قد شغلوا أنفسهم بالرد على هراء كثير من أهل الأهواء على سبيل التفصيل، اكتفاء منهم بالحكم عليهم بالبدعة، مع ذكر ما يقتضي الحكم عليهم بذلك، ولكننا وجدنا أن بنا ضرورة أو حاجة ماسة إلى شيء من الرد التفصيلي على مثل هذا الرجل، رجاء البيان لمن لا يعلم حال الرجل، أو لمن كان في شك فيما يوجب حكم أهل السنة عليه بالابتداع، وغير ذلك من المقاصد الصالحة.
              خاصة إذا علمت أن الله -عز وجل- قد رد على مقالات المشركين في كتابه -وما أكثرها!!- مع أنها هراء بعده هراء، وضلال بعده ضلال.


              تم الفراغ منه في ليلة الثلاثاء، الموافق الرابع عشر من


              شهر جمادى الآخرة، لسنة اثنتين وثلاثين


              وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية،


              على صاحبها الصلاة


              والسلام



              وكتب


              أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


              أبو عبد الله



              يتبع إن شاء الله
              التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 18-05-2011, 08:42 PM.

              تعليق


              • #22

                التعليق على الدرس السابع والسبعين بعد المائة الأولى من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري


                ليلة الجمعة الموافقة للرابع من شهر الله المحرم لعام ألف وأربعمائة وثلاثين من الهجرة.


                قوله: «دور العلماء والدعاة أن يؤصلوا عقيدة الولاء والبراء، دور العلماء والدعاة أن ينتزعوا الإرجاف من القلوب، دور العلماء والدعاة أن يجددوا الأمل في وعد الله، وفي وعد رسوله، أن يجددوا عقيدة الولاء والبراء، وأن يجددوا الإيمان، وأن يجددوا الثقة في الله، والتوكل على الله، والرجاء في الله، واليقين في الله، دور العلماء والدعاة أن يُحيوا روح الجهاد في الأمة، ولا تخشى في الله لومة لائم، لكن بشرط أن تكون واعيًا عاقلاً، دعك من العنترية الجوفاء، فلن تغير من الواقع شيئًا، ودعك أيضًا من الجبن والخيانة، بل قل الحق بحق، وبأدب.

                وأقول بفضل الله -جل وعلا-: إن من قرأ التاريخ، يعلم أن اهل مصر والله ما كانوا خونة قط، والله ما خان أهل مصر قط، وأرجو أن يراجع الجميع التاريخ، حتى لا يتصور أحد أنني أجامل أهل مصر بالباطل، لا ورب الكعبة، والله ما أصيب أهل مصر بأزمة عطاء، ولا بأزمة بخل، لكنهم قد أصيبوا نعم بأزمة ثقة، لكن كان أهل مصر بفضل الله ولا زالوا وسيظلون إن شاء الله تعالى بوعد الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، سيظلون -إن شاء الله تعالى- على رباط وعلى خير إلى أن تقوم الساعة، فلقد أوصى النبي بأهل مصر خيرًا، ولا يجوز لأحد أن يتهمنا بالخيانة، أو أن يتهم أهل مصر بالخيانة، لا يجوز لأي أحد أن يتهم هذا الشعب المعطاء، الذي يستعد الآن ورب الكعبة أن يأخذ من فم ولده ومن فم ابنته ليقدم طعامه لابن أو لبنت هنالك على أرض غزة، والله لا أقول ذلك من باب تضميد الجراح، أو تجييش العواطف، والله الذي لا إله غيره يود إخواننا وأخواتنا، بل وأباؤنا وأمهاتنا أن لو قدموا الليلة بل والأمس أرواحهم نصرة لدين الله، ثم نصرة لإخواننا المستضعفين في غزة»

                من هنا كلامه بصوته: http://jumbofiles.com/hxc3f4hz118n

                قوله: «ولا يجوز لأحد أن يتهمنا بالخيانة، أو أن يتهم أهل مصر بالخيانة»

                أقول: كفى بطعنك وطعن أمثالك من المصريين -وما أكثرهم!!- في المنهج السلفي، وتشويه صورته وصورة حامليه من السلفيين، كفى به خيانة، وكفى بمحاماتكم عن أهل الأهواء والضلال والزيغ، من أمثال فرقة التبليغ وفرقة الإخوان المسلمين وجميع أفراخها، كفى بها خيانة، وقد قال -تعالى-:

                {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}

                وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}

                فمَن طعن في منهج الرسول وأصحابه وسلف هذه الأمة، وشوه المنهج السلفي وأهله، وحامى عن أهل الضلال، فكفى به خائنًا، وليَعلم مثل هذا أن الله لا يهدى كيد الخائنين، وقد قال -عز وجل- : {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}

                وقال -أيضًا- عن امرأة العزيز: {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}

                أما أهل مصر عمومًا، فمنهم الخائن ومنهم الأمين، شأنهم في ذلك شأن غيرهم، ولا يمكن لأمين أن يثبت غير ذلك، وتأمل كيف ينفي الخيانة عن أهل مصر مطلقًا، وقد علم أن بها من النصارى عددًا ليس بالقليل؟!

                أم عقيدة النصارى في الحلول والتثليث والبنوة وغير ذلك ليست من الخيانة؟!

                وإذا كان يوجد بالمسلمين خونة، فكيف بالنصارى وغيرهم من أهل الكفر؟!

                هذا، ولم يزل الخوارج أعداء السنن فيها يخرجون ويعيثون في الأرض فسادًا في القديم والحديث، إضافة إلى وجود كثير من القبوريين والأشاعرة والعلمانيين وغيرهم من أهل الضلال والفسوق فيها،فأي دجْل هذا؟! وأي قسم هذا الذي يقسمه على نفي مجاملته لأهل مصر ونفيه الخيانة عنهم؟! حيث قال:

                «وأقول بفضل الله -جل وعلا-: إن من قرأ التاريخ، يعلم أن اهل مصر، والله ما كانوا خونة قط، والله ما خان أهل مصر قط، وأرجو أن يراجع الجميع التاريخ، حتى لا يتصور أحد أنني أجامل أهل مصر بالباطل»

                ياهذا ! إن هذا من جنس التعصب الذميم، فالتعصب لبلد أو لعروبة مع مخالفة الشرع هو من أمر الجاهلية الذي وضعه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تحت قدمه.

                ونحن إذ نقول ذلك، لا نتحامل على أهل مصر، ولا نحابي غيرها بغير وجه حق، ولا نخالف شرع الله في هذا ولا ذاك، وإنما نحكي أمرًا واقعًا.

                وإذا كان قد ثبت شيء من الأدلة بشأن أهل مصر، فقد ثبت لبعض البلدان الأخرى مثلها أو أكثر منها، فما أنت قائل؟!

                وأنت إن نجوت من التعريض بذم سائر البلدان، أو بذم بلدان أخرى غير مصر باتهامها بالخيانة، فلن تسلم من هذه العصبية البغيضة التي لا يعرفها أهل العدل والإنصاف، ونعوذ بالله من الحمية الجاهلية، المبنية على التعصب الذميم والمداهنة.

                ثم أليس خروج الخوارج اليوم على حاكم البلاد -وأنت على رأس هؤلاء الخارجين- هو من أعظم الخيانة؟! أم أنتم جميعًا لستم من أهل مصر وشعبها؟!

                قوله: «والله ما أصيب أهل مصر بأزمة عطاء ولا بأزمة بخل، لكنهم قد أصيبوا نعم بأزمة ثقة»

                أقول:قوله:«أزمة ثقة» كلام مجمل، كما هي عادة أهل الأهواء، والمقصود نفي الثقة أو ضعف الثقة، والأظهر أن المقصود هو أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم، ولكنه لم يصرح بذلك هنا، وسيأتي -إن شاء الله- ما يدل على ذلك، وعلى كل حال، فإنا نقول: ما ولى الله ظالمًا على عباده إلا بسبب ظلمهم، قال -تعالى-:

                {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}

                وقال:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

                وقال:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}

                وقال:{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك.

                وما نال الدعوة السلفية من تشويه لها ولحامليها على أيدي أدعياء السلفية من أمثالكم أعظم مما نالها من ظلم الحكام بمراحل ومفاوز تنقطع فيها أعناق المَطِي، ولاشك في أن تشويه أمثالكم للدعوة السلفية هو من أعظم الظلم والإفساد في الأرض، الذي هو سبب لتسلط الحكام الظلمة.

                قوله:«لكن كان أهل مصر بفضل الله ولا زالوا وسيظلون إن شاء الله تعالى بوعد الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، سيظلون -إن شاء الله تعالى- على رباط وعلى خير إلى أن تقوم الساعة، فلقد أوصى النبي بأهل مصر خيرًا»

                قلت: قد جاء في الحديث مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:

                ((إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندًا كثيفًا فإنهم خير أجناد الأرض وإنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة)) أو كما في الحديث.

                وخلاصة حال هذا الحديث أنه لا يصح من جهة السند، ثم إن فيه نكارة من جهة المتن، وجه ذلك أن الساعة تقوم على شرار الخلق، وحتى لا يقال في الأرض: الله الله، كما ثبت بذلك الحديث عن النبي -صلى اله عليه وعلى آله وسلم- كما في صحيح مسلم من حديث أنس -رضي الله عنه-.

                أما الوصية بأهل مصر فحديثها صحيح، رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- برقم: [226-(2543)] طبعة دار ابن رجب، الطبعة الأولى لسنة 1422، وهاك نصه: ((إنكم ستفتحون أرضًا يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها)) وفي لفظ آخر عنده برقم: [227- (2543)]: ((إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا)) أو قال: ((ذمة وصهرًا، فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها))

                ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فقد وجّه الشيخ مقبل -رحمه الله- إلى طلبته سؤالاً يومًا عن حال حديث: "مصر كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء أهلكه الله" فأشرت بيدي، فقال: عندك، فقلت له: موضوع، وعلى كل حال فنسأل الله أن يُهلك من أراد أهل مصر وسائر بلاد الإسلام بسوء.

                قوله:«والله الذي لا إله غيره يود إخواننا وأخواتنا، بل وأباؤنا وأمهاتنا أن لو قدموا الليلة بل والأمس أرواحهم نصرة لدين الله، ثم نصرة لإخواننا المستضعفين في غزة»

                أقول:لا أدريما الذي منعه من التصريح هنا بنسبة التقديم المذكور إلى عموم أهل مصر، على أن لفظه هذا يحتمل عموم المصريين المسلمين احتمالاً ظاهرًا، وعلى كل حال، فإن هناك مَثَلاً يدور على ألسنة كثير من المصريين يقول: "الذي يحتاجه البيت يحرم على الجامع" وإذا كان هذا المَثَل متعلقًا بالمال، فما الظن بالأرواح؟! وهل العاملون بهذا المثل من المسلمين هم من إخوانكم وأخواتكم وأباءكم وأمهاتكم أم لا؟!

                وبناءً على ذلك نقول: ما أنت صانع في قسمك هذا؟!



                التعليق على الدرس الثامن والثمانين بعد المائة الأولى من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.



                ليلة الجمعة الموافقة للخامس من جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وثلاثين من الهجرة


                قوله:«فعاوزين نتعلم الأدب، ونتربى، نغرس غرسًا صحيحًا، مش سمك لبن تمر هند، ويالاَّ جمَّع يا جدع، لأ، دا مش تجميع، دا، دا تجميع باطل، وهيفرق الأمة، وهيجرح الأمة، مش هيضمد الجراح، ولا هيجمع، خلِ بالكو يا شباب، خلِ بالكو، الدعوة للتجميع آه، أنا مع التجميع، أنا مع دعوة الأمة إلى وحدة الصف، بس وحدة الصف على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، مش سمك لبن تمر هندي، شيعي على خارجي على معتزلي على، لا لا لا، إطلاقًا، دا كلام فاضي، لا يقول به طويلب علم فضلاً عن داع إلى الله.

                فعاوز اخلُص إلى أن الأمة نامت، لكن ما ماتت الأمة، نامت لكن ما ماتت، ولن تموت بإذن الله، وبموعود الله مش هتموت الأمة، ليه؟ لأن الله شرفها بحمل الرسالة الخاتمة إلى أهل الأرض، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»

                من هنا كلامه بصوته:http://jumbofiles.com/1uktuy8k0o8z

                أقول: السمك واللبن والتمر الهندي، كل ذلك حلال ومباح وطيب أيضًا، وإن حصل من اجتماع هذه الأشياء ضرر -إن ثبت ذلك عند الأطباء وأهل الخبرة- فلا يعدو كونه من المصائب، أما اجتماع طوائف الضلال، فهي ظلمات بعضها فوق بعض، وهذا من باب اجتماع المعائب، والمعائب أخطر وأضر من المصائب؛ لأن المعائب مصائب في الدين، بخلاف المصائب المجردة عن الدين المتعلقة بالدنيا، وبالصبر على المصائب والرضا بها وشكر الله عليها تجبر بالعوض والأجر من الله -عز وجل- أما المعائب فالصبر عليها صبر على النار الموقدة، ومن ذا الذي يصبر على النار؟!

                نعوذ بالله، ولقد قال -عز وجل-:

                {أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}

                ثم أخذ يمثل لأهل الضلال بالشيعي والخارجي والمعتزلي على ...، وغافلاً أو متغافلاً -وأحلاهما مر، وثانيهما الأقرب- عن حقيقة الأمر، فإن جميع فرق الزيغ والضلال، من أمثال فرقة الإخوان والقطبية والسرورية وغيرهم، عندهم من تقديم الرأي على النصوص ما عندهم، وهذا نوع من الاعتزال، فجميع فرق الضلال معتزلة بهذا الاعتبار، ثم إن أمثال هؤلاء جميعًا مفرقون للأمة، ومُجَمِّعُهُم مفرق، ثم إن جميع فرق الضلال هم خوارج في الجملة، أما الحكم على جميع فرق الضلال بأنهم خوارج فقد قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا استحل السيف، وأما بالنسبة للتشيع، فأهل البدع -في الجملة- من أمثال الإخوان المسلمين وأفراخهم عندهم من الولاء للشيعة ما عندهم، وعندهم في الوقت نفسه من العداء لأهل السنة ما عندهم، نعم، أهل الأهواء يختلفون فيما بينهم، ولكنهم يجتمعون عن بكرة أبيهم على أهل السنة، كما أن الكفار يختلفون فيما بينهم كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، ولكنهم يجتمعون على الإسلام وأهله، فسلك أهل الأهواء مسلك الكفار في هذا، واستنوا بسنتهم فيه، وما أمر التقريب بين السنة والشيعة الذي يتبناه أهل الضلال بخافٍ علينا، وهم في الوقت الذي يدعون فيه إلى التقارب بين السنة والشيعة يبتعدون عن أهل السنة، ولم لا يكون أصحاب هذا التقارب المزعوم يطعنون في أهل السنة؟! وتقاربُهم هذا مع الشيعة لا يُتصور إلا أن يكون مبنيًا على أساس التنازل عن السنة، ثم إن عاقبة ذلك التقارب هو التمكين للبدعة، فالشيعة أهل تقية ونفاق، ولقد قرأت منشورًا لمحمد مهدي عاكف المرشد (المغوي) لجماعة (لفرقة) الإخوان المسلمين (المبتدعين) أيام فتنة حزب الله!! الشيعي في لبنان، بقيادة حسن نصر الله الرافضي، وأثنى على ما يقوم به حزب الله!! في لبنان، وحمل في الوقت نفسه على أهل السنة الذين يتكلمون في الشيعة وقال ما معناه: إنهم يثيرون ويجددون أمورًا من الخلاف بيننا وبين الشيعة، قد اندثرت أو عفا عليها الزمن، وألان الكلام، وأحسن الثناء في كلامه عن هذا الحزب الشيعي، في الوقت الذي شدد فيه القول والنكير على أهل السنة، الذين ينتقدون هذا الحزب، مع أن انتقادهم حق، فإذا كان هذا هو كلام قائدهم ومرشدهم، فما الظن بالأفراخ الذين تحته في فرقته من المَقودين والمرشَدين؟!

                إن كلامه هذا يدل على جهله واتباعه لهواه في آن واحد؛ لأن أمر الشيعة واضح فاضح، ونتنهم فائح، فمعلوم أن اعتقاد الشيعة الفاسد، ومنهجهم البالي الكاسد، قائم إلى يومنا هذا، وإن ادعى بعض منافقي الشيعة خلاف ذلك، فإنه لا يصدق لتكذيبه للواقع، ولأنهم أهل تقية ونفاق.

                ولقد قرأت في أعقاب فتنة حزب الله في لبنان لافتة معلقة في أحد شوارع مدينة طلخا، وهي على مقربة من قرية جوجر التي أسكنها الآن بنحو ميل ونصف تقريبًا، مكتوب في هذه اللافتة:
                الإخوان المسلمون يهنئون حزب الله على انتصارهم على اليهود في لبنان!!
                وقد كتب الشيخ ربيع -حفظه الله- في هذه الأحداث أو عقبها كتابة، بيَّن فيها زيف هذا النصر، وأن الدائرة في هذه الأحداث والقتل والتخريب واقع على أهل السنة، وشدد النكير، وشنع بالقول على هذا الحزب الرافضي الخبيث وسياسته الخبيثة الماكرة.


                قلت: والرافضة مطايا يركبها اليهود وغيرهم لتحقيق مآربهم ضد أهل السنة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أوائل منهاج السنة النبوية، إعانة الرافضة لليهود والنصارى والمشركين على أهل الإسلام في أماكن وبلدان شتى، وذكر غير واحد من أهل العلم بالتاريخ، إعانة الرافضة للتتار على غزو بغداد، وحسبنا ذلك -فضلاً عن غيره- في الدلالة على خبث الشيعة الروافض، وعداوتهم لأهل السنة، ومكرهم بهم، وخبث اعتقادهم ومنهجهم على مدار التاريخ والزمن.

                فهل يهون عاقل من أمر الخلاف بين أهل السنة والشيعة؟! أو يذيب ويميت ذلك الخلاف مع وجوده وحياته وصلابته وتجلده؟!

                إذا علمت هذا، فاعلم أن صاحب دروس السيرة الذي نحن بصدد الرد عليه، مغالط ذو تلبيس -كفانا الله شر الدجالين- حين مثّل لأهل البدع بمثل الشيعي والخارجي والمعتزلي، مخرجًا بذلك كثيرًا من فرق الضلال الموجودة اليوم من الابتداع والضلال، ومما دفعه إلى ذلك تقديمه لحكمه على ما حكم به السادة العلماء والأئمة الأجلاء على هذه الفرق المعاصرة من أمثال فرقة التبليغ والإخوان المسلمين وأفراخها بالضلال والابتداع.

                وقد بينا لك أن أهل الأهواء المعاصرين بهم من الاعتزال ما بهم، وبهم من الخروج ما بهم، وبهم -في الجملة- من موالاة الروافض ما بهم، وقد جاء عن بعض السلف قوله:

                من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته.

                وهذا الرجل عنده ولاء لهذه الفرق المعاصرة وألفة بهم، وهذه الفرق المعاصرة بدورها عندها -في الجملة- من الولاء للشيعة ما عندهم، وعندهم من الألفة لهم ما عندهم، وبناءً على ذلك يمكن لقائل أن يقول:

                إن هذا الرجل عنده من الولاء للشيعة ما عنده، إذ لا يمكن أن يكون صحيح الاعتقاد والمنهج وهو في الوقت نفسه يحامي عن فرق الضلال المعاصرة التي عندها موالاة وألفة تجاه الروافض، ومن ستر علينا بدعته لم تخف علينا ألفته، على أن أمر ابتداع هذا الرجل، واتباعه لهواه ظاهر مكشوف مفضوح، ليس مستورًا ولا خفيًا ولا محجوبًا، ولو كان هذا الرجل ناصحًا لأمته، أمينًا على دين الله وشرعه، لحذر -كما حذر أهل العلم- من فرق الزيغ والضلال المعاصرين، الذين أفسدوا البلاد والعباد، وعلى رأس هذه الفرق، فرقة الإخوان المسلمين الذين يُعتبرون -بدفاعهم عن الشيعة الروافض- بوابة للتشيع والرفض في الديار السنية، ويُعتبر من دافع عن مثل هذه الفرقة الخاسرة -في الوقت نفسه- بوابة للتشيع والرفض في الديار السنية شاء أم أبى.

                قال: «... أخلص إلى أن الأمة نامت لكن ما ماتت الأمة ...»

                أقول: إن كانت الأمة نامت فأنتم أنمتموها، أو إن كانت الأمة نامت فأنتم أوائل النائمين، وقد قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:

                ((من قال هلك الناس فهو أهلكَُهم)) أو ((أهلكَهم)) بضم الكاف أو فتحها، بناءً على شك أحد رواة الحديث، فعلى رواية الفتح يكون المعنى: فهو تسبب في هلاكهم، وعلى رواية الضم يكون المعنى: فهو أشدهم هلاكًا.

                وهذا الرجل كثيرًا ما يردد قوله: الأمة كذا، والأمة كذا، هكذا بلفظ الأمة، ويَعْني ويَنْعَى أحوالها.

                ونقول له: قد قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:

                ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون))

                وقى الله أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شر الدجالين، أصحاب الدجْل والتمويه والتلبيس.


                تم الفراغ منه في ليلة الأحد، الموافق السادس والعشرين من

                شهر جمادى الآخرة، لسنة اثنتين وثلاثين

                وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية،

                على صاحبها الصلاة

                والسلام


                وكتب

                أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري

                أبو عبد الله


                يتبع إن شاء الله


                تعليق


                • #23
                  التعليق على الدرس التاسع والثمانين بعد المائة الأولى من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.



                  الجمعة الموافقة للثاني عشر من جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وثلاثين من الهجرة.



                  قوله: «شباب كتير من أولادنا معندوش أدب مع العلم، ولا عنده أدب مع الفتوى، معلش، قد يقسوا الإنسان أحيانًا، يقسى ليزدجر، ومن يك راحمًا فليقس أحيانًا على من يرحمه، يعني سبحان الله!


                  ففيه كتير من أولادنا عنده جرأة وسوء أدب مع الفتوى، ويتجرأ في الحديث في نوازل، لو عرضت على عمر لجمع لها الصحابة من المهاجرين والأنصار ليستشيرهم، أنا بس وقفت عند قَولة عبد الله بن عباس، قال -رضي الله عنهما-: فقال عمر" يا ابن عباس ادع لى المهاجرين الأولين، قال: فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، يا الله!! المهاجرون اختلفوا، فريق يقول: ندخل، وفريق يقول: نرجع، مندخُلش، فقال بعضهم لعمر -رضي الله عنه-: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن نرجع عنه، قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، يعني انت خرجت لمهمة، فأكمل المهمة، ولا ترجع عن أدائها، وقال بعضهم -من الصحابة أيضًا-: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نرى أن تُقدِمهم على هذا الوباء، يبئى الصحابة اختلفوا، وبعد ما اختلفوا تهاجروا؟! رُدوا علىَّ! بدَّع بعضهم بعضًا؟! فسَّق بعضهم بعضًا؟! طب منختلف يا سيدي، واحنا بنحب بعض، طب متخالفني، وأنا شيخك، وبَردُو تحبنى واحبك، واخالف أنا شيخي، وأجله، وأقدِّره، واحمل له نعله، والله أحمل له نعله، إيه المشكلة؟! بس يبأى فيه أدب، مش عشان أنا بختلف مع شيخ من المشايخ أسفهه، وأسيئ الأدب معه في حضرته أو في غيبته، دى علامة خذلان، هذه علامة خذلان وخسران، هذه علامة خذلان وخسران، وطبعًا انتو عارفين موضة دلوأتي! موضة! فلسا الشباب يدوبك، يدوبك، اقسم بالله ما حفظ خمسة أجزاء، والله! والله! ما أنهى حفظ خمسة أجزاء من كتاب الله، وأول درس يتعلمه، خلِ بالك من فلان وفلان وفلان، معروف التلاتة اللي هُمَّا المتطرفين بتوع مصر كلهم، أمبراطور التطرف أبو اسحاق، وبعدين يعقوب، وبعدين حسان، ثلاثي التطرف هه! هه!!

                  اللهم احفظهم يارب! متؤول آمين يا ولد.

                  تَبْ ليه؟! تَبْ ليه؟! وبعدين، طب، ما لو فيه خطأ عند شيخ من المشايخ، أو عند غيرهم من إخواننا -أسأل الله أن يحفظ كل إخواننا- ما لو فيه خطأ، مَهُو مش نَبى يا حبيبي، ولا رسول، طب، ما تيجي بأدب وبذوء وباحترام وبإجلال وبتقدير للشيخ، وتئوله: والله! يا شيخي العزيز الفاضل -جزاك الله خيرًا، ونفع الله بك، وتقبل الـ وتقبل الله منك جهادك وجهودك لدين الله عز وجل- أنتم علمتمونا أننا نحب شيوخنا، لكن علمتمونا أن نحب الحق أكثر من حبنا لشيوخنا وعلمائنا، وقد قلتَ كذا، وهذا القول خالف الحق بدليله، واحد اتنين تلاتة أربعة، وتبئى راجل فاهم للدليل، متبآش درويش بأى، ومنتاش فاهم انت بتؤول إيه!! على راسي، تعالى، أهلاً وسهلاً، ولو الشيخ رد الحق، يبأى شيخ متكبر، ومليان كبر، ولو ادعى التواضع، ويحذَّر، ويبكَّت بما فيه، لكن فيه شيخ من أهل السنة يُهدَي إليه الحق بدليله ويتكبر عليه؟! لا ورب الكعبة، ما علمت ذلك قط، أبدًا، تب هاتلي كدا أي خطأ بدليل، طب، والله العظيم! لو طُلت أبوس راسك هابُسها، هوا، دانتا بتردني إلى الصواب، وإلى الحق الذي أخطأت فيه، أتكبر؟! لا، لا، دا هذا مرض.


                  فالشاهد يا إخواني، أنا أنصح شبابنا ألا يتجرأ على الفتوى، وألا يتجرأ على التجريح؛ لأن للتجريح أهله؛ ولأن للتجريح علماءه؛ ولأن للتجريح رجاله، والتجريح علم! علم الجرح علم من أشرف العلوم، التي تعتز بها الأمة، ولا ينبغي أن نقلل أبدًا من قدر هذا العلم، ولا من شأنه على الإطلاق، لكن له علماؤه.


                  تب راجع كده شوف، شوف كلمات الإمام علي بن المديني في الجرح عاملة إزاي؟! راجع كلمات البخاري! ما رأيت كالبخاري في تجريحه وتعديله، والله ما رأيت كالبخاري في عدله وإنصافه وورعه وخشيته وتقواه لله جل علاه.


                  راجع كلمات للإمام الذهبي في الجرح والتعديل، الإمام ابن معين، يحيى بن معين، إلى غير ذلك من أئمة الجرح والتعديل، فأنا أقول: هذا علم له أهله، وله رجاله، وله ضوابطه.


                  إنما أنا لسا مَنِش عندى بضاعة، لا قرآن، ولا سنة، ولا معرفة أصول، ولا فروع، ولا أى شيء، وبعدين أتصدر، وأبدأ بهذا؟! فهذا خلل كبير، وخطأ بشع، وأنصح شبابنا بكل وضوح، وبكل صراحة، وبكل جرأة وقوة، ألا يبدأوا بهذه البداية، وإنما إبْدأ بالقرآن، وثنِّ بالسنة، وثلث بكتب العقيدة، ثم بعد ذلك اختر ما يسر الله لك من كتب أهل العلم، ومن فروع العلم الشرعي التي تريد أن تطلبها، وأن تتعلمها على أيدي العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين، فلقد كان العلم قديمًا في صدور الرجال، ثم انتقل إلى بطون الكتب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال، وهذا كلام الإمام الشاطبي في الموافقات.


                  الصحابة اختلفوا، ما نختلف، وأنا بَأْصُد الاختلاف في مسائل الإيه؟ الأحكام والفروع، إنما الخلاف في أصل الملة دا مذموم من الألف إلى الياء، والعياذ بالله، هُمَّا دول الذين خرجوا عن رحمة الله، الخلاف في أصل الملة، أهله هم الخارجون عن رحمة الله {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} يعني، قال الإمام الشاطبي في كتاب"الإعتصام": الخلاف المذموم في الآية، هو الخلاف في أصل الملة، أما الخلاف في مسائل الأحكام والفروع، فأهله أهل رحمة الله، فـ فلقد وقع من أصحاب النبى -صلى الله عليه وسلم- أنفسهم»


                  كلامه بصوته من هنا:http://jumbofiles.com/6zzcuq86jjy1



                  قوله:«شباب كتير من ولادنا ...»


                  أقول: هذا الرجل يتكلم بلهجة الشيخ المسن، وليس كذلك، وتراه يدندن بذكر كلمة الشباب؛ لأن الشباب هم أملهم في تحقيق مآربهم الخبيثة، وإليك بعض السياقات التي ذكر فيها كلمة الشباب والأولاد والطلاب!! وكأنه شيخ ذو تأصيل للعلوم!! حيث قال: «... ففيه كتير من أولادنا ...»


                  «متئول آمين يا ولد!! ... فَلِسَّ الشاب يدوبك ... أنا أنصح شبابنا ... وأنصح شبابنا»


                  وهذا كله في درس واحد إضافة إلى ما سبق أعلاه، وقال في الدرس الحادي والتسعين: «وأنصح أولادنا وشبابنا ... شاب صغير فتح الله عليه، وذكر زملاءه وإخوانه من الشباب فأهلاً وسهلاً ومرحبًا، ونحمد الله على ذلك، ونشجع شبابنا على ذلك، وندعو لشبابنا، لكن أرجو ألا يتجاوز شبابنا قدره ... فليقتصر الشاب ...أنصح أولادي جميعًا ...»


                  وقال في الدرس الثالث بعد المائة الأولى:«... أنا عاوز شبابنا»


                  وقال في الدرس الحادي العشر بعد المائة الأولى:«... ينبغي أن يعي شبابنا ...»


                  وقال في الدرس الثاني والستين بعد المائة الأولى:


                  «... ويعيش كتير من شبابنا وأولادنا ...»


                  وقال في الدرس الثامن والثمانين بعد المائة الأولى:


                  «خل بالكو يا شباب خلو بالكو ...» إلى آخر ذلكم.


                  هذا، وإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذكر كلمة الشباب في بعض الأحيان، لكن لا أعلمه بهذا الإكثار، على أن الفرق بين حال وقصد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وحال وقصد ذاك الرجل أبعد مما بين السماء والأرض، وأبعد مما بين المشرق والمغرب!!


                  قولهمعلش قد يقسو الإنسان أحيانًا، يقسى ليزدجر، ومن يك راحمًا فليقس أحيانًا على من يرحم»


                  قلت: ما علمناك إلا قاسيًا على أهل السنة السلفيين، وما علمناك راحمًا لهم، فلا تزكِ نفسك بما ليس فيك، وقد قال -تعالى-:


                  {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}


                  ورحمة العبد بأهل السنة هي من تقوى الله -عز وجل-.


                  قوله:«آه يعني -سبحان الله- ففيه كتير من أولادنا عنده جرأة وسوء أدب مع الفتوى، ويتجرأ في الحديث في نوازل لو عرضت على عمر لجمع لها الصحابة من المهاجرين والأنصار ليستشيرهم»


                  قلت: وكيف تتجرأ أنت أيها الوالد!! في الحديث في نوازل لو عرضت على عمر لجمع لها الصحابة من المهاجرين والأنصار ليستشيرهم -كما زعمت-؟!


                  أستشارك اليوم أحد مثل عمر باعتبارك كالصحابة من المهاجرين والأنصار؟!


                  أم تجرؤك هذا حلال لك حرام على غيرك؟!


                  ولعل بعض أولادكم!! هؤلاء أصابوا وأخطأتم في الحكم في هذه النوازل، كنازلة أحداث غزة، كما سيأتي، فلا تعجلوا علينا فإنا سنخبركم اليقين -إن شاء الله- عز وجل-.


                  قال:«أنا بس وقفت عند قولة عبد الله بن عباس قال رضي الله عنهما فقال عمر: يا ابن عباس: ادع لي المهاجرين الأولين، قال فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع في الشام فاختلفوا يا الله!! المهاجرون اختلفوا فريق يقول: ندخل وفريق يقول: نرجع مندخلش!! ...»


                  إلى أن قال:«وبعد ما اختلفوا تهاجروا؟! رُدّ عليَّ، بدَّع بعضهم بعضًا ؟! فسَّق بعضهم بعضًا؟!»


                  قلت: كفى دجلاً، فعمر -رضي الله عنه- لم يستشر الصحابة إلا لأنه لم يكن عنده في ذلك علم عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى جاء عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وكان متغيبًا في بعض حاجاته، وقال لعمر -رضي الله عنه-: إن عندي في ذلك علمًا، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول في الوباء، أو قال في الطاعون: ((إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه))


                  وكان هذا الحديث موافقًا لما أشار به مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، حيث رأوا الرجوع وعدم القدوم على هذا الوباء، واجتمعت كلمتهم على ذلك، ولم يختلف عليه في هذا رجلان، فوافقت مشورتهم حديث الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال عمر -رضي الله عنه-: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، أو بعث مناديًا بذلك.


                  فما كان عمر -رضي الله عنه- وهو الفاروق، أن يتجاوز حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليستشير أحدًا، ولو كان المستشار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من المهاجرين والأنصار أو غيرهم.


                  فلا اجتهاد مع النص، ولا استشارة مع النص، فكيف يُلحِق مخالفة النصوص بمخالفة ما لا نص فيه؟!


                  وكيف يهجر الصحابة بعضهم بعضًا؟! وما كان اختلافهم إلا عن مشورة ليس عندهم فيها نص عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.


                  وكيف يبدع الصحابة بعضهم بعضًا، أو يفسق بعضهم بعضًا، وشأنهم ما ذكر؟! إضافة إلى أن اختلاف الصحابة في هذا الأمر ليس اختلافاً في المنهج والأصول، بخلاف أهل الأهواء فإن اختلافهم متعلق بمنهج أهل السنة وأصولهم، فإلحاق هذا بذاك مغالطة كبرى.


                  أما أن تجوز المحبة مع الخلاف الذي هو خلاف التضاد، فهذا غريب عجيب؛ لأن مخالفة النصوص تولد البغضاء ولا تولد المحبة، وإذا جازت المحبة مع مخالفة النصوص فلا تكون محبة شرعية حينئذ، وإنما تكون نفاقًا ومداهنة وتضحية بشرع الله -عز وجل- ومبنية على الأهواء، وإذا جازت المحبة مع خلاف التضاد، فماذا يجوز مع الوفاق على النصوص؟!


                  أم تسوون بين النقيضين؟! وفي الحديث المشار إليه منقبة للمشيخة المذكورين وغيرهم من الصحابة، ممن رأى الرجوع وعدم القدوم على أرض الوباء، ألا وهي رجحان عقلهم في هذه المسألة، حيث وافقوا النص في الوقت الذي لا نص لديهم فيه، هذا، ولا زال الرجل مدندنًا بحمل النعل!!


                  ولا نطلب منه سوى الرجوع إلى الحق، والتوبة من الباطل والدجل، وإن كان رجوع أمثال هؤلاء إلى الحق بعيداً، قال -تعالى-:


                  {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}


                  وقال: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}


                  وقال: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}


                  وقال: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ...} إلى آخر مثل تلك الآيات.


                  ثم إن الشيخ -أي شيخ- إذا استحق أن يُسَفَّه سُفِّه، أو يجرح جرح، ولو من طلابه، بل أولاده، فليس عندنا عهد من الله باستحالة الضلال في حق فلان أو فلان، مع اعتقاده الباطل، ونطقه به، ودعوته إليه!!


                  ورد الباطل على أهله ليس هو من باب إساءة الأدب في شيء، وإنما إساءة الأدب هي في مخالفة النصوص بلا حجة ولا برهان، ورد الباطل على صاحبه -كائنًا من كان- ليس من الغيبة في شيء، ما دام أهل الباطل ناشرين لباطلهم وداعين إليه، ومخالفين للأدلة، ومعرضين عنها أو عن فهمها الفهم السلفي الصحيح، وليس رد الباطل على أهله علامة خذلان وخسران، وإنما علامة الخذلان والخسران هي الطعن في نحر النصوص والأدلة ولَبّتها، وتشويه المنهج السلفي وأهله، والترويج للباطل ونعش أهله وموالاتهم، والدفاع عنهم، تلك الموالاة التي جعلت لأهل السنة على أهل تلك الموالاة سبيلاً وسلطاناً مبيناً، كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا}


                  ولايزال أدعياء السلفية قائمين بتوطيد مبدأ تلك الموالاة تحت مظلة فقه الوحدة والائتلاف، ملحقين مالا يسوغ فيه الاجتهاد بما يسوغ فيه الاجتهاد، مجمعين بذلك كثيرًا من فرق الضلال المعاصرة كالإخوان المسلمين والتبليغ وغيرها تحت مظلة أهل السنة، وإن شئت أن تعرف صدق ذلك، فاستمع إلى الكلام البالي في شريط لوحيد عبد السلام بالي المصري، وهو أحد أدعياء السلفية المعاصرين الجدد.


                  ثم إن تحذير أهل السنة من أهل الضلال جائزٌ وقوعه من الصغير والكبير، والذكر والأنثى، ولو كان لا يحفظ خمسة أجزاء!! على أن هذه الأجزاء التي جُزِّء عليها المصحف محدثة، وهي تفصل السياق بعضه عن بعض، وقد فُعل هذا بأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي -ذاك الأمير المبير- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بل يجوز تحذيرهم لغيرهم ولو كانوا من الأطفال، وأنا أحذر أولادي -وكلهم أطفال- من بعض أهل الضلال، كذاك الرجل الذي نحن بصدد الرد عليه، والله أسأل أن يحفظنا وإياهم وسائر إخواننا وأولادهم بالسنة، وأن يثبتنا على منهج السلف الصالح حتى نلقاه، وقد جاء عن بعض السلف قوله: إذا نشأ الحدث على السنة فارجه، وإذا نشأ على غير السنة فلا ترجه، فإن المرء على أول نشوئه.


                  هذا، ولقد كان السلف يجرحون من استحق الجرح، ولو كان من أقرب الناس إليهم نسباً، فهذا علي بن المديني شيخ البخاري لما سئل عن والده، قال: سلوا غيري، فلما ألحوا عليه في ذلك، قال: إنه الدين، الوالد ضعيف، وهذا زيد بن أبي أُنيسة يقول: أخي يحيى كذاب، وقد حجب بعض السلف أباهم عن التحديث لما اختلط، أي لولا حكمهم باختلاطه ما حجبوه، ومما يُتفكه به في المجالس مع اتصاله بما نحن بصدده ما قد حكاه لنا شيخنا الوادعي -رحمه الله- عن شعبة أنه قال: سميت ولدي سعداً ليسعد -أي تفاؤلاً بالاسم، ورجاء أن يكون له من اسمه نصيب- فما سَعد ولا أفلح، ومنه أيضاً ما قد حكاه لنا شيخنا -رحمه الله- عن الأعمش أنه بعث ولداً له ليشتري له حبلاً، فقال له: يأبت ما طوله؟ فقال كذا، فمضى، ثم رجع إليه، فقال: يا أبت ما عرضه؟ فقال: مصيبتي فيك!! هذا، وقد قيل في وكيع بن الجراح بن مَليح أبي سفيان الرؤاسي: ثقة بين ضعيفين، والضعيفان هما ولده سفيان وأبوه الجراح، إلى غير ذلكم مما يدل على إنصاف السلف، خلافاً للمتأخرين من الخلف، فإن الإنصاف فيهم عزيز.


                  ومن أمثلة ذلك أدعياء السلفية هؤلاء، ومنها أيضًا ما اطلعت عليه مؤخراً من مقالٍ لعبد الله الخليفي وحمود الكثيري على شبكة سحاب بعنوان:


                  السلفيون (التيار المدخلي) في وثائق أمن الدولة المصري! فلم أجدهما منصفين ولا عادلين ولا مقسطين، فإن غبي عليهما أو غم عليهما أو على غيرهما وجه ذلك، فليتركوا الكتابة في سحاب وفي غيرها، وليكملوا ِعدة الكف والسكوت عن الكتابة، ولو إلى آخر العمر، حتى يرزقوا العدل والإنصاف، ومن أين لكاتبي المقال الكتابة المنصفة؟! وقد قيل:


                  فدع عنك الكتابة لست منها *** ولو سودت وجهك بالمداد.
                  وأنا كفيل ببيان ذلك في مقال مستقل، يبيض وجوه المنصفين، ويسود وجوه الحائفين، متى اقتضى المقام ذلك، وماذا على كاتبي المقال!! لو استعانا بثالث!! أو رابع!! أو عاشر!! أو أكثر من ذلك!! بشرط أن يكونوا من المنصفين، لتحقيق ما يفوتهما أو ما يعجزان عنه من الإنصاف.

                  أما ما ذَكر صاحب دروس السيرة!! من أمثال أبي إسحاق، ويعقوب، إضافة إليه، فإنا نسأل الله -عز وجل- أن يكفي أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- شرهم ودجلهم، وكما يقال عندنا -معشر المصريين-: العَيِّنة بينة.

                  فأنتم تَدلُّون على رفقائكم، ورفقاؤكم يدلون عليكم، فكل أو جل من يثنون عليهم من المعاصرين هم أهل ضلال، وهم متهمون بثنائكم عليهم أو بثنائهم عليكم، ومن ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته، كما جاء عن بعض السلف، وجاء عن بعضهم قوله: أهل الأهواء يتكاتمون كل شيء إلا الألفة، فلهذا نقول:

                  قد فضحتكم تلك الألفة -ولله الحمد-.

                  وما طلبتَه من مخالفك من أن يأتي بأدب!! وذوء!! واحترام!! وإجلال!! و... إلى آخره!! لم تفعله أنت ولا أمثالك مع شيوخ الإسلام وأئمته من أمثال ربيع المدخلي، وأحمد النجمي، وغيرهما، مع أن خصوم هؤلاء هم المبطلون، فكيف تعكس الأمور، وتقلبها، ولا تعمل بما نصحت به، مع أنك أنت المخطئ المبطل؟!

                  كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، أفلا تعقلون؟!

                  وما لي أسمع جعجعة ولا أرى طِحنًا؟!

                  وقد بين لكم أهل العلم الحق، وشاع وذاع ذلك في عصر وسائل الطبع والنشر والاتصال السريعة، فلم يكن منكم إلا الإصرار على الباطل، والعناد والإمعان في محاربة المنهج السلفي وحملته، والمبالغة في ذلك والإكثار منه، فحُرِمتم بسبب ذلك الرجوع إلى الحق، وجوزيتم التمادي في الباطل، جزاءً وعقوبة من الله لكم، فلا تتذرعوا بمثل هذه الأقاويل والاعتذارات التي يقال في مثلها: أقبح من ذنب، لا تتذرعوا بها للإصرار على الباطل، وعدم الرجوع إلى الحق، فإن هذا إن راج على بعض العباد، فلن يروج على سائرهم، وعلى كل حال فلا يخفى قبح صنيعكم على رب العباد.

                  نعم، مشايخ أهل السنة الذين هم أهل السنة، يقبلون الحق من كل من جاء به، بخلاف من انتسب إلى السنة ومنهج السلف ادعاءً وزورًا لا حقيقة، فمثل هؤلاء يُتصور منهم التكبر عن قبول الحق، بل هذا واقع فيهم، فكم من حق دفعوه!! والكبر بطر الحق، وغمط الناس، كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فكم من حق دفعتموه!!

                  وكم من تشويه لمنهج السلف وحملته اصطنعتموه، وكم من ازدراء لحملة ذلك المنهج فعلتموه!!
                  وكم من موقف وقفتموه على طريق من أراد سلوك سبيل العلماء والأئمة، سبيل السلف الصالح فحذرتموه وصددتموه!! فالله يجازيكم بما أنتم أهله.

                  ودعك من ألفاظ التواضع الكاذب من حمل النعل!! وتقبيل الرأس و (بَوْسه!!) على أني لا أعلم أن تقبيل الرأس من السنة، فكيف مثل هذا التواضع المدعى؟!

                  ثم إن تعظيم شرع الله وحرماته واجب، سواءٌ قبلت الرأس أم لم تقبل!! حملت النعل أم لم تحمل!! أما كون التكبر مرضًا، فنعم، وقد بدا عليكم هذا المرض وآثاره، ولا زالت في ازدياد -نسأل الله العافية- وإنا لننصحك بعدم التجرؤ على الفتوى، وعدم الخوض في أعراض أهل السنة، (فإن للتجريح رجاله، وعلم الجرح من أشرف العلوم التي تعتز بها الأمة، ولا ينبغي أبدًا أن نقلل أبدًا من قدر هذا العلم، ولا من شأنه على الإطلاق، لكن له علماؤه).

                  ثم إننا تأملنا عبارات وكلمات وألفاظ الأئمة في الجرح، الذين أحلت على مراجعة كلامهم في الجرح، فوجدناهم في الجملة يجرحون المجروح بالعبارة اللائقة به، ويتحلون بالإنصاف والورع، وخشية الله وتقواه، من أمثال علي بن المديني شيخ البخاري، ومن أمثال البخاري نفسه -رحمه الله- ومن أمثال الذهبي نفسه -رحمه الله- وغيرهم من أئمة الجرح والتعديل، الذين يعدلون أهل السنة، ويجرحون أهل الدجل والكذب والبدعة، وما وجدنا أحدًا من أئمة الجرح والتعديل يثني على مبتدع لبدعته، ولا يحامي عنه بالباطل، ولا يجادل عنه، ولا يدخله في زمرة أهل السنة -رغم أنف أهل السنة، ورغم أنف مذهبهم- ولا رأيناهم يؤصلون الأصول الفاسدة، والقواعد الكاسدة التي ينافحون بها عن أهل الباطل، ويطعنون بها في أهل السنة، كما تفعل أنت وقرناؤك، ولا رأينا أحدًا منهم يشوه المنهج السلفي وأهله وحملته وعلماءه، كما تفعلون أنتم، ولا رأينا منهم من الكذب والدجل الذي رأينا منكم، ولا رأينا منهم من الصد عن منهج السلف الصالح كما رأينا منكم، ولا رأيناهم يقعدون بكل صراط يوعدون ويصدون عن المنهج السلفي كما تفعلون أنتم، فكم من تخويف يصدر منكم لأتباعكم في طيات صدكم عن المنهج السلفي، كقولكم في الدرس الثاني والستين بعد المائة الأولى: «وقد رأينا بأعيننا والمتابع يرى وسنرى كل من تطاول على أهل الفضل، وأن كل من تطاول على أهل الستر وعلى أهل الخير وعلى أهل الصلاح سيفضح في الدنيا قبل الآخرة»

                  قلت: وقد رأينا نحن ذلك بأم أعيننا، والمتابع سيرى، وسنرى أن كل من تطاول على أهل الفضل والستر والخير والصلاح سيفضح- إن شاء الله- في الدنيا والآخرة، وأقرب مثال هو ما فضحكم الله به في الدنيا قبل الآخرة على رءوس الأشهاد شرقًا ومغربًا، فاعتبروا يا أولي الأبصار!!

                  ولا نعرف أحدًا من السلفيين الراسخين انسحب عليهم كلامك أبدًا، ومَثَل تخويفه هذا هو كمثل تخويف الصوفي القبوري للسني الموحد الداعي إلى التوحيد ونبذ الشرك ونبذ عبادة أصحاب القبور، ولو كانوا أولياء أو أنبياء، أقول:

                  مثل تخويفه هذا كمثل تخويف هذا القبوري للسلفي الموحد بحلول السوء والشر به، وقد كان هو أولى بهذا التخويف من السني.

                  أقول: ومِن تخويفك أيضاً قولك في الدرس الحادي والستين بعد المائة الأولى:

                  «هذه هي المصيبة أن يُطَيّر أهل النفاق كلمات خبيثة ليشقوا بها الناس قسمين وصنفين.

                  أما الأول يذب ويرد وأما الثاني يتأثر وربما يردد، ولقد ردد كلمات عبد الله بن أبي الخبيثة في حق أم المؤمنين عائشة بعض الطيبين!!»

                  قلت: إن كان قد تكلم فيكم أحد ممن لا ينتسب إلى العلم بباطل، فقد تكلم فيكم السلفيون وعلماؤهم بحق منشور ومشهور، فدعك والصد عن المنهج السلفي بمثل هذا الكلام، إذ لا يجوز، ومن تخويفكم أيضاً الذي أنتم أولى به من خصومكم السلفيين، قولكم في الدرس الرابع والعشرين بعد المائة الأولى: «... ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ... ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار»

                  فمعلوم أن أهل السنة علموا الحق وقضَوا به، وحكموا عليكم بما أنتم أهل له من خلال أقوالكم المنشورة مقروءة ومسموعة، فدعك من الدجل والتلبيس، وإنما يُخشى على أمثالكم من تحقيق الوعيد المذكور في الحديث فيكم؛ لأنكم تترددون بين رجلين، رجل علم الحق وقضى بخلافه، ورجل قضى للناس على جهل -ونعوذ بالله من شر هؤلاء القضاة الذين يعدلون المجروح، ويجرحون العدل، ويشوهون المنهج السلفي وأهله، ويزينون الباطل ويرفعون أهله- وحسبنا الله ونعم الوكيل.

                  ومن تخويفكم أيضًا قولكم في الدرس العاشر بعد المائة الأولى:

                  «وعند الله تجتمع الخصوم»

                  وذلك في طيات حديثكم عن الغيبة، مع تنزيلكم للأدلة على غير تنزيلها، وتنزيلكم كلام أهل العلم على غير تنزيله، ووضعه في غير موضعه.

                  أقول: أجل، وعند الله تجتمع الخصوم، وياله من اجتماع!! يؤخذ فيه للسلفي المظلوم المبغي عليه، والمعتدى عليه وعلى منهجه، من الخلفي الدعي الظالم الباغي المعتدي، وياله من حكم عدل!!

                  ومن تخويفكم أيضًا قولكم في الدرس الثالث والستين:

                  «وأنا أقسم بالله أقسم بالله اللي بيسيء الأدب مع العلماء، ورب الكعبة والله يختم له بسوء والله والله يختم له بسوء»

                  قلت: والله إنا لنُخوفكم من أن يختم لكم بهذا السوء، من جراء حملتكم على المنهج السلفي وعلمائه، وتشويهكم لهم وله، وموالاتكم لأهل الضلال ومحاماتكم عنهم، فأي الفريقين أحق بسوء الخاتمة إن كنتم تعلمون؟! نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونسأله حسن الخاتمة، ونسأله الثبات على المنهج السلفي، والسير في ركاب أئمة أهل العلم، والصبر على المكاره، والصبر على جدال ومجادلة ومجالدة أهل الأهواء بالبنان واللسان.

                  وهذا الذي ذكرناه هنا من قولكم هو من جملة إعمالكم الحرب النفسية لصد أتباعكم عن المنهج السلفي الحق، وتخويفكم إياهم بمثل هذا الإرغاء والإزباد (والإبراق والإرعاد) فاعمل ما شئت فإنك ميت، وكما تَدين تدان.

                  إذا علمت ذلك، فاعلم أن الجرح والتعديل له أهله ورجاله وفرسان ميادينه، ولهم في ذلك قواعد وضوابط ليست هي قواعد الدجالين من أدعياء السلفية.

                  وإليك بعضَ عبارات الأئمة في جرح المجروحين من تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر -رحمه الله- الطبعة الثانية لدار إحياء التراث العربي لسنة 1413 هجرية، وقد راجعنا كلمات هؤلاء الأئمة وغيرهم التي طلبت مراجعتها([1])!!

                  · قال الحافظ –رحمه الله- ج5- ترجمة محمد بن السائب الكلبي برقم (6858) صـ116، وما بعدها:
                  "... قال معتمر بن سليمان عن أبيه: كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي.
                  وعنه قال: قال ليث بن أبي سُليم: كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي، والآخر السدي.
                  وقال الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء.
                  وقال معاوية بن صالح عن يحيى: ضعيف.
                  وقال أبو موسى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه بشيء.
                  وقال البخاري: تركه يحيى وابن مهدي ...
                  وقال الأصمعي عن قرة بن خالد: كانوا يرون أن الكلبي يزرف -يعني يكذب- ... وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه، هو ذاهب الحديث لا يُشتغل به.
                  وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه ...
                  وقال علي بن الجنيد والحاكم أبو أحمد والدارقطني: متروك.
                  وقال الجوزجاني: كذاب ساقط.
                  وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، روى عن أبي صالح التفسير، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس، لا يحل الاحتجاج به.
                  وقال الساجي: متروك الحديث، وكان ضعيفًا جدًا لفرطه في التشيع، وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه، وترك الراوية عنه في الأحكام والفروع .
                  قال الحاكم أبو عبد الله: روى عن أبي صالح أحاديث موضوعة..."
                  · وقال في ترجمة محمد بن سعيد المصلوب ج5 ترجمة رقم (6869) صـ120 وما بعدها:
                  "قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: قتله أبو جعفر المنصور في الزندقة، حديثه حديث موضوع.
                  وقال الدوري عن ابن معين: منكر الحديث وليس كما قالوا أنه صلب في الزندقة.
                  وقال البخاري: ترك حديثه.
                  وقال النسائي: الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة إبراهيم بن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بخراسان، ومحمد بن سعيد بالشام ...
                  قلت: وقال ابن نمير وذُكِرَتْ له رواية الكوفيين عنه، فقال: لم يعرفوه وإنما العيب على الشاميين الذين عرفوه، ثم رووا عن هذا العدو لله كذاب يضع الحديث ...
                  وقال أبو مسهر: هو من كذابي الأردن.
                  وقال عمرو بن علي: حدث بأحاديث موضوعة.
                  وقال ابن رشدين: سألت أحمد بن صالح المصري عنه فقال: زنديق ضربت عنقه، وضع أربعة آلاف حديث عند هؤلاء الحمقى فاحذروها.
                  وقال النسائي أيضًا والدارقطني: متروك الحديث.
                  وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا يحل ذكره إلا على وجه القدح فيه.
                  وقال الجوزجاني: هو مكشوف الأمر هالك.
                  وقال الحاكم: هو ساقط لا خلاف بين أهل النقل فيه"
                  · وقال في ترجمة نوح بن أبي مريم ج5 ترجمة رقم (8355) صـ 652 وما بعدها:
                  "... ويعرف بنوح الجامع ...
                  وقال سفيان بن عبد الملك: سمعت ابن المبارك يقول: أكرهُ حديث أبي عصمة وضعفه، وأنكر كثيرًا منه ...
                  وقال البخاري: قال ابن المبارك لوكيع: عندنا شيخ يقال له أبو عصمة كان يضع كما يضع المعلى بن هلال ...
                  وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: ليس بشيء ولا يكتب حديثه.
                  وقال الجوزجاني: سقط حديثه.
                  وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.
                  وقال أبو حاتم، ومسلم، والدولابي والدارقطني: متروك الحديث.
                  وقال البخاري: نوح بن أبي مريم ذاهب الحديث ...
                  وقال النسائي: أبو عصمة نوح بن جعونة، وقيل ابن يزيد بن جعونة وهو نوح بن أبي مريم قاضي مرو: ليس بثقة ولا مأمون.
                  وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
                  وقال مَرة: سقط حديثه.
                  وذكر الحاكم أبو عبد الله أنه وضع حديث فضائل القرآن.
                  وقال ابن عدي: وعامة حديثه لا يتابع عليه.وهو مع ضعفه يكتب حديثه.
                  وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال.
                  وقال أيضًا : نوح الجامع جمع كل شيء إلا الصدق ...
                  وقال أبو رجاء محمد بن حمدويه في تاريخه: نوح بن أبي مريم كان أبوه مجوسيًا من أهل هرمز غلب عليه الإرجاءولم يكن بمحمود الرواية.
                  وقال الحاكم: أبو عصمة مقدم في علومه إلا أنه ذاهب الحديث بمَرة، وقد أفحش أئمة الحديث القول فيه ببراهين ظاهرة.
                  وقال أيضًا: لقد كان جامعًا رزق كل شيء إلا الصدق نعوذ بالله تعالى من الخذلان. وقال أبوعلي النيسابوري: كان كذابًا.
                  وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث.
                  وقال أبو سعيد النقاش: روى الموضوعات.
                  وقال الساجي: متروك الحديث عنده أحاديث بواطيل.
                  وقال الخليلي: أجمعوا علي ضعفه وكذَّبه ابن عيينة ..."
                  · وقال في ترجمه نهشل بن سعيد ج5 ترجمه رقم (8343) صـ 648:
                  "... وقال أبوداود الطيالسي، وإسحاق بن راهويه: كذاب.
                  وقال الدُّوري عن ابن معين: ليس بشيء.
                  وقال مرةً : ضعيف.
                  وقال مرة: ليس بثقة.
                  وقال أبو داود: ليس بشيء.
                  وقال أبو زرعة والدارقطني : ضعيف.
                  وقال أبو حاتم : ليس بقوي متروك الحديث ضعيف الحديث.
                  وقال الجوزجاني : غير محمود في حديثه.
                  وقال النسائي: متروك الحديث.
                  وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
                  وقال ابن حبان: يروي عن الثقات، ما ليس من أحاديثهم لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
                  قلت: وقال الحاكم روى عن الضحاك المعضلات، وعن داود بن أبي هند حديثًا منكرًا.
                  وقال البخاري: روى عنه معاوية بالبصرة أحاديث مناكير.
                  وقال أبو سعيد النقاش: روى عن الضحاك الموضوعات"
                  · وقال في ترجمة محمد بن ميسرة الجعفي، أبو سعد الصاغاني ج5 ترجمة رقم (7378) صـ 309:
                  "... وقال الدُّوري عن ابن معين: كان مكفوفًا، وكان جهميًا، وليس هو بشيء.
                  وقال الحسين بن حبان: قال أبو زكريا -يعني ابن معين-: قد رأيت أبا سعد الصاغاني صاحب ابن أبي داود، كان هاهنا ليس هو بشيء.
                  وقال أيضًا عنه: جهمي خبيث، قد كتبت عنه .
                  وقال البخاري: فيه اضطراب، وقال مرة : وهو متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا مأمون ...
                  وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يُرغب عن الراوية عنهم، وكنت أسمع أصحابنا يضعفونه.
                  وقال الدارقطني: ضعيف.
                  وقال ابن عدي: والضعف على روايته بيّن.
                  ... وقال ابن حبان: لا يحتج به"
                  · وقال الحافظ -رحمه الله- في ترجمة عمرو بن خالد القرشي مولى بني هاشم أصله من الكوفة انتقل إلى واسط جـ4 ترجمة رقم (5795) صـ 333 وما بعدها:
                  "... قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: متروك الحديث ليس بشيء.
                  وقال الأثرم عن أحمد: كذاب، يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة يكذب.
                  وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: كذاب غير ثقة، ولا مأمون.
                  وقال هاشم بن مرثد الطبراني عن ابن معين: كذاب ليس بشيء.
                  وقال إسحاق بن راهويه وأبو زرعة: كان يضع الحديث.
                  وقال أبو حاتم: متروك الحديث، ذاهب الحديث، لا يشتغل به.
                  وقال الآجري: سألت أبا داود: عن عمرو بن خالد الذي يروي عنه أبو حفص الأبار فقال: هذا كذاب.
                  وقال أيضًا عن أبي داود: ليس بشيء.
                  وقال وكيع: كان جارنا فظهرنا منه على كذب، فانتقل، قلت: إلى واسط؟ قال: نعم.
                  وقال غيره عن وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث، فلما فطن له تحوّل إلى واسط. وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
                  قلت: وقال في موضع آخر: متروك الحديث.
                  وقال الجُوزَجاني: غير ثقة.
                  ورماه ابن البرقي بالكذب.
                  وقال الدارقطني: متروك.
                  وقال ابن صاعد: لا يكتب حديثه.
                  وقال الحاكم: يروي عن زيد بن علي الموضوعات.
                  وذكره البخاري في الأوسط في فصل من مات من عشر ومائة إلى عشرين ومائة وقال: منكر الحديث.
                  وقال أبو نعيم الأصبهاني: لاشيء.
                  وقال الأثرم: لم أسمع أبا عبد الله يصرح في أحد ما صرح به في عمرو بن خالد من التكذيب.
                  وقال عبد الله بن أحمد في مسند ابن عباس: ضرب أبي على حديث الحسن بن ذكوان فظننت أنه ترك حديثه من أجل أنه روى عن عمرو بن خالد، الذي يروي عن زيد بن علي، وعمرو بن خالد لا يساوي شيئًا ..."
                  · وقال في ترجمة فائد بن عبد الرحمن الكوفي ج4 ترجمة رقم (6228) صـ 478 وما بعدها:
                  "... قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: متروك الحديث.
                  وقال الدوري عن ابن معين: ضعيف ليس بثقة، وليس بشيء.
                  وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يشتغل به.
                  قال: وسمعت أبي يقول: فائد ذاهب الحديث لا يكتب حديثه، وكان عند مسلم بن إبراهيم عنه، وكان لا يحدث عنه، كنا لا نسأله عنه، وأحاديثه عن ابن أبي أوفى بواطيل، لا تكاد ترى لها أصلاً، كأنه لا يشبه حديث ابن أبي أوفى، ولو أن رجلاً حلف أن عامة حديثه كذب لم يحنث.
                  وقال البخاري: منكر الحديث.
                  وقال أبو داود: ليس بشيء.
                  وقال الترمذي: يُضَعف في الحديث.
                  وقال النسائي: ليس بثقة.
                  وقال في موضع آخر: متروك الحديث.
                  وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به.
                  قلت: وقال الميموني عن أحمد: ترك الناس حديثه.
                  وقال البخاري في الأوسط: لا يتابع في حديثه...
                  وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم.
                  وضعفه الساجي والعقيلي والدارقطني.
                  وقال الحاكم: روى عن ابن أبي أوفى أحاديث موضوعة.
                  · وقال في ترجمة الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي، جـ4 ترجمة رقم (6275) صـ 496 :
                  "... قال سلام بن أبي مطيع عن أيوب: لو أن فضلاً ولد أخرس لكان خيرًا له.
                  وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ضعيف.
                  وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: كان قاصًا، وكان رجل سوء، قلت: كيف حديثه؟ قال: لا تسأل عن القدري الخبيث.
                  وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: سئل عنه ابن عيينة فقال: لا شيء.
                  وقال أبو زرعة: منكر الحديث.
                  وقال أبو حاتم: منكر الحديث في حديثه بعض الوهم، ليس بقوي.
                  وقال الآجري قلت لأبي داود: أكتب حديث الفضل الرقاشي؟ قال: لا ولا كرامة.
                  وقال مرة: كان هالكًا.
                  وقال مرة: حدث حماد بن عدي عن الفضل بن عيسى، وكان من أخبث الناس قولاً.
                  وقال مرة: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد عن فضل الرقاشي عن ابن المنكدر، عن جابر رفعه: "ينادي رجل يوم القيامة واعطشاه" الحديث.
                  فقال أبو داود: هذا حديث يشبه وجه فضل الرقاشي.
                  وقال النسائي: ضعيف.
                  وقال في موضع آخر: ليس بثقة.
                  وقال ابن عدي: الضعف بيّن على ما يرويه.
                  قلت: وقال البخاري في الأوسط عن ابن عيينة :كان يرى القدر، وكان أهلاً ألا يروى عنه.
                  وقال الساجي: كان ضعيف الحديث قدريًا.
                  قال: وسمعت ابن المثنى يقول: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، ...
                  وقال يعقوب بن سفيان: معتزلي ضعيف الحديث..."
                  · وقال في ترجمة الوليد بن محمد الموقري أبي بشر البلقاوي ج6 ترجمة رقم (8617) صـ وما بعدها 96:
                  "... قال الأثرم عن أحمد: له مناكير وما أخبره.
                  وقال ابن معين: ليس بشيء.
                  وقال في رواية علي بن الحسن الهسنجاني عنه: كذاب.
                  وقال مرة: ضعيف.
                  وقال علي بن المديني: ضعيف لا يكتب حديثه.
                  وقال الجُوزَجاني: كان غير ثقة يروي عن الزهري عدة أحاديث ليس لها أصول. ويروي عن محمد بن عوف قال: الموقري ضعيف كذاب.
                  وقال يعقوب بن سفيان: الفرات بن السائب وأبو العطوف الجزري والموقري وذكر جماعة، لا ينبغي لأهل العلم أن يشغلوا أنفسهم بحديث هؤلاء.
                  وقال أبو زرعة الرازي: لين الحديث.
                  وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، كان لا يقرأ من كتابه، فإذا دفع إليه كتاب قرأه. .. وقال النسائي: ليس بثقة، منكر الحديث.
                  وقال مرة : متروك الحديث.
                  وقال الترمذي: يُضَعف في الحديث.
                  وقال ابن خزيمة: لا يحتج به.
                  وقال ابن حبان: كان لا يبالي ما دفع إليه قرأه، روى عن الزهري أشياء موضوعة، لم يروها الزهري قط، وكان يرفع المراسيل ويسند الموقوف، لا يجوز الاحتجاج به بحال ...
                  قلت: وقال أبوداود: ضعيف ..."
                  · وقال في ترجمة يوسف بن خالد السمتي ج6 ترجمة رقم (9070) صـ 259:
                  "... قال معاوية بن صالح عن ابن معين: ضعيف.
                  وقال عبد الله بن أحمد عن ابن معين: كذاب خبيث عدو الله تعالي، رجل سوء، رأيته بالبصرة، لا يحدث عن أحد فيه خير.
                  وقال الدوري عن ابن معين: كذاب زنديق لا يكتب حديثه.
                  وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، أنكرت قول ابن معين فيه زنديق، حتى حمل إلي كتاب قد وضعه في التجهم ينكر به الميزان والقيامة، فعلمت أن ابن معين لا يتكلم إلا عن بصيرة وفهم.
                  وقال عمرو بن علي: يكذب...
                  وقال ابن سعد: كان له بصر بالرأي والفتوى والشروط، وقيل له السمتي لهيئته وكان الناس يتقون حديثه لرأيه، وكان ضعيفًا.
                  وقال البخاري: سكتوا عنه.
                  وقال الآجري عن أبي داود: كذاب، وكان طويل الصلاة.
                  وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون ...
                  وقال ابن قانع: ضعيف ...
                  وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث، ضعيف الحديث، اضرب علي حديثه.
                  وقال ابن حبان: كان يضع الأحاديث علي الشيوخ، ويقرأها عليهم، ثم يرويها عنهم لا تحل الرواية عنه.
                  وقال الساجي: ضعيف الحديث، كثير الوهم، كان صاحب رأي وجدل في الدين، وهو أول من وضع كتاب الشروط، وأول من جلب رأي أبي حنيفة إلي البصرة.
                  كذبه يحيى بن معين ...
                  وقال العجلي: ليس بثقة.
                  وقال مرة: متروك الحديث.
                  وقال يعقوب بن سفيان: لا يكتب حديثه، ولا يروي عنه أهل الديانة والمعرفة ..."
                  · وقال في ترجمة أبي بكر الهذلي البصري ج6 ترجمة رقم (9318)صـ 315 وما بعدها:
                  "... قال أبو مسهر عن مزاحم بن زفر: سألت شعبة عن أبي بكر الهذلي فقال: دعني لألقي (لعلها لأقيء).
                  وقال عمرو بن علي: سمعت يحيى بن سعيد وذكر أبا بكر الهذلي فلم يرضه، ولم أسمعه ولا عبد الرحمن يحدثان عنه بشيء قط.
                  قال: وسمعت يزيد بن زريع يقول: عدلت عن أبي بكر الهذلي عمدًا.
                  وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء.
                  وقال في موضع آخر: ليس بثقة.
                  وقال أبو بكر بن خيثمة عن ابن معين: ليس بشيء.
                  قال يحيي: وكان غندر يقول: كان أبو بكر الهذلي أمامنا، وكان يكذب.
                  وقال أبو زرعة: ضعيف.
                  وقال أبو حاتم: لين الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج بحديثه.
                  وقال النسائي وعلي بن الجنيد: متروك الحديث.
                  وقال علي بن عبد الله بن المديني: ضعيف ليس بشيء.
                  وقال مرة: ضعيف جدًا.
                  وقال مرة: ضعيف ضعيف.
                  وقال الجُوزجاني: يضعف حديثه، وكان من علماء الناس بأيامهم.
                  وقال البخاري في الأوسط وزكريا الساجي: ليس بالحافظ عندهم.
                  وقال الدارقطني: منكر الحديث متروك.
                  وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف ليس حديثه بشيء.

                  وقال المَرُّوزي: كان أبو عبد الله يضعف أمره.
                  وقال ابن عمار: بصري ضعيف.
                  وقال أبو إسحاق الحربي: ليس بحجة.
                  وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
                  وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه".
                  قلت: فهذه بعض التراجم لبعض الرواة المجروحين، نقلت فيها كلام أئمة الجرح والتعديل بلا استقصاء، فماذا كان؟! فهاهم يقولون في الرجل ما يعتقدونه من الجرح، ويشددون العبارة -كما رأيتَ- متى اقتضى المقام ذلك، فاللين في موضع الشدة لا يجوز، وليس من الحكمة في شيء، وليس من العدل-أيضًا-.

                  فماذا يعني الرجل بالرجوع إلي كلمات الأئمة؟!

                  ولو ذهبت لأستقصي كلام الأئمة ذا الجرح الشديد، لما وسعني زماني ودهري، ولكن نقلت الذي نقلت سدًا لأفواه الدجالين، وقطعًا للطريق على أهل التلبيس، الذين يشوهون أهل الحديث الناقدين لأهل الأهواء والأخطاء، موهمين أن هؤلاء العلماء المعاصرين ليسوا على طريق السلف الصالحين في الجرح والنقد، وكأننا إذا رجعنا إلى كلام الأئمة في المجروحين -على حد طلبه- سنجدهم يلينون في العبارة!! أو يخففونها في حق المجروحين جرحًا شديدًا!! كما أوهم كلامه، أو نجدهم يثنون على أهل الأهواء!! أو نجدهم يوجبون على أنفسهم ذكر حسنات الكذابين أو الدجالين أو الوضاعين أو المتروكين أو سائر المجروحين دائمًا وأبدًا!! بناءً على مذهب الموازنات المزعوم، الذي يوجب ذكر الحسنات في مقام ذكر السيئات!! وبناءً على العدل والإنصاف المزعومين!!

                  ونحن نقول: لا يجب ذكر حسنات المخالف سواءً كان من أهل السنة أو من أهل البدعة، ما لم يقتض المقام ذكر شيء من ذلك، وإلا، فذكر جميع الحسنات مستحيل عادة، ولم يقم عليه دليل.

                  فها هي كلمات أئمة الجرح والتعديل -وما أكثرهم!! وما أكثرها!!- في بعض الرواة على أن جُل من ذكرناهم من الرواة المتكلم فيهم مسلمون، فما الظن لو استقصينا النقل؟! فرحم الله أئمة الإسلام، وأئمة الحديث، وأئمة الجرح والتعديل، الذين جرحوا أهل الأهواء والكذب جرحًا باقيًا إلى أن يشاء الله -عز وجل- وجزاهم الله خيرًا على ذبهم عن دين الله -عز وجل- بكلامهم في الرواة المجروحين، حتى لا يدخل في السنة ما ليس منها، فماذا عسى أئمة الإسلام وأئمة الجرح والتعديل أن يقولوا فيمن يتكلم في المنهج السلفي وأهله، ويشوهه، ويشوه أهله، ويوالي أهل الأهواء، ويحامي عنهم، ويدافع عنهم؟!

                  إن كان قد مات هؤلاء الأئمة فقد خلفهم غيرهم من أئمة الهدى، وأئمة السنة، وأئمة الحديث، وأئمة الجرح والتعديل، الذين يتتبعون فلول المجروحين من أهل الأهواء والكذابين والدجالين، جرحًا وذمًا وطعنًا، صيانة لدين الله، ولسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولمذهب السلف الصالح -رضي الله عنهم- ولا بأس، ولا حرج على طلاب العلم أن ينقلوا كلام أئمة السنة المعاصرين في أهل الأهواء وأهل الدجل والكذب، كما جاز لنا هذا النقل السابق عن الأئمة المتقدمين.

                  وكون البخاري -رحمه الله- خفيف العبارة في التجريح، لا يلزم منه بحال من الأحوال أن سائر الأئمة قد جاوزوا الحد في ذلك، أو أنهم ليسوا أهل تقوى وورع وإنصاف وعدل وخشية لله -سبحانه-!!

                  بل هم أئمة الهدى والتقى والورع والعدل والإنصاف وخشية الله -سبحانه وتعالى- ثم إن خفة العبارة من الإمام البخاري هي خفة لفظية فحسب، وإلا، فالمعتبر الأعظم هو المعنى المقصود من اللفظ، وقد عرف بالاستقراء أن قول البخاري في الراوي: فيه نظر، أو سكتوا عنه، أو منكر الحديث، أنه من الجرح الشديد، ولا مُشاحّة في الاصطلاح، فلو اصطلح شخص مع نفسه على أن يرمز لجرح دجالٍ بلفظ: فيه نظر، أو سكتوا عنه، فلا بأس، طالما أن قصده معلوم ومعروف، ومع ذلك، فعبارات الأئمة الذين قالوا في الراوي لفظًا مطابقًا لحاله أوفق للشرع من جهة اللفظ والمعنى جميعًا، فكونك تقول في دجال: هو دجال، أو في كذاب: هو كذاب، أو في وضاع، هو وضاع، فهو أوفق للشرع، لمطابقة اللفظ للمعنى، وإن كنا قد قلنا: لا مشاحة في الاصطلاح، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم الحديبية:

                  ((وهذا مِكْرَز وهو رجل فاجر))

                  وفي الحديث الصحيح: " أن امرأتين من هذيل اقتتلتا، فضربت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الحَمْل الذي قتل بغرةٍ عبدٍ أو أمةٍ، فقال حَمَل بن النابغة الهُذلي: كيف نَدِي من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل ؟! فمِثل ذلك يُطل، أي يُهدر، لا دية له.

                  فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عندئذ: سجع كسجع الكهان، وفي لفظ: ((إن هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع))

                  فمطابقة اللفظ للمعنى أوفق لشرع الله -سبحانه وتعالى- وقد سمى الله الكافرين والظالمين والفاسقين والمنافقين والفجرة وغير هم بأسمائهم وأوصافهم الصريحة، بما يطابق حالهم، فالكتاب والسنة، وكذا صنيع الأئمة في الجملة على هذا، ألا وهو مطابقة اللفظ للمعنى.

                  فكون الإمام البخاري يترفق في اللفظ فحسب، فهذا ليس معناه، ولا من لازمه الترفق أو التخفيف في المعنى أيضًا، لما عرف بالاستقراء -كما سبق- من صنيعه -رحمه الله- وأنه إنما يقول مثل هذه العبارات فيمن كان فيهم جرح شديد، على أنك قد علمت أن موافقة الشرع لفظًا ومعنى أولى من موافقة المعنى فحسب؛ لأن الله -عز وجل- سمى الأشياء بأسمائها، وكل من استحق اسمًا سماه به، وكل من استحق وصفًا وصفه به، وهكذا الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهكذا السلف الصالح والأئمة في الجملة، فلا يُحكم بصنيع الإمام البخاري على جميع أئمة الإسلام –رحمهم الله جميعًا- لأن إجراء اللفظ الشرعي واستعماله أولى من اللفظ المصطلح عليه، إن أمكن استعمال هذا اللفظ الشرعي؛ لأن اللفظ الشرعي أصدق وأوفق وأوقع في نفس القارئ أو المستمع، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:

                  ((ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا))

                  فالتعبير عن الكذاب بأنه كذاب أولى من قولك: سكتوا عنه أو فيه نظر، أو نحو ذلك؛ لوجود المطابقة بين اللفظ والمعنى، والله أعلم.

                  هذا كله لو كان الإمام البخاري -رحمه الله- استعمل مثل هذه الألفاظ الاصطلاحية في جميع المواضع التي يريد بها الجرح الشديد، فكيف إذا كان الإمام البخاري -رحمه الله- يستعمل ألفاظ الجرح الشديد إما ابتداءً منه وإما حكاية لها عن غيره كما سبق في بعض التراجم التي نقلتها لك فضلاً عن سائر المواضع؟!

                  فدعك أيها الرجل من إيهام الباطل، ومن تشويه أهل العلم، فتلك صفقة خاسرة.

                  أما الإمام الذهبي -رحمه الله- فيكفيك منه كتاب "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" من أوله إلى آخره، فقد جرى فيه على رسم الأئمة ولم يشذ، ونقل فيه كثيرًا من ألفاظ تجريحهم للرواة المجروحين، وكل بحسبه([2]).

                  أما قوله: «وأنصح شبابنا ... ألا يبدؤا بهذه البداية وإنما ابدأ بالقرآن وثن بالسنة وثلث بكتب العقيدة ثم بعد ذلك اختر ما يسر الله لك من كتب أهل العلم ومن فروع العلم الشرعي التي تريد أن تطلبها وأن تتعلمها على أيدي العلماء الربانيين والدعاة الصادقين»

                  فيقال فيه: هذا الترتيب فيه نظر، ويمكن أن يقال:

                  إن أمكن الجمع بين هذه الأمور مع البدء بالتوحيد حال الجمع، وإلا، فليبدأ بالتوحيد كما بدأ به رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أما العلماء الربانيون فليسوا هم أدعياء السلفية المحاربين للمنهج السلفي وأهله، ولا الموالين للفرق الزائغة والمحامين عنهم، وإنما هم كما قال الله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}

                  فالذي يُعلم الكتاب على وجهه، ويَدرسه على وجهه هو الرباني، أما الذي يحرف الكتاب، ولا يدرسه على وجهه، ولا يعلمه على وجهه، فليس برباني، وكيف يكون ربانيًا من يحارب المنهج السلفي وأهله، ويوالي أهل البدع وينافح عنهم؟!

                  إن مثل هذا لم يُعَلِّمْ الكتاب على وجهه، ولم يَدْرسه على وجهه، فليس هو برباني، وكفاكم تشدقًا بمثل هذه العبارات الجوفاء التي لا حقيقة لها، سوى أنها جوفاء خاوية خالية من المعنى المطابق للفظ.


                  تم الفراغ منه في ليلة الجمعة، الموافقة غرة شهر
                  رجب، لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة
                  وألف، من الهجرة النبوية،
                  على صاحبها الصلاة
                  والسلام
                  وكتب
                  أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري
                  أبو عبد الله
                  يتبع إن شاء الله



                  [1] - قلت: وقع في هذه الطبعة تصحيف كثير، اتقيناه بكتابة ما نقلناه على الصواب، أو على ما يغلب على الظن أنه الصواب، ويُعرف هذا بالمقارنة بين ما كتبناه هنا وبين ما في المطبوع. انتهى.

                  [2]- تنبيه: قد سقطت بعض همزات القطع من طبعة تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر في بعض الألفاظ، فكتبناها على الصواب، فاقتضى المقام التنبيه.

                  تعليق


                  • #24
                    ما رأيت احدا فى هذا الزمان اعلم بحال محمد حسان مثل شيخنا ابو بكر رفع الله قدره وشفاه وجعله صداعا بالحق على طول الزمان

                    تعليق


                    • #25
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                      بهذا نكون قد انتهينا بفضل الله من التعليق على دروس السيرة
                      وإن شاء الله قريبًا سيتم التعليق على مقاطع له متفرقة من كلامه
                      من أشرطته أو دروسة
                      ورفعها إن شاء الله تعالى
                      والله المستعان

                      تعليق

                      يعمل...
                      X