• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

::وضع الإصر عن أهل العصر بالرد على دجال مصر:: لأبي بكر بن ماهر بن عطية المصري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ::وضع الإصر عن أهل العصر بالرد على دجال مصر:: لأبي بكر بن ماهر بن عطية المصري

    وضع الإصر
    عن
    أهل العصر
    بالرد على
    دجال مصر



    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الذي نصر السنة وأعز أهلها، وخذل البدعة وهزم أحزابها، والصلاة والسلام على رسول الله الذي أخبر وبشر برفع أقوام بالكتاب رفعة لا يبلغها السحاب، وبوضع آخرين به وضعًا هو دون التراب، صلى الله عليه وعلى جميع الآل الذين جمعوا بين النسب الشريف، وشأو وشرف التقى والصلاح والعلم والإيمان المنيف، ورضي الله عن الصحب أجمعين الذين إجماعهم حجة، والذين مخالفهم ضال مضل، ولو صلى وصام وقام وحج ألف حجة، ورضي الله عن التابعين لهم بإحسان الذين قاموا بالإسلام خير قيام، فبدد الله بهم -كما بدد بأسلافهم- دياجير الشرك والكفر والبدعة ورفع لهم الذكر، وأعلى لهم المقام، ورضي الله عن من تلاهم من أهل الإسلام وعلمائه الذين أقضوا من أهل الأهواء المضجع، فلم يهنأ لهم مقام ولا مهجع، ورضي الله عن أئمتنا وشيوخنا الذين رفع الله بهم للسنة وأهلها أعلى راية، ونكس بهم للبدعة وأهلها كل لواء وغاية، رحم الله منهم السالف، وحفظ الله منهم كل تالٍ وخالف، أما بعد:
    فإنه قد جاءني ابن أخت لي -عليها من الله عظيم الرحمة، وله من الله وافر الحفظ والعافية والنعمة- جاءني بمقاطع صوتية للمدعو محمد بن حسان المصري من دروسه في السيرة وغيرها، ورغب إلي في الرد عليه رجاء أن أروي غليله وأن أشفي عليله، وكان قد اغتر به وبنظرائه من قبلُ لما يَدَّعونه -كذبًا وزورًا- من اتباع السلف، فجادلته كما جادله غيري من إخواننا، وبينت له كذب ادعاء القوم في ذلك، وأبنت له عما هم عليه من البدع والمهالك، فما كان له من حجة تُرتضى ولا سيف يُنتضى، فتمادى في جداله وتحسين الظن بهم والتماس الأعذار لهم، حتى هجرته وتركته، حتى إنه دخل علي ذات ليلة غرفتي في بيتي بعدها باكيًا، فما استشرفتُ له ولا رحمتُه، ثم منّ الله عليه بعدُ عن قريب بترك القوم والأخذ في معرفة ما هم عليه من المذاهب الردية، ومعرفة خبيئتهم وطويتهم الخبيثة غير الطيبة وغير الرضية، فلاذ منهم بالفرار بعدما جرى عليه من الأقدار، وازداد فيهم وفي حقيقة ماهم عليه بصيرة يومًا بعد يوم، وانقشع ما به من آثار التلبيس والاغترار والغَيم، والله وحده هو المسئول أن يثبتنا وإياه على الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، حتى نلقاه وننال نرضاه.
    هذا، وإن كان ابن أختي هذا -وفقه الله- قد نفعه البيان والهجر، فإن زوجًا لأخت أخرى لي -حفظها الله- قد بينتُ له قديمًا ما حضرني مما عليه محمد بن حسان المصري من الضلال، فإذا به يهون من أخطائه ولو كانت كذا وكذا من الأخطاء، وغبي عليه أن خلاف مثله متعلق بأصول أهل السنة ومنهجهم، فأرسلت إليه برسالة شفوية عن طريق أحد أشقائي، أحذره فيها من التمادي في مثل هذا وإلا هجرناه، فتمادى في ما هو فيه فهجرناه، وما شقينا بهجره ولا بهجر أمثاله ولا بهجر من هو أشد منه نصرة ودفاعًا عن أمثال هذا الضال -أعني محمد بن حسان دجال مصر- حتى إنه أتى ذات مرة لعيادتي وأنا مريض فلم آذن بدخوله علي في العائدين.
    ولقد أخبرت أنه حضر الكلمة التي ألقيتها عند المقابر بخصوص فتنة الخوارج، والتي نشرت على شبكة العلوم السلفية بعنوان: "الحجة الساطعة في فتنة الخوارج الواقعة" ولا أعلم أنه حرّك ساكنًا تجاه المذهب السلفي وأهله.
    ذكرتُ هذا إبطالاً لقاعدة: لا نترك أحدًا حتى يتركنا، وإعمالاً لقاعدة الولاء والبراء المبنية على الكتاب والسنة -محتسبين في ذلك الأجر من الله تعالى- وإعلامًا لمن يخرج منهم البهت والبغي علينا من المعلقين في شبكة سحاب أو غيرها أنهم ليسوا أعزة علينا ما داموا بغاة، ولا يكفي حذف ما حُذف من البهت والبغي حتى يتوب أصحاب البهت والبغي ومن أعانهم على بهتهم وبغيهم، على أنهم ما حذفوا بغيهم علينا قديمًا -رد الله سيف بهتهم وبغيهم عليهم-.
    وما أشبه الليلة بالبارحة!! وما أشبه البغاة بعضهم ببعض!!
    فإني بالأمس قد سئلت عن ابن رسلان فقلت:
    ليس محققًا للمنهج السلفي -وهذا أقل ما يمكن أن يقال فيه- ثم إذا به بعدُ قد هاج وماج، وإذا به كالثور الهائج والموج المضطرب، ونضح من جب سبه المشحون بسبٍ محض كالمجنون، فلم ينفعه ذلك، ونُشرت صحائف فضائحه، ورُدَّ عليه من كل حدب وصوب على شبكة الاتصال العالمية، وألزمه السلفيون الحجة، وألقموه الحجر، وانقطع -قطع الله دابر البغاة المعتدين- ولولا أن الأمر يتعلق بالدين لما باليت بذكره هاهنا، ولكنها طعنة غائرة، ولطمة على الطريق عابرة، كما كان يقول شيخنا الوادعي -رحمه الله- ويعجبني قول الشيخ ربيع -حفظه الله-: "وليس كل ما في سحاب أطلع عليه" حتى لا يحتج المحتج مدّعيًا أنه كان ما ينشر في سحاب يطلع عليه الشيخ ويسكت عنه ويقره، وهل يقر الشيخ ربيع ما نشر في شبكة سحاب من ادعاء نسبة تزلفي بقصد ذمي بذلك من قائله؟!
    أعاذ الله الشيخ من أن يقر مثل هذا، ووالله إنا لندافع عن الشيخ -حفظه الله- تدينًا، قاصدين الذب عن المنهج السلفي وحملته، ولقد امتُحنا بحبنا للشيخ ربيع -حفظه الله- وحب منهجه السلفي، حتى إن خصومنا ينسبوننا إليه مدّعين أننا مداخلة، ونحن -ولله الحمد- سلفيون لا مداخلة ولا غير مداخلة، وعلى كل حال أقول:

    إن مدخليًا كان صاحب سنة *** فليشهد الثقلان أني مدخلي

    وإني لعظيم التوقير وشديد الإجلال للشيخ ربيع -حفظه الله- ومن ذلك تلقيبي له بإمام السلفيين، وتعظيمه وإجلاله في أوساط السلفيين، وأثني عليه، وأذب عنه نظمًا ونثرًا -ولله الحمد- بما قد لا يكون بعضه لبعض طلابه، ولا تكاد تسنح لي فرصة لإدخال الشيخ ربيع في كتابتي إلا أدخلته فيها -حفظه الله- من باب الثناء عليه، والذب عنه في زمن تكالب فيه أهل الأهواء على السلفيين، وعلى رأسهم الشيخ -حفظه الله- نقول هذا تحدثًا بنعمة الله علينا، وقد قال لله لنبيه:
    {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
    بل إنني لا أدعو دعوة لوالديَّ إلا دعوت للشيخ بمثلها أو زيادة عليها، فكيف يأتي كاذب ويذمنا بما نُمدح به، وبما يرجى الخير لفاعله؟!

    سارت مشرقة وسرت مغربًا *** شتان بين مشرق ومغرب

    هذا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب استأذن على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعنده نسوة عالية أصواتهن، فلما سمعن صوت عمر ابتدرن الحجاب، فضحك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال عمر -رضي الله عنه-: أضحك الله سنك يا رسول الله ما أضحكك؟ فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعمر: عجبت من هؤلاء النسوة اللاتي كن عندي لما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، فأقبل عمر عليهن وقال: يا عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟! فقلن: إنك أفظ وأغلظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إيه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما رآك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك"
    قوله: "إيه يا ابن الخطاب" أي زد من توقير رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
    وها نحن نوقر أتباع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فلعنة الله على البغاة الكاذبين.
    فإن اعتُرِض علينا بحديث: إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة، قلنا:
    "اللعانين" في الحديث من صيغ أو أمثلة المبالغة أي: كثيري اللعن، ثم إن الذي يظهر -أيضًا- أن هذه الكثرة والمبالغة في اللعن محمولة على لعن ما لا يجوز لعنه، كبهيمة عجماء مثلاًَ، فقد ثبت في الصحيح أن امرأة لعنت ناقة لها، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "لا تصحبنا ناقة ملعونة"
    وكلعن من لا يجوز لعنه من الناس -أيضًا- وإلا، فقد ثبت لعن الله لمن يستحق اللعن،ولعن أنبياء الله لمن يستحق اللعن، ولعن الملائكة لمن يستحق اللعن، ولعن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمن يستحق اللعن، فمن ذلك قوله -تعالى- عن الشيطان: {لَّعَنَهُ اللّهُ}
    وقوله عن بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ}
    وقوله عنهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}
    وقال -تعالى-:
    {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
    وقال -تعالى-: {فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}
    وقال -تعالى-:
    {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً}
    وقال:
    {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً}
    وقال -عز وجل-:
    {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}
    وقال -عز وجل- في قوم عاد: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ}
    وقال في قوم فرعون: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ}
    وقال -عز وجل-:
    {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ}
    وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
    وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}
    وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً}
    إلى غير ذلك من الآيات التي فيها لعن الله لبعض عبيده.
    وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
    "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
    وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "لعن الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوها -أي أذابوها- وباعوها وأكلوا ثمنها"
    وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
    "لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من غير منار الأرض، لعن الله من آوى محدثًا" مسلم من حديث علي -رضي الله عنه-.
    وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
    "لعن الله في الخمر عشرة ..." وذكرهم.
    وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
    "أيما امرأة باتت مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح"
    وقال:"لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده"
    وقال: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"
    وقال -لما رأى دابة وُسمت في وجهها-: "لعن الله من فعل هذا"
    وقال كما في حديث عوف بن مالك الأشجعي في مسلم برقم [66-(1855)]: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا قلنا: يا رسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعة"
    وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- "لعن الله زوارات القبور"
    وقال أيضًا-: "لعن الله الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة ..." الحديث.
    قلت: ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فقد ذكر الشيخ العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- في كلمته العظيمة المفرغة: "الأحداث والمظاهرات والخروج على الحكام" ذكر حديث أم سلمة -رضي الله عنها- الذي رواه مسلم -رحمه الله- في صحيحه، والذي فيه:
    "إنه يكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: ألا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا ما صلَّوا"
    هذا لفظ ما أورده الشيخ، ثم قال: فما دام يصلي فلا يجوز الخروج عليه، ما قال: ما أقاموا الصلاة، قال: لا ما صلوا.
    قلت: أما عدم وروده في حديث أم سلمة فنعم، وأما عدم وروده مطلقًا فلا؛ لما قد علمت من ورود هذا اللفظ بزيادة "فيكم" مكررًا مرتين في حديث عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- فجزى الله خيرًا من نبه الشيخ على هذا، وشكر الله للشيخ على هذه الكلمة العظيمة الدالة على علمه ورسوخه وفقهه للواقع.
    أقول: فالآيات والأحاديث كثيرة في لعن من يستحق اللعن، أما الإكثار من اللعن مع عدم اقتضاء المقام لذلك، فهذا هو الذي ينال صاحبه الذم، وتفوته الفضيلة المذكورة في الحديث السالف الذكر؛ يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه قال: "يا معشر النساء تصدقن فإني أُريتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة: ولم يا رسول الله؟! فقال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير..." الحديث.
    ومعلوم أن غالب النساء يكثرن اللعن بغير موجب لذلك، فأمثال هؤلاء النسوة هن اللاتي يستحققن الذم والوعيد وفوات الفضيلة من الشهادة والشفاعة يوم القيامة، ولو كن مسلمات، لا من أوقع لعنه في محله.
    وتأمل كيف أن النبي ذكر من خصال نساء أهل النار الإكثار من اللعن، لا مجرد اللعن، فلعن الله من بغى علينا بغيًا، لعنة تدخل معهم في قبورهم، ولقد جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال في رجل:
    "لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره" لعنة الله على الكاذبين.
    فيا أيها الكاذب إنه كان يمكنني أن أدندن بذكر المذهب السلفي ولا أذكر الشيخ ربيعًا ولا غير الشيخ ربيع من علماء السنة المعاصرين، ولكني أعتقد أن نصرة علماء السنة والدندنة بالثناء عليهم والتعريف بهم من أعظم أسباب ووسائل نصرة المذهب السلفي، وقد مدح الله أنبياءه ورسله وسماهم.
    ثم إن مدح أهل العلم في الكتاب والسنة والآثار والتراجم جلي لا يخفى، وليس كلام مثل هذا الكاذب مانعًا لنا يومًا ولا ساعة من الثناء على الشيخ ربيع ولا على غيره من علماء السنة، فإن الأمر دين ولا يُدفع الصدق بالكذب، إنني -والله يشهد ويعلم- كتبت بعض الكتابات المنشورة على شبكة العلوم السلفية -حرسها الله، وحفظها من كيد الأعادي- أثنيت فيها ولا أزال أثني في تلك الكتابات المنشورة على الشيخ ربيع -حفظه الله- وأدافع عنه، ومن دوافع ذاك الثناء في تلك الكتابات هو قصد توطيد وتعميق وتثبيت الصلة وتقوية وسائل الإصلاح بين السلفيين والتقريب بينهم -والله يعلم المفسد من المصلح- ولم أكن أفصحت ولا صرحت بذلك من قبل، وها أنا أفصح به اليوم.
    فمعلوم أن الشيخ ربيعًا -حفظه الله- يخالف الشيخ يحيى الحجوري شيخ دار الحديث السلفية بدماج وغيره في الحكم على بعض الناس، فأردت بثنائي ودفاعي عن الشيخ ربيع -حفظه الله- في تلك الكتابات- فيما أردت من تكبير الخير والمساحة التي تتعلق بالشيخ ربيع في تلك الشبكة السلفية -بارك الله فيها وفي جميع القائمين عليها والكاتبين فيها- إصلاحًا وتأليفًا مُبَطنًا بين قلوب السلفيين، وما نقم القائمون على شبكة العلوم السلفية مني شيئًا من ذلك، ولا علّق أحدهم بتعليق ساقط، ولا بتعليق للباطل والكذب والبغي والسفه لاقط.
    أما ثناء المثني على ردي على علي الحلبي، والذي هو بعنوان: "إتحاف الأنام في الرد على علي الحلبي دجال الشام" ثم إتباعه ذلك بنكوصه عن هذا الثناء بلا حجة مقبولة في طعنه في ردي على الحلبي، فهو من بهته كبهت اليهود، ولو كان عنده حجة لذكرها، إلا ما كان من تشدقه –فض الله شدقيه- بإعادة ما ذكرناه من قول مروان بن محمد الطاطري -رحمه الله- علينا بغيًا وعدوًا، إذ قال الطاطري -رحمه الله-:
    (ثلاثة لا يؤتمنون: الصوفي والقصاص والمبتدع يرد على المبتدع)
    فلو كان عند هذا الباغي ما يطعن به على أمانتي في هذا الرد لذكره، ولكن هيهات أن تحمل جعبة المفلسين غير الإفلاس.
    وأما قول الكاذب في شبكة سحاب عن ردي أو كتابي الهدية -أيًا ما كان يقصد-: إنه إنشائي، قاصدًا بذلك ذمي، فهو فساء في هواء صادر وفائح من غِمر وراء الستر، فليقل كذاب ما شاء، فما ضر وصف الروضة بالمزبلة!!
    فما عندنا إلا كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بفهم السلف الصالح، بعبارة سهلة ولفظ بين واضح، ما عندنا إلا آية أو حديث أو أثر، ولو شئت أن أجعل ردودي وكلامي كالأحاجي والألغاز وأن أعجز القارئ لفعلت، ولكن ما أرسل الله الرسل إلا بالبينات، وما كان عليهم إلا البلاغ المبين، ولا بأس بأن يكتب الكاتب كلامًا حقًا يوافق ما دل عليه الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح -رضي الله عنهم- وإن لم يكن الكلام نصًا صريحًا لآية أو حديث أو أثر، فلا يزال علماء الإسلام يكتبون كلامًا حقًا عقب النصوص من الكتاب والسنة والآثار، وإلا، فعلى كتب العلماء قديمًا وحديثًا من تفسير قرآن وفقه وشرح حديث وغير ذلك العفاء!!
    هذا، وإن جل كتاباتي من ذاكرتي وحافظتي -ولله الحمد- أسأل الله أن يحفظ علينا قلوبنا وعقولنا، ويدفعني إلى ذلك ظروف صحية ملازمة، حتى إنه ليشق علي الإتيان بالمرجع وإن كان على مقربة مني -نسأل الله العافية- ويدفعني إلى ذلك أيضًا اطراد الأدلة ووضوحها بخصوص ما نكتب، فقد تكالب أهل البدع والأهواء على المنهج السلفي وأهله، وقديمًا قيل:

    تكاثرت الظباء على خراش *** فما يدري خراش ما يصيد

    قلت: أما اليوم فتكاثرت على أهل السنة الكلاب والذئاب البشرية بدلاً من الظباء، حتى إنني لأكتب المسودات ولا أبيضها، إذ إنني لا أنشط لذلك من جهة، ولا يسعفني الوقت -أيضُا- من جهة أخرى.
    ولقد قال الشيخ يحيى -حفظه الله- عن كتاب الهدية: "لو أنه هذبه ونشره ..." ومع ذلك فهو باق على حاله إلى اليوم، شأنه شأن كتاباتي الأخرى غالبًا، وعلى كل حال فالمعتبر والمهم هم المعنى، أما الناحية الصناعية من تنسيق أو ترتيب ونحو ذلك فيغتفر فيها ما لايغتفر في الإخلال بالمعنى، الله نسأل حسن قبول الأقول والأعمال.
    ولهذا استغني بمعنى الحديث والأثر عن لفظه ونصه، والله أسأل أن يجعلنا من أهل البيان مع اقتضاء المقام لذلك، لا من أهل الإجمال والإلغاز والتعمق والتنطع.
    و أما قول القائل في سحاب: "من أراد أن يمرض قلبه فليطلع على كتاب الهدية"
    قلت: العنوان بكامله:
    "الهدية في الذب عن دار الحديث السلفية بأرض دماج الأبية"
    ومضمون الهدية يؤخذ من العنوان، فإن كان هذا القائل قد مرض قلبه فنقول له ولأمثاله:
    ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مرُا به الماء الزلالا
    وأمرك في الدلالة على الهدية كما قيل:

    وإذا أراد الله نشر فضيـلة طويت *** أتـاح الله لسـان حسـود


    لولا اشتغال النار في جذل الغضا *** ما كان يعرف طيب نشر العود

    فكيف إذا كانت الهدية منشورة ومرئية غير مستورة ولا مطوية ولا مخفية؟!
    قلت: وقصارى ما يعاب علينا في الهدية أو غيرها شدة العبارة على المخالف في بعض المواضع، وعذرنا في هذا هو ما نعتقده من اقتضاء المقام لذلك ألا وهو عظم أمر المخالفة، وعظم أمر البغي على دار الحديث السلفية بدماج، ومع ذلك فإنه يسعنا الرجوع عن بعض العبارات -رجاء الإصلاح- فهل يسع المخالف العود عن مخالفته وطعنه وبغيه على دار الحديث السلفية بدماج؟! والعود أحمد.
    ومما يجمل ويحسن ويناسب ذكره هنا هو أن أحد الإخوة اليمنيين يدعى سمير العدني -الله أعلم بحاله الآن، ونرجو أن يكون بخير- قد قص علي رؤيا رآها في منامه نهارًا ذات يوم، كان ينام بجواري في المسجد القديم الذي كان أعلى المكتبة الخاصة بدار الحديث السلفية بدماج في هذا الوقت، فقال: "رأيت أنك كتبت كتابًا واشتهر وأثنى عليه الشيخ مقبل غير أن فيه بعض الألفاظ ..."
    ولم يحفظ الأخ وصف هذه الألفاظ ولم يضبطها، فأخذت أُذّكِّره ببعض الألفاظ كلفظ الأعجمية رجاء أن يتذكر، فلم يستطع التذكر، غير أنه قال: هي نحو هذا أو قريب من هذا أو بهذا المعنى، أو كما قال.
    فلما كتبت الهدية فسَّرت تلك الرؤيا بها، وقد نُشِرت النسخة الجديدة المعدلة التي تحاشيت فيها بعض الألفاظ الشديدة التي ذكرتها في النسخة القديمة، متذكرًا تلك الرؤيا -وهي وإن كان لا يبنى عليها حكم شرعي، إلا أنه يمكن أن يستأنس بها في حذف بعض العبارات الشديدة في حق بعض من ذكر لا كلهم- وقد أثنى على الهدية الشيخ يحيى الحجوري وخليفة الشيخ مقبل -رحمه الله- ثم قال: "لو أنه -يعنيني- هذبها ونشرها ..." إلى آخر قوله -حفظه الله-.
    قلت: وفي هذه الرؤيا بشارة للشيخ يحيى -حفظه الله- بأنه الشيخ مقبل الثاني، ولا أقول: مقبل الصغير؛ لأنه هو الذي أثنى على الهدية في الواقع، فيستأنس بذلك على أنه على خط شيخه الوادعي -رحمه الله-.
    ثم إن ثناءه -حفظه الله- عليها، كان في خضم فتنة الوصابي والعدني، فلو كانت الحجة في الرؤى لاحتججنا بهذه الرؤيا على من يطعن في دار الحديث السلفية بدماج بدعوى تغيرها عما كانت عليه أيام الشيخ مقبل -رحمه الله- بالاحتجاج أو الاستئناس بروية رآها مجهول، وإنما نحن نذب عن الدار من واقع الدار نفسها، مستأنسين بمثل تلك الرؤيا -ولله الحمد- لا محتجين بالرؤى على سبيل الاستقلال، شأن أهل الهوى والضلال، ولو أردت أن أسرد ما رأيت وما رؤي لي من الرؤى الصالحة التي إحداها أحب إلي مما طلعت عليه الشمس لجمعت ونشرت الآن من ذلك الشيء الكثير، الذي تقر به عيون المحبين، وتسخن به عيون الحاسدين الحاقدين، ولكننا نستغني في الوقت الذي نستبشر فيه بتلك الرؤى في محاججة المخالفين بالحجة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومن مذهب السلف الصالح -رضي الله عنهم- فإن ذلك هو الحجة القاطعة القامعة لكل مبطل، وما كان من الرؤى الصالحة فإنما يذكر على سبيل الاستئناس لا الاحتجاج والاعتماد، فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بما يروجه أهل الأهواء من الرؤى لتثبيت الناس على الاقتداء بهم والاغترار بهم.
    هذا، وإن زلزلة الحجة للمبطلين أشد وقعًا عليهم من زلازل اليابان التي قتل فيها قرابة ثلاثين ألف شخص في هذه الأيام -نسأل الله العافية، ولا عافي أهل الأهواء-.
    وأما قول أحد المعلقين في شبكة سحاب بخصوص ردودي: إنها ردود على أناس قد فُرِغ منهم، أو كما قال، فهو قول جاهل، لعله لا يدري كوعه من بوعه من كرسوعه، فقوله هذا -على أنه- غير مسلم على إطلاقه، قول باطل، ويلزم من هذا القول تسفيه أهل العلم خلفًا عن سلف كابرًا عن كابر قديمًا وحديثًا الذين لاكت ألسنتهم أهل الأهواء جميعًا من جهمية ومرجئة وخوارج ورافضة وغيرهم، إذ لا يزال أهل العلم في كل عصر ومصر يتكلمون في فرق الزيغ والضلال، ولم يكتفوا بكلام من قبلهم محجمين عن الطعن فيهم بدعوى سبق من قبلهم بالكلام فيهم مثلاً، وقد عُرف من صنيع أهل العلم قديمًا وحديثًا أنه ما بزغت ضلالة ولا نبتت بدعة إلا رماها أهل العصر عن قوس واحدة، وهذا في منتهى الوضوح ولكن للبصراء لا للعميان، كما يلزم من قوله -أيضًا- الطعن في السلف الصالح من أهل القرون المفضلة الذين تتبعوا أهل الأهواء والضلال طعنًا وتشريدًا وتنكيلاً مع تفرق جماعاتهم في مختلف الأمصار وشتى الأقطار في العصر الواحد، وكتب الجرح والتعديل وغيرها شاهدة بكلام أهل العلم في الرواة وغيرهم جرحًا وتعديلاً، ولو اجتمع من اجتمع منهم في العصر الواحد ولم يعب أحدهم على الآخر، هذا مع كثرة هؤلاء المجتمعين منهم في العصر الواحد في تلك الأزمان السالفة التي كثر فيها أهل العلم، فكيف يُنكَر على من تكلم في أهل الأهواء في هذا العصر مع قلة المتكلمين فيهم وكثرة المغترين بهم؟!
    بل يلزم من قول هذا القائل -أيضًا- تسفيه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ أكثر من الكلام في الخوارج وغيرهم من المنافقين والكافرين.
    فيلزم من قول هذا القائل الطعن على طريقة القرآن التي فيها الإكثار من ذكر مقالات المشركين والمنافقين والكافرين والظالمين والرد عليها بشتى العبارات وشتى ألوان الحجج.
    ومعلوم بطلان هذه اللوازم، وهذا البطلان بدوره يدل على بطلان الملزوم، وهذا يدل على وهاء مقالة هذا القائل، بل يدل على فسادها وبطلانها.
    ولقد كنت شرعت من عدة سنوات في جمع مقالات المشركين وغيرهم من أهل الكفر التي ذكرها الله في كتابه ابتداءً من أول المصحف إلى نحو نصف القرآن، فجمعت في ذلك الحين من ذلك شيئًا كثيرًا، فهل كانت تلك الكثرة نقصًا أو عيبًا في كلام الله؟! معاذ الله.
    إنه لا يقول مثل هذه المقالة إلا من كان أضل من حمار أهله، ولولا وجود مثل تلك التعليقات في تلك الشبكة المذكورة لما بالينا بردها لتهافتها وسقوطها، وبهذا وغيره تعلم أن في تلك الشبكة دخنًا ما، وليست تلك الشبكة ولا غيرها فوق النقد، فليُعلم، وإن عادوا عدنا، والصلح خير.
    هذا ما ذكرته استطرادًا، وما استقصيت المقال بشأن شبكة سحاب، فلقد بغت عليّ قديمًا وحديثًا، وصبرت عليها صبرًا طويلاً، ولا يمنعني فتنة الخوارج المنتشرة في كثير من الأقطار الإسلامية اليوم رد ما ذكرت من البغي، فالباطل كله مردود على أهله كائنًا من كان صاحبه، ومعذرة لشبكة العلوم السلفية، فإن لصاحب الحق مقالاً.
    وها أنا اعود إلى متابعة الكتابة فيما قصدت في الأصل إليه، ألا وهو الرد على محمد بن حسان المصري في مقاطع كلامية له، ذاك الرجل المفتون الذي تسنم أمواج التلبيس كعدو الله إبليس، والذي نفخ في الثائرين الهائجين الخارجين على حاكم البلاد المصرية في هذه الأيام، وشارك وزج بنفسه وزوجه وأولاده في الفتنة، وبارك هذا الخروج، وطلب من حاكم البلاد أن يتنحى، وما كان له ذلك، ثم إنه هو وأمثاله شر على الإسلام وأهله من الحكام الظالمين، ولم يكتف بذلك حتى وقف بجانب الثوار الخارجين في بلاد ليبيا المجاورة يساندهم ويؤيدهم، ويطلب من حاكم تلك البلاد التنحي أيضًا، ولم ترعه الأشلاء الممزقة، من القتلى الذين بلغوا الآلاف المؤلفة التي لا يحصيها إلا الله،ونقول له ولأمثاله:
    إن حاكم ليبيا لا يخرج عن أحد حالين، إما أن يكون كافرًا وإما أن يكون مسلمًا، فإن كان كافرًا لم يجز الخروج عليه إلا مع القدرة، وهي مفقودة هاهنا والواقع شاهد صدق، وإن كان مسلمًا لم يجز الخروج عليه لإجماع أهل السنة على عدم جواز الخروج على الحاكم الجائر الفاسق ما دام مسلمًا، وليس عند المخالف لهذا الإجماع دليل ولا شبهة دليل على مخالفته إلا ما يجدونه من أقوال لا يُستدل بها، فالقواعد فضلاً عن الأقوال يستدل لها لا يستدل بها.
    ولكن أرباب الثورة والفتنة من الخوارج القعدية وغير القعدية الذين امتلأت قلوبهم غيظًا وحنقًا وغلاً على حكام المسلمين لا يرضون إلا بإشعال فتيل الفتنة، وإنفاذ حرارة غضبهم، ولهيب قلوبهم المتوقدة، بدعوتهم أهل الفتنة إلى التمادي في فتنتهم وتحسينه في قلوبهم، وتزيينه في أعينهم.
    وهل شقي المسلمون في كل عصر ومصر إلا بأمثال هؤلاء؟!
    عاملهم الله بعدله، وجازاهم بما يستحقون، وأخزاهم في المحيا والممات ويوم يقوم الأشهاد.
    أما أهل السنة فإنهم تتوقد قلوبهم غيرة على مذهب السلف من أن يحيف عليه حائف، أو يجور عليه جائر من أمثال هؤلاء الخوارج الذين سعَّروا البلاد وأوقدوا نار الحروب والفتن بين العباد ملأ الله قلوبهم وبطونهم وقبورهم نارًا، وهمهم الأكبر -أعني أهل السنة، حرسهم الله- هو نصرة الدين ونصرة أهله، والحفاظ على دين الناس وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، متبعين في ذلك كله سبيل السلف الصالح -رضي الله عنهم- ولو أصابهم ما أصابهم.
    فاللهم إني أسألك شهادة في سبيلك تغفر بها ذنبي، وتستر بها عيبي، وتدخلني بها جنتك، وتعيذني بها من نارك، وهذا أوان الشروع في المقصود في الرد على دجال العصر محمد بن حسان المصري، أراح الله البلاد والعباد من شره وشر أمثاله.
    إذ لا يزال يتقلب ويتمعك ويتمرغ في الفتنة فاتنًا ومفتنونًا، وكذلك نظراؤه الأبعدون.


    تم الفراغ من هذه المقدمة في ليلة الأربعاء الموافق الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمائةوألف من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.

    وكتب


    أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


    أبو عبد الله



    يتبع إن شاء الله
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 31-03-2011, 12:31 AM.

  • #2
    المشاركة الأصلية بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد مشاهدة المشاركة
    فمعلوم أن الشيخ ربيعًا -حفظه الله- يخالف الشيخ يحيى الحجوري شيخ دار الحديث السلفية بدماج وغيره في الحكم على بعض الناس، فأردت بثنائي ودفاعي عن الشيخ ربيع –حفظه الله- في تلك الكتابات- فيما أردت من تكبير الخير والمساحة التي تتعلق بالشيخ ربيع في تلك الشبكة السلفية -بارك الله فيها وفي جميع القائمين عليها والكاتبين فيها- إصلاحًا وتأليفًا مُبَطنًا بين قلوب السلفيين، وما نقم القائمون على شبكة العلوم السلفية مني شيئًا من ذلك، ولا علّق أحدهم بتعليق ساقط، ولا بتعليق للباطل والكذب والبغي والسفه لاقط.


    جزاكم الله خيراً أيها الشيخ الجليل على هذه الكلمات الطيبات ولا يضرك تعليقات السفهاء وأبشرك أن إخوانك في شبكة العلوم السلفية يجلون العلماء بما فيهم العلامة الجليل ربيع بن هادي فنحن نعتبره إماماً من أئمة السلفيين ومن العلماء الربانيين فنسأل الله العلي الأعلى بمنه وكرمه أن يحفظه وسائر علمائنا الأبرار الأئمة الأخيار
    ولايضرنا ولا يضركم كذبات المفتنونيين ولا افتراءات المفترين وحسبنا الله ونعم الوكيل

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً يا أبا بكر على كتاباتك العلمية النافعة الجميلة المفيدة

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم



        التعليق على الدرس التاسع والخمسين



        ليلة الخميس الموافقة: الثالث من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين من الهجرة.


        الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
        قال محمد بن حسان المصري: «وغَصبِن عن عينك هتكرهني لو أراد الله لي أن أُبغض عندك أو في قلبك، مش بِكِيفَك، عشان كده أنا دايمًا يعنى بئول لاخوانّا اللي زعلانين جدًا، وكتير من طلابنا يئولك يا شيخ والله الناس بتسيء إليك، وبعض الطلبة على الانترنت، يا أخي مَبنِزعَلش، والله مَبنزعل.
        جالي أخ من أحبابنا الأسبوع قبل الماضي، وآَل إنه كان في عمرة، والشيخ فلان .. يعنى والشيخ ربيع، والشيخ فلان، والشيخ فلان، يعنى يسيئون إليك وإلى فلان وإلى فلان، فأنا ياخوانا والله، ثم والله، ثم والله، لا ألتفتُ لهذا، وأنا أولتلكو أَبْل كده، يعنى إن كان إخواننا الشيخ ربيع أو الشيخ أسامه القوصي أو أي حد من إخوانا، إن كان هؤلاء إخواننا قد أساؤوا إلينا، وعصوا ربنا فينا، فلن نكافئهم بأكثر من أن نطيع الله فيهم، مش هتلائي عندي تجريح لحد، ولا إلة أدب على حد، مش هتلائي عندي، مهما تثِرني، مش هتلائي عندي، بفضل الله عز وجل، إنما كل ما أدين الله به أن أبين الحق الذي علمنيه ربي، والذي أدين الله به، لكن أجرح وأسيء الأدب مع أي حد من إخوانا، ودول إخوانا، بئول إخوانا، وبئول من أهل السنة، أهُو بئول أهوه، من إخوانا ومن أهل السنة، لن تجد ذلك مني أبدًا، وأسأل الله أن يجعل عملي كله خالصًا لوجه، وأن يجعل قولي كله خالصًا لوجه، وخللي بالك بس اللي عاوز أأولهولك إن ده ليس ضعفًا منى، بفضل الله، بفضل الله أرد على ألف، وانت عارف، بفضل الله أرد على ألف، بفضل الله بس دا بفضل الله مش منهجي، مش منهجي، وعمره مهيكون منهجي، فأنا بئولك إحنا منهجنا إن احنا نبين الحق{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}إن بعض الإخوة متصور إن الشيخ يعني أضعف من إنو يرد، لا والله، بفضل الله أرد، أرد أوي بفضل الله، وعندي الأدلة وأقوال، وانتو .. وأُلنا كتير لكن مش هو ده المنهج، مش هي ده الغاية، مش هو دا الهدف، مش هو دا الهدف، إن احنا نمزق الشمل، نشتت الصف.
        يعنى علي رضوان الله عليه قال في الصحابة الذين قاتلوه: إخواننا بغوا علينا، إخواننا بغوا علينا، مع إنهم كانوا رافعين السيف في وجهه، رفعوا السيف في وجهه، ومع ذلك لم يخرجهم من دائرة الأُخوَّة، قال: إخواننا بغوا علينا، ومتنتظرش يا أخي إن الناس كل الناس سترضى عنك، متنتظرش دي، يبئى إنت مفهمتش ولا استوعبت لا قرآنًا ولا سنة، في أبيات كانت حلوة أوي، يا رب ذكرني بها يا رب، اللهم صلي على محمد، آه:

        والله لو صحب الإنسان جبريلا *** لم يسلم المرء من قال ومن وقيلا

        في في أخطر من كده، لو انت صَحْبَك جبريل، لو نِزِل جبريل وماشي معاك، بَردو هيكلموا عليك.

        والله لو صحب الإنسان جبريلا *** لم يسلم المرء من قال ومن قيلا


        قد قيل في الله أقوال مصنفـة *** تتلى إذا رتـل القرآن ترتيـلا


        قد قيل إن له ولدًا وصاحبـة *** زورًا عليه وبهتـانًا وتضليـلا


        هذا قولهـم في الله خالِقِهـم *** فكيف لو قيل فينا بعض ما قيلا»

        قلت: قول القائل له: «إنه كان في عمرة والشيخ فلان يعني والشيخ ربيع والشيخ فلان والشيخ فلان يعني يسيئون إليك وإلى فلان وإلى فلان»
        الكلام بصوته من هنا: http://www.mediafire.com/?c0b4nztcl2r2w7n
        فيه غيبة من هذا القائل لهؤلاء المشايخ، وعدم رد المقول له الغيبة عن هؤلاء المشايخ، فهو مشارك له في هذه الغيبة، وما أدراك ما عظمها إذا كانت متعلقة بمشايخ، وأي مشايخ؟!
        إنهم مشايخ أهل السنة، إذ لا يقترن بالشيخ ربيع -حفظه الله تعالى- إلا من كان على منهجه السلفي عادة.
        قال محمد بن حسان المصري:«فأنا ياخوانا والله، ثم والله، ثم والله، لا ألتفت لهذا»
        قلت: هذا دجل وكذب وتمويه، فلو كنت صادقًا في نفي التفاتك لهذا لما ذكرتَه على رؤوس الملأ، وتأمل حلفه بالله ثلاث مرات على هذا، وصدق الله إذ يقول في قوم:
        {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
        وصدق ربنا إذ يقول:
        {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}
        وتأمل قول قوم صالح لما أرادوا قتل نبي الله صالح:
        {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}
        تأمل كيف يتواصون بالقسم بالله على هذا الكفر الصريح، وهو قتل نبي الله صالح، ومعلوم أن المقسَم به عظيم عند المقسِم، فكيف يقسم بعظيم على فعل منكر عظيم؟!
        صدق رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ قال:
        ((لتتبعن سنن من كان قبلكم …)) الحديث
        وقال: ((لتأخذن أمتي بأخذ القرون قبلها …)) الحديث
        قال محمد بن حسان المصري:
        «وأنا أُلتلكو أبْل كده، يعني إن كان إخواننا الشيخ ربيع أو الشيخ أسامة القوصي أو أي حد من إخوانا، إن كان هؤلاء إخواننا قد أساؤا إلينا، وعصوا ربنا فينا، فلن نكافئهم بأكثر من أن نطيع الله فيهم»
        قلت: اعلم -إن كنت لا تعلم- أن أخاك!! الشيخ ربيعًا قد بدعك، واعلم أن أخاك!! كاتب هذه التعليقات قد بدعك -أيضًا- من باب قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))!!
        واعلم -أخي المسلم- أن عبارته تلك فيها تجريح لإخوانه!! هؤلاء، ومدح وتزكية لنفسه، فهو ينأى بنفسه عالية القدر عن أن يتدلى ويتدنى إلى مستوى يعصي الله فيه إن عصى الله غيره فيه، وتأمل سياق الكلام، فإن الشيخ ربيعًا إمام الجرح والتعديل مسوق فيه!! وإن كانت عبارته تلك ليست بجرح فلا أدري ما الجرح!!
        فلو أن قائلا قال: ابن باز والألباني وابن عثيمين ومقبل الوادعي وأئمة الإسلام المعاصرون كلهم إن كانوا قد عصوا الله فينا فلن نكافئهم بأكثر من أن نطيع الله فيهم أو نحو ذلك.
        أليس في قوله هذا طعنًا وغمزًا مبطنا في هؤلاء، ومدحًا لنفسه؟!
        ومع ذلك يدجل على مستمعيه ويقول بعد ذلك:
        «مش هتلائي عندي تجريح لحد، ولا إلة أدب على حد، مش هتلائي عندي، مهما تثِرني، مش هتلائي عندي بفضل الله عز وجل»
        قلت: أليس هذا السياق يدل على طعنه في هؤلاء المشايخ وتجريحه لهم؟!
        ومعلوم أن معنى الكلام يعرف من سياقه، وأي تجريح بعد هذا؟!
        وأي قلة أدب بعد هذا؟!
        أليس هذا منه مما يدلك على دجل الرجل وتلاعبه بعقول أتباعه أو مستمعيه؟!
        ومن شك في كون هذا تجريحًا منه لهؤلاء فليعرض كلامه هذا على جميع مجامع اللغة العربية في الدنيا!!
        وأخيرًا أخبرك بأن أخاك!! الشيخ!! أسامة القوصي قد تغير حاله عن الاستقامة عندنا وتردى.
        قال محمد بن حسان: «إنما كل ما أدين الله به أن أبين الحق الذي علمنيه ربي، والذي أدين الله به، لكن أجرح وأسيء الأدب مع أي حد من إخوانا، ودول إخوانا وبئول إخوانا، وبئول من أهل السنة، أهوه بئول أهوه، من إخوانا ومن أهل السنة، لن تجد ذلك مني أبدًا، وأسأل الله أن يجعل عملي كله خالصًا لوجهه، وأن يجعل قولي كله خالصًا لوجهه»
        قلت: ما دام أن هؤلاء إخوانك ومن أهل السنة عندك، فأهل السنة عدول، فارجع عما أنكروه عليك من باطلك، واقبل الحق تفز، ودعك من الدجل والتشدق بهذه الألفاظ: إخوانا، من أهل السنة، دون طائل ولا ثمرة.
        قال محمد بن حسان المصري:«وخل بالك بس اللي عاوز أَأُولهُولك إن دا ليس ضعفًا مني بفضل الله، بفضل الله، أرد على ألف، وانت عارف، بفضل الله أرد على ألف بفضل الله، بس دا بفضل الله مش منهجي، مش منهجي، وعمره مهيكون منهجي»
        قلت: أجل، ترد على ألف، وعلى ألف ألف، ولكن بالباطل والتمويه والتغرير والخداع وقلب الحقائق والكذب، وقد سبق ما يدل على هذا، وسيأتي المزيد -إن شاء الله-.
        وتأمل دجله في قوله:«مش منهجي»
        وإذا لم يكن ردك بالباطل منهجك، فمنهج من يكون؟!
        أبعد كل هذا وغيره منك، وبعد إيغارك صدور مستمعيك على الشيخ ربيع المدخلي إمام أهل السنة في هذا الزمان وعلى إخوانه أهل السنة، وشحنك إياهم بدجلك حتى نهوا عن أهل العلم ونأوا عنهم، أبعد هذا كله تقول: مش منهجي؟!!
        وصدق رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ قال:
        ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت))
        قال محمد بن حسان:«فأنا بئولك احنا منهجنا إن احنا نبين الحق{... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}»
        قلت: والكلام في فرقة الإخوان المسلمين وتجريحها، والقول بأنها فرقة مبتدعة هو من بيان الحق، والكلام في فرقة التبليغ والقطبية والسرورية وجماعة الجهاد وغيرها، والحكم عليهم بالابتداع والضلال هو من بيان الحق الذي لا تقومون ببيانه، وتتألمون لبيان أهل السنة له، وأهل السنة -بفضل الله- يبينون الحق بصراحة وجلاء ووضوح بلا مداهنات ولا كذب ولا تمويه ولا دجل، ولا خور ولا جبن، فأما الزبد فيذهب جفاء، فأما الفرق الزائغة فتذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس من منهج السلف الصافي فيبقى نافعًا لمن شاء الله له النفع، والمحروم من حرم هذا المنهج.

        ذهبت دولة أصحاب البدع *** ووهى حبلـهمُ ثم انقطـع


        وتداعى بانصـرام جمعهـم *** جمع إبليس الذي كان جمع


        هل لهم يا قـوم في بدعتهم *** من فقـيه أو إمـام متبـع


        مثل سفيان أخي الثور الذي *** علم الناس دقيقات الـورع


        أو سليمان أخي التيم الذي *** ترك النـوم لهول المطلـع


        أو فتى الإسلام أعني أحمدا *** ذاك لو قارع القُرَّا قـرع


        لم يخف سوطهمُ إذ خوفوا *** كلا ولا سيفـهمُ حين لمع.

        أقول: ثم إن من تمام بيان الحق بيان الباطل، وبيان أهل كل، فعباد الله يقرءون في الفاتحة:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
        فلم يكتفوا بالدعاء بأن يهديهم الله الصراط المستقيم فحسب، مع أن هذا الصراط المستقيم لابد أن يكون حقًا، وإنما بينوا أن هذا الصراط الذي سألوا الله أن يهديهم إياه هو صراط الذين أنعم الله عليهم، وهذا يدل على أنهم يعلمون ويعرفون هؤلاء المنعم عليهم، كما في قوله -تعالى-:
        {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}
        وتأمل آخر هذه الآية مع قولهم: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}
        تجد المناسبة ظاهرة، وهى أن هؤلاء الداعين دعوا بأن يكون النبيون والصديقون والشهداء والصالحون رفقاء دربهم وصراطهم.
        فهؤلاء الداعون يعرفون هؤلاء المنعم عليهم، ثم أضافوا إلى دعائهم ألا يكون صراطهم صراط المغضوب عليهم ولا الضالين، مع أن الصراط المستقيم، الذي هو صراط الذين أنعم الله عليهم لا يمكن أن صراط المغضوب عليهم ولا صراط الضالين، وقد قيل: وبضدها تتميز الأشياء، وقيل: والضدُ يُظهر حُسنَه الضدُّ.
        فبيان الحق لا يستلزم عدم بيان أهل الحق، ولا يستلزم عدم بيان أهل الباطل، فالواجب بيان الحق وبيان أهله، وبيان أهل الحق لسلوك سبيلهم، ويجب بيان الباطل لتركه والحذر منه، وبيان أهل الباطل لترك سبيلهم والحذر منه، وبيان سبيل أهل الباطل لترك سبيلهم والحذر من سلوكها، وقد قال -تعالى-:
        {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}
        فتأمل كيف يدجل هذا الدجال على الناس بقوله:
        «إحنا منهجنا إن إحنا نبين الحق»
        وكأن بيان الباطل وأهل الباطل ليس من بيان الواجب، ثم يُعْقب هراءه ذلك بقول الله -تعالى-:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}
        فنقول: صدق الله وكذب الدجال، فإن منهج أهل السنة والجماعة هو الذي ينفع الناس وهو الباقي الماكث، وأما منهج أهل الضلال فيذهب جفاء كالزبد، بل ذهابه أشد من ذهاب الزبد.
        قال محمد بن حسان: «إن بعض الإخوة متصور إن الشيخ يعني أضعف من إنو يرد، لا والله، بفضل الله أرد، أرد أوي بفضل الله، وعندي الأدلة وأقوال، وانتو .. وألنا كتير لكن مش هو دا المنهج، مش هيّ دي الغاية، مش هو دا الهدف، مش هو دا الهدف، إن احنا نمزق الشمل، نشتت الصف»
        قلت: أهل الأهواء أضعف من أن يردوا بالحق؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
        إنه يبدي القدرة على الرد على أهل السنة وعلماء الحديث، ولم يبد تلك القدرة تجاه فرقة الإخوان المسلمين، وفرقة التلبيغ، والقطبية، والسرورية ، وغيرها من فرق الضلال.
        إنكم بموالاتكم لأهل الأهواء من إخوان وتبليغ وغيرهم قد فرقتم الصف، فكيف تنشدون وحدة الصف بسلوك سبيل التفريق والتشتيت والتمزق؟! ومع هذا التفريق تظهرون وتبدون قدرتكم على الرد على أهل السنة، ولكن يمنعكم من ذلك خشية تفريق الصف -على حد زعمكم- فأمركم كما قيل: أحشفًا وسوء كيلة؟!
        فلا أنتم تركتم موالاة أهل الضلال، ولا أنتم كففتم شركم عن أهل السنة، وتزعم -كاذبًا- أن الذي يمنعك من الرد على أهل السنة هو خشية تفريق وتمزيق وتشتيت الصف، موهمًا الأغرار أنك لا ترد على أهل السنة، وهذا منك من أقبح الرد وأشنعه على أهل السنة، وهذا من جنس دجلك.
        إنني -على سبيل المثال- حينما أقول لك: لن أتكلم معك هنا على جنايتك على اللغة العربية، إن لم أسم هذا ردًا عليك، كنت كاذبًا -وأعوذ بالله من الكذب- فإنها خصلة ذميمة، لا نستطيع أن نباري فيها أهل الأهواء من إخوان وغيرهم من أدعياء السلفية.
        وتأمل كلام هذا المموه الممخرق حيث قال:
        «يعني علي رضوان الله عليه قال في الصحابة الذين قاتلوه: إخواننا بغوا علينا ...» إلى آخره، موهمًا أتباعه ومستمعيه الأغرار أن أهل السنة حينما تكلموا فيه وفي أمثاله قد بغوا عليهم، وهذا منه تزييف وتغيير وتحويل للأمور عن وجهها، وقلب منه للحقائق، فمن الباغي أيها الدجال؟!
        إن الباغي هو من بغى على أهل السنة ومنهج السلف وعلى السلفيين وعلى قواعد السلف وأصولهم، وهو في الوقت نفسه ينافح ويحامي ويدافع عن أهل الأهواء من أمثال فرقة الإخوان وفرقة التبليغ وفرقة الجهاد وأرباب الشر والفساد، ويثني على أهل الشر والفساد من أمثال أسامة بن لادن وغيره، لقد وضعتك أيها الدجال في موضع حرج حقًا، وأنت الجاني على نفسك.
        أما دندنته حول عدم رضا الناس، فهو فيها مراوغ ومغرر بأتباعه، نعم، قد قيل: إن رضا جميع الناس غاية لا تدرك، ولكن المعتبر في الرضا وعدم الرضا، رضا أهل السنة والعلم والدين وعدم رضاهم، وقد رأينا أهل العلم والدين والسلفيين يبدعونكم ويرمونكم بأدوائكم، فالصبر منكم مع عدم رضاهم عنكم هو صبر منكم على جمر النار، فاصبروا أولا تصبروا سواء عليكم، إنما قال فيكم أهل العلم مقالة حق، وتلقفها السلفيون ضاربين بها وجوهكم، ومبينين للناس عواركم.
        إن عدم رضا غير اليهود عن اليهود لا يلزم منه كون اليهود على الحق، فكفاك تلاعبًا بعقول أتباعك أيها الرجل الذي أُشهد الله وعباده المؤمنين على أنك دجال من الدجاجلة، ولكن سرعان ما يذوب الدجالون ودجلهم وينماعون هم ودجلهم، كما ينماع الملح في الماء ويذوب، وكما يذوب المسيح الدجال الكبير في آخر الزمان حينما يرى المسيح عيسى ابن مريم مسيح الهدى والهداية.
        إن دجلكم يذوب بإذابة أهل السنة له، وكذلك أنصار الدجل وأقطابه ورءوسه يذوبون بإذابة أهل السنة لهم، وذلك بإرسال شهبهم الثاقبة، وحججهم المحرقة عليهم، ولنا فيكم -بفضل الله- آية، فابكوا على واقعكم إن شئتم أو تباكوا، فهل من مدكر؟!
        ليس الباغي -أيها الباغي- على أهل السنة من بيّن الباطل بدليله، وفصله تفصيلاً، وكشف عن وجه الحق ستار البدعة والهوى الذي أرخاه وسدله أهل الباطل والضلال عليه ليشوهوا صورته وحسنه وجماله وأصوله السوية وقواعده المرضية وفروعه السنية، فلك الحمد يا ربنا على ما أنعمت به وأوليت، ولك الشكر على ما أعطيت، وزدنا يا ربنا بصيرة بالقوم، فإنهم قد أفسدوا في البلاد والعباد، وحزبوا الناس ضد أهل السنة وعلماء السلف وطلبة العلم، ومتعنا يا مولانا بدوام دك حصون أهل الباطل ومعاقلهم وأوكارهم وسراديبهم وخنادقهم وأنفاقهم.
        وقد كان يكفيك في تذكر الأبيات دعاؤك ربك بالتذكير، ولكنك أضفت إلى ذلك الصلاة على محمد، شأنك في ذلك شأن عوام الناس وجهالهم، فديدنهم هو الصلاة على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند إرادة تذكرهم الشيء المنسي، ولاشك في أن هذا التخصيص بدعة ضلالة، إضافة إلى ما أنت عليه من الجهل والضلال.
        إذا علمت ذلك، فاعلم أنه لا مخرج لك من باطلك إلا بالتوبة النصوح، والإصلاح والبيان، وإلا، فذل البدعة لا يفارق رقابكم، ولو سكنتم القصور، أو طارت بكم العربات (السيارات) الفارهة، أو حشدت حولكم الألوف تقبيلاً للأيدي منكم والرُكب!!
        وتأمل -أخي المسلم- كيف يقارن هذا الدجال بين ما حكاه من قول علي في الصحابة -ثبت أم لم يثبت- وبين قوله في خصومه السلفيين، ويقيس بقبح صنيعه وبشؤم فعله هذا على ذاك، وهذا من أقبح المغالطات والتلبيسات، فعليٌّ -رضي الله عنه- هو وجميع الصحابة الذين كانوا معه في صفه أو في صف معاوية -رضي الله عنه- كلهم صحابة عدول -رضي الله عنهم وعن جميع أصحاب محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- واعتقاد أهل السنة هو أن عليًا -رضي الله عنه- مصيب في جميع حروبه، سواءٌ الحروب التي جرت بين الصحابة، أو بين علي والخوارج، ولاشك في أن الصحابة الذين كانوا في صف غيره هم إخوان علي -رضي الله عنه وعنهم- لا مرية في ذلك، وقد قاتل علي -رضي الله عنه- الخوارج وقتلهم شر قتلة، فتأمل كيف يظهر محمد بن حسان نفسه ورفقاء دربه الإخواني التجميعي التضييعي بأنهم مظلومون مبغي عليهم من قبل إخوانه -زعم-؟!
        إن أهل السنة انتقدوكم بحق، وأنتم إنما انتقدتموهم بالكذب والهذيان والبغي والعدوان، ونحن الآن نجلي حقيقة الأمر، ونضع الأمر في نصابه، وسيف الحق في جرابه، ولو كان هؤلاء السلفيون بغاة عليكم لاضمحل أمرهم ولارتد بغيهم عليهم، كما اضمحل أمركم وارتد بغيكم عليكم.
        كيف تقيس أو تنزل كلام علي -رضي الله عنه- في البغاة عليه -ثبت أم لم يثبت- كيف تنزله على أهل السنة باعتبارهم البغاة؟! وباعتباركم المبغي عليكم كبغي من بغى على عليّ -رضي الله عنه-؟!
        إن هذا منكم لصنيع قبيح، وقد عهدنا أمثال ذلك منكم، فلسنا بمستغربين ذلك منكم، ولولا كثرة تلبيسكم وتدليسكم وتمويهكم ودجلكم على كثير من الناس لما رددنا عليكم، ففساد مقالكم عندنا أبين من أن يبين، ولكن للحاجة أحكامها، وللضرورة أحكامها.
        إن الحق هو أن يقال: إنكم بغيتم على السنة وعلى أهل السنة، وإن أهل السنة يردون بغيكم على السنة وعلى أهل السنة، ومن خرج منكم بالسيف على الحاكم المسلم قاتلناهم معه، قال نحو هذا الأخير الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب البنا السلفي -رحمه الله، وطيب الله ثراه ومثواه وجعل الفردوس الأعلى مأوانا ومأواه- فانظر ما أنت قائل!!
        فالعبرة أيها الدجال برضا أهل السنة وعدم رضاهم، فلو رضي عنك وعن أتباعك كل الناس سوى السلفيين لما نفعكم ذلك، فكفاك تغريرًا بأتباعك، وكفاك تضليلاً وتمويهًا عليهم.
        إن إمام أهل السنة اليوم -ألا وهو الشيخ ربيع -حفظه الله- وغيره من أهل العلم حينما بدّعوكم، ما بدّعوكم بهوى، وإنما دلائل التبديع لائحة، وبراهينه واضحة، فقال فيك وفي الحويني: هما من المبتدعة وتربيتهما إخوانية.
        وهذا وما سيأتي -إن شاء الله- يدل على صدق الشيخ -حفظه الله- وعلى سلفيته ودفاعه عن مذهب أهل السنة وعن أهل السنة كيد أهل الأهواء.
        أما أن يأتي اليوم دويبة يقول في الشيخ ربيع -حفظه الله وسدد على سبيل السلف خطاه-: إنه إخواني، فمِثله أحقر وأصغر من أن يؤبه به أو بكلامه، ولسنا على استعداد لنُسْلم الشيخ ربيعًا لخصوم السلفية، ونحن قادرون على الذب عنه -إن شاء الله- فليعلم، وليمصص بظر إفكه.
        ثم إن معنى ذكرك لقول علي -رضي الله عنه- أن هؤلاء السلفيين بغاة عليكم، وهذا لا شك في كونه قدحًا فيهم لا مدحًا، وشينًا فيهم لا زينًا، فكيف تملأ فاك -أيها الدجال- بأنك لا تجرح ولا تسيء الأدب مع أي أحد من إخوانك؟!
        ولا شك -بناءً على ما ذكرتَه من قول علي -رضي الله عنه- عندك أن هؤلاء السلفيين الذين ساموكم سوء التجريح بحق هم إخوانك، وإلا لما كان لذكرك لقول علي -رضي الله عنه- في هذا السياق معنى، ألم تقل -فض فوك- في الدرس نفسه:
        «مش هتلائي عندي تجريح لحد ولا إلة أدب على حد، مش هتلائي عندي مهما تثِرني، مش هتلائي عندي بفضل الله عز وجل، إنما كل ما أدين الله به أن أبين الحق الذي علمنيه ربي، والذي أدين الله به، لكن أجرح وأسيء الأدب مع أي حد من إخوانا، ودول إخوانا، بئول إخوانا، وبئول من أهل السنة، أهوه بئول أهوه، من إخوانا، ومن أهل السنة، لن تجد ذلك مني أبدًا»
        ألم تقل هذا أيها الدجال الكذاب، أم الرمي بالبغي ليس جرحًا؟!
        اعلم أن الباغي ليس على أمر الله، قال -تعالى-:
        {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}
        فدعك من الورع الكاذب، لقد أسمعت فأسأمت، وتكلمت فأمللت، وصخبت على أهل السنة فأضجرت!!
        ثم من أنت حتى تجرح أهل السنة أو لا تجرح وأنت على هذا الحال؟!
        فمهما جرحت فلا عبرة بتجريحك؛ لأنك مجروح عندنا ولم تثبت عدالتك، فلا قيمة لتجريحك -جرحت أم لم تجرح- على أنك من كبار الدجالين المجرحين لأهل السنة المنفرين عنهم بالوسائل الشيطانية الخبيثة المنتنة العفنة، ولكنك كالكذاب الذي يكذب الكذبة ويصدق نفسه مع أنه يعلم من نفسه أنه كذاب، فأنت تجرح أهل السنة، ثم تكذب في ادعائك عدم التجريح وإساءة الأدب!! وتريد أن تظهر نفسك في ثوب التقي الورع، وأنك لا تجرح خصومك السلفيين هؤلاء!!
        أي مجنون ومغفل ينطلي عليه مثل هذا التمويه والدجل؟!
        بلى، المغفلون كثيرون ولكنهم من أتباعه وليسوا من السلفيين، فكثير من الناس يغتر بنفخ القنوات الفضائية له ولأمثاله، وبإيواء جماعة (فرقة) أنصار السنة له ولأمثاله في مساجدها، فهل نفعك اليوم أحد منهم؟!
        والله لا يغنون هم وعدد الرمال من أمثالهم، لا يغنون عنك من حجج أهل السنة وشهبهم الثاقبة شيئًا، لا فتيلاً ولا نقيرًا ولا قطميرًا ولا أقل من ذلك ولا أكثر، فاللهم لك الحمد على نصرة المذهب السلفي، وعلى دحر المذاهب الخلفية الردية التي يواليها أدعياء السلفية.
        أما قولك: «بئول إخوانا، وبئول من أهل السنة»
        فيقال فيه: أما كونك أنت وأمثالك إخوانًا لأهل السنة فهذا لا يطلقه أهل السنة في حق أهل الأهواء، ولو لم تبلغ بدعتهم بهم إلى الكفر، إذ إن إطلاق الأخوة على أهل البدع والضلال ليس من عرف السلف، ثم إن فيه محاذير كالاغترار بهم، أو توهين الرد عليهم، أو نحو ذلك، ولا يلزم من عدم إطلاق لفظ الأخوة عليهم كفرهم ولا ردتهم ما داموا مسلمين، فلا يجب على القاضي أن يخلع ألقاب التوقير من أخوة وغيرها على المتهم والجاني الذي حكم عليه بقتل أو حبس مثلاً؛ لعدم مناسبة المقام لذلك، ولعدم اقتضائه التوقير، فالمقام مقام قتل أو تعزير، لا مقام مدح وتوقير.
        أما قولك:«بئول من أهل السنة»
        فيقال فيه: أجل، إنهم من أهل السنة، ولستم أنتم كذلك، فانظر ما أنت قائل!!
        وإن كان ردك على مخالفك ليس هو المنهج، فما المنهج؟!
        إن المنهج هو الاستيلاء على عقول الأتباع، والسيطرة عليها، والحيلولة بينها وبين معرفة الحق؛ لأنهم يعلمون أن سكوتهم -لو سكتوا وليسوا كذلك- عن الرد على أهل السنة لكان هذا أهون في حقهم، وأنهم لو تكلموا وردوا على أهل السنة، لازدادت فضائحهم، ولازداد هتك أستارهم، ولازداد كشف عوراتهم وسوآتهم، فكأن لسان حالهم يقول: حنانيك بعض الشر أهون من بعض!!
        ولعل الأدلة والأقوال التي عندك هي كالأدلة والأقوال التي ذكرتها في شريطك المشئوم: "إلى غلاة التجريح" فرُد عليك من قِبلي ومن قبل غيري، فصار كأمس الذاهب، وانكشف أمركم أكثر.
        ووالله كلما تكلمتم ازددنا فيكم بصيرة، ووالله لا نزداد فيكم إلا بصيرة وقتًا بعد وقت بأنكم أهل أهواء، وبأنك دجال وأن أمثالك دجاجلة، كما لم يزدد من قتله المسيح الدجال في آخر الزمان ثم أحياه بإذن الله إلا بصيرة فيه بأنه الدجال الذي حدثهم عنه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
        وهل يجوز -أيها الدجال- كتم الأدلة مع اقتضاء المقام لإظهارها -لو كنت محقًا-؟!
        ألم يقل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ألم يقل الله هذا؟!
        ألم يقل الله: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} ألم يقل الله هذا؟!
        فأخرِج تلك الأدلة والأقوال -لو كنت محقًا-!! وأنصح لك بألا تتقحم هذا حتى لا تكثر الفضائح والقبائح في حقكم، فإنكم لو أتيتم بالأدلة صحيحة وضعتموها في غير موضعها، وهذا مكمن الفتنة والشر، ولكن أهل السنة سيكيلون لكم من ردودهم الكافية الشافية الوافية بالمكيال الأوفى، فليُعلم هذا، ذلك؛ لأنهم -أعني أهل السنة- يحذَرون عهدة الكتمان؛ ولأنهم يرون أن الواجب عليهم هو القيام بالنصح والتحذير والبيان، وهذا هو حالهم -ولو سُجنوا-.
        فلو رأيتني يا ابن حسان وأنا بسجن وادي النطرون ومعي أوراقي وأقلامي، أرد على أهل الزيغ والضلال من مثل فرقة الإخوان وغيرها، حتى إن مسئول (شاويش) المبنى (العنبر) الذي كنت فيه قال لي ذات مرة: نريد أن نجلس بعضنا مع بعض، هكذا، أي للأنس والكلام وشرب شاي ونحو ذلك، فقلت له: أنا مشغول أي بالقراءة والكتابة، فقال: لأول مرة أرى أحدًا في السجن يقول أنا مشغول!! هكذا، بنحو هذه العبارة، على أني جالستهم -أي بعض مسئولي السجن- في بعض الأحيان.
        فحياتنا -إن شاء الله- موقوفة على نصرة السنة وأهلالسنة، ومُدُّهم وصاعهم في الرد على أهل الأهواء والأخطاء مباركان -ولله الحمد- فاغرف ما شئت من بحر التمويه والدجل والتلبيس أو ذرْ.
        وتأمل قوله مخاطبًا أتباعه الذين يغرس فيهم منهجه:
        «ومتنتظرش يا أخي إن الناس كل الناس سترضى عنك ...» إلى آخره.
        أقول: إن رضا الله في رضا أهل العلم والدين، وإن سخط الله في سخط أهل العلم والدين، وإن أهل العلم، أهل الحديث، أهل الجرح والتعديل المعتبرين حكموا عليكم وعلى أمثالكم بالبدعة والضلال، وهذا الحكم أعظم وأشد من ضربكم بالصخر، ومن سقوط الجبل فوقكم، فكيف تُسكِّن آلامك وآلام أتباعك الشديدة بمثل هذا التمويه والتلاعب بعقولهم؟!
        وكيف تضمد جراحك وجراح أتباعك بالإبقاء على ما يفسدها ولا يضمدها؟!
        والله لا نرضى منك مثل هذا لو كان الأمر يتعلق بدنيا، يجب على المرء المسلم أن ينصح للمسلمين بما يصلحها لهم، فكيف نرضى منك مثل هذا في حق دين الناس؟!
        وإني لأعظ أتباع هؤلاء الذين أغلق عليهم مشايخهم عقولهم وأحكموا إغلاقها بالأقفال والأغلال من التمويهات والتلبيسات، أعظهم أن يقوموا لله مثنى وفرادى ثم يتفكروا ما بأهل السنة من جنة، وما بمذهبهم من دخن، وما بعلمائهم من خبل ولا دجل، إنما هم نُذُرٌ لكم، ومحذرون لكم وخيم عواقب التمادي في الغي والضلال، والبعد عن أهل العلم والإيمان الراسخين فيه، الذين منهجهم أبين وأضوأ من ضوء النهار، قال -تعالى- لنبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
        {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}
        وأهل السنة لما كانوا على حق كانوا صرحاء به، مبينين له، غير مفتقرين إلى التمويه والكذب لترويج ما عندهم من الخير، بخلاف أهل الأيمان الفاجرة الذين يقسمون ويحلفون على الكذب وهو يعلمون.


        تم الفراغ منه في ليلة الجمعة، الموافقة السابع والعشرين


        من شهر ربيع الآخر، لسنة اثنتين وثلاثين


        وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية،


        على صاحبها الصلاة


        والسلام.



        وكتب


        أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


        أبو عبد الله



        يتبع إن شاء الله
        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 02-04-2011, 12:13 AM.

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم
          التعليق على الدرس الثالث والستين


          من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.



          ليلة الخميس الموافقة الأول من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين من الهجرة.

          قوله:«وأنا بئول الطالب يبدأ بالقرآن، طالب الحديث بالذات يبدأ بالقرآن، ويبدأ بحفظ السنة؛ لأنو هيبئى تربى، تربى وتعلم، وهُذبت أخلاقه، إنما أول مَيِبْدأ في علم الحديث بجانب التحقيق، أو بجانب الجرح والتجريح، مش الجرح والتعديل، لأ، الجرح والتجريح، سيخرج طالبًا متأسدًا متنمرًا، لا أدب معه، ولا خلاق له.
          المفروض يرتقي إلى هذه الدرجة، درجة الجرح والتعديل مَن يعني جاوز القنطرة، من جاوز القنطرة، وحفظ كتاب الله، وزكى نفسه، وطهَّر سريرته، ووصل إلى مرتبة من التهذيب للنفس .. كعلي بن المديني، والذهبي، وابن حبان، وغيرهم من هؤلاء الجهابذة الصيارفة النقاد، أما أن يرتقي الطالب فلا يحفظ شيئًا من كتاب الله، ويبدأ بعلم الجرح والتجريح، أو بعلم التحقيق، ثم بعد ذلك لا تراه حافظًا لكتاب الله، ولا حافظًا لألف حديث أو لخمسمائة حديث من أحاديث رسول الله، تراه متأسدًا، متنمرًا، سيء الخلق، سيء الأدب، لا يعرف الفضل لأهل الفضل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل.
          وقد ذكرت لكم يومًا أني رأيت طالبًا لمّا تنبت لحيته، ولمّا ينبت شاربه، أقسم بالله على ذلك، وقد جلس يحقق، لا أقول يُخرِّج، يحقق حديثًا، ففرحت به ما شاء الله، تعالى يا بني، بتعمل إيه؟
          آل: والله بحقق حديث، ما شاء الله، بتحقق حديث إيه؟ فبقرأ الحديث ألَّه!!
          يا بني الحديث دا صحيح، آللِّي: مين اللي صححه يا شيخ؟
          أُلْتِلُه: شيخنا الشيخ ناصر الدين الألباني.
          الواد من إلة أدبو بئولي: لأ معلش أصلو الشيخ متساهل في التصحيح.
          طبعًا دا سوء أدب، وإلّة أدب متناهية، وجهل، فطبعًا أُلتِلُه إإفل الكتب يا ولد، لِمّ الكتب اللي أُدّامَك، إإفل يا وله، فَبُص، أُولتِلُه إإفل الكتب، أَفَل الكتب، مسكت ودنه، ماهو دا مش محتاج بئى يعني ما .. دا مَتْرَبَاش، ... ومحتاج يتربى، أولتله سمَّع سورة المطففين يابني، والله حصل، سمَّع سورة المطففين، سمَّع سورة المطففين، بدأ يقرأ، أخطأ في السورة خمس أخطاء، مِسِكْت ودنه التَنيه، أُلتِلُه مين اللي رباك التربية السيئة دي؟
          فدي كارثة ياخوانّا، الطالب ده أول مهيطعن هيطعن في شيخه الذي علمه، والله وقد كان، وقد كان بس مبفسرش أنا، الطالب اللي اتربّى على التربية دي، دا طالب سيء الأدب وسيء الخلق.
          ألباني متساهل في التصحيح؟!
          وانت يابني أقسم بالله متعرف حاجه!!
          ألَّه، كل طالب ياخوانا قرألي كتابين شرشر نط أكل البط بئى علي بن المديني، القضية مبئتشي يعني مش محتاجة فزلكة ياخوانا، النهاردا أي حديث في الدنيا، أي حديث عاوز تعرف تخريجه وتحقيقه، في دئيئة واحده، في دئيئة واحده في اسطوانة عالكمبيوتر تعرف تحقيقه، في دئيئة واحدة، معدتش محتاجة فزلكه، عشان تئعد تتأسد بهذا على أقرانك في المجالس، عَوزين نصدق النية كده، وأسأل الله أن يطهر نوايانا، وأن يصفي سرائرنا إنه على كل شيء قدير.
          نعم؟
          المشايخ والعلماء ياميجيش، مشُفش خِلْئِتُه، والله مانا عَوزُه، أقسم بالله مانا عَوزُه يحضر لي.
          اللي يجي هنا ويتأدب ويتعلم الأدب مع .. أنا مَبَقصِدش الأخ والله، خلي بالك، اللي يجي هنا ويتعلم الأدب مع أهل العلم على راسي، يجي يتأنزح ويتفزلِك، ميجيش، خليه هناك مع العلماء بتوعه، ميجيش هنا.
          المجلس دا ياخوانا للتربية، للتأديب، عَوزين نتأدب مع اللي علمونا الأدب، مع اللي ربونا، مع أصحاب الفضل على الأمة بعد الأنبياء، العلماء، العلماء، مبنغلطش في علمائنا أبدًا، بنكرَّم علماءنا، مش بنقدِّس علماءنا، لأ، احنا لا نقول بالعصمة للصحابة، لا نقول بالعصمة للصـ .. نقول بالعصمة للنبي فقط، ويوم ممات النبي دفنت العصمة مع رسول الله، لكن نكرم علماءنا.
          بزعل أوي ياخوانا، بزعل أوي لمّا ألائي طالب صغير من طلابنا بيئول: ابن باز بئول، والله أقسم بالله، لئيت أخ جاي بئولي إيه، هوَّ الأخ ابن باز بيئول في المسألة دي إيه، أقسم بالله كده، أُلتِلُه نعم ياخويه، أخ بئى هيتفزلك عليَّ ويئولي يا شيخ مهوّا أخ بَردو، مش ربنا بئول: (إنما المؤمنون إخوة) يا راجل خليك خليك مؤدب، انت بتستدل بدليل .. دا هو دا مناط الدليل بَردو؟!
          أي إنما المؤمنون إخوة آه حق، بس مش عاوزين فزلكة، مش عَوزين نسحب الأدلة في غير مناطتها، ينفع تئول الأخ ابن باز، دا شيخك وشيخ شيخك، وأستاذ أساتذتك، تئول شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- شيخنا الشيخ الألباني -رحمه الله- شيخنا الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يبئى في أدب كده ياخوانا.
          ولمّا عالم من العلماء أو راجل من طلبة العلم .. يئول الألباني تُحمل على ما عنده من توقير للشيخ، مش يئولك: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، أصل في إخوة كتير عاسئطه واللئطة، وبيفهموا الأمور بطريئة غريبة جدًا، فانا بئول ياخوانا: مجلسي ده بإذن الله يتيجي فيه مؤدب، وتتعلم فيه الأدب، وتتربى على الأدب مع أهل العلم يمتجيش، لازم تخرج من هنه تعرف الفضل لأهل الفضل.
          وأنا أقسم بالله، أقسم بالله، اللي بيُسيء الأدب مع العلماء ورب الكعبة والله يُختم له بسوء، والله والله يُختم له بسوء، وهتلائيه عمّال يتنطط مع الفرئه دي شويه، ومع الفرئه دي شويه، وكان بيزكي دول شويه، وهيطعن فيهم بكره، وانتو عَرفين الواقع بدون تفاصيل، لإن انا مليش في المسائل دي، مانيش فاضي ليها أصلاً، مش فاضي للعكعكه اللبتحصل دي، والله مانا فاضي»
          من هنا كلامه بصوته:http://www.mediafire.com/?4w93kbpqs2ah5ke

          قلت: في هذا الكلام تهكم بعلم الجرح والتعديل بتسميته إياه الجرح والتجريح.
          نعم، إن علم الجرح والتعديل قد آلم القوم إيلامًا شديدًا، ثم إنه من الفائدة أن أقول: قد ألَّف شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي -رحمه الله- رسالة بعنوان: "تعليم الصبيان التوحيد" ذكر فيها البدء بالتوحيد قبل القرآن، فيالها من فائدة جليلة تشد لها الرحال.
          ثم إنه -أعني ابن حسان- هو وشيعته لم يقبلوا كلام أهل الجرح والتعديل ممن جاوزوا القنطرة، من مثل مقبل الوادعي، وربيع المدخلي، وأحمد بن يحيى النجمي، وابن باز، والألباني، وغيرهم من أئمة الإسلام، فبان بذلك أن ما تشدق به من ذكر الجرح والتعديل لا يعدو كونه دعوى يكذبها واقعهم، نعم، هم يستعملون هذا الباب في جرح أهل السنة السلفيين، وتعديل وتزكية أهل الزيغ والضلال، من أمثال فرقة الإخوان والتبليغ وغيرهم.
          ثم إنه لا يشترط في إعمال علم الجرح والتعديل في أهله أن يكون صاحبه حافظًا لكتاب الله أو لألف حديث أو لخمسمائة حديث، فالمعتبر هو إقامة المُعدِّل أو المجرح برهان التعديل أو التجريح لمن يعدله أو يجرحه، فهذا الدجال حريص على الحيلولة بين الطلبة وبين هذا العلم الذي يميز السنة من البدعة، ويميز أهل السنة من أهل البدعة، هذه الحيلولة وذاك الأسلوب الذي يستخدمه في استمالة السذج من أنصاره حتى لا يأبهوا بهذا العلم ولا بأهله.
          وكيف تسنى له جرح وتجريح أهل السنة وهو لم يجاوز قنطرة ولا قناة، أم هو زكى نفسه وطهر سريرته، ووصل إلى مرتبة من التهذيب للنفس كعلي بن المديني والذهبي وابن حبان وغيرهم من هؤلاء الجهابذة الصيارفة النقاد؟!
          وهل من يتكلم في أهل السنة بالطعن وفي منهجهم بالطعن والتهكم، وهو في الوقت نفسه يزكي أهل الأهواء والضلال يكون قد زكى نفسه وطهر سريرته؟!
          أليس من كان هذا حاله يكون متأسدًا متنمرًا سيئ الخلق سيئ الأدب، لا يعرف الفضل لأهل الفضل، أم تريدون أن يجلكم أتباعكم ويقبلون منكم الأيادي والركب باعتباركم أهل الفضل كما هو الشأن في أمثال الصوفية وأشباههم من الشيعة؟!
          ثم إن طريقة حديثك مع هذا الطالب الذي ذكرتَ ليست هي طريقة أهل العلم مع المتعلم ولا المشايخ مع الطلبة.
          ثم إن تشدقك بقولك:«شيخنا الشيخ ناصر»
          فيه تدليس -على من لا يعرف حقيقة أمرك من الناس- بأنه شيخك، وأنك قد طلبت العلم عنده، فليتك صريح، والصراحة -كما قيل- راحة، هذا إن نجوت من تقليد الشيخ ناصر في أحكامه على الحديث.
          وليتك كنت مع الشيخ ناصر في موقفه من أهل الأهواء والبدع المعاصرين كالإخوان والتبليغ مثلاً، أم هو مجرد التشدق بالألفاظ للتغرير بالسذج وخداعهم؟!
          ثم إن من قال: إن الشيخ الألباني متساهل في التصحيح هكذا بإطلاق فقد أخطأ، ومن نفى عن الشيخ أي تساهل في التصحيح بإطلاق فقد أخطأ أيضًا، والتساهل أمر نسبي، فقد يكون العالم متساهلاً عند غيره في الوقت الذي لا يرى ذاك العالم نفسه متساهلاً، هذا، ولقد أخطأت أنت في التعامل مع هذا الطالب، فالشيخ الألباني -رحمه الله- عنده نوع تساهل في التصحيح، ولا نقول: هو متساهل على سبيل الإطلاق، ثم إن هذا التساهل نسبي، وكم كان العلامة المحدث الفقيه الناقد البصير الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- إن كنت تعترف له بالفضل والجلالة والعلم والفهم في علم الحديث والعلل- كم كان الشيخ يخالف الشيخ الألباني في أحكامه على بعض أو كثير من الأحاديث التي يرى فيها شيخنا -رحمه الله- أنها لا ترتقي إلى الحسن فضلاً عن الصحة، ويحكم عليها شيخنا بالضعف، ويمكن الاستعاضة عن كلمة التساهل بكلمة الخطأ، فيقال مثلاً: إن الشيخ الألباني -مع اجتهاده- يخطئ في الحكم بالحسن أو الصحة على بعض الأحاديث، وهذا لا إشكال فيه إلا عند المقلدة والمتعصبة.
          ثم إن هذا الطالب ذكر الألباني بلفظ الشيخ وما أساء الأدب في هذا، وإنما أساء الأدب معه من عنَّفه.
          وقد أثنت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز على الألباني في فتواها التي سئلت فيها عن الشيخ الألباني، ثم قالت: وقد يخطئ.
          ثم إن اللغة التي تحدثت بها معه ليست لغة المربي الرحيم الشفوق على طلبة العلم، وإنما حدثته بلغة سوقية لم يجر عليها عرف أهل النخوة والمروءة، فضلاً عمن يتربع على كرسي التدريس، ويعلو منبر الخطابة وليس متأهلاً لذلك، ثم إنك في درسك هذا اغتبته بنفي التربية عنه، ولعله أحسن منك تربية، وكون هذا الطالب يخطئ في سورة المطففين لا يلزم منه ألا يُشجَّع على ما هو فيه من الاشتغال بعلم الحديث.
          ثم إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن، هكذا جاءت الآثار عمن سلف.
          ثم إنه ليس كل من سلك هذا الطريق على هذا النحو طعن في شيخه بعدُ.
          وزُر دار الحديث بدماج لترى طلبتها الصغار فضلاً عن الكبار وما هم عليه من معرفة الرجال والصحيح والضعيف من الحديث ورواة الحديث من الصحابة، تر عجبًا وتنل شرفًا.
          ثم إنك لم تذكر لهذا الطالب العلاج أو الدواء لهذا الداء -على فرض أنه قال ذلك بإطلاق نسبة الحكم بالتساهل إلى الشيخ الألباني.
          فإن قلت: قد ذكرته في أول الكلام، وذكرت أن الطالب يبدأ بالقرآن، طالب الحديث بالذات يبدأ بالقرآن ويبدأ بحفظ السنة، قلنا:
          قد أخطأت في وضع الدواء، فالأصل تعلم التوحيد قبل كل شيء، هكذا كانت دعوة جميع الرسل لأقوامهم، هذا التوحيد الذي زهِد وزهَّد فيه إخوانك الحركيون من فرقة الإخوان المسلمين، وسموه شرك القبور، وقدموا عليه ما يسمونه بشرك القصور مراغمة لمنهج جميع الأنبياء والمرسلين -علم ذلك إخوانك أم جهلوا-!! وكيف تقسم بالله على أن هذا الطالب ما يعرف (حاجة)؟! وقد عهدنا منك الإكثار من القسم زورًا.
          ثم كيف تخطف النطق بلفظ الجلالة (الله) وتقول: (ألّه) هكذا؟!
          إن هذا إلحاد في اسم الله -سبحانه وتعالى- وقد قال -تعالى-: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
          ثم هل كان من عرف السلف إفراد ذكر لفظ الجلالة (الله) عند التعجب والإنكار؟!
          ولا إخالك جرّك إلى هذا إلا سيئات عملك، فإن من جزاء السيئة، السيئة بعدها.
          أضف إلى هذا تفريطك في اللغة العربية التي هي من أعظم شعائر الإسلام، وكيف تحافظون على الخطبة بالألفاظ باللغة العربية -ولا أقول بالفصاحة والبلاغة- مع أنه يحضرها -أعني الجمعة- عوام المسلمين، ولا تحافظون عليها في الدروس التي هي مظنة أن يحضرها -في الغالب- طلبة علم؟!
          أما دندنتك في أكثر من موضع بقولك:«شرشر نط أكل البط»
          فيقال لك بخصوصها: هل هي طريقة أئمة الإسلام وعلمائه أهل الفضل، أم هي طريقة غيرهم؟!
          وأتحداك -إن كنت صادقًا- أن تأتينا بمثال واحد، ولا نريد منك غيره، فيه أن شخصًا قرأ هذا، وظن في نفسه أوقال عن نفسه: إنه علي بن المديني، أيها المتهكم!!
          نعم، لقد بلغ علم الجرح منكم مبلغًا عظيمًا، فقد جاوز منكم الشحم واللحم والعظم، وبلغ إلى سويداء القلب، فطفحت ألسنتكم ببعض ما تخفيه صدوركم، وليس هذا الطالب المزعوم هو المراد فقط من تهكمك، وإنما المراد أهل العلم من أهل الحديث، أهل الجرح والتعديل الذين جرحوكم، ولا يزال جرحكم ينزف منه القيح والصديد، ولا يزال تألمكم الشديد بهذا الجرح قائمًا.
          أما سرعة التخريج والتحقيق اليوم فهي نعمة عظيمة لا يقوم بشكرها إلا أهل الحديث السلفيون، الذين هم ظاهرون اليوم على كل من خالفهم من أهل الزيغ والضلال، فالسلفيون أهل الحديث يقدرون الحديث قدره، ويقدرون أهله قدرهم، ولا يخرجون عن طريقة أهل العلم في اتباع السنة ومجانبة البدعة، وتوقير أهل العلم الذين هم أهله، والتنكيل بأهل البدعة الذين هم أهلها.
          ثم إن الأصل هو إحسان الظن بطالب الحديث، وأنه لا يريد بذلك إلا الله والدار الآخرة، لا ما ذكرته من العبارات الدالة على سوء الظن، كالتأسد على الأقران، و(الفزلكة)!! على أن امرأة ثقة -وشر القتلى من قتلته امرأة- لما قرأت كلامك قالت ما معناه: هذه منه هي (الفزلكة) و (الأنزحة)!!
          ثم إن لوائح الكذب ظاهرة في كلامك بشأن الطالب الذي أنت أقسمت بالله على أنك لا تحتاج إلى حضوره لك، أو لا تريد حضوره لك.
          فأنت تقسم بالله أنك ما تحتاجه أو ما تريده، ثم تردف ذلك بأن الذي يأتيك هنا ويتأدب ويتعلم الأدب مع المشايخ والعلماء من أمثالكم!!
          وهذا كالتعليل لنفيك حاجتك إلى حضور هذا الأخ لك، ثم مع ذلك تقسم بأنك لا تقصد الأخ ذاك!!
          فأي كذب بعد هذا؟!
          وأي تلاعب بعقول مستمعيك بعد هذا؟!
          وإن كنت تعتقد أن هذا الأخ مؤدب، فكيف تقسم بالله أنك ما تريده أو تحتاجه يحضر لك، أليس منعك له من الحضور لك يعد صدًا عن سبيل الله، إن كنت تُعِّلم الناس الأدب حقًا؟!
          وكيف تتكلم بهذه اللهجة السوقية:«ياميجيش، مشفش خلئته،...» إلى آخره؟!
          أهذا هو الأدب الذي ستربي طلبتك عليه؟!
          حقًا! إن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد قيل:

          إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا *** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

          أم تريد أن يكون الطالب في حلقتك سائرًا على قول الصوفية لمريدهم: كن بين يدي شيخك -أي شيخ الطريقة الصوفية- كالميت بين يدي مغسله؟!
          وما هذا إلا ليتسنى لهؤلاء المشايخ الاستحواذ على عقول أتباعهم وإغلاقها عن النقد والاعتراض على الباطل الذي لا يمكن قبوله ولا الصبر عليه، ولهذا قالوا أيضًا: من اعترض انطرد.
          فأشبهتم الصوفية حقًا!! أم هي سلفية صوفية كما قال شيخ الضلالة حسن البنا عن طريقة فرقة الإخوان المسلمين؟!
          وهل يمكن الجمع بين الحق والباطل في آن واحد؟!
          أم الحقيقة هي أنها الصوفية فحسب لا السلفية حتى تتمكنوا من غرس ما تشاءون في عقول وقلوب أتباعكم؟!
          هذا، ولقد قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- في التصوف: مبتدَع لفظًا ومعنىً.
          قلت: وقد جاء عن حسن البنا أنه كان يُنشد مع المنشدين:

          صلى الإله على النور الذي ظهرا *** في العالمين ففاق الشمس والقمرا


          هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا *** فسامح الكل فيما قد مضى وجرى

          فبئس هذا التصوف.
          فلو قال قائل: قد جاء لفظ التصوف على لسان بعض أهل العلم على وجه الإقرار والمدح، قلنا:
          هم -مع مخالفتنا لهم في اللفظ- لا يقصدون ما يقصده الضُلال من عُبَّاد القبور ونحوهم، وعلى كل حال فالباطل مردود أبدًا كائنًا من كان أهله.
          وكيف تعنف مثل هذا الأخ بأقوالك هذه التي فيها من التشنيع ما فيها، ولا نرى لك عشر معشار مثل هذا العنف وتلك الشدة على فرقة الإخوان الزائغة، وفرقة التبليغ الضالة، وفرقة السرورية، وفرقة الجهاد وغيرها من سائر فرق الزيغ والضلال؟!
          لم نعهد منك تمعر الوجه ولا الغضب حينما تتكلم عن إخوانك ممن تحامي عنهم من أمثال هؤلاء، وإنما تكون منك شدة الغضب وتمعر الوجه، وعلو الصوت، والكلام السوقي المبتذل إذا كنت في سياق الكلام عن السلفيين الذين يتكلمون فيكم وفي أشباهكم ونظرائكم.
          ثم إن التربية والتأديب الذين تدندن حولهما يفتقران إلى العلم، فلا تربية بغير علم ولا أدب بغير علم، وفاقد العلم لا يعطيه.
          وهل يمكن أن يكون الطاعن والواقع في أهل الحديث أهل الجرح والتعديل الأمناء الثقات من أمثال الشيخ ربيع وغيره، هل يمكن أن يكون هذا مؤدبًا؟!
          أما نفيك لتقديس العلماء فهذا في نظري فيه نظر بهذا الإطلاق، فالعلماء -في الجملة- مطهرون منزهون مبرأون من الشرك والكبائر والأخلاق الرذيلة الدنيئة الخسيسة، وهل من إكرام علمائكم أنكم لا ترفعون بأقوالهم رأسًا كقولهم بتبديع فرقة الإخوان والتبليغ والجهاد والسرورية وغيرها من فرق الزيغ والضلال؟!
          أم ابن باز والألباني والوادعي والمدخلي وغيرهم من أمثالهم ليسوا علماء؟!
          أم إكرامكم العلماء من أمثال هؤلاء هو بأخذ قولهم في الموضع الذي يروقكم، وتركه فيما لا يروقكم كما هو واقعكم؟!
          لقد صدق الله العظيم إذ قال: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
          أمَّا قسمك بالله على خاتمة السوء لمن يسيء الأدب مع العلماء، فإنا نحذرك من أن يتحقق فيك إن تماديت في غيك وباطلك وإساءتك إلى أهل العلم وحملة المنهج السلفي، فاتق الله ودع الإطلاق في موضع التفصيل، وإلا، فمَن هؤلاء العلماء الذين تقسم بالله على أن من يسيء الأدب معهم يختم له بسوء؟!
          أهم الدجاجلة من أمثالك المجمعون للناس على غير هدي سلفي، والذين ينهجون نهج فرقة الإخوان المسلمين مدعين اتباع مذهب السلف، مع أن حقيقة أمرهم -ظاهرًا وباطنًا- هو سلوك سبيل فرقة الإخوان المسلمين، وسبيل الذين يطعنون في أعلام السنة ومنارات الهدى وأئمة المسلمين.
          مَن هم هؤلاء العلماء المقتدى بهم؟!
          أهم الدجاجلة من أمثال محمد بن حسان المصري، وأبي إسحاق الحويني المصري، وأبي الحسن المصري نزيل مأرب، وعلي الحلبي، وسفر الحوالي، وسلمان العودة، والمغراوي، وعدنان عرور، وغيرهم من أهل الزيغ والضلال؟!
          إن كان هؤلاء هم الذين تقصدهم في كلامك فنبشرك بأن السلفيين يتقربون إلى الله ببغض هؤلاء الفاتنين المفتونين، الذين فرقوا الصف السلفي، واجتمعوا مع أحزاب الضلال على محاربة المذهب السلفي وعلمائه، فبغض أمثال هؤلاء لما اقترفوه من تفريق الصف السلفي بسبب ما أصلوه من الأصول الفاسدة والقواعد الكاسدة، وما نافحوا به عن أهل الأهواء، وما طعنوا به في أهل السنة، أقول:
          فبغض أمثال هؤلاء ومعاداتهم وتجنب طريقتهم وموالاة علماء أهل السنة ومحبتهم من أمثال الشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين والوادعي والمدخلي والنجمي وغيرهم، كل هذا قربة يتقرب بها السلفي إلى الله، يرجى له بها وبغيرها حسن الخاتمة، ودعك من مثل هذا الإجمال، فإنه لا يعدو كونه إرهابًا نفسيًا وفكريًا تستحوذون به على أتباعكم.
          أما السلفيون البصراء بخططكم ومسالككم وتلبيسكم وتدليسكم وشبهاتكم لا ينطلي عيهم شيء من ذلك، فأقلوا أو أكثروا!!
          ثم إن الذي يتذبذب ويضطرب حاله من حين إلى آخر هو من لم ترسخ قدمه في المذهب السلفي، فلا تضرب وجه علم الجرح والتعديل، ووجه العلماء بمثل بعض الحالات الشاذة النادرة التي لا يُقعَّد عليها، ثم إن الذي ينتكس عن المذهب السلفي فأمره كما قيل: وعلى نفسها براقش تجني.
          وكيف تدعي أنه ليس لك في ما أشرتَ إليه من المسائل بعلة أنك لست متفرغًا لذلك مع أن واقعك يكذب ذلك؟!
          فكم من درس لك وأنت ترغي وتزبد وتبرق وترعد في هذه المسائل بما يدل على مدى ومبلغ تأثركم وتألمكم بكلام أهل العلم فيكم!!
          وتأمل كيف يسمي هذه الحرب الضروس بين أهل السنة وأهل الهوى والبدعة عكعكة!! (هكذا) تقليلاً من شأنها، وتهوينًا من أمرها، وصرفًا للناس عن معرفة الحق وأهل الحق، وثبيتًا للناس على البقاء على الباطل مع أهل الباطل!!
          أما أهل السنة فيسمون ما يدور جرحًا وتعديلاً ونقدًا ونقضًا وردًا وتفسيقًا ونحو ذلك من الألفاظ السلفية، ويترفعون ويتنزهون عن الألفاظ السوقية المبتذلة، وتأمل قسمه الكاذب الذي عهدناه منه، وذلك في آخر كلامه، بأنه ليس متفرغًا!!
          نعم أنت متفرغ للطعن في السلفيين والتهكم بهم، وتشويههم، وغير ذلك مما ينافي الأدب، وعلى كل حال فأهل السنة سائرون في طريق جهادهم لأهل الأهواء، فأهل السنة في جهادهم هذا هم العادون في ديار أهل الأهواء نصحًا وفضحًا، المُورون لشهب الأدلة قدحًا، المغيرون على أهل الأهواء مساءً وصبحًا، فأثاروا بميدان الجهاد غبارًا على أهل الأهواء، ووسطوا في ميدان ذلك الجهاد جمعًا، فوهبهم الله عزًا ونصرًا وتمكينًا وفتحًا، وقد قيل:

          سوف ترى إذا انجلى الغبار *** أفرس تحتك أم حمار

          ولعلك -إن عقلت- لعلك رأيت الآن ما تحتك أنت وأمثالك.
          ثم إن طول كلامك وعرضه في تشويه المنهج السلفي ومنهج النقد الصحيح، وإكثارك من ذلك، مع نفيك لتفرغك لما سميته «عكعكه» يشهد عليك بكذبك، ويشهد عليك بأنك دجال حري بوصف السوء، وأنك الأحق بأن يرتد عليك سهم بغيك بأن يقال فيك: كثير العك، فاضمم جناحك على هذا الصك!!

          تم الفراغ منه في ليلة الأحد، الموافق التاسع والعشرين، من


          شهر ربيع الآخر، لسنة اثنتين وثلاثين


          وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية


          على صاحبها الصلاة


          والسلام.



          وكتب


          أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


          أبو عبد الله



          يتبع إن شاء الله

          تعليق


          • #6
            التعليق على الدرس السادس والستين



            ليلة الخميس الموافقة الثلاثين من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين من هجرة


            قوله: «طبعًا ورقة .. بئول العلامة الكبير الشيخ يوسف القرضاوي يفتح الملف الشائك عن علاقة الإسلام بالفن، دا مجلة الأسرة العربية، الفن الإسلامي هو فن إنساني، الفن الإسلامي هو فن فن إنساني، له رسالة خاصة لا تنفصل عن أهداف الإسلام الكلية، وفي القضايا الإعلامية والفنية من الأفضل أن نأخذ بالأيسر لا بالأحوط، وأن نتبنى فقه التيسير وفقه التدرج، وطبعًا الشيخ بيئول لا يوجد في القرآن ولا في صحيح السنة دليل على تحريم الغناء، لابد من وجود المبدع المسلم الواعي لأمور دينه وقضايا أمته ليترجم ذلك في أعمال فنية راقية "إلى آخره
            طبعًا رأي الشيخ معروف وليس جديدًا، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا وله، وأن يثبتنا وإياه على الحق، وأن يختم لنا وله ولعلمائنا جميعًا بالإيمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
            ولله در علي بن أبي طالب إذ يقول: "اعرف الحق تعرف أهله، فإن الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال هم الذين يعرفون بالحق "
            ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول:
            "من تعصب لواحد من الأئمة بعينه دون الباقين، فهو بمنزلة من تعصب لواحد من الصحابة بعينه دون الباقين، كالرافضي الذي يتعصب لعلي، وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي، وهذه طرق أهل البدع والأهواء"
            ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: "ليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إليه ويوالي ويعادي عليه غير النبي، وليس لأحد أن ينصب للأمة كلامًا يدعو إليه ويوالي ويعادي عليه غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة"
            ولله در الشاطبي إذ يقول في كتابه الممتع "الاعتصام": "ولقد زلّ أقوام بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال، فخرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل"
            لابد من هذا التأصيل .
            الأصل الأخير: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
            "الاختلاف في مسائل الأحكام أكثر من أن ينضبط، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء من مسائل الأحكام تهاجرا، لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة"
            وأود أن أعلم شبابنا -وأرجو الله أن يعلمني وإياهم- أن الخلاف إن وضع في بوتقة الخلاف وجُلبد بأدب الخلاف، فلا حرج، إذ لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف، إذ لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.
            بعد هذا أقول: الاستشهاد بالأحاديث الصحيحة في الصحيحين، ووددت أن لو أعددت للجواب عدته، لكن هذا رزق الله الآن، الاستشهاد بالأحاديث الصحيحة، كحديث غناء الجاريتين بغناء يوم بعاث في يوم العيد، واعتراض الصديق على أن يُسمع صوت مزمار الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورد النبي - صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر: "دعهما يا أبا بكر فإن لكل قومٍ عيدًا وهذا عيدنا" إلى آخر هذه الأدلة.
            أنا أقول: الاستشهاد بهذه الأدلة الصحيحة على جواز غناء اليوم، استشهاد بالدليل في غير مناطه -أُشهد الله على ذلك- أن أستشهد بهذه الأدلة الصحيحة على رأسي صحيحة في أعلى درجات الصحة، أن أستشهد بهذه الأدلة على جواز غناء اليوم وأقول روى البخاري ومسلم وأذكر الأحاديث، استشهاد بالأدلة دون تحقيق المناطات تماما.
            فلو قامت الآن جارية -فتاة صغيرة- لم تبلغ الحلم ووقفت تغني، والغناء كلام حلاله حلال وحرامه حرام، ووقفت تغني، وهي فتاة صغيرة من بناتنا لما تبلغ الحلم، وتغني بكلمات جميلة رقراقة تؤصل للفضيلة تأصيلاً، تحرك النفوس للجهاد في سبيل الله، أو تحدو النفوس لمجاورة الملك القدوس في الجنة، كلام جميل، لن يقول عالم على وجه الأرض: اسكتي اجلسي حرام، لا، لن يقول عالم هذا؛ لأن هذا هو مناط الدليل، هذا هو مناط الحكم، أما أن نستشهد بهذه الأدلة على غناء نعرفه كلنا اليوم، الفيديو كليب الذي يحرك الغرائز الهاجعة، ويثير الشهوات الكامنة، ويحول -أقسم بالله- يحول العباد الزهاد إلى فسّاق فجار، يستشهد بهذه الأدلة على جواز الغناء هكذا على الإطلاق، ما هكذا يا سعد تورد الإبل، أبدًا.
            وإن كان الشيخ -حفظه الله- يرى أن الحديث في صحيح البخاري حديث معلق، فمن المعلوم أن المعلقات في صحيح البخاري منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف، وهذه الرواية: "سيأتي قوم، سيأتي زمان على أمتي يستحلون الحر والحرير والمعازف" الحديث وإن رواه البخاري في باب من الأبواب معلقًا فقد وصله الإمام ذاته في باب آخر، فالحديث مروي مرة بالتعليق ومرة رواه البخاري موصولاً في الصحيح، فهو حديث صحيح، ولا ينبغي البتة أن يستشهد بهذه الأدلة الصحيحة، وأن نسقط هذا الحكم على مناط اليوم.
            فالغناء اليوم سواء كان من رجل متسكع فاسق فاسق، أكررها فاسق، أو من امرأة فاسقة تتسكع وتخضع بالقول بل وتظهر كل فتنة في صوتها وجسدها، لا ينبغي البتة أن تُسحب هذه الأدلة على مثل هذا ويقال: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أقر الجاريتين على الغناء، أسأل الله أن يرد الأمة إلى الحق ردًا جميلاً.
            ثم، في نقطة مهمة جدًا ياخوانا يعني -سبحان الله- يجي مثلاً صحفي يعمل معايا لقاء -أسأل الله أن يرزقني البصيرة والحكمة- وبعدين خلي بالك، يجي يئولي: يا شيخ محمد إيه رأيك في الفن الإسلامي؟
            الفن الإسلامي ويكلم، فن إسلامي إيه يا عم!! فن إسلامي إيه ياعم انت!!
            إنت هتدحك عليّ، خلى بالك يا شباب، خلو بالكو يا شباب، انتو هتدحكو علينا ياخوانا، فن إسلامي إيه؟ ألّه.
            ياخوانا لقد اتسع الخرق على الراقع، لقد اتسع الخرق على الراقع!
            يأخي لما يبئى الإسلام يُقام إقامة كاملة، مبئولشي الإسلام مش مُقام، أحسن يئعد يئولك الشيخ مكفراتي، ماهو فيه ناس آعده للسأطة واللأطة -أعوذ بالله- أما يقام حكم الله -تبارك وتعالى- كاملاً كاملاً، وتظلل كلمة التوحيد كل مناحي الحياة وكل جوانب الحياة، هنبدأ في الحالة دي وفي اللحظة دي هناقش قضية الفن الإسلامي، وهيطلع مبدعون وعلماء، بس حيبدعوا من منظور الشريعة، هيبدعوا من منظور العقيدة، هيبدعوا من منظور لا إله إلا الله منهج حياة، إنما انت جاي تئول فن إسلامي، وانت منتاش عا.. مينفعش، واضح ولا مش واضح، فمش عاوزين ياخوانا .. محدش يدحك علينا، أسأل الله أن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة»
            من هنا كلامه بصوته: http://www.mediafire.com/?tb8zntjjk1jtbjh
            قلت: لم يعلق محمد بن حسان على قول القائل:
            «العلامة الكبير الشيخ يوسف القرضاوي»
            وإن لم يعلق هو لولائه للفرقة الإخوانية الضالة، فلنعلق نحن ولو بشيء يسير، فنقول:
            نعم، القرضاوي علامة كبير ولكن في الضلال، ولقد قال فيه شيخنا الوادعي -رحمه الله- حينما عُرض عليه بعض فتاوى هذا العلامة الكبير!! الزائغة، قال:
            كفرت يا قرضاوي أو قاربت.
            ومحمد بن حسان يقول عنه: «الشيخ» في قوله: «رأي الشيخ معروف» هكذا بهذا الأسلوب التوقيري الناعم اللين الهادئ تجاه رأس من رءوس الضلال في الوقت الحاضر.
            ولقد أُلف في ضلال الرجل أكثر من رسالة، وهو مشهور عند السلفيين بأنه إخواني جلد، ومع ذلك لم يتمعر وجه محمد بن حسان عند الحديث عنه، وإنما يغضب كغضبة الدجال، وتنتفخ أوداجه، ويحمر وجهه حينما يتكلم عن السلفيين والمنهج السلفي وعلماء السلف المعاصرين، سالكًا سبيل الطعن والهمز واللمز والغمز من طرف خفي وجلي.
            والسلفيون هؤلاء هم الذين أقضوا مضجعه ومضجع أمثاله من فلول أهل البدع والضلال، وأبى الله إلا أن يظهر سوأته ويكشف عورته، فتبًا للفرقة المسماة بجماعة أنصار السنة المحمدية التي آوته وآوت أمثاله من القطبيين والإخوانيين متسترة بمذهب السلف، فليعلموا جميعًا أن الله ناصرُ دينه وكتابه وأوليائه، ولو كره ذلك أرباب الضلال ومؤووهم، وأسلوبه في الحديث عن القرضاوي يذكرنا بقول القائل:

            أسد علي وفي الحروب نعامة *** فتخاء تهرب من صفير الصافر

            وتأمل دعاء ابن حسان له بالمغفرة والثبات على الحق، وكان الجدير أن يدعو له بالهداية إلى الحق، وقد مر بنا مجرد ذكره للشيخ ربيع وغيره بدون دعاء بالمغفرة ولا بالتثبيت على الحق ولا بنحو ذلك، مع أن القرضاوي لو كان على حق لكان الشيخ ربيع أولى بالدعاء له منه، وهذا يدل على أن وجه الرجل إلى قومه من بني مذهبه لا إلى السلفية التي يتشدق بها كثيرًا، وقد قيل: إن الطيور على أشكالها تقع.
            ثم إن ذكره لأقوال لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لا يجعل منه رجلاً سلفيًا، فالقوم يتشدقون تارة ببعض النقول عن ابن باز أو الألباني أو اللجنة الدائمة أو شيخ الإسلام ابن تيمية فيكسون باطلهم بهذه النقول، ويزينون بدعتهم بها، وهم في الحقيقة ليسوا على منهج ابن باز ولا الألباني، ولا اللجنة الدائمة، ولا شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا غيرهم من أئمة الإسلام، وأنت من أولى الناس بالسكوت المذكور في قولك: إذ لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف، وذلك لوجود المقتضي عندك للسكوت، فما أحوج لسانك إلى طول صمت وطول سجن وحبس.
            ثم تأمل -إضافة إلى ما سبق- دعاءه للقرضاوي بالحفظ، وقد كان شيخنا الوادعي -رحمه الله- يقول: "القرضاوي قرض الله شفتيه" قلت: آمين.
            قلت: ولقد دعا شيخنا -رحمه الله- على صدام حسين بقوله: صدمه الله بالبلا، فاستجاب الله له، ودعا على معمر القذافي بقوله، قذفه الله بالبلا، فاستجاب الله له، فرحم الله الشيخ، كم كان له من دعوة مستجابة، ومثل هذا مما يحسن أن يُدخله المصنفون في شمائل الشيخ -رحمه الله- فنرجو من الله أن يستجيب دعاءه في القرضاوي -خطيب الفتنة- يوم القيامة.
            أما ما ذَكر من وصل البخاري لحديث المعازف في موضع آخر من صحيحه غير الموضع الذي علقه فيه، فهذا ما لا نعلمه، وأما كون الحديث صحيحًا موصولاً عند غير البخاري، فنعم.
            وتأمل قوله «ألّه» في الحديث عن الفن الإسلامي!! وخطفه للمد، وحذفه له بما يحرف اللفظ من بعد موضعه، وبما يعتبر إلحادًا في هذا الاسم، وقد مر هذا، مع أنه لم يؤثر -في حد علمي- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو السلف الصالح ذكر لفظ الجلالة هكذا مفردًا عند التعجب، أو الاستنكار، فهو جارَى في هذا العوام.
            وحبذا لو صورت لنا ما سيكون من وضع هذا الفن الإسلامي في الدولة المنشودة!!
            فإننا نسمع اليوم من إخوانكم أو عن إخوانكم من فرقة الإخوان المسلمين ما يسمى بالأناشيد الإسلامية -زعموا- تلك الأناشيد الملحنة المطربة، التي تصد عن القرآن وعن ذكر الله، تلك البدعة التي أحدثوها كما أحدث الزنادقة من قبل ببغداد بدعة التغبير يصدون الناس بها عن القرآن، فإخوانكم الضالون على آثار الزنادقة يُهرعون، وسمعنا بالتمثيل الإسلامي -زعموا- عنهم أيضًا، يقوم الشباب المخنث بتبادل الأدوار في ذلك التمثيل المبني على الكذب، والكذب مجانب الإيمان، وقد ثبت عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال: "يا أيها الناس إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان" الأثر رواه أحمد في المسند، مجلد جزء 1، صـ 163، رقم 16، مسند أبي بكر -رضي الله عنه- طبعة دار المعارف بمصر التي عليها تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر -رحمه الله- وقد صحح إسناده، إضافة إلى الأحاديث والآيات الواردة في تحريم الكذب، وما أكثرها!!
            فحبذا لو صورت لنا ما سيكون عليه هؤلاء المُبْدعون والعلماء!! الذين سيبدعون من منظور الشريعة!! ومن منظور العقيدة!! ومن منظور: لا إله إلا الله منهج حياة!! في ذلك الفن الإسلامي المنشود!!
            لكني أستطيع أن أقول: إذا كان تصورك اليوم بخصوص أهل السنة وأهل البدعة تصورًا فاسدًا، مع أن أمر أهل السنة وأمر أهل البدعة اليوم أمر واقع واضح، فكيف يكون تصورك لما هو مأمول ومنشود في المستقبل المجهول الذي تنشدونه وتفترضونه؟!
            إن تصورك إن لم يكن أشد فسادًا من تصورك للأمور الواقعة اليوم، فلا إخاله إلا مثل تصورك اليوم في الفساد، وقد حكى شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى عن بعضهم: أن القصائد الملحونة بدعة، ولم يتعقب ذلك، ولا شك عندنا في بدعية ذلك، وإخوانُك إخوان دربك، الإخوان المسلمون الزائغون ينقلون الناس من معصية إلى بدعة، وهي شر الشرين، وهل يجتني من الشوك العنب؟! وكل إناء بما فيه ينضح.
            أما قولك:«من منظور لا إله إلا الله منهج حياة»
            فيقال فيه: إذا كان المتشدقون بالمنهج السلفي من أمثالكم اليوم لم يحققوا ذلك في دعوتهم، بل يرون البدعة سنة والسنة بدعة، فكيف بحال هؤلاء المبدعين العلماء المجاهيل الذين نخشى أن يكونوا مبتدعين أو فسقة مخنثين أو متعالمين، بناءً على الواقع الأليم اليوم في كثير من دور التسجيل، وفي القنوات الفضائية، تلك القنوات غير السلفية المحاربة للسلفيين ومنهجهم السلفي، كقناتكم وقناة غيركم ممن شَرِقَ بالدعوة السلفية وأهلها، ونصب العداء لها ولأهلها؟!
            وإذا كان هناك فن إسلامي حقًا فليس فعله -منوطًا- بإقامة حكم الله كاملاً، فعندكم القنوات التي تبثون منها الشر، فما الذي عجَّزكم عن إقامة هذا الفن الإسلامي المزعوم؟!
            أم المقصود هو شحن قلوب الأتباع على حكامهم؟!
            وهذا الفن الإسلامي!! الذي لم يولد بعد، إما أن يكون واجبًا وإما أن يكون مستحبًا، فإن كان مستحبًا فكيف يغفل كل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها عن هذا المستحب؟!
            وإن كان واجبًا فالويل لأمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ لم يقم بعض أفرادها بهذا الفرض الكفائي، الذي إن لم يقم به من يكفي أثم جميعهم!! ووسائل الدعوة توقيفية، فاعلم، وكفاك دجلاً أيها الرجل.
            وكيف تعلق مناقشة قضية الفن الإسلامي المزعوم على إقامة حكم الله تبارك وتعالى كاملاً كاملاً، وعلى تظليله كل مناحي الحياة وكل جوانب الحياة -ذلك القيد الذي قد لا يتحقق إلا في عصر المهدي المنتظر وزمن نزول المسيح عيسى ابن مريم- وأنت في الوقت نفسه تقول جازمًا: «وهيطلع مبدعون وعلماء، بس حيبدعوا من منظور الشريعة، هيبدعوا من منظور العقيدة، هيبدعوا من منظور لا إله إلا الله منهج حياة»؟!
            وهل لا يجوز أيها الدجال مناقشة قضية الفن الإسلامي المزعوم اليوم، وقبل تحقق هذا القيد المزعوم؟!
            وبناءً على كلامه أقول: إذا كانت قضية الفن الإسلامي لا تناقش اليوم قبل وجوده بالقيد المذكور المزعوم في البلاد التي يقام فيها الإسلام إقامة غير كاملة، فمناقشتها في بلاد الكفر متروكة من باب أولى!!
            وهكذا الخبط والعجن في الدين بما يفسده أيها الدجال!!
            إن إخوانك الحميمين من فرقة الإخوان المسلمين يسمون الباطل بغير اسمه ترويجًا له، فتارة يقولون: الأناشيد الإسلامية، وهم يخرجون بها عن الحد الشرعي، وتارة يقولون: فرقة إسلامية، وهي مبنية على التمثيل والكذب والتخنث، إلى غير ذلك مما تحمله في طياتها من الباطل.
            ويكفي في تحريم مثل هذه الأشياء وغيرها من نظائرها أننا لم نسمع بها إلا عن الإخوان المسلمين أو أفراخهم جميعًا، لم نسمع بها -على هذا الحال الواقع- عن عالم سلفي، ولو كان خيرًا ما يبتدعونه لسبقهم أهل العلم وأهل الصلاح إليه.

            وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمور المحدثات البدائع


            وكل خير في اتباع من سلـف *** وكل شر في ابتداع من خلف

            فكفى بكونه صادرًا عن المبتدعة وأفراخهم علامة ظاهرة على كونه بدعة محدثة في الدين، لا يرجى منها خير.
            ومِن تعالُم هذا الدجال قوله: «وأود أن أعلم شبابنا»
            وهو يدندن بنحو تلك العبارة، ونقول له: إن فاقد الشيء لا يعطيه، وما هكذا ديدن أهل العلم والتواضع والخشية، لم نعهدهم على مثل هذا المنطق، ثم قال: «... أن الخلاف إن وضع في بوتقة الخلاف وجُلبد بأدب الخلاف، فلا حرج»
            قلت: أهل العلم السلفيون هم أهل الآداب الرفيعة، والخصال الحميدة، والأخلاق الطيبة السامية، ولا يباريهم في ذلك أحد، فهم في ذلك على رأس جبل عال، لا يطاولهم في ذلك أهل البدع ولا أفراخهم، وإن لم يكن أهل العلم السلفيون هم أهل الأدب والرزانة والحلم والعلم والوقار والتواضع والخشوع والإخبات والتقى والزهد والورع، فمن يكون إذًا؟!
            إن لم يكونوا كذلك فلن يكون الموصوف بتلك الأوصاف الحميدة هم فرقة الإخوان المسلمين، وفرقة التبليغ، والقطبيين، والسروريين، وغيرهم من فرق الضلال وأذيالهم.
            وهل من أدب الخلاف التطاول على المنهج السلفي، والطعن في أهله وحملته؟!
            وهل من الأدب جمع خصال الدجل والتعالم والكذب والتمويه والخداع والدفاع عن أهل الأهواء وموالاتهم، وتحزيب الناس، وبث روح التعصب لشيوخ الضلالة، وذلك بالدفاع عنهم، والثناء عليهم في الوقت الذي تطعن فيه في المذهب السلفي وأهله في دروسك -على الأقل- التي تطعن فيها في السلفيين ومنهجهم؟!
            نعم، أنت تذكر في دروسك أدلة من الكتاب والسنة، وكلامًا لبعض أهل العلم كابن تيمية والشاطبي، ولكنك تُطَوع ذلك كله لمحاربة المنهج السلفي وأهله، وتضع ذلك كله في غير موضعه، ولولا تشدقكم بالكتاب والسنة وكلام بعض أهل العلم -مع سوء خطتكم سالفة الذكر- ما لقي كلامكم -عادة- رواجًا كهذا الرواج وما نفق في سوق الغفلة والجهالة، فذكركم -مثلاً- لكلام شيخ الإسلام لا يمنع من امتحان الناس بأئمة السنة، فمن أحبهم ووالاهم وكان على منهجهم السني السلفي فهو سلفي، ومن عاداهم وطعن فيهم وأبغضهم وخالف منهجهم السني السلفي فهو زائغ مبتدع، ولا بأس بامتحان الناس بالسنة وأهلها عند بُدُو البدع وفُشُوها، فقد روى الإمام أبو بكر محمد بن حسين الآجري -رحمه الله- في كتابه العظيم "الشريعة" جزء 4، صـ 232، أثر رقم: 2114، الطبعة الثانية لمؤسسة قرطبة لعام 1432 هـ، روى بسنده الصحيح إلى أحمد بن يونس أنه قال: رأيت زهير بن معاوية جاء إلى زائدة بن قدامة فكلمه في رجل يحدثه، فقال: من أهل السنة هو؟ فقال: ما أعرفه ببدعة، فقال زائدة: هيهات أمن أهل السنة هو؟ فقال زهير: متى كان الناس هكذا؟! فقال زائدة: ومتى كان الناس يشتمون أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-؟!
            والأثر صحح إسناده المحقق لكتاب الشريعة.
            قلت: وممن يُمتحن بهم الناس اليوم الشيخ الإمام المجاهد أبو محمد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- والشيخ الإمام أحمد بن يحي النجمي -رحمه الله- وغيرهما، وقد كان السلف على ذلك، فكانوا يمتحنون الناس بمثل أحمد بن حنبل وبمثل حماد بن سلمة، بمعنى أن من طعن في مثل هذين كان مبتدعًا أو زنديقًا.
            ومن هنا نخبر دجال مصر وغيره من الدجاجلة أن طعنهم في مثل الشيخ ربيع ومنهجه يخرجهم عن السلفية، فكيف إذا أضافوا إلى ذلك دفاعهم عن أهل الأهواء؟!
            إنهم -والشأن ما ذكر- أبعد عن السلفية وأولى بالبدعة، وأحق بها وأهلها، وليس معنى ذلك ادعاء العصمة لمثل الشيخ ربيع أو الشيخ النجمي أو غيرهما من أئمة السنة، كما أن السلف لما كانوا يمتحنون الناس بمثل أحمد وحماد وغيرهما، لم يلزم من ذلك ادعاء العصمة لهم، فهذا كذاك.
            ولا يجوز لعاقل، فضلاً عن مسلم، أن ينزل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- المتعلق بالأحكام في قوله:
            "الاختلاف في مسائل الأحكام أكثر من أن ينضبط ..." إلى آخره
            أقول: لا يجوز أن ينزله أحد على الأمور المنهجية والعقدية التي يُبدع فيها المخالف، كما هو الشأن في مخالفة الفرق المبتدعة من أمثال فرقة الإخوان المسلمين وفرقة التبليغ لمنهج أهل السنة والجماعة واعتقادهم، فكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في واد، والذين ينزلونه في غير منزله وعلى غير تنزيله في واد آخر، ومَن وضع كلام ابن تيمية أو غيره من أئمة الإسلام في غير موضعه فقد افترى عليهم وقوَّلهم ما لم يقولوه، ونسب إليهم ما لم يعتقدوه، وكان محرفًا من جملة المحرفين، وكان شبيهًا بأهل الكتاب الملاعين.
            أما ما نقله الدجال عن الشاطبي من قوله:
            «ولقد زلّ أقوام بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال، فخرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل»
            فأقول فيه: صدق الشاطبي -رحمه الله- وكذب الدجال، فيا خيبة فرقة الإخوان المسلمين، ويا خيبة القطبيين والسروريين وغيرهم من فرق الضلال، ويا خيبة من حامى عنهم ودافع عنهم وداهنهم ووالاهم من أدعياء السلفية الماكرين، ويا خيبة من عادى السلفيين والمنهج السلفي من أجلهم.
            ولم لا يخيبون جميعًا؟! وقد أعرضوا عن الدليل واعتمدوا على الرجال من أمثال البنا وقطب وحَوَّى والغزالي والقرضاويس وغيرهم من أقطاب الضلال، فخرجوا بذلك عن جادة الصحابة والتابعين، وسلكوا بنيَّات الطريق، واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل، وأضلوا غيرهم عن عين السلسبيل.
            أما كلام ابن تيمية -رحمه الله- المتعلق بالتعصب، فالمقصود به التعصب المطلق لواحد ما والانتصار له، ولو كان تعصبًا لباطل أو انتصارًا لباطل.
            والدجال في الوقت الذي يسرد فيه هذه النقول يُنصِّب لنا نفسه وينصب الحويني وفلانًا وفلانًا، وينفرون الناس بخبيث فعلهم، وقبيح صنعهم، ونتن قولهم، عن أئمة السنة والهدى، ومصابيح الدجى، حماة الإسلام من كيد أعدائه المارقين والملحدين والمبتدعين، الذابين عنه وعن أهله المجاهدين في سبيل إعلاء هذا الدين، وإعلاء سنة خاتم النبيين، وإعلاء مذهب السلف الصالح على جميع مذاهب المنحلين من شريعة رب العالمين، والمجانبين لمنهج السلف الصالحين.
            قاتل الله الدجالين المموهين، وفضحهم شر فضيحة، وقد أريتنا يا ربنا من ذلك ما تثبت به أفئدتنا، فلك الحمد ولك الشكر، لا إله إلا أنت سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
            وأمثال هؤلاء الدجالين إن يخرجوا -معشر السلفيين- وأنا فيكم، فأنا حجيجهم معكم بعون الله وتسديده وتأييده وتوفيقه.
            ثم إن كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- الذي حكاه من قوله:
            "الاختلاف في مسائل الأحكام أكثر من أن ينضبط"
            ليس معناه إقرار اختلاف التضاد القائم على مصادمة النصوص ومعارضة أدلة الأحكام بالآراء والأهواء، وليس في ذلك ذريعة لأهل الأهواء والضلال أن يخالفوا أئمة الإسلام وعلماء الأمة في استنباط الأحكام الشرعية الذي لا يقدر عليه إلا الجهابذة الأفذاذ الراسخون في العلم، الذين أخذوا العلم عن أهله وصانوه ولم يضيعوه، ولم يخالفوا الأدلة وكلام أهل العلم عن جهل وهوى.
            فلا يجوز لأحد كهذا الدجال أن يجوِّز العمليات الانتحارية ويسميها استشهادية، في الوقت الذي يحكم فيه أهل العلم الذين هم أهله بأنها عمليات انتحارية، وهو -أعني الدجال- في الوقت نفسه يقول:
            «كذاب من يقول: إن العمليات الاستشهادية عمليات انتحارية»
            وهو بهذه النفخة الشيطانية يكذب أئمة العلم المقتدى بهم في هذا العصر، وما أكثرهم!!
            وما أردت هنا إلا التمثيل للدلالة على أن مثل هذا دجال يضع كلام أهل العلم في غير موضعه، وينزله على غير تنزيله، وكأنه مفوض في تغيير دين الله وأحكام الله -سبحانه-!! ولعل كلامه الخبيث في أمر المظاهرات يمر بنا، وإلا، فهو مخالف فيه لطرائق أهل العلم، قلت: بل سيمر بنا إن شاء الله.



            التعليق على الدرس الرابع والسبعين:



            ليلة الخميس الموافقة للحادي عشر من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وستة وعشرين من الهجرة.


            قوله:«وبعض الناس الجهلة الجهلة اللي بتحاول تُسقط العلماء، يرتكبون أكبر جرم في حق الدين، اللي عمّالـ .. اللي عاوزين يسقطوا أبا إسحاق، ويسقطوا محمد يعقوب ويسقطوا محمد حسان، ويسقطوا مصطفى العدوي، ويسقطوا... لمين؟ لصالح مين؟!
            هؤلاء أقسم بالله يرتكبون أكبر جرم في حق الدين، حين يُصَّر ويُصَمَّم على إسقاط هؤلاء الأفاضل، أنا مش من الأفاضل يعني، أسأل الله بس أنا أقصد إخوانا والله العظيم أكبر جرم يرتكب في حق الدين، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبصرنا، وأن يردنا إلى الحق ردًا جميلا.
            فياخوانا العلماء هم صمَّام الأمان -بفضل الله تبارك وتعالى- لهذه الأمة، والأمة التي لا تقدر علماءها لا شك أنها أمة ستُحرم من خير كثير، بل إذا رفع العلم، ولا يرفع العلم إلا بقبض العلماء، يقع الناس في الضنك والشقاء -إلا من رحم رب الأرض والسماء- كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"
            نسأل الله -عز وجل- أن يقر أعيننا جميعًا بنصرة الإسلام وعز الموحدين»
            الكلام بصوته من هنا: http://www.mediafire.com/?5hnhryj7hwx15ch
            قلت: تمثيلك للعلماء بمثل الحويني ويعقوب والعدوي وغيرهم من أمثالك وأمثالهم ظلم للعلم وأهله.
            ثم إن هؤلاء الجهلة الجهلة!! المذكورين في كلامك هم العلماء وطلبة العلم، فإن كانوا جهلة جهلة!! فلن يكونوا أكثر منك جهلاً.
            وأمثال هؤلاء من العلماء وطلبة العلم لا يسقطون العلماء، وإنما يسقطون أدعياء السلفية الكذابين المموهين الدجالين من شاهق، ويرشقونهم بسهام السنة الصائبة التي تشدخ رءوسهم بأشد من شدخ صخور الجبال لها، فيسقطونهم على أم رأسهم، ولا ينفعهم حينئذ ادعاؤهم ذاك الكاذب ولو حَلّقت بهم الطائرات في السماء أو مخرت بهم السفن في وسط البحار.
            وهم بذلك لا يرتكبون أدنى جرم في حق الدين، وإنما يقومون بواجب النصيحة للمبطلين، والتحذير منهم ومن باطلهم؛ صيانة للدين ودفعًا عن حمى الدين كيد المبطلين وكيد الحائمين حول حماه بالشر والفساد والابتداع، وكل ذلك يكون لمصلحة المسلمين، ولصالح الغيورين على حرمات هذا الدين من أن ينتهكها دجال من أمثالكم من الدجاجلة، وهذا من أعظم الأعمال وأرجاها لعظيم الثواب عند الله البر الرحيم الملك الوهاب، وكيف يقسم الدجال بالله على أن إسقاط المبطلين أكبر جرم في حق الدين؟!
            إن الذين يردون على هؤلاء الأدعياء وأمثالهم لم يشركوا بالله، ولم يأتوا بشيء من السبع الموبقات ولا بغيرها من الكبائر حينما ردوا باطل المبطلين وبدع المبتدعين، وتعالم المتعالمين، وحذلقة المتحذلقين، وتفيهق المتفيهقين، وثرثرة الثرثارين، وتشدق المتشدقين، وتنطع المتنطعين، وتكلف المتكلفين، ودعاوى الأدعياء الكاذبين، ومكر الماكرين، ومراوغة المراوغين، وخداع ومخادعة الخادعين المخادعين، وفتنة الفاتنين المفتونين، وترأس الجاهلين، وأيمان الكاذبين، وطعن الطاعنين في أئمة المسلمين وفي منهج السلف الصالحين وفي العلماء الربانيين الذين عقدوا لواء السنة، ونقضوا لواء البدعة، وراية الشيطان.
            ونقول لهذا الدجال: لصالح ولمصلحة مَنْ منافحة من ينافح عن أهل الأهواء والأدواء، ومن يواليهم، ويقعد القواعد الكاسدة والأصول الفاسدة من أجلهم ومن أجل موالاتهم، وهو في الوقت نفسه يطعن في السلفيين، ويشوه منهجهم وسيرتهم الحين بعد الحين؟!
            نعم، العلماء صمام أمان للناس بفضل الله تبارك وتعالى، فلولا الله ثم العلماء لهاج الناس وماجوا، واضطربت أحوالهم، وخرج الخوارج من كل فج عميق، يعيثون في ديار الإسلام فسادًا، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، وينتهكون الأعراض، ويخيفون السبيل، ويروعون الآمنين، ويبدلون الدين، ويطمسون معالمه، ويسفهون الراشدين من العلماء والصالحين، ويطعنون فيهم بما هو أشد ضررًا من حزهم بالسكين([1])، لكن من هم هؤلاء العلماء؟!
            إنهم يُعرفون بالإشارة فضلاً عن التصريح بالعبارة من أمثال عبد العزيز بن باز، والألباني، وابن عثيمين، والوادعي، والمدخلي، والنجمي، والفوزان، وغيرهم من أئمة الإسلام الذين جابهوا أهل الأهواء، وفندوا منهم الأدواء، ووضعوا جميل الدواء، ولكنه لم يجد محلاً قابلاً عند هؤلاء الضالين المضلين، وما الحيلة إذا عجز الأطباء؟!
            وأمثال هؤلاء العلماء الأطباء لابد من توقيرهم، وتحقير من طعن فيهم، ولابد من تقديرهم حق قدرهم حتى لا يشتبه العالم بغير العالم، والسني بالبدعي، والمحق بالمبطل، ولا شك في أن الأمة ستحرم من خير كثير بالطعن في العلماء وإذا رفع العلم -ولا يرفع العلم إلا بقبض العلماء- يقع الناس في الضنك والشقاء إلا من رحم رب الأرض والسماء، كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- المذكور في كلام الدجال.
            أما نفيك عن نفسك كونك من الأفاضل، فهذا صدق وحق واقع لا تواضع.
            والدجال يحاول أن يعمي الأعين ويذر فيها الرماد حتى لا ترى الواقع، ألا وهو سقوط مثله ومثل الحويني ويعقوب والعدوي وغيرهم ممن هم على شاكلتهم وينسجون على منوالهم، فينسب إلى هؤلاء الجهلة الجهلة!! على حد تعبيره -وهو يعني السلفيين- محاولة إسقاط أمثال هؤلاء المذكورين، فيظهرهم على أنهم لم يَسقطوا، وإنما هي محاولات لإسقاطهم، والحقيقة المجحودة هي أنهم سقطوا من علُِ([2])، وعُرفوا وكُشفوا وفُضحوا، والله -عز وجل- هو الذي يخفض ويرفع ويعز ويذل، له الأمر كله، وهو على كل شيء قدير، وهذا من جملة خداع الدجال لقومه، فالرجل ليس بناصحٍ ولا أمين.
            وتأمل أخي السلفي قوله: «وبعض الناس الجهلة الجهلة»
            وقارن بينه وبين قوله: «مش هتلائي عندي تجريح لحد، ولا إلة أدب على حد، مش هتلائي عندي، مهما تثِرني، مش هتلائي عندي، بفضل الله عز وجل» في درسه الأول في هذا الرد، تعلم مدى دجله وكذبه.
            أم الرمي بالجهل المؤكد باللفظ مع حنق وغيظ ليس تجريحًا؟! نعوذ بالله من الكذب.
            ولو تأمل متأمل في سياق قوله: «وبعض الناس الجهلة الجهلة» قاصدًا هو بذلك السلفيين، علم أن الدجال لم يثره أحد ليقول هذا الكلام، وإنما تطوع به تطوعًا، فدل على كذبه في ادعائه بقوله: «مش هتلائي عندي تجريح لحد، ولا إلة أدب على حد، مش هتلائي عندي، مهما تثِرني، مش هتلائي عندي، بفضل الله عز وجل»
            وتأمل ما قال حينما أثار نفسه، فكيف لو أثاره مثير أو مثيرون؟!
            قاتل الله الدجالين الكذابين.


            تم الفراغ منه في ليلة الأربعاء، الموافق الثالث من جمادى الأولى، لسنة


            اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية


            على صاحبها الصلاة


            والسلام.



            وكتب


            أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


            أبو عبد الله



            يتبع إن شاء الله









            1- قلت: كتبت هذا الكلام قبل وقوع فتن الخوارج اليوم، ولله في خلقه شئون، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى كلٍّ فكلام أهل العلم إن لم يمنع من خروج الخوارج من أصله، فلا أقل من أنه يقلل منه، وإن لم يكن هذا ولا ذاك، فكلام أهل العلم حجة لأهل السنة حجة على الخوارج، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، فلا يجوز الطعن في أهل العلم بخروج الخوارج اليوم أو بعد اليوم، كما لم يجز الطعن في السلف الصالح والتابعين لهم بإحسان بخروج الخوارج في عهد علي -رضي الله عنه- أو بعد عهده، فهذا الخروج وذاك وإن كان مخالفًا للسنن الشرعية، فإنه موافق للسنن الكونية التي لا يستطيع لها أهل العلم تبديلاً ولا تحويلاً، قال تعالى: {ولن تجد لسنة الله تبدييلاً وتجد لسنة الله تحويلاً}

            [2]- بضم اللام وكسرها، كما في اللسان.

            تعليق


            • #7
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              استدراك:
              وقع مني خطأ كتابي في الدرس السادس والستين في الأثر المتعلق بزائدة حيث كتبتُ: "... ومتى كان الناس يشتمون أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؟!"
              والصواب: " ... أبا بكر وعمر ..."
              وجزاكم الله خيرًا

              أبو عبدالله (أسامة)
              التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 09-04-2011, 11:37 AM.

              تعليق


              • #8
                التعليق على الدرس الثالث بعد المائة الأولى :



                ليلة الجمعة الموافقة: للسادس عشر من شهر صفر لعام ألف وأربعمائة وسبعة وعشرين من الهجرة.


                قوله:«قال الشوكاني -رحمه الله-: "وهذا النهي عن التفرق والاختلاف -هه كلام غالي أوي- وهذا النهي عن التفرق والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية، يختص بالمسائل الأصولية، وأما المسائل الفروعية والاجتهادية فالاختلاف فيها جائز، وما زال الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم مختلفين في أحكام الحوادث"
                أظن الكلام واضح جدًا، أؤول تاني: "وهذا النهي عن التفرق والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية"
                أنا عاوز شبابنا يتعلم هذا الدرس، عشان التنازع والتشرذم والتهارج اللي احنا فيه يزول بئه؛ لأن القضية مش قضية علم دا قضية دا دا سببها الجهل، سبب هذا التشرذم ياإخوة الجهل ثم الهوى ثم الهوى، لن تجد سببا ثالثا، الجهل والهوى، هذا التشرذم والتهارج الذي تراه الآن على ساحة العمل الإسلامي له سببان، لا، لن تجد لهما سببًا ثالثًَا.
                تستطيع أن تدرج أي سبب يخطر بذهنك تحت سبب من هذين السببين: الجهل والهوى، الجهل والهوى، يحتاج إلى العلم وتصحيح النية.
                والعلم علم بفقه الخلاف، علم بأدب الخلاف، وتجديد النية التجرد والإخلاص.
                لن تجد إطلاقًا لهذا التشرذم إلا هذين السببين، وإلا هذين العلاجين أو الدواءين الجهل والهوى، خلاص أنا بختلف معاك في مسألة من مسائل الأحكام في ميت مسألة مفيش مشكلة، صحيح الحق في أي مسألة واحد لا يتعدد، مفيش حقان في مسألة واحدة أبدًا، الحق في أي مسألة واحد لا يتعدد، ولو شاء الله أن ينزل الشريعة قواطع لأنزلها قواطع، حلال حرام، حلال حرام، حلال حرام، لكن لم يفعل الله -تبارك وتعالى- ذلك، لو شاء الله أن ينزل الشريعة قواطع لأنزلها قواطع.
                إذًا الاختلاف في مسائل الفروع في مسائل الاجتهاد في مسائل الأحكام أمر سائغ جدًا وأمر وارد، ولا ينبغي أن تنكر فيه على المخالف، وأن تشنع عليه، وأن تشغب عليه، وأن تتهمه في نيته وفي دينه، هذا مرض العمل الإسلامي، ربما يعني يشغب على النية، مع إن المسألة من مسائل الأحكام من مسائل الفروع من مسائل الاجتهاد، وقد ضربت أمثلة عديدة بالسبحة، بوضع اليد على الصدر، بالنزول على اليدين، بالنزول على الركبتين، بالإشارة بالسبابة، التحريك ولاّ التثبيت، كلها مسائل اجتهاد، كلها مسائل فروع فروع، لا يجوز لك إطلاقًا إن أخذت برأي أن تشغب على المخالف، أو أن تسفهه أو أن تنال منه أبدًا، بل فضلاً عن أن تكرهه، فضلاً عن أن تبغضه مثلاً، فضلاً عن أن تتهم أخاك في دينه؛ لأنه يأخذ بقول لأهل العلم في مسألة من هذه المسائل الفروعية أو الاجتهادية.
                تدبر معي قول الشوكاني -رحمه الله- يقول: "والنهي عن التفرق والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية، أما المسائل الفروعية والاجتهادية فالاختلاف فيها جائز، وما زال الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم مختلفين في أحكام الحوادث"
                قال الشاطبي في موطن آخر: "إنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع -اسمع اسمع- واقع ممن حصل له محض الرحمة من الصحابة ومن اتبعهم بإحسان"
                معايا ولا الكلام تئيل؟ تاني! حاضر، ركِّز، الدرس دا مهم جدًا، عشان إنو عيب أوي يجي بئه طالب علم يُعُّد يؤلك: لأ دا الفريق اللي صلّى هو المحق، والفريق التاني هو اللي أخطأ، عيب أوي، فخلي بالك من تأصيل المسألة، قال الشاطبي -رحمه الله-:
                "إنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة وهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان -رضي الله عنهم- بحيث لا يصح إدخالهم في قسم المختلفين بوجه، فلو كان المخالف منهم في بعض المسائل معدودًا من أهل الاختلاف ولو بوجه ما لم يصح إطلاق القول في حقه أنه من أهل الرحمة وذلك باطل بإجماع أهل السنة كما في قوله -تبارك وتعالى-: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"
                قال الشاطبي -أيضًا-: "ثبت -في الموافقات، الكتاب الممتع في الموافقات- ثبت أنه لا اختلاف في أصل الشريعة -يا الله، دا كلام غالي جدًا، والله العظيم غالي- ثبت أنه لا اختلاف في أصل الشريعة -الأصل واضح- ثبت أنه لا اختلاف في أصل الشريعة، ولا هي موضوعة على وجود الخلاف فيها أصلاً، ولا هي موضوعة على وجود الخلاف فيها أصلاً يرجع إليه مقصودًا من الشارع الحكيم"
                يعني الخلاف مش موضوع دا أصل في هذه الشريعة أبدًا، بل ذلك الخلاف راجع إلى أنظار المكلفين، الله! بل هذا الخلاف راجع إلى أنظار المكلفين، يبئى رحم الله من قال:

                وليس كل خلافٍ جاء معتبرًا *** إلا خلافًا له حظ من النظر


                وليس كل خلافٍ جاء معتبرًا *** إلا خلافًا له حظ من النظر

                يبئى الخلاف المعتبر خلاف له أدلة كل فريق له أدلته، مسائل الخلاف المعتبر كل فريق له أدلته.
                طيب أمّال الخلاف دا بيقع بسبب إيه؟
                خلي بالك، وبين أيدينا حديث عبد الله بن عمر، من أعظم أسباب وقوع الخلاف في مسائل الفروع والاجتهاد والأحكام اختلاف المكلفين في فهم الأدلة، اختلافهم في فهم الأدلة، الرسول قال دليلاً صريحًا: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة " الدليل واضح، وقع الخلاف بسبب اختلافهم في فهم الدليل كما بينت.
                أنا عاوزك تتصور أن المعلم كان للصحابة كان معلمًا واحدًا -صلى الله عليه وسلم- كان مربيًا واحدًا، ومع ذلك اختلفوا مع وضوح الدليل، فأرجوا أن تتصور الآن حجم الاختلاف مع وجود آلاف المعلمين وآلاف المربين من العلماء والمشايخ والدعاة وطلاب العلم مع ضعف القريحة وقلة الفهم للغة وابتعادهم عن لغة العرب إلى غير ذلك من الأسباب، لا شك أن حجم الاختلاف سيكون أكبر وأوسع، فلنتعلم أدب الخلاف وفقه الخلاف، فلنتعلم أدب الخلاف وفقه الخلاف.
                من أعظم الأسباب للم الشمل بين العاملين لدين الله تبارك وتعالى أن نتعلم أدب الخلاف وفقه الخلاف، أسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا.
                طيب بالمرة بسرعة كده عشان تبئى المسألة كلها اكتملت، الحديث المشتهر مش هئول المشهور حتى لا يفهم منه المراد عند علماء الحديث، المشتهر على ألسنة كثير من (العلماء) بل والدعاة وطلاب العلم، بل هو موجود في كثير من الكتب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اختلاف أمتي رحمة"
                الحديث كما ذكرت لا يصح سندًا ولا متنًا، أما المتن فقد اتضح بعد ذكر الآيات والأحاديث.
                الحديث رواه الإمام البيهقي في المدخل، بسند لا يصح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- الإسناد فيه ثلاث علل، وقد بيَّنت ضعف المتن، العلة الأولى:
                الانقطاع بين الضحاك وابن عباس، الانقطاع بين الضحاك وابن عباس.
                العلة الثانية: سليمان بن أبى كريمة، رجل من رجال الإسناد، سليمان بن أبى كريمة ضعفه أبو حاتم الرازي.
                العلة الثالثة: رجل من رجال الإسناد يقال له جويبر، رجل من رجال الإسناد يقال له جويبر، قال النسائي فيه: متروك الحديث، وقال الدارقطني: يروي عن الضحاك -اللي وقع الانقطاع بينه وبين ابن عباس- يروي عن الضحاك أشياء موضوعة، وهذا الحديث من رواياته عنه، جويبر يروي عن الضحاك أشياء موضوعة وهذا الحديث من رواياته عنه.
                وبالجملة كما ذكرت لا يوجد دليل من القرآن ولا من السنة ولا من أقوال السلف الصالح ولا من علمائنا وأئمتنا ممن تبعهم بإحسان، يدل على أن الخلاف رحمة بل هو شر، كما قال ربنا وكما قال نبينا وكما قال سلفنا الصالح -رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-.
                إذًا أيها الأحبة يعنى أردت أن أقف هذه الوقفة الفقهية لنتعلم أنه لابد من أن نقف على فقه الخلاف وعلى أدب الخلاف حتى لا تتسع الهوة بين العاملين للإسلام، أسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يوحد صفنا، وأن يعلمنا، وأن يفهمنا، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
                قال ابن إسحاق، والحديث مرسل أخرجه ابن جرير في التاريخ، والبيهقي في الدلائل، وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، كلهم من طريق ابن إسحاق، وسند ابن إسحاق مرسل كما ذكرت.
                قال ابن إسحاق: ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بئر من آبار بني قريظة من ناحية أموالهم يقال له: -أي للبئر- بئر أنَّى، يقال له: بئر أنَّى، يبئى خرج النبي مع أصحابه إلى بني قريظة، ولم يعنف النبي فريقًا من الفريقين، بل جمَّع النبي الصحابة جميعًا في فريق واحد، وقاتل بهما بني قريظة، وأسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا لنكون صفًا واحدًا ضد أعدائنا الذين يكيدون لنا ولديننا ولديننا في الليل والنهار.
                أنا لا- سبحان الله- أقول: متى تلتقي الصفوف؟ أقصد صفوف أهل السنة، فمش عَوزين يعني مباحكات، يعني الأمر لا يحتاج والله إلى مباحكات حينما نقول نريد يعني توحيد الصف، الأمر لا يحتاج إلى أي مباحكة بأن الشيخ عاوزها سمك لبن تمر هندي، أنا أعتقد أمر منبوذ جدًا أن يقال هذا، إنما حين ننادي بوحدة الصف فنحن ننادي بوحدة الصف لأهل السنة، أما أن تتحد الصفوف مع أهل البدع والضلالات، هذا لا يمكن أبدًا، يعنى لا يقول به أصغر طالب علم يحضر هذا المجلس أبدًا، فضلاً عن طالب علم لبيب، فنحن ندعو إلى وحدة الصف، نعم على القرآن والسنة بفهم الصحابة بفهم السلف؛ لأن وحدة على غير هذا المنهج يا إخوة تفرق ولا تجمع أبدًا، وتجرح ولا تضمد الجراح أبدًا، إنما وحدة صف قدرية على رافضية على خوارج على مبتدعة مستحيل مستحيل، مستحيل تلتقي الأمة على هذا الغبش.
                الأمة ما التقت ولن تلتقي إلا على منهج واضح صافي، قرآن وسنة بفهم السلف، هو دا المنهج، فالأمر لا يحتاج بعد ذلك إلى مباحكات باردة، قال: الشيخ يقصد كذا، لا أخي هذا كلام خطير جدًا، الأمة ما التقت ولن تلتقي إلا على المنهج الواضح قرآن وسنة بفهم السلف، بفهم الصحابة، بفهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأصحاب النبي، ومن تبعهم بإحسان إلى هذا اليوم وإلى يوم الدين، أسأل الله أن يوحد صفوف الأمة، وأن يؤلف بين قلوبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه»
                كلامه بصوته من هنا:http://www.mediafire.com/?drr5e6y9tsd9n16
                أقول بخصوص كلام الشوكاني الذي نقله الدجال، أقول له:
                إنكم تجعلون الأصول فروعًا، ولا توقعون كلام الشوكاني موقعه، ومن المعلوم مخالفة فرقة الإخوان المسلمين وفرقة التبليغ وغيرها من الفرق الزائغة لاعتقاد منهج السلف الصالح -رضي الله عنهم- وقد بدعهم العلماء، ووسموهم ووصموهم بالبدعة والزيغ والضلال، ولكنك أنت وأشباهك لستم في ركب العلماء، فلا أنتم في العير ولا في النفير، فلا يكاد يجد السلفي مسألة إلا ويجد فرقة الإخوان المسلمين وغيرها مخالفة فيها منهج السلف، وقد أُلّف في الرد على فرقة الإخوان والتبليغ وغيرها الكتب والرسائل للعلماء ولطلبة العلم، ولا زلتم تنافحون عن تلك الفرق وتدافعون عنها وتحامون عنها وتوالونها، وتعادون من أجل موالاتها أهل السنة ومذهبهم، سالكين في سبيل تشويه المنهج السلفي وأهله سبلاً شيطانية متعددة.
                فلا تنزل كلام الشوكاني على غير تنزيله، ولا تضعه في غير موضعه، والشوكاني وأمثاله بريئون من أمثال هؤلاء المحرفة المعطلة للمعنى المراد من كلام المتكلم، وليس معنى قول الشوكاني الآتي الذي لم أراجعه -كما هو الشأن في غيره مما نقله عنه-:
                «أما المسائل الفروعية والاجتهادية فالاختلاف فيها جائز»
                ليس معناه مخالفة النص أو الدليل بلا حجة ولا برهان، وإنما معناه جواز الخلاف بين المجتهدين، وأنه جائز بضوابطه، أو نحو ذلك في مثل ذلك، وأنه واقع بين أهل السنة بلا تبديع ولا تضليل، لا أنه يجوز أن يخالف الجاهل العالم، ولا يخالف أحد الدليل بلا حجة ولا برهان!!
                فالشوكاني إمام مجتهد رفيع القدر، لا يتدنى مثله ولا من هو دونه إلى اعتقاد أنه يجوز مخالفة النص أو الدليل بلا حجة ولا برهان، وإنما مقصوده جواز وقوع اختلاف الأفهام في المسألة الواحدة والنص الواحد والدليل الواحد، والمقصود -أيضًا- أفهام أهل الأفهام، لا أفهام أهل الأهواء والأوهام، فلا تُحمل كلام الأئمة ما لا يحتمله ولا يتحمله، ولو قال الشوكاني بجواز مخالفة النص أو الدليل بالرأي أو الهوى وبلا حجة ولا برهان يسوغ مثله في باب الخلاف في مثل هذه المسائل الفروعية والاجتهادية، أقول:
                لو قال الشوكاني بجواز ذلك -وحاشاه أن يقول بذلك- لكان قولاً مردودًا عليه، بل لو قاله من هو فوق الشوكاني وأرفع منه قدرًا ورتبة وجلالة لكان قوله مردودًا عليه.
                أما ما نقله الدجال من قول الشوكاني:
                «وما زال الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم مختلفين في أحكام الحوادث»
                فهو يؤكد صدق ما قلته لك من مقصود كلام الشوكاني، من جهة أن الصحابة كلهم عدول، والعدول لا يتبعون أراءهم ولا أهواءهم في مقابلة النص أو الدليل، وكذلك التابعون وأتباع التابعين فإنهم خيار عدول في الجملة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))
                فهذه هي قرون الخيرية، أعني القرون الثلاثة المفضلة، قرن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه، ثم قرن التابعين، ثم قرن أتباع التابعين، إلى آخر المائة الثالثة.
                ثم إن الشوكاني يرد في كتبه الفقهية على المخالفين، وينكر عليهم، فلو كان يجوز مخالفة النصوص بالرأي والهوى لما رد على المخالفين منكرًا عليهم، وما أكثر هذا في كتبه تلك!!
                فهذا الصنيع منه يؤكد صدق ما قلته لك أيضًا من حمل كلام هذا الإمام الذي نقله هذا الدجال في هذا الموضع على محمله الصحيح الذي يليق بمثل الشوكاني -رحمه الله، ورضي عنه- ولا رضي عن أهل التحريف ولا رحمهم.
                فأهل الأهواء أهل تحريف، إن لم يحرفوا اللفظ حرفوا المعنى، فشأنهم التحريف، إما للمعنى وإما للفظ والمعنى معًا.
                فلا تؤصل -قصدت أم لم تقصد- هنا لفرقة الإخوان المسلمين السائرين على درب تقسيم الدين إلى لب وقشور، وإلى التفريق بين اللب والقشور، والاهتمام والتأكيد على اللب قبل القشور، وهذا مع كونه إساءة أدب وقلة أدب منهم مع دين الله وأحكامه، فهم لا باللب استمسكوا ولا للقشر حفظوا، على أن القشر -لو صح هذا التعبير- لكان حافظًا لهذا اللب؛ إذ هو بمثابة السياج الحافظ له، شأنهم كما قيل:
                إن المُنْبَتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
                أما التشرذم والتنازع والتهارج الذي نحن فيه فهو -في الحقيقة- بسبب جهل أدعياء السلفية وإخوانهم من فرق الضلال بدين الله تعالى، واتباعهم لأهوائهم في مقابلة النصوص، فهم المفرقون للأمة، ومع ذلك يلقون عن عواتقهم وكواهلهم عهدة ذلك، ويتهمون بذلك السلفيين ظلمًا وعدوانًا.
                إن السلفيين سلفهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه، فالمذهب السلفي قائم ولله الحمد على امتداد القرون والعصور، أما هذه الفرق الزائغة فهي وليدة اليوم أو الأمس القريب.
                فهل كانت الأمة مفرقة حتى جاءتها تلك الفرق الزائغة من الإخوان والتبليغ وغيرها إضافة إلى أدعياء السلفية الكذبة الخونة لينتشلوها من الفرقة، وليأخذوا بيدها إلى شاطئ وصف الوحدة؟!
                أفٍ ثم أف ثم أف لمن قلبوا الأمور والحقائق، وألقوا بعهدة الفرقة المذمومة على كواهل السلفيين، واتهموا الأبرياء الأولياء لله -عز وجل- بما هم منه براء.
                أما نفيك الإشكال عن اختلافك مع غيرك في مسألة من مسائل الأحكام أو في مائة مسألة، هكذا بإطلاق النفي فيه -أصلاً- إشكال، إذ لابد من التفصيل.
                فإن كان الخلاف خلاف أفهام أهل العلم فيما بينهم لا اختلاف تضاد، فنعم، أما إذا كان الخلاف خلاف تضاد، فلا وألف لا، إذ لا يجوز مثل هذا الاختلاف ولو في مسألة واحدة، سواءٌ كان المختلفون جميعًا أهل علم أم كانوا من أهل العلم والهوى؛ لأنا نقول:
                إذا كان لا يجوز إمرار وتسويغ مثل هذا النوع من الخلاف ولو كان بين أهل العلم، فعدم جواز إمراره وتسويغه إذا كان المخالف لأهل العلم أهل أهواء من باب أولى، على أننا لا نتصور أحدًا من أهل العلم والتقى والخشية لله يخالف النص عن هوى عمدًا، فانحصر خلاف التضاد بين أهل العلم وأهل الجهل، وكذلك بين أهل العلم والسنة وأهل الهوى والبدعة، ولا شك في أن أهل الهوى والبدعة أهل جهل أيضًا، لكن جهلهم ليس كجهل الأولين، فجهل الأولين المذكورين هنا جهل بسيط، وجهل أهل الهوى والبدعة جهل مركب.
                وهذا هو ما عليه أهل الأهواء والبدع من الفرق الزائغة اليوم من الإخوان المسلمين والتبليغ والقطبية والسرورية والحدادية وغيرهم من أشباههم ونظرائهم وإخوانهم في الضلال كأدعياء السلفية الفاتنين المفتونين، فصاحب الجهل البسيط لا يدري، وصاحب الجهل المركب لا يدري أنه لا يدري، مع اعتقاده أنه يدري، فمصيبته أعظم، وبلاؤه أشد.
                قال الدجال -مفتريًا على الله وعلى شرعه ودينه-:
                «ولو شاء الله أن ينزل الشريعة قواطع لأنزلها قواطع، حلال حرام، حلال حرام، حلال حرام، لكن لم يفعل الله تبارك وتعالى ذلك، لو شاء الله أن ينزل الشريعة قواطع لأنزلها قواطع»
                قلت: هذا فيه اتهام للشريعة بأنها مجملة، وغير مبينة، وأنها مشكلة ونحو ذلك، وهذا اتهام يستحق صاحبه التعزير المناسب الرادع له ولأمثاله المتجرئين على القول على الله وعلى دينه وشرعه بلا علم، بل يحتاج إلى تعزير شديد وإلى دِرَّة كدرة الفاروق أبي حفص عمر -رضي الله عنه-.
                إن الله أنزل الشريعة -بحمد الله- مبينة مفصلة، قال -تعالى-:
                {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
                وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةًوَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }
                وقال: {فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}
                وقال: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
                وقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}
                وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}
                وقال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
                وقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}
                وقال: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}
                وقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}
                وقال النبي -صلى الله عليه وعى آله وسلم- عن الله: ((كل مالٍ نحلته عبادي حلال))
                وقال: ((الحلال بين والحرام بين))
                أما الشبهات المذكورة في قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في تتمة الحديث: ((وبينهما مشبَّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه)) كما رواه البخاري بهذا اللفظ في صحيحه برقم (52) أقول: أما الشبهات المذكورة في هذا الحديث فهي عند التحقيق في حيز المباح كما في الفتح للحافظ ابن حجر -رحمه الله- قلت: لأن الأصل في الأشياء الحِل، يبين هذا ما رواه البخاري في صحيحه برقم (2051) بلفظ: ((الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شُبِّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يوشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه))
                قلت: وقول النبي -صلى الله عليه على آله وسلم-: ((لا يعلمها كثير من الناس)) ليس فيه نفي علم كل الناس لهذه الشبهات، فهي معلومة بينة عند آخرين، أما قوله: ((ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه))
                وقوله: ((ومن اجترأ على ما يوشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان))
                فليس فيه أن من وقع في الشبهات وقع في الحرام جزمًا؛ لأن أوشك ويوشك من أفعال المقاربة، أي مقاربة وقوع الفعل، وفرق بين مقاربة الوقوع والوقوع، فليست مقاربة الوقوع هي الوقوع، وهذا بين جلي.
                أما ما جاء في صحيح مسلم برقم [107-(1599)] بلفظ:
                ((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) فمحمول على ما ذكرناه، أي من مقاربة الوقوع لا الوقوع نفسه، وهذا كقول مقيم الصلاة: قد قامت الصلاة، مع أنها لم تقم بعدُ، وكقول القائل عند تضيف الشمس وميلها للغروب: قد غربت الشمس؛ للدلالة على القرب، لا على تحقق الغروب، يؤكد هذا تتمة لفظ مسلم المتفق مع معنى لفظي صحيح البخاري، ألا وهو قوله بعدُ:
                ((كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه))
                وقال الله -عز وجل-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}
                وقال: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
                إلى غير ذلك من الأدلة القرآنية والنبوية التي تدل على أن هذا الدين وهذه الشريعة السمحة اليسيرة مفصلة تفصيلاً ومبينة تبينًا، فهي على التفصيل والبيان قواطع مجزوم بها، لا تشتبه إلا على من أعمى الهوى أو الجهل أو كلاهما معًا بصيرته، فخبط خبط عشواء، وركب متن عمياء.
                إن الشريعة مفصلة مبينة أيها الدجال، فليست مجملة، ولا مبهمة، ولا مشكلة، ولا مهملة من التفصيل والبيان .
                قال الدجال -محاميًا عن نفسه وعن أمثاله وإخوانه الذين يواليهم من فرقة الإخوان المسلمين وغيرهم من فرق الزيغ والضلال عند أهل العلم-:
                «إذًا الاختلاف في مسائل الفروع، في مسائل الاجتهاد في مسائل الأحكام أمر سائغ جدًا، وأمر وارد، ولا ينبغي أن تنكر فيه على المخالف وأن تشنع عليه وأن تشغب عليه، وأن تتهمه في نيته، وفي دينه ...»
                قلت: قد قال -تعالى-: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}
                وتأمل كلمة {سُوءًا} فإنها نكرة في سياق الشرط تفيد العموم.
                وقد قال -تعالى-: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}
                وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
                فقد نهى الله عباده المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان بعد أمره لهم بأن يدخلوا في السلم -أي الإسلام- كافة بأن يأخذوه بجميع شرائعه، ثم توعد من زل من بعد البينات كما في الآية الأخيرة هنا.
                فالاختلاف الذي هو من نوع خلاف التضاد، أي الخلاف المصادم للنص والدليل، يُرد على صاحبه، وينكر على صاحبه المخالف، ويشنع عليه، ويتهم في نيته وفي دينه إن عاند وكابر بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة، ولم يكن لديه عذر يُعتذر بمثله أو يَسوغ مثله، ولو كانت هذه المسألة المختلف فيها من مسائل الاجتهاد أو مسائل الأحكام أو مسائل الفروع، على فرض التسليم بصحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع، ومتى وقع هذا التقسيم في كلامنا فهو إما أن يكون على سبيل التنزل على هذا الاصطلاح، وإما أننا لا نقصد ما يقصده أهل هذا الاصطلاح من أهل البدع والأهواء من القصد السيء كالتحقير أو الاستهانة أو الاستخفاف بشيء -أي شيء- من شرع الله -سبحانه وتعالى- أو نحو ذلك من الأغراض السيئة.
                ولقد أنكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على معاذ بن جبل لما أطال الصلاة -صلاة العشاء- بقومه ذات ليلة فقال له: ((أفتان أنت يا معاذ)) وغضب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند ذلك غضبًا شديدًا، حتى قال الراوي: فما وجدت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غضب في موعظة كغضبه يومئذ، فقال: ((أفتان أنت يا معاذ)) وفي رواية: ((أفأتن أنت)) وفي رواية: ثلاثًا
                وقال: ((إن منكم منفرين، من أم بالناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة)) أو كما قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
                ولما قيل لابن مسعود: إن أخاك أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- قد أفتى بأن للبنت النصف ولبنت الابن النصف الباقي ولا شيء للأخت، وذكروا له أنه قال لهم: اذهبوا لابن مسعود فاسألوه وسيوافقني أو سيتابعني، فلما سألوه وأخبروه بجواب أبي موسى -رضي الله عنه- قال: لو قلت بقوله لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، أقول فيها بقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للأخت.
                فتأمل كيف أنكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على معاذ وعنَّفه وغضب بشأن ذلك غضبًا شديدًا، مع أن معاذًا لم يترك الصلاة، وإنما طول في الصلاة فحسب.
                وتأمل شدة قول ابن مسعود -رضي الله عنه-.
                وقد قال-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                ((لتسسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم))
                فيكون لكل واحد وجهة بما يدل على تنافر القلوب واختلافها، أو ليجعلن الوجوه في الأقفاء كما مر بي في الفتح، والأول أظهر.
                إذا علمت ما سبق وما سقته لك من الأمثلة، فتأمل قول ابن حسان في عدم الإنكار والتشنيع وغيرهما على من كان خلافه فيما كان هذا سبيله، يظهر لك فساد قوله بجلاء.
                ولدجال أن يقول كلما حاججتَه في مسألة ما، وأنكرتَ عليه، وشنعت عليه: ليست هذه المسالة من مسائل الأصول، ويكون ضابطه فيه الهوى، وقد علمت أن باب الإنكار جائز فيما يسمونه المسائل الفروعية أو الاجتهادية أو مسائل الأحكام، وقد ضربت لك بعض الأمثلة، لم أعمد فيها إلى الاستقصاء والحصر.
                على أن كل مخالف بحسبه، وكل مخالفة بحسبها، وكل إنكار بحسبه، وكل تشنيع بحسبه، فلا يتلاعبن أحد بالسلفيين بإرساء قواعد الضلال التي ينافح بها عن أهل الضلال.
                وأهل العلم قديمًا وحديثًا لا يزالون يرد بعضهم على بعض، وينكر بعضهم على بعض في مثل هذه المسائل التي يسمي مثلها الدجال فروعية أو اجتهادية أو مسائل أحكام، ولا حصر للكتب المؤلفة في هذا الباب، ولكن ما الحيلة في الأعمى الذي لا يبصر موضع قدمه فضلاً عن موقع نبله؟!
                ثم إن الأمثلة التي ذكرها تجري مجرى التفصيل الذي ذكرناه، فالجاهل وصاحب الهوى ليس له أن يخالف العالم السني، أما المجتهدون في المسائل التي يسوغ في مثلها الاجتهاد، فليس اجتهاد أحدهم حجة على غيره فيها ما دام وصف الاجتهاد منطبقًا عليه.
                إذا علمت ذلك فاعلم أن المخالف في تلك المسائل التي يسميها فروعية أو اجتهادية أو مسائل أحكام، إن كان خلافه خلاف تضاد بأن يكون المخالف جاهلاً لا حجة له، ويضرب في صدر الدليل، أو كان المخالف صاحب هوى متبعًا لهواه، مقدمًا له على النص والدليل، اعلم أن مثل هذا المخالف يجوز شرعًا بغضه، وتسفيهه، والنيل منه، وكراهته، والإنكار عليه، والتشنيع عليه، واتهامه ما دام هذا حاله، وهذا شأنه من الإعراض عن الحجة واتباع الهوى، وقد اشتد نكير ابن عمر -رضي الله عنه- على أحد أولاده وكان يدعى بلالاً، لمّّا روى ابن عمر -رضي الله عنهما- حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))
                فقال له ولده بلال: "والله لنمنعهن إني أخشى أن يتخذنه دغلاً" أي ريبة ونحو ذلك، فأقبل ابن عمر -رضي الله عنهما- على ولده يسبه سبًا شديدًا، ويقول: أقول قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وتقول: "والله لنمنعهن"
                وها أنت ترى -أيها اللبيب- أن ولد ابن عمر خشي أن يتخذ النساء المساجد للفتنة، ولكن لما كان هذا الدغل الذي خشيه غير واقع، وكان قوله مقابلاً لنص حديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عنفه والده، وهو ابن عمر -رضي الله عنهما-.
                وهل ذهاب النساء إلى المساجد هو من المسائل الأصولية، ومنعهن يعد منعًا لتحقيق وتحصيل مسألة أصولية عنده؟!
                أضف هذا إلى ما سبق ذكره من الأمثلة، ومنها -أيضًا- أن أحد الصحابة، وهو عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- رأى فتى أو شابًا يخذف بالحصى فقال: لا تخذف فإني سمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ينهى عنه ويقول:
                ((إنه لا يصيد الصيد، ولا ينكي العدو، وإنما يكسر السن ويفقأ العين))
                ثم رآه يخذف، فقال: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه نهى عن الخذف وتخذف!! لا كلمتك كذا وكذا.
                فهل الخذف مخالف للمسائل الأصولية عنده؟!
                فما ذكرتُه من الأمثلة دال على الإنكار والتشنيع على المخالف في المسائل التي يسميها أمثاله مسائل فروعية أو من مسائل الأحكام، ودال أيضًا على الزجر والهجر لمن اتبع هواه، وخالف في مثل هذه المسائل، خلافًا لما يدندن به هذا الدجال.
                وبناءً على ما سقته من الأدلة والأمثلة يكون الفتان بين أحد أمرين: إما أن يقول بأن تخفيف الصلاة، وترك الخذف، وترك نهي النساء عن المساجد، وتسوية الصفوف في الصلاة ونحو ذلك من مسائل الأحكام هي من المسائل الأصولية عنده -وهذه المحاكمة منا من باب التنزل على هذا التفريق منهم بين المسائل الأصولية والمسائل الفروعية- وإما أن يقر ويسلم بالإنكار والتشنيع والزجر والهجر ونحو ذلك في تلك المسائل الفروعية.
                أما ما نقله من كلام الشاطبي المتعلق بالقطع بوقوع الخلاف في مسائل الاجتهاد من الصحابة ومن اتبعهم بإحسان فإنه يصدق حملي كلام الشوكاني في جواز الاختلاف في المسائل الفروعية والاجتهادية، على أن المقصود به جواز ذلك بضابطه، وهو أن يكون المخالف مجتهدًا لا جاهلاً معرضًا، ولا صاحب هوى معاندًا من أمثال فرق الزيغ والضلال من الإخوان المسلمين والقطبيين والتبليغيين والسروريين الطاعنين في العلماء وغيرهم.
                ومعلوم أن الصحابة كانوا أهلاً للاجتهاد فيما اختلفوا فيه من تلك المسائل، وكذلك التابعون لهم بإحسان، فكيف يقاس أرباب الجهل والهوى والضلالة على أرباب العلم والاتباع والهداية؟!
                وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟!
                وقد ذُكر عن الشاطبي -رحمه الله- أنه قال في كتابه الاعتصام بخروج الرجل من أهل السنة والجماعة إلى حيز ودائرة البدعة والضلالة بمخالفته لأصل من أصول أهل السنة، أو إغراقه في مخالفة الجزئيات، وهذا مع ذاك ينسف تشبث الدجال بكلام الشاطبي الذي ذكره هنا، فليس له فيه أدنى تشبث، لما أبنته لك من أن الصحابة ومن اتبعهم بإحسان حينما اختلفوا فيما اختلفوا فيه من المسائل، كانوا مجتهدين في اختلافهم ذاك.
                ومعلوم أن المجتهد يدور بين الأجر والأجرين، ومن كان يدور بين الأجر والأجرين لا يكون مذمومًا ملومًا معيبًا، فالمصيب له أجران، أجر على الاجتهاد وأجر على الإصابة، والمخطئ له أجر على الاجتهاد فحسب، ومن كان هذا شأنه من إصابة الأجر والأجرين يُتصور أن يكون مرحومًا ومرضيًا عنه، وأنه لا يمكن ذمه بوجه، وأنه لا يمكن عده من أهل الاختلاف ولو بوجه ما، ولو كان مجتهدًا مخطئًا، ذلك؛ لأنه مأجور، وكفى مثل هذا شرفًا ورتبة أن يكون مجتهدًا مخطئًا مأجورًا، وهذا بخلاف حال أهل الجهالة والضلالة والهوى الذين يتلاعبون بالدين وبعقول الناس.
                على أن المجتهد المخطئ يجب رد خطئه عليه مع عدم تفسيقه أو تبديعه، ومع وجوب إنصافه وتوقيره، وإنزاله المنزلة التي أنزله الله -عز وجل- إياها، والاعتراف بحيازته درجة الاجتهاد التي تعفيه من الملامة والمؤاخذة.
                أما مسألة صلاة بعض الصحابة في الطريق وصلاة بعضهم في بني قريظة، فهذا مبني على اختلافهم في فهم حديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                ((لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)) هل قصد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الصلاة في بني قريظة -تمشيًا مع ظاهر الحديث- ولو فات وخرج الوقت، أم قصده التعجيل بالذهاب إلى بني قريظة وأداء الصلاة على وقتها.
                ولا شك عندي أن من صلى العصر في الوقت وعجل في الوقت نفسه بالذهاب إلى بني قريظة هو المصيب؛ لأنه حقق الأمرين وحصلهما ألا وهما الصلاة على وقتها، والتعجيل بالوصول إلى بني قريظة، أما الآخرون الذين صلوا العصر في بني قريظة بعد الوقت فلم يحققوا إلا شيئًا واحدًا وهو تعجيل الوصول إلى بني قريظة، فالأولون نظروا إلى المعنى والمقصد، والآخرون استمسكوا بظاهر لفظ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولو فاتتهم صلاة العصر في وقتها -في النهي عن صلاة العصر إلا في بني قريظة- فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد نهى ألا يصلي أحدهم العصر إلا في بني قريظة، خاصة أن الزمن زمن تشريع، وإمكان حصول نسخ لوجوب الصلاة على وقتها ولو في هذه الحالة، أو احتمال هذه الحالة مستثناة، ولا شك في أن من حقق الأمرين والمصلحتين مع عدم وقوع أو تحقيق ضرر بسبب ذلك أصوب من الذي حقق أمرًا واحدًا، خاصة أن لفظ حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند التأمل، هو مع الذين صلوا في الطريق، من جهة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)) ووقت العصر هو ما بين كون ظل الشيء مثله -إضافة إلى فيء الزوال- إلى أن يكون ظل الشيء مثليه في حال الاختيار وإلى غروب الشمس في حال الاضطرار.
                وكون النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يعنف أحدًا من الفريقين لا يلزم منه تساوي الفريقين في هذه المسألة، ذلك؛ لأن المجتهد مأجور ولو أخطأ، ومثل هذا المجتهد لا يعنف، ولا شك في كون الفريقين جميعًا مجتهدين -هذا ما ظهر لي، والعلم عند الله تعالى-.
                ثم نقل كلامًا آخر للشاطبي في الموافقات قال فيه -على حد نقله-:
                «ثبت أنه لا اختلاف في أصل الشريعة، ولا هي موضوعة على وجود الخلاف فيها أصلاً ... بل ذلك الخلاف راجع إلى أنظار المكلفين»
                قلت: أما قول الشاطبي الذي نقله: «بل ذلك راجع إلى أنظار المكلفين»
                فأقول فيه: أجل، ولكن ليس كل مكلف ذا بصر، فمنهم الأعمى ومنهم الأعشى، ومنهم الأعمش، ومنهم الأعور، وهذا هو حال أهل الأهواء فمنهم كافر ببدعته، ومنهم فاسق بها، وأمثال هؤلاء هم المختلفون في الكتاب، المخالفون للكتاب، المتفقون على مفارقة الكتاب،كما قال الإمام أحمد إمام أهل السنة -رحمه الله-.
                أما أهل السنة فنظرهم ثاقب وصائب، ويرون الحق حقًا، والباطل باطلاً، والسنة سنة، والبدعة بدعة، بخلاف أهل الضلال من أمثال فرقة الإخوان المسلمين والتبليغ والسرورية والقطبية والحدادية وغيرهم من نظرائهم وأشباههم، ومن إخوانهم أدعياء السلفية الكذابين، فإنهم يرون الحق باطلاً والباطل حقًا، ويرون السنة بدعة والبدعة سنة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
                ثم إن أهل السنة أكثر الناس اتفاقًا في أمور الدين كلها سواءٌ كانت عقائدًا أو أحكامًا، على أن الأحكام لا يخلو صاحبها الذي تعلقت به عن اعتقاد، فالعقائد أعم كما قال نحو ذلك العلامة الألباني -رحمه الله-.
                أما التفريق بين العقائد والأحكام فهو من باب مجاراة الاصطلاح فحسب، كما في لفظة "فقه" مثلاً، فالفقه يعم كل أمور الدين، أما إذا قرنوه بالعقائد والحديث مثلاً فالمراد به فقه أحكام خاصة.
                أقول: أهل السنة أكثر الناس اتفاقًا في الأحكام فضلاً عن العقائد، ولو كان المعلمون ألوفًا مؤلفة؛ لأن المورد واحد وهو المورد العذب الزلال، مورد السنة والدليل، الذي ضل عنه أهل الأهواء واستبدلوا به المورد الملح الأجاج الآسن المنتن، ألا وهو مورد الأهواء والآراء، والحمد لله الذي ماز هذا عن ذاك، وجعل بين الموردين برزخًا وحاجزًا وحجرًا محجورًا، فلا يطغى هذا على ذاك، والحمد لله الذي ماز أهل السنة من أهل البدعة، وجعل لكلٍ صفات يعرفون بها، وما كثر الاختلاف في العقائد فضلاً عن الأحكام إلا بسبب الأهوائيين الآرائيين من أمثال الفرقة الإخوانية، والفرقة القطبية والفرقة السرورية، والفرقة الحدادية، والفرقة التبليغية وغيرها من فرق الضلالة، إضافة إلى فرقة أدعياء السلفية الذين يخالفون أهل العلم، ويختلفون في دين ربهم وشرعه، ويكثرون الصخب على أهل السنة ويسيئون إليهم، ويبغون عليهم إلى غير ذلك مما عرفوا به من الانحراف عن جادة الحق والصواب، وكل شيء فعلوه في الزبر، وكل صغير وكبير عند ربك مستطر، وسيرون غدًا -إن شاء الله- كما رأوا اليوم- عاقبة ذلك في الحياة الدنيا قبل يوم قيام الأشهاد، حينما يبطش ولاة الأمور بالخوارج -كلاب أهل النار- بطشة الهِزَبْر بفريسته، فاللهم صبرًا([1]).
                ويحضرني قول الله -عز وجل-:
                {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}
                لا يهلك يا ربنا إلا القوم الفاسقون، وكل من خرج عن الطاعة فهو فاسق، سواء كان منافقًا زنديقًا أو ملحدًا أو مشركًا أو يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا أو غير ذلك، ولأهل الأهواء نصيب من التهديد بالوعيد في هذه الآية ونظائرها، فصبرًا يا أهل السنة ويا معشر السلفيين، فإن الصبح قريب، ومثل هذا الدجال الذي هو بين أيدينا الآن وفي قبضتنا، والذي هو واقع في أسر أهل السنة، مثل هذا الدجال ينافح عنه الحلبي المخذول، وينافح عن إخوانه من أرباب الضلال السائرين في درب الضلالة العمياء.
                ولا شك في إدخال ذاك الحلبي في زمرة أهل الضلال والبدع، ولو نقب الحلبي في البلاد بلدًا بلدًا شرقًا ومغربًا ليسعى إلى الحصول على تزكية بأنه من أهل السنة ما نفعه ذلك، فلقد فله وشجه أهل السنة، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم هزبر السنة العلم الإمام المجاهد أبو محمد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- ومتع به أهل السنة، ورفع قدره ورتبته ودرجته في الدنيا والآخرة، وقد رأينا من ذلك ما رأينا، ولله الحمد والمنة، ولقد قال الله -عز وجل-:
                {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ}
                أي لا محيص ولا مهرب ولا مفر، وكأن لسان حال الزائغين الذين يبحثون -بسبب أو بآخر- عمن يزكيهم وليسوا أهلاً للتزكية -ولو وجدوا من يزكيهم- وكأن لسان حال هؤلاء الزائغين يقول:
                هل من مزك؟!
                هل من معدل؟!
                هل من نصير؟!
                فأمثال هؤلاء لو نقبوا في البلاد بلدًا بلدًا بحثًا عن التزكية، ما نفعهم ذلك، ولو زكاهم من زكاهم ممن لا تقاوِم تزكيتهم تجريح من جرحهم من أهل العلم والإيمان والخبرة بالناس وأهل الاختصاص!!
                إن مثل علي الحلبي ذاك المنكوس لم ينكص على عقبيه بعيدًا عن منهج أهل السنة إلا عن بصيرة وعن عمد وهوى، وكلامه القديم يُدينه، وقد ذكر صاحب كتاب صيانة السلفي جملة من أقواله القديمة التي تدينه بسبب أقواله الأخيرة -نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونعوذ بالله من فتنة الشبهات ومن فتنة الشهوات-.
                وتأمل قول الدجال حيث قال:
                «أنا لا -سبحان الله- أقول متى تلتقي الصفوف أقصد صفوف أهل السنة ... الأمر لا يحتاج إلى أي مباحكة بأن الشيخ عاوزها سمك لبن تمر هندي...» إلى آخره.
                وأقول: فرقة الإخوان والتبليغ -فضلاً عن غيرهما من الفرق- قد حكم عليها أهل العلم بالزيغ والضلال، فمن أدخل تلك الفرق التي قد بدعها أهل العلم في زمرة أهل السنة فقد افترى على أهل السنة، وكذب على السنة، وكذب على الله الذي أنزل الكتاب والسنة، وكذب على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صاحب السنة، وكذب على الصحابة والتابعين لهم بإحسان المقتفين أثر نبيهم إمام أهل السنة، ومن أدخل تلك الفرق في أهل السنة فهو أشد ممن خلط السمك مع اللبن مع التمر الهندي؛ لأن هذا الخليط -لو أضر- لا يعدو أن يكون مصيبة من المصائب، أما إدخال أهل البدع في أهل السنة فهو معيبة كبيرة من المعائب، وفرق بين باب المصائب وباب المعائب، فباب المعائب صاحبه ملوم، وباب المصائب صاحبه مأجور على صبره على المصائب، وعلى رضاه بها وعلى شكره لله عليها، فأين هذا من ذاك؟!
                وكفاك دجلاً، فالأمر دين، والأمر عظيم، والأمر جد خطير، يا ليته كان (سمك، لبن، تمر هندي) هكذا قلتُ على الحكاية.
                فلو كان كذلك لكان الخطب أهون، ولما احتجنا ولا اضطررنا إلى التشنيع عليكم لفحش صنيعكم وسوء منهجكم واعتقادكم.
                وما أقبح تشدقك بقولك:«فنحن ندعو إلى وحدة الصف، نعم على القرآن والسنة بفهم الصحابة بفهم السلف...» إلى آخره!!
                وهل فرقة الإخوان المسلمين، وفرقة التبليغ، والفرقة السرورية، والقطبية التي تدافع عنهم، وتحامي عنهم، وتدخلهم في أهل السنة رغم أنف مذهب أهل السنة، ورغم أنف أهل السنة، هل هذه الفرق تمشي على منهج الكتاب والسنة بفهم السلف، أم على مذهب قطب والبنا والمودودي، وسعيد حوى، والتلمساني، والغزالي، والقرضاوي، وغيرهم من أرباب الآراء والضلالات؟!
                وقوله:«بفهم الصحابة بفهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأصحاب النبي ...»إلى آخره.
                أقول فيه: وهل احمر وجهك، وانتفخت أوداجك، وعلا صوتك، وحَنقتَ على سيد قطب، واشتطت غضبًا وغيظًا عليه حينما طعن في الصحابة من أمثال عثمان بن عفان الخليفة الراشد، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم- فضلاً عن طعنه في نبي الله موسى بقوله:
                "إنه مثال للزعيم المندفع العصبي المزاج" إلى غير ذلك، أم تلك الأوصاف التي ذكرناها لا يليق وقوعها منك إلا إذا كان الكلام عن السلفيين الذين يردون على أهل الأهواء والآراء أهوائهم العاطلة وآراءهم الفاسدة؟!
                نعم، هذا واقعك، فأنت من الشدة بمكان ومن التهكم بمكان إذا كان كلامك عن السلفيين الذين أرقوا مضجعك ومضجع أمثالك.
                نعم تقول: «له -أي لسيد قطب- أخطاء لا نوافقه عليها»
                هكذا على سبيل الإجمال وبأسلوب بارد متهافت، كفى الله السلفيين شرك أيها الدجال وشر أمثالك الدجاجلة الذين دجلوا على الناس زمانًا، فأبى الله إلا أن يظهر الحق وسراجه، ويبطل الباطل، ويطفئ فتنته.
                إن هذا الدجال يتكلم عن أخطاء قطب بأسلوب بارد وبأسلوب مجمل، وكأن أخطاءه كأخطاء الصحابة أو التابعين وأئمة الإسلام في كل عصر وحين!!


                تم الفراغ منه في أصيل يوم الخميس، الموافق الرابع من جمادى الأولى، لسنة


                اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية


                على صاحبها الصلاة


                والسلام.



                وكتب


                أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


                أبو عبد الله



                يتبع إن شاء الله




                [1] -كان هذا الكلام قبل أحداث الخوارج اليوم.

                تعليق


                • #9
                  التعليق على الدرس الرابع بعد المائة الأولى:



                  ليلة الجمعة الموافقة للثامن من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وسبعة وعشرين من الهجرة.


                  قوله: «رب العزة يقول: {ودوا لو تدهن فيدهنون} ودوا لو..، تنازل بس شويه مها .. أصل لا يمكن إطلاقًا إن تنازلت خطوة على الطريق أن تظل أو أن يظل سقف التنازلات ثابتًا، لابد أن يزداد، لازم سقف التنازلات هيزداد، أوعى تتنازل عن دينك أبدًا، عن أصل من الأصول لأ، ثابت من الثوابت أبدًا، حتى في مرحلة استضعاف مستحيل، أُعبد آلهتنا يومًا ونعبد إلهك يومًا، طب حلو أهوه، فرصة جميلة يا عم الشيخ، خليهم يعبدوا ربنا، وبعدين جايز لما يدوءوا طعم العبادة هاه، مش دا اللي بيتئال، لا لا لا لا مفيش مساومات على قضية العقيدة أبدًا، ما فيش مساومات على قضية التوحيد أبدًا يا شباب.
                  تب يا عم الشيخ الأمة الآن في مرحلة استضعاف، متيجي نلم الصف، نلم الصف ونلم الصفوف المبعثرة دي، وكل واحد على معتقده الصحيح والفاسد والعفن، ونجمَّع الصفوف، أبدًا أبدًا أبدًا أبدًا، لا يمكن تلتقي الأمة على هذا العفن، لا يمكن تلتقي الأمة على هذا الفكر المختل، هذه الوَحدة الظاهرة تفرق ولا تجمع، وتجرح ولا تضمد، وبُحَّ الصوت بمثل هذا التأصيل سنوات طويلة، وأظن -ولله الحمد- الواقع الذي ترونه كل يوم في العراق يثبت هذا، مستحيل يا أخي، مستحيل، أمة تلتقي على التوحيد الصافي الذي جمّع الصحابة، وألّف الله به بين سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وأبي ذر الغفاري، وحمزة القرشي، ومعاذ الأنصاري»
                  من هنا كلامه بصوته:http://www.mediafire.com/?mnxf2pdxmyz6x0r
                  أقول: حَذَّر من التنازل عن الدين أبدًا، عن أصل من الأصول لأ (أي بل) ثابت من الثوابت، إياك (أي: إياك أن تتنازل عن ثابت من الثوابت) أبدًا حتى في مرحلة الاستضعاف.
                  وهذا منه غير صحيح بهذا الإطلاق، ذلك؛ لأن الإنسان في مرحلة الضعف قد لا يستطيع أن يأتي ببعض الثوابت!! أو الأصول، وقد لا يستطيع أن يعلن بالأذان ولا بالإقامة ولا بالصلاة على الملأ، وقد لا يستطيع إظهار شعائر دينه على الملأ، ولا التلفظ بكلمة التوحيد على الملأ ونحو ذلك، وهو في ذلك معذور غير موزور ما دام غير مستطيع، وقد قال -تعالى-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}
                  والدجال يكلف النفوس ما ليس في وسعها، وقال -تعالى-:
                  {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}
                  والدجال يكلف الناس ما لم يؤتها الله، وقال -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
                  وقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))
                  فمدار التكليف على الاستطاعة، أما الدجال فوضع على هذه الأمة الآصار والأغلال التي وضعها الله عنها خلافًا لما كان عليه أهل الكتاب، قال -تعالى-:
                  {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}
                  فهذا الدجال يكلف الأمة بما لا تطيق، وقد قال الصحابة: "ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"
                  فقال الله "قد فعلت" كما ثبت بذلك الحديث في صحيح مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة -رضي الله عنهم-.
                  فالله أرحم بعبده من الأم بولدها ومن العبد بنفسه، وصدق من قال: أهل السنة أعلم الناس بالحق وأرحم الناس بالخلق، فكم من نصراني يسلم سرًا ولا يستطيع أن يجهر بإسلامه ولا أن يتلفظ به على الملأ، ولا أن يظهر شعائر دين الإسلام بين ظهراني أهل الملة النصرانية، فمثل هذا لا شك في كونه مستضعفًا ومعذورًا لعدم استطاعته، ولا واجب مع العجز لما سبق من الأدلة، ولكنه -على مذهب الدجال- لا يجوز له التنازل عن هذه الثوابت أبدًا، نعوذ بالله من الجهل.
                  بل إن الإنسان قد يُكره على التلفظ بكلمة الكفر مِن سب الله أو سب رسوله، وهو في ذلك معذور غير موزور، ما دام قلبه مطمئنًا بالإيمان، قال -تعالى-:
                  {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ * مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
                  فالمكره لا اختيار له، فكيف يؤاخذ العبد على شيء ليس له فيه اختيار؟!
                  فلا يغرنك -أيها السلفي- حماس القوم وحميتهم العاطلة عن العلم، وبسط أمثلة ذلك يطول، ولكن فيما ذكرنا كفاية، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
                  ولقد رد الشيخ الإمام ربيع بن هادي المدخلي على بعض المخالفين القائلين بنحو ما ذكره الدجال هنا، وعهدي برده بعيد، ولكني استفدت أصل الرد على هذه المقالة من رده، فشكر الله له على تفطنه لهذه المسألة الدقيقة، وهكذا تجد الدرر واللآليء في أعماق بحار علم أهل العلم، فشكر الله للشيخ ربيع، وقد قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس))
                  أما أهل الجهالة والضلالة فأمرهم كما قيل: أسمع جعجعة ولا أرى طحنًا.
                  ثم إذا كانت الأمة لا تلتقي على المعتقد الفاسد والعفن، والفكر المختل باعتبار أن ذلك يفرق ولا يجمع، ويجرح ولا يضمد، فهل سِرت على منوال أهل العلم في تبديع فرق الزيغ والضلال من أمثال فرقة الإخوان المسلمين، والقطبيين وجماعة التبليغ والسروريين وغيرهم، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا؟!
                  وهل حذرت من هذه الفرق، ونقدت ونقضت مناهجها المنحرفة، وألفت في ذلك الكتب أو الرسائل، وسجلت في ذلك الأشرطة، نصيحة وتحذيرًا؟!
                  خاصة أن المقام يقتضي النصيحة والحذر والتحذير، أم أنت مشغول بمطاردة السلفيين والحط عليهم وتشويههم، والتهكم بهم؟!
                  نعم، أنت مشغول بالدفاع عن أهل الضلال وأهل المناهج المنحرفة من أمثال فرقة الإخوان المسلمين، ومشغول في الوقت نفسه بما ذكرته عنك بشأن السلفيين، فالله حسيبك.
                  والعجيب أنه تنازل وترك أصلاً أصيلاً من أصول أهل السنة الثابثة ألا وهو تمييز المنهج السلفي من مناهج أهل الضلال والهوى، والرد على أهل الأهواء والتحذير منهم، ونصرة السنة وأهلها، وقد فعل ذلك اختيارًا لا اضطرارًا ولا إكراهًا ولا استضعافًا، وهو في الوقت نفسه يمنع من التنازل عن أصل من الأصول حتى في حال الاستضعاف!!
                  ثم إن التنازل عن أصل من الأصول للعذر لا يستلزم التمادي في التنازل عن سائر الأصول ولا يقتضيه، فقوله:
                  «لازم سقف التنازلات هيزداد» باطل أيضًا بهذا الإطلاق.
                  نعم، إطلاقه هذا صحيح في حق أهل الأهواء من أدعياء السلفية وغيرهم الذين يداهنون أهل الباطل والضلال من سائر الفرق لا في حق أهل الإسلام والسنة المعذورين، فلا نزال نسمع -والأيام حبلى- بالمزيد من ضلال القوم، وكفى بأحداث الخوارج وفتنتهم في هذه الأيام شاهد صدق على ما نقول، وقد قال -تعالى-:
                  {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ}
                  وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}
                  وقال: { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُواوَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}
                  وقال:{فَأَمَّامَنْأَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ* وَكَــذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
                  أما قولك:«... التوحيد الصافي الذي جمع الصحابة، وألف الله به بين سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وأبي ذر الغفاري وحمزة القرشي ومعاذ الأنصاري »
                  فيه إيهام بأن صهيبًا رومي الأصل لاقترانه في الذكر بسلمان الفارسي وبلال الحبشي قبله وبأبي ذر وحمزة العربيين بعده، ومبلغ علمي في هذا أنه ليس روميًا صليبة، وإنما كان قد أسره الروم، والله أعلم.
                  قلت: ثم راجعت الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر -رحمه الله- جزء 2 صـ 282، الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية -بيروت لبنان- لسنة 1415هـ، ترجمة صهيب بن سنان الرومي، فإذا به يقول: "صهيب بن سنان الرومي، يُعرف بذلك لأنه أخذ لسان الروم إذ سَبَوْه وهو صغير، وهو نمريّ من النَّمر بن قاسط، لا يختلفون في ذلك ... وفي كتاب البخاري، عن محمد بن سيرين، قال: كان صهيب من العرب من النمر بن قاسط..." إلى آخر ما ذكره ابن عبد البر -رحمه الله- في ذلك.



                  التعليق على الدرس العاشر بعد المائة الأولى:



                  ليلة الجمعة الموافقة للخامس من جمادي الأولى لعام ألف وأربعمائة وسبعة وعشرين من الهجرة.


                  قوله:«رد الكلام الباطل ولو نُسب إلى غير مكلف، دا كلام عالي أوي، خلي بالك، رد الكلام الباطل ولو نسب إلى غير مكلف، طب حد يئدر يئوللي الدليل من الغزوة على المسألة دي، هه عاوز طالب علم يئولي الدليل، أيوه اتفضل: أحسنت، جزاك الله خيرًا، قول الصحابة في ناقة سيدنا رسول الله: "ما خلأت القصواء"
                  رد الكلام الباطل ولو نسب إلى غير مكلف، ما قبله النبي -عليه الصلاة والسلام- دي ناقة، يعني كلمة اتئالت في حق ناقة، لأ، كلمة لم تكن بالحق، فردها النبي وقال: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، وإنما حبسها حابس الفيل" طب يا أخي إذا كان الكلام بالباطل ولو نسب إلى غير مكلف لا يجوز فهل يجوز أن نقول كلامًا بالباطل إلى مكلف -فضلاً عن أن يكون من أهل العلم والفضل-؟!
                  دا درس غالي أوي يا شباب خلأت القصواء، كلمة في حق ناقة، ما قبلها رسول الله، ردها، قال: "ما خلأت القصواء" فما ظنك بالكلام بالباطل في مكلف، بل في عالم من أهل العلم وفاضل من أهل الفضل، لا شك أنها مصيبة وتحتاج من أهل الفضل أن يردوا هذا الكلام الباطل بالحق، فلم يقبل النبي الكلام بالباطل في غير المكلفين، فواجب علينا أن نرد الكلام الباطل في المكلفين بالحق، قال الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاثم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا -ولا يغتب بعضكم بعضًا- أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}
                  يعني كما يكره أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا، فليكره أحدكم أن يأكل لحم أخيه حيًا، أنت تكره أن تأكل لحوم الأموات، لا تقدر على ذلك، بل ولا تقبل ذلك، فكيف تقبل أن تأكل لحم أخيك وهو حي؟!
                  الغيبة فاكهة المجالس الآن إلا من رحم ربي، .. حد عاوز حاجة ياخوانا، فاسمحوا لي أنا .. طيب نصلي على الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقول: الغيبة كبيرة، كتير من إخوانا نسوا اللفظة دي، الغيبة كبيرة، كبيرة.
                  أه والله، الغيبة كبيرة من الكبائر، راجع كلام العلماء، وقد يتورع الحبيب من أحبابنا والأخ من إخواننا عن كثير من الصغائر -هذه درجة ورع جميلة جدًا- في الوقت الذي لا يتورع فيه عن الوقوع في هذه الكبيرة، ربما في كثير من ساعات الليل والنهار، وقد يوهم الواحد منا نفسه بأنه يغتاب فلانًا من أجل مصلحة الدين من أجل مصلحة الدعوة، أنا غيور على الحق إلى آخر هذه الكلمات، وعند الله تجتمع الخصوم، وسبحان من يعلم السر وأخفى.
                  ست حالات فقط مستثناة من الغيبة، فصلتها قبل ذلك وعلى منبر خطبة الجمعة في مجمع أهل السنة في جمعة كاملة، فصَّلت هذه الحالات الست، فيما عدا ذلك، الأمر يحتاج إلى تورع، إلى خوف، إلى أن تفكر ألف مرة قبل أن تنطق مرة، أقسم بالله لو عرفتم قدر خطر الغيبة، وخطر الكلمة التي يتلفظ بها الإنسان لفكر أحدنا ألف مرة قبل أن ينطق مرة.
                  روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل أو إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً فيرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوي بها في جهنم" كلمة ترفعك، وكلمة -والعياذ بالله- تدخل صاحبها النار، الكلمة أمانة عظيمة جدًا، يعني بكلمة تدخل دين الله كلمة التوحيد، وبكلمة تخرج من دين الله –كلمة الكفر- وبكلمة تستحل فرج امرأة، وبكلمة يحرم عليك فرجها، وبكلمة تنال رضوان الله، وبكلمة تنال سخط الله، فالكلمة أمانة عظيمة، ومسئولية كبيرة، فتورع وفكّر ألف مرة قبل أن تنطق مرة، قال الله -تعالى-:
                  {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} أسأل الله أن يرزقنا وإياكم العفة، وأن يرزقنا وإياكم الصدق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
                  قال ابن القيم: "ومن هذه الفوائد الفقهية رد الكلام بالباطل ولو نسب إلى غير مكلف، فإنه لما قالوا خلأت القصواء يعني حرنت فلم تسر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق" ثم أخبر عن سبب بروكها وسبب احتباسها أو حبسها، فقال: "ولكن حبسها حابس الفيل"
                  ومن هذه الفوائد جواز الحلف، جواز الحلف، بل استحباب الحلف أحيانًا على الخير وعلى العلم أو الخبر الديني، إذا أراد الإنسان أن يؤكد صدقه، أن بعض الأخوة يعني يئولك ممكن فلان بيحلف كتير، هذا له أصل في السنة، بل لو تتبعت السنة سترى أن الصادق -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى قد أقسم أكثر من ثمانين مرة، لطيفة جميلة دي، عض عليها بالنواجذ، الرسول وهو الصادق المصدوق الذي لا يحتاج إلى قسم لتأكيد صدقه أقسم أكثر من ثمانين مرة في أكثر من ثمانين موضعًا في السنة، بل وأمره الله -جل وعلا- أن يقسم في ثلاثة مواضع في القرآن.
                  الله يأمر نبيه أن يقسم في ثلاثة مواضع من القرآن، وأقسم النبي في أكثر من ثمانين موضعًا في السنة الصحيحة، فيجوز الحلف بالله لتأكيد خبر ديني تريد تحقيقه أو تأكيده للمبلَغين، بشرط أن يكون الحلف بالله صدقًا، وإلا، فهو يمين غموس، يغمس صاحبه في نار جهنم، أن يقسم الرجل مغلظًا اليمين بالله على أمر هو يعلم يقينًا أنه فيه من الكذابين، هذا هو اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في نار جهنم، إن لم يتب إلى الله -جل وعلا- خلي بالك أوعى تحلف بالله كذبًا، يا أخي عيسى عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا الصلاة والسلام رأى رجلاً يسرق يسرق، والحديث في الصحيحين، فقال له عيسى أسرقت؟ فأقسم الرجل بالله أنه ما سرق -سبحان الله- أقسم بالله أنه ما سرق، فماذا قال عيسى؟ قال: آمنت بالله وكذبت عيني.
                  القسم بالله دا غالي جداً، واحد يئولك: والله، والله طب خلاص خلاص؛ ولذلك النبي قال:" البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" أما يجي واحد منكر تئوله اقسم اليمين، آه فيه ناس النهارده بتستسهل المسألة ممكن بعشرين جنيه يمين زور -سلِّم يا رب- بعشرين جنيه، تلائيه وائف برّه ها عاوز يمين؟ والله أقسم بالله أخوه بيئولولي كده، بيئولولي، والله أمام بعض المحاكم ناس آعده ليمين الزور، ليه أول ميشوف ها محتاج يمين ولا اتنين، كل واحد له تمن، -أعوذ بالله- يا سلام، يبيع دينه بعرض من الدنيا»
                  من هنا كلامه بصوته:http://www.mediafire.com/?et2tfgwedg8xgl3
                  أقول: إذا كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد رد الكلام الباطل على الصحابة -وهم من هم- في حق ناقة غير مكلفة، مع أنهم حكموا بمقتضى العادة الجارية في مثل ذلك فقالوا: خلأت القصواء، فقال: ((ما خلأت، وما ذاك لها بخلق))
                  فما الظن بمن يطعن في منهج السادة العلماء ورثة الأنبياء الذين يجرحون أهل الباطل بجرح حق، ويصفون منهجهم بالغلو في التجريح، ويضع أحدهم وهو الدجال شريطًا بعنوان: «إلى غلاة التجريح»؟!
                  فمثل هؤلاء يجب أن يرد باطلهم وطعنهم من باب أولى، ويقال لهم:
                  ما غلت جماعة العلماء، وما ذاك لهم بخلق.
                  ولقد حضرني الآن قصة أهل العراق مع ابن عمر -رضي الله عنهما- لما سألوه عن دم البعوض، فقال: أهل العراق جاءوا يسألون عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-!! يعني حسينًا -رضي الله عنه وعن أبيه-.
                  ولو كان في مقابل الناقة عالم جارح واحد، وكان جارحًا بحق لوجب قبول قوله وعدم الطعن فيه بحال، فكيف إذا كان الطعن في العلماء وفي طلبة العلم الذين جرحوا أهل الباطل بحق، كيف إذا كان الطعن في هؤلاء جملة؟!
                  وإذا كان النبي قد قال بشأن الناقة: ((ولكن حبسها حابس الفيل))
                  فنحن نقول في هؤلاء العلماء: ولكن حملهم على هذا الجرح أداء الأمانة التي حملهم الله إياها، ونصح الأمة، والخروج من تبعة وعهدة الكتمان.
                  ولا شك في أن الوقيعة في أهل العلم والفضل جرم كبير يستحق أن يَرد أهل العلم والفضل على مقترفي ومكتسبي هذا الجرم وذاك الباطل بالحق، والآيات التي سردها حجة عليه لا له، فتأمل صنيع الدجاجلة وتمويههم وخداعهم!!
                  أما ما ذكره بشأن ما قيل عن فلان (هكذا بلا تسمية) من إمكان إكثاره من الحلف (هكذا بدون تسمية فلان هذا وتعيينه) واعتذاره بأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى أقسم أكثر من ثمانين مرة وهو الصادق المصدوق ... إلى آخره
                  فنقول فيه: إن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يحلف في مواطن كثيرة من غير أن يُستحلف، ولكنه كان الصادق المصدوق -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولست أنت كذلك في الصدق، فإنك تقسم أحيانًا على الكذب، على أن مرات قسمك ولو تجاوزت الثمانين في طول خطبك ودروسك وعرضها بأضعاف مضاعفة لكان ذلك منك محتملاً لو كنت صادقًا.
                  ثم إن هناك إشكالاً في عبارتك التالية:
                  «الرسول وهو الصادق المصدوق الذي لا يحتاج إلى قسم لتأكيد صدقه، أقسم أكثر من ثمانين مرة في أكثر من ثمانين موضعًا في السنة»
                  ومحل الإشكال هو في قولك:لا يحتاج إلى قسم لتأكيد صدقه، وتفصيل ذلك عندي هو أن أقول:
                  النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -إما أن يحتاج إلى قسم لتأكيد صدقه عند نفسه، وإما أن يحتاج إلى قسم لتأكيد صدقه عند غيره، أو لكليهما، وإلا كان حلفه عبثًا، وقد أعاذه الله من ذلك، فالحاجة قائمة في حلفه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإن امتنع تأكيد صدقه عند نفسه بقسمه،لم يمتنع تأكيد صدقه عند غيره بقسمه، على أنه لا يظهر لي امتناع تأكيد صدقه عند نفسه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقسمه، فالقسم ذكر لله يزداد به إيمانه ويزداد به تصديقه بصدقه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فالقسم الصادق منه ومن غيره من الصادقين قولٌ صدق، والصدق طاعة، والطاعة تورث القلب إيمانًا، ومن هذا الإيمان زيادة الصدق وكماله وزيادة التصديق بالصدق وكماله، وهذا جار على أصول أهل السنة من أن الإيمان قول وعمل، أو بتعبير آخر: اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والصدق والتصديق طاعتان تزيدان من الإيمان، والناس كلهم بما فيهم الأنبياء ومنهم خاتمهم محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقراء إلى الله في أصل الإيمان وفي كماله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
                  فالمؤمنون كلهم في حاجة إلى الإيمان وإلى كماله، يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة، وقد قال الله لنبيه:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}
                  فكان مأمورًا بالازدياد من التقوى -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكان في آخر حياته أكمل إيمانًا، وأكمل تقوى، وأكمل علمًا، ولهذا قال -تعالى-:
                  {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}
                  وهذه الآية نزلت عليه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو واقف بعرفة يوم جمعة، كما في الصحيح من حديث عمر -رضي الله عنه-.
                  على كل حال، فإطلاق نفي الحاجة إلى قسم لتأكيد صدقه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليس بجيد، ولا هو كلام أهل العلم المحققين في نقدي.
                  بل أقول: إن الله -عز وجل- قد أكثر من القسم في كتابه مع أنه لا أحد أصدق منه ولو لم يقسم -سبحانه- فبان بذلك أن للقسم فوائد متى كان المقسم صادقًا لا كاذبًا.
                  قوله في ثنايا الكلام: «طيب نصل على الرسول عليه الصلاة والسلام»
                  مع أن السياق ليس سياق الصلاة على الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو مما أحدثه العصريون هؤلاء المتأخرون، الذين يستثيرون انتباه مستمعيهم بما لا يعرفه السلف والأئمة، على مدار عصور التاريخ المملوءة بأهل العلم والسنة والبيان والبلاغة، وهذا الأسلوب أشبه بطرائق الصوفية والسوقة، لا بطرائق أهل السنة الذين هم أهل الشريعة وهي الحق والحقيقة، ولهذا نظائر، كقول القائل أثناء كلامه، في خطبته أو درسه: وحِّدُوه، إلي غير ذلك
                  وقد قيل:
                  وكـل خير في اتبـاع من سلف *** وكـل شر في ابتداع من خـلف
                  وقيل:
                  وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمـور المحـدثات البـدائع.
                  ولو كان ما فعله هؤلاء المُحْدَثون المحدِثُون خيرًا، لسبقنا إليه أسلافنا الكرام، وأئمتنا الخيار الأعلام.
                  قال الدجال: في سياق كلامه عن الغيبة:
                  «وعند الله تجتمع الخصوم وسبحان من يعلم السر وأخفى»
                  أقول: أجل، والله لتجتمعن الخصوم عند الله، ويختصم أهل السنة وأهل البدعة، وقد قال -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                  {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}
                  ويا ويل من يشوه مذهبهم، ويصد عن سبيلهم، ويَدْجُل على الناس، ويزخرف قول الباطل، ويزينه بما يروجه عند الحمقى والمغفلين والأغرار، أتباع كل ناعق، وأنا وكل سلفي قد آذيته تصريحًا أو تلويحًا خصومك عند الله -إن مت على ما أنت عليه- إن شاء الله، فدعك من هذا الدَجْل والتخويف بما لا يخاف منه السلفيون العدول، وإنما يخاف منه خصومهم الدجالون الباغون على أهل السنة ومنهجهم، فأنتم أولى بهذا التهديد، وسبحان من يعلم السر -سر أهل الأهواء- وأخفى، وشأنهم كما قال الله:
                  {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}
                  وهل يستوي عند الله من اغتاب أهل السنة، ومن اغتاب أهل الضلال الداعين إلى ضلالهم الناشرين له؟!
                  هذا إن سمينا كلام أهل السنة في أهل البدع غيبة، وإلا، فليس لفاسق غيبة كما جاء عن بعض السلف، فكيف بالمبتدع؟!
                  إن أهل الأهواء يتكلمون في أهل السنة بباطل، ولا يعدون ذلك غيبة، ويجعلون كلام أهل السنة فيهم بحق، غيبة، فسبحان الذي نكس فطر وعقول وقلوب بعض خلقه!!
                  قال الدجال: «ست حالات فقط مستثناة من الغيبة فصلتها قبل ذلك ...»
                  قلت: قال الناظم:

                  الذم ليس بغيبـة في ستـة *** متظلم ومعـرف ومحـذر


                  ولمظهر فسقًا ومستفت ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر

                  وها نحن نقول -عملاً بهذين البيتين-: اللهم إنا نرفع إليك مظلمتنا على رءوس الأشهاد، إذ قد ظلَمنا أهل الأهواء، الذين لبسوا لأمة حربهم لأهل السنة، ودرع الصد عنهم وعن منهجهم.
                  فاللهم إنا نشكوهم إليك، ثم إلى قضاة الإسلام وحماته الغيورين على دين الإسلام والصائنين له من عبث وتحريف المبتدعة العابثين المحرفين لدين رب العالمين، نشكوهم ليؤخذ على أيديهم، فاسمع اللهم شكايتنا، وأَشْك مُحِقنا -أي: أزل شكواه- وأعن قضاة الإسلام وحماته على تنفيذ حكم الشرع في هؤلاء المبتدعين فقد أفسدوا البلاد والعباد.
                  ونقول أيضا -محذرين من أهل الأهواء-: احذروا معشر المسلمين من الأهواء وأصحابها، ومن البدع وأربابها، ومن المحدثات وطلابها، ومن الضلالات وأبوابها، خصوصًا هؤلاء الذين تزيوا بزي السلفية كذبًا وزورًا، وآذوا السلفية دهورًا.
                  ونقول -أيضًا-: إن أهل الفسق قسمان، قسم فسق بمعصيته وكبيرته، وقسم فسق ببدعته، وما أكثر الفاسقين ببدعتهم في زماننا هذا!! زمن اجتماع الشبهة والشهوة معًا، ونعتقد أن من فسق ببدعته هو أشد فسقًا ممن فسق بكبيرته.
                  وتأمل اليوم كيف فعلت البدعة بأصحابها الفسقة الذين ركنوا إلي البدعة وظنوها حسنة، ورغبوا عن السنة، ونبذوا مذهب السلف وراءهم ظهريًا!!
                  ونقول -أيضًا- مستفتين أهل العلم-:
                  أيا علماء الإسلام، وسادة الأنام، إن فرقة التبليغ وفرقة الإخوان المسلمين وجميع أفراخها من أهل الضلال، قد بغوا على أهل السنة ومنهجهم، وشوهوا المذهب السلفي وأهله، وحالوا بين الناس وبين المنهج السلفي وأهله، وكادوا للمذهب السلفي وأهله، وعابوا المذهب السلفي وأهله، فما حكم هؤلاء عندكم في شرع الله؟!
                  وهل يجوز تعزيرهم بالحبس والضرب وسائر أنواع التعزير اللائقة بهم، والكفيلة بردعهم عن ضلالهم وباطلهم أم لا؟!
                  وهل يجوز أن يبلغ حد عقوبتهم إلى قتلهم أو قتل بعضهم إن لم ينكف شرهم إلا بذلك أم لا؟!
                  وهل أمثال هؤلاء يرجى لهم ورود حوض النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم القيامة والشرب منه؟! أم يرجى لهم ذودهم عنه وحرمانهم منه؟!
                  أفتونا على عجل أجركم الله!!
                  ونقول -أيضًا- مستعينين بالله -ثم بمن قدر على الإعانة-:
                  يا حكام المسلمين، ويا معشر الملوك والسلاطين، ويا معشر القضاة المقسطين، ويا أهل العلم الغيورين، ويا معشر السلفيين، أعينونا على إنكار البدع والضلالات، فإنها قد أفسدت البلاد والعباد، وحلت محل السنن، وتسببت في سقوط دول ودول، ونحن إذ نستعين بكم لا نطلب منكم المستحيل، وإنما نطلب المستطاع، وأذكركم بقوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
                  وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                  ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه))
                  وقوله:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
                  وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                  ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))
                  أعزكم الله بخدمتكم لدينه، ورفع قدركم في الدارين، وهتك بكم أستار أهل الضلال، وجعل لكم العاقبة في الدنيا والآخرة.
                  قاله بلسانه، واعتقده بجنانه، وخطه ببنانه الفقير إلى الله، ثم إلى مدكم يد العون والمساعدة لمحو ظلام البدعة، وحفظ نور السنة، صاحب هذا الرد على دجال مصر -وما أكثر الدجالين فيها-!!
                  أما قوله:«القسم بالله دا غالي جداً، واحد يئولك: والله، والله طب خلاص خلاص؛ ولذلك النبي قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" أما يجي واحد منكر تئوله اقسم اليمين»
                  فأقول فيه: لا عبرة بأيمان المنكر، ولو عقَّدها وغلَّظها، ما دامت البينات قد أثبتها المدعي، أو قامت الشهود العدول وشهدوا بشهادتهم على ثبوت دعواه، وإلا ضاع الدين وضاعت حقوق الناس، إذا صدقنا كل دجال كذاب يقسم اليمين الغموس المخالفة للبينات أو لشهادة الشهود الثقات العدول!!
                  وإلا جاز رد قوله -تعالى-: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ}!! إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على وجود الحلافين الكذابين!! وهذا ممتنع عند كل مسلم.
                  أما ما ذكرتَه من حديث رؤية عيسى للرجل الذي يسرق، فقد جاء في رواية مسلم قول عيسى له: "سرقتَ" وفى رواية البخاري "أسرقت؟" قال: كلا، والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: "آمنت بالله وكذبت عينيَّ" أو "عَيْني" أو نفسي أو بصري، على اختلاف الروايات في ذلك، فلها توجيهات عند العلماء، يرجع إليها من شاء في "الفتح" للحافظ ابن حجر -رحمه الله- وفى شرح مسلم للنووي -رحمه الله-.
                  نعم، فيه دلالة على تعظيم الحلف بالله -تعالى- وهو ما لم تفعلوه أنتم، وقد نقل الشيخ ربيع -حفظه الله- عن علي بن حرب قوله:
                  ما من صاحب بدعة إلا وهو يكذب ولا يبالى، وهذا واقع ملموس.
                  فإذا قامت البينات أو شهدت الشهود على صحة دعوى المدعي، كانت يمين المقسم -والشأن ما ذكر- يمينًا كاذبة فاجرة، وقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحة برقم (2643) بسنده عن عمر -في قصةٍ- أن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا: وثلاثة، قال: وثلاثة، قلت: واثنان، قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد))
                  فإذا كانت الشهادة لرجل بالصلاح الذي هو سبب لدخول الجنة معتبرة، فكيف لا تكون البينات أو الشهادات من العدول معتبرة في إثبات حقوق الناس، وفي الحكم على المقسم المنكر لما ثبتت به البينات أو شهدت به الشهود العدول أن يمينه يمين كاذبة فاجرة، خاصة إذا كان حلف هذا الكاذب لترويج الباطل، ولتشويه المنهج السلفي وحملته؟!
                  أوَكلما أتانا دجال يقسم بالله كذبًا وزورًا ليفسد دين الله صدقناه، وقلنا:
                  «القسم بالله دا غالي، واحد يئولك والله. طب خلاص خلاص»؟!
                  هكذا بهذه السهولة؟! إنها لإحدى الكبر!!
                  إن المدعي الذي أقام البينات أو شهادة الشهود العدول على صحة دعواه مثبت، والمنكر نافٍ، ومعلوم أن المثبت مقدم على النافي ما لم يكن مع النافي دليل نفيه، والسلام على من اتبع الهدى.


                  تم الفراغ منه في ليلة الأحد، الموافق السابع من جمادى الأولى، لسنة


                  اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية


                  على صاحبها الصلاة


                  والسلام.



                  وكتب


                  أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


                  أبو عبد الله



                  يتبع إن شاء الله
                  التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله أسامة بن محمد; الساعة 10-04-2011, 03:59 AM. سبب آخر: فصل كلمات الآيات

                  تعليق


                  • #10
                    بارك الله في الشيخ الفاضل أبي بكر حفظه الله

                    تعليق


                    • #11
                      بارك الله فيك وحفظك الله يا شيخ

                      تعليق


                      • #12
                        التعليق على الدرس الحادي عشر بعد المائة الأولى:


                        من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.



                        ليلة الجمعة الموافقة للثاني عشر من جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وسبعة وعشرين من الهجرة.


                        قوله:«الرموز في الأمة يريد أعداؤنا أن يحطموها، ينبغي أن يعي شبابنا هذا الدرس، أنتم تشهدون الآن حربًا شرسة ضارية، لإسقاط الرموز في الأمة، ورموز الأمة في المقام الأول علماؤها، علماؤها، وتشهدون حربًا ضارية على الفضائيات، وعبر وسائل الإعلام والمجلات لإسقاط هذه الرموز، وقد ينضوي تحت لواء هذه الحرب العفنة من الطيبين من حيث يشعرون أو لا يشعرون، حين ينطلقون ليرددوا الإشاعات التي تُطرح لهم على الساحة دون بينة أو دليل، وأنا أقول: إنّ ترْك الألسنة تُلقي التهم جزافًا دون بينة أو دليل، يترك المجال فسيحًا لكل من شاء، أن يقول ما شاء، في أي وقت شاء، ثم يمضي بعد ذلك آمنًا مطمئنًا، وتصبح المجموعة المسلمة وتمسي، وإذا أعراضها مجرحة، وسمعتها ملوثة، وإذا كل فرد فيها متهم، أو مهدد بالاتهام، وهذه حالة من القلق والشك والريبة، لا يمكن أن تطاق بحال من الأحوال، وتزداد المصيبة إذا نال أعداء هذا الدين من رمز من رموز الأمة حتى لا تلتف الأمة أبدًا حول رموزها؛ لأن الأمة إن لم تلتف حول الرموز الحقيقية، حول العلماء الربانيين والدعاة الصادقين، تبعثرت كتبعثر الفئران، أو كتبعثر الغنم في الليلة الشاتية الممطرة، فهم يريدون دومًا أن يُكسِّروا أضلاع الرموز، ويحاولوا بكل سبيل أن يشوهوا صورة الرموز، لإسقاطها في القلوب والعقول؛ لأن الأمة إن تنحت عن هذا المنهج الصافي في التلقي -ألا وهو منهج العلماء الربانيين، الذين يقولون قال الله وقال رسوله- راحت الأمة لتذوب بعد ذلك في أي منهج آخر من مناهج التلقي، تلك المناهج التي تصطدم اصطدامًا مباشرًا مع منهجنا الرباني والنبوي، عاوز شبابنا يعي هذا الدرس، عظِّم رموز الأمة، وقِّر رموز الأمة، فتعظيمك للعلماء تعظيم لرسول الله، وتوقيرك للعلماء توقير لرسول الله.
                        لقد كان الإمام مالك لا يحدِّث بحديث إلا إذا توضأ، ومشط لحيته وطيبها، ولبس أجمل ما عنده من الثياب، ثم جلس، وقال: إنما أريد أن أعظم حديث رسول الله.
                        فتعظيمك وتوقيرك لأهل العلم توقير منك لرسول الله، وتعظيم منك للسنة، ولِم لا؟! والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد علمنا وأدبنا أن نوقر علماءنا، وأن نوقر كبراءنا، وأن نجل شيوخنا، وأن نحترم أهل العلم، فإن الله -جل وعلا- هو الذي زكاهم، وشهد لهم في قوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم}
                        قال ابن القيم: إن أول من شهد لله بالوحدانية هو الله، ثم ثنى بملائكته، ثم ثلث بأهل العلم، وهذه هي العدالة في أعلى درجاتها، فإن الله لا يستشهد بمجروح.
                        والعلماء صنفان، أنا أتحدث عن الصنف الأول -جعلني الله وإياكم منهم- دعاة ربانيون، جلسوا على أبواب الجنة، يدعون الناس إليها بأقوالهم وأفعالهم، فإن قالت أقوالهم للناس: هلموا إلينا، قالت أفعالهم كذلك للناس: اسمعوا وانظروا إلينا، هؤلاء هم الأتباع الصادقون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين قال الرسول فيهم: "وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
                        والصنف الثاني: علماء على أبواب جهنم، دعاة على أبواب جهنم، بنص حديث الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، كما في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير -أي بهذا الإسلام- فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير -أي الذي شابه الدخن- من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"
                        اللهم سلم يا رب، دعاة علي أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قد يتصور البعض أن الدعاة اللي على أبواب جهنم دُوْل كفار بئه، كفار أصليون، يعني كفار أصليون، يعني مَيبئاش من جنسنا، ولا يتكلم بلغتنا، ولا يلبس ملابسنا، لأ، دا صنف تاني خالص لا لا لا لأ، فسيدنا حذيفة يئوله: صفهم لنا يا رسول الله؟ قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، خلِّي بالك عشان ذهنك مَيرُحش بعيد، تئول لا لأ دا دول مش معنا هنا، لأ، دا معانا، هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، في رواية الإمام مسلم قال -عليه الصلاة والسلام-: "رجال، رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس" مَفيش أبلغ من هذا التعبير النبوي، رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، فترى جسد إنسان، ترى إنسانًا، لكنه يحمل قلب شيطان، وترى إنسانة تحمل مش قلب .. لأ، شكل شيطان، تحمل شكل شيطان، وقلب شيطان، ثم تُعبر عن هذا القلب المملوء بالكفر وتقول: حتى التوحيد قد ظلم المرأة»
                        استمع إلى كلامه بصوته من هنا: http://www.mediafire.com/?e8u5corisl7cgk9#1
                        قلت: ينسف كلامك هذا في الرموز!! تبديع أهل العلم لكل أو لجل تلك الرموز عندك من أمثال الحويني وعبد الرحمن بن عبد الخالق، وأبي الحسن المصري نزيل مأرب، وأحمد النقيب، وأحمد بن أبي العينين، ومحمد بن إسماعيل المقدم، ومن كان على منواله من مدرسة الإسكندرية.
                        فإن كان هؤلاء هم العلماء والكبراء والشيوخ -ولا شك في كونهم كذلك عندك- فقد ناديت على نفسك بالجهل والبدعة على رءوس الأشهاد، وهذا الذي نعرفه عنك وعن هؤلاء وأشباههم ونظرائهم من أمثال سفر الحوالي فرخ محمد قطب الإخواني وسلمان العودة، وغير هؤلاء كثير -لا كثرهم الله-.
                        ثم إن لفظة «رموز» عند أهل العلم ليست من ألفاظ المدح عند إطلاقها، ولا نعرفها من ألفاظ التعديل والتزكية عند الأئمة في القديم ولا في الحديث، فهذا لفظ مجمل، نعم، هم رموز في مخالفة منهج السلف والطعن في أهله وتشويههم، فلا بارك الله في رموز هذا حالها، وعجل الله بإسقاطها -هذا إن لم تكن سقطت-!!
                        قلت: بل سقطت.
                        وأمثال هؤلاء تعرف منهم وتنكر، فلهم نصيب من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- الذي ذكرتَه.
                        أما رواية مسلم التي فيها: ((رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس))
                        فمن أهل العلم من صححها ومنهم من أعلها، وعلى كل حال فهي صحيحة المعنى، وقد أوردها مسلم في المتابعة.
                        قوله: «لأن الأمة إن تنحت عن هذا المنهج الصافي في التلقي -ألا وهو منهج العلماء الربانيين، الذين يقولون قال الله وقال رسوله- راحت الأمة لتذوب بعد ذلك في أي منهج آخر من مناهج التلقي، تلك المناهج التي تصطدم اصطدامًا مباشرًا مع منهجنا الرباني والنبوي»
                        قلت: كذبت ورب الكعبة، فإن منهجكم ليس بشافٍ ولا كافٍ ولا وافٍ ولا صافٍ، وإن كان منهجكم صافيًا فكيف يكون منهج ابن باز والألباني وابن عثيمين ومقبل الوادعي وربيع المدخلي وأحمد النجمي وصالح الفوزان، وغيرهم من أئمة الإسلام الأعلام الذين ينقَضون كالأسود أو الشهب المحرقة على معاقل أهل الأهواء، ودعواكم أن منهجكم هو الرباني والنبوي، مجرد دعوى لا يعجز عن مثلها أي عاجز من أمثالكم أومن غيركم، وأمركم كما قيل:

                        وكل يدعى وصلاً لليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاكا

                        وكفاكم دجلاً على أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وإلا، فكيف يكون معاداة أهل الحق ومنهجهم السلفي الحق، وموالاة أهل الضلال والأهواء والذب عنهم، وتأصيل الأصول الفاسدة والقواعد الكاسدة في سبيل ذلك، كيف يكون ذلك كله منهجًا ربانيًا نبويًا؟!
                        وصدق رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حين قال:
                        ((وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا))
                        وقوله: «لقد كان الإمام مالك لا يحدِّث بحديث إلا إذا توضأ، ومشط لحيته وطيبها، ولبس أجمل ما عنده من الثياب، ثم جلس، وقال: إنما أريد أن أعظم حديث رسول الله.
                        فتعظيمك وتوقيرك لأهل العلم توقير منك لرسول الله، وتعظيم منك للسنة، ولم لا؟! والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد علمنا وأدبنا أن نوقر علمائنا، وأن نوقر كبراءنا ...»
                        قلت: خدعتم الناس بمظهركم مع سوء مخبركم، وسوءُ مخبركم يروجه اشتغالكم بمظهركم وتزيينه، وتعظيم أمثالكم ليس من تعظيم السنة وحديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في شيء، على أن منكم من لا يسلم في مظهره -أيضًا- فمن ذلك حلق الشارب، أو شبه حلقه، فإن حلْقه مُثْلَةٌ يؤدَّب صاحبه كما قال الإمام مالك -رحمه الله- هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم، حيث حملوا روايات أدلة الجز والإحفاء على رواية القص باعتبارها مفسّرة، اختار هذا بعض أهل العلم من السابقين واللاحقين، أما رواية الحلق التي في بعض السنن فقد سمعت شيخنا الوادعي -رحمه الله- يقول فيها: "كأنها شاذة"
                        قلت: نعم، المسألة خلافية ولكنكم لستم أهلاً للترجيح، ولا حجة في الأقوال القائلة بالحلق، ولو علَت رتبة أصحابها، وقد قال بالقص إمام أهل الحديث في زماننا محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- والذي اختاره الإمام النووي في الشارب في شرح مسلم هو قصه حتى يبدو إطار الشفة، وعلى هذا اعتقادنا وعملنا قديمًا وحديثا -ولله الحمد- فكيف إذا ضُم إلى فساد المظهر فساد المخبر؟! ولا شك في أن فساد المخبر أشد.
                        أما الإمام مالك -رحمه الله- فقد كان حسن المظهر حسن المخبر، فقد كان من أئمة السنة الأعلام، الذين ينهون عن الأخذ عن أهل البدع، فضلاً عن النهي عن البدع نفسها، وجاء في بعض الآثار أن رجلاً أتى مالكًا -رحمه الله- فقال: إني أريد أن أناظرك، فقال: فإن غلبتك؟! قال: اتبعتك، قال: فإن غلبتني؟! قال: اتبعتني، قال: يا هذا، إن محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أتانا بدين واحد، وإني أراك عرضة للتنقل، أو كما في الأثر.
                        وجاء عنه -أيضًا- أنه قال: أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاءنا به محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من أجل جدله؟!
                        ولقد كان مالك -رحمه الله- هو إمام دار الهجرة، ولا يكون العبد إمامًا حتى يجمع الإخلاص واليقين، كما قال بعض العلماء: بالإخلاص واليقين تُنال الإمامة في الدين استدلالاً بقوله -تعالى-:
                        {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
                        ومواقفكم وكلامكم وخطتكم ومنهجكم يعكر على يقينكم وإخلاصكم تعكيرًا شديدًا، بل هذا كله منكم ينافي الإخلاص وينافي اليقين معًا، وإذا كان الإمام مالك -رحمه الله- قد قال فيمن يحلق شاربه يؤدَّب، فكيف لو علم ما أنتم عليه من معاداة أهل السنة السلفيين، وموالاة أهل البدعة الخلفيين؟!
                        فلا تتمسحوا بمالك ولا بغيره من أئمة السنة، حتى لا يظن العوام الرعاع الجهلة أنكم على مذهب مالك، فيظنون أن مذهب مالك هو مذهبكم، ومذهبكم هو مذهبه، فلا تظلموا مالكًا ولا غيره من أئمة الإسلام، ولا تظلموا أتباعكم، ولا تظلموا أنفسكم، واتقوا الله في دين الله -سبحانه-.
                        على أنني لا أعلم -في الوقت نفسه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان لا يحدث بحديث إلا إذا توضأ ومشط لحيته وطيبها ولبس أجمل ما عنده من الثياب ثم جلس -أي للتحديث- ولا أعلم أن السلف الكرام والتابعيين لهم بإحسان كانوا لا يحدثون بحديث إلا إذا توضأوا ومشطوا لحاهم وطيبوها ولبسوا أجمل ما عندهم من الثياب ثم جلسوا، فهذا -إن ثبت كله عن مالك- سنة مالك ومن وافقه، ولسنا في الوقت نفسه منكرين حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
                        ((إن الله جميل يحب الجمال ...)) الحديث، لما قال له رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة لما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                        ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))
                        أما تعظيم أهل العلم فهو من تعظيم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وتعظيم حديثه وسنته، بل هو من تعظيم الرب -سبحانه وتعالى-.
                        لكن تعظيم أهل الأهواء والبدع من أمثالكم فعلى الضد من ذلك، وقد جاء عن بعض السلف قوله: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
                        إي والله، فنخبركم بأننا لسنا لكم ولأمثالكم من أشياع الضلال موقرين، ولا لحرمتكم معظمين، وكيف نعظم حرمتكم ونحن لأستاركم هاتكون، ولأعراضكم منتهكون؟! جزاء بما كسبت أيديكم وقلوبكم من الأهواء، وانتصارًا للمنهج السلفي وأتباعه، وانتصارًا لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولحديثه وسنته، وإنصافًا لأئمة الإسلام السابقين واللاحقين، من أمثال مالك وغير مالك.
                        هذا، وإن قول مالك فيمن حلق شاربه: يؤدب، شاهد حق، ومثال صدق على الإنكار على المخالف في الفروع، فليُعلم.


                        التعليق على الدرس الثالث عشر بعد المائة الأولى:


                        من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.



                        ليلة الجمعة الموافقة للرابع من جمادى الآخرة لعام ألف وأربعمائة وسبعة وعشرين من الهجرة.


                        قوله: «يبئى معتقد ومنهج، معتقد ومنهج، مش معتقد سليم ومنهج مختل، مَتْجيش، إسلام غاية ووسيلة، تتجه للإسلام غاية بوسائل الإسلام المشروعة، يبئى معتقد صحيح على معتقد السلف، ومنهجك أيضًا على منهج السلف، مش سلفية الاعتقاد وعصرية المواجهة، لأ، وسلفية المواجهة -أيضًا- منهج السلف في الاعتقاد، منهج السلف في السلوك، منهج السلف في التفكير»
                        استمع إلى كلامه بصوته من هنا: http://www.mediafire.com/?gxq3z42xenpbfxd
                        أقول: لم يصرح -عند التأمل- بتلازم الاعتقاد والمنهج، فسلامة الاعتقاد يلزم منها سلامة المنهج، وسلامة المنهج يلزم منها سلامة المعتقد، ولا يتصور سلامة الاعتقاد وفساد المنهج، كما لا يتصور سلامة المنهج وفساد الاعتقاد، وعلي الحلبي ممن يقول بعدم التلازم، وقد رُد عليه في ذلك، والتلازم هو القول الصواب الذي لا محيص ولا محيد عنه، والحلبي ممن يدافع عن الدجال هذا، على أن لفظ سلفية المواجهة أيضًا فيه إجمال، فإن قصَد المنهج فالمعنى صحيح، ولفظة المواجهة غير سلفية في التعبير عن المنهج، وإن لم يقصد المنهج لزمه بيان المقصود بالمواجهة، ومثل هذه الألفاظ المجملة سبب من أسباب ضلال الخلق وإضلالهم قديمًا وحديثًا، وموقف أهل السنة من الألفاظ المجملة المحدثة هو الاستفصال من صاحبها، فإن قصد معنى صحيحًا قُبل المعنى ورُد اللفظ المجمل المحدث، وإن قصد معنى باطلاً، رد المعنى واللفظ المجمل المحدث أيضًا، وما أكثر الألفاظ المجملة الموهمة في استعمال أهل الأهواء قديمًا وحديثًا!!
                        ووجه وجوب الاستفصال من قائلها هو أن هذه الألفاظ قد تحتمل معنى حقًا، وقد تحتمل معنى باطلاً، فمن ردها بإطلاق قد يرد المعنى الحق المقصود منها، ومن قبلها بإطلاق قد يقبل المعنى الباطل المقصود منها، فمن هنا وجب الاستفصال من قائلها عن مراده ومقصوده، فمن أتى بلفظ مجمل محدث، وقصد به معنى حقًا، قُبل المعنى الحق، ورد اللفظ المحدث، ومن قصد به معنى باطلاً، رُدَّ لفظه ومعناه معًا، ومن هذه الألفاظ المجملة التي وقعت في كلام أهل البدع: نفي الحيز، والتركيب عن الله -عز وجل - فإن قصدوا بنفي الحيز نفي العلو، رد لفظهم ومعناه معًا، وإن قصدوا بنفي الحيز إثبات العلو مع عدم مماثلته -سبحانه- للمخلوقين قبل المعنى، ورُدَّ اللفظ؛ لأنه محدث، وكذلك لفظ التركيب، فإن قصدوا بنفي التركيب نفي الصفات الخبرية عن الله، والتي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كالوجه واليدين والساق والقدم والأصابع ونحو ذلك، رُدَّ عليهم لفظهم ومعناه معًا، وإن قصدوا بنفي التركيب نفي مماثلة الله للمخلوقين، مع إثباتهم لتلك الصفات في الوقت نفسه، قبل مقصودهم من معنى اللفظ، ورد عليهم ذلك اللفظ؛ لأنه محدث.
                        وهكذا لفظ التجسيم، فإن من نفى التجسيم عن الله استُفصل منه عن معنى التجسيم، فإن قصد معنى حقًا، قبل معناه الذي قصده، ورُد عليه لفظه المحدث، وإن قصد معنى باطلاً، رُد عليه لفظه ومعناه معًا، وهكذا.
                        فلفظة «المواجهة» في قول القائل: «عصرية المواجهة» أو في قول القائل: «سلفية المواجهة» يستفصل من صاحبه، فإن قصد معنى حقًا قبل المعنى الحق، ورد اللفظ، وإن قصد معنى باطلاً، رُدَّ اللفظ والمعنى معًا.
                        ووجه رد اللفظ المجمل المحدث، ولو قصد صاحبه معنى حقًا، هو أن مثل هذا اللفظ يوهم معنى باطلاً، والدين مبني على البيان والتفصيل، لا على الإجمال والإيهام، على أن غالب من يستعملون تلك الألفاظ المجملة يقصدون بها معنى باطلاً، ذلك؛ لأن أهل السنة أعلم بالألفاظ التي تدل على المعاني الصحيحة؛ لأن ألفاظهم مستقاة من الألفاظ السلفية الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة ومن ألفاظ سلف الأمة، أما أهل الأهواء لما كانوا بعيدين عن الاستقاء من منابع الشريعة الصافية، ضلوا عن الألفاظ الشرعية، ثم تحذلقوا وتكلفوا وأتوا بألفاظ من تلقاء أنفسهم، ومع ذلك فإن أهل السنة لعدلهم وعلمهم لم يردوا تلك الألفاظ مطلقًا ولم يقبلوها مطلقًا، وإنما أوجبوا الاستفصال من قائلها عن مقصوده حتى لا يردوا معنى حقًا قصده صاحبه من اللفظ، ولا يقبلوا معنى باطلاً قصده صاحبه من اللفظ، فلله در أهل السنة العلماء الحكماء!!


                        التعليق على الدرس الخامس عشر بعد المائة الأولى:


                        من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.



                        ليلة الجمعة الموافقة للثامن عشر من جمادي الآخر لعام ألف وأربعمائة وسبعة وعشرين من الهجرة.


                        قوله:«قال تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} يا الله!! علي كلمة دعا إلى الله دي، إلي الله، ومن أحسـ .. لازم القيد ده، ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى .. إلى الله مش إلى جماعة، ولا إلى حزب، ولا إلى شيخ، لأ، إلى الله.
                        تبئى الدعوة لله، قل هذه سبيلي أدعوا إلى .. إلى الله، مش إلى جماعتي، ولا إلى حزبي، وأسأل الله أن يطهرنا من هذه الحزبية المقيتة، ومن هذه الحزبية البغيضة، ولطالما دعوتُ، وسأظل أدعو إلى نبذ هذه العصبيات، وإلى ترك هذه الحزبيات التي ملأت قلوب شبابنا -إلا من رحم الله- بالعصبية، وصار كثير من شبابنا يوالي ويعادي على جماعته التي ينتمي إليها، فجماعتي هي جماعة المسلمين، يا عم بِرَّاحه شوية، جماعتك مِن المسلمين، مش جماعة المسلمين، فجماعتي هي جماعة المسلمين، وهي الأنصع علمًا، شيوخها هم الأنصع علمًا، والأعظم حجة، والأعظم دليلاً، والأسطع برهانًا، وما عداها من الجماعات على الساحة فعلى الباطل، قال -تعالى- والله العظيم كده، مكتوب كده، قال -تعالى-: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}شيء عجيب، شيء عجيب، زي بالضبط واحد مَبيصليش، مَبتصليش ليه؟ يئولك: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} خلل، فأنصح أحبابي، والله من كل قلبي، ياخي لا تتحزب، يا أخي، لا تتعصب، لا تنتمي لأي جماعة، لا تنتمي لأي جماعة، شئتَ أم أبيت سيمتلئ قلبُك بالعصبية البغيضة المنتنة لهذه الجماعة وأنت لا تدري، وما أجمل!! وأروع!! وأعظم!! وأشرف!! وأكرم!! قول شيخي وحبيبي ابن القيم!!: إن سألوك عن جماعتك، مَتئولش إخوان مسلمين، ولا تبليغ، ولا سلفية، مَفيش حاجة اسمها سلفية، مفيش جماعه اسمها جماعة السلفية، مفيش جماعه سلفية خالص، فيه منهج سلفي، قرآن وسنة بفهم السلف، يجب على كل مسلم على وجه الأرض أن يكون هذا المنهج هو الذي يَدين به ربه، قرآن وسنة بفهم السلف، لكن مَفيش جماعه اسمها جماعة السلفية إطلاقًا، لا تئول: إخوان، ولا تئول: تبليغ، ولا تئول: سلف، ولا تئول: جمعية شرعية، ولا ولا، يا أخي جماعتي زي مَبيئول ابن القيم: "إن سألوك عن جماعتك، فقل: "هو سماكم المسلمين" الله، الله، بتديأ ليه اللي ربك وسّعه يا أخي؟ بتديأ ليه اللي ربنا وسعه؟ جماعتي اللي بَعْتز بيها، هي جماعة المسلمين، مين زيي؟! أنا صاحب أشرف وأطهر جماعه عرفَتها الأرض، جماعة المسلمين، طيب، وإن سألوك عن شيخك؟ فقل: شيخي رسول الله، بس، مش شيخي فلان، بتحضر له ولا مبتحضرلوش؟ بتحضر له؟ تبئى انت واد زي الفل، وراجل محترم، وعقلية نضيفه و..، مبتحضرلوش؟ تبئى .. مش هئول بئه الكلام التاني، وصار الولاء والبراء يُعقد لبعض المشايخ، وهذا منهج مختل يا إخوة، والله أقولُها لك بصدق، أقسم بربي وبكل أمانة: لا تعقد الولاء والبراء لأشخاص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية، في كلام يكتب بالنور، لا بالذهب، بالنور: "ليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إليه، ويوالي ويعادي عليه غير النبي -صلى الله عليه وسلم- بس، بس، ولا أي مَخْلُوء آخر، ولا أي مخلوء آخر.
                        أوالي وأعادي على شيخي، لأه، منهج مختل، منهج مختل والله، لا يقول به أبدًا أي عالم أو أي طالب علم ينتسب إلى يعني .. هذا العلم وهذا المنهج الرباني المنير، القرآن والسنة بفهم السلف.
                        اسمع الكلام التاني لشيخ الإسلام: "وليس لأحد أن ينصب للأمة كلامًا كلامًا يدعو إليه، ويوالي ويعادي عليه، غير كلام الله ورسوله، وما اجتمعت عليه الأمة" سيبك بئه من التحزب ده، عاوزين ياخوانا .. عاوزين نخرج بأه، الواقع أليم، الواقع أليم، لسه في الحزبيه البغيضة؟! لسه شبابنا واقع في الحزبية البغيضة؟! الأمة بتُذبَح، الأمة بتذبح، عاوزين نتخلص من هذه القوالب الحزبية الضيقة.
                        إن سألوك عن جماعتك فقل: "هو سماكم المسلمين" جماعتي هي جماعة المسلمين وأوالي وأعادي، وأحب وأبغض، بقدر قُرب كل واحد من هؤلاء وبُعده عن هذا المنهج الحق، قرآن وسنة بفهم السلف، يعني قد أوالي أخًا من
                        إخواني في الهند، في السودان، في انجلترا، في أمريكا، في الصين، وأحبه أكثر من حبي لأخي ابن أمي وأبي؛ لأن هذا الأخ الأول قد حقق من الدين والتمسك بهذا المنهج ما لم يحققه أخي ابن أمي وأبي، القضيه مش قضية أهواء، قضية دين، وتَنْصُر هذا الدين بصدق مش بهوى، وإن سألوك عن شيخك فقل: شيخي رسول الله، دا منهج السمع والطاعة، قرآن وسنة بفهم السلف الصالح؛ لأنهم أفهم الناس لمراد الله ورسوله، طيب، وإن سألوك عن منهجك بئه، إيه المنهج؟ مَهو الكل عمّال بيئول: احنا قرآن وسنة، قرآن وسنة، وكلٌ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك، اللي يضبط المسألة دي، القرآن والسنة بفهم السلف الصالح، وفهم السلف، مَتصنفنيش بئه، تؤول: بس، كده الشيخ وَضَح، أنا بئولك: المنهج ده يجب أن يكون عليه كل مسلم ومسلمة، أيًا كان انتماؤه على وجه الأرض»
                        استمع إلى كلامه بصوته من هنا:http://www.mediafire.com/?fvi5b58dlc2128n
                        قلت:
                        قوله: «فجماعتي هي جماعة المسلمين، وهي الأنصع علمًا، شيوخها هم الأنصع علمًا، والأعظم حجة، والأعظم دليلاً، والأسطع برهانًا، وما عداها من الجماعات على الساحة فعلى الباطل، قال -تعالى- والله العظيم كده، مكتوب كده، قال -تعالى-:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} شيء عجيب، شيء عجيب»
                        هو منه تقديم وتوطئة وتمهيد لما سيأتي من نفيه جماعة أهل السنة والجماعة الخاصة، التي هي الجماعة السلفية، التي هي على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وإن لم يكن لهم أمير، وهذه الجماعة هي التي تحظى بكل أوصاف وألقاب المدح -أعني اللائقة بهم- وماعدا هذه الجماعة فهي -بلا شك- فرق زيغ وضلال، ولا تَصْدق الأوصاف والألقاب الطيبة إلا على هذه الجماعة، وما سواها من الفرق فإنها كاذبة في دعواها أنها على الحق، وأفراد هذه الجماعة يستدلون بمثل قوله -تعالى-:
                        {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} على ضلال كل الفرق التي زاغت عن منهج أهل السنة والجماعة، ألا وهو المنهج السلفي المبني على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
                        ولا عجب ولا غرابة في استدلال أهل السنة والجماعة بمثل هذه الآية على ضلال سائر الفرق والأحزاب، وإنما العجب من هذا الاستدلال واستغرابه أو استبعاده إنما يأتي من قِبل أصحاب الأهواء والقلوب المريضة السقيمة التي لم تذق طعم المنهج السلفي، الذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة في جميع الأعصار والأمصار، تلك الجماعة التي لا تفتات على أولياء الأمور بنصبها أميرًا عليها دون ولي الأمر الشرعي من حاكم أو ملك أو سلطان أو خليفة؛ فهم قد جمعتهم -ولله الحمد- السنة، وكفى بها جامعًا!!
                        قال الدجال: «زى بالضبط واحد مَبيصليش، مَبتصليش ليه؟ يئولك:
                        {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} خلل»
                        أقول: كذب الدجال، فهذا ليس مثل ذاك، إذ كيف يسوي بين استدلال أهل السنة السلفيين السائرين على سبيل الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة بمثل قوله -تعالى-: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}على ضلال سائر الفرق، وبين استدلال تارك الصلاة على تركه للصلاة بقوله -تعالى-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}؟!
                        إن مثل هذه التسوية مكابرة للشرع وللحس وللواقع، مما يدل على مغالطة ودجل هذا الدجال وجهله وعناده، وإلا، ففي أي عقل يستوي استدلال هذا مع استدلال ذاك؟!
                        نعم، يستوي ذلك عند من سلب الله منه نعمة العقل -نسأل الله العافية-.
                        ثم أقول: ما اعتدى هذا الدجال على السلفيين في هذا الدرس إلا لأنهم بمنهجهم السلفي قد أرقوا أهل الأهواء، وأقضوا مضاجعهم من أمثال فرقة الإخوان المسلمين، وفرقة التبليغ، والفرقة السرورية والقطبية والحدادية، وفرقة أدعياء السلفية أفراخ تلك الفرق، فذهب يشدخ في رأس السلفيين والمنهج السلفي تحت ستار أنه ليس هناك جماعة اسمها الجماعة السلفية، مع أن هذا الدجال يعلم علم اليقين أنه ليس للسلفيين في أقطار الدنيا أمير دون ولي أمرهم، وهو حاكم قطرهم، ولكن حنقه على السلفيين ومنهجهم هو الذي دعاه إلى هذا الافتراء على السلفيين.
                        وقد قرن الدجال في النفي بين جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين وبين السلفية، مع أن جماعة التبليغ فرقة من الفرق، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، فإنها فرقة من الفرق، وقد بدعهما العلماء، وما أكثر هؤلاء العلماء!! الذين بدعوا هاتين الجماعتين، وعدُّوهما من أهل البدع والضلال، ومن الفرق الزائغة.
                        أما السلفية فمنهج، وهو منهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وهذا لا غبار عليه إلا عند من تقطعت أحشاؤه، أو كادت أن تتقطع غيظًا وحنقًا على المنهج السلفي وأهله، فذهب ينفي السلفية، ومثله كمثل من مد يده إلى السماء لينال منها!!
                        ونقول لمثل هذا:ارجع يدك كرتين تنقلب إليك يدك وهى حسيرة.
                        نعم، السلفيون نالوا من هذا الدجال، وبلغوا منه ومن نظرائه مبلغًا عظيمًا حتى كادوا ألا يبقوا منهم شحمًا ولا لحمًا ولا عظمًا، وكادوا ألا يبقوا لهم عينًا ولا أثرًا، ولا يبقوا من كلامهم نثرًا ولا نظمًا.
                        وتأمل غيظه على الدعوة السلفية والمنهج السلفي وأهله حينما قرن السلفية بالإخوان المسلمين والتبليغ، مع أنه جمع بين الحق والضلال، والطيب والخبيث، والسنة والبدعة، غير أنه لم يكتف بذلك فحسب، وإنما ركز وأكد على نفي السلفية دون تأكيده على نفي الإخوانية والتبليغية، فنفاها مرة أخرى -أي السلفية- ثم عدل عن هذا النفي -لشناعته وبشاعته- إلى نفي الجماعة السلفية، وكأنه رأى أن هذا مخرج له من المأزق الذي وقع فيه بسبب حنقه وغيظه وتحامله على السلفيين ومنهجهم، وشأنه في هذا العدول كما قيل:

                        المستجير بعمرو عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار

                        وذلك؛ لأن كل فرقة من فرق الضلال كالتبليغ والإخوان لهم أميرهم الذي يصدرون عن رأيه، ولهم خلاياهم ونظامهم، تلك الخلايا الخبيثة، والنظام المحلول المنثور المبعثر، وهم في ذلك منازعون لأولياء الأمور من حكامهم.
                        أما السلفيون فهم عند الكتاب والسنة، وعند كبار الأئمة والعلماء، فكيف يقرن هذا الدجال بين السلفية وبين مناهج الضلال وفرق الضلال؟!
                        وكيف ينفي السلفية؟! وما هي إلا منهج مبني على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
                        ونفي السلفية يساوى ويعدل نفي السنة, بل من نفى السلفية فقد نفى الكتاب والسنة.
                        ثم بعد هذه الحيرة من هذا الدجال عاد ليثبت المنهج السلفي، وأنه قرآن وسنة بفهم سلف الأمة، فأثبت ما نفاه في آن واحد، وهذا هو التناقض الذي قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فإن التناقض أول مقامات الفساد.
                        وهو ما أثبت المنهج السلفي هاهنا إلا ذرًا للرماد في عيون السلفيين، وإلا، فالسلفيون يعرفون أن السلفية، وأن المنهج السلفي هو قرآن وسنة بفهم سلف الأمة، فكان عليه أن يبين لفرق الضلال من الإخوان والتبليغ والقطبية والسرورية وغيرها هذا المنهج، وأن يبين ما عليه تلك الفرق من الضلال والزيغ والانحراف عن جادة الصواب، وجادة طريق السلف الصالح، فأكثر مذكور قد نال الدجال منه من هذه المناهج في كلامه هو المنهج السلفي وحملته، وليس في كلام ابن القيم-رحمه الله- نفي للسلفية ولا للمنهج السلفي من قريب ولا بعيد، فالإسلام هو السلفية، والسلفية هي الإسلام، والمسلم هو السلفي، والسلفي هو المسلم بهذا الإطلاق.
                        هذا، وإلا لزمك أن تنفي السنة -أيضًا- لأنها ليست مذكورة في كلام ابن القيم تنصيصًا، فلو قال لك قائل: أرافضي أنت أم سني؟!
                        فماذا عساك أن تقول؟!
                        أتقول: لستُ رافضيًا ولا سنيًا، ولكن أنا مسلم؟!
                        فإن أثبت السنية -وإن لم تُذكر على سبيل التنصيص في هذا الموضع من كلام ابن القيم- فكذلك نثبت السلفية، وإن لم تذكر على سبيل التنصيص هاهنا في هذا الموضع.
                        وابن القيم -رحمه الله- يثبت السلفية، ويثبت هذا الاسم في غير هذا الموضع، ومن باب أولى يثبت السنة، فيحمل كلامه هنا على إرادة إبطال الأسماء التي تسمى بها أهل الزيغ والبدع والضلال، مفرقين بها جماعة المسلمين بالأمس كما فرقها فرقة الإخوان المسلمين والتبليغ والقطبية والسرورية وغيرها اليوم.
                        تلك الفرق التي تواليها، وتعادي من أجلها مذهب السلف الكرام، ولقد قال الألباني -رحمه الله- ما معناه: لما كان كل أحد -أي بما في ذلك أهل البدع والضلال- يقول: كتاب وسنة، احتيج إلى لفظة السلفية أو المنهج السلفي، هذا هو الألباني الذي تتشدق بذكره في بعض المواضع لحاجة في نفسك، ولا تخطو على خطى الألباني السني الأثري السلفي.
                        وما أكثر كلام الألباني -رحمه الله- عن السلفية والمنهج السلفي، وحديث الافتراق، وحديث العرباض بن سارية الذي فيه ذكر الاختلاف!!
                        فما لك لست ألبانيًا سلفيًا هاهنا؟!
                        فدعك من التمسح بالألباني، فالألباني قد رمى أهل الضلال بعد أن وضع سهمه في كبد قوسه، ومن هؤلاء فرقة الإخوان المسلمين وفرقة التبليغ، فكن على ذُكر من ذلك، وأين أنت من الألباني؟!

                        سارت مشرقة وسرت مغربًا *** شتان بين مُشَرِّقٍٍ ومُغَرِّبٍ

                        فمن عمد إلى نفي الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، فليس له أن ينفي معها الاسم الشرعي الحق، فكيف إذا كان مقصود النافي لسائر الأسماء هو الحملة على المنهج السلفي، والحمل والتحامل على أهله؟!
                        وكيف تنفي السلفية وأنت تقول في كلامك:
                        «منهج سلفي، قرآن وسنة بفهم السلف»؟! وهل السلفية إلا كذلك؟!
                        وهل السلفيون إلا أتباع هذا المنهج السلفي الذي هو قرآن وسنة بفهم السلف؟!
                        فالذي يدين بمذهب السلف لابد أن يكون سلفيًا،كما أن الذي يدين بمذهب الخلف لابد أن يكون خلفيًا، فمن دان بمذهب الاعتزال سمي معتزليًا، ومن دان بمذهب القدر -أي نفي القدر- سمي قدريًا، ومن دان بمذهب الأشعرية سمي أشعريًا، ومن دان بمذهب الرفض سمي رافضيًا، ومن دان بمذهب الجهم سمي جهميًا ، ومن دان بمذهب الإرجاء سمي مرجئًا، ومن دان بمذهب الخروج على حكام المسلمين وولاة أمرهم -كما هو شأنكم في هذه الأيام- سمي خارجيًا، وهكذا، فما الذي منع من تسمية من دان بمذهب السلف سلفيًا؟!
                        واعلم أنه ليس لك سلف في ذلك، فأنت فاتح باب ضلالة، ومذهبك هذا باطل كعكس مذهب المعتزلة الباطل، فالمعتزلة يقولون عن الله: حي بلا حياة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، وهكذا، فيثبتون الأسماء وينفون الصفات، وهو مذهب باطل وغير منصور، وأنت بمذهبك هذا قد شابهتهم، غير أنك عكست، فأثبت الصفة ونفيت الاسم، فأتيت بالمحال، هذا مقتضى كلامك مع إيرادك لكلام ابن القيم في هذا السياق، وهذا مذهب غير منصور أيضًا، فكما أن الحي لابد أن يكون موصوفًا بالحياة، وأن يكون العليم موصوفًا بالعلم، والحليم بالحلم، والسميع بالسمع، والبصير بالبصر، إلى غير ذلك، فكذلك لابد من وصف بالحياة أن يكون حيًا، ومن وصف بالعلم أن يكون عليمًا، ومن وصف بالحلم أن يكون حليمًا، ومن وصف بالسمع أن يكون سميعًا، ومن وصف بالبصر أن يكون بصيرًا، إلى غير ذلك.
                        فكذلك من وصف باتباع المنهج السلفي لابد أن يكون سلفيًا،كما أن السلفي لابد أن يكون موصوفًا باتباع المنهج السلفي، وهذا واضح لا يخفى إلا على العميان المنافحين عن أهل الضلال بنفي الحق، ومثله كمثل مسلم نفى اسم المسلم لأجل أن ينفي اسم النصراني أو اليهودي، فما الظن بمن نفى اسم اليهودي أو النصراني ومقصوده الأعظم نفي اسم المسلم؟!
                        خاب أهل الأهواء والضلال وخسروا.
                        فلو قال الدجال متهوكًا:
                        أنا نفيت اسم الجماعة السلفية، ولم أقصد نفي اسم السلفي، قلنا:
                        الجماعة السلفية ما هي إلا سلفيون، ثم إن لفظ "الجماعة" في ذاته ليس محظورًا، فهو كلفظ الطائفة المذكورة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                        ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون))
                        نسأل الله أن يجعلنا من هذه الطائفة، وهذا وذاك كلفظ حزب، فإن لفظ الحزب ليس محظورًا لذاته، فقد قال -تعالى-:{فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
                        وقال: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
                        فلو قلنا لهذا الدجال: أمِن حزب الله أنت أم من حزب الشيطان؟!
                        فماذا عساه أن يقول؟!
                        ولو قلنا له: أمِن الطائفة الظاهرة المنصورة أنت، أم من الطائفة المخالفة الخاذلة المخذولة المقهورة؟!
                        فماذا عساه أن يقول؟!
                        فإن أثبتَّ أنك من حزب الله، ومن الطائفة المنصورة، لزمك أن تثبت أنك من الجماعة السلفية، فهي حزب الله وهى الطائفة المنصورة، ولا يلزم من ذلك تكفير من كان مسلمًا مبتدعًا لم تبلغ به بدعته إلى الكفر، فتفطن.
                        ففرق بين السلفية المطلقة، ومطلق السلفية، والإيمان المطلق، ومطلق الإيمان، والإسلام المطلق ومطلق الإسلام، وهكذا.
                        وإن نفيت كونك من الجماعة السلفية -ولست منهم عندنا- لزمك نفي اسم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية المنصورة، ولزمك -أيضًا- نفى كونك من حزب الله الغالبين المفلحين.
                        هذا الذي ذكرناه لك هنا هو من باب الإلزام والحجاج، وإلا، فأنت لست عندنا سلفيًا، فكن على ذكر من ذلك.
                        وما حَكم عليكم أهل العلم بذلك إلا بعد أن ثبت لديهم دلائل وبراهين هذا الحكم، تلك الدلائل والبراهين التي نحن بصدد بيان بعضها من خلال التعليق على بعض دروسكم ومقالكم!!
                        وليُعلم أنه ليس كل جماعة سمت نفسها بالجماعة السلفية، أنها سلفية حقًا، ما دامت لم تحقق المذهب السلفي.
                        إذا علم هذا، فليعلم أن ابن القيم -رحمه الله- هو وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كانا سلفيين، وهكذا سائر أئمة الإسلام، ومقصود ابن القيم نفي البدع والضلالات والأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، فلكل مقام مقال، على أنه كما سبق لم ينف لفظ السلفية في هذا الموضع، فلا يلزم من السكوت عنه في هذا الموضع نفيه!!
                        كيف وقد أثبته في موضعآخر.
                        وهذا شبيه بقول ابن القيم -فيما حكاه هو عنه-:
                        «وإن سألوك عن شيخك فقل: شيخي رسول الله»
                        فليس فيه نفي اسم الشيخ عن غير النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فما من طالب علم إلا وله شيخ أو شيوخ أخذ عنهم العلم في الغالب، بل إن ابن القيم -رحمه الله- نفسه كان يقول، قال شيخنا -قدس الله روحه-: كذا، يعني شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فمن لم يعرف مقصد العلماء من كلامهم، قََوَّلهم ما لم يقولوه، ونسب إليهم ما لم يعتقدوه.
                        قال:«قال شيخ الإسلام ابن تيمية ...:
                        "ليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إليه، ويوالي ويعادي عليه غير النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-»
                        قلت:كلام شيخ الإسلام ابن تيمية حق، وأراد به الدجال باطلاً، وإلا، فمتى كان السلفيون ينصبون للأمة شخصًا يدعون إليه، ويوالون ويعادون عليه، فما قاله حق، وما خالفه باطل؟!
                        هذا معناه ادعاء العصمة لغير النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والسلفيون يعتقدون طروء وورود ووقوع الخطأ من الأئمة فضلاً عن غيرهم، ولا يعتقدون عصمتهم من الخطأ، ولكنهم في الوقت نفسه -خصوصًا زمن الفتن- يدعون للأخذ عن العلماء والأئمة، ويحذرون الناس من الأخذ عن أهل البدع، ويوالون من يوقر الأئمة ويسير على منهاجهم الذي هو منهاج رسول الله -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- ومنهاج صحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان، ويعادون من حقر الأئمة وخالف سبيلهم الذي ساروا عليه، سبيل السلف الصالح -رضي الله عنهم- وقد كانوا يمتحنون الناس بمثل أحمد وحماد، فمن طعن فيهما أو في مثلهما فليس بسلفي، وإنما هو مبتدع؛ لأن مذهب أحمد وحماد كان السنة، فليس هناك من الطعن فيهما أو في أمثالهما حينئذ إلا الطعن في المنهج السلفي الذي هما وغيرهما من الأئمة عليه، ولم يكن هذا منهم ادعاءً للعصمة لأحمد وحماد أو غيرهما من الأئمة، فلابد من فهم كلام أهل العلم على وجهه، ولكن الدجال لم يوفق لهذا الفهم, ونقله لمثل هذا الكلام عن شيخ الإسلام ما هو إلا تمويه على الأغرار وخداع لهم، ومثل هذا الدجال في الوقت نفسه يوالي ويعادي على مذهبه مع رداءته، ولا تنس قولك فيما سبق:«المشايخ والعلماء ياميجيش، مشُفش خِلْئِتُه، والله مانا عَوزُه، أقسم بالله مانا عَوزُه يحضر لي.
                        اللي يجي هنا ويتأدب ويتعلم الأدب مع ...»
                        فلا تنس المثل السائر: رمتني بدائها وانسلت، ولا ترمِ السلفيين البرآء بدائك وداء إخوانك، فالسلفيون يوالون ويعادون على المنهج السلفي، وأنتم توالون وتعادون على الضلال والمنهج الخلفي.
                        قال -حاكيًا عن شيخ الإسلام قوله-:
                        «وليس لأحد أن ينصب للأمة كلامًا كلامًا يدعو إليه، ويوالي ويعادي، عليه غير كلام الله ورسوله، وما اجتمعت عليه الأمة»
                        قلت: السلفيون لم ينصبوا للأمة كلامًا يدعون إليه ويعادون عليه غير كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما ينقم السلفيون من خصومهم إلا مخالفتهم كلام الله وكلام رسوله الذي يسرده الأئمة والعلماء، ويسوقونه أدلة جازمة، وبراهين قاطعة دالة على صحة مذهبهم، فمقالاتهم سلفية سنية، وكلامهم سلفي سني، فلا هو كلام الجهم بن صفوان، ولا عمرو بن عبيد، ولا الجعد بن درهم، ولا غيرهم من أئمة الضلال، فما دعا السلفيون إلى كلام العلماء السلفيين ووالوا وعادوا عليه إلا لأن كلامهم مأخوذ من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وليس مخالفًا للكتاب ولا للسنة ولا لفهم سلف الأمة، فهم في حقيقة الأمر لم يدعوا إلا للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ولو يوالوا ولم يعادوا إلا على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، بخلاف أهل الأهواء والضلال القدامى والمُحدَثين الذين ينصبون أئمة الضلال وكلامهم، ويدعون إليه وإليهم، ويوالون ويعادون عليه وعليهم، مع مخالفة كلام أئمتهم للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.
                        وقد ذكرنا لك بعض أئمة الضلال الأقدمين، ومن أئمة الضلال المُحْدَثين، قطب، والبنا، ومحمد إلياس مؤسس جماعة (فرقة) التبليغ وغيرهم، فأتباع هؤلاء يعظمونهم، ويوقرونهم، ويغلون فيهم، ويرفعونهم فوق منزلتهم، ويدعون إلى ضلالهم الذي خرقوه واختلقوه، وبدعهم التي أحدثوها.
                        ثم أخذ الدجال يَرْثي وينعى حال الواقع بأنه أليم، وأن الأمة تذبح، ويحث على ترك الحزبية البغيضة -زعم- وما محاربته للمنهج السلفي ومحاربة أهله وعلمائه إلا تنمية لتلك الحزبية البغيضة التي يحث بحرارة على تركها!!
                        إن السبيل للعزة والرفعة والنصرة والألفة والمودة والمحبة هو أن يكون العبد في حزب الله الغالبين المفلحين، وفي الطائفة المنصورة، وفي الفرقة الناجية، وفي الذين هم على ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وأصحابه، وهؤلاء هم السلفيون، وعليه أن ينبذ ويلفظ كل فرق الضلال كالإخوان المسلمين والتبليغ والقطبية والسرورية والحدادية، وغيرهم من فرق الضلال نبذ ولفظ النواة من التمرة، وأقول كما قال الإمام السلفي ابن القيم-رحمه الله-:

                        يا قوم والله العظيم نصيحة *** من مشفق وأخٍ لكم معوان

                        أما ما أنشدتَه من بيت الشعر:

                        وكل يدعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاك

                        هكذا، فينطبق عليك، ولكن بخصوص المنهج السلفي، فأنت من هؤلاء المدعين الوصل للمنهج السلفي، والمنهج السلفي لا يقر لهم بذاك، والسلفيون لا يقرون لهم بذاك، وإلا، فمتى كانت فرق الزيغ والضلال من أمثال فرقة الإخوان وفرقة التبليغ وغيرهما، داخلة في أهل السنة؟!
                        ومتى كان السلفي ينافح عن أهل الضلال، ويحارب أهل السنة أهل التوسط والاعتدال؟!
                        ولو َوضعتَ عبارة: بفهم محمد حسان، والحويني، والمقدم، والمأربي، وسفر، وسلمان، والنقيب، وابن أبي العينين، وياسر برهامي، وأحمد فريد، وغيرهم من أشباههم ونظرائهم بدلاً من عبارة: «بفهم السلف» التي تتشدق بها في كلامك لكنت أصدق، وكان قولك أوفق لحالك وواقعك!! إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب.



                        تم الفراغ منه في ليلة الأربعاء الموافق العاشر من جمادى


                        الأولى، لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف


                        من الهجرة النبوية، على


                        صاحبها الصلاة


                        والسلام.



                        وكتب:


                        أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


                        أبو عبد لله




                        يتبع إن شاء الله


                        تعليق


                        • #13
                          بسم الله الرحمن الرحيم


                          التعليق على الدرس الرابع والعشرين بعد المائة الأولى من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.



                          ليلة الجمعة الموافقة للعاشر من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة وسبعة وعشرين من الهجرة.


                          قوله:«يجب أن تكون عادلاً منصفًا في حكمك على الآخرين، ويجب عليك أن تتبين، وأن تتثبت {يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا} وفي قراءة: {فتثبتوا} يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلِّي بالك من الكلام الغالي اللي هتسمعو دلوأتي، والله العظيم يُكتب بماء العيون، في تعليقه على موقف الرسول مع حاطب بن أبي بلتعة، وعمر يريد أن يقتل حاطب، وأن يضرب عنقه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول بأنه قد شهد بدرًا، وهذه الزلة في بحور الخيرات والفضائل والمكرمات لحاطب بن أبي بلتعة تُجبَر، فإذا بلغ الماء قلتين لا يحمل الخبث، الله يغفر لحاطب هذا الزلل وهذا الخطأ؛ لما له من سابق فضل وخير، فلا تنسف أخاك لمجرد أن يزل زلة، لاسيما وأنت تعلم أنه مسلم، وأنه من أهل السنة والجماعة، أخطأ مرة، عشرة أخطاء، ميت خطأ، إيه المانع؟! إيه الحرج بأن تحتفظ له بأخوتك وبأخوته لك، وأن تنصح له بأدب، وحكمة، ورحمة، وتواضع؟! إنما يا راجل!! يا راجل!! حرام عليك، تبئى جالس مع الشيخ ومع المشايخ، وما شاء الله تسلم، وعاوز تقبل الراس وبعدين، ينفع؟! تئوم تطلع هناك بره مع طالب من الطلبة الصغيرين من تلامذة المشايخ، تئوله في مكالمة هاتفية: أصل دول خوارج!! يا راجل حرام عليك، اتق الله، اتق الله، بيع دينك ليه؟! بيع دينك لمين؟! وعشان مين؟! ألّه!!
                          مَنْتَ مع المشايخ، وعمّال حريص على أن تقبل رءوس المشايخ، تب يا أخي إنت شايف إن الشيخ ده من الخوارج، مَتنصحُه، مَتبَين له الحق بدليله، مَتئولُّه انت أخطأت في كذا، والصواب كذا، بأسلوب مهذب، بأسلوب مؤدب، إنما نجلس مع بعض بوجه، وننصرف وكلٌ يحمل في قلبه من الغل العفن ما الله به عليم!!
                          أي أخوة هذه؟! وأي قلوب هذه التي سنُجبر بها، ونُنصر بها؟!
                          مستحيل نُنصر وقلوب العاملين للدين بهذا الشكل الـ .. الخطير»
                          كلامه بصوته من هنا: http://jumbofiles.com/4i8wberako47

                          وقال -أيضًا- في نفس الدرس:

                          «قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب منهاج السنة النبوية، المجلد الثاني، مش هئول رقم الصفحة؛ لأن الطبعة عندي قد تختلف، لكن كتاب منهاج السنة النبوية، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "والله جل وعلا قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي، مش ممكن، مش ممكن والله! ابن تيمية اللي بيُتَهم ويُتهم ويتهم، تسمع الكلام، يكتب بماء العيون، أغلى من الذهب، يقول: "فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني -فضلاً عن الرافضي- قولاً فيه حق أن نتركه، لا يجوز أن نتركه، أو أن نرده كله، بل لا.. بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق، انت مستوعب الكلام ده؟ مستوعب؟ لأ، تاني لأ، انت هتسمع كلام كتير، بس عَوزك تركز معايا، الكلام كله موجود في كتاب خواطر على طريق الدعوة، للحقير الفقير محمد حسان، موجود في مبحث كامل في الكتاب، طيب، ثم يقول -رحمه الله تعالى- في موضع آخر، يقول -الكلام ده موجود فين؟- في كتاب الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ولمَّا كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل -يارب اجعلنا منهم يارب- ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار -مع الكفار- وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس"
                          يا الله!! إنت معايا ولا مش معايا؟ والله ترَكِّز، الإخوة هناك معايا؟ ولا انا عشان مش شَيِفْكُو، طيب صلي عالنبي كده -عليه الصلاة والسلام- صحصح كده، صحصح؛ لأن احنا في فتن، احنا في فتن، ربنا ينجينا وإياكم من الفتن، وكل يعني معلش اللي قرئلي كتابين شرشر نط أكل البط، بيبدأ الآن يطعن ويتطاول على أهل الفضل والعلم ورموز العلم في الأمة الآن، فخلِّي بالك من الكلام، يقول -رحمه الله-: "ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل.
                          يا أخي اتكلم بعلم واتكلم بعدل، يا أخي حتى لو .. حتى لو بتتكلم عن راجل من أهل البدع، ما انت مبدَّعُه، بَرْدُو اتكلم بعلم واتكلم بعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس، آه من التانية دي، وما تهوى الأنفس، إنه الهوى، إنه الحقد، لا بالظن وما تهوى الأنفس.
                          ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، رجل علم الحق وقضى به، فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى بخلافه، فهو في النار، فهو في النار -سلِّم يارب، سلِّم يارب- مَنِش عاوز أفسر بأه وافصل؛ لأن الواحد، يالَّا تعبان، خلاص، أسأل الله أن يغفر لي ولأخواني أجمعين، اسمع، قال، قال: رجل علم الحق وقضى به، فهو في الجنة، ورجل عسم الحق وقضى بخلافه، وهو عارف، وهوّ عارف إن الناس دُوْل أفاضل، وعارف إن الناس دول أكارم، وعارف إن الناس دول رموز في الأمة، وعارف منهج الناس دي، تب ليه؟! ليه؟!
                          ورجل، رجل علم الحق وقضى به، فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى بخلافه، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار"
                          شوف التَلْتَه دي، أوعى تتكلم بجهل، لا تتكلم إلا بعلم وعدل، إلا بعلم وعدل.
                          طيب، من أجمل ما قاله الإمام الذهبي -رحمه الله- سير أعلام النبلاء، مجلد رقم 20، قال الإمام الذهبي: "غلاة المعتزلة، غلاة المعتزلة، وغلاة الشيعة، وغلاة الحنابلة، وغلاة الأشاعرة، وغلاة المرجئة، وغلاة الجهمية، وغلاة الكرّامية، قد ماجت بهم الدنيا وكثروا، وفيهم -في الغلاة- وفيهم أذكياء، وعبّاد، وعلماء، نسأل الله العفو -دا كلام الذهبي- نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد، ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع، مَأَلْشي: من أهل الهوى ولا من أهل البدع، من الهوى والبدع.
                          الراجل اللي صاحب هوى ده محتاج تذكره، اللي على بدعه محتاج تعلِّمه، قال: ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع، ونحب السنة وأهلها، ونحب العالِم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، إنما العبرة بكثرة المحاسن، يا خَبَر أبيض!! لمّا أُلْت العبارة دي، نُسِفْنا، لما أُلنا: ياخوانا العبرة بكثرة المحاسن، ما إيه المشكلة لما يخطيء محمد حسان ولاّ ابو إسحاق، ولا محمد يعقوب، ولا مصطفى العدوي، ولاّ أحمد النقيب، ولا يعني أي أخ من إخوانا، أي أخ، إيه المشكلة؟ أمَّا يزل، أما يخطئ، أبى الله أن يُلبِس ثوب العصمة إلا المصطفى، مستحيل، ولا للصحابة، ولا للأكارم الأكابر، لا للصديق، ولا لعمر، ولا لعثمان، ولا لعلي، ولا لجميع أصحاب النبي، لم يكسُ الله.. لم يَلبس.. لم يُلبس الله ثوب العصمة إلا لمحمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لمّا أُلْنَا: ياخوانا العبرة بكثرة المحاسن، مش ممكن، أُلْتِلهُم: والله العظيم لينا سلف، والله الكلمات دي ماهي من عندي، دا دي كلمات أئمة السلف، وبنفس الأحرف للإمام الذهبي: إنما العبرة بكثرة المحاسن، طيب، الكلام ده عن حاطب، وموقف حاطب، زلة حاطب، والمحاسن السابقة، يعني هذه الزلة تُغفر في بحور حاطب بن أبي بلتعة الذي شهد بدرًا، خلِّي بالك.
                          وهذا تلميذه النجيب، تلميذ ابن تيمية، النجيب، الحبيب، شيخي، شيخي وحبيبي ابن القيم -رحمه الله- بيئول إيه؟ سبحان الله!! وهو بيتكلم على الإمام صاحب منازل السائرين، الإمام اسماعيل الهروي، اسماعيل الهروي، الذي ألّف كتابه في علم الصوفية، في علم التصوف، اسماعيل الهروي، الذي ألف كتابه في علم التصوف والسلوك، وسماه: منازل السائرين، سماه: منازل السائرين، بين إياك نعبد وإياك نستعين، فجاء شيخنا وحبيبنا ابن القيم، فشرح كتاب الإمام الهروي في كتابه القيم الماتع "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" وأثنى ابن القيم -رحمه الله- على أبي إسماعيل الهروي، لا لا لأ، دا كان يلقبه بشيخ الإسلام، يلقب ابن القيمِ الإمامَ الهروي بشيخ الإسلام، اسمع يئول إيه -يا سلام- يقول، وكان يلقبه شيخ الإسلام، مع أن ابن القيم قد استدرك عليه مسائل عديدة، وتعقبه في أكثر من موطن، أنا بَئُول كده، بئول: وأثني فيه ابن القيم على أبي إسماعيل الهروي، بل وكان يلقبه بشيخ الإسلام، مع أنه قد استدرك عليه مسائل عديدة، وتعقبه في أكثر من موطن، وكان يعبِّر عن ذلك فيقول: شيخ الإسلام -أي الهروي- اسمع يئول، يقول: شيخ الإسلام حبيبنا -ابن القيم بيئول كده- شيخ الإسلام حبيبنا، ولكن الحق أحبُ إلينا منه، ولكن الحق أحب إلينا منه.
                          وكان شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن تيمية -رحمه الله- يقول عن الإمام إسماعيل الهروي، يئول عليه كده، يقول: عمله خير من علمه، عمله خير من علمه، وصدق -رحمه الله- ابن تيمية بيئول فيه كده- وصدق -رحمه الله- فسيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد أهل البدع، لا يشق له فيها غبار، وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله، اسمع ابن تيمية بيئول إيه؟ بيئول: وأبى الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق، دا كلام ابن القـ، ابن القيم نائل الكلام دا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، تئدر تراجعه الليلادي، في كتاب مدارج السالكين، في المجلد التالت، المجلد التالت، أو الجزء التالت.
                          ويستدرك ابن القيم على الإمام الهروي خطأً فيقول -فيه خطأ وقع فيه الإمام الهروي شوف ابن القيم بيئول إيه- بيئول -وهودا الكلام بئه- بئول: ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه وإساءة الظن به.
                          والله تبئى معايا، أسألك بالله صحصح، أسألك بالله تصحصح، عشان تتقي الله أبل ما تنطق، أبل مَتِتكلم، في حق رجل من أهل الفضل والعلم، شوف بيئول إيه ابن القيم، مش دول مشايخنا ولا إيه؟! ولَّا هنطعن في ابن تيمية وابن القيم؟!
                          مَهِي بَئَتْ هيصه، بئت هيصه!! يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- بعدما استدرك على الإمام الهروي خطأًَ فيقول: ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه، وإساءة الظن به، فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك، المحِل الذي لا يُجهل، وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم -صلى الله عليه وسلم- اللّه!
                          شُوف ابن القيم بيئول إيه! بيئول: والكامل، والكامل من عُدّ خطؤه، ولاسيما في مثل هذا المجال الضنك، والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وافترقت بالسالكين فيه الطرقات، وأشرفوا على أودية الهلكات، إلا الأقل أو القليل.
                          المدارج، المجلد الأولاني، مَبَئُولش رقم الصفحات، الصفحات قد تختلف، عندي هنا 198.
                          طيب، يقول الإمام الذهبي في أبي حامد الغزالي، في أبي حامد الغزالي، يقول الذهبي -إمام من أئمة الجرح والتعديل-: الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ -تئدر تحفظ دي الليلادي- وما من شرط العالم أنه لا يخطئ، مَحْنَا أُلْنا: الخطأ لم يعصم منه إلا المصطفى، يقول الإمام الذهبي في أبي حامد الغزالي: الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ.
                          وقال الذهبي -أيضًا- في موضع آخر، كل دا تئدر تراجعه من سير أعلام النبلاء المجلد رقم 19، قال الإمام الذهبي:
                          رحم الله أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله؟! ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ، ولا تقليد في الأصول، ولا تقليد في الأصول، (الـ) أمر دين.
                          طيب، أنا بَئول: ما من مسلم إلا وله محاسن ومساوئ، ومن الظلم البيِّن أن تذكر من أخيك أسوأ ما تعلم، وأن تكتم من أخيك خير ما تعلم، والله -تبارك وتعالى- يقول: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ }
                          يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- خلي بالك من الكلام ده-: ويعلمون -أي أهل السنة- أن جنس المتكلمين -يقصد أهل الكلام- أن جنس المتكلمين أقرب إلى المعقول والمنقول من جنس الفلاسفة، مش ممكن هذا الرجل عنده عدل وتجرد، شيء غريب ياخوانا، والله العظيم، ياخوانا شيء غريب، ابن تيمية الذي يُتهم الآن بالتطرف وأنه يغذي التطرف والإرهاب!! ياريت بس نستوعب كلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول:
                          ويعلم أهل السنة أن جنس المتكلمين أقرب إلى المعقول والمنقول من جنس الفلاسفة، وأن جنس الفلاسفة قد يصيبون أحيانًا، كما أن جنس المسلمين خيرٌ من جنس أهل الكتابَين -والله تخلي بالك أوى- كما أن جنس المسلمين -يعني بصفه عامه- كما أن جنس المسلمين خير من جنس أهل الكتابَين، وإن كان يوجد في أهل الكتابين -يعنى يقصد من اليهود والنصارى- وإن كان يوجد في أهل الكتاب من له عقل وصدق وأمانة لا توجد في كثير من المنتسبين إلى الإسلام، كما قال الله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}
                          تئدر تراجع الكلام ده في درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق الشيخ محمد رشاد سالم، درء تعارض العقل والنقل، ستقرأ فيه كلامًا عجيبا -أيضًا- لشيخ الإسلام.
                          اسمع بئه، هذا الصحابي، المقدمة دي ندخل على صحابي أبل ما ندخل على حاطب، والكلام ده كله بمناسبة حديث حاطب بن أبي بلتعه -رضي الله عنه- في صحيح البخاري، من حديث عمر بن الخطاب، أن رجلاً كان على عهد النبي، كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، يلقب حمارًا، وكان هذا الرجل كثيرًا ما يُضحك النبي -صلي الله عليه وسلم- إنت متصور اللـ!! الحديث في البخاري، يعني رجل خفيف الدم، خفيف الظل، ممكن يئول كلمه كده تدحَّك النبي، ومع ذلك كان كثيرًا ما يؤتى به ليقام عليه الحد من شرب الخمر، صحابي وقريب أوي من النبي لدرجة أنه بيُضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك بيؤتى به كثيرًا ليقام عليه الحد من شرب الخمر، أيوه، وكان النبي قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا فأمر به، فجُلِد، فقال رجل من القوم: اللهم اللعنه، اللهم اللعنه، ما أكثر ما يؤتى به!! ما أكثر ما يؤتى به!!
                          الراجل دا كل يوم يشرب خمرة، أو كل شوية يشرب خمرة، ويجي للنبي يقيم عليه الحد، صحابي؟!
                          أيوا يأخي صحابي، الصحابة بشر، والبشر ليس معصومًا على الإطلاق.
                          قال هذا الرجل: اللهم اللعنه ما أكثر ما يؤتي به!!
                          سِمِع النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا اللعن وهذه الكلمة، اسمع ماذا قال؟
                          قال: لا تلعنوه، لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله، يحب الله ورسوله!! وراجل بيُقام عليه الحد من شرب الخمر؟!
                          أيوا يأخي، ممكن تَضعُف في أي لحظة، القضية مش محتاجة فزلكة والله، مَتِبئاش صاحب قلب قاسي، وصاحب حكم عنيف ناري، إنت ضعيف، أنت ضعيـــف، والله العظيم بِيتك من الزجاج، والله العظيم بِيتي أنا من الزجاج، بلاش الاستعلاء على الناس ده، بلاش الاستعلاء على الخَلْق، برَّاحة ياخونا شوية، مَتِكَلِمش مع أخ من إخوانك ولسان حالك، بل ولسان قالك يقول: أنا المتبع وأنت المبتدع، متكلمش أنت ولا كلمة، تسمعني أنا.
                          إيه يا عمي براحة شوية في إيه؟! في إيه؟! أنا المتبع وأنت المبتدع، أنا العالم وأنت الجاهل، أنا التقي وأنت الشقي، إسْتَنَّا يا سِيدي (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا) براحة شوية، أقسم بالله لو تخلي ربنا عنا بستره لحظة لهلكنا وافتضحنا، إنت بس آعد هنا بستر الله، وأنا آعد معاك بستر الله، بس والله العظيم ما جلسنا وما نطقنا وما عبدنا إلا بفضله -سبحانه وتعالى- إنت متملُكش أي شيء، أنا لا أملك أي شيء، أنا أنا ولاشيء، ولا شيء، ما جَلَستِش هنا وكلمتك إلا بفضل الله علي، لم أحفظ ما حفظت إلا بتوفيق الله إلي، ما أطعت الله وما تركت معصية، إلا بستر الله علي، فتعرف ربك عشان تعرف نفسك، من عرَف ربه عرف نفسه، من عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، من عرف ربه بالعز التام عرف نفسه بالذل التام، من عرف ربه بالعلم التام عرف نفسه بالجهل التام.
                          براحة شوية، متتكلمش مع الناس إلا ومناخيرك تحت النعل، وأنفك في التراب، وأَلْبَك بيرتعش، خايف، أله!!
                          أنا بَكَلِّمَك الآن، بس هيُختم لي بإيه؟!
                          مَعْرَفش، والله مَعْرَف، والله لا أدري على أي حال سيختم لي، فإنت مغرور على إيه؟! ومنفوخ بإيه؟!
                          ولا شيء، والله ما نملك أي شيء، والله ما نملك أي شيء، وإذا مَتْحَرَّكْناش بِين الناس بأدب وحكمة ورحمة وحب وتواضع، وانكسار لله وذل لله، مش هَنْغَير الواقع، إن كنت صادقًا في تغيير الواقع، اتحرك بين الناس بمنهج صاحب الخلق»
                          كلامه بصوته من هنا: http://jumbofiles.com/k1yutlvll32t

                          قوله:
                          «يجب أن تكون عادلاً منصفًا في حكمك على الآخرين»

                          أقول: ليس من لازم العدل والإنصاف أن تُذكر حسنات المردود عليه ما لم يقتض المقام ذكر شيء من ذلك، وإلا، فذكر جميع الحسنات متعذر، ثم إن اتهام أهل الأهواء لأهل العلم بعدم العدل، وأمرَهم إياهم بالعدل، شبيه بقول من قال للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بعض قَسْمه: يا محمد! اعدل، أو: اتق الله يا محمد، أو: يا رسول الله! اتق الله، أو: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، وتأمل جواب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمن قال له ذلك، حيث قال :
                          ((ويلك، ومن يعدل إن لم أكن أعدل؟!، خبتَُ وخسرتَُ إن لم أكن أعدل))
                          وقال أيضًا: ((فمن يطع الله إن عصيته؟! أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!))
                          وقال أيضًا: ((فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!))
                          وقال أيضًا : ((ويلك، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!))
                          وقال أيضًا: ((يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر))
                          وها نحن نقول لهم: ويلكم، ومن يعدل إن لم يكن أهل العلم يعدلون؟!
                          خبتم وخاب أهل العلم، وخسرتم وخسر أهل العلم إن لم يكونوا يعدلون، ومن يطع الله ورسوله إن عصاه أهل العلم؟!
                          أوليس أهل العلم أحق أهل الأرض أن يتقوا الله ويعدلوا؟!
                          وقد قال -تعالى-: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}
                          حقًا نقول: يرحم الله محمدًا وموسى لقد أوذيا بأكثر من هذا فصبرا.
                          هذا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في إحدى الروايات:
                          ((إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية))
                          فالذين يطعنون في أهل العلم، ويتهمونهم بعدم العدل لهم نصيب من هذه الأحاديث، وهذه الروايات التي ذكرناها، هي بعض أحاديث اتفق على إخراجها البخاري ومسلم وهاك أرقامها بلفظ مسلم -رحمه الله- في صحيحه:
                          [140-(1062)] و [142-(1063)] و [143-(1064)] و [144-(1064)].
                          ثم إن العبرة في خطأ المخطئ ليست كثرة الأخطاء فحسب، وإنما لابد من اعتبار نوع الخطأ، فقد يقوم خطأ واحد مقام آلاف الأخطاء، وقد يخرج المسلم من الإسلام بكلمة، وقد لا يخرج منه بآلاف الكلمات، وقد يخرج منه بخطيئة واحدة، وقد لا يخرج منه بآلاف الخطايا.
                          أما ما ذكره من النصيحة للمخطئين فيقال فيه: كم من مخطئ نصحه الشيخ ربيع -حفظه الله- وغيره بالرجوع عن أخطائه، فلم يزدد إلا عتوًا ونفورًا، ومخالفة للشيخ وغيره من الناصحين، ومخالفة لمنهجهم السلفي، وبغيًا عليهم، وطعنًا فيهم!!
                          فكم نصح الشيخ ربيع لأبي الحسن المصري نزيل مأرب!! وهو الملقب عندنا بأبي الفتن، وكم نصح لأبي إسحاق الحويني!! ذاك الباغي على أهل السنة، فلم يزدد إلا عتوًا ونفورًا وبغيًا، وكم نصح لعبد الرحمن بن عبد الخالق!! فلم يزدد إلا بغيًا وعتوًا ونفورًا.
                          وهذا هو حالكم أنتم -أيضًا- فأنتم لا تزدادون إلا بغيًا وعتوًا ونفورًا؛ بسبب رد أهل العلم باطلكم عليكم، وإلزامِكم بالرجوع إلى الحق والتوبة، وها أنتم تُرغون وتُزبدون وتصولون وتجولون بتشويه أهل العلم والمنهج السلفي هنا وهناك، أما قصة حاطب فليس لك فيها شبهة دليل، فضلاً عن أن يكون لك فيها دليل على ما تهرف به من اغتفار زلات أناس عدهم أهل العلم من أهل الأهواء وأنت منهم، فحاطب بن أبي بلتعة صحابي جليل -رضي الله عنه- وأنت ورفقاء دربك لستم كذلك، بل إن حاطبًا هو من السابقين الأولين من المهاجرين، وما أدراك ما المهاجرون؟! وما أدراك ما السابقون الأولون؟!!
                          قال-تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
                          وأنت ورفقاء دربك لستم من المهاجرين السابقين الأولين، ولا من الأنصار الذين سبقت لهم من الله الحسنى.
                          ثم إن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أثنى على حاطب من جهة قوله لعمر -رضي الله عنه-:
                          ((وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))
                          وأنتم ورفقاء دربكم لستم بدريين ولا أُُحُديين، ثم إن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استدعاه وسأله عما حمله على ذلك، ألا وهو إرساله بكتاب مع ظعينة إلى كفار قريش، يخبرهم فيها عن إرادة غزو النبي لهم، فلم يسكت النبي عن هذا الأمر بحجة أنه صحابي بدري، وإنما استدعاه وسأله، ثم إن حاطبًا -رضي الله عنه-لم يفعل ذلك نفاقًا ولا كفرًا بالله ورسوله، ولا تركًا لإيمانه، وإنما حمله على ذلك تأويله بأن قال للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                          "إنه ما من أحد من أصحابك إلا وله من يحمي له ماله بمكة، وليس لي بها أحد يحمي لي مالي، فأردت أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها مالي" انتهى بمعناه.
                          ثم إن ما فعله حاطب كان في حقيقة الأمر أمرًا عظيمًا منكرًا عند النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعند عمر -رضي الله عنه- أما كونه أمرًا عظيمًا ومنكرًا شنيعًا عند النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل عند الله -عز وجل- أن الله أخبر نبيه بأمر الظعينة التي حملت كتاب حاطب -رضي الله عنه- إلى المشركين في شعرها، فأرسل النبي عليًا -رضي الله عنه- وغيره ليأتيا بالكتاب منها، فجاءا بالكتاب، حتى إن عليًا -رضي الله عنه- قال لها: "لَتخرجِن الكتابَ أو لنُجردن الثياب"
                          ثم إن استدعاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لحاطب وتكليمه في ذلك لدليل على ما ذكرته لك، وعلى مبلغ اهتمام النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بهذا الأمر، أما كونه كذلك عند عمر -رضي الله عنه- فمن جهة قوله للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "دعني أضرب عنق هذا المنافق" استعظامًا لما فعل، وأن مثل هذا عادة لا يكون إلا من المنافقين المتربصين بالإسلام وأهله الدوائر، وإن كان ليس بلازم أن يكون الحامل على مثل ذلك النفاق كما في قصة حاطب هذه -رضي الله عنه- أما أنتم ورفقاء دربكم فقد بيَّن أهل العلم أخطاءكم، وردوا على باطلكم، فلم تخرجوا من ذلك بتأويل يسوغ مثله، خاصة أنكم لستم في رتبة حاطب، ولا من هو دون حاطب، فلم يكن منكم إلا المكابرة والعناد والمراوغة، وتشويه المنهج السلفي وأهله.
                          ثم إن ما فعله حاطب ليس من باب البدعة، وإنما هو من باب المعصية، ومعلوم أن البدع شر من المعصية، وأن السلف كانوا أشد على البدع وأهلها من شدتهم على المعاصي وأهلها، لما في أمر البدعة من الشر المتطاير الذي لا يقاربه شر المعصية، فضلاً عن أن يساويه.
                          أما قولك:«فإذا بلغ الماء قلتين فلا يحمل الخبث»
                          فهو وارد -على القول بصحة الحديث- في حق الخبث الحسي لا خبث البدعة، ولقد قالت عائشة -رضي الله عنها- للنبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم -: حسبك من صفية أنها كذا وكذا، تعنى أنها قصيرة، فقال لها النبي-صلي الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))
                          وإذا كان هذا هو الحال بشأن كلمة واحدة، فما الظن بمدى خطورة صدور الكلام الباطل الكثير المتعلق بأمر الدين؟!
                          أعني كثرة كلامك وكلام رفقاء الدرب في تشويه المنهج السلفي، وتشويه علمائه وحَملته، وتشويه طلبة العلم، والبغي على أهل السنة ومنهجهم، وموالاة أهل البدع والضلال من أمثال فرقة الإخوان المسلمين وجميع أفراخهم من قطبين وسروريين وغيرهم، وكذلك فرقة التبليغ الضالة، والدفاع عنهم، ومحاربة أهل السنة من أجلهم، إن مثل هذا لو مزج ببحار الدنيا كلها لمزجها -بلا شك- من باب أولى، ثم إن حديث القلتين ليس على إطلاقه للإجماع على الحكم بعدم طهورية الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه، فهل القلتان تبقيان على طهوريتهما، ولا تحملان الخبث عند الدجال، إذا أُفرغ فيهما خمس قلال من النجاسة مثلاً -فضلاً عن الزيادة على ذلك-؟!
                          فإن قال: نعم، أضحك عليه العقلاء، وإن قال: لا، قلنا:
                          وكذلك أهل الأهواء من أدعياء السلفية وغيرهم من الدجالين من فرق الضلال، فإنهم قد غلبت سيئاتهم على حسناتهم، فحُكِم عليهم بالغالب، ولا أثر لحسناتهم في المنع من الحكم عليهم بالضلال، كما أنه لا أثر للقلتين الطاهرتين في المنع من الحكم عليهما بالنجاسة، لورود النجاسة عليهما، وغلبتها عليهما.
                          وأما ما ذكرتَه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: «والله جل وعلا قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، أمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني-فضلاً عن الرافضي- قولاً فيه حق أن نتركه، لا يجوز أن نتركه أو أن نرده كله بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق»
                          فليس لك فيه متعلق، وليس لك فيه شبهة دليل -فضلاً عن دليل- تدل على ما قصدت إليه مما ذكرناه آنفًا، وأهل العلم والسنة، أتباع مذهب السلف الصالح، الذين هم اليوم خصومكم، هم أولى الناس بعدم القول على الله إلا بالحق، وهم أولى الناس بعدم القول عليه إلا بعلم، وهم أولى الناس بالعدل والقسط، ولا يردون حقًا قاله يهودي أو نصراني أو رافضي أو مجوسي أو ملحد أو مبتدع أو عاصٍ فاسق، وهذا معلوم مشهور عن أهل السنة السلفيين، فهم يقبلون الحق من كل من جاء به، ولا يردون شيئًا من الحق بحجة أن من قاله مبتدع أو فاسق أو كافر، وإنما يقبلون الحق من كل من جاء به، ولكن ليس معنى قبولهم الحق من كل من جاء به، أن يطلبوا العلم على أيديهم أو أن يحثوا على طلب العلم على أيديهم، كلا، فهذا شيء، وذاك شيء آخر، فهم لا يوصون ولا ينصحون بأخذ العلم عن أهل الأهواء من أمثالكم، ولا عمن هو دونكم في الابتداع، ولا عمن هو فوقكم فيه، ثم إن من قال كلامًا فيه حق وباطل، فإن أهل السنة أقدر الناس على ميْز حقه من باطله، ويستخلصون هذا من ذاك، كما يستخلصون الشعرة من العجين، ويخرجون الباطل المدسوس في طيات الحق بالمناقيش.
                          هذا، ولم أراجع ذلك الكلام الذي نقلته من كلام شيخ الإسلام من مواضعه، وإنما اكتفيت بالرد على ما نقلت أنت.
                          وأما قول شيخ الإسلام -الذي نقلتَه-:
                          «ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس»
                          فحجة عليك لا لك، كما في نقلك السابق عنه، فأهل العلم السلفيون اليوم الذين هم خصومكم ،يردون عليكم وعلى أهل الضلال وأفراخهم، بناءً على مقالاتهم التي قالوها، أو دونوها أو سطروها، ونحن هاهنا نرد عليك ما تكلمت به أنت من الباطل والزور، وقد قيل: من فيك نوافيك.
                          واعلم أن تهكمكم بالسلفيين الذين بينوا ضلالكم وعواركم، وهتكوا ستركم، هو من أعظم أسباب سقوطكم وفضيحتكم.
                          فقولك -عاملك الله بما تستحق-: «وكل يعني معلشي اللي قرألي كتابين شرشر نط أكل البط يبدأ الآن يطعن ويتطاول على أهل الفضل والعلم ورموز العلم في الأمة»
                          هو من جنس تهكمك بالسلفيين الذين أقضوا مضاجعكم، سواءٌ كانوا علماء أو طلبة علم، تلك المنزلة الشريفة والرتبة العالية المنيفة، التي لم يُحصلها أهل الأهواء والدجْل.
                          أما قولك: «إنه الهوى، إنه الحقد»
                          فهو من جنس دجْلك وتمويهك، فاردد عليهم بعلم وإلا فاسكت، وهل نقبت عن قلوب خصومك السلفيين أو شققت بطونهم فعرفت أن الحامل لهم على الرد على أمثالكم من الدجاجلة هو الهوى والحقد، وأنهم ردوا بالظن وما تهوى الأنفس؟!
                          أم هذا هو داؤكم حقيقة، فأسقطتموه على غيركم تشفيًا منهم، وإذهابًا لغيظ قلوبكم -لا أذهبه الله-؟!
                          أما حديث القضاة ثلاثة، فأهل السنة السلفيون هم أولى الناس بالعلم بالحق والقضاء به، بخلاف أهل الأهواء من أمثالكم، فهم يدورون بين قضاء على جهل، وقضاء بغير الحق مع العلم بالحق، وأحلاهما مر، وردنا عليكم -فضلاً عن رد غيرنا- في هذا الموضع وفي غيره، خير شاهد على هذا.
                          ثم إن قول الدجال:«إنه الهوى، إنه الحقد» مبطل لمذهب الموازنات المزعوم المشئوم، وإلا، فأين حسنات صاحب ذاك الهوى والحقد؟!
                          أما قول الإمام الذهبي الذي نقله الدجال:
                          «غلاة المعتزلة، وغلاة الشيعة، وغلاة الحنابلة، وغلاة الأشاعرة، وغلاة المرجئة وغلاة الجهمية، وغلاة الكرَّامية قد ماجت بهم الدنيا وكثروا، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع»
                          فأقول فيه: قد قال النبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- في الخوارج:
                          ((تحقرون -والخطاب للصحابة-!! صلاتكم إلي صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم ، لا تبلغ قراءتهم حناجرهم أو حلاقيمهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد))
                          وفي بعض الروايات: ((ثمود))
                          وقال فيهم: ((اقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة))
                          وقال فيهم: ((خير قتيل من قتلوه))
                          وقال فيهم : ((شر قتلى تحت أديم السماء))
                          وقال فيهم : ((يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان))
                          وقال فيهم: ((الخوارج كلاب أهل النار)) إلي غير ذلك.
                          وقد عدَّد الإمام أبو بكر الآجري -رحمه الله- جملة من خصالهم التي عرفوا بها من التعبد ونحوه، ثم يُتْبِع كل خصلة ذكرها عنهم بقوله: وليس بنافع لهم.
                          ثم إن أهل الأهواء والضلال، منهم المجتهد المأجور، ومنهم الجاهل المعذور، ومنهم المقلد الموزور، ومنهم المعاند الكفور.
                          ولا يكون مثلك مجتهدًا مأجورًا وأنت على هذا الحال، وأحسن أحوال أمثالكم أن تكونوا جهلة معذورين -ولستم عندنا كذلك- فقد بحت أصوات أهل العلم أو كادت أن تبح في بيان منهج أهل السنة والجماعة في معاملة أهل الأهواء، وفي التحذير من فرق الزيغ والضلال من أمثال فرقة الإخوان المسلمين وأفراخها وفرقة التبليغ، تلك الفرق التي توالونها وتعادون من أجلها أهل السنة، فأحسن أحوالكم عندنا أن تكونوا مقلدين موزورين، قد ركنتم إلى السير في ركاب أهل الضلال، وواليتم أهل الضلال، وعاديتم أهل السنة، وشوهتموهم في الآفاق، وروجتم للباطل أَيَّما ترويج، وحزبتم وعصبتم الناس على أهل السنة، مع أنه بإمكانكم أن تعودوا إلى حظيرة أهل السنة والجماعة لما بينوه من الحجج والبراهين الدالة على فساد ما أنتم فيه من الباطل والضلال، ولما أقاموه من الشواهد والأدلة على صحة ما هم عليه من المذهب السلفي النقي الصحيح، فأبيتم إلا مخالفة أهل السنة، فإن نجا عتاة أهل البدع من العناد الذي يبلغ بصاحبه إلى الكفر، لم ينجوا من وزر الضلالة التي يحملونها ووزر من أضلوه.
                          وها نحن نذكركم بقول الله -تعالى-: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً}
                          وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}
                          وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على ذم المقلدة في الباطل مع إمكان وصولهم إلي الحق، ولكنهم كفروا نعمة الله عليهم، إذ أعطاهم عقلاً فعطلوه عما خُلق من أجله من التدبر والتفكر وعقل الأمور، وقلدوا في دينهم الرجال، فضلوا وأضلوا .
                          أما الأحاديث الدالة على ذم التقليد فنكتفي منها بما استدل به بعض أهل العلم من قول المنافق أو المرتاب في حديث أسماء الصحيح المتعلق بسؤال القبر وفتنته:
                          ((لا أدرى سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته)) أو كما في الحديث.
                          أما أهل السنة فهم الوقافون عند الأدلة، ولو قال بها قلة، وخالفها جِلة.
                          ثم إننا لا ننكر أن في أهل البدع أذكياء، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
                          لقد أوتوا ذكاءً ولم يؤتَوا زكاءً، كما أننا لا ننكر أن فيهم عبَّادًا، وقد سبق معك أحاديث الخوارج، وقد جاء عن بعض السلف قوله:
                          اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.
                          أما علماؤهم فإنهم يُنسبون إلى مذاهبهم وإلى مقالاتهم وأئمتهم، فيقال: علماء المعتزلة، وعلماء الأشاعرة، وعلماء الرافضة، وعلماء الخوارج، وعلماء المرجئة، كما يقال: علماء أهل الكتاب، فلابد من هذا التقييد وتلك الإضافة وتلك النسبة، احترازًا من التسوية، أو من إيهام التسوية بينهم وبين علماء أهل السنة، الذين يثبت لهم هذا الوصف بإطلاق.
                          فالقرضاوي مثلاً هو من علماء فرقة الإخوان، وإن كان هو عندنا رأسًا في الضلال، ولقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أهل البدع، وذلك في الفتوى الحموية:
                          لقد أوتوا ذكاءً ولم يؤتَوا زكاءً، وقد أوتوا فهومًا ولم يؤتوا علومًا.
                          أما من كان منهم متحريًا للحق، باذلاً وسعه في سبيل طلبه والوصول إليه، مجتهدًا في سبيل ذلك، ولكن حاد عن الحق ولم يهتد إليه، ولم يوفق له، وكان ذلك منه عن تأويل سائغ لا عن هوى وإعراض عن البراهين، وثبت في حقه ذلك، فهذا أحسن أحواله أنه مجتهد مخطئ، ويُرَد عليه خطؤه، وإذا اقتضى المقام التشنيع على خطئه فلا إشكال حينئذ في جواز ذلك، وأمثال هؤلاء أفراد قليلة في الأزمان، يعرفهم أهل العلم ويَقْدرونهم قدرهم اللائق بهم، مع أنهم ليسوا من أئمة أهل السنة الذين هم أئمتها، من أمثال أبي بكر بن الباقلاني، فقد أثنى عليه مثل الذهبي -رحمه الله- في ترجمته من السير، جـ 17، صـ 190 وما بعدها، الطبعة الحادية عشرة لمؤسسة الرسالة لسنة 1419هـ، حيث قال:
                          "الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، مقدَّم الأصوليين، القاضي أبو بكر، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، البصريُّ، ثم البغدادي، ابن الباقلاني صاحب التصانيف، وكان يُضرب المثل بفهمه وذكائه ... إلى أن قال: وكان ثقة إمامًا بارعًا، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة، والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه. وقد ذكره القاضي عياض في "طبقات المالكية"، فقال: هو الملقب بسيف السنة، ولسان الأمة، المتكلمُ على لسان أهل الحديث، وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة ..." إلى آخر ما قال.
                          وقد ذكر الذهبي وابن كثير -رحمهما الله- ما يدل على فِرَط ذكائه وفطنته، فليطلبه من شاء من ترجمته، كما أثنى عليه الذهبي ثناءً بليغًا في ترجمة أبي ذر الهروي من السير، جـ 17، صـ 558، حيث قال:
                          "قال أبو الوليد الباجي في كتاب "إختصار فرق الفقهاء" من تأليفه، في ذكر القاضي ابن الباقلاني: لقد أخبرني الشيخ أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه، فسألته: من أين لك هذا؟ قال: إني كنت ماشيًا ببغداد مع الحافظ الدارقطني، فلقِينا أبا بكر بن الطيب فالتزمه الشيخ أبو الحسن، وقبَّل وجهه وعينيه، فلما فارقناه، قلت له: من هذا الذي صنعت به مالم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك؟ فقال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب. قال أبو ذر: فمِن ذلك الوقت تكرَّرْتُ إليه مع أبي، كل بلد دخلتُه من بلاد خراسان وغيرها لا يُشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقه.
                          قلت (القائل الذهبي): هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث بالجدل والبرهان، وبالحضرة رؤوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوان البدع، ولهم دولةٌ وظهورٌ بالدولة البويهية، وكان يرد على الكرامية، وينصر الحنابلة عليهم، وبينه وبين أهل الحديث عامر، وإن كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة، فلهذا عامله الدارقطني بالاحترام، وقد ألَّف كتابًا سماه: "الإبانة"، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجهًا ويدًا؟ قال: قوله: ويبقى وجه ربك وقوله: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي فأثبت تعالى لنفسه وجهًا ويدًا. إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله! بل هو مستوٍ على عرشه كما أخبر في كتابه ..." إلى آخره.
                          وقد أثنى عليه ابن القيم -رحمه الله- في النونية، طبعة المكتبة التوفيقية، صـ 91، ثناءً بليغًا، حيث قال في معرض ذكره لإجماع أهل العلم على إثبات صفة العلو لله، واستوائه على عرشه:
                          1442- وكذلك القاضي أبو بكرٍ هو ابـ *** ـنُ الباقِلاني قائدُ الفرسـانِ
                          1443- قـد قـال في تمهيـده ورسائـلٍ *** والشرحِ مـا فيه جليُّ بيـانِ
                          1444- في بعضها حقًا على العرش استوى *** لكنه استولى على الأكــوانِ
                          1445- وأتى بتقـرير العلو وأبطـل الـ *** ـلام التي زيدت على القرآنِ
                          1446- من أوجـهٍ شـتى وذا في كُتْبِـه *** بـادٍ لمن كانت لـه عينـانِ
                          وقال ابن كثير في ترجمته في "البداية والنهاية "ج 11- صـ 306 لسنة 1423هـ: "محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني، رأس المتكلمين على مذهب الشافعي، وهو من أكثر الناس كلامًا وتصنيفًا في الكلام، ... إلى أن قال: فانتشرت عنه تصانيف كثيرة، منها ... فعد بعض المصنفات إلى أن قال: ومن أحسنها كتابه في الرد على الباطنية، الذي سماه: "كشف الأسرار وهتك الأستارإلى أن قال: "وقد كان في غاية الذكاء والفطنة".
                          أقول:فتأمل حال ابن الباقلاني هذا تجدْه بخلاف ما عليه غالب أهل الأهواء في زماننا من الجهل، والإفراط فيه، والتقليد، والإعراض عن قبول الحق، والعناد، وخصومتهم الشديدة مع أهل الحديث وأئمة العلم في عصرنا -نسأل الله العافية- ونبرأ إلى الله من الهوى والبدعة، ومن أهل الأهواء والبدع، ولا يلزم من البراءة من أهل الأهواء تكفيرهم عن بكرة أبيهم، فالبراءة في حقهم نسبية لا مطلقة.
                          ثم إن قول الذهبي -رحمه الله-: ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع، لا يلزم منه عدم جواز البراءة من أصحاب الهوى والبدع، وكل براءة بحسَبها، وكل صاحب هوى وبدعة بحسبه.
                          فالذهبي -رحمه الله- لم يتعرض لهذا الأمر هنا -ألا وهو البراءة من أهل البدع والأهواء- فعدم الذكر هنا، لا يلزم منه عدم جواز ذلك، ولا عدم وقوع ذلك منه -رحمه الله- فكفاك دجْلاً.
                          أما قول الذهبي الذي نقله المذكور:
                          «ونحب السنة وأهلها، ونحب العالِم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ»
                          فأقول فيه: ونحن نقول بقول الذهبي -رحمه الله- فنحن نحب السنة وأهلها، ومن علامة حبنا للسنة وأهلها، وشاهد ذلك عندنا، هو دفاعنا عن السنة وأهلها، وذبنا ما نسب من الباطل إليها وإلى أهلها، وردنا على خصوم السنة وخصوم أهلها، وإفناء الأوقات في سبيل عز ورفعة ونصرة السنة وأهلها، ودحض البدعة وردها وإزهاقها وإذلالها، وإذلال أهلها ودحرهم، وصد بغيهم وعدوانهم على السنة وأهلها، ونحب أهل العلم الذين قاموا بنصرة هذه السنة في القديم والحديث من أمثال أحمد بن حنبل، وابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب، والصنعاني، والشوكاني، وابن باز، والألباني، والوادعي، والنجمي، والمدخلي، وغيرهم من أئمة السنة في القديم والحديث، أولائكم الذين نصروا سنة النبي الأمين محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- وجاهدوا البدعة والمبتدعين، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل إعزاز هذه السنة وأهلها، ودفع شبهات أهل الباطل من طريقها، حتى تبقى محجة بيضاء صافية، نقية من دخن ودغل وشبه الدجالين المموهين على هذه الأمة المحمدية، الذين سعوا بالفساد بين العباد، فخربت بسببهم البلاد.
                          أما من كان عالمًا ووقع في بدعة بتأويل سائغ، فنعتقد وفور حرمته، ومغفرة ما أخطأ فيه، مع رد بدعته عليه والتحذير منها، وإذا اقتضى المقام التشنيع على بدعته، وجب ذلك صيانة للدين، ودفعًا لاغترار المغترين، ووجب بيان أنه مخطئ لم يبلغ درجة المصيبين، حتى لا يُلحقه الأغرار والجهال برتبة المجتهدين المصيبين، وقد عنف النبي معاذًا، وقال: ((أفتان أنت يا معاذ ...)) الحديث، وكان مجتهدًا -رضي الله عنه-.
                          وللعلامة ربيع -حفظه الله- تفصيل دقيق بخصوص الحكم على الواقعين في البدعة، واشتراط الحجة في التبديع، متى يكون؟ ومتى لا يكون؟ فليحرص عليه طلبة العلم، فإنه نافع في هذا المقام.
                          وأما قول الذهبي -رحمه الله-: إنما العبرة بكثرة المحاسن، فهو -كما ترى- وارد في سياق العالم لا الجاهل ولا المقلد الذي انعقد الإجماع على أنه جاهل، وأنه ليس معدودًا من أهل العلم، كما نقله ابن عبد البر -رحمه الله- في جامع بيان العلم وفضله، فخطأ العالم أو ابتداعه بتأويل سائغ -ولا بد من هذا القيد- لا يخرجه إلى حيز المبتدعين الضالين، فلا تكن عن القيد الذي ذكره الذهبي من الغافلين، حتى لا يُلحَق البعر بالتمر، ولا الورم بالشحم، ولا الثرى بالثريا، ولا الفرث والدم باللبن والعسل المصفى.
                          أما الحكم على أهل الأهواء والضلال بذلك، فالعبرة فيه إنما هو بالنظر إلى البدع التي اقترفوها، فإنهم يحكم عليهم بذلك ولو كانت لهم حسنات، فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد قال في الخوارج قولاً شديدًا، وقد سبق لك بعضه مع ذكره صلاتهم وصيامهم وقراءتهم واجتهادهم في العبادة، فلم يكن ذلك معتبرًا في المنع من الحكم عليهم بالضلال، فحَكَم عليهم أنهم كلاب أهل النار، ولم يحكم بدخولهم النار فحسب، وإنما حكم بأنهم كلاب أهلها -نعوذ بالله من شر الخوارج وشر بدعهم-.
                          ومعلوم أن كثيرًا من أهل الأهواء عندهم كثرة من العبادة، من صيام وصلاة وقيام ليل وقراءة قرآن وذكر وزهد ونحو ذلك، حتى إن أحد الخلفاء غره زهد عمرو بن عبيد المعتزلي الضال، فقال فيه: كلكم يطلب صيد، كلكم يمشي رويد، غير عمرو بن عبيد.
                          ذكر هذه الأبيات الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة عمرو، جـ3، صـ268 الطبعة الأولى لدار الفكر لسنة 1420هـ، وقال الذهبي في ترجمته في السير، الطبعة الحادية عشرة لمؤسسة الرسالة، لسنة 1419 هـ جـ6 صـ105:
                          وقد كان المنصور يعظم ابن عبيد ويقول: فذكر هذه الأبيات، ثم قال الذهبي: قلت: اغتر بزهده وإخلاصه، وأغفل بدعته.
                          قلت: أهل البدع متهمون في الإخلاص؛ لأنهم يتبعون المتشابه من الكتاب والسنة ويتركون المحكم منهما، وقد قال الله عز وجل:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ}
                          ومَن كان هذا حاله من زيغ القلب، لا يكون مخلصًا.
                          واعلم أن أهل الأهواء غير مخلصين، لاتباعهم أهواءهم، وأنهم غير متبعين -أيضًا- لتركهم الإخلاص الذي أُمروا باتباعه، فالإخلاص والاتباع متلازمان، فمن كان متبعًا لابد أن يكون مخلصًا؛ لأن الإخلاص هو من الاتباع، ومن كان مخلصًا لابد أن يكون متبعًا؛ لأن الاتباع للحق هو من الإخلاص.
                          فلو قيل: إن المنافق متبع غير مخلص، قلنا: لا يتم للمنافق الاتباع؛ لأن الاتباع يشمل الاتباع الظاهر والاتباع الباطن، فاكتفى المنافق بالاتباع الظاهر، وترك الاتباع الباطن، وبهذا تعلم أن بأهل الأهواء من النفاق ما بهم؛ لأن من اتبع هواه لا يكون مخلصًا في الباطن ولا متبعًا في الظاهر، ولا يُعترض علينا بالأئمة المجتهدين المخطئين فيما أخطأوا فيه، أو بالجاهلين المعذورين؛ لأن كلاً منهم -في الحقيقة- ليس متبعًا لهواه، فتأمله.
                          ثم إن هذه الكثرة من المحاسن التي عند أهل الأهواء، لم تمنع في القديم ولا في الحديث أهل العلم من الحكم عليهم بالابتداع والضلال.
                          والذي يظهر لي أن الكثرة المذكورة في قول الذهبي: إنما العبرة بكثرة المحاسن، المراد بها الأكثرية الغالبة، التي يُغمر فيها ويُغتفر بسببها ما ابتدع فيه العالم بتأويل سائغ، لا مجرد ومطلق الكثرة، ففرق بين الكثرة والأكثرية، ولا يلزم من الكثرة الأكثرية، وإلا ففي كثير من رءوس أهل الضلال كثرة من محاسن وفعال خير، ولو كان مجرد كثرة المحاسن مانعًا من الحكم على المبتدع بالابتداع، أو كان كافيًا في إدخاله في زمرة أهل السنة مع ابتداعه بتأويل غير سائغ، لكدت ألا تخرج أحداً من أقطاب أهل البدع والضلال وسائر المبتدعة من دائرة البدعة والضلالة، ولكدت أن تُدخل جميعهم في أهل السنة والجماعة، لما فيهم أو في أكثرهم من كثرة المحاسن، ومعلوم أن هذا باطل يناقض أحكام أهل السنة على أهل الأهواء خلفًا بعد سلف، تلك الأحكام المبنية على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ثم إن كلام الذهبي ليس كلام نبي ولا رسول، على أننا قد وجهناه لك التوجيه اللائق به، ثم إن قول الذهبي: إنما العبرة بكثرة المحاسن، لا إشكال فيه عندنا في حق أئمة الإسلام وعلمائه المجتهدين، فإن أخطاءهم تغمر -بلاشك- في بحار حسناتهم وكثرة محاسنهم، وتأمل قوله: المحاسن، فإنها على صيغة منتهى الجموع!! فأين الدجالون الناصرون لأهل الضلال، السالكون سبيلهم، المحاربون لأئمة أهل السنة ومنهجهم، الطاعنون فيهم وفي منهجهم، أين هؤلاء من السنة ومن أهل السنة وأئمتهم؟!
                          لقد طغت سيئات أهل الأهواء وبدعهم على حسناتهم، فحسناتهم مغمورة في بحار بدعهم وسيئاتهم وسوءاتهم.
                          هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ولا محيص، وإن زخرف الباطلَ المزخرفون، وزين الباطل المزينون، ولَبَس الحق بالباطل اللابسون، الذين سلفهم في هذا الكتابيون المغضوب عليهم والضالون، ولكل قوم وارثون.
                          قوله: «لمّا أُلْنَا: ياخوانا العبرة بكثرة المحاسن، مش ممكن، أُلْتِلهُم: والله العظيم لينا سلف، والله الكلمات دي ماهي من عندي، دا دي كلمات أئمة السلف، وبنفس الأحرف للإمام الذهبي: إنما العبرة بكثرة المحاسن»
                          قلت: مَثَلكم كمثل الذي يحتج بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} -تاركًا ما بعده- على تحريم الصلاة، فمِثل هذا يعد كاذبًا على الله، حيث ترك تتمة الكلام الدال على نقيض حكمه، أو كَمَثل من يستدل على إبطال علم الجرح -جرح أهل الأهواء والأخطاء وغيرهم- بمثل قوله -تعالى-:{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} وقوله -تعالى-: {تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} وقوله -تعالى-:{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} وقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الغيبة: ((ذكرك أخاك بما يكره)) وقول الحافظ ابن عساكر -رحمه الله-:
                          اعلم -رحمني الله وإياك- أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن وقع في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب.
                          فمثل هذا المستدل يعد كاذبًا على الله وعلى رسوله وعلى أهل العلم؛ لوضعه الدليل وكلام أهل العلم في غير موضعه، وتنزيلِه إياه على غير تنزيله، أو كَمَثل الذي يحتج بالحديث الضعيف أو الموضوع في مقابلة الحديث الصحيح، فمثل هذا يعد كاذبًا على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأنتم تدورون بين أمور، خيرها شر وأحلاها مر، فإما أنكم تنقلون بعض كلام الأئمة دون بعضه الآخر، فتكونون بذلك كاذبين على الأئمة، كنقلكم لبعض كلام الألباني السابق في ثنائه على سيد قطب دون كلامه اللاحق في ذمه، وإما أنكم تفهمون الأدلة وكلام أهل العلم على غير فهمه، كاستدلالكم بقوله -تعالى-: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} على ذكر حسنات المنقود، وإما أنكم تتتبعون المرجوح أو الباطل، وتتركون الصحيح الرجيح، كتجويزكم العمليات الانتحارية، وتسميتكم إياها عمليات استشهادية، مخالفين ومكذبين بذلك أئمة أهل العلم، على أنه قد قيل: من تتبع رخص العلماء، اجتمع فيه الشر كله، وقيل: من تتبع زلات العلماء، تزندق، والحمد لله على العافية.
                          أما من ذكرهم في كلامه وسماهم، من أمثاله وأمثال أبي إسحاق الحويني، ومحمد يعقوب، ومصطفى العدوى، وأحمد النقيب، فليسوا معروفين بالسلفية، وإنما عرفوا -في الجملة- بمعاداتها أو محاربتها أو تشويهها، أو العدوان على أهلها، أو تزكية أهل الضلال، أو السكوت عن بيان الحق مع اقتضاء المقام لذلك، أو ألفته لأهل الضلال، أو إساءة الأدب والأخلاق مع أهل السنة، وهم وغيرهم من نظرائهم بين مقل ومستكثر من ذلك.
                          أما أن يسمي الدجال ذلك وأمثاله من مخالفاتهم المنهجية والعقدية زللاً أو خطأ، بدعوى أن الله أبى أن يُلبس ثوب العصمة إلا للمصطفى، هكذا على سبيل التهوين من أمر زللهم ومخالفاتهم الشنيعة التي تخرجهم عن دائرة أهل السنة إلى دائرة أهل البدع من أوسع الأبواب، فهو من دجْله وتمويهه، وقد عُرف هذا الدجال بذلك، واشتهر به عند السلفيين البصراء الذين يعرفون حقيقة حاله، وفساد مقاله، وسوء قصده، وهذا الأخير إنما عرفناه بما خبرناه من مقاله ودجله وتمويهه وإكثاره من ذلك، ومثل هذا يفتقر إلى الصدق والإخلاص.
                          إن دندنة الدجال حول نفي العصمة عن غير محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو في سياق الدفاع عن جملة من أهل الأهواء أو الأخطاء، لمَسلك مريب، وتصرف غريب، ذلك؛ لأن أهل السنة مع اعتقادهم عدم العصمة لغير محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا لآحاد الصحابة -فضلاً عن غيرهم- يعتقدون في الوقت نفسه تبديع أهل البدع والأهواء، ولو فُتح باب اغتفار الخطأ والخطل والزلل بدعوى عدم العصمة لغير رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما بُدِّع أحد في الدنيا، لا الجهمية، ولا المعتزلة، ولا القدرية، ولا الروافض، ولا الخوارج، ولا المرجئة، بل ما كُفِّر أحد من أهل البدع والضلال، الذين آلت بهم بدعهم وبلغت بهم إلى حيز الكفر الأكبر المخرج من الملة، ولا شك في أن هذا مسخ لأحكام الدين في جميع هؤلاء، سواء كانوا مبتدعة ضالين أو كفارًا مارقين.
                          وإذا كانت زلة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- تغفر في بحوره، فكيف تقيس بحور الملح الأجاج على بحور العذب الفرات؟!
                          أما ما ذكرتَه بخصوص الهروي، فقد ذكرت أنت نفسك أن ابن القيم كان يلقبه بشيخ الإسلام، فهل أنت شيخ الإسلام؟!
                          أم الحويني هو شيخ الإسلام؟!
                          أم محمد يعقوب هو شيخ الإسلام؟!
                          أم مصطفى العدوي هو شيخ الإسلام؟!
                          أم أحمد النقيب هو شيخ الإسلام؟!
                          أم أبو الحسن المصري نزيل مأرب هو شيخ الإسلام؟!
                          أم سفر الحوالي هو شيخ الإسلام؟!
                          أم سلمان العودة هو شيخ الإسلام؟!
                          أم عبد الرحمن بن عبد الخالق هو شيخ الإسلام؟!
                          أم علي الحلبي هو شيخ الإسلام؟!
                          أم المغراوي هو شيخ الإسلام؟!
                          أم عدنان عرعور هو شيخ الإسلام؟!
                          أم غير هؤلاء ممن هم على منهاجهم وطريقتهم هم شيوخ الإسلام؟! حتى يغتفر لهم ما يغتفر لشيوخ الإسلام والأئمة المجتهدين، الذين إذا اجتهدوا فأصابوا لهم أجران، وإذا اجتهدوا فأخطأوا لهم أجر، مع وجوب رد خطئهم عليهم، وهل يُسوى أو يقاس العالم المجتهد بالجاهل المقلد أو المعاند؟!
                          وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟!
                          عِ ما تقوله أو تنقله، فإنه حجة عليك لا لك، وإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول فيمن يلقبه ابن القيم بشيخ الإسلام: عمله خير من علمه، فماذا يقول السلفيون في علمكم أنتم الذين لولا نفخ القنوات الفضائية لكم، ونفخ سائر الوسائل الإعلامية لكم، لكنتم -مع كونكم من أهل الأهواء- في عداد المغمورين أو المجاهيل، وليس الحامل لنا على ذلك نفاسة أو حسدًا منا لأحد آتاه الله علمًا أو فضلاً، فأهل الأهواء والدجالون لا يُحسدون على هواهم ودجْلهم.
                          وإذا كانت سيرة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي -رحمه الله- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد أهل البدع لا يشق له فيها غبار، فكيف يقاس من رأى المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ووالى أهل البدع، ودافع عنهم، وأدخلهم في أهل السنة رغم أنف السنة وأهلها، وطعن فيمن يبدعهم -مع أن مبدعيهم علماء أجلاء كبار راسخون في العلم، نشأوا في العلم، وشبوا وشابوا عليه- وجاهد أهل السنة السلفيين بدلاً من مجاهدة أهل البدع، وشوه المنهج السلفي وصورة أهل العلم، وشنع عليهم بما لا يقتضي التشنيع بحال، وذمهم بما يعد لهم محمدة لا مذمة، أقول:
                          كيف يقاس من كان هذا حاله بحال ذاك الإمام وشيخ الإسلام؟!
                          ألا يستحي الدجالون؟!
                          ألا يكفون عن المسلمين شرهم؟!
                          وأما قول ابن القيم -رحمه الله-: «ولا توجب هذا الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه، وإساءة الظن به، فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل»
                          فيقال للدجال بخصوصه: وهل دجالوكم صاروا شيوخ الإسلام، بحيث لا تهدر محاسنهم، ولا يساء الظن بهم بسبب أهوائهم أو أخطائهم، فمحلهم من العلم!! والإمامة!! والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل؟!
                          فأين العدل والإنصاف والقضاء بعلم الذي تشدقت به في سابق كلامك هنا؟!
                          أم حسبت أننا غفلنا عنه لبعد العهد به؟!
                          ثم إن طريق السلوك الذي ذكره ابن القيم -رحمه الله- عن الهروي، فالظاهر أن المقصود به هو تأديب النفس وتهذيبها والأخذ بالأخلاق والخصال والآداب السنية العالية الرفيعة، المبنية على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لا طريق الصوفية المبتدع، فإن في طريقها أشواك التعمق المذموم، والتكلف، والتنطع، والآصار، والأغلال، والخروج عن القصد والاعتدال، وعن الشريعة السمحة السهلة، على أن كلمة السلوك ليست شعارًا معروفًا على ما ذكرناه عند السلف، وفيها من الإجمال ما فيها، ثم إن هذه الزلات التي أخذها ابن القيم -رحمه الله- وغيره على الإمام الهروي، لا يكون سببها التقدم في طريق السلوك المبني على السنة أبدًا، ونعوذ بالله من الزلل والخطل، وكلام ابن القيم -رحمه الله- التالي يدل على هذا، إذ قال -فيما نقله الدجال-:
                          «والكامل من عُدّ خطؤه، ولاسيما في مثل هذا المجال الضنك، والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وافترقت بالسالكين فيه الطرقات، وأشرفوا على أودية الهلكات، إلا الأقل أو القليل»
                          قلت: ولقد كان الصحابة أعظم فهمًا، وأكثر علمًا، وأجل قدرًا ممن بعدهم، ولم تزِل بهم الأقدام، ولم تضل منهم الأفهام، وما ذاك إلا لأنهم كانوا على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، ألا وهي طريق الكتاب والسنة بفهم ثاقب صائب، لا تعمق فيه ولا تنطع ولا تكلف.
                          إذا علمت هذا، فاعلم أنه لا يستقيم للدجال إلحاق من ليس برتبة الهروي به، وقد حاكمناه إلى ما نقله هو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عنه، ومن كلام ابن القيم -رحمه الله- عنه، وتلقيبُ ابن القيم له بشيخ الإسلام أو تلقيب غيره له بذلك هو ما أداه إليهم علمهم واجتهادهم، وفي بعض سياقات كلام للشيخ ربيع -حفظه الله- في بعض ردوده المتعلقة بشبهة أبي ذر الهروي، ما يفيد أن المجال متروك للعالم في الحكم على الهروي، بناءً على ما يظهر له في اجتهاده من الحكم المناسب لحاله، على أن ثناء ابن القيم على الهروي لم يمنعه من تعقبه، فلم يُسم باطله وما زَلَّ فيه حقًا، وهذا الذهبي نفسه يقول في ترجمة الهروي من السير، جـ 18، صـ 509، الطبعة الحادية عشرة لمؤسسة الرسالة لسنة 1419هـ:
                          ولقد بالغ أبو إسماعيل في "ذم الكلام" على الاتباع فأجاد، ولكنه له نَفَسٌ عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه "منازل السائرين" ... إلى آخره.
                          وقال في ص 510:
                          وفي "منازله" إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغَيبة عن شهود السِّوى، ولم يرد محو السوى في الخارج، وياليته لا صنف ذلك"
                          قلت: فليس لهم في أمر الهروي أدنى متمسك ولا تعلق ولا دليل ولا شبهة دليل على اغتفار زلات وأخطاء وضلالات الدجال وأمثاله في حسناتهم، لكثرة تلك الزلات والأخطاء والضلالات من جهة، ولشناعة أنواع زلاتهم وأخطائهم وضلالاتهم لتعلقها بمخالفة اعتقاد السلف ومنهجهم من جهة ثانية، ولعدم تأهلهم وبلوغهم المرتبة العلمية التي يغتفر لهم فيها ما يغتفر لشيوخ الإسلام وأئمته من جهة ثالثة.
                          وعلى كل حال، فإن الهروي إما أن يكون عالمًا مجتهدًا وإمامًا، وإما ألا يكون، فإن كان عالمًا مجتهدًا وإمامًا، فالدجال ورفقاء دربه ليسوا كذلك، ولا يقاسون عليه في المعاملة ولا يلحقون به في ذلك؛ لأنهم إما أن يكونوا جهلة، وإما أن يكونوا معاندين، وإن لم يكن الهروي كذلك، فليس لهم فيه متمسَّك من باب أولى.
                          وها نحن نرد على هذه الشبهة، سواءٌ أخذها عن أبي الحسن المصري نزيل مأرب، الذي ناقشه الشيخ ربيع قديمًا بخصوصها ولم يعزها إليه، أو أخذها عن غيره أم لا، وتأمل اضطرابه في أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي، حيث قال: الإمام أبو إسماعيل تارة، وقال: الإمام إسماعيل تارة أخرى!!
                          وما ذكرناه مذكور في السير للذهبي، في ترجمة الهروي.
                          أما قول ابن القيم: «والكامل من عد خطؤه ...»
                          فليس فيه أن من أخطأ وضل طريق السلف، وعادى المذهب السلفي وأهله -وإن ادعاه كذبًا- ووالى أهل الضلال، وشنع على أهل السنة، وضرب ببيان أهل السنة لمذهب أهل السنة تجاه الأهواء وأصحابها عُرض الحائط، وبُين له خطؤه بل أخطاؤه وضلالاته الكثيرة المخالفة لاعتقاد ومنهج السلف، فلم يرجع عنها، وعاند، وراوغ، وكابر، ليس فيه -أي في كلام ابن القيم -رحمه الله- أن مثل هذا من الكاملين، الذين تُعد أخطاؤهم الناجمة عن اجتهاد، أو عن غير قصد، كهذا الذي قال في الحديث الصحيح : ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك)) والذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أخطأ من شدة الفرح))
                          فالخطأ هو مالا تعمد فيه من فاعله لمخالفة الشرع، وقد قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}
                          وتأمل اقتران الخطأ بالنسيان في قوله تعالى عن قول المؤمنين:
                          {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
                          فكما أن النسيان ليس عن قصد القلب وكسبه وتعمده، فكذلك الخطأ، فهل الدجالون العتاة الذين رشقهم أهل السنة بسهام الحجة من كل جانب، فلم يرعووا عن باطلهم، هل هؤلاء هم في حكم أمثال هؤلاء المخطئين في الآية أو الحديث؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
                          إن المجتهد المخطئ له أجر على اجتهاده، ومعفو عن خطئه، بخلاف من قلده في خطئه بعد علمه بالحق، فإن هذا الأخير موزور، كما أن الجاهل المعرض عن الحق أو المفَرط في سؤال أهل العلم عما جهله من أمر دينه موزور أيضاً، وبهذا تعلم أنه يغتفر للمجتهد المخطئ مالا يغتفر لمثل هذا المقلد أو مثل هذا الجاهل، وقد قيل:

                          وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بكل شفيع
                          ونحن نقول:

                          وإذا العليم أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بكل شفيع
                          فكيف بالخطأ غير المتعمد، الصادر عن اجتهاد لا عن هوىً أو تقليد أو إعراض؟!
                          وهل يجوز لمخطئ -على فرض أنه مخطئ- بعد علمه بخطئه أن يبقى على خطئه، أو أن يصر عليه، أو يقيم عليه، أو يشنع على من أوجب عليه الرجوع عن خطئه المنشور، أو يدافع عن نفسه بقول ابن القيم: والكامل من عد خطؤه،وهو في الوقت نفسه ليس من أهل الاجتهاد؟!
                          اللهم إن مثل هذا لا يكون مخطئًا معفوًا عن خطئه، وإنما يكون معاندًا ضالاً من أهل الجهل والعناد.
                          وتأمل -رحمك الله- كيف يحرف أمثال هؤلاء السيرة عن وجهها الصحيح، ويتخذون منها مرتعاً خصباً لبذر وبث سمومهم البدعية، وسلماً للدجل على الناس، واستمالتهم إلى مذاهبهم الرديئة، فاحذر -رحمك الله- من قصاص الضلالة.
                          قوله: «ولَّا هنطعن في ابن تيمية وابن القيم؟! مَهِي بَئَتْ هيصه، بئت هيصه!!»
                          قلت: السلفيون لا يطعنون في ابن تيمية ولا ابن القيم، ولا فيمن دونهما، ولا فيمن فوقهما من أهل العلم، وإنما يطعنون فيمن لا يفهم كلام أهل العلم، ولا ينزله على تنزيله اللائق به، ويطعنون فيمن حرَّف مقصود أهل العلم من كلامهم، وحمَّل كلامهم مالا يحتمله ولا يتحمله، وأوهم الناس أن السلفيين يطعنون في أهل العلم والفضل، وشوه صورة السلفيين بكل سبيل وفرصة سنحت له، ويطعنون فيمن نقل بعض كلام أهل العلم، وتغافل وتعامى عن سائر كلامهم، مع اقتضاء المقام لنقله، على أن ما نقله ليس حجة له، وإنما هو حجة عليه، فتأمل.
                          قال: «الإمام اسماعيل الهروي، اسماعيل الهروي، الذي ألّف كتابه في علم الصوفية، في علم التصوف»!!
                          قلت: وهل كبا جواد الهروي، ونبا سيفه، إلا لما طرق باب التصوف المبتدع؟! وإلا، فما معنى تعقب ابن القيم له؟!
                          إن التصوف باب واسع من أبواب الزندقة والكفر، كما أن الرفض باب واسع من أبواب الكفر و الزندقة والنفاق، وكما أن علم الكلام باب من أبواب الكفر، ولا يَسلم أحد طرق باب التصوف، كما لا يسلم أحد طرق باب الرفض، وكما لا يسلم أحد طرق باب علم الكلام، وإذا كان الهروي -وهو الملقب بشيخ الإسلام- قد زلت قدمه في هذا الباب -أعني باب التصوف- فما الظن بمن لم يكن بمنزلة الهروي؟!
                          عفا الله عنا وعنه، ثم إن لفظ التصوف ليس من ألفاظ المدح الشرعي، وهو مأخوذ من الصوف، والنسبة إليه صوفي، وليس في الصوف ما يمدح به لابسه من جهة الشرع، ولا يصح -لغة- نسبة الصوفي إلى غير الصوف، فلا يصح نسبته إلى الصفا؛ لأن النسبة إليه صفوي، ولا يصح نسبته إلى الصٌفَّة؛ لأن النسبة إليها صُفِّي، كذا قيل، وهو حق، ولو لم يكن من مفسدة ما زل فيه الهروي في كتابه "منازل السائرين" إلا تشبث بعض أهل الضلال بذلك، لكفى بها مفسدة، فقد قال الذهبي -رحمه الله- في السير، جـ18، صـ510:
                          "قلت: فإن طائفة من صوفة الفلسفة والإتحاد يخضعون لكلامه في "منازل السائرين"،وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم كلا ... إلى أن قال: فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين!! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"
                          قلت: قد نزه الله الصحابة ومن اتبعهم بإحسان عن التصوف وبرأهم منه، وهو من جنس اللغو الذي أعرضوا عنه، فليس للتصوف أصل في الكتاب ولا في السنة، خاصة أنه -في الجملة- سبيل الضالين، لا سبيل المسلمين المؤمنين المحسنين المتقين المهتدين، ولا يُعترض علينا بورود هذا اللفظ -ألا وهو التصوف- في كلام بعض العلماء؛ لأنهم إن وافقوا الشرع في المعنى ما وافقوه في اللفظ، وفي الألفاظ الشرعية غنية عن الألفاظ المحدثة، وقد حكى شيخنا الوادعي -رحمه الله- عن الشافعي قوله: ما تصوف أحد في أول النهار إلا جاء في آخر النهار أبله، وتعجب الشيخ منكِرًا قول أبي نعيم الأصبهاني -أظنه في الحلية- حيث قال في الصحابة: إنهم كانوا صوفية!! وحُق للشيخ -رحمه الله- ولكل سلفي أن يتعجب من هذا وينكره، وهذا القول يذكرني بقول مفتي مصر -علي جمعة-: "الصحابة كانوا أشاعرة" وهذا كذب على الصحابة، وما كان الأشاعرة إلا بعدُ بزمن بعيد، ومذهب الأشاعرة ضلال مبين.
                          إن في لفظ الإحسان المذكور في حديث جبريل، ولفظ التقوى وغيرهما من الألفاظ الشرعية -وما أكثرها في الكتاب والسنة!!- غنية عن مثل لفظ التصوف المحدث الذي استعماله ذريعة إلى الشر والفساد، ولو كان معناه صحيحًا شرعًا، وقد جاء الإسلام بسد جميع أبواب وذرائع الشر، وقد أغنى الله السلفيين بالألفاظ الشرعية.
                          أما قول الإمام الذهبي -رحمه الله- في الغزالي:
                          «الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ»
                          فيقال فيه: الغزالي عند الذهبي إمام كبير، وأنت ورفقاء دربك لستم كذلك، وكل إلحاق أو قياس مع الفارق فاسد الاعتبار، على أن لشيخ الإسلام كلامًا شديدًا في الغزالي في بعض المواضع من كتبه، حيث قال في نقض المنطق -في ظني-: له كلام شر من كلام الصابئة، ثم إن شيخنا العلامة السلفي مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- كان يقول لنا: احذروا عبارات الذهبي الضخمة، يعني -رحمه الله- مثل هذا الثناء الكبير على مثل الغزالي في سير أعلام النبلاء له، بل قد لقبه الذهبي بحجة الإسلام في هذا الكتاب، وهذا غير مقبول عندنا، فقد كان الغزالي بضاعته مزجاة في علم الحديث، وقد وصفه الشوكاني -رحمه الله- بذلك في بعض كتبه، ومَن كان كذلك كان ضعيف الحجة، وقد روى الخطيب -رحمه الله- في شرف أصحاب الحديث بسنده الصحيح إلي الشافعي -رحمه الله- أنه قال:
                          من حفظ الحديث قويت حجته.
                          ومن كانت بضاعته مزجاة في الحديث، فكيف يلقب بحجة الإسلام؟!
                          فمثل هذا المثال يُصَدِّق شيخنا في تحذيره من عبارات الذهبي الضخمة.
                          أما كون الغزالي قد مات وصحيح البخاري على صدره، فلا يلزم منه إمامته في الحديث، ولكن يستفاد منه رجوعه في آخر حياته إلى مذهب أهل الحديث أو توقيره للحديث، لا أكثر، وكيف يكون إمامًا في الحديث، وهو قد شحن كتابه إحياء علوم الدين بأحاديث لا تصح، وقد نقل بعضهم أنه جوَّز فيه دخول الفلاة بغير زاد، وقد سماه بعضهم إماتة علوم الدين، وأفتى بعضهم بإحراقه؟! كما في ترجمة الغزالي في السير.
                          فإن ثبت أنه إمام كبير كما قال الذهبي، فلستم تقاسون عليه، وإن لم يثبت ذلك، فلا ينفعكم التشبث بمثله!!
                          أما قول الذهبي:«ولا تقليد في الأصول»
                          فأقول فيه: ولا في الفروع، وللضرورة أحكامها، سواء تعلقت بالأصول أو الفروع.
                          أما قولك:«ما من مسلم إلا وله محاسن ومساوئ، ومن الظلم البين أن تذكر من أخيك أسوأ ما تعلم، وأن تكتم من أخيك خير ما تعلم، والله تبارك وتعالى يقول: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}»
                          فيقال فيه: أنت لم تعمل بمذهبك هذا، وقد قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}
                          وإليك الأمثلة الشاهدة على ذلك من كلامك، فقد قلت: «إنه الهوى إنه الحقد»
                          أفليس لصاحب الهوى والحقد حسنة، خاصة إذا كان مسلمًا؟!
                          وقلت -أيضًا-:«مَهِي بَئَتْ هيصه، بئت هيصه!!» أي: فوضى.
                          أفليس لأصحاب ذلك الوصف حسنة تذكرها؟!
                          هذا، إن سلمنا بأن خصومك السلفيين كذلك، على أن هذا الوصف هو من ألفاظ الذم العرفي أو اللغوي، وهي وإن كانت جائزة مالم تخالف شرعًا، فإن في ألفاظ المدح والذم الشرعية غنية عن الألفاظ العرفية عند من عرف الألفاظ الشرعية لا من جهلها أو استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
                          وقلت في الدرس الثالث والستين السابق: «الواد من إلة أدبو بئولي ... طبعًا دا سوء أدب، وإلّة أدب متناهية، وجهل ... ما .. دا مَتْرَّبَّاش، ... ومحتاج يتربى ... أُلتِلُه مين اللي رباك التربية السيئة دي؟
                          فدي كارثة ياخوانّا، الطالب ده أول مهيطعن هيطعن في شيخه الذي علمه ... الطالب اللي اتربّى على التربية دي، دا طالب سيء الأدب وسيء الخلق ...
                          وانت يابني أقسم بالله متعرف حاجه!!
                          كل طالب ياخوانا قرألي كتابين شرشر نط أكل البط بئى علي بن المديني! القضية مبئتشي يعني مش محتاجة فزلكة»
                          فأين حسنات هذا الطالب؟!
                          وقلت فيه أيضًا:« المشايخ والعلماء ياميجيش، مشُفش خِلْئِتُه، والله مانا عَوزُه، أقسم بالله مانا عَوزُه يحضر لي.
                          اللي يجي هنا ويتأدب ويتعلم الأدب مع»
                          فهل هذا الطالب ليس له حسنة تذكرها؟!
                          وقلت في الدرس الرابع والسبعين: «وبعض الناس الجهلة الجهلة اللي بتحاول تُسقط العلماء، يرتكبون أكبر جرم في حق الدين ... هؤلاء أقسم بالله يرتكبون أكبر جرم في حق الدين»
                          فهل هؤلاء الناس لا تعلم لهم حسنة لتذكرها؟!
                          أم استروحت إلى وصفهم بالجهل، مع أنهم علماء أو طلبة علم أفاضل؟!
                          وقلت في الدرس الثالث بعد المائة الأولى:
                          « العلة الثانية: سليمان بن أبى كريمة ضعفه أبو حاتم الرازي.
                          العلة الثالثة: ... رجل من رجال الإسناد يقال له جويبر، قال النسائي فيه: متروك الحديث، وقال الدارقطني: يروي عن الضحاك ... أشياء موضوعة، وهذا الحديث من رواياته عنه»
                          فهل وقع أبو حاتم في الظلم البين، حينما ضعف سليمان بن أبي كريمة، ولم يذكر له حسنة؟!
                          وهل وقع النسائي في الظلم البين، حينما قال في جويبر: متروك الحديث؟!
                          وهل وقع الدار قطني في الظلم البين، حينما قال فيه: يروى عن الضحاك أشياء موضوعة، أي متهم بالوضع، ووصفه بهذا الوصف الذي يساوي قول النسائي فيه: متروك الحديث؟!
                          يا هذا، أنت لم تعمل بمذهبك، فكيف تؤصل أصلاً أو تخترع مذهبًا لا تعمل به أنت؟!
                          يا هذا، إن المقام إذا اقتضى وجوب أو استحباب ذكر شيء من الحسنات، وجب ذلك أو استُحِبَّ، وإذا اقتضى عدم وجوب أو عدم استحباب ذكر شيء منها، لم يجب ذلك أولم يستحب.
                          ومن هنا تكلم أئمة الحديث كأبي حاتم والنسائي والدارقطني في بعض رواة حديث: "اختلاف أمتي رحمة" المشار إليه، ولم يذكروا لهم حسنة، لعدم اقتضاء المقام ذلك في هذا الموضع، وإلا، لزمك -لا محالة- نسبة هؤلاء الأئمة -الذين تتشدق بأمثالهم- إلى الوقوع في الظلم البين، وهذا باطل، فلا أنت على سبيل الأئمة في القديم ولا في الحديث.
                          أما استدلالك على ما ذكرت من الأصل الباطل بقوله -تعالى-:
                          {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}
                          فهو من وضع الآية في غير موضعها، ذلك؛ لأن وجوب ذكر حسنات المنتقَد أو المخالِف ليس حقًا له واجبًا على الناقد، حتى يكون عدم ذكرها بخسًا من الناقد لحقوق المنقود!! وقد قيل: ثبت العرش ثم انقش!!
                          قولك في هذا الدرس:«شيخنا وحبيبنا ابن القيم ...» إلي آخره، مع نقلك في الدرس الخامس عشر بعد المائة الأولى عن ابن القيم قوله: وإن سألوك عن شيخك فقل شيخي رسول الله، فيه محاكمة، وهي أنك كيف تقول: شيخنا وحبيبنا ابن القيم،وتنقل كلام ابن القيم: وإن سألوك عن شيخك فقل: شيخي رسول الله؟!
                          فإن قلت:لا يجوز أن أقول: شيخنا ابن القيم، ولا يجوز لأحد أن يقول في أحد غير رسول الله: شيخنا، فقد ناديت على نفسك بمخالفة طريق المسلمين، وكذَّبت نفسك هاهنا، وإن قلت بجواز ذلك، مع أن ابن القيم قال: وإن سألوك عن شيخك فقل شيخي رسول الله؛ لأن ابن القيم لا يقصد تحريم ذلك، وإنما يقصد أن شيوخ الضلال ليسوا شيوخ هداية، ويقصد التحذير من شيوخ الضلال ونحو ذلك، قلنا:
                          فكذلك يجوز أن تقول: أنا سلفي، أو من الجماعة السلفية، أو من الطائفة السلفية، أو من حزب الله، أو نحو ذلك، مع أن ابن القيم -رحمه الله- قال: إن سألوك عن جماعتك فقل: هو سماكم المسلمين؛ لأنه لم يقصد تحريم ذلك، وإنما يقصد أن فرق الضلال وأحزابه ليست فرق هداية ولا أحزاب هداية، ويقصد التحذير من فرق الضلال، لا من الحزب السلفي، أو الطائفة السلفية، أو الجماعة السلفية، التي هي الجماعة ونحو ذلك.
                          والعجيب أنه قال فيما مضى في الدرس الخامس عشر بعد المائة الأولى، قال قبل نقله لكلام ابن القيم السالف الذكر: «شيخي وحبيبي ابن القيم»
                          فكيف يقول هذا مع نقله ما نقل عن ابن القيم، ويمنع في الوقت نفسه من التسمية بالسلفية، أو الجماعة السلفية متذرعًا بقول ابن القيم:
                          «إن سألوك عن جماعتك فقل: هو سماكم المسلمين»؟!
                          فإما أن يطرد الجواز في الموضعين، وإما أن يمنعه في الموضعين، إذ لا فرق بينهما.
                          هذا، وقول المسلم الذي لم يدرك الأخذ عن رسول الله في حياته: شيخي رسول الله، يتوجه جوازه باعتبار أخذ سنته المروية عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو باعتبار أنه شيخ الشيوخ كلهم، وأن شيخ الشيخ شيخ، كما يقال في الجد الذي هو أبو الأب أب، وكما يقال: أبونا آدم مع أنه أب آبائنا أجمعين، فإن أوهم قولك:
                          «شيخي رسول الله» باطلاً -كأن يوهم هذا القول رؤية ذلك الذي لم يدرك زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كأن يوهم رؤيته للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأخذه العلم عنه بلا واسطة- احتُرِز منه في موضع الإيهام.
                          وهذا التفصيل يقال بشأن غير النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فلو قال قائل: شيخنا فلان، أو شيخنا ابن القيم، وهو لم يدركه، ولم يأخذ عنه العلم بلا واسطة، فإن أوهم إدراكه إياه، أو أخذه عنه بلا واسطة -والشأن ما ذكر- كان تدليسًا، وإلا، فلا.
                          أما ما نقله من قوله -تعالى-:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
                          أقول: أما ما نقله من هذه الآية المذكورة في كلام شيخ الإسلام في سياق كلامه -أعني الدجال- الذي يقول فيه: «ومن الظلم البيِّن أن تذكر من أخيك أسوأ ما تعلم، وأن تكتم من أخيك خير ما تعلم، والله -تبارك وتعالى- يقول: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم
                          فليس له فيه دليل، ولا شبهة دليل على وجوب ذكر حسنات المخالف، خاصة حال الرد عليه، ذلك؛ لأن الله قسم أهل الكتاب فريقين، الفريق الأول ذَكَر الله وصْفهم الحسن ولم يذكر لهم سيئة، والفريق الثاني ذكر أوصافهم السيئة ولم يذكر لهم حسنة، فليس في الآية دليل لمذهب الموازنات القاضي بذكر الحسنات والسيئات عن الشخص الواحد في حال نقد غيره له، فالفريق المذموم لم يذكر الله له حسنة، ذكر نحو هذا الشيخ ربيع -حفظه الله- في بعض ردوده على أحد المخالفين، فما أشد ذكاء هذا الإمام!!
                          ونحن اليوم إذا قلنا: إن أهل الأهواء والبدع من أمثال فرقة الإخوان المسلمين وفرقة التبليغ والقطبيين والسروريين وأدعياء السلفية الدجالين الكذابين قد أفسدوا البلاد والعباد، ولم نذكر لهم حسنة، لم نكن مخالفين لمنهج الإسلام في نقد المخالف، لا في هذه الآية التي جاءت في كلام شيخ الإسلام، ولا في آية:
                          {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} التي تبرع بذكرها الدجال، فتأمل!!
                          أما حديث الصحابي الذي يسمى عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان كثيرًا ما يؤتى به إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليقام عليه حد شرب الخمر، وقولُ النبي لمن لعنه: ((لا تلعنه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله))
                          فليس للدجال فيه دليل، ولا شبهة دليل على مذهب الموازنات القاضي بوجوب ذكر الحسنات والسيئات حال الرد على المخالف بإطلاق، فلم يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه كان يقول في كل مرة يؤتى فيها بهذا الصحابي ليقام عليه الحد: "إنه يحب الله ورسوله" وإنما قال هذا حينما لعنه رجل، فنهاه عن لعنه، وأنه لا يستحق اللعن، لعلم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بأنه يحب الله ورسوله، فلم يقل النبي ذلك في هذه المرة إلا لاقتضاء المقام لذلك.
                          كما أنه لما أراد أن يصلي على المرأة التي زنت ورُجمت، قيل له في ذلك، فقال:
                          ((لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم))
                          فقال ما قال لاقتضاء المقام ذلك، حيث قيل له بشأن صلاته -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليها -وشأنها ما ذكر- ولقد أقيم الحد على بعض الصحابة في زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذكره لنحو هذين القولين، لعدم اقتضاء المقام لذلك.
                          ونحن لا نمنع من مثل ذلك في مثل ذلك، إذا اقتضى المقام ذلك، فها نحن نقول لهذا الدجال وأمثاله من الدجاجلة: نحن نعتقد أنكم أفسدتم البلاد والعباد، ونقول ذلك، لكن لو جاءنا أحد، وقال فيكم: إنكم كفارٌ، أنكرنا عليه قوله، ورددناه؛ لاعتقادنا أنكم مسلمون، لكم من الحسنات ما ينجيكم عندنا من الكفر، وإن كنا نخشى عليكم منه، وما دفاعنا عنكم في هذا الحال، وردُّ قول المكفِّر عليه إلا لاقتضاء المقام ذلك، كما اقتضى المقام في عهد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما سبق من قوله في المثالين المذكورين، لكن لا يخفى على أهل العلم أن الإسلام المطلق ليس كمطلق الإسلام، ولهذا نقول -أيضًا-:
                          إن قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الصحابي الذي كان يُحَد لشربه الخمر: "يحب الله ورسوله" لا يلزم منه وجود المحبة المطلقة الكاملة عند هذا الصحابي كوجودها عند الكُمَّل من الناس كالأنبياء والمرسلين، بل لا يلزم منه كونها كمحبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف مثلاً.
                          وها نحن نقول:إن لدى أهل الأهواء من أمثال فرقة الإخوان المسلمين وجميع أفراخها وفرقة أدعياء السلفية، إن لديهم مطلقَ المحبة لله ولرسوله لا المحبةَ المطلقة، ولولا ذلك لكانوا كفارًا مرتدين، ولكن لا يجب علينا ذكر ما هم عليه من مطلق المحبة عند الرد عليهم؛ لأن الوجوب حكم شرعي، لم يقم عليه دليل عند عدم اقتضاء المقام لذلك، والواجب هو ما أوجبه الله ورسوله، لا ما أوجبه فرق الزيغ والضلال، ولا المنافحون عن أهل الزيغ والضلال، على أن هذا الصحابي المحدود في الخمر لم يكن مبتدعًا، ومعلوم أن البدعة شر من المعصية، وشرب الخمر معصية.
                          ثم إن النبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- قد حدّه الحد في كل مرة، ولم يترك حدَّه بدعوى أنه يحب الله ورسوله، وإنما قال هذه المقالة في المحبة بشأنه؛ لاقتضاء المقام لذلك كما سبق، وها نحن نرد عليكم، ونشنع عليكم بما يقتضيه أمركم وحالكم وفساد قولكم وسوء مذهبكم، ولا يمنعنا من ذلك ثبوت أصل المحبة لله ورسوله لديكم، أو ثبوت أصل الإسلام لكم.
                          ثم إن لعن المعيَّن مختلف فيه، وقد نهى النبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- عن لعن هذا الصحابي لما يعلم من حبه لله ورسوله، ولا شك في أن المحبة أمر قلبي، ليس لغير نبي إلى معرفته من سبيل، أما الأعمال الظاهرة الصالحة والأقوال الظاهرة الصالحة فهي علامة علي المحبة ودليل عليها، ليست هي المحبة نفسها، ويُتصور من المارد على النفاق صدور أقوال وأعمال توافق الشرع في الظاهر، مع أنه كافر في الباطن، وغير محب لله ولا لرسوله -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- أما هذا الصحابي فقد جزم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمحبته لله ولرسوله، ومثل هذا لا يجوز لعنه، أما من أساء في قوله الظاهر، وفي عمله الظاهر، فإنه يؤاخذ به، فإن علينا الظاهر والله يتولى السرائر، وما أُمرنا أن ننقب عن قلوب الناس، ولا أن نشق بطونهم، كما ثبت بنحو ذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والأثر عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وما عندنا وحي من الله بعد موت الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يُعْلمنا بمحبة باطنة لذلك المسيء في الظاهر، فمثل هذا المسيء يؤاخذ بقدر إساءته، وإن ادعى أنه محب لله ولرسوله في الباطن، على أننا لو علمنا علم اليقين بأن هذا المسيء في الظاهر يحب الله ورسوله، ما امتنعنا من مؤاخذته وإقامة الحد عليه، إذا فعل في الظاهر ما يوجب ذلك، كما لم يمتنع النبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- عن إقامة الحد على ذلك الصحابي شارب الخمر، مع علمه بمحبته لله ورسوله.
                          ثم إن إقامة الحد من أبلغ وسائل الإنكار على فاعل المنكر المستوجب للحد، ثم إن هذا الصحابي الذي كان يشرب الخمر هو من جملة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذين رضي الله عنهم، وقد شهد له الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمحبته لله ورسوله، فهل الله شهد لكم بذلك أم رسوله؟!
                          ثم إن هذا الصحابي -رضي الله عنه- لا نعلم أنه دعا غيره إلى شرب الخمر، كما تدعون أنتم إلى بدعتكم، على أنه لو كان دعا إلى شرب الخمر لكان أهون من الذين يدعون إلى بدعتهم، لما علم من أن شر وضرر البدعة وخطرها أعظم وأشد.
                          ثم إن شُرب هذا الصحابي للخمر كان فيما يظهر عن شهوة فحسب، فكيف بمن شرب البدعة، ودعا إليها، وكان شربه لها ودعوته إليها عن شبهة -وهى أشد من الشهوة- أو عن شبهة وشهوة معًا؟!
                          ثم إن هذا الصحابي الذي كان يُدعى حمارًا لم يُبغض النبيَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل كان يحبه ويضحكه، والفعل المضارع يضحك يفيد التجدد والاستمرار، فمع شربه للخمر، وإقامة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الحد عليه، لم يبغضه، ولم يفارقه قاليًا له، كما هو الشأن في أهل الأهواء اليوم، الذين ينهون عن المنهج السلفي وأهله، ويبغضون أهل السنة السلفيين، وينأون عن المنهج السلفي وأهله، ويؤذون أهل السنة السلفيين في كل مكان من أرض الله، بمفارقتهم المنهج السلفي وأهله، وتشويه المنهج السلفي وأهله!! وما نقموا منهم إلا أنهم نصحوا لهم، وردوا عليهم باطلهم.
                          فأين أهل الضلال من هذا الصحابي الجليل -رضي الله عنه- الذي لم ينه عن النبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- ولم ينأ عنه؟!
                          وإذا كان هذا الصحابي مع شربه للخمر يضحك النبي -صلى الله عيه وعلى آله وسلم- فإنا نقول -أيضًا-:
                          كم من صاحب معصية يحب أهل السنة، ويثني عليهم، ويطلب منهم الدعاء له، ويستشفي برقيتهم، ويضحكهم، بخلاف أهل الأهواء، فكم من مبتدع أزاغ الله قلبه يحزن أهل السنة، ويضايقهم، ويحاربهم، ويكدر صفوهم، ويشغل بالهم وخاطرهم، ويشغلون من أوقات أهل العلم في الرد عليهم ما يشغلون، وكان يمكن لأهل العلم أن يوفروا مثل هذا الوقت المشغول لغيره من أبواب الخير، لولا اضطرارهم إلى تلك الردود، تحقيقًا لأعظم المصلحتين، ودفعًا لأعظم المفسدتين، ولقد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال يوم الأحزاب: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا ثم صلاها بين العشائين بين المغرب والعشاء))
                          فاللهم املأ قبور وبيوت أهل الأهواء المعاندين نارًا، وافضحهم في كل واد وناد، في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
                          ثم إن هذا الصحابي كان يُعاقَب على شرب الخمر، وتلك العقوبة وسائر الحدود كفارة لأهلها، أما أهل الأهواء والبدع فإنهم في الغالب لا تطهر خلائقهم ببيان أهل العلم لما هم عليه من الباطل، ولا بزجرهم عما هم عليه، ولا بهجرهم والتنكيل بهم.
                          كما أن هذا الصحابي كان يحب النبي ويضحكه مع تكرار عقوبة النبي له لتكرار شربه للخمر، بخلاف أهل الأهواء الذين لا يزدادون بنصائح وبيان أهل العلم وبهجرهم إياهم ونحو ذلك، لا يزدادون بذلك كله إلا عتوًا ونفورًا عن السنة وأهلها، وبغيًا على السنة وأهلها، فأين أهل الأهواء يا هذا من ذاك الصحابي؟!
                          ثم إن هذا الصحابي ما اعتقد حل الخمر، بخلافكم أنتم، فإنكم تجعلون الحق باطلاً والباطل حقًا، وموالاتكم لأهل الأهواء ومعاداتكم للسلفيين خير شاهد.
                          ثم هل أخبرك السلفيون أنهم يكفرون شارب الخمر مثلاً حتى تحمل عليهم هذه الحملة الشرسة من التشويه، أم أخبرك شيطانك بذلك، وأوحى به إليك؟!
                          ويظهر لي -والله أعلم- من قصة اللعن في هذا الحديث جواز لعن المعين؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهاه -أعني اللاعن- عن اللعن، معللاً ذلك بأنه -أعني الصحابي المحدود في الخمر- يحب الله ورسوله، فمن أساء إساءة ظاهرة نحو هذه الإساءة، جاز لعنه لعدم علمنا وجزمنا بمحبته -أعني هذا المسيء- لله ورسوله باطنًا، وإذا جاز لعن مثل هذا المعين المسلم، جاز لعن المعين غير المسلم من باب أولى.
                          نعم، مسألة لعن المعين مسألة شائكة ومختلف فيها، غير أن الذي يظهر لي جواز لعن المعين بشرطه، أما اللعن على العموم فلا إشكال في جوازه، سواء كان اللعن على العموم يتعلق بمسلمين أو بكافرين.
                          وبناءً على ما سبق من تجويز اللعن على العموم فنقول: لعن الله الدجالين الصادين عن سبيل السلف الصالح، المداهنين لأهل الباطل، المشوهين للمنهج السلفي وأهله وحملته وعلمائه.
                          وليُعلم أنه لا يلزم من اللعن -سواءٌ سواء كان لمعين أو على سبيل العموم- تكفير الملعون، فقد جاء في حديث علي عند مسلم، قول النبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من غير منار الأرض، لعن الله من آوى محدثًا))
                          ومعلوم أن الثلاثة الأخيرة كبائر وليست كفرًا، وقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه))
                          ومعلوم أن الربا كبيرة وليس كفرًا، إلى غير ذلك من الأدلة الواردة في لعن أصحاب الكبائر.
                          ولا يلزم من جواز لعن المعين وجوب لعنه، فيجوز الدعاء للمخالف ولو كان مشركًا، ولقد بوب البخاري -رحمه الله- باب: الدعاء للمشركين، في صحيحه، وذكر حديث أبي هريرة -رضي الله- أن النبي -صلي الله عليه وعلى آله وسلم- بعثه إلى دوس ليدعوها إلى الإسلام، ودوس قبيلة أبي هريرة -رضي الله عنه- فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقال: يا رسول الله: إن دوسًا عصت وأبت، فادع الله عليها، فقال: ((اللهم اهد دوسًا وائت بهم))
                          أما قول الدجال: «ألَّه» هكذا خاطفًا لفظ الجلالة فقد سبق الكلام فيه، وأنه من جنس الإلحاد في أسماء الله وصفاته، وأنه لا يعرف في السنة ولا في عرف السلف، الاقتصار على هذا الاسم عند التعجب أو الاستنكار أو نحو ذلك.
                          قال: «مَتِبئاش صاحب قلب قاسي، وصاحب حكم عنيف ناري»
                          قلت: القسوة والغلظة على أهل الأهواء كل منهما محمود، وقد قال الله لنبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
                          {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
                          ولأهل الأهواء نصيب من المجاهدة والغلظة المذكورة في الآية، وعلى هذا درج السلف، أما الحكم على أهل الأهواء بأنهم أهل أهواء استنادًا إلى البراهين الدالة على اتباعهم أهواءهم، فإنه محمود لموافقته للحق والحقيقة، ولا يضر أهل السنة حكمهم على أهل الأهواء بذلك، سواءٌ سمى خصوم أهل السنة هذا الحكم عنيفًا ناريًا أم لا.
                          ثم إن أهل الأهواء هم أصحاب القلوب القاسية البعيدة عن الخشوع للحق، قال -تعالى-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}
                          بلى يا ربنا قد آن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم للحق المنزَّل من كتاب وسنة بفهم سلف الأمة، خلافًا لأهل الأهواء الذين تزداد قلوبهم قسوة وغلظة على أهل السنة الذين يبينون ضلاهم، ويهتكون أستارهم مشابهة منهم بأهل الكتاب قساة القلوب، وقال -تعالى-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
                          ليس -يا ربنا- من شرحت صدره للإسلام -والسنة هي الإسلام، ومذهب السلف هو الإسلام- فهو على نور منك، ليس كمن جعلت صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصعد في السماء؛ بسبب قسوة قلبه، وضلاله المبين، وبعده عن نبع السنة ونبع المذهب السلفي العذب النمير.
                          قال:«والله العظيم بِيتك من الزجاج، والله العظيم بِيتي أنا من الزجاج»
                          قلت: كذبت في الأولى، وصدقت في الثانية، فأهل كل بيت أدرى به وبما فيه، وأبشرك بأن بيتك أشد ضعفًا وهشاشة من الزجاج، فبنيان البدعة والضلالة لا تقوم له قائمة، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
                          ولأهل الأهواء نصيب من هاتين الآيتين
                          قال الدجال:«... إنت ضعيف، أنت ضعيـــف، والله العظيم بِيتك من الزجاج، والله العظيم بِيتي أنا من الزجاج ...»
                          أقول:مثل هذا الكلام لا يَنفُق في سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما ينفق في سوق المداهنة، ذلك؛ لأن العبد مكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو كان لا يأتمر في نفسه بالمعروف ولا ينتهي في نفسه عن المنكر، وكون العبد يأمر غيره بالمعروف وينهى غيره عن المنكر وهو في نفسه لم يأتمر بالمعروف ولم ينته في نفسه عن المنكر، أهون من أن يترك أمر غيره بالمعروف ونهي غيره عن المنكر، ويترك ائتمار نفسه في الوقت نفسه بالمعروف، ويترك انتهاء نفسه في الوقت نفسه عن المنكر؛ لأنه في هذا الحال الأخير قد جمع الشرين، والاقتصار على شر واحد أهون من الجمع بين الشرين أو الشرور، وقد قيل: حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
                          ولا يعكر على هذا قوله -تعالى-:
                          {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}
                          ولا قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}
                          لأن كبر مقت هذا عند الله بسبب عدم امتثاله في نفسه بما يقوله من الخير أو يأمر به من البر، لا لقوله الخير ولا لأمره الناس بالبر.
                          ثم إن الشيطان ليرضى أن يترك العبد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحب منه ذلك بحجه تعلل العبد بأنه لم يأتمر في نفسه بذلك المأمورية، ولم ينته في نفسه عن ذلك المنهي عنه؛ لأنه ما من أحد إلا وعنده نوع تقصير، جاء نحو هذا في التفسير.
                          وقد يُعبرَّ عن تلك الجملة التي ذكرها الدجال بالعبارة التالية:
                          من كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة.
                          والتذرع بمثل تلك العبارات لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تذرع باطل، وفي مثل هذا التذرع إبطال وإغلاق باب كبير من أبواب الدين، ألا وهو باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاحذروا يا عباد الله من مثل تلك الألفاظ والعبارات التي يقصد صاحبها باطلاً، فهَّمنا الله وإياكم، وعلمنا الله وإياكم.
                          أما قوله:« بِرَّاحة شوية، متتكلمش مع الناس إلا ومناخيرك تحت النعل، وأنفك في التراب، وأَلْبَك بيرتعش، خايف»
                          أقول: أعوذ بالله من تواضع النفاق، وأين تواضعك يا هذا مع العلماء السلفيين، وتوقيرك إياهم، وذبك عنهم، ونصرتك لمذهبهم السلفي، وردك على خصومهم؟!
                          أم أنت -أصلاً- خصم خصيم لهم؟! نعم أنت من ألد خصومهم.
                          ثم إن أهل السنة أعزة على أهل البدعة، وإنما أهل السنة أذلة على أهل السنة، قال-تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
                          وقال: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
                          وأهل الأهواء لهم نصيب من هذه الشدة، وقال -تعالى-:
                          {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
                          ولأهل الأهواء والبدع نصيب من هذا الإغلاظ.
                          وقارن بين قوله:«وإذا مَتْحَرَّكْناش بِين الناس بأدب وحكمة ورحمة وحب وتواضع، وانكسار لله وذل لله، مش هَنْغَيَّر الواقع، إن كنت صادقًا في تغيير الواقع، اتحرك بين الناس بمنهج صاحب الخلق»وقوله:«فإنت مغرور على إيه؟! ومنفوخ بإيه؟!»وغيره مما ذكرناه في هذا الرد من أقواله الشنيعة، تعلم مدى دجْل هذا الرجل.
                          وأما قوله:«فإنت مغرور على إيه ومنفوخ بإيه؟»
                          فإنه ينقض أساس وأس بنيان مذهب الموازنات، وإلا، فأين ذكر حسنات المغرور والمنفوخ؟!

                          شُبهٌ تَهافتُ كالزجاج تَخالها *** حقًا وكلٌ كاسرٌ مكسور

                          تم الفراغ منه في يوم السبت الموافق السابع والعشرين
                          من شهر جمادى الأولى لسنة اثنتين وثلاثين
                          وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية
                          على صاحبها الصلاة
                          والسلام.

                          وكتب
                          أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة
                          أبو عبد الله

                          يتبع إن شاء الله

                          تعليق


                          • #14
                            جزاكم الله خيرا شيخنا ووفقكم الله وأعانكم وقد سعدنا بلقياكم بالأمس فنسأل الله أن يجعل ما تخطه أيديكم فى موازين حسناتكم وزادكم الله علما وبصيرة ودفاعا عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

                            تعليق


                            • #15
                              التعليق على الدرس التاسع والعشرين بعد المائة الأولى


                              من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري



                              ليلة الجمعة الموفقة الثالث عشر من شهر الله المحرم لعام ألف وأربعمائة وثمانية وعشرين من الهجرة.


                              قوله: «مَفِيش مجاملة على حساب الحق أبدًا، مفيش مجاملة على حساب المنهج، ولا على حساب الدين، دي قضية في منتهى الخطورة، مجاملة بعض أهل العلم لطلبة العلم على حساب المنهج، من أخطر العثرات والزلات التي تواجه العمل الإسلامي في هذه المرحلة، أن أجامل بعض الطلبة على حساب المنهج، حتى لا ينفض عني هذا الجمع، وحتى يزداد الحضور لمرضٍ في قلبي، أو لهوىً في نفسي، من كان هذا حاله، فواجب عليه أن يحبس نفسه، حتى يُطَهِّر قلبه، ويصحح نيته، وينظف سريرته، حتى يتوب عليه ربه -تبارك وتعالى- ثم عليه بعد ذلك أن يخرج ليعلِّم الناس، فلا يجوز لرجل عالم أو شيخ أو داعية يرجو بعلمه وعمله وجه ربه، لا يجوز له أبدًا أن يجامل الخلق -كل الخلق- على حساب المنهج»
                              الكلام بصوته من هنا:http://jumbofiles.com/rxhx57mi8me1

                              أقول: قوله: «مجاملة أهل العلم لطلبة العلم على حساب المنهج، من أخطر العثرات والزلات ...»
                              أقول فيه: إن كان المقصود منه وقوع هذه المجاملة، فممن وقوعها؟!
                              وإن كان المقصود أنه لا يجوز لأهل العلم مجاملة طلبة العلم على حساب الحق أو المنهج أو الدين، فأين أنت من مجاملة أدعياء السلفية من أمثالكم وأمثال الحويني والمأربي والنقيب وعبد الرحمن بن عبد الخالق، وغير هؤلاء؟! وإن لم تكن مجاملة هؤلاء لأهل الأهواء من أمثال فرقة التبليغ وفرقة الإخوان المسلمين وجميع أفراخها بما فيهم أدعياء السلفية أنفسهم بإدخالهم في أهل السنة الأقحاح، إن لم تكن هذا مجاملةً على حساب المنهج، فلا أدرى متى تكون المجاملة على حساب المنهج!!
                              ثم إن التعبير بالمداهنة هنا أولى من التعبير بالمجاملة، لورود الشرع به، قال تعالى:
                              {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}
                              وكما أن أدعياء السلفية يداهنون إخوانهم من فرق الضلال، فإن إخوانهم من فرق الضلال- في الجملة- يداهنونهم أيضًا، ومذهب السلف هو الضحية والذبيحة بينهم، وسبحان من جمع فرق الضلال بعضهم على بعض، ومازهم عن أهل السنة!!
                              نعم، هذه الفرق وأشباهها هي -في الجملة- من جماعة أهل السنة العامة التي تقابل الرافضة، أما أن تكون من أهل السنة الخاصة -أعني السلفيين- فلا، وألف فلا.
                              على أن فيهم -في الجملة- أو في بعضهم -على الأقل- مداهنة وموالاة للرافضة، وثناء عليهم، في الوقت الذي يطعنون فيه في أهل السنة السلفيين، فسبحان من طمس وأعمى بصائر كثير من خلقه!!
                              بقي أن يقال: أي منهج هذا الذي ذكرت في قولك:
                              «لا يجوز له أبدًا أن يجامل الخلق -كل الخلق- على حساب المنهج»؟!
                              فإن كان هذا المنهج هو منهج الدجالين من أمثال ابن حسان ونظرائه من أدعياء السلفية الكذبة الخونة، الذين يوالون أهل الضلال، ويحامون عنهم، ويدافعون عنهم، ويثنون عليهم، ويؤصلون من أجل ذلك الأصول الفاسدة والقواعد الكاسدة، ويسيرون بسير أهل الضلال، ويحولون في الوقت نفسه بين الناس وبين أهل العلم، ويطعنون في أهل العلم بشتى الأساليب الخبيثة -حيث إن أهل العلم هم العقبة الكؤود في طريقهم- أقول:
                              إن كان هذا هو المنهج -وهذا هو الظاهر- فإنا -معشر السلفيين- نبرأ إلى الله من هذا المنهج الباطل الذي يسير على طريق الضلال، ويجامل، ويداهن سائر فرق الضلال، وسنحذر من هذا المنهج غداً -إن شاء الله- كما نحذر منه اليوم، وكما حذرنا منه بالأمس.
                              أما قوله:«العمل الإسلامي» فقد صار شعارًا لأهل الأهواء، ممن يسمون بالحركيين، كالإخوان المسلمين وأدعياء السلفية.




                              التعليق على الدرس الثلاثين بعد المائة الأولى


                              من دروس السيرة لمحمد بن حسان المصري.




                              ليلة الجمعة الموافقة للعشرين من شهر الله المحرم لعام ألف وأربعمائة وثمانية وعشرين من الهجرة.


                              قوله: «الصلح مع أعدائنا، مع أهل الحرب جائز، جائز لضرورة، جائز لمصلحة، قد تكون الأمة في مرحلة من مراحل الضعف، فليس من الفقه ولا من البصيرة أن نقول بجهاد الطلب، ليس معنى ذلك أننا نُلغي جهاد الطلب -حاشا لله- فالجهاد فريضة قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والقضية لا تحتاج إلى تمييع، ولا تحتاج إلى ليّ لأعناق النصوص، لكن تحتاج إلى فهم للنصوص، وكما أقول دوًما: ليست المشكلة في الدليل، ولكن المشكلة في فهم الدليل، وتحقيق مناط الدليل، الأمة تمر الآن بمرحلة من مراحل الضعف، ليس من الفقه ولا من العلم أن نطالب الأمة بجهاد الطلب، وليس من الفقه ولا من الحكمة أن نسقط أحكام العز والقوة والاستعلاء على الأمة في مرحلة من مراحل الضعف والهوان، لا يجوز، وإلا، لما صالح النبي المشركين في الحديبية عشر سنوات، على وضع الحرب، على إيقاف القتال والجهاد؛ لأن المصلحة تقتضي ذلك، لذا أقول: من المصلحة إن كانت الأمة في مرحلة ضعف، أن تعقد صلحًا مع أهل الحرب، أو مع أعدائها، بنيِّة أن تستعد الأمة، وأن تأخذ بأسباب القوة في كل مناحي الحياة، امتثالاً عمليًا لقول الله -جل في علاه-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} من قوة، تأتي كلمة قوة نكرة، لتفيد العموم والشمول، تأتي نكرة في السياق لتفيد العموم والشمول.
                              القوة في المجال الإيماني، القوة الإيمانية، القوة العلمية، القوة الإعلامية، القوة العسكرية، القوة السياسية، القوة الاقتصادية، القوة الفكرية، القوة الخلقية، والسلوكية، إلى غير ذلك {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} أما أن تضع الأمة هذه البنود، أو أن تضع هذه الشروط في عقد صلح لتتوانى أو لتتكاسل، فليس هذا هو المراد، إنما المراد لتلتقط الأمة أنفاسها، لتلملم الأمة جراحها، لتضمد الأمة جراحها، لتستعلي الأمة على آلامها، لتستعد الأمة استعدادًا قولياً، وعمليًا وقلبيًا في كل مناحي الحياة، لتكون بعد ذلك أهلاً لمواجهة أعداء الله -تبارك وتعالى-.
                              وأنا أقول: الجهاد ما شرع إلا من أجل تقليم أظافر من يحول بيننا وبين دعوة الخلق إلى الحق -سبحانه وتعالى- أكررها، ما شرع الجهاد إلا لنقلم به أظافر من يحول بيننا وبين دعوة الخلق إلى الحق -تبارك وتعالى-.
                              فنحن ننطلق بالدعوة، بالدعوة، بالحكمة البالغة، بالموعظة الحسنة، بالكلمة الرقراقة المهذبة المؤدبة، فإن اعترض قوم بعد البلاغ على هذا الدين، سنقول له بملء الصوت، بأعلى الصوت وأعـ .. وملء الفم: لكم دينكم ولي دين، سنقول له: لا إكراه في الدين، أما إن قام أحد ليَحُول بيننا وبين دعوة هؤلاء الخلق إلى الحق، وجب علينا أن نقاتله، وأن نجاهده، وأُعلنها بكل فخر واعتزاز، ولن أدفن رأسي في الرمال كالنعام، لأستحيي من آية في كتاب الله تحث على الجهاد أو على القتال، أو لأستحيي من حديث صحيح عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحث فيه على القتال وعلى الجهاد»
                              استمع إلى الكلام بصوته من هنا: http://jumbofiles.com/qwqozsnpg1r3
                              قوله:«والقضية لا تحتاج إلى تمييع، ولا تحتاج إلى ليّ لأعناق النصوص، لكن تحتاج إلى فهم للنصوص، وكما أقول دوًما: ليست المشكلة في الدليل، ولكن المشكلة في فهم الدليل، وتحقيق مناط الدليل»
                              أقول: أجل، وكم من دليل لم تفهموه، ولم تضعوه في موضعه!! وكم من نص لويتم عنقه!! وقد مر بنا بعض ذلك، كوضعكم لقوله -تعالى-:
                              {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} في غير موضعه، وكوضعكم لقوله -تعالى-:
                              {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الآية، في غير موضعه إلي غير ذلك.
                              وكم من دعي يضع أدلة الغيبة من الكتاب والسنة وكلام بعض أهل العلم في ذلك، ككلام الحافظ ابن عساكر -رحمه الله- بشأن من يتكلم في العلماء، كم من دعي يضع ذلك كله وغيره في غير موضعه، وينزل هذا كله على غير تنزيله، ويسحب ذلك كله على السلفيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، ويتكلمون في المخالف بالأدلة، وفي الوقت نفسه لا يتورع هؤلاء الأدعياء عن الوقيعة في السلفيين ومنهجهم، ولا شك في أن تنزيل مثل تلك الأدلة ومثل ذلك الكلام المتعلق بالغيبة المذمومة على أهل العلم السلفيين، ووضع تلك الأدلة وذلك الكلام في غير موضعه، هو من أقبح الغيبة، إن لم يكن أقبحها، إضافة إلى ما ورثوه من مشابهة أهل الكتاب في التحريف!!
                              أما عن قوله:«أحكام العز»في قوله:
                              «وليس من الفقه ولا من الحكمة أن نسقط أحكام العز والقوة والاستعلاء على الأمة في مرحلة من مراحل الضعف والهوان، لا يجوز ...»
                              فإني أريد أن أفصل فيه شيئًا، فأقول:
                              قد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون))
                              فهذه الطائفة الظاهرة لا بد أن تكون منصورة عزيزة بدينها، لا ذليلة، وقد قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((... وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟! قال: الجماعة، وفي رواية يصححها بعض أهل العلم "هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي))
                              فهذه الفرقة الناجية لابد أن تكون عزيزة في أي زمان أو مكان، لا ذليلة ولا مهانة، وقد قال -تعالى-: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}
                              فالعز من جهة الدين وقوة الإيمان متحقق في حق الطائفة الظاهرة المنصورة والفرقة الناجية، ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه بمكة أعزاء بدينهم، نعم، كانوا مستضعفين بمكة من ناحية العدد والعدة وقلة ذات اليد والمنعة ونحو ذلك، وهذا الضعف لا ينافي عزتهم بدينهم، ولقد قال -تعالى-:
                              {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ}
                              أي من جهة القلة في العدد والعدة ونحو ذلك، لا من جهة الدين، فقد كانوا أعظم الناس إيمانًا وأعز الناس بدينهم، والدليل على أنهم كانوا أعزة بدينهم في ذلك الوقت وما قبله، هو أن الله نصرهم ببدر، وما نصرهم الله إلا لأنهم نصروا الله -عز وجل- القائل: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
                              وها نحن اليوم نرى آية من آيات الله ألا وهي نصر الله للسلفيين على جميع خصومهم من أهل الأهواء، مع قلة عدد السلفيين وضعفهم الدنيوي، ومع كثرة خصومهم من أهل الأهواء، وكثرة ما أوتوا من حظوظ الدنيا، فالسلفيون اليوم أعزة بمنهجهم السلفي مع ذلهم وضعفهم، ذاك الضعف الذي يشبه ضعف الصحابة في قلة عددهم وعدتهم في العصر المكي، وذلك الذل الذي يشبه ذل أهل بدر، فليس هو الذل المضروب على العاصي أو المخالف لأمر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
                              قلت: أما ما ذكرته بخصوص الجهاد، فإنا نقول فيه:
                              إن مراعاة المصالح والمفاسد مطلوبة ومعتبرة، سواء كان الجهاد جهاد طلب أو جهاد دفع، وبناءً على ذلك لا يستقيم إقرارك وتشجيعك لما تفعله حركة حماس في فلسطين من أفعال ضد اليهود، تلك الأفعال التي تجر عليهم الويلات تلو الويلات التي لا قِبَل لهم بها، والتي تجر عليهم من المفاسد أضعاف ما يحققونه من المصالح، وسيأتي فيما بعد -إن شاء الله- التعليق على مقطع صوتي لك في قناة العذاب (المدعوة بالرحمة!!)


                              تم الفراغ منه في ليلة الخميس، الموافق الثاني من


                              شهر جمادى الآخرة، لسنة اثنتين وثلاثين


                              وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية،


                              على صاحبها الصلاة


                              والسلام



                              وكتب


                              أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري


                              أبو عبد الله



                              يتبع إن شاء الله


                              تعليق

                              يعمل...
                              X