مناقشة
خالد بن عثمان المصري
في
مناقشته
وتجويزه لانتخاب الأصلح في المدلهمات
للشيخ/
أبي محمد
عبد الحميد الحجوري
حفظه الله
مقدمة:
كنت أرغب من خالد بن محمد بن عثمان أن يبادر بما دعوناه إليه، وهو التوبة إلى الله عز وجل من هذه الفتوى المخالفة للدليل والمبنية على الرأي، امتثالا لقول الله تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]، ورفقا بنفسه أن يقع في الخطأ ويستمر عليه، فإذا به يخرج مقالاً بعنوان «بيان تحريم الانتخابات وحكم انتخاب الأصلح في المدلهمات مناقشة مع عبد الحميد الحجوري» فأرسلها لي مشرف الموقع أبو عبد الله حسين الكحلاني حفظه الله ووفقه لطاعته ومرضاته، وجزاه الله خيراً على ما يقوم به من جهد في خدمة السنة ، فطالعتها فلم أره جاء بشيء يدعم قوله سوى الرأي، والتقليد!!
فإلى مناقشته في مناقشته:
قوله: «كل من يسمع هذا الكلام يظن أن أبا عبد الأعلى جوّز في كلامه أصل الانتخابات ودعا الناس إلى المشاركة فيها ترشيحاً وانتخاباً رضاً بها، وإقراراً لها، وهذا مما لم يرد في كلامي ولا يفهم منه بحال من الأحوال».
أقول وبالله عز وجل أستعين:
أولاً: «كونك أبحت المشاركة في الانتخابات للتخفيف من الشر أو غير ذلك من التعليلات على ماتقدم.
خطأ يجب رده، فإن المشاركة في الانتخابات مؤداها إلى ارتكاب مفاسد كثيرات قد بينَّا بعضها فيما تقدم.وسيأتي بعضها في الملحق إن شاء الله تعالى.
ثانياً: كونك ترى تحريم أصل الانتخابات لا يعذرك في تجويز ما أجزته منها، فإطراد هذا الأصل هو الواجب، أما الذهاب إلى الجواز في بعض المواطن بتعليلات أوهى من تعليلات أصحاب الرأي فباطل.
ثالثاً: ما الناقل عن هذا الأصل إن قلت الإضطرار ولا أراكَ تقول به، فليس بصحيح، وإن قلت الإكراه فكذلك لا إكراه ولا اضطرار هنا والحمد لله.
الرد على إجازته للمشاركة تقليلا للشر وتكثيرا للخير
رابعا إن قلت: يجوز لهم المشاركة من باب تقليل الشر، ومن باب تكثير الخير نقول الحرام لا يجوز ارتكابه بمثل هذا التعليلات والتوسع فيها مع احتمالات لمصالح ظنية، ووجود المفاسد المحققة التي ضررها حاصل ومتيقن في الأمور الدينية والدنيوية، وقد انتقد العلماء مثل هذا الطريقة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «المجموع» (14/469-474) وما بعدها:
وقد يعترفون أن ما فعلوه بدعة منهي عنها أو محرمة ؛ ولكن يقولون ما أمكننا إلا هذا، وإن لم نفعل هذا القليل من المحرم حصل الوقوع فيما هو أشد منه تحريما وفي ترك الواجبات ما يزيد إثمه على إثم هذا المحرم القليل في جنب ما كانوا فيه من المحرم الكثير ويقولون : إن الإنسان يجد في نفسه نشاطا وقوة في كثير من الطاعات إذا حصل له ما يحبه وإن كان مكروها حراما، وأما بدون ذلك فلا يجد شيئا ولا يفعله، وهو أيضا يمتنع عن المحرمات إذا عوض بما يحبه وإن كان مكروها وإلا لم يمتنع وهذه الشبهة واقعة لكثير من الناس وجوابها مبني على ثلاث مقامات: أحدها: أن المحرمات قسمان: أحدهما: ما يقطع بأن الشرع لم يبح منه شيئا لا لضرورة ولا لغير ضرورة: كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم، والظلم المحض وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : 33]، فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يبح منها شيئا قط، ولا في حال من الأحوال، ولهذا أنزلت في هذه السورة المكية ونفي التحريم عما سواها ؛ فإنما حرمه بعدها كالدم والميتة ولحم الخنزير حرمه في حال دون حال وليس تحريمه مطلقا.
قلت: ومن هذا الباب تحريم الانتخابات فإنها من الأبواب العظيمات للظلم والزور والفواحش الظاهرة والباطنة، ومنها ما ينتج عن القوانين الوضعية والدساتير المحدثة التي تخالف الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة.
وقال رحمه الله تعالى: وكذلك الخمر يباح لدفع الغصة بالاتفاق ويباح لدفع العطش في أحد قولي العلماء ومن لم يبحها قال: إنها لا تدفع العطش وهذا مأخذ أحمد، فحينئذ فالأمر موقوف على دفع العطش بها فإن علم أنها تدفعه أبيحت بلا ريب كما يباح لحم الخنزير لدفع المجاعة وضرورة العطش، الذي يرى أنه يهلكه أعظم من ضرورة الجوع ؛ ولهذا يباح شرب النجاسات عند العطش بلا نزاع فإن اندفع العطش وإلا فلا إباحة في شيء من ذلك، وكذلك الميسر فإن الشارع أباح السبق فيه بمعنى الميسر للحاجة في مصلحة الجهاد، وقد قيل إنه ليس منه وهو قول من لم يبح العوض من الجانبين مطلقا إلا المحلل ولا ريب أن الميسر أخف من أمر الخمر، وإذا أبيحت الخمر للحاجة فالميسر أولى، والميسر لم يحرم لذاته إلا لأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء، فإذا كان فيه تعاون على الرمي الذي هو من جنس الصلاة وعلى الجهاد الذي فيه تعاون، وتتألف به القلوب على الجهاد زالت هذه المفسدة، وكذلك بيع الغرر هو من جنس الميسر ويباح منه أنواع عند الحاجة ورجحان المصلحة.
وكذلك الربا حرم لما فيه من الظلم وأوجب ألا يباع الشيء إلا بمثله، ثم أبيح بيعه بجنسه خرصا عند الحاجة بخلاف غيرها من المحرمات، فإنها تحرم في حال دون حال، ولهذا - والله أعلم - نفى التحريم عما سواها وهو التحريم المطلق العام، فإن المنفي من جنس المثبت فلما أثبت فيها التحريم العام المطلق نفاه عما سواها، والمقام الثاني: أن يفرق بين ما يفعل في الإنسان ويأمر به ويبيحه وبين ما يسكت عن نهي غيره عنه، وتحريمه عليه، فإذا كان من المحرمات ما لو نهى عنه حصل ما هو أشد تحريما منه لم ينه عنه ولم يبحه أيضا، ولهذا لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه ؛ ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف؛ لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات وترك واجب أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب، وإذا كان قوم على بدعة، أو فجور ولو نهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك، ولم يمكن منعهم منه ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة لم ينهوا عنه، بخلاف ما أمر الله به الأنبياء وأتباعهم من دعوة الخلق؛ فإن دعوتهم يحصل بها مصلحة راجحة على مفسدتها كدعوة موسى.
وأما الإنسان في نفسه فلا يحل له أن يفعل الذي يعلم أنه محرم لظنه أنه يعينه على طاعة الله، فإن هذا لا يكون إلا مفسدة، أو مفسدته راجحة على مصلحته وقد تنقلب تلك الطاعة مفسدة ؛ فإن الشارع حكيم فلو علم أن في ذلك مصلحة لم يحرمه لكن قد يفعل الإنسان المحرم ثم يتوب وتكون مصلحته أنه يتوب منه ويحصل له بالتوبة خشوع ورقة وإنابة إلى الله تعالى ؛ فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها، فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كبر وعجب وقسوة، فإذا وقع في ذنب أذله ذلك وكسر قلبه ولين قلبه بما يحصل له من التوبة. اهـ
فعلم بأن هذه المصالحة التي يظنها مرتكب المحرم، أو المفتي به مصلحة تنقلب مفسدة.
الرد على استدلاله بزلة بعض الأئمة في هذا الباب:
وأما استدلالك بكلام العلماء الأجلة كالعثيمين، وابن باز، والألباني رحمهم الله جميعاً، فهي زلة من علماء اجتهدوا فأخطأوا، فلهم أجر رحمهم الله علىه اجتهادهم على ما هو مبين في حديث عمرو بن العاص: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» متفق عليه ، وهم أيضا معذورون بخطئهم.
وقولهم على فرض عدم وجود الدليل على بطلانه مردود بقول إمام مثلهم وهو الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله وليس بقبول قولهم أولى من قبول قوله ثم قوله رحمه الله مؤيد بالأدلة.
زد على ذلك أن السير على الأصل في هذه المسألة هو الواجب والحتم على ما يأتي من كلامه رحمه الله تعالى.
قال رحمه الله في «تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب» (313-319):
السؤال: احتج أصحاب الانتخابات بقول الألباني وابن باز وابن عثيمين فما قولكم في ذلك؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. أما بعد:
فأصحاب الانتخابات هم أعداء هؤلاء المشايخ، فقد كنا بالأمس نسمع في هيئة المعاهد العلمية بصنعاء أن الألباني ماسوني، عند أن أفتى للذين في فلسطين من المسلمين بأن يخرجوا لأنّها أصبحت دار حرب، شنوا عليه الغارات وضللوه وبدّعوه.
وهكذا الشيخ ابن باز عند أن أفتى في قضية الخليج هاجموه. وعند أن أفتى بالصلح مع اليهود ونحن نتكلم على هذا مع قطع النظر عن صحة هذه الفتوى، فهاجموه وحملوا عليه ومنهم يوسف القرضاوي لا بارك الله فيه، فهم يريدون إحراق أهل العلم، فلا تصلح لهم حزبية إلا إذا احتيج إلى استفتائهم، فالحزبيون يذهبون إلى مشايخهم أمثال القرضاوي وفلان وفلان، أما العلماء فلا يذهبون إليهم بل يريدون إحراقهم.
وهذه الفتوى قد اتصلت بشأنها بالشيخ الألباني حفظه الله وقلت له: كيف أبحت الانتخابات؟ قال: أنا ما أبحتها ولكن من باب ارتكاب أخف الضررين.
فننظر هل حصل في الجزائر أخف الضررين أم حصل أعظم الضررين، واقرءوا ترجمة أبي حنيفة تجدون علمائنا ينهون عن الرأي والاستحسان، ويرون أنه سبيل الاعتزال وسبيل التجهم، أما فتوى الشيخ الألباني فهم يأخذونها من زمن قديم.
وأما الشيخ ابن عثيمين فمن عجيب أمره أنه يحرم الأحزاب والجماعات ويبيح ما هو أعظم وأخطر منها وهي الانتخابات التي هي وسيلة إلى الديمقراطية.
فأقول لهؤلاء الملبّسين: لو تراجع هؤلاء المشايخ أكنتم متراجعين عن هذا أم لا؟
ونقول: إننا نرى حرمة التقليد؛ فلا يجوز لنا أن نقلد الشيخ الألباني ولا الشيخ ابن باز ولا الشيخ ابن عثيمين، فإن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف : 3] ، ويقول سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : 36].
فأهل السنة لا يقلدون، ثم نقول للمشايخ: إن فتواكم هذه خطيرة جدًا، ألم تعلموا أن بوش أخزاه الله عند أن كان رئيسًا لأمريكا يقول: إن السعودية والكويت لم تطبقا الديمقراطية.
فعلى المشايخ أن يتراجعوا عن هذه الفتوى، وأنا أشهدكم أنني متراجع عن أي خطأ في كتبي أو أشرطتي أو دعوتي لله عز وجل، أتراجع بنفس طيبة مطمئنة. والمشايخ لا عليهم إذا تراجعوا، بل هو الواجب عليهم، لأنّهم لا يدرون بالذي يحدث في اليمن، وما الذي يدور في المجالس النيابية، وما هو الفساد الذي يحصل بسبب الانتخابات، قتل وقتال من أجل الانتخابات، وخروج النساء متبرجات، وتصوير للنساء من أجل الانتخابات، ومساواة الكتاب والسنة والدين بالكفر من أجل الانتخابات، وأي مصلحة حققت هذه الانتخابات.
فيجب على المشايخ أن يتراجعوا، وسنرسل إليهم إن شاء الله، فإن لم يتراجعوا فنحن نشهد الله أننا براء من فتواهم لأنّها مخالفة للكتاب والسنة، رضوا أم غضبوا، أعراضنا ودماؤنا فداء للإسلام، ولا نبالي بحمد الله.
والقوم قد احترقوا، ويعرفون أن كلامهم ليس له قيمة، وإن شئت أرسلت رجلاً ولا يشعر الناس، ولكن لا يكون حزبيًا، ليعلموا أن الإخوان المسلمين قد احترقوا في اليمن، والفضل في هذا لله عز وجل. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتراجع ونصرة المظلوم ونصرة إخوانهم أهل السنة يعتبر واجبًا عليهم، ودعونا من الرأي والاستحسان.
ونحن نقول للمشايخ: هل حصلت الانتخابات في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند أن اختلفوا في شأن أسامة بن زيد هل يكون هو الأمير أم غيره؟ فهل قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انتخبوا فمن حصلت له الأصوات الكثيرة فهو الأمير!؟ وهل حصلت الانتخابات في زمن أبي بكر؟ وهل حصلت الانتخابات في زمن عمر؟
وما جاء أن عبدالرحمن بن عوف تتبع الناس حتى النساء في خدورهن، فهذا يحتاج إلى نظر لأنه خارج «الصحيح»، فلا بد من جمع الطرق، وأنا متأكد أنّها إذا جمعت الطرق سيكون شاذًا، والشاذ من قسم الضعيف، ثم بحث عنه بعض الإخوة فوجد هذه الزيادة في غاية الضعف.
هل حصلت الانتخابات في العصر الأموي أو العباسي أو العثماني؟ أم إنّها جاءتنا من قبل أعداء الإسلام، وصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول: ((لتتّبعنّ سنن من قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلكتموه)).
فهي تعتبر فرقة وتشتيت شمل وعداء وبغض، حتى بين الأسرة الواحدة، من أجل هذه الانتخابات الدخيلة، ولا يضحك علينا الإخوان المسلمون فإنّهم ربما ينتخبون شخصًا لا يصلي ويقولون: نيته طيبة أو ينتخبون شيخًا جاهلاً.
ولقد كانوا يُمنّون الناس في الانتخابات الأولى أن ما بينهم وبين أن يحكموا الإسلام إلا أن تنتهي الانتخابات، فأين الحكم بالإسلام؟ وأين إنجازات وزاراتهم التي كانوا فيها، والإخوان المسلمون هم الذين يقولون: إننا نقرر الأمر في مجلس النواب فتأتينا الأوامر بغير ذلك، ثم نخرج بما أتتنا به الأوامر من هنا وهناك.
فاتقوا الله أيها المشايخ لا تقودونا إلى أتباع أمريكا، وإلى الديمقراطية التي تبيح ما حرم الله، والتي قد أباحت اللواط في بعض الدول الكفرية، وأباحت كل محرم؛ فنحن مسلمون عندنا كتاب ربنا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : 153].
فهل لنا دين في الزمن المتقدم ودين في الوقت الحاضر أم هو دين واحد إلى أن تقوم الساعة؟ والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم حتّى يأتي أمر الله وهم كذلك».
فعسى أن يتراجع المشايخ عن هذه الفتوى، وسننظر ماذا يعمل الإصلاحيون. والله المستعان.
بيان الإمام الوادعي رحمه الله تعالى أن القول بانتخاب الأصلح زلة
وقال رحمه الله مبيناً أن الفتوى بالانتخاب للأصلح على حد تعبيرهم زلة كما في المرجع السابق (305-309):
وقد كنت منذ نحو ست أو سبع سنوات في جامع الدعوة بصنعاء وقلت: إن كان ولا بد فليختاروا الرجل الصالح، فهذه زلة أستغفر الله منها، ثم إننا لم نكن قد عرفنا مجلس النواب الطاغوتي الذي فيه احترام الرأي والرأي الآخر. وكذلك في الأهداف التي وزعوها في العام الماضي: الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة، وقد أغنانا الله بالكتاب والسنة، ماذا تريد منا الأمم المتحدة؟ تريد منا أن تمسخنا، فأمريكا تتحمس لرجل واحد إذا قتل في بلدنا وهي تبيد الشعوب المسلمة كما قيل:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب كامل مسألة فيـها نظر
ونقول: إن قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن تحت الأقدام، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((كلّ أمر الجاهليّة موضوع تحت قدمي)). وأنصح بقراءة كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" لتعلموا ما حصل للمسلمين من زمن قديم.
والناس يسمون دعوة الإخوان المسلمين دعوة موسمية يقولون: إننا لا نراهم إلا عند الانتخابات، يقول قائلهم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء : 58].
ثم يأتي المرشح ويقول: إن شاء الله سأحقق لكم كذا وكذا، وسأفعل كذا وكذا، وقضاياكم أسدها ثم بعد أن يرشحه المساكين ويستلم السيارة والمرتب الضخم يقلب اسمه (صلاحًا)? فإذا قيل له: يافلان أين ما وعدتنا؟ فيقول: لا يوجد شيء.
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين»، فلماذا لا يقولون: هذه انتخابات فرضت علينا من أمريكا، بل يخدعون الناس ويقولون: إنّها الإسلام.
وأقول: أن الناس عندهم تفكير وإن كان لدى بعضهم جشع، فقد قال قائلهم وقد كان بعض الإخوان المفلسين يستصحب معه بيضة في الانتخابات الأولى ويقول: البيضة بخمسة ريالات وذلك الرجل ناصري فقال: يا عبدالمجيد كنت تقول بالأمس إن البيضة بخمسة ريالات وهاهي الآن بعشرة ريالات، فماذا عملتم؟ وقبيلي آخر في ذمار قال: قد عرفناكم ماذا عملتم لنا؟
فالانتخابات لا دنيا ولا آخرة، فماذا عملت الانتخابات في الجزائر؟ انتهكت حرمات الله وقضى على الدعوة في الجزائر وكانت الدعوة في الجزائر من أحسن بلاد المسلمين. وهكذا السودان فالانتخابات أتت لنا بالترابي ترّب الله وجهه الذي يسب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويسخر منه ويقول: أنا آخذ بقول النصراني في أن الذباب إذا وقع في القهوة أصبها لأنه يحمل الجراثيم ولا آخذ بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول هذا ويضحك بمعنى أنه يسخر من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأيضًا مسألة الاختلاط والحجاب والدعوة إلى وحدة الأديان.
وبعض الخبثاء يقول: حوار مع الأديان. ولكن الصحف السودانية والترابي عند أن ذهب إلى الخارج يقول: سندعو إلى وحدة الأديان ونضرب بيد من حديد على من وقف في طريقنا.
وآخر يقول في الصحيفة وقد قيل له: لماذا اختير السودان بالذات؟ قال: لأن هناك شبهات حول السودان، فنحب أن يعلم الناس أنه لا فرق بين المسلم والنصراني.
ورب العزة يقول في كتابه الكريم: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم : 35 ، 36] ، ويقول سبحانه وتعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص: 28].
فنقول لأهل الانتخابات: اسمعوا كلام ربكم فإن الله عز وجل يقول: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) [السجدة : 18]، ويقول سبحانه وتعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية : 21].
فصوت الشيوعي والبعثي والناصري والعلماني وصوت العالم الفاضل واحد، والله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر : 9]، وربما يكون أنجس من الكلب، يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [الأنفال : 22] ، ويقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة : 6].
فتأتي أمريكا وتفرض علينا الانتخابات ورب العزة يقول في كتابه الكريم: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) [الشعراء: 151، 152] ، وتفرض علينا الديمقراطية التي معناها إبطال الكتاب والسنة، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : 13]، ويقول سبحانه وتعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف : 103] ، وهؤلاء يعتبرون بالكثرة.
إنّها مصيبة ومساومة بالإسلام، فالمسلم المصلي والمتمسك بدينه يخاف منه أعداء الإسلام أعظم مما يخافون من طائراتنا ومدافعنا ورشاشاتنا ومجلس نوابنا.
فأنا أقول: إنّها تحرم الانتخابات، وقد أبدلنا الله الشورى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : 159] ، (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشورى : 38].
والشورى بين أهل الحل والعقد: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : 83]، فأهل العلم والحل والعقد هم الذين يبتون في الأمر، ولا تأتي لنا امرأة متأثرة بالأفكار الشيوعية أو البعثية أو العلمانية ثم نجعلها نائبة، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأةً».
فصوت المغنية الفاجرة وصوت العالم واحد! وصوت العالم والخمّار واحد عندهم، وصوت الذكر والأنثى عندهم واحد! والله يقول: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) [آل عمران : 36].
وأهل الشر أكثر في المجتمع الإسلامي كله، فهذه دسيسة جاءتنا من قبل أعداء الإسلام من أجل أن ينفّذوا لهم مخططاتهم.
إيراد ليس بوارد
قوله: « وأخيرًا أورد على أخينا عبد الحميد إيرادًا أرجو أن يرد عليه، ألا وهو:
إذا ترشح في الانتخابات رافضي يدعو إلى الرفض، وسني يحارب الرفض لكنه عاصي فاسق لا يحارب المعصية، لكنه لا يحارب السنة ويقيم الشعائر الظاهرة للإسلام، وثالث علماني شيوعي ليبرالي يدعو إلى التحرر من الأحكام الشرعية، وينتصر للإباحية المطلقة، وجرت انتخابات عادلة لاختيار الأكثر أتباعًا من الشعب، ولا قدرة لأهل الحق على منع هذه الانتخابات، والناس سوف تذهب للانتخاب – شئنا أم أبينا-، فهل من الحكمة الشرعية أن نترك الناس حيارى؟! أم الواجب أن نبين لهم حكم الانتخابات وأنها لا تجوز، ولكن ينبغي أن نناصر المسلم السني – وإن كان عاصيًا- لدفع شر هذا الرافضي أو ذاك العلماني الخبيث.». اهـ
أقول: أولاً: دعك من الافتراضات والإيرادات, فالمسألة متوقفة على الدليل, وكم من المسائل التي أوردها أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى سببت له التوغل في الرأي المذموم والسلف رضوان الله تعالى عليهم كانوا يحذرون من مثل هذه الإيرادات .
ثانيا: تعلم كما يعلم غيرك أن كل من ترشح في هذه الانتخابات يقدم على تطبيق دستور وقانون وضعي.
ثالثا: الكثير ممن يصعد إلى الكرسي على حد زعمك وهو سني عاصي فاسق, لا يزداد إلا بعدًا وتوغلاً في الفسق ويدل على ذلك كلام الإمام الألباني الذي ذكرته ونصه: ، فإذا ما أمكننا أن نصد المسلم من أن يرشح نفسه سواء في الانتخاب الكبير أو الصغير فنختاره لماذا؟ لأن هناك قاعدة إسلامية على أساسها نحن نقول ما قلنا: [إذا وقع المسلم بين شرين اختار أقلهما شرًّا] لا شك أن وجود رئيس بلدية مسلم أقل شرًّا ولا أقول خير من وجود رئيس بلدية كافر أو ملحد، لكن هذا الرئيس يحرق نفسه وهو لا يدري يرشح نفسه بدعوى أنه يريد أن يقلل الشر وقد يفعل، لكنه لا يدري بأنه يحترق من ناحية أخرى. انتهى
رابعا: هات لي انتخابات قد رقى الكرسي بها الأصلح.
خامسا: أين الانتخابات العادلة, وهي من أسها وأساسها مبنية على الظلم, فلا تكن العدالة عندك هداك الله هي فيما يعبرون عنه بنزاهة الانتخاب مع عدم النظر إلى الظلم الحاصل على الشخص نفسه والمتعدي إلى غيره والظلم ظلمات يوم القيامة.
سادسا: لو قُدر ووقع ما تقول, نقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2] فالواجب البعد عن المعاصي والمخالفات الشرعية, والله عزوجل أغير على دينه منا.
سابعا: أما بالنسبة لذهاب الناس إلى الانتخابات؛ فنحن ننصح, ونحذر من الشر, ومن قبل فالحمد لله, ومن أبى إلا الولوج في الباطل, فأمرء حجيج نفسه, والله تعالى يقول (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) وأنت ترى الناس يذهبون إلى أماكن السينما, وأماكن اللهو والطرب, وغير ذلك ، فهل ستدلهم على أقل الأماكن طربًا وعرضًا, أم أنك ستنهاهم عن الذهاب, هذا هو الواجب, لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان» أخرجه مسلم.
وليس والله من الحكمة أن تقول للناس: هذا حرام, وافعلوا هذا الحرام من أجل المصلحة قد تتحقق وقد لا تتحقق, والناس ما هم حولك, وإنما يقع اللبس على مريد الحق فيأخذ بالفتوى, ويكون المفتي هو الآثم.
وأما استدلالك بفتوى الشيخ عبيد الجابري المتعصب للحزب العدني مدافعًا عن فتواه بأنها قول جمهور أهل العلم, فهذا دفاع لن يفيد عبيد الجابري, وإنما الذي يفيده التوبة إلى الله عزوجل مما وصل إليه في حزبية العدني عبدالرحمن, ثم البعد عن الفتاوى النابية, مثل: فتواه بحل سحر المسحور عند من سحره.
وفتواه بالانتخابات على تفصيل غير مقبول.
وفتواه بالتدريس في أماكن الاختلاط, وسيكون الرد على هذه الفتوى قريبًا إن شاء الله.
وفتواه إمام مسجد في ليبيا وسمعتها صوتيًا, وتم الرد عليها بأن لإمام المسجد - حفاظًا على المسجد - أن يخطب في المولد معرضًا, وأن يقنت في الفجر, وأن يدعوا الدعاء الجماعي إلى غير ذلك مما يجعل المنصف يعرف أن الرجل يسير إلى منهج التيسير الغير شرعي, وبابه من باب كتاب سلمان العودة (أفعل ولا حرج).
وأما قولك: « فكان الأولى به أن يرد على هؤلاء الأئمة السابقين، فهم الأكثر أتباعًا، والتضرر بفتواهم – إن أخطأوا- أعظم من التضرر بفتوى أبي عبد الأعلى، فما وزن أبي عبد الأعلى بجانب هؤلاء الأئمة الفحول – رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء-؟! وهل تسم فتاواهم بالنابية ؟! لا أُخالك تفعل، فأنا أنزهك عن سوء الأدب مع العلماء، كما لا أرضى لك استخدام هذا الأسلوب مع إخوانك من طلبة العلم، وإن حدث بينهم خلاف في الفهم!!».انتهى
الأئمة المذكورون قد رد عليهم إمام مثلهم, وقبلوا كلامه, ولم يقع منهم ما يقع الآن من لماذا؟ وكيف؟ بل كانوا يقبلون النصح, حتى وإن بقوا على اجتهادهم لم يكن منهم لشيخنا الوادعي رحمه الله, ومن إليه إلا الود والاحترام والتقدير.
ثم إن الرد على الفتوى الصادرة من العلم المجتهد إن خالفت الحق تُرد مع الاحترام والتقدير والإجلال, والحق أجل من الجميع.
أما من عاند بعد النصح والتوجيه؛ فهذا يبين حال فعله ليحذره الناس.
وأما قولك: «من أوحى إليك أني مقلد هل ذكرت هذا في كلامي».
أقول: لا يلزم كون الرجل مقلداً أن يقول: وأنا أقلد في هذه الفتوى العالم الفلاني، أو الإمام فلان، وإنما التقليد هو قبول قول القائل من غير ذكر حجة، على هذا القول من كتاب أو سنة أو إجماع والدليل على أنك قلدت في هذه المسألة هو استدلالك بالأقوال المجردة عن الأدلة في هذه الوريقات التي تناقش فيها مع أنك لما ناقشت -محمود لطفي عامر- ذكرت الأدلة على تحريم الانتخابات فتنبه، وإياك والجدل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل».
وأما قولك: « وأما عن قوله: "وأما إذا قالوا: أن الانتخابات من باب الشورى، نقول: كذبتم لعمرو الله كذبتم والله، فإن الانتخابات قائمة على الأكثرية قائمة على تساوي النساء والرجال قائمة على كون الفاسق يشارك فيها والجاهل يشارك فيها والعالم يشارك فيها والمبطل يشارك فيها والكل يشارك فيها بينما الشورى إنما تكون لأهل الحل والعقد من المسلمين الذين يعرفون ما يصلح وما لا يصلح".
فأقول: لا أدري هل أنا ضمن المعنيين بضمير الجمع في "قالوا"؟! والذي يتبادر إلى ذهن أي قارئ، أني داخل فيه، بقرينة ذكرك هذا في نهاية نقدك لكلامي، وعليه فإن هذا الاتهام يضاف إلى جملة تقوُّلك عليَّ، بل وعلى جمهور العلماء بلا بينة؛ حيث إن هؤلاء الأئمة الذين أفتوا بجواز انتخاب الأصلح لدرء الشر الأكبر، ما قالوا بأن الانتخابات من باب الشورى، وما قالوا بجوازها حتى يلفقوا هذه الشبهات.».انتهى
أقول: أنت الذي تقوّلني ما لم أقل، وتُحمِل كلامي ما لا يحتمل فأنا رددت على مسألة الانتخابات من أصلها وأسها، ثم استطردت فذكرت بعض شبه القوم كما ترى، وأما العلماء فنحن بحمد لله أنعم الناس باحترامهم وتقديرهم ومعرفة حقهم مع عدم تقليدهم.
قال الشنقيطي رحمه في أضواء البيان:
«اعلم أن موقفنا من الأئمة رحمهم الله من الأربعة وغيرهم ، هو موقف سائر المسلمين المنصفين مننهم وهو موالاتهم ، ومحبتهم ، وتعظيمهم ، وإجلالهم ، والثناء عليهم ، بما هم عليه من العلم والتقوى ، واتباعهم في العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على رأيهم وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق ، وترك ما خالف الكتاب والسنة منها .
وأما المسائل التي لا نص فيها فالصواب النظر في اجتهادهم فيها .
وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا .
لأنهم أكثر علماً وتقوى منا .
ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضى الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه .
كما قال صلى الله عليه وسلم : « دع ما يريبك إلى ما لايريبك »
وقال : « فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه »
وحقيقة القول الفصل في الأئمة رحمهم الله أنهم من خيار علماء المسلمين وأنهم ليسوا معصومين من الخطأ ، فكل ما أصابوا فيه فلهم فيه أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، وما أخطأوا فيه فهم مأجورون فيه باجتهادهم معذورون في خطئهم فهم مأجورون على كل حال ، لا يلحقهم ذم ولا عيب ولا نقص في ذلك .
ولكن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حاكمان عليهم وعلى أقوالهم كما لا يخفى .
فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
فلا تكم ممن يذمهم وينتقصهم ولا ممن يعقد أقوالهم مغنية عن كتاب الله وسنة رسوله أو مقدمة عليهما .انتهى
الاستلال بالجمهور
ثم أراك كثيرا ما تردد وهذا قول الجمهور فماذا تريد أن تقول؟
فكم من المسائل التي يقولها الجمهور والحق في خلافها لأن الحجة هي الدليل يعرف هذا من طالع المختصرات فضلا عن المطولات ورحم الله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل إذ يقول: عجبت لمن عرف الإسناد وصحته ثم يذهب إلى قول سفيان.انتهى
فنحن بحمد الله تعالى تربينا على يد العالم الجليل والإمام النبيل مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى الذي سمعته مدوية من فيه: (لا يقلدني إلا ساقط).
وعلمنا رحمه الله حب الدليل من الكتاب والسنة، وكان بعيداً عن الاستحسانات والرأي والقياسات الفاسدة إلى غير ذلك.
ثم عهد بنا إلى خليفته المبارك السائر على سير أسلافه في بغض التقليد والرأي والأقيسه الفاسدة وعلى حب الدليل ألا وهو أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى.
فالواجب على جميعنا العودة إلى الكتاب والسنة، وإياك وهذه الأغلوطة، فإن لم تتب منها جرتك إلى غيرها، وكان السلف يحذرون من الغلَّاط الذي لا يرجع عن غلطه فيروى عن عبد الله بن المبارك: (يكتب الحديث إلا عن أربعة) وذكر منهم غلاط لا يرجع، وعن أحمد بن حنبل رحمه الله (أنه سُئل عمن نكتب العلم فقال عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو إليه، أو كذاب، فإنه لا يكتب عنه قليل ولا كثير، أو عن رجل يغلط فيرد عليه فلا يقبل) رواهما الخطيب في كفايته.
وإليك هذا الفصل لتعلم كيف كان السلف يتعاملون مع أغلاطهم قال الخطيب في «الكفاية» (164): [باب فيمن رجع عن حديث غلط فيه، وكان الغالب على روايته الصحة أن ذلك لا يضره] قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا عن عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وعبد الله بن الزبير الحميدي الحكم فيمن غلط في رواية حديث وبين له غلطه فلم يرجع عنه ، وأقام على رواية ذلك الحديث ، أنه لا يكتب عنه ، وإن هو رجع قبل منه وجازت روايته ، وهذا القول مذهب شعبة بن الحجاج أيضا.
- أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن عمر بن العباس القزويني ، ثنا محمد بن موسى الحلواني ، حدثني محمد بن جعفر العسكري ، حدثني نعيم بن حماد ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كنا عند شعبة فسئل : يا أبا بسطام ، حديث من يترك ؟ فقال : « من يكذب في الحديث ، ومن يكثر الغلط ، ومن يخطئ في حديث مجتمع عليه ، فيقيم على غلطه ، ولا يرجع ، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون » وليس يكفيه في الرجوع أن يمسك عن رواية ذلك الحديث في المستقبل حسب ، بل يجب عليه أن يظهر للناس أنه كان قد أخطأ فيه ، وقد رجع عنه.
- كما أخبرنا محمد بن علي بن الفتح الحربي ، ثنا علي بن عمر الحافظ ، ثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد إملاء ، ثنا أبو العالية إسماعيل بن الهيثم بن عثمان اليشكري بالبصرة سنة خمسين ومائتين ، ثنا أبو عاصم ، ثنا عزرة بن ثابت عن علباء بن أحمر اليشكري عن أبي زيد الأنصاري ، قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : « يا أبا زيد هل عندك من شيء ؟ » قلت : ما عندي إلا خل ، قال : «هاته ، فنعم الإدام الخل » ، قال ابن صاعد : وهذا حديث غريب الإسناد ما سمعته إلا منه.
- ثم أخبرني علي بن الحسن بن محمد بن أبي عثمان الدقاق ، ثنا علي بن عمر الحريري ، ثنا أبو عروبة ، ثنا أبو العالية إسماعيل بن الهيثم ، ثنا أبو عاصم ، عن عزرة بن ثابت ، عن علباء بن أحمر ، عن أبي زيد ، قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « يا أبا زيد هل عندك من شيء ؟ » قال : قلت : ما عندي إلا خل ، فقال لي : « هاته ، فنعم الإدام الخل » قال علباء : فما زلت أحبه منذ سمعت أبا زيد يذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو عروبة قال لنا أبو العالية حين حدثنا بهذا الحديث : قد رجعت عنه.
- حدثت عن دعلج بن أحمد ، قال : ثنا موسى بن هارون ، قال : سمعت أبي يقول : كان يزيد بن هارون يقول في مجلسه الأعظم غير مرة « حديث كذا وكذا أخطأت فيه ».
- أخبرني علي بن أحمد بن علي المؤدب ، ثنا أحمد بن إسحاق النهاوندي ، أنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ، ثنا همام بن محمد العبدي ، ثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ، حدثني العلاء بن الحسين ، ثنا سفيان بن عيينة ، حديثا في القرآن ، فقال له عبد الله بن يزيد : ليس كما هو حدثت يا أبا محمد ، قال : وما علمك يا قصير ؟ قال : فسكت عنه هنيهة ثم قام إلى سفيان فقال : يا أبا محمد ، أنت معلمنا وسيدنا ، فإن كنت أوهمت فلا تؤاخذني ، قال : فسكت سفيان هنية ثم قال : يا أبا عبد الرحمن ، قال لبيك وسعديك قال الحديث كما حدثت أنت وأنا أوهمت.
- أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا دعلج بن أحمد ، أنا أحمد بن علي الأبار ، ثنا القاسم بن عيسى ، ثنا حماد بن زيد ، قال : سألت سلمة بن علقمة عن شيء ، فرفع ثم نظر إلي فقال : « إن سرك أن تكذب صاحبك فلقنه » ثم رجع.
- أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا يحيى بن معين ، قال : « حضرت نعيم بن حماد بمصر فجعل يقرأ كتابا من تصنيفه ، قال : فقرأ منه ساعة ، ثم قال : ثنا ابن المبارك عن ابن عون ، فحدث عن ابن المبارك عن ابن عون أحاديث ، قال يحيى : فقلت له : ليس هذا عن ابن المبارك ، فغضب وقال : ترد علي ؟ قال : قلت : إي والله، أريد زينك ، فأبى أن يرجع ، قال : فلما رأيته هكذا لا يرجع قلت : لا والله ما سمعت أنت هذا عن ابن المبارك ، ولا سمعها ابن المبارك من ابن عون قط ، فغضب وغضب كل من كان عنده من أصحاب الحديث ، وقام نعيم فدخل البيت ، فأخرج صحائف ، فجعل يقول وهي بيده : أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث ؟ نعم ، يا زكريا غلطت ، وكانت صحائف فغلطت ، فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون ، وإنما روى هذه الأحاديث عن ابن عون غير ابن المبارك ، فرجع عنها ».
- أخبرنا أبو بكر البرقاني ، أنا محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي ، أنا الحسين بن إدريس ، قال : قال ابن عمار : « رددت على المعافى بن عمران حرفا في الحديث فسكت ، فلما كان من الغد جلس في مجلسه من قبل أن يحدث ، قال : إن الحديث كما قال الغلام ، قال : وكنت حينئذ غلاما أمرد ما في لحيتي طاقة ».
- أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، أنا إبراهيم بن محمد الكندي ، ثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، ثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن طلحة بن مصرف ، عن مالك بن عميرة ، عن مسروق ، قال : «ليودن أهل البلاء يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض» قال أبو موسى: فبلغني أن عبد الرحمن رجع عنه ، فقيل له: إنك كنت قلت عن مالك بن عميرة ، فقال : نعم ، وهمت فيه ، وهو عن الحارث بن عميرة .
- أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب ، قال : قرأت على أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، سمعت أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى يحكي أن أبا معمر ، حدث بالموصل بنحو ألفي حديث حفظا ، فلما رجع إلى بغداد كتب إليهم بالصحيح من أحاديث كان أخطأ فيها أحسبه ، قال : نحو ثلاثين أو أربعين حديثا.
- أنبأني روح بن محمد أبو زرعة الرازي ، أن علي بن محمد بن عمر القصار ، أخبرهم ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا أبي ، أخبرني سليمان بن أحمد الدمشقي ، قال : « قلت لعبد الرحمن بن مهدي : أكتب عمن يغلط في عشرة ؟ قال : نعم ، قيل له : يغلط في عشرين ؟ قال : نعم ، قلت : فثلاثين ؟ قال : نعم ، قلت : فخمسين ؟ قال : نعم ».
- حدثني علي بن محمد بن نصر الدينوري ، قال : سمعت حمزة بن يوسف السهمي ، يقول : سألت أبا الحسن الدارقطني عمن يكون كثير الخطأ قال : « إن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط ، وإن لم يرجع سقط ».انتهى
فما ضرك أبا عبد الأعلى إن رجعت عن هذه الغلطة الفالجة متأسيا بالسلف الصالحين.
وانظر إلى حالك لما رجعت عن جمعية أهل الحديث والأثر ما ضرك ذلك بل يُرفع العبد بقدر قبوله الحق وعودته له وتمسكه به وأما التمادي في الباطل فهو ضرر إن لم يكن نقدا فهو نسيئة، والله المستعان.
وأخيرًا:وفتواه بالانتخابات على تفصيل غير مقبول.
وفتواه بالتدريس في أماكن الاختلاط, وسيكون الرد على هذه الفتوى قريبًا إن شاء الله.
وفتواه إمام مسجد في ليبيا وسمعتها صوتيًا, وتم الرد عليها بأن لإمام المسجد - حفاظًا على المسجد - أن يخطب في المولد معرضًا, وأن يقنت في الفجر, وأن يدعوا الدعاء الجماعي إلى غير ذلك مما يجعل المنصف يعرف أن الرجل يسير إلى منهج التيسير الغير شرعي, وبابه من باب كتاب سلمان العودة (أفعل ولا حرج).
وأما قولك: « فكان الأولى به أن يرد على هؤلاء الأئمة السابقين، فهم الأكثر أتباعًا، والتضرر بفتواهم – إن أخطأوا- أعظم من التضرر بفتوى أبي عبد الأعلى، فما وزن أبي عبد الأعلى بجانب هؤلاء الأئمة الفحول – رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء-؟! وهل تسم فتاواهم بالنابية ؟! لا أُخالك تفعل، فأنا أنزهك عن سوء الأدب مع العلماء، كما لا أرضى لك استخدام هذا الأسلوب مع إخوانك من طلبة العلم، وإن حدث بينهم خلاف في الفهم!!».انتهى
الأئمة المذكورون قد رد عليهم إمام مثلهم, وقبلوا كلامه, ولم يقع منهم ما يقع الآن من لماذا؟ وكيف؟ بل كانوا يقبلون النصح, حتى وإن بقوا على اجتهادهم لم يكن منهم لشيخنا الوادعي رحمه الله, ومن إليه إلا الود والاحترام والتقدير.
ثم إن الرد على الفتوى الصادرة من العلم المجتهد إن خالفت الحق تُرد مع الاحترام والتقدير والإجلال, والحق أجل من الجميع.
أما من عاند بعد النصح والتوجيه؛ فهذا يبين حال فعله ليحذره الناس.
وأما قولك: «من أوحى إليك أني مقلد هل ذكرت هذا في كلامي».
أقول: لا يلزم كون الرجل مقلداً أن يقول: وأنا أقلد في هذه الفتوى العالم الفلاني، أو الإمام فلان، وإنما التقليد هو قبول قول القائل من غير ذكر حجة، على هذا القول من كتاب أو سنة أو إجماع والدليل على أنك قلدت في هذه المسألة هو استدلالك بالأقوال المجردة عن الأدلة في هذه الوريقات التي تناقش فيها مع أنك لما ناقشت -محمود لطفي عامر- ذكرت الأدلة على تحريم الانتخابات فتنبه، وإياك والجدل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل».
وأما قولك: « وأما عن قوله: "وأما إذا قالوا: أن الانتخابات من باب الشورى، نقول: كذبتم لعمرو الله كذبتم والله، فإن الانتخابات قائمة على الأكثرية قائمة على تساوي النساء والرجال قائمة على كون الفاسق يشارك فيها والجاهل يشارك فيها والعالم يشارك فيها والمبطل يشارك فيها والكل يشارك فيها بينما الشورى إنما تكون لأهل الحل والعقد من المسلمين الذين يعرفون ما يصلح وما لا يصلح".
فأقول: لا أدري هل أنا ضمن المعنيين بضمير الجمع في "قالوا"؟! والذي يتبادر إلى ذهن أي قارئ، أني داخل فيه، بقرينة ذكرك هذا في نهاية نقدك لكلامي، وعليه فإن هذا الاتهام يضاف إلى جملة تقوُّلك عليَّ، بل وعلى جمهور العلماء بلا بينة؛ حيث إن هؤلاء الأئمة الذين أفتوا بجواز انتخاب الأصلح لدرء الشر الأكبر، ما قالوا بأن الانتخابات من باب الشورى، وما قالوا بجوازها حتى يلفقوا هذه الشبهات.».انتهى
أقول: أنت الذي تقوّلني ما لم أقل، وتُحمِل كلامي ما لا يحتمل فأنا رددت على مسألة الانتخابات من أصلها وأسها، ثم استطردت فذكرت بعض شبه القوم كما ترى، وأما العلماء فنحن بحمد لله أنعم الناس باحترامهم وتقديرهم ومعرفة حقهم مع عدم تقليدهم.
قال الشنقيطي رحمه في أضواء البيان:
«اعلم أن موقفنا من الأئمة رحمهم الله من الأربعة وغيرهم ، هو موقف سائر المسلمين المنصفين مننهم وهو موالاتهم ، ومحبتهم ، وتعظيمهم ، وإجلالهم ، والثناء عليهم ، بما هم عليه من العلم والتقوى ، واتباعهم في العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على رأيهم وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق ، وترك ما خالف الكتاب والسنة منها .
وأما المسائل التي لا نص فيها فالصواب النظر في اجتهادهم فيها .
وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا .
لأنهم أكثر علماً وتقوى منا .
ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضى الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه .
كما قال صلى الله عليه وسلم : « دع ما يريبك إلى ما لايريبك »
وقال : « فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه »
وحقيقة القول الفصل في الأئمة رحمهم الله أنهم من خيار علماء المسلمين وأنهم ليسوا معصومين من الخطأ ، فكل ما أصابوا فيه فلهم فيه أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، وما أخطأوا فيه فهم مأجورون فيه باجتهادهم معذورون في خطئهم فهم مأجورون على كل حال ، لا يلحقهم ذم ولا عيب ولا نقص في ذلك .
ولكن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حاكمان عليهم وعلى أقوالهم كما لا يخفى .
فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
فلا تكم ممن يذمهم وينتقصهم ولا ممن يعقد أقوالهم مغنية عن كتاب الله وسنة رسوله أو مقدمة عليهما .انتهى
الاستلال بالجمهور
ثم أراك كثيرا ما تردد وهذا قول الجمهور فماذا تريد أن تقول؟
فكم من المسائل التي يقولها الجمهور والحق في خلافها لأن الحجة هي الدليل يعرف هذا من طالع المختصرات فضلا عن المطولات ورحم الله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل إذ يقول: عجبت لمن عرف الإسناد وصحته ثم يذهب إلى قول سفيان.انتهى
فنحن بحمد الله تعالى تربينا على يد العالم الجليل والإمام النبيل مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى الذي سمعته مدوية من فيه: (لا يقلدني إلا ساقط).
وعلمنا رحمه الله حب الدليل من الكتاب والسنة، وكان بعيداً عن الاستحسانات والرأي والقياسات الفاسدة إلى غير ذلك.
ثم عهد بنا إلى خليفته المبارك السائر على سير أسلافه في بغض التقليد والرأي والأقيسه الفاسدة وعلى حب الدليل ألا وهو أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى.
فالواجب على جميعنا العودة إلى الكتاب والسنة، وإياك وهذه الأغلوطة، فإن لم تتب منها جرتك إلى غيرها، وكان السلف يحذرون من الغلَّاط الذي لا يرجع عن غلطه فيروى عن عبد الله بن المبارك: (يكتب الحديث إلا عن أربعة) وذكر منهم غلاط لا يرجع، وعن أحمد بن حنبل رحمه الله (أنه سُئل عمن نكتب العلم فقال عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو إليه، أو كذاب، فإنه لا يكتب عنه قليل ولا كثير، أو عن رجل يغلط فيرد عليه فلا يقبل) رواهما الخطيب في كفايته.
وإليك هذا الفصل لتعلم كيف كان السلف يتعاملون مع أغلاطهم قال الخطيب في «الكفاية» (164): [باب فيمن رجع عن حديث غلط فيه، وكان الغالب على روايته الصحة أن ذلك لا يضره] قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا عن عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وعبد الله بن الزبير الحميدي الحكم فيمن غلط في رواية حديث وبين له غلطه فلم يرجع عنه ، وأقام على رواية ذلك الحديث ، أنه لا يكتب عنه ، وإن هو رجع قبل منه وجازت روايته ، وهذا القول مذهب شعبة بن الحجاج أيضا.
- أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن عمر بن العباس القزويني ، ثنا محمد بن موسى الحلواني ، حدثني محمد بن جعفر العسكري ، حدثني نعيم بن حماد ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كنا عند شعبة فسئل : يا أبا بسطام ، حديث من يترك ؟ فقال : « من يكذب في الحديث ، ومن يكثر الغلط ، ومن يخطئ في حديث مجتمع عليه ، فيقيم على غلطه ، ولا يرجع ، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون » وليس يكفيه في الرجوع أن يمسك عن رواية ذلك الحديث في المستقبل حسب ، بل يجب عليه أن يظهر للناس أنه كان قد أخطأ فيه ، وقد رجع عنه.
- كما أخبرنا محمد بن علي بن الفتح الحربي ، ثنا علي بن عمر الحافظ ، ثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد إملاء ، ثنا أبو العالية إسماعيل بن الهيثم بن عثمان اليشكري بالبصرة سنة خمسين ومائتين ، ثنا أبو عاصم ، ثنا عزرة بن ثابت عن علباء بن أحمر اليشكري عن أبي زيد الأنصاري ، قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : « يا أبا زيد هل عندك من شيء ؟ » قلت : ما عندي إلا خل ، قال : «هاته ، فنعم الإدام الخل » ، قال ابن صاعد : وهذا حديث غريب الإسناد ما سمعته إلا منه.
- ثم أخبرني علي بن الحسن بن محمد بن أبي عثمان الدقاق ، ثنا علي بن عمر الحريري ، ثنا أبو عروبة ، ثنا أبو العالية إسماعيل بن الهيثم ، ثنا أبو عاصم ، عن عزرة بن ثابت ، عن علباء بن أحمر ، عن أبي زيد ، قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « يا أبا زيد هل عندك من شيء ؟ » قال : قلت : ما عندي إلا خل ، فقال لي : « هاته ، فنعم الإدام الخل » قال علباء : فما زلت أحبه منذ سمعت أبا زيد يذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو عروبة قال لنا أبو العالية حين حدثنا بهذا الحديث : قد رجعت عنه.
- حدثت عن دعلج بن أحمد ، قال : ثنا موسى بن هارون ، قال : سمعت أبي يقول : كان يزيد بن هارون يقول في مجلسه الأعظم غير مرة « حديث كذا وكذا أخطأت فيه ».
- أخبرني علي بن أحمد بن علي المؤدب ، ثنا أحمد بن إسحاق النهاوندي ، أنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ، ثنا همام بن محمد العبدي ، ثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ، حدثني العلاء بن الحسين ، ثنا سفيان بن عيينة ، حديثا في القرآن ، فقال له عبد الله بن يزيد : ليس كما هو حدثت يا أبا محمد ، قال : وما علمك يا قصير ؟ قال : فسكت عنه هنيهة ثم قام إلى سفيان فقال : يا أبا محمد ، أنت معلمنا وسيدنا ، فإن كنت أوهمت فلا تؤاخذني ، قال : فسكت سفيان هنية ثم قال : يا أبا عبد الرحمن ، قال لبيك وسعديك قال الحديث كما حدثت أنت وأنا أوهمت.
- أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا دعلج بن أحمد ، أنا أحمد بن علي الأبار ، ثنا القاسم بن عيسى ، ثنا حماد بن زيد ، قال : سألت سلمة بن علقمة عن شيء ، فرفع ثم نظر إلي فقال : « إن سرك أن تكذب صاحبك فلقنه » ثم رجع.
- أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا يحيى بن معين ، قال : « حضرت نعيم بن حماد بمصر فجعل يقرأ كتابا من تصنيفه ، قال : فقرأ منه ساعة ، ثم قال : ثنا ابن المبارك عن ابن عون ، فحدث عن ابن المبارك عن ابن عون أحاديث ، قال يحيى : فقلت له : ليس هذا عن ابن المبارك ، فغضب وقال : ترد علي ؟ قال : قلت : إي والله، أريد زينك ، فأبى أن يرجع ، قال : فلما رأيته هكذا لا يرجع قلت : لا والله ما سمعت أنت هذا عن ابن المبارك ، ولا سمعها ابن المبارك من ابن عون قط ، فغضب وغضب كل من كان عنده من أصحاب الحديث ، وقام نعيم فدخل البيت ، فأخرج صحائف ، فجعل يقول وهي بيده : أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث ؟ نعم ، يا زكريا غلطت ، وكانت صحائف فغلطت ، فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون ، وإنما روى هذه الأحاديث عن ابن عون غير ابن المبارك ، فرجع عنها ».
- أخبرنا أبو بكر البرقاني ، أنا محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي ، أنا الحسين بن إدريس ، قال : قال ابن عمار : « رددت على المعافى بن عمران حرفا في الحديث فسكت ، فلما كان من الغد جلس في مجلسه من قبل أن يحدث ، قال : إن الحديث كما قال الغلام ، قال : وكنت حينئذ غلاما أمرد ما في لحيتي طاقة ».
- أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، أنا محمد بن العباس الخزاز ، أنا إبراهيم بن محمد الكندي ، ثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، ثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن طلحة بن مصرف ، عن مالك بن عميرة ، عن مسروق ، قال : «ليودن أهل البلاء يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض» قال أبو موسى: فبلغني أن عبد الرحمن رجع عنه ، فقيل له: إنك كنت قلت عن مالك بن عميرة ، فقال : نعم ، وهمت فيه ، وهو عن الحارث بن عميرة .
- أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب ، قال : قرأت على أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، سمعت أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى يحكي أن أبا معمر ، حدث بالموصل بنحو ألفي حديث حفظا ، فلما رجع إلى بغداد كتب إليهم بالصحيح من أحاديث كان أخطأ فيها أحسبه ، قال : نحو ثلاثين أو أربعين حديثا.
- أنبأني روح بن محمد أبو زرعة الرازي ، أن علي بن محمد بن عمر القصار ، أخبرهم ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا أبي ، أخبرني سليمان بن أحمد الدمشقي ، قال : « قلت لعبد الرحمن بن مهدي : أكتب عمن يغلط في عشرة ؟ قال : نعم ، قيل له : يغلط في عشرين ؟ قال : نعم ، قلت : فثلاثين ؟ قال : نعم ، قلت : فخمسين ؟ قال : نعم ».
- حدثني علي بن محمد بن نصر الدينوري ، قال : سمعت حمزة بن يوسف السهمي ، يقول : سألت أبا الحسن الدارقطني عمن يكون كثير الخطأ قال : « إن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط ، وإن لم يرجع سقط ».انتهى
فما ضرك أبا عبد الأعلى إن رجعت عن هذه الغلطة الفالجة متأسيا بالسلف الصالحين.
وانظر إلى حالك لما رجعت عن جمعية أهل الحديث والأثر ما ضرك ذلك بل يُرفع العبد بقدر قبوله الحق وعودته له وتمسكه به وأما التمادي في الباطل فهو ضرر إن لم يكن نقدا فهو نسيئة، والله المستعان.
أنصح أبا عبدالأعلى بالتوبة ثانيًا, لقول الله عزوجل: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31] توبة مستوفية الشروط, على النحو التالي:
1) الإخلاص في هذه التوبة لله عزوجل.
2) التوبة قبل حصول الغرغرة.
3) الإقلاع عن هذه الفتوى.
4) الندم على هذه الفتوى.
5) العزم على عدم العود لهذه الفتوى.
6) البيان للخطأ الذي وقع فيه.
7) الإصلاح لما أفسد, لقول الله عزوجل: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم) [البقرة: 160].وقد ذكرت شروط التوبة إلى الله تعالى في مؤلف مستقل مطبوع في دار الإمام أحمد بالقاهرة.
وعد إلى قولك السابق في الرد على محمود لطفي عامر, وإياك وهذا الاستحسان الذي أفتيت به, وإياك وإتباع زلات العلماء, وكذا أوصيك كما أوصيتني بالأخذ بنصيحة الشيخ ربيع حفظه الله التي نقلتها, وهي: وأعوذ بالله أن أرد نصيحة, أو أدافع عن خطأ, أو باطل صدر مني، فإن هذا الأسلوب المنكر إنما هو من طريق أهل الفساد والكبر والعناد, ومن شأن الذين إذا ذُكّروا لا يذكرون, وأعوذ بالله من هذه الصفات القبيحة.
فهذه نصيحة قيمة من عالم جليل, فخذها ترشد وتسعد, لاسيما بعد أن بينا لك أن قول الجمهور على حد زعمك يعتبر زلة, وقد نقلنا نصوص الشيخ مقبل رحمه الله, المدعومة بالأدلة, فلا داعي للتكرار والتطويل, وبهذا القدر أكتفي, ونسأل الله عزوجل لنا ولك الهداية والسداد, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تنبيه:
ركزت على مناقشة خالد عثمان في تجويزه للانتخابات ولم أتعرض لبعض الأمور نظرًا لعدم الفائدة من ذكره لان المراد هو بيان حكم الانتخابات وغلطه في هذه الفتوى...
والحمدلله رب العالمين.
وكتب/
عبدالحميد بن يحيى بن زيد الحجوري
دار الحديث بدماج – صعدة - اليمن
4/ربيع ثاني/1432هـ
******
لتحميل المناقشة على هيئة ملف بي دي إف:
http://alzoukory.com/book/monaqshah.pdf
ملاحظة:
سيتم بعون الله قريبًا طباعة كتاب واحد يتضمن :
- البيان في حكم الانتخابات والرد على محمد حسان وابي عبدالأعلى خالد بن عثمان.
- مناقشة خالد بن عثمان المصري في مناقشته وتجويزه لانتخاب الأصلح في المدلهمات.
-نصيحة وتحذير من بطش العلي القدير(حكم الانتخابات).
منقـــــول
1) الإخلاص في هذه التوبة لله عزوجل.
2) التوبة قبل حصول الغرغرة.
3) الإقلاع عن هذه الفتوى.
4) الندم على هذه الفتوى.
5) العزم على عدم العود لهذه الفتوى.
6) البيان للخطأ الذي وقع فيه.
7) الإصلاح لما أفسد, لقول الله عزوجل: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم) [البقرة: 160].وقد ذكرت شروط التوبة إلى الله تعالى في مؤلف مستقل مطبوع في دار الإمام أحمد بالقاهرة.
وعد إلى قولك السابق في الرد على محمود لطفي عامر, وإياك وهذا الاستحسان الذي أفتيت به, وإياك وإتباع زلات العلماء, وكذا أوصيك كما أوصيتني بالأخذ بنصيحة الشيخ ربيع حفظه الله التي نقلتها, وهي: وأعوذ بالله أن أرد نصيحة, أو أدافع عن خطأ, أو باطل صدر مني، فإن هذا الأسلوب المنكر إنما هو من طريق أهل الفساد والكبر والعناد, ومن شأن الذين إذا ذُكّروا لا يذكرون, وأعوذ بالله من هذه الصفات القبيحة.
فهذه نصيحة قيمة من عالم جليل, فخذها ترشد وتسعد, لاسيما بعد أن بينا لك أن قول الجمهور على حد زعمك يعتبر زلة, وقد نقلنا نصوص الشيخ مقبل رحمه الله, المدعومة بالأدلة, فلا داعي للتكرار والتطويل, وبهذا القدر أكتفي, ونسأل الله عزوجل لنا ولك الهداية والسداد, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تنبيه:
ركزت على مناقشة خالد عثمان في تجويزه للانتخابات ولم أتعرض لبعض الأمور نظرًا لعدم الفائدة من ذكره لان المراد هو بيان حكم الانتخابات وغلطه في هذه الفتوى...
والحمدلله رب العالمين.
وكتب/
عبدالحميد بن يحيى بن زيد الحجوري
دار الحديث بدماج – صعدة - اليمن
4/ربيع ثاني/1432هـ
******
لتحميل المناقشة على هيئة ملف بي دي إف:
http://alzoukory.com/book/monaqshah.pdf
ملاحظة:
سيتم بعون الله قريبًا طباعة كتاب واحد يتضمن :
- البيان في حكم الانتخابات والرد على محمد حسان وابي عبدالأعلى خالد بن عثمان.
- مناقشة خالد بن عثمان المصري في مناقشته وتجويزه لانتخاب الأصلح في المدلهمات.
-نصيحة وتحذير من بطش العلي القدير(حكم الانتخابات).
منقـــــول
تعليق