الكرامة والنُّعْمى
في
الرد على
مصطفى بن العدوي الغوي الأعمى
في
الرد على
مصطفى بن العدوي الغوي الأعمى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق الوعد الأمين، -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- ورضي الله عن الصحب أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد
فإنه قد سألت امرأة المدعو مصطفى بن العدوي المصري عن أمر المظاهرات وحكم أصحابها اليوم -كما يُفهم من جوابه على السؤال- قائلة:
"هل هذا يسمى خروجًا على الحاكم أم ماذا يسمى؟"
وقد سألتْ عقبه سؤالاً آخر لا علاقة له بأمر المظاهرات ثم سلَّمت، وقد رأينا حذف السؤال الثاني مع سلامها؛ لوجود نوع خضوع في كلامها، حرصًا منا على سلامة قلوبنا وقلوب إخواننا، وقد قال شيخنا الوادعي -رحمه الله-: سلامة القلب لا يعدلها شيء.
وقد قال الخليل إبراهيم: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
والقلب السليم هو السليم من أمراض الشكوك والشبهات والشهوات جميعًا.
ومن هنا المقطع الصوتي http://www.mediafire.com/?kbcm9pbuorb68rt
فقال مجيبًا: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بغض النظر عن الحكم فيما سبق هل هو جائز أو غير جائز، إنما أجيب على جزئية محددة هي الأخت سألت عنها، هل هذا يُعد خروجًا على الحاكم؛ لأن الخروج على الحاكم يستوجب قتل من خرج، فأقول -والله تعالى أعلى وأعلم-: إن هذا لا يوصف بأنه خروج على الحاكم؛ لأن أولاً:
الخارجون -كذا- لم يخرجوا بسلاح.
وثانيًا: أن الحاكم رخص لهم في ذلك، والدساتير رخصت لهم في ذلك، ثم هم في وجهة نظرهم نهاة عن منكر، فبهذا التوصيف لا يوصفون بأنهم خوارج على الحكام، وإذا وصفوا بذلك حُكم عليهم بالقتل؛ لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: من أتاكم وأمركم جميع على رجل يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنًا من كان، فبهذا التوصيف الذي سمعتيه لا يندرج تحت باب الخوارج على الحاكم بهذه الطريقة التي تريدين السؤال عنها.
هذا وبالله التوفيق" انتهى كلامه.
أقول: فض فوك، وخبت وخاب عملك، وضللت وضل سعيك!!
كيف لا تسمي خروج الناس اليوم في مظاهرات متشبهين بالكفار، رافعين عبارات الطعن في الحاكم وسبه، وتثويرهم الناس على رعاتهم وأوليائهم، وربضهم كالكلاب في ميدان التحرير بالقاهرة، معطلين مصالح المسلمين، مع ما يكتنف تلك المظاهرات من إخافة السبيل، والقتل والنهب وسلب الأموال، وهتك الأعراض، إلى غير ذلك مما انتشر في كثير من أرجاء مصر، بل تعدى ذلك إلى غيرها من البلدان الإسلامية، وتطاير شرره هنالك.
هذا، مع العلم أنه تولى كِبْرَ هذه الفتنة وهذا الخروج فرقةُ الإخوان المسلمين الضالة، وعلى رأسهم مرشدهم الضال وشيخهم ورأس ضلالتهم القرضاوي الزائغ، الذي هو أضل من حمار أهله، وقد تولى كبرها معهم -أيضًا- أعوانهم وإخوانهم من القطبيين الضلال أدعياء السلفية الكذبة الفجرة الخونة، فمن لم يسم مثل هذا خروجًا فهو كاذب على دين الله وشرعه، وقائل في دين الله بغير علم، ومكذب للحس والواقع.
وقد علل ابن العدوي الضال العليل عدم تسمية ما حدث في مصر من فتنة الخوارج بأنه لا يوصف بأنه خروج على الحاكم بثلاث علل عليلة بل ميتة، حيث قال الضال العليل: "لأن أولاً: الخارجون لم يخرجوا بسلاح"
قلنا: لا يلزم من كونهم لم يخرجوا بسلاح -إن سُلم هذا- لا يلزم من كونهم لم يخرجوا بسلاح عدم كونهم خوارج، ولا عدم تسميتهم بذلك؛ لأن هؤلاء الخارجين قد اقتحموا وسلكوا -على الأقل- سبلاً ووسائل غير مشروعة من مظاهرات وهتافات تثويرية، وسب وشتم لأولياء الأمور، وطلب مالا يحق لهم طلبه، من تنحية رئيس البلاد المسلم، ومكثهم على هذا الحال زمنًا طويلاً، إلى غير ذلك من المفاسد.
ولعل ابن العدوي أضمر في نفسه علة رابعة تمنع من وصفهم بالخوارج ألا وهي تكفيرهم -أعني فرقة الإخوان المسلمين والقطبيين- للحاكم، فلم يذكر ذلك علة رابعة خشية الفضيحة، مع أنها في ظني العلة المعتمدة عنده في المنع من وصف هؤلاء بالخوارج، ووصف عملهم بالخروج، أقول:
ومثل هذه الوسائل عادة هي الموصلة والمؤدية إلى حمل السلاح في نهاية المطاف، إذ لا يمكن عادة حمل السلاح والقتال به إلا بمقدمات تهيئ الخارج للقتال وتحثه عليه، كإشعال نار الغضب على الحكام في صدور هؤلاء الخارجين، ورفع الشعارات الحماسية المثيرة، إلى غير ذلك مما يهيئ هؤلاء الخارجين لمقاتلة الحاكم، وقد سمى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وسائل الزنا ومقدماته زنًا، فقد روى البخاري -رحمه الله- الله في صحيحه برقم (6243) بسنده عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تَمَنَّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه)) الحديث رواه مسلم في صحيحه، برقم[20-(2757)] بلفظ: ((العينين)) بالتثنية، وبلفظ: ((أو يكذبه))
وقد روى مسلم -رحمه الله- هذا الحديث في صحيحه -أيضًا- برقم: [21-(2657)] من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه))
قلت: فسمى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وسائل الزنا زنًا، وإن لم يكن هذا الزنا مستوجبًا للحد، فكذلك تسمى وسائل الخروج خروجًا، وإن لم يكن هذا الخروج مستوجبًا بالضرورة لقتل أصحابه.
وقد استدللتُ بهذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لبعض إخواننا الأشقاء وغيرهم على تسمية تلك المظاهرات وما يحدث فيها وما يكتنفا ويتبعها من الشر خروجًا، رادًّا بذلك على ما أُخبرت به عن القرضاوي الضال بأن ما حصل في مصر لا يسمى خروجًا؛ معللاً هو ذلك بأنه لم يكن خروجًا بالسيف!!
وقد قلت هذا قبل أن أقف على كلام الضال مصطفى بن العدوي المصري هذا، وبينما نحن جلوس في مكتبتي، وبعد أن تحدثنا في هذا الأمر، واستدللنا بهذا الدليل على تسمية هذا الذي حدث في مصر خروجًا، وإن لم يكن خروجًا بالسيف، إذا بأحد إخواني الأشقاء يفتح صحيح ابن خزيمة، ويقلب أوراقه ويقرأ فيه كلامًا لابن خزيمة -رحمه الله- يوافق كلامي الذي قلته لإخواني تفقهًا، وكان وقوف أخي هذا -حفظه الله، وبارك فيه- على كلام ابن خزيمة هذا اتفاقًا لا عن قصد منه، ولا عن تعمد بحث في هذا أصلاً، وقد سألته عن ذلك فأجابني بنحو هذا، فعلمت أن هذا من توفيق الله -سبحانه وتعالى- في هذا المقام، ولله الحمد والمنة.
وبالمناسبة، فقد كنت كتبت ردًا على دجال الشام علي الحلبي ثم دفعته لأحد إخواننا ليكتبه، فأخبرني أن هناك ردًا على علي الحلبي، وسألني عما لو أردتُ الاطلاع عليه، فما أردتُ الاطلاع عليه حينئذ حتى يُنشر ردي، وبالفعل لم أطلع على حرف واحد منه إلا بعد نشر ردي، فكان هناك توافق في بعض الرد، أو كثير منه، وذكرت في ردي أشياء لم يذكرها، وذكر هو أشياء في رده لم أذكرها، فما وقف عليه أخي من كلام ابن خزيمة ما هو إلا من باب توافق كلام ابن خزيمة الملقب بإمام الأئمة مع كلامي الذي ذكرته لإخواني سابقًا، ولله الحمد والمنة، ولسنا ولله الحمد ممن يتشبع بما لم يعط.
وهاك نصَّ كلام ابن خزيمة -رحمه الله- في صحيحه في المجلد الثاني، طبعة المكتب الإسلامي، لسنة 1424، هجرية، والتي عليها تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وذلك في صفحة 811 إلى صفحة 812، حيث قال -رحمه الله-:
"باب في التغليظ في تعطر المرأة في الخروج ليوجد ريحها، وتسمية فاعلها زانية، والدليل على أن اسم الزاني قد يقع على من يفعل فعلاً لا يوجب ذلك الفعل جلدًا ولا رجمًا، مع الدليل على أن التشبيه الذي يوجب ذلك الفعل إنما يكون إذا اشتبهت العلتان لا لاجتماع الاسم، إذ المتعطرة التي تخرج ليوجد ريحها قد سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- زانية، وهذا الفعل لا يوجب جلدًا ولا رجمًا، ولو كان التشبيه بكون الاسم على الاسم لكانت الزانية بالتعطر يجب عليها ما يجب على الزانية بالفرج، ولكن لما كانت العلة الموجبة للحد في الزنى'الوطء بالفرج لم يجز أن يحكم لم يقع عليه اسم زان وزانية بغير جماع بالفرج في الفرج بجلد ولا رجم"
هذا كله كلام إمام الأئمة ابن خزيمة -رحمه الله- ثم ذكر -رحمه الله- دليلاً يستدل به مع سائر الأدلة على كلامه ذلك، فقال:
أخبرنا أبو طاهر، نا أبو بكر، نا محمد بن رافع، ثنا النضر بن شميل، عن ثابت بن عمارة الحنفي، عن غنيم بن قيس، عن أبي موسى'الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية" انتهى
قلت: وقد نقل المحقق لصحيح ابن خزيمة السابق الذكر ما علق به الشيخ الألباني -رحمه الله- في هذا الموضع من قوله: (قلت: إسناده حسن، وصححه الترمذي كما في "تخريج المشكاة" (1065)- ناصر)
قلت: الحديث في المشكاة ج1 صـ334، برقم [1065-(14)] الطبعة الثالثة، لسنة 1405 هـ طبعة المكتب الإسلامي، بلفظ: "كل عين زانية"؛ وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس؛ فهي كذا وكذا" يعني زانية، رواه الترمذي، ولأبي داود، والنسائي نحوه.
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في حاشية المشكاة عند قوله: "رواه الترمذي" قال: "في سننه (2/129-130) وقال: حديث حسن صحيح. وإسناده حسن، وهو عند أبي داود (4173) والنسائي (2/283) نحوه، كما قال المؤلف من هذا الوجه دون قوله: "كل عين زانية". هذا كلام الشيخ الألباني -رحمه الله-.
ولقد ساق شيخنا الوادعي -رحمه الله- رواية أبي داود في كتابه العظيم الموسوم بـ (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين) ج4، صـ 310 إلى صـ 311، من الطبعة الثانية لسنة 1425 هـ، الناشر مكتبة صنعاء الأثرية، حيث قال -رحمه الله-:
[قال أبو داود -رحمه الله- (جـ11 صـ 230):
حدثنا مسدد أخبرنا يحيى أنبأنا ثابت بن عمارة قال: حدثني غنيم بن قيس عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها، فهي كذا وكذا" قال قولاً شديدًا.
ثم قال الشيخ -رحمه الله-:
هذا حديث حسن، رجاله رجال الصحيح، إلا ثابت بن عمارة، وهو حسن الحديث.
ثم عزاه الشيخ -رحمه الله- إلى الترمذي (جـ8 صـ 70) ونقل قوله -أعني الترمذي-: هذا حديث حسن صحيح.
ثم قال شيخنا -رحمه الله-: وأخرجه النسائي (جـ8 صـ154) ، وأخرجه الإمام أحمد (جـ4 صـ 414)
حدثنا مروان بن معاوية قال ثنا ثابت بن عمارة عن غنيم بن قيس عن الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية"
ثم قال شيخنا -رحمه الله-: "وقال -رحمه الله- (صـ418) -يعني الإمام أحمد-: حدثنا عبد الواحد وروح بن عبادة ثنا ثابت بن عمارة، به"
قلت: انتهى ما ذكره الشيخ -رحمه الله- في كتابه الجامع الصحيح الذي هو أجلّ كتبه.
ثم قلت: قلت لأخي -حفظه الله- وهذا الحديث أبلغ في الاستدلال به، قلت: لأن هذا الحديث متعلق بفاعلة ذلك، بأنها زانية، أما حديث أبي هريرة السابق فهو متعلق بالفعل بأنه زنا، ولاشك في أن وصف الفاعلة بأنها زانية يتضمن الوصف بالفعل وهو الزنا، وبناءً على ما ورد في الحديثين نقول:
إن الفاعلين للخروج على حاكم البلاد المصرية اليوم يُسمون خوارج، كما أن فعلهم يسمى خروجًا، إذ فعلوا وسائل الخروج -وإن لم يخرجوا ويقاتلوا بالسلاح- خلافًا لمصطفى بن العدوي المفتون، الذي ضل طريق الهدى وطريق شيخه المرتضى، مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-.
وبناءً على ذلك ينبغي حذر أهل مصر حكامًا ومحكومين وأهل بلاد الحرمين حكامًا ومحكومين وغيرهما من بلاد الإسلام من هؤلاء المندسين في أوساط السلفيين، وهم ليسوا منهم، والمنهج السلفي منهم ومن مذاهبهم المنحرفة الضالة براء.
قلت: ولقد قال الله -عز وجل-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
وقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه برقم (6789) عن عائشة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا)) ورواه البخاري عنها برقم (6790) بلفظ: ((تقطع يد السارق في ربع دينار))
وقد روى مسلم هذا الحديث في صحيحه برقم [1-(1684)] عنها، بلفظ: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا" ورواه برقم [2-(1684)] عنها، بلفظ: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا"
ورواه برقم [3-(1684)] عنها، بلفظ: (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه).
أقول: فمن سرق النصاب الذي يوجب قطع اليد وهو ربع دينار من الذهب أو ما يعدل قيمته فصاعدًا من حرزِ مثله، فإنه يسمى سارقًا ويقام عليه الحد، ومن سرق أقل من ذلك فإنه يسمى سارقًا، وإن لم تستوجب سرقته إقامة الحد عليه بقطع يده، ويسمى فعله هذا سرقة -أيضًا- وكذلك من خرج على الحاكم بغير سلاح فإنه يسمى خارجًا، ويسمى فعله هذا خروجًا، وإن لم يستوجب خروجه ذلك مقاتلة الحاكم له وقتله.
وقد دلت الأدلة الشرعية على أنه يُدفع الصائل والمعتدي بالأشد فالأشد، فيُدفع بما يَرُدُّ بغيه واعتداءه، وأذاه وضرره، فإن لم يندفع شره وأذاه واعتداؤه وضرره إلا بقتله قُتل، وإن لم يقاتِل بالسلاح.
قال النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم عند قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- برقم: [46 - (1844)] :
"ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر"
قال -رحمه الله- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَإِنْ جَاءَ آخَر يُنَازِعهُ فَاضْرِبُوا عُنُق الْآخَر ) مَعْنَاهُ: اِدْفَعُوا الثَّانِي, فَإِنَّهُ خَارِج عَلَى الْإِمَام, فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع إِلَّا بِحَرْبٍ وَقِتَال فَقَاتِلُوهُ, فَإِنْ دَعَتْ الْمُقَاتَلَة إِلَى قَتْله جَازَ قَتْله وَلَا ضَمَان فِيهِ, لِأَنَّهُ ظَالِم مُتَعَدٍّ فِي قِتَاله.
قلت: فلم يوجب النووي قتله ابتداءً.
وقال -رحمه الله- أيضًا عند قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من رواية عرفجة -رضي الله عنه- برقم [59 - (1852)]:
(إنه ستكون هنات وهنات. فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف، كائنا من كان).
وفي الرواية الأخرى برقم (1852) بلفظ: (فاقتلوه) قال -رحمه الله- ما نصه:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّق أَمْر هَذِهِ الْأُمَّة وَهِيَ جَمِيع فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ) فِيهِ الْأَمْر بِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَام, أَوْ أَرَادَ تَفْرِيق كَلِمَة الْمُسْلِمِينَ وَنَحْو ذَلِكَ, وَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ, فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ قُوتِلَ, وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع شَرّه إِلَّا بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ كَانَ هَدَرًا, فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ), وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (فَاقْتُلُوهُ) مَعْنَاهُ: إِذَا لَمْ يَنْدَفِع إِلَّا بِذَلِكَ .
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا عند حديث عرفجة في صحيح مسلم برقم [60 - (1852)] بلفظ: (من أتاكم، وأمركم جميع، على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه).
قال ما نصه: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يُرِيد أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ) مَعْنَاهُ: يُفَرِّق جَمَاعَتكُمْ كَمَا تُفَرَّقُ الْعَصَاة الْمَشْقُوقَة, وَهُوَ عِبَارَة عَنْ اِخْتِلَاف الْكَلِمَة وَتَنَافُر النُّفُوس.
وقال -أيضًا- عند قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي رواه مسلم في صحيحه برقم: [61 - (1853)] من حديث أبي سعيد الخدري: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما).
قال -رحمه الله-:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِر مِنْهُمَا) هَذَا مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَنْدَفِع إِلَّا بِقَتْلِهِ, وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاح هَذَا فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة.
قلت: فقول ابن العدوي: "وإذا وصفوا بذلك" أي بكونهم خوارج "حكم عليهم بالقتل" هكذا بإطلاق مستدلاً بحديث عرفجة السابق، بلا تفصيل كما فصل النووي فقول باطل، وقد دعاه هذا الإطلاق إلى نفي كون أمثال هؤلاء المتظاهرين خوارج، ونفي كون تظاهرهم وما يكتنفه خروجًا، وهذه عاقبة من لم يوفق لكلام أهل العلم ولفهمهم المبني على أصول الشريعة وقواعدها.
وقد نقل الشيخ ربيع -حفظه الله- عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تجويزه لقتل بعض أهل البدع والأهواء الذين لا يندفع شرهم إلا بذلك.
قلت: ولا يتوقف هذا القتل على حملهم السلاح، ولقد أجمع علماء بغداد على قتل الحلاج مع أنه لم يخرج مقاتلاً بالسلاح!!
فهؤلاء المتظاهرون اليوم يُسمون خوارج، ويسمى فعلهم خروجًا، ويجب رد أذاهم ودفعه بالأشد فالأشد، فإن لم يندفع أذاهم وضررهم وشرهم إلا بقتلهم وجب على ولاة الأمور قتالهم وقتلهم، وهذا الوجوب منوط بالقدرة، ومن فرط في القيام بهذا الواجب مع قدرته عليه فيُعَدّ مفسدًا في الأرض ومعينًا على الإفساد.
فدعوى ابن العدوي أن هذا لا يوصف بأنه خروج على الحاكم، معللاً ذلك بأن الخارجين لم يخرجوا بالسلاح، دعوى ضال مضل جويهل، أعمى الله بصيرته عن اتباع سبيل الحق والنطق به، فكيف إذا كان بعض هؤلاء الخوارج قد حملوا السلاح، وقتلوا خلقًا من الشرطة الأبرياء؟!
وإلا فأين ذهبت الأسلحة التي سرقت من السجون ومن أقسام الشرطة؟!
قال ابن العدوي الأعمى:
"وثانيًا: أن الحاكم رخص لهم في ذلك، والدساتير رخصت لهم في ذلك"
قلت: يا لها من فضيحة يا ابن العدوي، إذ حكَّمت الدساتير هاهنا على شرع الله، وحكمت ترخيص!! الحاكم لهم على هذا الشرع!!
ومتى كانت أقوال الحكام وترخيصاتهم حاكمة على شرع الله؟!
ومتى كانت الدساتير الباطلة المخالفة للشريعة قاضية على ذلك الشرع؟!
فالمظاهرات من بنات أفكار الكفار أيها الأعمى، على بلاد المسلمين دخلت، وتلقفها أهل الضلال من أمثال فرقة الإخوان المسلمين والقطبيين وغيرهم من أهل الضلال الذين توالونهم، وقد بان في هذه الفتنة وفي غيرها مخبوؤك، وفضحك الله أنت وأمثالك ورفقاء دربك شر فضيحة، لم لا؟! وأنتم تجوزون أمثال تلك المظاهرات الجارية على سنن الكافرين لا على سنن المسلمين المهتدين.
ثم نقول لكم: كم رخص حكام المسلمين، وكم رخصت دساتيرهم للناس في أمور غير مشروعة!! فلم تنعقون إذًا أنتم وأمثالكم من أهل الضلال بوجوب توبة الحاكم، وبوجوب تطبيقه لشرع الله مادمتم تحتجون بترخيص الحاكم وبترخيص الدساتير؟!
وكيف إذا كان هذا الترخيص سياسيًا لا دينيًا شرعيًا قد فُرض على حكام المسلمين من قبل بلاد الكفار بدعوى الديمقراطية الباطلة؟!
نعم، إن القوم يصطادون في الماء العكر كما يقال.
وكيف يحتج الأعمى لهم على هذا الخروج بترخيص الحاكم وبترخيص الدساتير، ولا يحتج عليهم بمطالبة الحاكم بعودتهم إلى بيوتهم وترك التظاهر والتجمهر والتجمع الشيطاني في ميدان التحرير؟!
فكيف يحتج لهم بذلك على تجويز فعلهم المعصية، ولا يحتج عليهم بمثل ذلك في أمرهم بترك المعصية ونهيهم عنها؟!
ومعلوم شرعًا أنه تجب طاعة أولياء الأمور في المعروف ومعصيتهم في المعصية، والأدلة على ذلك كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه، برقم: [39 - (1840)] بسنده عن علي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمَّر عليهم رجلا. فأوقد نارًا. وقال: ادخلوها. فأراد الناس أن يدخلوها. وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال، للذين أرادوا أن يدخلوها: (لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) وقال للآخرين قولاً حسنًا. وقال (لا طاعة في معصية الله. إنما الطاعة في المعروف).
ورواه -أيضًا- برقم [40 - (1840)] بلفظ: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية. واستعمل عليهم رجلا من الأنصار. وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا. فأغضبوه في شيء. فقال: اجمعوا لي حطبًا. فجمعوا له. ثم قال: أوقدوا نارًا. فأوقدوا. ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض. فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار. فكانوا كذلك. وسكن غضبه. وطفئت النار. فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها. إنما الطاعة في المعروف).
فالواجب طاعة ولاة الأمور في المعروف، وتحريم طاعتهم في المعصية، خلافًا لصنيع ذاك الأعمى.
إن صنيعك هذا هنا إنما هو الكيل بمكيالين والوزن بميزانين كما فعل أخوك علي الحلبي دجال الشام، تشابهت قلوبكم وخططكم!!
قال ابن العدوي الأعمى: "ثم هم في وجهة نظرهم نهاة عن منكر، فبهذا التوصيف لا يوصفون بأنهم خوارج على الحكام"
أقول: فض الله فاك، وهل كانت حجة الخوارج على حكام المسلمين من لدن زمن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه- إلى زماننا هذا إلا الخروج باسم النهي عن المنكر والخروج تحت مظلته المدعاة؟!
فلو سُلِّم لك هذا لما وجدنا خارجيًا في قديم الزمان ولا حديثه!!
ألا تعلم أيها الأعمى أن اليهود والنصارى حينما يقاتلون المسلمين، إنما يقاتلونهم؛ لأن المسلمين في اعتقادهم كفار؟!
دليل ذلك قوله -تعالى- عنهم: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
كيف عميت عن قوله -تعالى-: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}؟!
وكيف ضلَلت عن قوله -تعالى-: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}؟!
وكيف لم تهتد أيها المستند إلى الكرسي في مسجد التوحيد بمدينة المنصورة التابع لجمعية أنصار السنة!! (أنصار الفتنة وأنصار القطبية) كيف لم تهتد إلى قوله -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}؟!
كيف غُمّ عليك وكيف غبي عليك هذه الآيات ونظائرها في كتاب الله؟! وكيف عَمِيتَ عنها؟!
وصدق ربنا -عز وجل- إذ قال: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}
وصدق ربنا -تبارك وتعالى- إذ قال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
إن الخروج أيها الأعمى على الحكام باسم النهي عن المنكر هو حجة الخوارج والمعتزلة من قديم الزمان، وأصلٌ من أصولهم المبتدعة، فأين أنت من هذا يا من طمست بصيرتك وسُكِّر بصرك عن مذهب أهل الحق، مذهب أهل السنة والجماعة القاضي بعدم جواز الخروج على حكام المسلمين بالقول أو بالفعل أو بهما معًا، ولو كان هؤلاء الحكام جَوَرَة فاسقين، والقاضي أيضًا بأن الخروج كما يكون بالسيف يكون بما دون ذلك، وأن أصحاب ذلك يسمون خوارج؟!
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله قبل أن تتشدق وتطلب من غيرك حاكمًا كان أو محكومًا التوبة!!
وصدق من قال: طبيب يداوي والطبيب مريض، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.
هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا.
وكتب
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق الوعد الأمين، -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- ورضي الله عن الصحب أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد
فإنه قد سألت امرأة المدعو مصطفى بن العدوي المصري عن أمر المظاهرات وحكم أصحابها اليوم -كما يُفهم من جوابه على السؤال- قائلة:
"هل هذا يسمى خروجًا على الحاكم أم ماذا يسمى؟"
وقد سألتْ عقبه سؤالاً آخر لا علاقة له بأمر المظاهرات ثم سلَّمت، وقد رأينا حذف السؤال الثاني مع سلامها؛ لوجود نوع خضوع في كلامها، حرصًا منا على سلامة قلوبنا وقلوب إخواننا، وقد قال شيخنا الوادعي -رحمه الله-: سلامة القلب لا يعدلها شيء.
وقد قال الخليل إبراهيم: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
والقلب السليم هو السليم من أمراض الشكوك والشبهات والشهوات جميعًا.
ومن هنا المقطع الصوتي http://www.mediafire.com/?kbcm9pbuorb68rt
فقال مجيبًا: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بغض النظر عن الحكم فيما سبق هل هو جائز أو غير جائز، إنما أجيب على جزئية محددة هي الأخت سألت عنها، هل هذا يُعد خروجًا على الحاكم؛ لأن الخروج على الحاكم يستوجب قتل من خرج، فأقول -والله تعالى أعلى وأعلم-: إن هذا لا يوصف بأنه خروج على الحاكم؛ لأن أولاً:
الخارجون -كذا- لم يخرجوا بسلاح.
وثانيًا: أن الحاكم رخص لهم في ذلك، والدساتير رخصت لهم في ذلك، ثم هم في وجهة نظرهم نهاة عن منكر، فبهذا التوصيف لا يوصفون بأنهم خوارج على الحكام، وإذا وصفوا بذلك حُكم عليهم بالقتل؛ لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: من أتاكم وأمركم جميع على رجل يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنًا من كان، فبهذا التوصيف الذي سمعتيه لا يندرج تحت باب الخوارج على الحاكم بهذه الطريقة التي تريدين السؤال عنها.
هذا وبالله التوفيق" انتهى كلامه.
أقول: فض فوك، وخبت وخاب عملك، وضللت وضل سعيك!!
كيف لا تسمي خروج الناس اليوم في مظاهرات متشبهين بالكفار، رافعين عبارات الطعن في الحاكم وسبه، وتثويرهم الناس على رعاتهم وأوليائهم، وربضهم كالكلاب في ميدان التحرير بالقاهرة، معطلين مصالح المسلمين، مع ما يكتنف تلك المظاهرات من إخافة السبيل، والقتل والنهب وسلب الأموال، وهتك الأعراض، إلى غير ذلك مما انتشر في كثير من أرجاء مصر، بل تعدى ذلك إلى غيرها من البلدان الإسلامية، وتطاير شرره هنالك.
هذا، مع العلم أنه تولى كِبْرَ هذه الفتنة وهذا الخروج فرقةُ الإخوان المسلمين الضالة، وعلى رأسهم مرشدهم الضال وشيخهم ورأس ضلالتهم القرضاوي الزائغ، الذي هو أضل من حمار أهله، وقد تولى كبرها معهم -أيضًا- أعوانهم وإخوانهم من القطبيين الضلال أدعياء السلفية الكذبة الفجرة الخونة، فمن لم يسم مثل هذا خروجًا فهو كاذب على دين الله وشرعه، وقائل في دين الله بغير علم، ومكذب للحس والواقع.
وقد علل ابن العدوي الضال العليل عدم تسمية ما حدث في مصر من فتنة الخوارج بأنه لا يوصف بأنه خروج على الحاكم بثلاث علل عليلة بل ميتة، حيث قال الضال العليل: "لأن أولاً: الخارجون لم يخرجوا بسلاح"
قلنا: لا يلزم من كونهم لم يخرجوا بسلاح -إن سُلم هذا- لا يلزم من كونهم لم يخرجوا بسلاح عدم كونهم خوارج، ولا عدم تسميتهم بذلك؛ لأن هؤلاء الخارجين قد اقتحموا وسلكوا -على الأقل- سبلاً ووسائل غير مشروعة من مظاهرات وهتافات تثويرية، وسب وشتم لأولياء الأمور، وطلب مالا يحق لهم طلبه، من تنحية رئيس البلاد المسلم، ومكثهم على هذا الحال زمنًا طويلاً، إلى غير ذلك من المفاسد.
ولعل ابن العدوي أضمر في نفسه علة رابعة تمنع من وصفهم بالخوارج ألا وهي تكفيرهم -أعني فرقة الإخوان المسلمين والقطبيين- للحاكم، فلم يذكر ذلك علة رابعة خشية الفضيحة، مع أنها في ظني العلة المعتمدة عنده في المنع من وصف هؤلاء بالخوارج، ووصف عملهم بالخروج، أقول:
ومثل هذه الوسائل عادة هي الموصلة والمؤدية إلى حمل السلاح في نهاية المطاف، إذ لا يمكن عادة حمل السلاح والقتال به إلا بمقدمات تهيئ الخارج للقتال وتحثه عليه، كإشعال نار الغضب على الحكام في صدور هؤلاء الخارجين، ورفع الشعارات الحماسية المثيرة، إلى غير ذلك مما يهيئ هؤلاء الخارجين لمقاتلة الحاكم، وقد سمى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وسائل الزنا ومقدماته زنًا، فقد روى البخاري -رحمه الله- الله في صحيحه برقم (6243) بسنده عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تَمَنَّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه)) الحديث رواه مسلم في صحيحه، برقم[20-(2757)] بلفظ: ((العينين)) بالتثنية، وبلفظ: ((أو يكذبه))
وقد روى مسلم -رحمه الله- هذا الحديث في صحيحه -أيضًا- برقم: [21-(2657)] من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه))
قلت: فسمى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وسائل الزنا زنًا، وإن لم يكن هذا الزنا مستوجبًا للحد، فكذلك تسمى وسائل الخروج خروجًا، وإن لم يكن هذا الخروج مستوجبًا بالضرورة لقتل أصحابه.
وقد استدللتُ بهذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لبعض إخواننا الأشقاء وغيرهم على تسمية تلك المظاهرات وما يحدث فيها وما يكتنفا ويتبعها من الشر خروجًا، رادًّا بذلك على ما أُخبرت به عن القرضاوي الضال بأن ما حصل في مصر لا يسمى خروجًا؛ معللاً هو ذلك بأنه لم يكن خروجًا بالسيف!!
وقد قلت هذا قبل أن أقف على كلام الضال مصطفى بن العدوي المصري هذا، وبينما نحن جلوس في مكتبتي، وبعد أن تحدثنا في هذا الأمر، واستدللنا بهذا الدليل على تسمية هذا الذي حدث في مصر خروجًا، وإن لم يكن خروجًا بالسيف، إذا بأحد إخواني الأشقاء يفتح صحيح ابن خزيمة، ويقلب أوراقه ويقرأ فيه كلامًا لابن خزيمة -رحمه الله- يوافق كلامي الذي قلته لإخواني تفقهًا، وكان وقوف أخي هذا -حفظه الله، وبارك فيه- على كلام ابن خزيمة هذا اتفاقًا لا عن قصد منه، ولا عن تعمد بحث في هذا أصلاً، وقد سألته عن ذلك فأجابني بنحو هذا، فعلمت أن هذا من توفيق الله -سبحانه وتعالى- في هذا المقام، ولله الحمد والمنة.
وبالمناسبة، فقد كنت كتبت ردًا على دجال الشام علي الحلبي ثم دفعته لأحد إخواننا ليكتبه، فأخبرني أن هناك ردًا على علي الحلبي، وسألني عما لو أردتُ الاطلاع عليه، فما أردتُ الاطلاع عليه حينئذ حتى يُنشر ردي، وبالفعل لم أطلع على حرف واحد منه إلا بعد نشر ردي، فكان هناك توافق في بعض الرد، أو كثير منه، وذكرت في ردي أشياء لم يذكرها، وذكر هو أشياء في رده لم أذكرها، فما وقف عليه أخي من كلام ابن خزيمة ما هو إلا من باب توافق كلام ابن خزيمة الملقب بإمام الأئمة مع كلامي الذي ذكرته لإخواني سابقًا، ولله الحمد والمنة، ولسنا ولله الحمد ممن يتشبع بما لم يعط.
وهاك نصَّ كلام ابن خزيمة -رحمه الله- في صحيحه في المجلد الثاني، طبعة المكتب الإسلامي، لسنة 1424، هجرية، والتي عليها تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وذلك في صفحة 811 إلى صفحة 812، حيث قال -رحمه الله-:
"باب في التغليظ في تعطر المرأة في الخروج ليوجد ريحها، وتسمية فاعلها زانية، والدليل على أن اسم الزاني قد يقع على من يفعل فعلاً لا يوجب ذلك الفعل جلدًا ولا رجمًا، مع الدليل على أن التشبيه الذي يوجب ذلك الفعل إنما يكون إذا اشتبهت العلتان لا لاجتماع الاسم، إذ المتعطرة التي تخرج ليوجد ريحها قد سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- زانية، وهذا الفعل لا يوجب جلدًا ولا رجمًا، ولو كان التشبيه بكون الاسم على الاسم لكانت الزانية بالتعطر يجب عليها ما يجب على الزانية بالفرج، ولكن لما كانت العلة الموجبة للحد في الزنى'الوطء بالفرج لم يجز أن يحكم لم يقع عليه اسم زان وزانية بغير جماع بالفرج في الفرج بجلد ولا رجم"
هذا كله كلام إمام الأئمة ابن خزيمة -رحمه الله- ثم ذكر -رحمه الله- دليلاً يستدل به مع سائر الأدلة على كلامه ذلك، فقال:
أخبرنا أبو طاهر، نا أبو بكر، نا محمد بن رافع، ثنا النضر بن شميل، عن ثابت بن عمارة الحنفي، عن غنيم بن قيس، عن أبي موسى'الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية" انتهى
قلت: وقد نقل المحقق لصحيح ابن خزيمة السابق الذكر ما علق به الشيخ الألباني -رحمه الله- في هذا الموضع من قوله: (قلت: إسناده حسن، وصححه الترمذي كما في "تخريج المشكاة" (1065)- ناصر)
قلت: الحديث في المشكاة ج1 صـ334، برقم [1065-(14)] الطبعة الثالثة، لسنة 1405 هـ طبعة المكتب الإسلامي، بلفظ: "كل عين زانية"؛ وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس؛ فهي كذا وكذا" يعني زانية، رواه الترمذي، ولأبي داود، والنسائي نحوه.
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في حاشية المشكاة عند قوله: "رواه الترمذي" قال: "في سننه (2/129-130) وقال: حديث حسن صحيح. وإسناده حسن، وهو عند أبي داود (4173) والنسائي (2/283) نحوه، كما قال المؤلف من هذا الوجه دون قوله: "كل عين زانية". هذا كلام الشيخ الألباني -رحمه الله-.
ولقد ساق شيخنا الوادعي -رحمه الله- رواية أبي داود في كتابه العظيم الموسوم بـ (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين) ج4، صـ 310 إلى صـ 311، من الطبعة الثانية لسنة 1425 هـ، الناشر مكتبة صنعاء الأثرية، حيث قال -رحمه الله-:
[قال أبو داود -رحمه الله- (جـ11 صـ 230):
حدثنا مسدد أخبرنا يحيى أنبأنا ثابت بن عمارة قال: حدثني غنيم بن قيس عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها، فهي كذا وكذا" قال قولاً شديدًا.
ثم قال الشيخ -رحمه الله-:
هذا حديث حسن، رجاله رجال الصحيح، إلا ثابت بن عمارة، وهو حسن الحديث.
ثم عزاه الشيخ -رحمه الله- إلى الترمذي (جـ8 صـ 70) ونقل قوله -أعني الترمذي-: هذا حديث حسن صحيح.
ثم قال شيخنا -رحمه الله-: وأخرجه النسائي (جـ8 صـ154) ، وأخرجه الإمام أحمد (جـ4 صـ 414)
حدثنا مروان بن معاوية قال ثنا ثابت بن عمارة عن غنيم بن قيس عن الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية"
ثم قال شيخنا -رحمه الله-: "وقال -رحمه الله- (صـ418) -يعني الإمام أحمد-: حدثنا عبد الواحد وروح بن عبادة ثنا ثابت بن عمارة، به"
قلت: انتهى ما ذكره الشيخ -رحمه الله- في كتابه الجامع الصحيح الذي هو أجلّ كتبه.
ثم قلت: قلت لأخي -حفظه الله- وهذا الحديث أبلغ في الاستدلال به، قلت: لأن هذا الحديث متعلق بفاعلة ذلك، بأنها زانية، أما حديث أبي هريرة السابق فهو متعلق بالفعل بأنه زنا، ولاشك في أن وصف الفاعلة بأنها زانية يتضمن الوصف بالفعل وهو الزنا، وبناءً على ما ورد في الحديثين نقول:
إن الفاعلين للخروج على حاكم البلاد المصرية اليوم يُسمون خوارج، كما أن فعلهم يسمى خروجًا، إذ فعلوا وسائل الخروج -وإن لم يخرجوا ويقاتلوا بالسلاح- خلافًا لمصطفى بن العدوي المفتون، الذي ضل طريق الهدى وطريق شيخه المرتضى، مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-.
وبناءً على ذلك ينبغي حذر أهل مصر حكامًا ومحكومين وأهل بلاد الحرمين حكامًا ومحكومين وغيرهما من بلاد الإسلام من هؤلاء المندسين في أوساط السلفيين، وهم ليسوا منهم، والمنهج السلفي منهم ومن مذاهبهم المنحرفة الضالة براء.
قلت: ولقد قال الله -عز وجل-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
وقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه برقم (6789) عن عائشة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا)) ورواه البخاري عنها برقم (6790) بلفظ: ((تقطع يد السارق في ربع دينار))
وقد روى مسلم هذا الحديث في صحيحه برقم [1-(1684)] عنها، بلفظ: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا" ورواه برقم [2-(1684)] عنها، بلفظ: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا"
ورواه برقم [3-(1684)] عنها، بلفظ: (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه).
أقول: فمن سرق النصاب الذي يوجب قطع اليد وهو ربع دينار من الذهب أو ما يعدل قيمته فصاعدًا من حرزِ مثله، فإنه يسمى سارقًا ويقام عليه الحد، ومن سرق أقل من ذلك فإنه يسمى سارقًا، وإن لم تستوجب سرقته إقامة الحد عليه بقطع يده، ويسمى فعله هذا سرقة -أيضًا- وكذلك من خرج على الحاكم بغير سلاح فإنه يسمى خارجًا، ويسمى فعله هذا خروجًا، وإن لم يستوجب خروجه ذلك مقاتلة الحاكم له وقتله.
وقد دلت الأدلة الشرعية على أنه يُدفع الصائل والمعتدي بالأشد فالأشد، فيُدفع بما يَرُدُّ بغيه واعتداءه، وأذاه وضرره، فإن لم يندفع شره وأذاه واعتداؤه وضرره إلا بقتله قُتل، وإن لم يقاتِل بالسلاح.
قال النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم عند قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- برقم: [46 - (1844)] :
"ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر"
قال -رحمه الله- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَإِنْ جَاءَ آخَر يُنَازِعهُ فَاضْرِبُوا عُنُق الْآخَر ) مَعْنَاهُ: اِدْفَعُوا الثَّانِي, فَإِنَّهُ خَارِج عَلَى الْإِمَام, فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع إِلَّا بِحَرْبٍ وَقِتَال فَقَاتِلُوهُ, فَإِنْ دَعَتْ الْمُقَاتَلَة إِلَى قَتْله جَازَ قَتْله وَلَا ضَمَان فِيهِ, لِأَنَّهُ ظَالِم مُتَعَدٍّ فِي قِتَاله.
قلت: فلم يوجب النووي قتله ابتداءً.
وقال -رحمه الله- أيضًا عند قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من رواية عرفجة -رضي الله عنه- برقم [59 - (1852)]:
(إنه ستكون هنات وهنات. فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف، كائنا من كان).
وفي الرواية الأخرى برقم (1852) بلفظ: (فاقتلوه) قال -رحمه الله- ما نصه:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّق أَمْر هَذِهِ الْأُمَّة وَهِيَ جَمِيع فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ) فِيهِ الْأَمْر بِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَام, أَوْ أَرَادَ تَفْرِيق كَلِمَة الْمُسْلِمِينَ وَنَحْو ذَلِكَ, وَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ, فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ قُوتِلَ, وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع شَرّه إِلَّا بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ كَانَ هَدَرًا, فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ), وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (فَاقْتُلُوهُ) مَعْنَاهُ: إِذَا لَمْ يَنْدَفِع إِلَّا بِذَلِكَ .
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا عند حديث عرفجة في صحيح مسلم برقم [60 - (1852)] بلفظ: (من أتاكم، وأمركم جميع، على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه).
قال ما نصه: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يُرِيد أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ) مَعْنَاهُ: يُفَرِّق جَمَاعَتكُمْ كَمَا تُفَرَّقُ الْعَصَاة الْمَشْقُوقَة, وَهُوَ عِبَارَة عَنْ اِخْتِلَاف الْكَلِمَة وَتَنَافُر النُّفُوس.
وقال -أيضًا- عند قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي رواه مسلم في صحيحه برقم: [61 - (1853)] من حديث أبي سعيد الخدري: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما).
قال -رحمه الله-:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِر مِنْهُمَا) هَذَا مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَنْدَفِع إِلَّا بِقَتْلِهِ, وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاح هَذَا فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة.
قلت: فقول ابن العدوي: "وإذا وصفوا بذلك" أي بكونهم خوارج "حكم عليهم بالقتل" هكذا بإطلاق مستدلاً بحديث عرفجة السابق، بلا تفصيل كما فصل النووي فقول باطل، وقد دعاه هذا الإطلاق إلى نفي كون أمثال هؤلاء المتظاهرين خوارج، ونفي كون تظاهرهم وما يكتنفه خروجًا، وهذه عاقبة من لم يوفق لكلام أهل العلم ولفهمهم المبني على أصول الشريعة وقواعدها.
وقد نقل الشيخ ربيع -حفظه الله- عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تجويزه لقتل بعض أهل البدع والأهواء الذين لا يندفع شرهم إلا بذلك.
قلت: ولا يتوقف هذا القتل على حملهم السلاح، ولقد أجمع علماء بغداد على قتل الحلاج مع أنه لم يخرج مقاتلاً بالسلاح!!
فهؤلاء المتظاهرون اليوم يُسمون خوارج، ويسمى فعلهم خروجًا، ويجب رد أذاهم ودفعه بالأشد فالأشد، فإن لم يندفع أذاهم وضررهم وشرهم إلا بقتلهم وجب على ولاة الأمور قتالهم وقتلهم، وهذا الوجوب منوط بالقدرة، ومن فرط في القيام بهذا الواجب مع قدرته عليه فيُعَدّ مفسدًا في الأرض ومعينًا على الإفساد.
فدعوى ابن العدوي أن هذا لا يوصف بأنه خروج على الحاكم، معللاً ذلك بأن الخارجين لم يخرجوا بالسلاح، دعوى ضال مضل جويهل، أعمى الله بصيرته عن اتباع سبيل الحق والنطق به، فكيف إذا كان بعض هؤلاء الخوارج قد حملوا السلاح، وقتلوا خلقًا من الشرطة الأبرياء؟!
وإلا فأين ذهبت الأسلحة التي سرقت من السجون ومن أقسام الشرطة؟!
قال ابن العدوي الأعمى:
"وثانيًا: أن الحاكم رخص لهم في ذلك، والدساتير رخصت لهم في ذلك"
قلت: يا لها من فضيحة يا ابن العدوي، إذ حكَّمت الدساتير هاهنا على شرع الله، وحكمت ترخيص!! الحاكم لهم على هذا الشرع!!
ومتى كانت أقوال الحكام وترخيصاتهم حاكمة على شرع الله؟!
ومتى كانت الدساتير الباطلة المخالفة للشريعة قاضية على ذلك الشرع؟!
فالمظاهرات من بنات أفكار الكفار أيها الأعمى، على بلاد المسلمين دخلت، وتلقفها أهل الضلال من أمثال فرقة الإخوان المسلمين والقطبيين وغيرهم من أهل الضلال الذين توالونهم، وقد بان في هذه الفتنة وفي غيرها مخبوؤك، وفضحك الله أنت وأمثالك ورفقاء دربك شر فضيحة، لم لا؟! وأنتم تجوزون أمثال تلك المظاهرات الجارية على سنن الكافرين لا على سنن المسلمين المهتدين.
ثم نقول لكم: كم رخص حكام المسلمين، وكم رخصت دساتيرهم للناس في أمور غير مشروعة!! فلم تنعقون إذًا أنتم وأمثالكم من أهل الضلال بوجوب توبة الحاكم، وبوجوب تطبيقه لشرع الله مادمتم تحتجون بترخيص الحاكم وبترخيص الدساتير؟!
وكيف إذا كان هذا الترخيص سياسيًا لا دينيًا شرعيًا قد فُرض على حكام المسلمين من قبل بلاد الكفار بدعوى الديمقراطية الباطلة؟!
نعم، إن القوم يصطادون في الماء العكر كما يقال.
وكيف يحتج الأعمى لهم على هذا الخروج بترخيص الحاكم وبترخيص الدساتير، ولا يحتج عليهم بمطالبة الحاكم بعودتهم إلى بيوتهم وترك التظاهر والتجمهر والتجمع الشيطاني في ميدان التحرير؟!
فكيف يحتج لهم بذلك على تجويز فعلهم المعصية، ولا يحتج عليهم بمثل ذلك في أمرهم بترك المعصية ونهيهم عنها؟!
ومعلوم شرعًا أنه تجب طاعة أولياء الأمور في المعروف ومعصيتهم في المعصية، والأدلة على ذلك كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه، برقم: [39 - (1840)] بسنده عن علي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمَّر عليهم رجلا. فأوقد نارًا. وقال: ادخلوها. فأراد الناس أن يدخلوها. وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال، للذين أرادوا أن يدخلوها: (لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) وقال للآخرين قولاً حسنًا. وقال (لا طاعة في معصية الله. إنما الطاعة في المعروف).
ورواه -أيضًا- برقم [40 - (1840)] بلفظ: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية. واستعمل عليهم رجلا من الأنصار. وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا. فأغضبوه في شيء. فقال: اجمعوا لي حطبًا. فجمعوا له. ثم قال: أوقدوا نارًا. فأوقدوا. ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض. فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار. فكانوا كذلك. وسكن غضبه. وطفئت النار. فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها. إنما الطاعة في المعروف).
فالواجب طاعة ولاة الأمور في المعروف، وتحريم طاعتهم في المعصية، خلافًا لصنيع ذاك الأعمى.
إن صنيعك هذا هنا إنما هو الكيل بمكيالين والوزن بميزانين كما فعل أخوك علي الحلبي دجال الشام، تشابهت قلوبكم وخططكم!!
قال ابن العدوي الأعمى: "ثم هم في وجهة نظرهم نهاة عن منكر، فبهذا التوصيف لا يوصفون بأنهم خوارج على الحكام"
أقول: فض الله فاك، وهل كانت حجة الخوارج على حكام المسلمين من لدن زمن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه- إلى زماننا هذا إلا الخروج باسم النهي عن المنكر والخروج تحت مظلته المدعاة؟!
فلو سُلِّم لك هذا لما وجدنا خارجيًا في قديم الزمان ولا حديثه!!
ألا تعلم أيها الأعمى أن اليهود والنصارى حينما يقاتلون المسلمين، إنما يقاتلونهم؛ لأن المسلمين في اعتقادهم كفار؟!
دليل ذلك قوله -تعالى- عنهم: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
كيف عميت عن قوله -تعالى-: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}؟!
وكيف ضلَلت عن قوله -تعالى-: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}؟!
وكيف لم تهتد أيها المستند إلى الكرسي في مسجد التوحيد بمدينة المنصورة التابع لجمعية أنصار السنة!! (أنصار الفتنة وأنصار القطبية) كيف لم تهتد إلى قوله -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}؟!
كيف غُمّ عليك وكيف غبي عليك هذه الآيات ونظائرها في كتاب الله؟! وكيف عَمِيتَ عنها؟!
وصدق ربنا -عز وجل- إذ قال: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}
وصدق ربنا -تبارك وتعالى- إذ قال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
إن الخروج أيها الأعمى على الحكام باسم النهي عن المنكر هو حجة الخوارج والمعتزلة من قديم الزمان، وأصلٌ من أصولهم المبتدعة، فأين أنت من هذا يا من طمست بصيرتك وسُكِّر بصرك عن مذهب أهل الحق، مذهب أهل السنة والجماعة القاضي بعدم جواز الخروج على حكام المسلمين بالقول أو بالفعل أو بهما معًا، ولو كان هؤلاء الحكام جَوَرَة فاسقين، والقاضي أيضًا بأن الخروج كما يكون بالسيف يكون بما دون ذلك، وأن أصحاب ذلك يسمون خوارج؟!
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله قبل أن تتشدق وتطلب من غيرك حاكمًا كان أو محكومًا التوبة!!
وصدق من قال: طبيب يداوي والطبيب مريض، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.
هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا.
وكتب
أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري
أبو عبد الله
مصر- المنصورة- طلخا- جوجر
تم ضحى يوم الاثنين، الموافق الثامن عشر من شهر ربيع الأول، لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية، على صاحبها الصلاة والسلام.
تم ضحى يوم الاثنين، الموافق الثامن عشر من شهر ربيع الأول، لسنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف، من الهجرة النبوية، على صاحبها الصلاة والسلام.
تعليق