بسم الله الرحمن الرحيم
الذب القويم عن فضيلة المحدث الفقيه الشيخ الهلالي سليم
( الحلقة الثالثة )
الذب القويم عن فضيلة المحدث الفقيه الشيخ الهلالي سليم
( الحلقة الثالثة )
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على محمد صفوته من خلقه، وآله وصحبه، ومن والاه وسار على دربه ونهجه.
وبعد:
فهذه هي (الحلقة الثالثة) من كَتيبة "الذب القويم .." أسأل الله لها القبول والنفع وأن يصحح بها أفهاما خاطئة، ويرد بها شبهًا عاطلة، ويقوِّم بها من تلقف تلكم الشبه وروَّج لها من المضعضعين الطائشين وسائر من لج في غلوائه، وضرب في عشوائه.
وقد عنَّ لي في هذه الحلقة الحديث على إحدى التهم الفجة التي لاكها بعض الناس، و هي دعواهم أن الشيخ أبا أسامة سليم بن عيد الهلالي –حفظه الله- طعن في الصحابة لوصفه إياهم –زعموا- بـالغثائية(!)، وسأوجد للقارئ من كلام الشيخ سليم ما يوازي جميل مذهبه، ويوافق جزل الرأي في بطلان وصف آحاد الصحابة فضلا عن مجموعهم –رضي الله عنهم- بتلكم العبارة السمجة المستهجنة، ويدمغ كل ضجة –إن شاء الله- نسجت على هذا المنوال، بل لو أن قائلا قال: إن كلامهم على الشيخ سليم هو الذي أمسى كالغثاء الذي قذف به السيل ولفظه على جنباته لما أبعد عن الصواب، والغثاء كما ذكر الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي –حفظه الله وسدده- في رده على السليماني المأربي وأفضل بادي الرأي أن لا أكنيه لما في ذلك من تشريف له؛ وقد أمرنا بالتشريد بمن عرف بالشر وسوء المذهب، وهجره وتعزيره .. إلى أن يئوب ويرجع إلى الجادة، ويترك المحادة والمشاقة.
قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ** ولا ألقبه والسوءة اللقب
أقول عودا على بدء: قال الشيخ ربيع كما في "مراحل أبي الحسن وتقلباته حول وصفه للصحابة بالغثائية" –من حاشية الكتاب:
"نعوذ بالله أتدري أيها الرجل ما هو الغثاء قال ابن الأثير في "النهاية" (3/343) الغثاء - بالضم والمد- ما يجئ فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره، ومثل هذا في لسان العرب(15/116) وزاد في معانيه " أرذل الناس وأسقطهم".
…فهل يقال هذا في أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم؟؟
…وأنت تعلم ماذا قال السلف فيمن انتقص أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"اهـ.
وقد بيَّن فساد هذه العبارة –الغثائية- أيضًا شيخنا أبو أسامة –حفظه الله- كما سيأتي – فيا لله العجب مما يحاك ويلاك من اتهامه بهذه السخيمة السقيمة !
وقد أحسن من قال:
هل صحَّ مِن حاكٍ قول فنقبَلهُ ** أم ذاك أباطيلُ وأسْمارُ
أما العقلُ فقال إنه كذبٌ ** والعقلُ غَرسٌ له في الصدقِ أثمارُ
وأحسن منه قول ربنا في كتابه الكريم: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين))، وسأوجد للقارئ المنصف من كلام شيخنا أبي أسامة سليم الهلالي –حفظه الله- كما في بعض تواليفه وغيرها ما يبيد خضراء وغضراء ذاك الاتهام الفارغ الأجوف.
وأنا حينما أتحدث عن هذا وغيره فإني أتحدث انطلاقا مما بلغه علمي، ووعاه صدري، ولست مجادلا عن أحد أعلم أنه مقيم على باطل، كما أني لا أدعي العصمة لأحد بعد المرسلين؛ لا –والله-؛ فإن الخطأ وارد على بني آدم ، والزلل كائن؛ ولهذا وغيره شرعت النصيحة وهي من ديننا بأعظم مكان، وقد قيل إن الإنسان من النسيان، فهو على هذا ينسى ويغفل ويدهل وربما سبق لسانه إلى ما لا يستجيزه هو قبل غيره، وقديما قيل : "لكل جواد كبوة؛ ولكل صارم نبوة"، ولهذا شرع التذكير، والذكرى تنفع المؤمنين ولا شك.
قال الشاعر:
وكريم الجياد يكبو وما في ** كبوة للجواد من نقصان
وقيل أيضًا:
إِن كان ذنبٌ فإني منه معتذرٌ **يكبو الجوادُ وينبو السيفُ ذو الشُّطَبِ
قال الشيخ سليم –سلمه الله- كما في كتاب "الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة" (ص34)، ولا بأس أن أُذكر برقم الطبعة لما سيأتي بعدُ، وهي الطبعة الثانية وكانت قبل 31 سنة تقريبا أي سنة 1401هـ- 1981م:
"وواقع الأمة الإسلامية اليوم أكبر دليل مادي مشاهد، فهي كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ((فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)) الرعد: 17
هي غثاء وهي زبد لأنها أمة متفرقة متناحرة متدابرة، كل هذا مكن لأعدائها من الانقضاض عليها، فمزقوها شرَّ ممزق، وكل منهم يريد نصيب الأسد من تركة الرجل المريض، ولهذا الواقع الحالي أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال لثوبان "كيف بك يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه، قال ثوبان: بأبي وأمي يا رسول الله أمن قلة بنا؟ قال: لا أنتم يومئذ كثير ولكن يُلقى في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال".اهـ
ولنقف وقفة تأمل يسيرة لتحليل هذا الكلام:
تأمل يا قارئ هذه السطور –رزقنا الله وإياك الإنصاف- قول الشيخ : " وواقع الأمة الإسلامية اليوم أكبر" اهـ. فأنت ترى أن الكلام مستقيم جدًّا لا غبار عليه، ولا أدل على ذلك من قيد الظرفية في قوله : "اليوم"، هذه واحدة.
الثانية: قوله: "هي غثاء وهي زبد لأنها أمة متفرقة متناحرة متدابرة"، فإذا كان الشيخ سليم –حفظه الله- قال في الصحابة أو يقول فيهم غثائية طبعا هذا تنزلا وجدلا –وحاشاه من ذلك – وهنا يتطلب أو يستدعي منَّا طرح سؤال –استنكاري- يتطلبه المقام من باب بيان فساد كلام المعترض:
هل الصحابة كانوا متفرقين؟!
.. متناحرين ؟!
..متدابرين؟!
وهل الشيخ سليم يقول بهذا ؟!!
ودليل الخطاب أن قبل اليوم؛ وهو زمن الصحابة –رضي الله عنهم- والنبي –صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، ولو حتّى بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- مادام هنالك هذا الجيل الطيب الذين وفقهم الله لطاعته، حتى أورثهم الله العزة والسؤدد، فزعزعوا عروش الكفرة، وجعلوهم أذلة صاغرين، و لم تعرف الدنيا بعدهم قاطبة من يضاهيهم ولا نصيفة ، وهم كما قال شيخ الإسلام في "الواسطية" (ص/81): " لا كان ولا يكون مثلهم " ، أي أنهم قَطْعًا لو يكونوا متفرقين عن اليمين وعن الشمال عزين؛ حتى يستذلهم من ضربت عليهم الذلة والمسكنة وسائر أحلاسهم –حلفائهم- من عبدة الصلبان والأوثان و .. كما هو واقعنا الذي شهد من النكبات على أمة الإسلام وأرض الإسلام ما يدمي القلوب، لكن نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل، وقدر الله وما شاء فعل، فالمسلمون على هذا الواقع المُرّ هو صريح قول الشيخ " واقع الأمة الإسلامية اليوم" .
ثم انظر إلى قوله بعدُ : " ولهذا الواقع الحالي أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عندما قال لثوبان " ( وذكر حديث الغثائية).
أقول: كلامه هنا أيضًا واضح جدا، هذا كلامه في هذه المسألة قبل حوالي 31 سنة، وكلامه هو هو لم يتغيَّر ولم يتبدل فيما أعلم ودونك ما سيأتي إن شاء الله.
سئل–حفظه الله- هذا السؤال :
وهذا يا فضيلة الشيخ سؤالي: قرأتُ لبعضهم كلامًا فحواه أنكم نَعتُّم بعض الصحابة في بعض كتبكم بالغثائية، فهل هذا القول صدر منكم؟
وما حكم وصف الصحابة به؟
وقال الذي كتب أنكم استدللتم بهذا القول بما حدث يوم حنين، فما هو موقفكم شيخنا الكريم من نسبة هذا الكلام لكم؟
وما تعقيبكم على هذا القول؟ وجزاكم الله خيرا
فأجاب الشيخ: أقول وبالله أصول وأجول: أن هذا الكلام باطل ابتداء، باطل في نسبته إليّ، وأنا أبرأ إلى الله من هذا الكلام في حياتي وفي مماتي، ومن وجد شيئًا من ذلك في كتبي فليدلنا عليه، ثم إني أتحدى هذا الناقل والقائل أن يجد حرفًا من ذلك في كتبي، ولكن لما كانت
عين الرضا عن كل عيب كليلة *** وعين السخط تبدي المساوي
أقول: فقد رددتُّ على هذا المُتقوِّل أسأل الله أن يهديه، وأن يعيده إلى الجادة، ونحن من زمن نصبر عليه وعلى إخوانه وأمثاله ولا يسمعون منَّا إلا كل خير، أقول: رددت عليه في كتابي "الجماعات الإسلامية" في طبعته الأخيرة هذا الكلام منذ سبع سنوات، وإنما أوتِيَ هذا القائل من عدم فهمه لأسلوب الكلام، فالربط كان بين حديث "الغثائية" وغزوة حنين في القلة في الكثرة وليس في الغثائية، ربنا قال في أصحاب الرسول: ((ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم))، فالله هذا الذي قال: الكثرة، لكن الكثرة لم تغن عن الصحابة في غزوة خنين شيئا، وأقول: الرسول –صلى الله عليه وسلم- قال للأمة :" بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غثاء" فالغثائية في الأمة الذين جاءوا من بعد النبي، وليس في أصحاب الرسول غثائية، أو نخالة، أو أحد، بل هم أئمة أعلام، ولا يجوز كما نقول لبعضهم كما نقول: هذا عربي بوال على عقبيه، لا يجوز هذا في حق أصحاب الرسول –صلى الله عليه وسلم- ، فأصحاب الرسول كلهم أئمة، كلهم شموس، كلهم أسود الإسلام، كلهم سيوف الله على أهل البدع والضلالات، أبرأ إلى الله من هذا الوصف، ومن هذا النقل، أسأل الله أن يهدي هذا القائل، وليته وجد كلامًا غير هذا الكلام فصدقه الناس، كيف أقول في الصحابة "غثائية"! وأنا الذي ألفتُ كتاب "لماذا اخترت المنهج السلفي" وذكرت فيه من الأدلة على وجوب اتباع الصحابة، فهل أؤلف كتابا في اتباع الغثائية ؟!!
كيف وأنا قد ألفت كتاب "بصائر ذوي الشرف بشرح مرويات منهج السلف" وفيه الذب عن منهج الصحابة وعن الصحابة وعن فهمهم، أنا أبرأ إلى الله من ذلك حيًّا وميِّتا، أبرأ إلى الله من ذلك في حياتي وفي مماتي، وكل حرف فيه إشارة إلى هذا الكلام أبرأ منه إلى الله تبارك وتعالى.
ماذا يقولون وأنا الذي ألفت كتابا سينشر قريبا -إن شاء الله- "تعظيم قدر أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم" تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، تعظيم قدر أهل الحديث –رحمهم الله- أسأل الله لنا ولهم الهداية، وأن يغفر لنا ما قصرنا فيه إنه ولي ذلك والقادر عليه" اهـ.
لله دركم شيخنا الهلالي، هذا الظن بكم وبسائر مشايخ الدعوة السلفية، وفحوى هذا الكلام ومضامينه يكبح جماح ما يذاع عن الشيخ، ويدفع في نحر كل طنة أو ضجة قالها من قالها، بل وتلقمهم الحجر والجنادل.
فماذا نقول بعد هذا؟!
فليس بعد التصريح تصريح، ولا بعد الحق إلا الضلال.
وقال في كتابه "بدائع الحكم بذكر فوائد حديث تداعي الأمم" (ص/31-32-33): تحت عنوان :
"الفائدة الثامنة: الأمة الإسلامية لم يعد لها وزن بين أمم الأرض"
لقد أخبر الرسول- صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: "ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
وهذه الدلالة تلقي بظلالها الآتية:
أ- أن الغثاء الذي يحمله السيل العرم يسير معه محمولا مع تياره، وهكذا أمة الإسلام –إلا من رحم الله- تجري مع تيار أمم الكفر، حتى لو نعق بـ"هيئة اللمم" غراب، أو طنة في "مجلس الفتن" ذباب، لخروا على ذلك صمًّا وعميانا، وجعلوه كتابًا محكمًا وتبيانا، وسموه: "الشرعية الدولية.
ب- أن السيل يحمل زبدًا رابيًا لا ينفع الناس، وكذلك أمة الإسلام –إلا من رحم الله- لم تعد تؤدي دورها الذي به تبوأت قيادة "الأمم"، وهو: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ت- أن الزبد سيذهب جفاء، ولذلك سيبدل الله من تولى، ويمكن للطائفة المنصورة والطائفة الناجية، والفئة المرحومة؛ التي تنفع الناس في الأرض، كما تواتر في أحاديث الطائفة المنصورة.
ث- أن الغثاء الذي يحمله السيل خليط من قاذورات الأرض، وفتات الأشياء، وكذلك أفكار كثير من المسلمين تقميش من زبالة الفلسفات، وحثالة الحضارات، وقلامة المدنيات.
ج- أن الغثاء الذي يحمله السيل لا يدري مصيره الذي يجري إليه باختياره؛ فهو كمن حفر قبره بظفره، وكذلك أمة الإسلام لا تدري ما يُخطِّط لها أعداؤها، ومع ذلك؛ فهي تتْبَع كلَّ ناعِقٍ، وتميل مع كل ريح إلا من رحم الله، وقليل ما هم، والله المستعان.
قلت: وهذه ذكرى لمن أراد أن يذَّكر ، وذكرى لمن لا يزال سادرًا في غيه، معرضا كاشحا ، مغتابا بهاتا.
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفر الله وأتوب إليه.
كتبه أبو الدرداء عبد الله أسكناري
في 9 ربيع الأول 1432 هـ
أكادير -المغرب
تعليق