بسم الله الرحمن الرحيم
الذب القويم عن فضيلة المحدث الفقيه الشيخ الهلالي سليم
(الحلقة الثانية)
(الحلقة الثانية)
الحمد لله القائل: (( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض))الآية، والقائل: ((إن الله لا يصلح عمل المفسدين))الآية.
والصلاة والسلام على عبده **ورسوله وخيرته من خلقه، القائم بأمر ربه والقائل: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، ما يضرهم من كذَّبهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" من حديث -معاوية رضي الله عنه-
وهذا الحديث في الصحيحين وهو من أحاديث الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وقد خرج الشيخ سليم –حفظه الله- جملة منها في كتابه الفريد "المستقبل للإسلام بمنهج السلف الكرام" اُنظرها (ص/162-163).
أما بعد:
فهذه الحلقة هي امتداد للحلقة الأولى ومدارها جميعًا في الذب بالحق حسبما علمت عن الشيخ المحدث الفقيه أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي ونشر فضائله، وبث علومه، والرد على شانئيه ومنتقصيه، فإن* لأهل العلم علينا حقوقًا ينبغي مراعاتها، وبذل الجهد في تبديد العقبات التي تحول دون ذلك، ونفض الغبار الذي ران على أذهان كثير من الناس، بسبب ما راج* وكسد في سوق الجهل من *أخبار *الأدعياء *ممن أعوزهم سلطان الحجة عن نيل مقاصدهم الدنيئة، ومراميهم الخسيسة، فسلكوا فجاجًا وطرائق *قددًا، من نظر فيها متأملاً *وجد نسجها أوهى من بيت العنكبوت، فظن القوم أنهم بذلك قد قطعوا المفاوز إلى ما أملوه، *وطووا كشحهم ؛ وهيهات، *ففي الميدان ليوث الوغى *وأسودها،* من قارعهم مغلوب، ومن خذلهم مكدوس، ...بإذن الله رب العالمين.
إخواني القراء على درب السلف؛ وطنوا أنفسكم واعلموا أنَّ:
*
الابتلاء سنة الله في أهل الإيمان والتقوى
فلا بد من الابتلاء
وعنده *يُكرم المرء أو يهان
قال الله تعالى: ((الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * ..)) الآيات [العنكبوت: 1-11].
ولله در *العلامة ابن قيم *الجوزية –رحمه الله- *إذ يقول كما في "الزاد" (ج1و2)(ص/259-260): *" فليتأمل العبد سياق هذه الآيات وما تضمنته من العبر وكنوز الحكم، فإن الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين :
إما أن يقول أحدهم : آمنا، وإما ألا يقول ذلك، بل يستمر على السيئات والكفر، فمن قال: آمنا. امتحنه ربه وابتلاه وفتنه - والفتنة: الابتلاء والاختبار- ليتبين الصادق من الكاذب. ومن لم يقل: آمنا، فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه، فإنه إنما يطوي المراحل في يديه.
* وكيف يفر المرء عنه بذنبه *** إذا كان تطوى في يديه المراحل*
*فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم، وآذوه فابتلي بما يؤلمه، وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم عوقب في الدنيا والآخرة، فحصل له ما يؤلمه، وكان هذا المؤلم له أعظم ألما وأدوم من ألم أتباعهم، فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء ثم يصير إلى الألم الدائم.
وسئل الشافعي -رحمه الله-: أيما أفضل للرجل: أن يمكَّن أو يبتلى ؟ فقال: لا يمكَّن حتى يبتلى. والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة، وإنما يتفاوت أهل الالآم في العقول. فأعقلهم من باع ألما مستمرا عظيما بألم منقطع يسير، وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر.
*فإن قيل: كيف يختار العاقل هذا ؟ قيل : الحامل له على هذا النقدُ والنسيئة، والنفس موكلة بحب العاجل ((كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة)) القيامة:20. ((إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا)) (الإنسان:27).اهـ.
قلت: **افتتح الله جل جلاله *سورة العنكبوت بالإنكار على من يحسب أنه مؤمن دون أن يبتلى بالفتن والإحن بين الفينة والأخرى، وأخبر سبحانه أن الابتلاء أمرٌ كائن في هذه الأمة أولها وآخرها حكمة من الله لكل من ادعى الإيمان، ليتبين الصادق من الكاذب ، والخبيث من الطيب، كما قال سبحانه: (( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)).
قال الشيخ سليم –حفظه الله- كما في* كتابه "المستقبل للإسلام بمنهج السلف الكرام" (ص18):
"ويخلص الصادق من الوهن البشري، الذي لا تسلم منه نفس بشرية؛ فتسموا همته فوق الألم، فيدرك أنه جسر إلى المعالي.
لا تحْسبنَّ المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا *
... ولذلك؛ فالمؤمن ينظر إلى الابتلاء: أنه نعمة ورحمة من الله على عباده، يتعهدهم بالابتلاء المرة بعد المرة؛ لينقيهم، ويطهرهم، ويذهب عنهم رجس الشيطان، ويربط على قلوبهم ويثبت به الأقدام.
وكذلك ينظر إليه أنه دليل رضى ومحبة من الله لعباده؛ فإن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، فكلما صلب إيمان المرء وقوي يقينه؛ اشتد بلاؤه، فمن رضي؛ فله الرضى، والعكس بالعكس" اهـ .
قلت: وأشد الناس بلاء كما صح به الخبر الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وأهل العلم من ورثة علم الأنبياء؛ *فهم إذًا *أشد بلاء بعد الأنبياء، لعلة مشتركة بين الطرفين وهي دعوة الناس إلى هذا العلم الذي نبع من مشكاة النبوة الداعي لإقامة شرع الله، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة شعائر الله على الوجه الذي يرضيه سبحانه، وهذه الوظيفة العظيمة محفوفة بالمكاره، وقطاع الطريق عليها لا يحصون كثرة، وانظر إلى قوله *تعالى* عن أول رسول إلى أهل الأرض ألا وهو *نوح –عليه الصلاة والسلام- *وما قابله به قومه علمًا أنه مكث فيهم سنين عددًا : ((وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ))، وقالوا في مقام التهديد له: ((قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)، وهكذا من بعده من الأنبياء والرسل على نفس الوتيرة من تكذيب وأذى حتى نصرهم الله وكانت عاقبتهم حسنة، قال ربنا سبحانه ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)).
قلت: وهذه الآيات وما كان في معناها من أعظم المحفزات لأهل الخير ومن تسنم لمرتبة الدعوة إلى الله، إذ أن هذه السبيل على ما فيها من الابتلاء؛ عاقبتها الظفر بالنصر والغلبة على الأعداء وأذنابهم، وذاك وعد من الله، والله لا يخلف الميعاد (ولا مبدل لكلمات الله).
وعلى هذا فالابتلاء لأهل الإيمان مما ينبغي التسليم به، وتوطين النفس عليه ليتلقى المؤمن -كل بحسبه- ذلك بثبات وعزم وجلد، وإلا أصابه الجزع بادئ بدء، وظهر بهرج دعواه ، وحينئذ لا يهلك على الله إلا هالك.
*
إن الله يدافع عن الذين آمنوا
والكلام هنا مفرغ عمَّا سبق، قال العلامة ابن سعدي-رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية من "تيسير الكريم الرحمن .."(ص/539)) :
"هذا إخبار ووعد وبشارة من الله، للذين آمنوا، أن الله يدافع[1] عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم كل شر - بسبب إيمانهم- من شر الكفار، وشر وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر".اهـ.
قلت: والأدلة من الكتاب والسنة على ذلك متكاثرة، وهكذا الوقائع على مرِّ التاريخ إلى يوم الناس هذا تشهد بنصر الله ودفاعه عن أنصاره وأوليائه المتقين، وخذلانه للظالمين والمعتدين.
ودفاعه سبحانه عن أوليائه بأن يدفع عنهم المرهوب، ويحصل لهم المرغوب، فتنشرح صدورهم بذلك، ويزداد يقينهم وثباتهم حينما يستشعرون الابتلاء والشدة فما يزيدهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا حتى إذا أراد الله أن يرفع الضيم عنهم ويكرمهم على ثباتهم هيأ لذلك أسبابه، والأخبار عن هذا كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم-، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم:(( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب))، وهكذا ما هو مصنف في دواوين التأريخ الإسلامي المديد المجيد *إلى يوم الناس هذا، فعلى أهل السنة أن لا يستوحشوا من الحق لقلة السالكين، وأن لا يغتروا بكثرة من هلك أو ركن للهالكين وجادل عنهم، والمؤامرات على أهل السنة قائمة على قدم وساق، فيجب الحذر من غوائل الشيطان وأوليائه، قال الله تعالى في سورة آل عمران: (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل))، فبالصبر على طاعة الله، وإحسان الظن به سبحانه تزول العقبات، وتنفرج الكربات، ويحصل من الخير ما لا يكون في الحسبان.
*
تصديق الشائعات !!
ليس كل ما يشاع وتتناقله الألسنة ويكتب على الواجهات مما يُسلَّم بصحته، ويعول عليه على أنه كائن لا محالة، لما في ذلك من إشاعة الكذب* والفاحشة، وإعانة للأعداء والمتربصين، وهذا الشطط على أنه *مما لا يؤمن معه الخلط والخبط لو فُرض أن لذلك أصلاً؛ فإن مفاسدها لا تحصى كثرة، فلا بد إذًا *من النظر في صحة هذه الأخبار من عدمها، وحال نقلة الأخبار لمعرفة مدى أهليتهم لأن يؤخذ عنهم، وإهمال هذا الجانب العظيم سبب يعد من عظائم المعضلات[2]، والله سبحانه يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ))، فلا بُدَّ إذًا من التأكد من صحة الأخبار و الوقوف على حال نقلتها ومروجيها؛ هل يُعتدُّ بهم أو لا ، طبعًا هذا حذرًا من الظلم وحذرًا من دسائس أعداء الدين وأهل الأهواء وغيرهم من الذين عقدوا ألوية الحقد والبغض والحسد لما عليه أهل السنة من اجتماعهم على كلمة سواء، لذا فهم لا يألون جهدًا في زعزعة الصف السلفي *والسعي في تمزيقه وكتم بقية أنفاسه ووأده بشتى الوسائل، والله سبحانه وتعالى أعلم بأعدائنا من أنفسنا كما قال سبحانه : (( والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليًّا وكفى بالله نصيرًا)) الآية، وما كان الله جل وعلا ليذرنا سبيًا لهؤلاء وسخرية حتى يشمت بنا أهل البدع والأهواء وأصحاب الأغراض والأطماع، بل حذرنا سبحانه من تصديق أخبار الفسقة دون تبين فيها، فكم من خبر باطل طار في الآفاق وأحدث من البلايا والفواقر ما تشيب له النواصي، قال ابن سعدي –رحمه الله-* في تفسيره (ص/800) للآية المذكورة سلفًا من سورة الحجرات: " وهذا أيضًا، من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا، ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير [من] الخوارج، المعروفين بالصدق، ولو كانوا فساقًا" اهـ.
لذا فلا ينبغي لعاقل أن يترك الواضح البين ويعدل إلى المشوب المشتبه، ويترك الصحيح الصريح، ويتمسك بالسقيم المبهم، وإلا فلا يوثق في قوله ونقله، لأنه حاطب ليل، ومن كان كذلك فلا تمييز عنده، فهو كالأعمى على عوج الطريق الجائر؛ فهل تراه يهتدي سبيلا؟!
فماذا عن الذين يتلقفون منه* وهاء الأخبار، ودعايات الأسمار، أتراهم يثبتون عند النقد على تلك الأقوال، أم أنهم سيقولون كما جاء في الخبر الصحيح من قول المفتون: "سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته".
أعمى يقود بصيرًا لا أبا لكم ** قد ضلَّ من كانت العُميان تهديه
أيرضى المسلم العاقل وبالأحرى من يرى أنه سلفي أن يكون من المقلدين في دينهم الرجال، لاقطًا لكل ساقطة، مذياعًا وبوقًا لكل هفوة أو زلة أو شبهة، وما أحسن قول الشيخ سليم –حفظه الله-* كما في مقاله "حصانة أهل العلم وطلابه" :
" وتأمل بثاقب فكرك وصية شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه ابن قيم الجوزية: «وقال لي شيخ الإسلام -رضي اللَّه عنه- وقد جعلتُ أُورِدُ عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل: السِّفِنْجَة؛ فيتشرّبها؛ فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرّاً للشبهات، أو كما قال.
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك».
قلت: صدق، فإن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، ولذلك؛ فإن أقماع القول تخطفهم الشكوك والريب حيثُ يُصِرُّوْنَ على ما فعلوا وهو يعلمون...؛ ولذلك كان من دعاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «اللَّهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة في الرشد» اهـ.
وقد تجرأ بعض المفلسين ومن تجمهر حولهم من أدعياء العلم في بعض المواقع والشبكات على بث الأخبار التي لازمام لها ولا خطام من دعايات وقصص مفبركة على الشيخ سليم الهلالي؛ وما إلى ذلك، *كتلك الأوراق[3] التي أطلقوا عليها مصطلحات مطاطية وأنها وثائق وحجج(!!)
شبه تهافت كالزجاج تخالها ** حججًا وكل كاسر ومكسور
وقد استعنت بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، في حلقتي هذه على دحر إحدى هذه الاعتراضات التي نصبت وحيكت [ضِدَّ[4]] على الشيخ سليم وإن كنتُ –والحقيقة أقول- لستُ بذاك، وليس مثلي من فرسان هذا الميدان، ولكن يسليني في ذلك ويحفزني قول ربنا في كتابه الكريم: (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان))، وقوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم * ويغفر لكم ذنوبكم * ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا))، فإني أرجو الله أن يسددني فيما توخيت، ويصلح عملي، ويغفر لي خطئي وعمدي وكل ذلك عندي.
ومما أشيع على الشيخ سليم دعوى الطعن في الشيخ ربيع[5]، والحقيقة أني ليوم الناس هذا لم أقف على شيء يُعتد به في هذا المضمار، ولو فُرض أني وقفت على شيء –ولا أرجو- فإننا نصحة ولسنا فضحة، ومن ذا الذي لا يُخطئ، لكن العيب كل العيب التمادي في الخطأ بعد العلم به، وفي المقابل إقامة الدنيا على الناصحين، وازدراؤهم وربما تمسكوا بكلام من قد يشار إليه بالبنان وهو ممن يجوز عليه الخطأ لكن لكون الناصح دونهم في السن –وربما في العلم أيضًا- عدلوا عن النصيحة ولو* كان عليها من البراهين ما تقطع دونها أعناق المطي، ثم اعتاضوا عن ذلك بما ليس بحجة ولا نصيفة، والله المستعان.
وعودا على بدء أقول: إن المنكر متى ظهر ينبغي أن ينكر، كل بحسبه مع مراعاة ضوابط الشرع في ذلك، ومن ذلك العلم بنكارة* ذلك، هل هو منكر فعلا أو أنه مجرد تخمين وتصرف تقوده العجلة، والمرجع في ذلك دلالة الكتاب والسنة، فالمنكر ما أنكره الشرع، والمعروف كذلك، وليس للاستحسان العقلي في ذلك مدخل، فليكن المرء من هذا على ذكر، وإلا خبط خبط عشواء، وأفسد أكثر مما أصلح.
*
لماذا هذه الحرب الضروس كلها على الشيخ سليم[6]؟!!
قال ربنا عز وجل : (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثمًا مبينا)).
*"وقوله: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ) أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم ... وروى أبو داود عن أبي هريرة، أنه قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يكره". قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه".وهكذا رواه الترمذي، ثم قال: حسن صحيح .اهـ "عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير" (ج3/ص75).
قال العلامة ابن سعدي –رحمه الله- في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" (ص/671):وإن كانت أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيمًا، ولهذا قال فيها: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي: بغير جناية منهم موجبة للأذى (فَقَدِ احْتَمَلُوا) على ظهورهم (بُهْتَانًا) حيث آذوهم بغير سبب، (وَإِثْمًا مُبِينًا) حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر اللّه باحترامها.
ولهذا كان سب آحاد المؤمنين، موجبًا للتعزير، بحسب حالته وعلو مرتبته، فتعزير من سب الصحابة أبلغ، وتعزير من سب العلماء، وأهل الدين، أعظم من غيرهم".اهـ.
ويعجني أن أنقل هنا بالمناسبة كلاما ماتعًا لأحد أسود الدعوة السلفية في بلاد اليمن الشقيق ألا وهو الشيخ المجاهد أبو عبد السلام حسن بن قاسم الريمي –حفظه الله- أودعه حلقته الأولى من سلسلة "النصيحة في أسلوب النصيحة والتحذير من الكيد والوقيعة" حيث قال:" .. ثم أيضًا يراعى من كان من ذوي الهيئات ممن قد وقعوا في أخطاء لا تصل إلى موجب الحدّ في طريقة النصيحة وفي التعامل، لما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" رواه أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها وصححه شيخنا الألباني رحمه الله في السلسلة.
قال الشافعي رحمه الله :" وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة " انظر سنن البيهقي (8/334). وقال الشوكاني رحمه الله في النيل (7/154) :" وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ إقَالَةَ أَرْبَابِ الْهَيْئَاتِ إنْ وَقَعَتْ مِنْهُمْ الزَّلَّةُ نَادِرًا وَالْهَيْئَةُ صُورَةُ الشَّيْءِ وَشَكْلُهُ وَحَالَتُهُ ، وَمُرَادُهُ أَهْلُ *الْهَيْئَاتِ الْحَسَنَةِ ". وقد قيل في معنى ( الهيئات ) : المراد بهم الذين دامت طاعاتهم وعدالتهم فزلت في بعض الأحايين أقدامهم بورطة .
... وكل ما تقدم مع تحقق صدور الخطأ والذنب فكيف إذا كان من قبيل الظن الذي ليس عليه ثمة دليل ؛ ومن قبيل التخرصات والنقولات الفارغة عن الدليل والبرهان ، فأين عقول الذين لا هم لهم إلا إسقاط أهل العلم وطلبته السائرين على منهج السلف الكرام دعوة ودفاعاً وتأليفاً – والله حسيبهم في ذلك -* ببث الدعايات الكاذبة ، بما يقومون به من تجميع للأخطاء بدون تروي ولا ستر ولا نصح ، بل همهم الإسقاط لا التعديل والإصلاح إن كانت ثمت أخطاء ، وإلا فالناظر لها يتذكر قوله تعالى : ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
...* قال السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره صـ 801 : " ( ولا تجسسوا ) : " أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله واستعملوا التغافل عن أحواله التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي "
قلت : تأمل أخي القارئ الكريم إلى قول الإمام السعدي رحمه الله وكلامه هذا مع أي مسلم فكيف بمن ينتسب للعلم الشرعي والدعوة السلفية ممن له في المجتمع جاه وشرف فيكون ذلك في حقه آكد وآكد، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ).اهـ.
قلت: *ولله در شيخنا أبي أسامة سليم الهلالي إذ يقول كما في أواخر مقدمة كتابه الماتع "دلائل الصواب في إبطال بدعة تقسيم الدين إلى قشرٍ ولباب" (ص/6-7):
".. ورحم الله أخًا غيُّورًا ناصحًا أمينًا وجد ما يوجب النصح، فقام بواجب النصح والستر؛ فإني متقلد منّته آخر عمري، والمرء قوي بإخوانه الذين يتواصون بالصبر، ويتواصون بالمرحمة" اهـ.
*
ومضات من ثناء الشيخ المحدث أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي –حفظه الله- على الشيخ العلامة المحدث الدكتور ربيع بن هادي عمير المدخلي ودفاعه عنه:
قال الشيخ أبو أسامة كما في لقائه الشهري العام: "رابـــعـًا : أما معارضتي للشيخ ربيع التي يدعيها[7]؛ فإننا نَصَحةٌ ولسنا فَضَحة، وعذارون وليس عثَّارين، فليس هناك معارضة بيني وبين الشيخ ربيع من ربع قرن، وعلاقتي به لا يستطيع ولا مثل الأرض من مثله أن يهزوها بإذن الله، ولا زلنا نسمع من والدنا الشيخ ربيع –حفظه الله-؛ فإن وجدنا حقًّا نصرناه وأيَّدناه، وإن كان لنا وِجهة نظر طرحناها وبيَّناها، والشيخ ربيع –حفظه الله- يتسع صدره لمن خالفه بحق، أو كان له اجتهادٌ مقبول، ونحنُ في دعوةٍ نتعاون فيها على البر والتقوى، ولسنا في حزبٍ أو تنظيم، وهذا من فضل الله علينا ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ومواقفي مع الشيخ ربيع –حفظه الله وغيره من إخواننا أهل العلم نُصرةً ونُصحًا وتعاونًا على الخير يعلمها من كان له أدنى صلة بِنا، أما المنقطع المُنبَت عن إخوانه؛ المتربِّص للعثرات؛ فما له ولنا.
وقال في شريط "واقع الدعوة السلفية المعاصرة بين التعاون الشرعي والتكتل الحزبي" ضمن لقاءاته الشهرية:
"ونحن نعيش -إن شاء الله- على ما تعلمناه من علمائنا الكبار ومن سار على منهجهم، ما تعلمناه من مشايخنا الألباني، وابن باز، وابن عثيمين والوادعي –رحمة الله عليهم- ومن سار على نهجهم الفوزان والعباد وربيع والنجمي هؤلاء هم مشايخنا على عيننا ورأسنا، نحبهم، ونجلهم، ونسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يجمع شملهم.
*
وقال في المصدر ذاته جوابًا على سؤال هذا نصه:
هل من العيب أن نقول: نتبع إمامًا كبيرا كالشيخ ربيع[8] لا سيما في أمور المنهج لتمكن هذا الشيخ الجليل من هذا ؟
جواب الشيخ: نحن نقول: لا عيب نتبع الشيخ ربيع، نتبع الشيخ الفوزان، نتبع الشيخ العباد، نتبع الشيخ النجمي، نتبع الشيخ مقبل، نتبع الشيخ الألباني، نحن نتبعهم جميعًا، لكن إن قلتَ: إن هذا العلم لا يؤخذ إلا عن هذا العالم؛ هذا لا يرضاه أحد، حتى هذا العالم لا يرضاه لنفسه، لا يرضاه، لأنه قد يدخل في التعصب، يدخل في التحزب، وما أظن أن الذي يقول هذا الكلام يقصد هذا، بل الشيخ ربيع دائمًا يستشير إخوانه، ويأخذ رأيهم في كثير من ... الخاصة بالمنهج، الخاصة بالأشخاص، فالإنسان قوي بإخوانه، قوي بأعوانه، ... الشيخ ربيع عالم جليل، وهو متمكن لا شك في مسائل المنهج، مسائل الجماعات، مسائل الأحزاب، وهذا لا أحد يعاند وينكره، لكن هو أيضًا بحاجة إلى عون إخوانه، بحاجة إلى رأي أعوانه .. "اهـ.* *
وفي شريطه "كيف نفهم السلفية" سئل عن الكتب التي تعين طالب العلم على فهم الدعوة السلفية، فأحال السائل على كتب الشيخ العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله- وغيره من أهل العلم.
وقال في إحدى لقاءاته العامة - جوابًا على سؤال:
ســــؤال: جزاكم الله خيرًا شيخنا الكريم وأحسن الله إليكم.
هذا سؤال آخر يا فضيلة الشيخ يقول صاحبه: كذلك نرجوا من فضيلة الشيخ الإجابة حول ما يُشاع عنكم من طعونات قديمة في الشيخ ربيع –حفظه الله- وأنه لم يحصل منكم إلى الآن تراجعٌ صريح عن تلكم الطعونات، وجزاكم الله خيرًا.
[جـــواب الشــيخ]: أقول وبالله وحده أصول وأجول: هذا والله الكذب الذي له قرون، وهذا والله الكذب الذي هو البهتان، فأنا سأقرأ عليكم ثلاث مقالات.
المقال الأول: سنة 1986
والمقال الثاني: سنة 2005
المقال الثالث: سنة 2008
وكلها عن الشيخ ربيع، تعلمون أن علاقتي بالشيخ ربيع منذ 25 سنة؛ منذ 27 سنة لم تتغيّر، وأنا لا أُقلد* الشيخ ربيع ولا الشيخ الألباني، أنا أُقلد الحق، وكما قلتُ: إن كان عنده شيء في الحق نصرناه واتبعناه، وإن كانت عندنا وجهة نظر خالفناه وبيَّنّا وجهة نظرنا، هو يتَحمَّلنا ونحن نتحمّله، لكن ما خذلتُ الشيخ ربيعا في يوم من الأيام.
اُذكِّر عندما أرسل لي الشيخ ربيع كتابه في الفِرق والجماعات وطلب مني لحسن ظنه بي، وليس لفضلي عليه، بل لحسن ظنه بابنه؛ عندما استنصر بنا على العودة على الحوالي وعلى الصوِيّان؛ عندما كان أقرب الناس للشيخ ربيع يفرُّون من نصرته، وخالفنا في هذه الأيام شيخنا الألباني –رحمة الله عليه- اُنظروا ماذا قلتُ في مقدمتي لهذا الكتاب الذي نفع الله به البلاد والعباد:
"الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي وفى.
أما بعد:
فإن الرد على أهل الأهواء باب شريف من أبواب الجهاد، وكيف لا يكون كذلك وأهله في موقع الحراسة لهذا الدين: يذبون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، قد تسنموا غارب الحق، وامتشقوا حسام العلم، ليبقى الإسلام صافيا نقيا يتلألأ بهالة الرسالة التي أنزلت على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم .
ومن استقرأ حالهم في حلهم وترحالهم، وجد أنهم قد رفعوا قواعد الرد على المخالف على أصل النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وهذا المقام الذي يعدُّ عليه مدار الإسلام، يتطلب إحكام الإدراك لمآخذ المخالفة ومداركها، الذي هو أساسٌ في ترتيب النقض المحصور في ذكرها والتحذير منها، دون الالتفات إلى محاسن أهل البدع والأهواء التي يخصفونها على أقوالهم الكاسية العارية، ليجمِّلوها في أبصار وبصائر الناظرين إليها.
وبين يديك أخي القارئ بحوث في نفائس العلم وغواليه، اتصلت بسلك طرفه الأول، منهج السلف الصالح من أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والفرق والكتب، كتبها أخٌ فاضل حريصٌ على بقاء المنهج السلفي ناصعا كما عرفه الراسخون من أهل العلم، وحريص على الشباب المسلم ألا ينخدع بسراب أهل البدع وهالات التقديس التي يخلعونها على رؤوسهم ودعاتهم، ودعاويهم العريضة التي يحتمون وراء جُدُرِها، حيث يزعمون أنهم أرادوا إحسانا وتوفيقاً، أحسبه كذلك، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا.
وينبغي الاهتمام في هذا المقام بأمر، وهو أن الالتفات إلى محاسن أهل الأهواء في باب النصيحة مَطيِّة مَظنَّة للخطر، وما تحت قدم الداعي إلى ذلك دَحْض، فليحذر من الزلل، وليسلك منه الجدد الذي يؤمن معه العثار.
إن نسبة هذا المنهج للسلف الصالح نسبة منكودة جديرة أن تفتح باب الفتنة على مصراعيه، حيث ُتلقي بعدة المستقبل في أحضان الأدعياء، لأن محاسنهم ستطغى على بدعهم، فيلقون إليهم بالمودة، وقد أمروا أن يشردوا بهم من خلفهم، وأن يضربوا منهم كل بنان.
وقد حذر العلماء السابقون من خطورة ذلك:
قال الحافظ النّقَّاد مؤرخ الإسلام الذهبي مُعقبا على اغترار الخليفة العباسي المنصور بكبير المعتزلة عمرو بن عبيد، حيث كان يعظمه ويقول:
كلكم يمشي رويد، كلكم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد
قال الذهبي: ((اغتر بزهده وإخلاصه وأغفل بدعته)).
قلت: هذا ديدن أهل البدع، يظهرون خلاف ما يبطنون، ويتغنون بما لا يعتقدون، فقد وصفهم الذي لا ينطق عن الهوى محمد صلى الله عليه وسلم : "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدي، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال ، قلوب الشياطين في جثمان إنس".
ولكن، لا تغرنكم البُرْقَة، فإنها فجر كاذب.
ولا تهولنكم المفاجأة، فإن الجهابذة ينخلونهم نخلاً.
وكُلٌّ يقوم حسب وسعه وطاقته على منهاج النبوة ، فإن النصح لكل مسلم ميثاق نبوي.
وعلى الله قصد السبيل".
هذا ما قلته في الشيخ ربيع قبل 24 سنة.
ثم انظروا ما قلته في الشيخ ربيع في 2005 بيني وبين الشيخ الفاضل ربيع المدخلي –حفظه الله- وهذا موجود ومنشور:
"أرسل إليَّ بعض الإخوة من فلسطين المحتلة حوارًا؛ جرى بينه وبين أحد الإخوة في الحجاز، تعرَّض فيه لموقفي من الشيخ ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله- وقد نقل الحجازي أقوالاً نسبها إلى الشيخ ربيع –حفظه الله- جملتها أني أطعن في منهج الشيخ الفاضل، ولي على هذا تعليقات:
أوّلاً : أن ما بيني وبين الشيخ ربيع من علاقات طيِّبة تمتدُّ جذورها إلى أكثر من عشرين عامًا، هي أكبر من أن يُعكِّرها نقل غافل، أو تمويه جاهل.
ثانيـًا : أنني بحمد الله أحمل للشيخ ربيع –حفظه الله- وهو بمنزلة والدي كل محبة وتقدير، وذلك لله وفي الله، لا تجمعنا به رغبة ولا رهبة، أن ما صدر منِّي في بعض المجالس حول مسألة الخلاف بين الشيخ ربيع والأخ أبي الحسن –هذا في أيامها قلتُها- وفُهِم على عكس مرادي، فقد تمّت تسويتُها مع الشيخ –حفظه الله- قبل سنتين وزيادة؛ أن بعض النّقلة؛ ينقلون إليَّ عن الشيخ الفاضل أنَّه يعتِب عليّ بخاصة، نقول: لا نُعير لهذا بالاً؛ لأننا لو أردنا فتحَ هذا الباب لَصارَ الأمر إلى ما لا تُحمد عقباه؛ من التقاطع والتدابر، وظنُّنا بالشيخ –حفظه الله- أنه إذا كان له عَتَب أو مَوجدة فإنه يُراسل إخوانه، فإنهم آذانٌ صاغية، إن وجدوا الحق اتبعوه، لا تأخذهم في الله لومة لائم، أقول: وحتى هذه اللحظة؛ لم يصلنا من الشيخ أي شيء في هذا الباب أو غيره.
ثالثــًا: لا زلنا نعتقد أن الشيخ ربيعًا عالمٌ من علماء الدعوة السلفية، وصاحب قلم مُسدَّد في كثيرٍ مما كتبه، وأنّ على إخوانه أن يحفظوا عرضه في غيبته، وأن ينصروه؛ كما يجب ذلك عليه لإخوانه من الدعاة السلفيين الذين نصر الله بهم الدعوة في بلاد كثيرة.
نصيحتي لكل من لا يزال يُحاول ممارسة النميمة بين السلفيين: أن يتقي الله في نفسه، وينصرف لطلب العلم الشرعي، وهذا هو ما تطرَّق إليه الشيخ ربيع؛ في مناصحته الأخيرة التي ألقاها في المدينة النبوية. إلى غير ذلك مما كتبته في هذه الرسالة.
سنة 2008 ؛ وجَّه إليّ أحد الإخوة سؤالاً: فضيلة الشيخ الكريم –وهذا من حُسن ظنه- من المعلوم بداهة ما للشيخ ربيع من أيادٍ بيضاء في الدفاع عن هذا المنهج المبارك، ولكن بعض الناس ممكن يعكرون الماء الصافي ليصطادوا فيه؛ يطعنون في العلاّمة الشيخ ربيع، ويتّهمونه بالتشدُّد تارة، وبالحدادية تارة أُخرى، ويتزيَّون بزي أهل العلم، ويُلمعون للأسف أهل البدع، فهل هؤلاء سلفيون، وهل الشيخ ربيع –حفظه الله-* طعن فيه أحد السلفيين، وجزاك الله خيرًا ؟************
الجــواب: الشيخ ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله وبارك في جهوده وجهاده- من أشهر علماء الدعوة السلفية المعاصرين، وعلاقتي بالشيخ ربيع –حفظه الله- ترجع إلى ما يزيد عن 25 عامًا، عرفتُه خلالها المدافع عن العقيدة والمنهج، الحريص على نقاء السلفية والسلفيين، وأصول الشيخ –حفظه الله- في ذلك كلِّه هي أصول السلف الصالح، وهو مُتّبعٌ في ذلك لأشياخنا الذين مَضَوا على خير، كشيخنا الألباني وشيخنا ابن باز وشيخنا العثيمين رحمهم الله، ورميُ الشيخ بالتشدُّد والعُنف إفكٌ بلا مَثنَوِيَّة، فالشيخ من أحسن من عرفتُ خُلقًا، وألْيَنُهُم عريكةً، وأطيَبهم عِشرةً، تألفُه ويألفُكَ دون حرج، ولكنه صلبٌ في موقفه، وبِخاصة في شأن أهل البدع والأهواء، وهذا ما يُمليه عليه موقفه وموقعه ومكانته، فقد بوَّأه الله الصّدارة في هذه الدعوة المباركة، ومثله لا يصِح إلا أن يكون واضِحًا ناصِحًا، كلامه لا يقبل القسمة والتمييع والالتقاء في وسط الطريق، وقد خَبَرتُ الشيخ –حفظه الله- فكانت نظرتُه في أغلب الأوقات في الرجال والجماعات والأحزاب والفِرَق موَفقة بتوفيق الله، ومع ذلك كله؛ فالشيخ –حفظه الله- كباقي أهل العلم؛ يُصيب ويُخطئ، فما أصاب فيه فله أجران، وما أخطأ فله أجرٌ –إن شاء الله- .وأما رميُ الشيخ في منهجه ووصفه بالحدادية؛ فذلك والله عيْبٌ وشنارٌ على قائله، فإن الشيخ –حفظه الله- من أوائل من وقف لمحمود الحدّاد المصري ومنهجه، ورَدع عبد اللطيف باشميل وفِرقته؛ وردّ عليهم وعلى شُبهاتهم، وأقام عليهم الحجة، ودمغ باطلهم بالبينات، ولا شكّ أن الطعن في منهج الشيخ ربيع، المنتقص لجهده وجهاده ضِدّ أهل الأهواء والبدع؛ طعْنٌ في الدعوة السلفية، وهل يطعن السلفي في دعوته(؟!)، وهذا ليس خاصًّا بالشيخ ربيع –وفقه الله-؛ وإنما هو عامٌّ في كل علماء الدعوة السلفية ومشايخها؛ الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومن من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً ". هذا كلامي في الشيخ ربيع على مدار 25 سنة، لم يتغيّر ولم يتبدل ولن يتبدّل بإذن الله تبارك وتعالى؛ ما دام يجمعنا بالشيخ الربيع منهج ودعوة وعقيدة وجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى ضد أهل الأهواء والبدع والحزبيين، (والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).اهـ.
وقال في المصدر ذاته:
" ثـــامنــًا: لقد بيَّنتُ ولو بعد حين؛ موقفي الصريح من المأربي والمغراوي ومن قبل في عرعور والحويني ومحمد حسان وأمثالهم، وعندما رأيتُ انحراف الفئة الباغية نحو هؤلاء الضلال وأمثالهم من أهل البدع؛ كمجموعة الإسكندرية؛ أعلنتُ نصرتي وموالاتي لإخواني السلفيين في الحجاز كالشيخ ربيع وإخوانه علماء المدينة، وإخواني السلفيين في اليمن كالشيخ يحيى وإخوانه من طلاب العلم، والكُلُّ يعلم أن هؤلاء ومن كان معهم هم فئتي التي أتحيَّزُ لها في المنهج والدعوة والعقيدة" اهـ.
وقال في حاشية **كتابه "لماذا اخترت المنهج السلفي؟" وهو عندي في مجلد مجموع تحت عنوان "جامع الرسائل في مهمات المسائل" (ص/118) يحوي بعض مصنفات الشيخ –حفظه الله- وقوله الآتي جاء في معرض سرده أسماء أهل العلم القائلين بأن أهل الحديث هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة فقال حفظه الله: "وقد أوردت أقوالهم معزوة إلى مصادرها في كتابي: "اللآلئ المنثورة في أوصاف الطائفة المنصورة والفرقة الناجية".
وكذلك بسطها الأخ الكبير الشيخ أبو محمد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ورعاه في كتابه "أهل الحديث هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية"اهـ.
وفي المصدر ذاته أحال إلى كتاب للشيخ ربيع مثنيا على الشيخ أيضًا كما في حاشية الصفحة بعدها فقال: "مأخوذ -بتصرف- من جزء "مكانة أهل الحديث" لأخينا الكبير الشيخ ربيع بن هادي –حفظه الله ورعاه-.
وهذا بعض ما وقفت عليه وربما فاتني الشيء الكثير، فالشيخ –حفظه الله- ممن أثرى المكتبة الإسلامية بتواليفه التي تمتاز بصبغة نادرة أو قليلة كالحديث على بعض الجوانب المهمة التي تكون الأمة في أمس الحاجة إليها، أسأل الله لنا وله المزيد والسداد، وما ذكرناه من أمر الشبهة* فيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وأختم بما ختم به الشيخ سليم حفظه الله إحدى لقاءاته حيث قال ونعم ما قال:
أسأل الله أن يُبصرنا بعيوبنا، وأن يستر لنا عيوبنا وعوراتنا، وأن ينصر دعوتنا، ويجمع شملنا مع إخواننا، وأن نكون نَصَحة وليس فَضَحة، وأنا أقول من هذا المنبر، وهذه الجلسة، وفي هذا الجمع الطيب المبارك لإخواننا في اليمن وفي غيرها: أن من كان عنده ملاحظة عليّ فليُرسلها إليّ؛ يُناصحني، والله إني أفرح بها كما أفرح بولد لي، أو بهدية ثمينة تُهدى إليّ، ورحم الله الشاطبي الذي قال:
عِداتي لهم فضلٌ عليّ ومِنَّةٌ *** لا أبعدَ الله عنِّي الأعـادِيَ
هم بحثوا عن زَلَّتي فاجتنبتها *** وهم نافسوني فاكتسبتُ معاليَ
نسأل الله أن يغفر لنا ما لا يعلمون، ويجعلنا خيرًا مما يظنون.
وجزى الله إخواننا في دمّاج وفي غيرها، الذين سارعوا إلى السؤال، وسارعوا إلى الاستفسار، وسارعوا إلى معرفة الواقع الصحيح، فأسأل الله أن يجزيهم عنّا خير الجزاء، وأن يُمتِّعهم في هذه القلعة السامقة، القلعة القوية؛ قلعة السلفيين في اليمن، وأن يُبارك في شيخها؛ الشيخ يحيى، وأن يُبارك في إخوانه أيضًا في كل بلاد اليمن، في عدن، وفي أبيَن، وفي معبر، وفي مفرق حُبيش، وفي صنعة، وفي ذمار، وفي تعز، وفي إب، هؤلاء الإخوة الذين وجدنا منهم كل التزام بالدعوة السلفية، نسأل الله أن يوفقهم، ويشرح صدورنا وصدورهم، ويجمعنا على منهج حق، ودعوةٍ صافية، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه"اهـ.
ولي –إن شاء الله- حلقة أو أكثر في أيام قريبة جدًّا للوقوف على اعتراضات أُخر ، يسَّر الله ذلك بحوله وقوته، ولا حول لنا ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
فرغ من تحريره الفقير إلى عفو ربه
أبو الدرداء عبد الله أسكناري
بعد ظهر يوم الخميس 28 صفر 1432هـ
أكادير –تيكوين- المملكة المغربية حرسها الله وسائر بلاد الإسلام من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
[1] - كذا بالألف في طبعة الكتاب عندي طبعة مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى، وهو خطأ مطبعي كما يبدو والصواب: يدفع، والله أعلم.
[2] - وبث الشائعات عكاز* أعداء الإسلام وأذنابهم -وسائر أهل الشر- وهو من* أعظم ركائزهم* في بث دعاياتهم المضللة وإبراز عضلاتهم ، ووسائل الإعلام في العصر الحديث تعد من أهمها، فليحذر المسلمون من أن يكونوا عونا للأعداء من حيث لا يشعرون.
*[3] - لو سلَّمنا جدلا بصحة شيء منها لكان ميدان حل النزاع فيها عائدًا إلى المواطن الخاصة بفك النزاع في مثل هذه الأشياء كما نبه على ذالك العلامة المجاهد يحيى بن علي الحجوري –حفظه الله-، وليس ذلك موكولا لبعض من تسنم لهذه المرتبة قدحًا وذمًّا للحكم في ذلك كما هو حال أقزام القضاة (!) الجهال المجاهيل في دركات الشبكات الخلفية الهزيلة، الذين يفركون أيديهم فرحًا بما لديهم .وسخرية بفضيلة الشيخ سليم –حفظه الله-، فلا بُدَّ من وضع الأشياء في مواضعها، وإتيان البيوت من أبوابها؛ وإلجام أشباه العوام عن الخوض فيما ليس من شأنهم، وإلاَّ فما أكثر من قد يدعي مثل ذلك وزيادة على غيرهم، فهل تراهم يسلمون بمثل هذه الحلول من هؤلاء الفلول؟!
أم أن الأمر سيأخذ مسارًا آخر ؟
فاربأ بنفسك يا طالب الحق أن ترعى مع من سفه نفسه، وركب رأسه، وإلا فلا إخالك ناجيًا.
*
[4] - وهذه العبارة على كثرة من يستعملها في مثل هذا المقام؛ إلا أن استعمالها على الوجه المذكور مردود ردئ فاسد مستهجن غير صحيح البتة، وللإفادة أُحيل القارئ الراغب في الوقوف على تفصيل هذا وغيره على كتاب الشيخ العلامة الدكتور الرحالة محمد تقي الدين الهلالي المغربي –رحمه الله- الموسوم بـ"تقويم اللسانين"، والعبارة المنتقدة في غرة الفصل الثاني منه (ص/19)، وهذه ذكرى لي ولغيري، والذكرى تنفع ...
[5] - وهذه الحلقة سأكتفي فيها بدحر هذه الشبهة، وما بعدها –يسر الله ذلك بحوله وقوته- سيكون الحديث فيها -إن شاء الله- على بقية الشبه، وعلى الله قصد السبيل.*
[6] - وهذا طبعًا قد بلغ أشده عند أن أعلن الشيخ –حفظه الله- نصرته لإخوانه في دماج وغيرها ممن هم على درب السلف، والحرب عليه حرب على إخوانه ... ، ولا يبعد أن يكون هذا التهديد بسبب هذه النصرة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" والحديث رواه البخاري وغيره.
[7] - وهو أحد المفلسين الأفاكين وقد ردَّ عليه شيخنا أبو أسامة –حفظه الله- ردًّا فأفحمه، وهكذا ردَّ عليه غيره.
[8] - السائل هنا حاد عن الواقع لأنه وغيره ممن أعوزهم البرهان يجعلون الشيخ ربيعًا –حفظه الله- هو المرجع، ولو أنه قال كما نبه عليه أحد إخواننا –وفقه الله- من أن الأولى القول بأنه من مرجعياتنا لكان أوفق، فليحذر المرء من مثل هذا الغلو، فإنما هلك من كان قبلنا بالغلو في الدين.
تعليق