ملحوظات على كتاب وقفات مع الدكتور القرضاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلاة الله وسلامه على نبينا محمد و على آله وصحبه و أتباعه المحسنين إلى يوم الدين .
أما بعد ؛ فإنه قد وقع بين يدي كتاب " وقفات مع الدكتور القرضاوي في بعض كتاباته " للمدعو عبد الرحمن برير (صهر المغراوي) ، وذلك سنة صدوره ( 1421هـ )، و الذي أتاني بالكتاب مغراويٌ أراد أن يبين لي بزعمه أن المغراوي و أصحابه مخالفون للحركيين و يردون عليهم أغلاطهم و بدعهم . فقلت في نفسي قبل قراءة الكتاب متمثلا قول مروان بن محمد الطاطري : ثلاثة لا يؤتمنون :
القصاص
و الصوفي
و المبتدع يرد على المبتدع ) ترتيب المدارك للقاضي عياض اليحصبي .
ثم قرأت الكتاب فلاحظت بالفعل نَفَسا مغايرا لنفس و طريقة ردود علمائنا ، فدونت عليه بعض الملاحظات ارتأيت أن أخرجها الآن ، خاصةً و أن الكتاب قد خَرَج بعناية و تتبع المغراوي كما قرر صاحب الكتاب في المقدمة . فإلى هذه الملاحظات :
ثناء بالكذب على القرضاوي
قال برير : (( و الحمد لله ، فقد عرف العالم الإسلامي نهضة دينية مباركة ، تجلت في رجوع الشباب إلى دينهم : علما و عملا و دعوة و سلوكا ، واتسمت باتساع الفكر الإسلامي المعاصر ،و ذلك بظهور رواد كان لهم الفضل – بعد الله تعالى – في انتشار أمر هذه الصحوة ، وبلوغها الآفاق . رافق ذلك كله انتشار غزير ، متنوع الاهتمامات ، حاول أصحابه معالجة شؤون الحياة المختلفة : من سياسة واقتصاد واجتماع ...إلخ على هدى تعاليم الإسلام .
و كانت لهم مواطئ صدق في نصرة الدين ، و الذب عن معالمه ، و إيضاح مبادئه ، و إزالة ما تراكم عليه من سحائب البدع و الخرافات و العادات ....التي طمست نوره عن العقول و القلوب . فأجادوا في ذلك و أفادوا . و أظهروا كفاءة نادرة المثال . و عملوا – أثابهم الله – على إرجاع الشرع لحكم الحياة كلها ، فتحملوا الأذى الوبيل ، و صنفوا الكتب الطافحة بصدق الإحساس و نبل الغاية ، و تدفق العاطفة.ولا غرابة أن ينتابهم ما يصيب الناس جميعا من الكبوات و العثرات ، لوعورة الطريق ، واختلاط المسالك . و نهوضهم بعد سقوطهم من تمام بشريتهم " فكل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون " .
وليس عيبا أن يخطئ المرء ، ولكن العيب أن يتمادى في خطئه . لهذا فواجب المسلمين اليوم هو غربلة هذا الإنتاج الثر ، فيقررون ما شهد له الكتاب و السنة بالصحة . ويردون ما كان بمنأى عنهما . ولا ينبغي أن نخاف من الأسماء مهما اكتسبت من ثقل في واقع الناس . فالكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و في هذا الإطار يجيء اختياري لهذا الموضوع . واتخذت فيه كأنموذج للدراسة كتابات الدكتور يوسف القرضاوي الذي يعد أحد رموز هذا الفكر .
يتميز بغزارة الإنتاج ، حيث نيفت كتبه على الخمسين كتابا . تتوزع اهتماماته فيها على أبواب شتى ، تشمل العقيدة ، والفقه ، و الدعوة ، و الفكر ، و الرد على شبه المارقين من شيوعيين و علمانيين .
و من أهم هذه الكتب : العبادة في الإسلام ، الفتوى بين الانضباط و التسيب ، الحلال و الحرام ، فقه الزكاة ، فتاوى معاصرة ، الصحوة بين الجحود و التطرف ، حقيقة التوحيد ، الإسلام والعلمانية وجها لوجه ، شريعة الإسلام ، عوامل السعة والمرونة في الشريعة ، أولويات الحركة الإسلامية ، كيف نتعامل مع السنة ...إلخ .
و للرجل أياد بيضاء في مواجهة التيارات الدخيلة على الأمة . أعمل جهده لنقض بنيانها ، وبيان تهافتها . ولكنه جانب الصواب في عدة مسائل ، تشمل العقيدة و الحديث و الفقه و المنهج . و أهم القضايا التي تناولها بالدراسة ما يلي :
1- بيان مرونة الشريعة ، وشمولها ، و صلاحها للتطبيق على الدوام .
2- مسألة التطرف الديني .
3- الرد على شبه العلمانيين .
4- الفقه .
5- تأصيل قواعد التعامل مع نصوص الشرع : الكتاب و السنة .
6- دراسة هموم الصحوة الإسلامية، وبيان السبل الكفيلة للنهوض بها .))اهـ من ص: 6-7
قلت : هذا الكلام واضح لا يحتاج إلى تعليق ، وقد كنت عنونتُ له بـ :( موازنته في القرضاوي ) حتى نبهني أحد المشايخ الأفاضل إلى أن كلام الرجل أكبر من الموازنة إذ : (الموازنة : هي ذكر حسنات المبتدع الحقيقيّة عند الرّدّ عليه ؛ فأمّا ذكر أشياء مختلقة - كما فعل المؤلّف - فهذا شيءٌ أبشع من بدعة الموازنة .) .
لكن بقي أن أنبه على أمرين :
1- استعماله لمصطلح : ( الفكر الإسلامي ) وقد حذر منه علماؤنا ؛
فهذا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله يسأل عن مصطلح (فكر إسلامي ) و ( مفكر إسلامي ) ؟ .
فأجاب قائلا : كلمة (فكر إسلامي ) من الألفاظ التي يحذر عنها ، إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد ، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر .
أما (مفكر إسلامي ) فلا أعلم فيه بأسا لأنه وصف للرجل المسلم والرجل المسلم يكون مفكراً .) المناهي اللفظية .
2- ذكره لعبارة :" فكل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون" وجعلها بين العلامتين :( "..." ) يوهم أنه من كلام النبي صلى الله عليه و سلم كما درج عليه كثير من الناس ، و الحقيقة أنه حديث ضعيفٌ آفته في كل طرقه عليُ بن مسعدة . قال الترمذي في ( الجامع ) : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة .
قال المناوي في ( فيض القدير) : قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة اهـ
قال الحاكم صحيح ، وقال الذهبي : بل فيه لين ، وقال في موضع آخر فيه ضعف ، وقال الزين العراقي : فيه علي بن مسعدة ضعفه الإمام البخاري اهـ
وقال الإمام أحمد في ( العلل للخلال ): هذا حديث منكر .
و للشيخ معاذ بن يوسف الشمري حفظه الله بحثٌ في تضعيفه .
دعوته للقرضاوي بالحفظ والبقاء
قال في الصفحة 211: ( و اعتماد الشيخ حفظه الله و أبقاه ! على مذهب مفتي مصر الأسبق ، وهو إباحة التصوير الفوتوغرافي ليس خليقا بأهل العلم ، لأن عادة العلماء أن تكون أقوالهم مستندة إلى القرآن و السنة ، وفهم الصابة ، ثم لا بأس بالاستئناس بأقوال أهل العلم و الفضل . هذا ما درجوا عليه ، وجعلوه سنة يقصون أثرها جيلا عن جيل .)
تزكية عبد الله السبت
في هامش الصفحة 23 قال : ( راجع كتاب " شيخ الأزهر " للشيخ الفاضل : عبد الله السبت لتعرف من هو الشيخ الأكبر الإمام ؟ )
جعله التوسل البدعي شركا
قال : ( وجعل التوسل متعلقا بكيفية الدعاء يخرجه إلى مفهوم العبادة . إذا كان الدعاء أعظم أنواعها فلا يجوز فيه إلا ما ورد في الكتاب و السنة . ولم يأت فيهما البتة الدعاء بجاه فلان أو حقه أو بركته ، و إنما أمرنا بدعاء الله عز وجل دون واسطة .
قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
و قال سبحانه وتعالى : (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )
و قال سبحانه وتعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )
فإذا اقترن بالتوسل بذوات المخلوقين أو جاههم أو بركتهم أو حقهم فهي شرك و العياذ بالله . ومن تعلق التوسل بالعقيدة أنه لو كان أمرا فرعيا يتعلق لكيفية الدعاء فقط لترتب عنه حينئذ حكم البدعة .)) ص:81
قال العلامة العباد معلقا على قول العلامة الصنعاني : (قد عرفتَ مِن هذا كلِّه أنَّ مَن اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو مَلَكٍ أو جنيٍّ أو حيٍّ أو ميت أنَّه ينفع أو يضر، أو أنَّه يقرِّب إلى الله، أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به والتوسل به إلى الرب تعالى، إلاَّ ما ورد في حديث فيه مقال في حقِّ نبيِّنا محمد أو نحو ذلك، فإنَّه قد أشرك مع الله غيره) .
قال حفظه الله : (التوسل الذي هو شرك أن يجعل المتوسل به واسطةً بينه وبين الله، يدعوه ويطلب منه الشفاعة، أمَّا إذا سأل الله بجاه فلان مثلاً، فإنَّه بدعة وليس بشرك، وإذا توسَّل إلى الله عزَّ وجلَّ بدعاء الداعي فإنَّه سائغ؛ لثبوت ذلك عن عمر في صحيح البخاري (1010) قال: (( اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقنا ))، وقد توسَّلوا بدعاء النبيِّ في حياته، ولم يطلبوا منه دعاء بعد موته، بل طلبوا من العباس أن يدعو، وتوسَّلوا بدعائه، ويدلُّ له أيضاً توسُّل الأعمى بدعاء رسول الله له أن يردَّ إليه بصره، وهو حديث صحيح، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والطبراني والحاكم، انظر: التعليق على المسند (17240)، وكتاب التوسل للألباني (ص:67).
و قال الشيخ صالح السحيمي في شرحه لنواقض الإسلام ( اتحاف الكرام البررة بشرح نواقض الإسلام العشرة ) : ((و أنبه في باب الشفاعة - لعلي أختصر المسألة في ضرب مثل والسؤال عنه - هناك ثلاثة أصناف :
لو قال قائل : الشفاعة يا رسول الله .
و ثان قال :اللهم إني أتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم .
وثالث قال : اللهم ارزقني شفاعة نبيك أو لا تحرمني من شفاعة نبيك أو اشملني بشفاعة نبيك .
ما حكم هذه الأقوال الثلاثة ؟ - استوعبتموها يا إخواني ؟ - ثلاثة أشخاص ؛ واحد قال : اشفع لي يا رسول الله ، أغثني يا رسول الله ، الشفاعة يا رسول الله . الثاني قال : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك ، أو أتوجه إليك بجاه نبيك . الثالث قال : اللهم لا تحرمني من شفاعة نبيك ، اللهم اشملني بشفاعة نبيك ، اللهم ارزقني شفاعة نبيك ، أو نحو ذلك . فما حكم هذه الكلمات الواردة -أريد الجواب منكم بسرعة - ...
الأول : شرك ، و هو إذا قال : الشفاعة يا رسول الله ، هذا شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام ، لا يقبل الله من صاحبه صرفا ولا عدلا إلا أن يسلم من جديد .
و الثاني : بدعة ؛ لأنني مرة سمعت واعظا يعظ الناس فيذكر التوسل مثل : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك ، ويقول إن هذا مشرك خالد مخلد في النار، وهذه مشكلة أيضا و فيها خلط ؛ هذا العمل لا شك أنه خطير ولكنه ليس بشرك وإنما هو ماذا ؟ بدعة من البدع ؛ التي لا تخرج من دائرة الإسلام لاشك أن البدع خطيرة بل قد يجر هذا الكلام في نهاية المطاف إلى ماذا؟ إلى الشرك . لكن إذا اقتصر على هذا الكلام لا نقول إنه مشرك، وإنما نقول إنه ماذا؟ مبتدع .
الثالثة : إذا قال اللهم ارزقني شفاعة نبيك ، أو لا تحرمني شفاعة نبيك أو نحو ذلك ، فهذا هو التوحيد المحض هذا هو التوحيد لأنك تسأل الشفاعة من الله كما قال الله جل وعلا : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} ( )وقال تبارك وتعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [ ] لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشفع حتى يستأذن الله عز وجل في الشفاعة . إذن طلب الشفاعة من الموتى شرك أكبر بالله عزو جل حتى ولو كان هذا الميت نبيا من الأنبياء أو صالحا من الصالحين .))
قلت : وقد قرر صاحب الكتاب في صفحة 82 بأن كل توسل خارج عن المعاني الثلاثة المشروعة هو توسل بدعي ، وهذا هو الحق ، و قوله الأول خاطئ و قد رددت عليه فيه .
الإحالة على كتاب سلمان العودة
قال معلقا على قول القرضاوي :( شيخنا الشيخ محمد الغزالي ) في هامش ص:155 ( شيخه الذي يرد الحديث و إن صح ، ويقبل الحديث و إن وهى سنده ، تمشيا مع فهمه وعقله ، صرح بهذا في مقدمة كتابه "فقه السيرة" و من أراد الوقوف على بعض زلقاته فليراجع كتاب " حوار هادئ مع محمد الغزالي " لسلمان بن فهد العودة . و ك" كشف موقف الغزالي من السنة و أهلها و نقد بعض آرائه" للشيخ ربيع بن هادي المدخلي .)
قلت : رحم الله الإمام ابن عثيمين لما قال عن أشرطة سلمان وسفر : (الخير الذي في أشرطتهم موجود في غيرها وأشرطتهم عليها مؤاخذات بعض أشرطتهم ما هي كلها ولا أقدر أميز لك – أنا – بين هذا وهذا ) و ما قيل في الأشرطة يقال في الكتب إذ لا فرق . و الله أعلم
انتهى ما أردت بيانه و سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
الزاكوري 24 ربيع الثاني 1429
تعليق