بسم الله الرحمن الرحيم
الصارم المنكي
في قطع لجاج أسامة عطايا العتيبي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا فاهدي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن مطاردة الظلمة المعتدين، وكشف زيف أقوالهم، وحيف أحكامهم، وتناقض أقوالهم، وزغل تعالمهم، وزيغ مذهبهم، وشطط غلوهم، لمن أهم الأسباب في صدِّ عدوانهم، وقطع لجاجهم، ونكاية لأعوانهم ونظرائهم وأحلاسهم، ويزيد ذلك أهمية حينما يوجد من يُطبل لهؤلاء وينفخ فيهم لأغراض مكنونة، وأهداف منطوية على شرور مبيتة.
يقول الله جل وعز في كتابه الكريم : ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء:148]، ويقول سبحانه :﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [فصلت: 39-42]؛ وقال ربنا بعدها : ﴿ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾.
قلت: في هذه الآيات مشروعية انتقام وانتصار المظلوم وأخذه الحق من المسيء والظالم المعتدي من غير عدوان عليه.
قال ابن جرير الطبري في"جامع البيان": " فالصواب في تأويل ذلك: لا يحب الله، أيها الناس، أن يجهر أحدٌ لأحد بالسوء من القول "إلا من ظلم"، بمعنى: إلا من ظلم، فلا حرج عليه أن يخبر بما أسيء عليه.
وإذا كان ذلك معناه، دخل فيه إخبار من لم يُقْرَ، أو أسيء قراه، أو نيل بظلم في نفسه أو ماله= غيرَه من سائر الناس. وكذلك دعاؤه على من ناله بظلم: أن ينصره الله عليه، لأن في دعائه عليه إعلامًا منه لمن سمع دعاءه عليه بالسوء له.اهـ.
وقال ابن سعدي في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" (ص/212) : يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله. ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين.
وقوله:﴿إِلا مَن ظُلِمَ﴾ أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾. اهـ.
وفي قوله سبحانه:﴿فمن عفا وأصلح ..﴾ الآية، وقوله ﴿ولمن صبر وغفر ..﴾ الآية؛ إرشاد إلى أفضلية العفو والصفح عن المسيء ما لم يكن ذلك من شيمه وسجاياه؛ فإن كان كذلك فردعه واجب بلا مثنوية، قال ابن جرير الطبري في تفسيره : فإن قال قائل: وما في الانتصار من المدح؟ قيل: إن في إقامة الظالم على سبيل الحقّ وعقوبته بما هو له أهل تقويما له، وفي ذلك أعظم المدح.اهـ.
وقال ابن سعدي في تفسيره لسورة الشورى (ص/760)-: وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.اهـ
وبعد فقد رددت منذ أسابيع خالية على المدعو أسامة عطايا العتيبي في مقالين، بينت فيهما بإيجاز مختصر تجنيه علينا وعلى إخواني السلفيين بأكادير، وتمثل ذلك في إصداره أحكاما جائرة دون أن يستند في ذلك على حجة معتمدة؛ بله ولا حتى شبهة بالية، ولم يمر على ذلك إلا أيامًا قلائل حتى فاجأنا الدعي من جديد بكلام في غاية السوء والنزول إلى مستوى الانحطاط الأدبي، وقد سار في كلامه الجديد على نمط كلامه الأول من تهويل وتجديع وتبديع و. ..إلخ، وعلى هذا؛ فإني سأجرد قلمي لصد عدوان هذا الدعي وردعه، وقطع لجاجه –إن شاء الله-، ليرجع إلى الحق إن كان لا يزال عنده شيء من الإنصاف، أو﴿يهلك من هلك عن بيِّنة ويحيى من حيَّ عن بينة﴾.
لا ترجع الأنفس عن غيِّـها *** مـا لم يكن لها من الله رادع
وعلى هذا فإني سأورد على القارئ أمثلة من تجاوزات هذا الجاني على نفسه وعلى غيره وإن كنت أقول ولا أزال عند قولي أن كلام هذا المفلس فينا من قبل ومن بعد؛ هو عليه في الحقيقة؛ لا علينا –ولله الحمد-، وسأبيِّن قبل ذلك حال من نزل عندهم هذا المأجور المفلس ولو موجزًا ليعلم القارئ أن الجاني يتكلم بغير علم، وكيف أنه حشر أنفه كالجعل في النتن ولم يخرج من ذلك بطائل.
فأقول : ليُعلم أولاً أن من نزل أسامة عطايا عندهم هم من بلدتنا وخالطناهم وعاشرناهم دهرًا من الزمن، والقاعدة أن "بلدي الرجل أعلم به من غيره"، وهؤلاء الذين بيدهم دار الحديث حاليًا على قسمين:
الأول: وهم الأكثر؛ وهؤلاء خلافنا معهم قديم، وقد هجرناهم وحذرنا منهم ومن أخطائهم لأشياء ليس هذا محل بسطها كلها؛ لكن لا بأس من بيان بعضها؛ فمنها : تمييع الدعوة بمخالطة المخالفين دون مسوغ شرعي، واتهام الناصحين لهم بالتشدد والغلو مع العلم أننا جلسنا معهم جلسات لسد الخلل، ورأب الصدع، وردع المخطئ كي لا تتوسع هوة الخلاف؛ علمًا أن موقفنا منهم في الجملة وفي بعض أفرادهم مبني على كلام أهل العلم كالشيخ ربيع، والشيخ أحمد بن يحيى النجمي –رحمه الله- وغيرهما وهي مسجلة، واستنادهم في تمييعهم لبعض أقوال أهل العلم كرسالتي الشيخ عبد المحسن العباد "رفقًا .." و"الحث .."، وهكذا في إحدى أقوال الشيخ العلامة الألباني في مسألة الهجر، وعلى بعض عبارات الشيخ ربيع في الألفة وغيرها، وفعلهم هذا نظير أو أقرب ما يكون من فعل الذين يتبعون ما تشابه من الوحي كتابًا وسنة ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وفيهم من قدح في ولي أمرنا حتى قال قائلهم : لو كان العلماء بالمغرب لكفَّروا " ... "!، وفيهم أيضا من طعن في الشيخ المحدث العلامة اليمني مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله- وأن زوجته –ذكرها الله بخير- غلت فيه لما وصفته بالمحدث؛ وليس كذلك زعم-، وهكذا طعن هذا أو غيره على الشيخين الجليلين الألباني والنجمي –رحمهما الله-، وأشياء أخرى
مساوئ لو قسمن عَلَى ال *** غواني لما أمهرن إلا بطلاق
القسم الثاني: هؤلاء أقل ممن سبق عددًا، وهم من قريب كانوا في صفنا متحابين ومتناصحين فيما بيننا، وهم في الظاهر –والله أعلم بالسرائر- معنا على موقفنا من السابقين المميعين، وبين عشية وضحاها قلبوا ظهر المجن كما يقال؛ طعنًا وقدحًا من غير برهان، وتذرعوا لذلك ببعض المسائل السخيفة التي لم يثبتوا صحتها ولو أثبتوها جدلاً لم يصح منهم في ذلك قول ولا فعل مما أثاروه وشغبوا به علينا، وأذكر يقينا أننا جلسنا معهم جلستين بدار الحديث –سابقًا فتنبه!-، كان آخرها بعد جدل ونقاش طويل فحددنا فيه النقاط المشكلة، وقررنا قولا واحدًا أن تُرفع لأهل العلم؛ فلما خرجنا على هذه النتيجة استبشرنا خيرًا، لكن مضى على ذلك أياما ولم نر تحقيقًا لهذا الوعد ولا السعي فيه؛ بل يصلنا ما ينقض ذلك من سب وطعن وتكتلات هنا وهناك على طريقة الحزبيين والحركيين الماكرين، فكتبتُ في ذلك رسالة ضمنتها نصائح توجيهية, وحذرت فيها من مغبة ما هم عليه وذكرتهم بما أعتقد أنه أنفع لنا ولهم، ووزعناها، ثم مضى على ذلك أسابيع إن لم أقل شهرا أو ما يقارب الشهرين ولم نر منهم إلا الشغب والتضليل والأحكام الجائرة، فكتبت رسالة أوسع من الأولى حذرتُ فيها من بعض أفكارهم الحزبية، وبيَّنتُ فيها انطلاقًا من واقعهم وأقوالهم ما يدل على انحراف ما هم عليه وهي بعنوان "النصائح المنجية من بعض الأفكار الحزبية"، ورمى بعضهم أو جلهم الناصح بالمتعالم والجاهل و ...(!)؛ دون مسوغ يُذكر، ولا أدب يُحتمل، مع العلم أنهم كانوا قبل ذلك يجلونه ويتوددون عنده للفائدة أو الرغبة للكتابة في بعض المسائل وما إلى ذلك، بل وما طعنهم في أخينا الفاضل المكرم علي بن صالح الغربي ببعيد، وأخونا هذا له من الفضل علينا وعلى الناس بعد الله في هذه البلاد خاصة ما يعرفه له ذووا الفضل، وهم قبل ذلك لا ينكرون جهوده، لكن القوم كشيخهم النكرة في سلاطة اللسان و"الطيور على أشكالها تقع"، وقد ألزمناهم انطلاقا من أحكامهم بلوازم حاروا فيها جوابًا، ولو لم يكن في هذا كله إلا تقلباتهم من غير برهان لكفى ذلك العقلاء والنبهاء؛ كما قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :" إن الضلالة حقّ الضلالة أن تعرف ما كنتَ تنكر, وتنكر ما كنت تعرف"، فكيف إذا أضيف لذلك باقي الشطحات والتجاوزات، وفي خِضم هذا التقلب والشطط؛ رأيناهم قد انحازوا للطرف الأول بدعوى لم الشمل ودرء الفتن!! ولم نر أي مطالبة منهم للطرف الأول بخصوص التراجع عن مخالفاتهم وإصلاح مخلَّفاتهم، بل وسعوا هوة هذه الشقة وصرح (كبيرهم!) أن دعوتهم ستشمل حتى المغراويين –أي ليسوا وحدهم فحسب؛فتنبه!- في مرحلة سيقدمون عليها والتي أطلق عليها مشروع الصلح(!) –المحدَث-؛ فاعجب لهذا أخي القارئ وحق لك العجب!
أما ظاهرة التخذيل فحدث ولا حرج، وهي من بين أقوى معاول المخذلين في توهين وتهميش الناصحين والقائمين على المخالفين والمناوئين، فلا هم نصروا القائمين بالواجب، ولا سكتوا عنهم؛ بل خذلوهم وتظاهروا بالتوقف والتورع؛ وظهر مع الأيام أنهم في الحقيقة مع الخصوم، وهذه ظاهرة سرت في الأولين ثم عادوا بها بعْدُ من تكثر بهم في الطرف الثاني، حتى أمسوا –أعني الطرف الثاني- يُكذبون أنفسهم بأنفسهم، لمَّا ألزمهم بعض الإخوان بأن يصدقوا القول في إخوانهم الجدد في بعض القضايا ، فأجابوا عن ذلك معتذرين بأقبح من ذنب: كذبنا عليهم في ذلك..!، كما حصل من (رئيس الجمعية) وغيره.
ولستُ أشمت بأحد ولا كان ذلك من شيمي –ولله الحمد-؛ ولولا أن الأمر يستدعي مني هذا الاستطراد الموجز ليقف القارئ على حقيقة ما كان، وأن العتيبي كاذب في مقاله؛ لمَاَ حركت القلم في بيان ذلك، والعتيبي هذا –أصلحه الله- يغلب على ظني أنه إنما حنق علينا لأمور ثلاثة لا رابع لها حسبما أعلم:
الأول: عدم حفاوتنا بقدومه لأكادير، بل حاول استمالتنا إليه, لكن خاب ظنه فرجع بخفي حنين، وقد أشرت إلى هذا أو نحوه في مقال سابق.
الثاني: ذعره واضطرابه مما حررته ردًّا على أحكامه الجائرة، وهما عبارة عن مقالين الأول منهما "رد عدوان النكرة المأجور أسامة عطايا المخذول" والثاني جاء عَقِبه وهو بعنوان: "يا سليط اللسان يا عائبًا للشيخ من أشر".
الثالث: كوني وإخواني نذب عن شيخنا ووالدنا المحدث الفقيه سليم الهلالي –حفظه الله-، وهكذا على شيخنا ووالدنا العلامة المحدث الفقيه الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري حفظه الله.
أما مناسبة حنقه علينا في ذبنا عن شيخنا أبي أسامة فهي أشهر من أن تُذكر.
وليس يصح في الأذهان شيء ** إذا احتاج النهار إلى دليل
لكن بقيت مسألة الشيخ يحيى –حفظه الله- وهذه وإن كنتُ لا أريد الاستعجال بلفت النظر إليها؛ لكن لا بأس فالمقام يستدعيه، والقرينة تنازعه، وهو أن أصابع الاتهام كثرت، وسلاطة ألسنة الجناة تداعت على النيل من خليفة الإمام الوادعي –حفظه الله- وإخوانه المشايخ في دماج وطلابهم وكذا على كُتَّاب الشبكة العلمية السلفية، ومن يثني عليهم ويذب عنهم سارعوا في التحذير منهم، ورميهم بالغلاة والحدادية و ..، والواقع خير شاهد عليه، ولا أستبعد أن العتيبي جبن في بيان أسباب طعنه علينا حتى لا يتفطن له العقلاء، لذا اكتفى بالإجمال الذي هو مطية أهل الأهواء والأغراض المهينة العاجزين كل العجز عن الإفصاح، ومقارعة الحجة بالحجة، فلجأ إلى هذه اللفلفة المفضوحة، لكن على من يلعب؟! السلفيون بالمغرب أنبل منه بمئات المرات، وليس من شيمهم الجبن والتمترس خلف الدعاوى الفارغة، بل يقارعون بالحجة، ويفندون بصووارم الحق كل ضجة، ولا يسعني إلا أن أقول له ولمن احتفى به واستقبله وتكثر به: هنيئًا لكم(بالشيخ!) }فذرهم وما يفترون {.
حقيقة صاحب المقال الذي عقَّب العتيبي بعده
قال العتيبي كما في منابره: "وما يحكيه الأخ من قديم ما حصل يوم ان كان ممسكاً بزمام الدار بعض اهل الفتن، ولكن قد قطع دابرهم والحمد لله ..
أقول أوَّلاً: صاحب المقال هذا هو المدعو "أبو الحارث الحسن السوسة –السوسي-" الذي يكتب بأسماء مستعارة كعادته من الجبناء والكذبة ، وقد كان الدجيجيل هذا إلى وقت قريب يحتفي بالنكرة ويشيد به، وكان -أعني العتيبي- يعمل مشرفًا في منتداهم "دعوة الشق" التي يسمونها بدعوة الحق تمويهًا، والتي يقبع على دركاتها وخلف كواليسها الحدادي المدعو "عماد فراج" الطاعن في العلامة الألباني والعلامة الشيخ ربيع وغيره، وهو وذنبه أبو الحارث من القائدين للمسيرة العوجاء المشؤومة باسم "جنس العمل!"، والعتيبي نكرهم وأوجس منهم بعد أن كان منهم، دون أن ينبس ببنت شفة –فيما أعلم- في بيان حالهم، بل الظاهر أنه لا يزال يثني على الحدادي المذكور، أما أبو الحارث فقد بيَّنت حاله في مقالي
"صعقة الزلزال على البغاة المعتدين المتسترين بزي السلفية لا على الشيخ سليم سلَّمه الله وسائر إخوانه أنصار الدعوة المحمدية"
والرجل يكذب ويرقع ويموه، ولعل الله ييسر وقتًا فنلقمه حجرا فيما أورده وإن كان ما سبق فيه كفاية، وحاله وحال غيره يُذكرني بقول القائل :
أو كلما طنّ الذباب زجرتُه *** إن الذباب إذن عليّ كريم
وقول الآخر:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا ** كان الحصى كل مثقال بدينار
جرأة العتيبي في اتهامه للسلفيين
وقول العتيبي: وما يحكيه الأخ من قديم ما حصل يوم ان كان ممسكاً بزمام الدار بعض اهلالفتن
أوَّلاً: العتيبي لا يعرف عن واقع ما حدث للسلفيين مع خصومهم إلا ما تلقفه من الفئة التي نزل عندها، وكلامه وما فيه من تخبط دليل عليه، وهو دخيل علينا، وما دام أدخل يده في القضية وليس له بها علم؛ فهو الملوم، والبادئ أظلم، وليته اعتذر على أقل حال، لكنه أبى إلا العناد، أسأل الله أن يعينه على نفسه، ويرده إلى رشده.
ثانيًا: قد بيَّنتُ حال من وصفه هنا بـ"الأخ" قبل أن ينزل العتيبي بأكادير بشهور إن لم أقل سنة فأكثر، وقبل أن أعرف موقفه من الشيخ سليم، فكن على ذكر من هذا.
ثالثًا: مقال أبو الحارث فيه الطعن على دار الحديث، ولم يعلق طعنه بقديم ولا حديث، وإلا فما مناسبة وضعه لهذا المقال حديثًا؟!، وتعليق العتيبي بعده إنما هو لنصرة تلك الدار دفاعا منه على من احتفى به واستقبله، والنيل غيظًا من الذين لم يرتضوه.
رابعًا: قوله: "يوم ان كان ممسكاً بزمام الدار بعض اهلالفتن"
أقول زمام الدار كان يديرها أبو العباس كرئيس ولعله لايزال، وبقية الأربعة أعضاء فيها، وهم بمجموعهم خمسة، ما بقي فيهم على الجادة إلا فردًا واحدًا ممن يصفه الباغي تهويلاً وكذبًا بـ"بعض أهل الفتن!" فتنبه أخي القارئ!
قوله: " وأبو الدرداء وأبو إبراهيم ومن معهما ممن كانوا في دار الحديث حدادية خلص، ومن أهل البدع الظاهرين المحاربين للسلفية في أغادير.
لا يخفى على المسلمين فضلا عن طلاب العلم ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من وعيد شديد لمن تصدى لأذية المسلمين والكلام فيهم قدحًا بغير حق، من ذلك قول ربنا عز وجل :} وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{، وقوله : }وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ{ وقوله : }وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ{ الآية، وغيرها من الآيات، والباغي يعلم ذلك وإني مذكر له بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ" والحديث في صحيح البخاري وغيره.
وقد بينتُ في كتابة لي سابقة أن العتيبي هذا مفلس، وحجته داحضة، وكلامه في ذمنا ليس عليه أثارة من علم، ولا قيمة له عند العقلاء، فهل تراه يرضى لو قابلناه بالمثل وأنه حدادي خالص، ومن أهل البدع الظاهرين المحاربين للسلفية ؟! لكن –ولله الحمد- ليس لنا مَثَل السوء، فماذا سمع مِنَّا ورآه من أوصاف الحدادية؟
ثم ليُسمِّ لنا من دلَّه وأخبره الخبر؟ فالوقوف على صحة الخبر عن طريق المخبر أمر لا مناص له منه، فإن كان هذا الوصف ممن استقبلوه؛ فلا عبرة به، وقد عُلِمت حالهم، وبناء الأحكام انطلاقا من السماع من طرف واحد في نزاع بين فئتين ظلم لا يقره عليه أحد، وإن كان الطعن من كيسه فقد عُرف إفلاسه من الحجة؛ وأيًّا كان فالذم عائد عليه لتبنيه القدح وإشهاره.وأين هو من قول ربنا سبحانه وتعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {.
ولا أظنه يجهل أن ثَمّ خلافا بيننا وبين من نزل عندهم وفي كلامه ما يوحي بذلك، فكيف سبحان الله يركن ولا يدري بحقيقة ما وقع إلى الذين كذبوا أنفسهم بشهادتهم، وهو من أقوى الأدلة في الجرح، ثم يعتمد على أخبارهم، وأخبار الآخرين الذين مضى على خصومتنا لهم ما يزيد على خمس سنوات تقريبا، ثم يخلص في أيام قليلة مكتفيا بالسماع منهم فحسب، ليخرج بهذه النتيجة من الأحكام الجائرة } تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى {.
والظاهر من كلامه أنه يستميت في الدفاع عنهم ويذم مخالفيهم ويحاربهم بلا هوادة كصنيعه بشيخنا سليم تمامًا مع اختلاف في بعض الجوانب، وهذا الذي يريده منه من نزل عندهم؛ أن يجعلوه كبش الفداء كما فعلوا قبله بأبي عبد العزيز وأبي الحارث قبل أن تنهال عليهم أقلام أهل السنة وردودهم.
ثم قال : ولكنهم شرذمة وحالهممكشوف والحمد لله ..
تأمل كيف يعيبنا بالقلة، وجَهِل أو أنساه عدوانه على الأبرياء جزاء سيئته أن القلة ممدَحَة وليست مذمة، وإنما يُذم ما تعلق به من الكثرة دون أن يُقيِّدها بموافقة الحق من كتاب الله جل وعز ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في "مسائل الجاهلية" : " السابعة
الاعتماد على الكثرة ، والاحتجاج بالسواد الأعظم ، والاحتجاج على بطلان الشيء بقلة أهله .
فأنزل الله تعالى ضد ذلك وما يُبْطِله ، فقال في " الأنعام " [ 116 - 117 ] :﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ .
فالكثرة على خلاف الحق لا تستوجب العدول عن اتباعه لمن كان له بصيرة وقلب ، فالحق أحق بالإتباع وإن قل أنصاره كما قال تعالى : ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ﴾ [ ص : 24 ] ، فأخبر الله عن أهل الحق أنهم قليل ، غير أن القلة لا تضرهم :
تُعَيِّرُنَا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا *** فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الْكِرَامَ قَلِيلٌ
فالمقصود أن من له بصيرة ينظر إلى الدليل ، ويأخذ ما يستنتجه البرهان وإن قل العارفون به ، المنقادون له ، ومن أخذ ما عليه الأكثر ، وما ألِفَتْهُ العامة من غير نظر الدليل فهو مخطئ ، سالك سبيل الجاهلية ، مقدوح عند أهل البصائر.اهـ
وقال أيضًا كما في مسائله على "كتاب التوحيد" /اُنظر الباب 3 "من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب":
"المسألة التاسعة: اعتباره بحال الأكثر لقوله: } رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس{. اهـ.
وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" (ص/63): قوله: (والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد) فيه الرد على من احتج بالكثرة.اهـ
وفي الحاشية تعليق من كتابه "قرة عيون الموحدين" يقول رحمه الله: " "والنبي وليس معه أحد " أي يبعث في قومه، فلا يتبعه منهم أحد. كما قال تعالى: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ. وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ{، وفيه دليل على أن الناجي من الأمم هم القليل، والأكثر غلبت عليهم الطباع البشرية، فعصوا الرسل فهلكوا كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ {وقال: }وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ {وقال: }قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ{وأمثال هذه الآيات في القرآن كثير. والناجون - وإن كانوا أقل القليل - فهم السواد الأعظم، فإنهم الأعظمون قدرا عند الله وإن قلوا. فليحذر المسلم أن يغتر بالكثرة، وقد اغتر بهم كثيرون، حتى بعض من يدعي العلم اعتقدوا في دينهم ما يعتقده الجهال الضلال، ولم يلتفتوا إلى ما قاله الله ورسوله.اهـ
قال العتيبي: وأما أبو اليسع وأبو سفيان فلا أعرفهما ولم أسمع بهما من قبل، بل بعضالإخوة أعضاء دار الحديث لا يعرفونهما ..
ومن الإنصاف أن أقول بأن أبا اليسع –هداه الله- لم يطعن حسبما أعلم في المشايخ كما زعم الكذاب أبو الحارث الحسن بن أحمد، لكن الرجل للأسف يظهر أنه مع القوم على كل حال، ودعوى العتيبي إن صدق بأن "بعض أعضاء دار الحديث لا يعرفونهما !"..غير صحيحة البتة، كيف لا؛ وقد استقبلهما –رئيس الجمعية- في بيته وغيره غير ما مرة فضلا عن كثرة ما التقى بهما وغيره بدار الحديث سابقًا وفي غيرها، وهكذا غيره ممن لا أرغب في ذكرهم.
أما أبو سفيان –وفقه الله- فلا أعلم عنه إلا خيرًا، وهو من إخواني السلفيين الحريصين على اتباع الحق، -أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله- أسأل الله لنا وله الثبات على الحق.
وقوله: " وأما إسماعيل العلوي وهو المكني بأبي المهدي قد لقيته عند بعض المساجد لما كنت ذاهباً إلى الصلاة، وصافحني ورأيت منه الود
أقول: الذي أعلم عن أبي المهدي أنه كان يتكلم في العتيبي النكرة ولعله بناء على كلام قديم للشيخ عبيد الجابري –أصلح الله حاله-
وبلغني أنه التقى به فعلا، لكن لا أدري عن حقيقة الود المذكور، فينظر في ذلك، ونحن ننصح إخواننا إن رأينا عندهم ما يدعو لذلك، وإلا –فوالله- سمعنا أشياء ويبلغنا عن أناس كلامًا غير مرضي، فنغض الطرف وكأنه ما وقع شيء، ولا نتسرع كما يُشيعه عنا المغرضون، فليس لنا إلا النصيحة والتقويم، فمن أراد أن يمشي على هذا فبها ونعمت، وإلا دفعنا بالتي هي أحسن على وفق ما درج عليه السلف؛ وبيَّنه علماؤنا الأفاضل، فمن كانت عنده لنا نصيحة فحيَّ هلا، وأهلا وسهلا به، سواء كان أبو المهدي أو غيره، فإن وجدنا عندهم حقًّا أخذنا به وشكرنا لهم ودعونا لهم بالخير، وإلا بيَّنا لهم وجهة نظرنا من ذلك بالدليل ما استطعنا لذلك سبيلا، أما إشهار النكرة لسيف البغي علينا فمأرزه إلى نحره، وعلى الباغي تدور الدوائر.
وقوله: والإخوة يأخذون عليه أنهلا يرى الصلح بين الإخوة السلفيين الذين تصالحوا في أغادير وبارك صلحهمشيخنا الشيخ ربيع حفظه الله ..
طيب؛ يُسأل العتيبي، لماذا لا يرى فلانٌ الصلح مع من ذكرت أنهم تصالحوا؟؟
وكيف علمت أن الشيخ ربيعًا –حفظه الله- بارك صلحهم، ألمجرد اتصال قام به المصري المتلاعب المدعو "أشرف البيومي"؟!
ألا تعلم أن هذا المتصل كذب على الشيخ ربيع؟ وقد رددنا على هذا منذ شهور خلون، ليطلع من يرغب المادة التالية :
هذا بيان للناس
وقوله: وأنا أرجو من الله أن يوفق أبا المهدي ليكون على الحق مع إخوانه بدارالحديث، وأن يحذر من مسلك الحدادية الذي يسلكه أبو الدرداء وأبو إبراهيموأشباههما من الجفاة الجبناء فإن عاقبة منهج الحدادية هو نفسه عاقبة منهجالخوارج..
أقول: في هذا المقطع مآخذ:
أ- تشبعه بما لم يُعط، إذ أن الحق المزعوم مفقود عنده رأسًا، وفاقد الشيء لا يعطي.
ب- تكراره الطعن من غير برهان ولا نصيفة، وهذا ديدنه معلوم عنه ذلك فلا غرابة.
ج- أن هذه التهم : الحدادية، الجفاة، الجبناء ..!!، يقال له: كيف يستقيم الظل والعود أعوج، والحمد لله أن السلفيين من ممادحهم ومميزاتهم أنهم يُطالبون من بغى عليهم بالإثبات، "أثبت العرش ثم انقش!" أما إطلاق الأحكام بدون مبررات فالحقيقة أنه مسلك الحدادية، وما صنيع فالح الحربي وغيره عنَّا ببعيد.
إذا عُلِم أن الرد على المخالفين للحق، المتنكبين له، ورد عدوان الظالمين يعتبر مشروعًا مأذونًا به حسبما تقتضيه ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليعلم أن لذلك ثمرات جليلة، وأهدافًا سامية، منها:
[أن تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير، وتظهر فيها الفضائل، وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون ويُجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير ويذرون كل شرّ.
- وبإضاعته تكون الكوارث الطبيعية، والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسوا القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر،، وتختفي الفضائل، ويهضم الحق ويظهر صوت الباطل، وهذا أمر واقع في كل مكان، وفي كل دولة وكل بلد ..][1]
" .. فيا أيها القارئ له لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه، لك ثمرته وعليه تبعته، فما وجدت فيه من صواب وحق فاقبله، ولا تلتفت إلى قائله، بل انظر إلى ما قال لا إلى من قال، وقد ذم الله تعالى من يرد الحق إذا جاء به من يبغضه، ويقبله إذا قاله من يحبه، فهذا خلق الأمة الغضبية، قال بعض الصحابة اقبل الحق ممن قاله وإن كان بغيضا، ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيبا وما وجدت فيه من خطأ فإن قائله لم يأل جهد الإصابة ويأبى الله إلا أن يتفرد بالكمال .." اهـ(من خاتمة "مدارج السالكين" للعلامة الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
كتبه أبو الدرداء عبد الله بن الحسن أسكناري
أكادير – المملكة المغربية
27 /12/1431
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
الصارم المنكي
في قطع لجاج أسامة عطايا العتيبي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا فاهدي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن مطاردة الظلمة المعتدين، وكشف زيف أقوالهم، وحيف أحكامهم، وتناقض أقوالهم، وزغل تعالمهم، وزيغ مذهبهم، وشطط غلوهم، لمن أهم الأسباب في صدِّ عدوانهم، وقطع لجاجهم، ونكاية لأعوانهم ونظرائهم وأحلاسهم، ويزيد ذلك أهمية حينما يوجد من يُطبل لهؤلاء وينفخ فيهم لأغراض مكنونة، وأهداف منطوية على شرور مبيتة.
يقول الله جل وعز في كتابه الكريم : ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء:148]، ويقول سبحانه :﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [فصلت: 39-42]؛ وقال ربنا بعدها : ﴿ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾.
قلت: في هذه الآيات مشروعية انتقام وانتصار المظلوم وأخذه الحق من المسيء والظالم المعتدي من غير عدوان عليه.
قال ابن جرير الطبري في"جامع البيان": " فالصواب في تأويل ذلك: لا يحب الله، أيها الناس، أن يجهر أحدٌ لأحد بالسوء من القول "إلا من ظلم"، بمعنى: إلا من ظلم، فلا حرج عليه أن يخبر بما أسيء عليه.
وإذا كان ذلك معناه، دخل فيه إخبار من لم يُقْرَ، أو أسيء قراه، أو نيل بظلم في نفسه أو ماله= غيرَه من سائر الناس. وكذلك دعاؤه على من ناله بظلم: أن ينصره الله عليه، لأن في دعائه عليه إعلامًا منه لمن سمع دعاءه عليه بالسوء له.اهـ.
وقال ابن سعدي في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" (ص/212) : يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله. ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين.
وقوله:﴿إِلا مَن ظُلِمَ﴾ أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾. اهـ.
وفي قوله سبحانه:﴿فمن عفا وأصلح ..﴾ الآية، وقوله ﴿ولمن صبر وغفر ..﴾ الآية؛ إرشاد إلى أفضلية العفو والصفح عن المسيء ما لم يكن ذلك من شيمه وسجاياه؛ فإن كان كذلك فردعه واجب بلا مثنوية، قال ابن جرير الطبري في تفسيره : فإن قال قائل: وما في الانتصار من المدح؟ قيل: إن في إقامة الظالم على سبيل الحقّ وعقوبته بما هو له أهل تقويما له، وفي ذلك أعظم المدح.اهـ.
وقال ابن سعدي في تفسيره لسورة الشورى (ص/760)-: وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.اهـ
وبعد فقد رددت منذ أسابيع خالية على المدعو أسامة عطايا العتيبي في مقالين، بينت فيهما بإيجاز مختصر تجنيه علينا وعلى إخواني السلفيين بأكادير، وتمثل ذلك في إصداره أحكاما جائرة دون أن يستند في ذلك على حجة معتمدة؛ بله ولا حتى شبهة بالية، ولم يمر على ذلك إلا أيامًا قلائل حتى فاجأنا الدعي من جديد بكلام في غاية السوء والنزول إلى مستوى الانحطاط الأدبي، وقد سار في كلامه الجديد على نمط كلامه الأول من تهويل وتجديع وتبديع و. ..إلخ، وعلى هذا؛ فإني سأجرد قلمي لصد عدوان هذا الدعي وردعه، وقطع لجاجه –إن شاء الله-، ليرجع إلى الحق إن كان لا يزال عنده شيء من الإنصاف، أو﴿يهلك من هلك عن بيِّنة ويحيى من حيَّ عن بينة﴾.
لا ترجع الأنفس عن غيِّـها *** مـا لم يكن لها من الله رادع
وعلى هذا فإني سأورد على القارئ أمثلة من تجاوزات هذا الجاني على نفسه وعلى غيره وإن كنت أقول ولا أزال عند قولي أن كلام هذا المفلس فينا من قبل ومن بعد؛ هو عليه في الحقيقة؛ لا علينا –ولله الحمد-، وسأبيِّن قبل ذلك حال من نزل عندهم هذا المأجور المفلس ولو موجزًا ليعلم القارئ أن الجاني يتكلم بغير علم، وكيف أنه حشر أنفه كالجعل في النتن ولم يخرج من ذلك بطائل.
جهل العتيبي بحقيقة النزاع
فأقول : ليُعلم أولاً أن من نزل أسامة عطايا عندهم هم من بلدتنا وخالطناهم وعاشرناهم دهرًا من الزمن، والقاعدة أن "بلدي الرجل أعلم به من غيره"، وهؤلاء الذين بيدهم دار الحديث حاليًا على قسمين:
الأول: وهم الأكثر؛ وهؤلاء خلافنا معهم قديم، وقد هجرناهم وحذرنا منهم ومن أخطائهم لأشياء ليس هذا محل بسطها كلها؛ لكن لا بأس من بيان بعضها؛ فمنها : تمييع الدعوة بمخالطة المخالفين دون مسوغ شرعي، واتهام الناصحين لهم بالتشدد والغلو مع العلم أننا جلسنا معهم جلسات لسد الخلل، ورأب الصدع، وردع المخطئ كي لا تتوسع هوة الخلاف؛ علمًا أن موقفنا منهم في الجملة وفي بعض أفرادهم مبني على كلام أهل العلم كالشيخ ربيع، والشيخ أحمد بن يحيى النجمي –رحمه الله- وغيرهما وهي مسجلة، واستنادهم في تمييعهم لبعض أقوال أهل العلم كرسالتي الشيخ عبد المحسن العباد "رفقًا .." و"الحث .."، وهكذا في إحدى أقوال الشيخ العلامة الألباني في مسألة الهجر، وعلى بعض عبارات الشيخ ربيع في الألفة وغيرها، وفعلهم هذا نظير أو أقرب ما يكون من فعل الذين يتبعون ما تشابه من الوحي كتابًا وسنة ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وفيهم من قدح في ولي أمرنا حتى قال قائلهم : لو كان العلماء بالمغرب لكفَّروا " ... "!، وفيهم أيضا من طعن في الشيخ المحدث العلامة اليمني مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله- وأن زوجته –ذكرها الله بخير- غلت فيه لما وصفته بالمحدث؛ وليس كذلك زعم-، وهكذا طعن هذا أو غيره على الشيخين الجليلين الألباني والنجمي –رحمهما الله-، وأشياء أخرى
مساوئ لو قسمن عَلَى ال *** غواني لما أمهرن إلا بطلاق
القسم الثاني: هؤلاء أقل ممن سبق عددًا، وهم من قريب كانوا في صفنا متحابين ومتناصحين فيما بيننا، وهم في الظاهر –والله أعلم بالسرائر- معنا على موقفنا من السابقين المميعين، وبين عشية وضحاها قلبوا ظهر المجن كما يقال؛ طعنًا وقدحًا من غير برهان، وتذرعوا لذلك ببعض المسائل السخيفة التي لم يثبتوا صحتها ولو أثبتوها جدلاً لم يصح منهم في ذلك قول ولا فعل مما أثاروه وشغبوا به علينا، وأذكر يقينا أننا جلسنا معهم جلستين بدار الحديث –سابقًا فتنبه!-، كان آخرها بعد جدل ونقاش طويل فحددنا فيه النقاط المشكلة، وقررنا قولا واحدًا أن تُرفع لأهل العلم؛ فلما خرجنا على هذه النتيجة استبشرنا خيرًا، لكن مضى على ذلك أياما ولم نر تحقيقًا لهذا الوعد ولا السعي فيه؛ بل يصلنا ما ينقض ذلك من سب وطعن وتكتلات هنا وهناك على طريقة الحزبيين والحركيين الماكرين، فكتبتُ في ذلك رسالة ضمنتها نصائح توجيهية, وحذرت فيها من مغبة ما هم عليه وذكرتهم بما أعتقد أنه أنفع لنا ولهم، ووزعناها، ثم مضى على ذلك أسابيع إن لم أقل شهرا أو ما يقارب الشهرين ولم نر منهم إلا الشغب والتضليل والأحكام الجائرة، فكتبت رسالة أوسع من الأولى حذرتُ فيها من بعض أفكارهم الحزبية، وبيَّنتُ فيها انطلاقًا من واقعهم وأقوالهم ما يدل على انحراف ما هم عليه وهي بعنوان "النصائح المنجية من بعض الأفكار الحزبية"، ورمى بعضهم أو جلهم الناصح بالمتعالم والجاهل و ...(!)؛ دون مسوغ يُذكر، ولا أدب يُحتمل، مع العلم أنهم كانوا قبل ذلك يجلونه ويتوددون عنده للفائدة أو الرغبة للكتابة في بعض المسائل وما إلى ذلك، بل وما طعنهم في أخينا الفاضل المكرم علي بن صالح الغربي ببعيد، وأخونا هذا له من الفضل علينا وعلى الناس بعد الله في هذه البلاد خاصة ما يعرفه له ذووا الفضل، وهم قبل ذلك لا ينكرون جهوده، لكن القوم كشيخهم النكرة في سلاطة اللسان و"الطيور على أشكالها تقع"، وقد ألزمناهم انطلاقا من أحكامهم بلوازم حاروا فيها جوابًا، ولو لم يكن في هذا كله إلا تقلباتهم من غير برهان لكفى ذلك العقلاء والنبهاء؛ كما قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :" إن الضلالة حقّ الضلالة أن تعرف ما كنتَ تنكر, وتنكر ما كنت تعرف"، فكيف إذا أضيف لذلك باقي الشطحات والتجاوزات، وفي خِضم هذا التقلب والشطط؛ رأيناهم قد انحازوا للطرف الأول بدعوى لم الشمل ودرء الفتن!! ولم نر أي مطالبة منهم للطرف الأول بخصوص التراجع عن مخالفاتهم وإصلاح مخلَّفاتهم، بل وسعوا هوة هذه الشقة وصرح (كبيرهم!) أن دعوتهم ستشمل حتى المغراويين –أي ليسوا وحدهم فحسب؛فتنبه!- في مرحلة سيقدمون عليها والتي أطلق عليها مشروع الصلح(!) –المحدَث-؛ فاعجب لهذا أخي القارئ وحق لك العجب!
أما ظاهرة التخذيل فحدث ولا حرج، وهي من بين أقوى معاول المخذلين في توهين وتهميش الناصحين والقائمين على المخالفين والمناوئين، فلا هم نصروا القائمين بالواجب، ولا سكتوا عنهم؛ بل خذلوهم وتظاهروا بالتوقف والتورع؛ وظهر مع الأيام أنهم في الحقيقة مع الخصوم، وهذه ظاهرة سرت في الأولين ثم عادوا بها بعْدُ من تكثر بهم في الطرف الثاني، حتى أمسوا –أعني الطرف الثاني- يُكذبون أنفسهم بأنفسهم، لمَّا ألزمهم بعض الإخوان بأن يصدقوا القول في إخوانهم الجدد في بعض القضايا ، فأجابوا عن ذلك معتذرين بأقبح من ذنب: كذبنا عليهم في ذلك..!، كما حصل من (رئيس الجمعية) وغيره.
ما الذي أغاظ العتيبي وجعله يفقد صوابه، ويستطيل لسانه على ذم السلفيين بأكادير؟
ولستُ أشمت بأحد ولا كان ذلك من شيمي –ولله الحمد-؛ ولولا أن الأمر يستدعي مني هذا الاستطراد الموجز ليقف القارئ على حقيقة ما كان، وأن العتيبي كاذب في مقاله؛ لمَاَ حركت القلم في بيان ذلك، والعتيبي هذا –أصلحه الله- يغلب على ظني أنه إنما حنق علينا لأمور ثلاثة لا رابع لها حسبما أعلم:
الأول: عدم حفاوتنا بقدومه لأكادير، بل حاول استمالتنا إليه, لكن خاب ظنه فرجع بخفي حنين، وقد أشرت إلى هذا أو نحوه في مقال سابق.
الثاني: ذعره واضطرابه مما حررته ردًّا على أحكامه الجائرة، وهما عبارة عن مقالين الأول منهما "رد عدوان النكرة المأجور أسامة عطايا المخذول" والثاني جاء عَقِبه وهو بعنوان: "يا سليط اللسان يا عائبًا للشيخ من أشر".
الثالث: كوني وإخواني نذب عن شيخنا ووالدنا المحدث الفقيه سليم الهلالي –حفظه الله-، وهكذا على شيخنا ووالدنا العلامة المحدث الفقيه الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري حفظه الله.
أما مناسبة حنقه علينا في ذبنا عن شيخنا أبي أسامة فهي أشهر من أن تُذكر.
وليس يصح في الأذهان شيء ** إذا احتاج النهار إلى دليل
لكن بقيت مسألة الشيخ يحيى –حفظه الله- وهذه وإن كنتُ لا أريد الاستعجال بلفت النظر إليها؛ لكن لا بأس فالمقام يستدعيه، والقرينة تنازعه، وهو أن أصابع الاتهام كثرت، وسلاطة ألسنة الجناة تداعت على النيل من خليفة الإمام الوادعي –حفظه الله- وإخوانه المشايخ في دماج وطلابهم وكذا على كُتَّاب الشبكة العلمية السلفية، ومن يثني عليهم ويذب عنهم سارعوا في التحذير منهم، ورميهم بالغلاة والحدادية و ..، والواقع خير شاهد عليه، ولا أستبعد أن العتيبي جبن في بيان أسباب طعنه علينا حتى لا يتفطن له العقلاء، لذا اكتفى بالإجمال الذي هو مطية أهل الأهواء والأغراض المهينة العاجزين كل العجز عن الإفصاح، ومقارعة الحجة بالحجة، فلجأ إلى هذه اللفلفة المفضوحة، لكن على من يلعب؟! السلفيون بالمغرب أنبل منه بمئات المرات، وليس من شيمهم الجبن والتمترس خلف الدعاوى الفارغة، بل يقارعون بالحجة، ويفندون بصووارم الحق كل ضجة، ولا يسعني إلا أن أقول له ولمن احتفى به واستقبله وتكثر به: هنيئًا لكم(بالشيخ!) }فذرهم وما يفترون {.
حقيقة صاحب المقال الذي عقَّب العتيبي بعده
قال العتيبي كما في منابره: "وما يحكيه الأخ من قديم ما حصل يوم ان كان ممسكاً بزمام الدار بعض اهل الفتن، ولكن قد قطع دابرهم والحمد لله ..
أقول أوَّلاً: صاحب المقال هذا هو المدعو "أبو الحارث الحسن السوسة –السوسي-" الذي يكتب بأسماء مستعارة كعادته من الجبناء والكذبة ، وقد كان الدجيجيل هذا إلى وقت قريب يحتفي بالنكرة ويشيد به، وكان -أعني العتيبي- يعمل مشرفًا في منتداهم "دعوة الشق" التي يسمونها بدعوة الحق تمويهًا، والتي يقبع على دركاتها وخلف كواليسها الحدادي المدعو "عماد فراج" الطاعن في العلامة الألباني والعلامة الشيخ ربيع وغيره، وهو وذنبه أبو الحارث من القائدين للمسيرة العوجاء المشؤومة باسم "جنس العمل!"، والعتيبي نكرهم وأوجس منهم بعد أن كان منهم، دون أن ينبس ببنت شفة –فيما أعلم- في بيان حالهم، بل الظاهر أنه لا يزال يثني على الحدادي المذكور، أما أبو الحارث فقد بيَّنت حاله في مقالي
"صعقة الزلزال على البغاة المعتدين المتسترين بزي السلفية لا على الشيخ سليم سلَّمه الله وسائر إخوانه أنصار الدعوة المحمدية"
والرجل يكذب ويرقع ويموه، ولعل الله ييسر وقتًا فنلقمه حجرا فيما أورده وإن كان ما سبق فيه كفاية، وحاله وحال غيره يُذكرني بقول القائل :
أو كلما طنّ الذباب زجرتُه *** إن الذباب إذن عليّ كريم
وقول الآخر:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا ** كان الحصى كل مثقال بدينار
جرأة العتيبي في اتهامه للسلفيين
وقول العتيبي: وما يحكيه الأخ من قديم ما حصل يوم ان كان ممسكاً بزمام الدار بعض اهلالفتن
أوَّلاً: العتيبي لا يعرف عن واقع ما حدث للسلفيين مع خصومهم إلا ما تلقفه من الفئة التي نزل عندها، وكلامه وما فيه من تخبط دليل عليه، وهو دخيل علينا، وما دام أدخل يده في القضية وليس له بها علم؛ فهو الملوم، والبادئ أظلم، وليته اعتذر على أقل حال، لكنه أبى إلا العناد، أسأل الله أن يعينه على نفسه، ويرده إلى رشده.
ثانيًا: قد بيَّنتُ حال من وصفه هنا بـ"الأخ" قبل أن ينزل العتيبي بأكادير بشهور إن لم أقل سنة فأكثر، وقبل أن أعرف موقفه من الشيخ سليم، فكن على ذكر من هذا.
ثالثًا: مقال أبو الحارث فيه الطعن على دار الحديث، ولم يعلق طعنه بقديم ولا حديث، وإلا فما مناسبة وضعه لهذا المقال حديثًا؟!، وتعليق العتيبي بعده إنما هو لنصرة تلك الدار دفاعا منه على من احتفى به واستقبله، والنيل غيظًا من الذين لم يرتضوه.
رابعًا: قوله: "يوم ان كان ممسكاً بزمام الدار بعض اهلالفتن"
أقول زمام الدار كان يديرها أبو العباس كرئيس ولعله لايزال، وبقية الأربعة أعضاء فيها، وهم بمجموعهم خمسة، ما بقي فيهم على الجادة إلا فردًا واحدًا ممن يصفه الباغي تهويلاً وكذبًا بـ"بعض أهل الفتن!" فتنبه أخي القارئ!
قوله: " وأبو الدرداء وأبو إبراهيم ومن معهما ممن كانوا في دار الحديث حدادية خلص، ومن أهل البدع الظاهرين المحاربين للسلفية في أغادير.
لا يخفى على المسلمين فضلا عن طلاب العلم ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من وعيد شديد لمن تصدى لأذية المسلمين والكلام فيهم قدحًا بغير حق، من ذلك قول ربنا عز وجل :} وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{، وقوله : }وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ{ وقوله : }وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ{ الآية، وغيرها من الآيات، والباغي يعلم ذلك وإني مذكر له بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ" والحديث في صحيح البخاري وغيره.
وقد بينتُ في كتابة لي سابقة أن العتيبي هذا مفلس، وحجته داحضة، وكلامه في ذمنا ليس عليه أثارة من علم، ولا قيمة له عند العقلاء، فهل تراه يرضى لو قابلناه بالمثل وأنه حدادي خالص، ومن أهل البدع الظاهرين المحاربين للسلفية ؟! لكن –ولله الحمد- ليس لنا مَثَل السوء، فماذا سمع مِنَّا ورآه من أوصاف الحدادية؟
ثم ليُسمِّ لنا من دلَّه وأخبره الخبر؟ فالوقوف على صحة الخبر عن طريق المخبر أمر لا مناص له منه، فإن كان هذا الوصف ممن استقبلوه؛ فلا عبرة به، وقد عُلِمت حالهم، وبناء الأحكام انطلاقا من السماع من طرف واحد في نزاع بين فئتين ظلم لا يقره عليه أحد، وإن كان الطعن من كيسه فقد عُرف إفلاسه من الحجة؛ وأيًّا كان فالذم عائد عليه لتبنيه القدح وإشهاره.وأين هو من قول ربنا سبحانه وتعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {.
ولا أظنه يجهل أن ثَمّ خلافا بيننا وبين من نزل عندهم وفي كلامه ما يوحي بذلك، فكيف سبحان الله يركن ولا يدري بحقيقة ما وقع إلى الذين كذبوا أنفسهم بشهادتهم، وهو من أقوى الأدلة في الجرح، ثم يعتمد على أخبارهم، وأخبار الآخرين الذين مضى على خصومتنا لهم ما يزيد على خمس سنوات تقريبا، ثم يخلص في أيام قليلة مكتفيا بالسماع منهم فحسب، ليخرج بهذه النتيجة من الأحكام الجائرة } تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى {.
والظاهر من كلامه أنه يستميت في الدفاع عنهم ويذم مخالفيهم ويحاربهم بلا هوادة كصنيعه بشيخنا سليم تمامًا مع اختلاف في بعض الجوانب، وهذا الذي يريده منه من نزل عندهم؛ أن يجعلوه كبش الفداء كما فعلوا قبله بأبي عبد العزيز وأبي الحارث قبل أن تنهال عليهم أقلام أهل السنة وردودهم.
ثم قال : ولكنهم شرذمة وحالهممكشوف والحمد لله ..
تأمل كيف يعيبنا بالقلة، وجَهِل أو أنساه عدوانه على الأبرياء جزاء سيئته أن القلة ممدَحَة وليست مذمة، وإنما يُذم ما تعلق به من الكثرة دون أن يُقيِّدها بموافقة الحق من كتاب الله جل وعز ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في "مسائل الجاهلية" : " السابعة
الاعتماد على الكثرة ، والاحتجاج بالسواد الأعظم ، والاحتجاج على بطلان الشيء بقلة أهله .
فأنزل الله تعالى ضد ذلك وما يُبْطِله ، فقال في " الأنعام " [ 116 - 117 ] :﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ .
فالكثرة على خلاف الحق لا تستوجب العدول عن اتباعه لمن كان له بصيرة وقلب ، فالحق أحق بالإتباع وإن قل أنصاره كما قال تعالى : ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ﴾ [ ص : 24 ] ، فأخبر الله عن أهل الحق أنهم قليل ، غير أن القلة لا تضرهم :
تُعَيِّرُنَا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا *** فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الْكِرَامَ قَلِيلٌ
فالمقصود أن من له بصيرة ينظر إلى الدليل ، ويأخذ ما يستنتجه البرهان وإن قل العارفون به ، المنقادون له ، ومن أخذ ما عليه الأكثر ، وما ألِفَتْهُ العامة من غير نظر الدليل فهو مخطئ ، سالك سبيل الجاهلية ، مقدوح عند أهل البصائر.اهـ
وقال أيضًا كما في مسائله على "كتاب التوحيد" /اُنظر الباب 3 "من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب":
"المسألة التاسعة: اعتباره بحال الأكثر لقوله: } رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس{. اهـ.
وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" (ص/63): قوله: (والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد) فيه الرد على من احتج بالكثرة.اهـ
وفي الحاشية تعليق من كتابه "قرة عيون الموحدين" يقول رحمه الله: " "والنبي وليس معه أحد " أي يبعث في قومه، فلا يتبعه منهم أحد. كما قال تعالى: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ. وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ{، وفيه دليل على أن الناجي من الأمم هم القليل، والأكثر غلبت عليهم الطباع البشرية، فعصوا الرسل فهلكوا كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ {وقال: }وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ {وقال: }قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ{وأمثال هذه الآيات في القرآن كثير. والناجون - وإن كانوا أقل القليل - فهم السواد الأعظم، فإنهم الأعظمون قدرا عند الله وإن قلوا. فليحذر المسلم أن يغتر بالكثرة، وقد اغتر بهم كثيرون، حتى بعض من يدعي العلم اعتقدوا في دينهم ما يعتقده الجهال الضلال، ولم يلتفتوا إلى ما قاله الله ورسوله.اهـ
قال العتيبي: وأما أبو اليسع وأبو سفيان فلا أعرفهما ولم أسمع بهما من قبل، بل بعضالإخوة أعضاء دار الحديث لا يعرفونهما ..
ومن الإنصاف أن أقول بأن أبا اليسع –هداه الله- لم يطعن حسبما أعلم في المشايخ كما زعم الكذاب أبو الحارث الحسن بن أحمد، لكن الرجل للأسف يظهر أنه مع القوم على كل حال، ودعوى العتيبي إن صدق بأن "بعض أعضاء دار الحديث لا يعرفونهما !"..غير صحيحة البتة، كيف لا؛ وقد استقبلهما –رئيس الجمعية- في بيته وغيره غير ما مرة فضلا عن كثرة ما التقى بهما وغيره بدار الحديث سابقًا وفي غيرها، وهكذا غيره ممن لا أرغب في ذكرهم.
أما أبو سفيان –وفقه الله- فلا أعلم عنه إلا خيرًا، وهو من إخواني السلفيين الحريصين على اتباع الحق، -أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله- أسأل الله لنا وله الثبات على الحق.
وقوله: " وأما إسماعيل العلوي وهو المكني بأبي المهدي قد لقيته عند بعض المساجد لما كنت ذاهباً إلى الصلاة، وصافحني ورأيت منه الود
أقول: الذي أعلم عن أبي المهدي أنه كان يتكلم في العتيبي النكرة ولعله بناء على كلام قديم للشيخ عبيد الجابري –أصلح الله حاله-
وبلغني أنه التقى به فعلا، لكن لا أدري عن حقيقة الود المذكور، فينظر في ذلك، ونحن ننصح إخواننا إن رأينا عندهم ما يدعو لذلك، وإلا –فوالله- سمعنا أشياء ويبلغنا عن أناس كلامًا غير مرضي، فنغض الطرف وكأنه ما وقع شيء، ولا نتسرع كما يُشيعه عنا المغرضون، فليس لنا إلا النصيحة والتقويم، فمن أراد أن يمشي على هذا فبها ونعمت، وإلا دفعنا بالتي هي أحسن على وفق ما درج عليه السلف؛ وبيَّنه علماؤنا الأفاضل، فمن كانت عنده لنا نصيحة فحيَّ هلا، وأهلا وسهلا به، سواء كان أبو المهدي أو غيره، فإن وجدنا عندهم حقًّا أخذنا به وشكرنا لهم ودعونا لهم بالخير، وإلا بيَّنا لهم وجهة نظرنا من ذلك بالدليل ما استطعنا لذلك سبيلا، أما إشهار النكرة لسيف البغي علينا فمأرزه إلى نحره، وعلى الباغي تدور الدوائر.
وقوله: والإخوة يأخذون عليه أنهلا يرى الصلح بين الإخوة السلفيين الذين تصالحوا في أغادير وبارك صلحهمشيخنا الشيخ ربيع حفظه الله ..
طيب؛ يُسأل العتيبي، لماذا لا يرى فلانٌ الصلح مع من ذكرت أنهم تصالحوا؟؟
وكيف علمت أن الشيخ ربيعًا –حفظه الله- بارك صلحهم، ألمجرد اتصال قام به المصري المتلاعب المدعو "أشرف البيومي"؟!
ألا تعلم أن هذا المتصل كذب على الشيخ ربيع؟ وقد رددنا على هذا منذ شهور خلون، ليطلع من يرغب المادة التالية :
هذا بيان للناس
وقوله: وأنا أرجو من الله أن يوفق أبا المهدي ليكون على الحق مع إخوانه بدارالحديث، وأن يحذر من مسلك الحدادية الذي يسلكه أبو الدرداء وأبو إبراهيموأشباههما من الجفاة الجبناء فإن عاقبة منهج الحدادية هو نفسه عاقبة منهجالخوارج..
أقول: في هذا المقطع مآخذ:
أ- تشبعه بما لم يُعط، إذ أن الحق المزعوم مفقود عنده رأسًا، وفاقد الشيء لا يعطي.
ب- تكراره الطعن من غير برهان ولا نصيفة، وهذا ديدنه معلوم عنه ذلك فلا غرابة.
ج- أن هذه التهم : الحدادية، الجفاة، الجبناء ..!!، يقال له: كيف يستقيم الظل والعود أعوج، والحمد لله أن السلفيين من ممادحهم ومميزاتهم أنهم يُطالبون من بغى عليهم بالإثبات، "أثبت العرش ثم انقش!" أما إطلاق الأحكام بدون مبررات فالحقيقة أنه مسلك الحدادية، وما صنيع فالح الحربي وغيره عنَّا ببعيد.
حقيقة ينبغي التذكير بها
إذا عُلِم أن الرد على المخالفين للحق، المتنكبين له، ورد عدوان الظالمين يعتبر مشروعًا مأذونًا به حسبما تقتضيه ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليعلم أن لذلك ثمرات جليلة، وأهدافًا سامية، منها:
[أن تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير، وتظهر فيها الفضائل، وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون ويُجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير ويذرون كل شرّ.
- وبإضاعته تكون الكوارث الطبيعية، والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسوا القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر،، وتختفي الفضائل، ويهضم الحق ويظهر صوت الباطل، وهذا أمر واقع في كل مكان، وفي كل دولة وكل بلد ..][1]
" .. فيا أيها القارئ له لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه، لك ثمرته وعليه تبعته، فما وجدت فيه من صواب وحق فاقبله، ولا تلتفت إلى قائله، بل انظر إلى ما قال لا إلى من قال، وقد ذم الله تعالى من يرد الحق إذا جاء به من يبغضه، ويقبله إذا قاله من يحبه، فهذا خلق الأمة الغضبية، قال بعض الصحابة اقبل الحق ممن قاله وإن كان بغيضا، ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيبا وما وجدت فيه من خطأ فإن قائله لم يأل جهد الإصابة ويأبى الله إلا أن يتفرد بالكمال .." اهـ(من خاتمة "مدارج السالكين" للعلامة الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
كتبه أبو الدرداء عبد الله بن الحسن أسكناري
أكادير – المملكة المغربية
27 /12/1431
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
[1] من مقال للعلامة المفتي عبد العزيز بن عبد الله بن باز بعنوان "وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص/3 ،4 ).
تعليق