الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد : فهذه بعض النصائح والتوجيهات في أسباب الثبات على المنهج الحق وكنت كتبتها وأنا بدار الحديث بدماج تذكيراً لنفسي وتنبيهاً لغيري وزدت فيها بعض الزيادات المفيدة كما سيرى القارئ ـ نفعنا الله بها جميعاً ـ
وأحرج على كل أخ في الله إن رأى زللا أو خطئاً أن يصلح الخطأ وينبهني على ذلك وسيجدني شاكراً لتوجيهه ومتقبلاً لنصحه ـ إن شاء الله ـ وقد اطلع عليها شيخنا الجليل والعلامة النبيل يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله ـ وإن كنت زدت فيها بعد ذلك كما قلت وكذلك اطلع عليها شيخنا الفقيه محمد بن حزام ـ حفظه الله ـ
فإلى ما قصدناه سالمين غانمين ـ إن شاء الله رب العالمين ـ
الحمد لله ناصر دينه ومعز أولياؤه الخافض الرافع المعز المذل ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص/68] والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ووفده
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار وأشهد أن محمداً عبده ورسول النبي الأمي المختار
أما بعد :
فإن من أعظم النعم علينا أن جعلنا الله من عباده المسلمين أتباع نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعصمنا ـ ونسأله المزيد ـ من الإحداث في دينه مقتفين آثاره نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وجعلنا من الطائفة المنصورة على من عداها والناجية من الفتن والتقلبات والنار وهي المعنية بقوله عليه الصلاة والسلام "كلها في النار إلا واحدة " فهذه الواحدة هي التي اتبعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم لها النصر والتمكين والنجاة
فلنحمد الله ـ عز وجل ـ على أن جعلنا من أتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين أخبر عليه الصلاة والسلام بنصرهم ونجاتهم وأنه لا يضرهم من خذلهم ولا يفت في عضدهم مناوئة من يعاديهم ولا يثني عزمهم خلاف من خالفهم ـ فالحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً ـ
ولهم مزايا وخصائص غير ما ذكرنا وفوق ما نشرنا فمن رامها فعليه بالكتب المصنفة في السنة كالسنة لعبدالله بن أحمد والسنة للخلال وشرح أصول السنة لللالكائي وغيرها من الكتب المصنفة في السنة وفضل التمسك بها .
أيها الإخوة الكرام حراس العقيدة السلفية الذابين عنها الرادين عن حياضها المعظمين لأهلها من أهل العلم الأفاضل وطلبته الأكارم :
هذا الطريق الذي تسلكونه ـ أسأل الله العلي الأعلى أن يثبتنا وإياكم عليه ـ هو طريق وصفه الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله : والطريق طريق تعب فيه آدم وناح لأجله نوح ورمى في النار الخليل وأضجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد اهـ من كتاب الفوائد .
فإذاً الطريق وعر ومحفوف بالمكاره ومصداق ذلك قوله تعالى ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان/20]
ويا لله العجب كم في هذه الآية من عبر وعظات ينبغي لنا أن نتأملها حق التأمل فكم أوذي أولياء الله الأنبياء فمن دونهم ممن اقتدى بهم واقتفى آثارهم لكن هل فت ذلك في عضدهم هل أجابوهم إلى ما يريدون من البعد عن شرع الله ومنهاج أنبيائه قال الله عز وجل ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام/34]
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله كما في تفسيره للآية - (ج 3 / ص 252)
هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعد له بالنصر كما نصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا، كما لهم النصر في الآخرة؛ ولهذا قال: ﴿ وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين ، كما قال: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 -173]، وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].اهـ
فالصبر الصبر يا أهل السنة على ما أولاكم الله به من النعم وحظاكم به من اتباع نبيه والتمسك بشرعه في هذا الزمان المظلم الذي كثر فيه الأدعياء وقل فيه الأصفياء .
فمن الذي يقوم في وجوه أهل الغلو من الحدادية ومن انتهج نهجهم من الفالحية ـ الحربية ـ ومن الذي يقوم في وجوه التمييع الذي حمل رايته علي الحلبي ومن اغتر بسجعه ومن الذي يرد على الحزبيين من السرورية وأتباع أبي الحسن المصري وأفراخ عبد الرحمن العدني ـ عجل الله بفضحه وقد فعل ـ ومن الذي يقوم بفضح الفراكسة الذين حملوا راية الدعوة إلى الاختلاط بحجة الضرورة والأقاييس الفاسدة الخالية عن الدليل
وهكذا من الذي يقوم ببيان بوار المنتديات القائمة على المناوئة والمكر والكيد كمنتديات كل التلفيين ومنتديات الوحلين ومنتديات سبل المجرمين وشبكة الأشري وغيرها من المنتديات التي أسستها الأيادي السود حاملة على أعتاقها التشويه والتشهير بأعلام هذه الدعوة تارة والسعي بالتحريش بينهم تارة فأهل الأهواء لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال ولا تقر عينهم إلا بتفكيك أواصر الدعاة السلفيين ويسهل عليهم بذلك القضاء على الدعوة ولكن هيهات ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولا تستر الشمس بالأكف ويبذلون في ذلك كل طاقاتهم على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾
(وإنما أعرضنا عن ذكر قيامكم في وجوه النصارى واليهود والرافضة والمعتزلة والقدرية وأصناف أهل البدع والضلالات لأن الناس متفقون على ذمهم يزعمون أنهم قائمون برد بدعتهم ولا يقومون بتوفية حق الرد عليهم كما تقومون([1]))بل ربما أنكر عليكم التشديد عليهم بحجة الرفق !!!
والحق يقال أننا لم نر من يقوم بدين الله في وجوه مثل هؤلاء حق القيام سواكم فأنتم القائمون ـ في وجوه هؤلاء إن شاء الله بقيامكم بنصرة هذا الدين العظيم على فهم سلف هذه الأمة ـ حق القيام بخلاف من ادعى من الناس أنهم يقومون بذلك([2] )
فصبرا يا إخواني على ما أقامكم الله فيه من نصرة دينه وتقويم اعوجاجه وخذلان أعدائه واستعينوا بالله ولا تأخذكم فيه لومة لائم وإنما هي أيام قلائل والدين منصور قد تولى الله إقامته ونصره ونصرة من قام به من أوليائه ـ إن شاء الله ـ ظاهرا وباطنا
وابذلوا فيما أقمتم فيه ما أمكنكم من الأنفس والأموال والأفعال والأقوال عسى أن تلحقوا بذلك بسلفكم أصحاب رسول الله فلقد عرفتم ما لقوا في ذات الله كما قال خبيب حين صلب على الجذع
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ...
وقد عرفتم ما لقي رسول الله من الضر والفاقة في شعب بني هاشم وما لقي السابقون الأولون من التعذيب والهجرة إلى الحبشة وما لقي المهاجرون والأنصار في أحد وفي بئر معونة وفي قتال أهل الردة وفي جهاد الشأم والعراق وغير ذلك
وانظروا كيف بذلوا نفوسهم وأموالهم لله حبا له وشوقا إليه فكذلك أنتم رحمكم الله كل منكم على قدر إمكانه واستطاعته بفعله وبقوله وبخطه وبقلبه وبدعائه كل ذلك جهاد أرجو أن لا يخيب من عامل الله بشيء من ذلك إذ لا عيش إلا في ذلك ولو لم يكن فيه إلا هممكم مزاحمة لأهل الزيغ مشوشة لهم تبغضونهم في الله وتطلبون استقامتهم في دين الله وذلك من الجهاد الباطن([3]) ـ إن شاء الله تعالى ـ
وهاهنا كلمة جميلة للإمام ابن الوزير ـ رحمه الله ـ : ولو أن العلماء ـ رضي الله عنهم ـ تركوا الذب عن الحق خوفاً من كلام الخلق لكانوا قد أضاعوا كثيراً وخافوا حقيراً اهـ
وقال عز وجل ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة/13]
ومن عرف حق ما يقوم به شيخنا الجليل العلامة النبيل يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله وجعله شوكة في حلوق المبتدعة ـ بين أظهر عباد الله يقوم معوجهم ويصلح فسادهم ويلم شعثهم جهد إمكانه في الزمان المظلم الذي انحرف فيه الدين وجهلت السنن وعهدت البدع وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا والقابض على دينه كالقابض على الجمر فإن أجر من قام بإظهار هذا النور في هذه الظلمات لا يوصف وخطره لا يعرف ونحن نعلم أنه لا يتكلم في شيخنا إلا أحد اثنين
أحدها أن يكون ذا سن تغير رأيه لسنه لا بمعنى أنه اضطرب بل بمعنى أن السن إذا كبر يجتهد صاحبه للحق ثم يضعه في غير مواضعه مثلا يجتهد أن إنكار المنكر واجب وهذا منكر وصاحبه قد راج على الناس فيجب علي تعريف الناس ما راج عليهم وتغيب عليه المفاسد في ذلك[4]
1ـ فمنها تخذيل الطلبة وهم مضطرون إلى محبة شيخهم ليأخذوا عنه فمتى تغيرت قلوبهم عليه ورأوا فيه نقصا حرموا فوائده
2ـ إذا شعر أهل البدع الذين نحن وشيخنا قائمون الليل والنهار بالجهاد والتوجه في وجوههم لنصرة الحق أن في أصحابنا[5] من ثلب رئيس القوم بمثل هذا فإنهم يتطرقون بذلك إلى الاشتفاءمن أهل الحق ويجعلونه حجة لهم
3ـ المفسدة الثالثة تعديد المثالب في مقابلة ما يستغرقها ويزيد عليها بأضعاف كثيرة من المناقب فإن ذلك ظلم وجهل
ثانيها : من الأمور الموجبة لذلك تغير حاله وقلبه وفساد سلوكه بحسد كان كامنا[6] فيه وكان يكتمه برهة من الزمان فظهر ذلك الكمين في قالب صورته حق ومعناه باطل([7])
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا حال عبد الرحمن العدني وأخيه ومن كان متستراً ممن أظهر الله حقده وحسده وبغضه لشيخنا ـ حفظه الله ـ وذلك بالتظلم والتوجع والاستعطاف بطريقة ماكرة ـ بل هو أمر دبر بليل فاللهم اكفنا شر كل ذي شر ـ
وفي الجملة أيدكم الله إذا رأيتم طاعنا في شيخنا وشيخكم فافتقدوه في عقله أولا ثم في فهمه ثم في صدقه ثم في سنه فإذا وجدتم الاضطراب في عقله دلكم على جهله بشيخنا وما يقول فيه وعنه ومثله قلة الفهم ومثله عدم الصدق أو قصوره لأن نقصان الفهم يؤدي إلى نقصان الصدق بحسب ما غاب عقله عنه ومثله العلو في السن فإنه يشيخ فيه الرأي والعقل كما تشيخ فيه القوى الظاهرة الحسية فاتهموا مثل هذا الشخص واحذروه وأعرضوا عنه إعراض مداراة بلا جدل ولا خصومة ...
يا سبحان الله العظيم أين عقول هؤلاء أعميت أبصارهم وبصائرهم أفلا يرون ما الناس فيه من العمى والحيرة في هذا الزمان المظلم المدلهم الذي كثر فيه علماء السوء والدعاة إلى الباطل وإقامته ودحض الحق وأهله مالا يحصر في كتاب ثم إن الله تعالى قد رحم هذه الأمة بإقامة عدد من أهل العلم الأمناء ومن بينهم هذا الشيخ الجليل الذي فرغ جهوده في مصالح العالم وإصلاح فسادهم والقيام بمهماتهم وحوائجهم ضمن ما هو قائم بصدد البدع والضلالات وتحصيل مواد العلم النبوي الذي يصلح به فساد العالم ويردهم إلى الدين الأول العتيق جهد إمكانه فهو مع هذا كله قليل ناصره كثير خاذله وحاسده والشامت فيه([8])
وليس معنى هذا أننا نقول : إنه معصوم ليس هذا من عقيدتنا ولا على هذا تربينا بل نعلم أنه يعلم ويجهل ويذكر وينسى شأنه شأن غيره من الأئمة وإنما الغاية التي نشير إليها والهدف الذي نرمي إليه أنه يجب حماية عرض من قام لله، وسعى في نصر دينه الذي شرعه وارتضاه، وترك الالتفات إلى زلاته، والاعتراض على عباراته; فمحبة الله والغيرة لدينه، ونصر كتابه ورسوله، مرتبة علية، محبوبة لله مرضية، يغتفر فيها العظيم من الذنوب، ولا ينظر معها إلى تلك الاعتراضات الواهية، والمناقشات التي تفت في عضد الداعي إلى الله، والملتمس لرضاه. وهبه كما قيل، فالأمر سهل في جنب تلك الحسنات، "وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".
فليصنع الركب ما شاؤوا لأنفسهم ... هم أهل بدر فلا يخشون من حرجِ
ولما قال المتوكل لابن الزيات: يا ابن الفاعلة، وقذف أمه، قال الإمام أحمد، رحمه الله: أرجو الله أن يغفر له، نظراً إلى حسن قصده في نصر السنة وقمع البدعة. ولما قال عمر لحاطب ما قال، ونسبه إلى النفاق، لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبره أن هناك مانعاً. والتساهل في رد الحق وقمع الداعي إليه، يترتب عليه قلع أصول الدين، وتمكين أعداء الله المشركين من الملة والدين([9]).
وهذا الخطاب إنما هو للعقال الذين يزنون الأمور بمقاييسها الشرعية وأما أولئك الأوغاد الذين حملوا على عاتقهم تشويه سمعة شيخنا والتشهير به بما يعلمونه في قرارة أنفسهم من أنه كذب وبهتان فنقول لهم قد عرف من كان له فضل وعلم أن كلام أمثالكم، وبهت أشباهكم،لشيخنا ، مما يدل على فضله وجلالته، وهيبته وفطانته، وأن ذلك مما يزيده الله به رفعة وشرفا، في الدنيا والآخرة، ويوجب - إن شاء الله - حسن العاقبة.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[سورة النور آية: 11]، وقال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [سورة آل عمران آية: 186].
ومما يستحسن لشيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، قوله شعرا:
لو لم يكن لي في القلوب مهابة *** لم تكثر الأعداء في وتقدح
كالليث لما هيب خط له الزبى *** وعوت لهيبته الكلاب النبح
وقال أبو الطيب:
وقال:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني فاضل
وقد أنطق الله ألسن المسلمين بالثناء والدعاء لهذا الشيخ، ونرجو أن الله يقبل شهادتهم، ويجيب لهم دعوتهم، ويقيل عثرته وعثرتهم ; اللهم اغفر لنا ما لا يعلمون، واجعلنا خيرا مما يظنون ; والمغرور من اغتر بثناء الناس عليه، ولم يعرف حقيقة ما منه وما لديه؛ لكن الغرض تعريفكم أن كلامكم زاده الله به رفعة وشرفا.
أيها الإخوة الكرام الذين من الله عليهم بالسنة والذب عنها وأهلها :
ما ترونه في بعض المنتديات ـ كالوحلين والتلفيين وسبيل المجرمين والأشري ـ من السب والشتم والثلب لشيخنا ولمن يدافع عنه ليس جديداً فيستغرب منه وإنما هو ديدن أهل البدع في كل زمان ومكان وإنما تجددت الوسائل وقد علمتم ما يؤثر عن السلف: أن علامة أهل البدع: الوقوع في أهل الأثر; وهؤلاء إذا قيل لهم: هاتوا، حققوا، واكتبوا لنا ما تنقمون، وقرروا الحجة بما تدّعون، أحجموا عن ذلك، وعجزوا عن مقاومة الخصوم. ومتى يُدْرِكِ الظّالِعُ شأوَ الضّليعِ؟
أماني تلقاها لكل متبر ... حقيقتها نبذ الهدى والشعائرِ
وحسابنا، وحسابهم على الله، الذي تنكشف عنده السرائر، وتظهر مخبآت الصدور والضمائر([10]) .
ورحمة الله على الإمام الذهبي حيث يقول كما في ترجمة الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ : وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا ، ونال بعض الناس منه غضا، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقل من برز في الإمامة، ورد على من خالفه إلا وعودي، نعوذ بالله من الهوى اهـ
وقال في ترجمة الشافعي ـ أيضاً ـ : وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه، وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب/69، 70] اهـ
وقال الإمام الشوكاني في ترجمة الحافظ السيوطي من كتابه البدر الطالع (ج 1 / ص 317) :
جرت عادة الله سبحانه كما يدل عليه الاستقراء برفع شان من عودى لسبب علمه وتصريحه بالحق وانتشار محاسنه بعد موته وارتفاع ذكره وانتفاع الناس بعلمه اهـ
فإذا كان الأمر كذلك وأنه قل من سلم فالشأن كل الشأن أن لا يتضعضع المحق أمام المبطل فإن الحق حق أُخذ به أو ترك والباطل باطل أُخذ به أو ترك فالخلق خلق الله والملك ملكه وإنما تعبدنا عز في علاه بإحقاق الحق وإبطال الباطل وأن لا نخاف في سبيل ذلك لومة لائم
وأحب أن أذكر في هذه العجالة شيئاً من وسائل وأسباب الثبات على الحق ـ نسأل الله الإعانة ـ
أيها الإخوة الكرام : إن وسائل وأسباب الثبات على الحق والعض عليه كثيرة فمن تلك الوسائل
1ـ معرفة الحق والقناعة به والتمسك به وعقد الولاء والبراء عليه والتوكل على الله في ذلك كله قال سبحانه وتعالى ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل/79]
قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية :[ أي ] "الواضح والذي على الحق يدعو إليه، ويقوم بنصرته أحق من غيره بالتوكل فإنه يسعى في أمر مجزوم به معلوم صدقه لا شك فيه ولا مرية. وأيضا فهو حق في غاية البيان لا خفاء به ولا اشتباه، وإذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك فلا يضرك ضلال من ضل وليس عليك هداهم اهـ
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ : قال الله تعالى لنبيه ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل/79]
فأمر سبحانه بالتوكل عليه وعقب هذا الأمر بما هو موجب للتوكل مصحح له مستدع لثبوته وتحققه وهو قوله تعالى ﴿ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ فإن كون العبد على الحق يقتضي تحقيق مقام التوكل على الله والاكتفاء به والإيواء إلى ركنه الشديد فإن الله هو الحق وهو ولي الحق وناصره ومؤيده وكافي من قام به فما لصاحب الحق أن لا يتوكل عليه وكيف يخاف وهو على الحق كما قالت الرسل لقومهم ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾ [إبراهيم/12] فعجبوا من تركهم التوكل على الله وقد هداهم وأخبروا أن ذلك لا يكون أبدا وهذا دليل على أن الهداية والتوكل متلازمان فصاحب الحق لعلمه بالحق ولثقته بأن الله ولي الحق وناصره مضطر إلى توكله على الله لا يجد بدا من توكله فإن التوكل يجمع أصلين علم القلب وعمله أما علمه فيقينه بكفايةوكيله وكمال قيامه بما وكله إليه وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك وأما عمله فسكونه إلى وكيله وطمأنينته إليه وتفويضه وتسليمه أمره إليه وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه فبهذين الأصلين يتحقق التوكل وهما جماعه اهـ المراد من طريق الهجرتين - (ج 1 / ص 388ـ389)
وقال في كلامه عن أداة "على " كما في مدارج السالكين - (ج 1 / ص 16)
قيل في أداة على سر لطيف وهو الإشعار بكون السالك على هذا الصراط على هدى وهو حق كما قال في حق المؤمنين ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة/5] أولئك على هدى من ربهم وقال لرسوله ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل/79] والله عز و جل هو الحق وصراطه حق ودينه حق فمن استقام على صراطه فهو على الحق والهدى فكان في أداة على على هذا المعنى ما ليس في أداة إلى فتأمله فإنه سر بديع
فإن قلت فما الفائدة في ذكر على في ذلك أيضا وكيف يكون المؤمن مستعليا على الحق وعلى الهدى
قلت لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى مع ثباته عليه واستقامته إليه فكان في الإتيان بأداة على ما يدل على علوه وثبوته واستقامته اهـ المراد
وقال أيضاً كما في مدارج السالكين - (ج 2 / ص 127)
وفي ذكر أمره بالتوكل مع إخباره بأنه على الحق : دلالة على أن الدين بمجموعه في هذين الأمرين : أن يكون العبد على الحق في قوله وعمله واعتقاده ونيته وأن يكون متوكلا على الله واثقا به فالدين كله في هذين المقامين اهـ
تأمل يا أخي في الله ما أنت فيه من نعمة السنة ونعمة العلم ونعمة إقامة شعائر الدين مع الأمن ونعمة تهيئ من يعلمك الخير ويرشدك إلى السنة في هذا العصر الذي كثر فيه الهرج والمرج والبعد عن الدين وكثر فيه الأدعياء وقل فيه الأمناء ـ وأعظم قلعة توفر فيها هذا الخير هي دار الحديث بدماج قلعة الإسلام والمسلمين والمكان الذي هيئه الله للإقامة ما اندثر من معالم هذا الدين على يد الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ بصر الله به عن الضلال وفتح به أعيناً كان أصحابها من العمين وخلفه من بعده تلميذه وأشبه طلابه به العلامة الجليل شيخنا يحيى بن علي الحجوري الذي أحبه أهل السنة في مشارق الأرض ومغاربها لما يرون فيه من الصلابة في الحق والأخذ به ولو في أحلك الظروف ولما ذكر وغير ما ذكر من الشمائل الطيبة قصده طلاب العلم من كل حدب وصوب بحيث لا يعرف عالم في هذا العصر رحل إليه كما رحل إليه و ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة/4]
وكذلك ما يقوم به من التعليم والتأليف والنصح والتوجيه فهذا هو العلم الذي معرفة الهدى بدليله، وإدراك الحكم على ما هو عليه في نفس الأمر ليس إلا.
وأما ما يقوم به من ناوأ الحق وتحزب فو الله لو يبني لنفسه مركزاً مثل الحرم المكي في السعة لما نفعه ذلك فالتزيي بالملابس، والتحلي بالمظاهر، والانتصاب في المدارس، من غير غيرة لدين الله، ولا نصرة لأوليائه، ولا مراغمة لأعدائه، ولا دعوة إلى سبيله، فما ذاك إلا حرفة الفارغين البطالين، الذين صحبوا الأماني، وقنعوا من الخلاق بالخسيس الفاني([11]) ؛ وهذا لا يفيد كونه ـ سنياً ـ فضلاً عن كونه عالما.
فإن لم نقنع بهذا الخير العظيم الذي نحن فيه وهذه النعم التي نحن فيها ليل نهار
فوالله نخشى أن نسلبها كما سلبها من كان قبلنا ممن لم يقنع بهذا الخير وأراد جر الفتن إليه قال سبحانه وتعالى ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد/38]
نسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى شكر نعمه الظاهرة والباطنة ونعوذ به من تحول نعمه وحلول نقمه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
2ـ الاقتداء بالأنبياء والتأمل لقصصهم التي قصها الله في القرآن مما حصل لهم وكيف أوذوا فصبروا على أذية قومهم لله حتى أتاهم نصر الله فكذلك كن يا أخي في الله فإن الله عز وجل يقول لنبيه عليه والصلاة والسلام ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود/120]
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كما في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان - (ج 1 / ص 176)
وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ قِصَصِ الْمُرْسَلِينَ الَّتِي فِيهَا تَسْلِيَةٌ وَتَثْبِيتٌ لِيَتَأَسَّى بِهِمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام/34] وَلَنَا لِأَنَّهُ أُسْوَةٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف/111] وَقَالَ : ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [فصلت/43] وَقَالَ : ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف/35] ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود/120]
3ـ عبادة الله واللجوء إليه والإكثار من ذكره والتضرع إليه قال سبحانه وتعالى مرشداً لنبيه عليه الصلاة والسلام ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر 97ـ99]
وقال سبحانه ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء/74]
وقال عن نبيه يوسف عليه السلام ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف/33، 34]
وقال عن عباده الصالحين طالوت ومن معه ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [ البقرة /250]
4ـ بذل النصيحة والتمسيك بالكتاب والسنة واستحضار أجر ذلك عند الله قال سبحانه وتعالى ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف/170] فالنصح للمسلمين أجره عظيم وشأنه جسيم ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري ـ رضي الله عنه ـ المشهور « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». علقه البخاري ووصله مسلم وفي مستخرج أبي عوانة ـ رحمه الله ـ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قالها ثلاثاً
فحصر صلى الله عليه وسلم الدين كله بالنصيحة إذ من سيق الحصر أن يأتي المبتدأ والخبر معرفين ـ والله أعلم ـ وأدلة فضل النصيحة والحث عليها كثيرة ليس هذا موضع حصرها إذ الدين كله إما أمر بالمعروف ـ التوحيد فما دونه ـ أو نهي عن المنكر ـ الشرك وما دونه ـ وإنما القصد أن من قام ناصحاً للمسلمين لا بد له من الصبر والتحمل للأذى في ذات الله وتأمل قوله تعالى ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *﴾
قال الإمام ابن القيم ـ وهو يتكلم عما اشتملت عليه هذه السورة ـ كما في عدة الصابرين - (ج 1 / ص 60)
قال الشافعى لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه قوة العلم وقوة العمل وهما الإيمان والعمل الصالح وكما هو محتاج إلى تكميل نفسه فهو محتاج إلى تكميل غيره وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر وأخية ذلك وقاعدته وساقه الذى يقوم عليه انما هو الصبر اهـ
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كما في جامع الرسائل - (ج 2 / ص 394)
فلا بد من التواصي بالحق والصبر إذ أن أهل الفساد والباطل لا يقوم باطلهم إلا بصبر عليه أيضا لكن المؤمنون يتواصون بالحق والصبر وأولئك يتواصون بالصبر على باطلهم كما قال قائلهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد
فالتواصي بالحق بدون الصبر كما يفعله الذين يقولون آمنا بالله فإذا أوذي أحدهم في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله والذين يعبدون الله على حرف فإن أصاب أحدهم خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة
والتواصي بالصبر بدون الحق كقول الذين قالوا ﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ ﴾ [ص/6] كلاهما موجب للخسران وإنما نجا من الخسران الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وهذا موجود في كل من خرج عن هؤلاء من أهل الشهوات الفاسدة وأهل الشبهات الفاسدة أهل الفجور وأهل البدع اهـ المراد
فالنصح النصح والصبر الصبر والاحتساب الاحتساب لا يمنعنكم من ذلك مهابة أحد فإنه لا هيبة لمن خالف الحق ولو كان من كان فالحق أقوى من الرجال وكذلك لا يهابنكم من قول الحق مخافة النقد والرد فإن إرادة الخير وبذل النصح مرتبة تهون عندها كل المصائب في سبيل إصدائها لما يترتب على ذلك من الخير العظيم ورحم الله الإمام ابن الوزير حيث يقول : ولو أن العلماء ـ رضي الله عنهم ـ تركوا الذب عن الحق خوفاً من كلام الخلق لكانوا قد أضاعوا كثيراً وخافوا حقيراً .
ومن قصد وجه الله تعالى ـ في عمل من أعمال البر والتقى لم يحسن منه أن يتركه لما يجوز عليه في ذلك من الخطأ وأقصى ما يخاف أن يكل حسامه في معترك المناظرة وينبوا ، ويعثر جواده في مجال المجادلة ويكبو فالأمر في ذلك قريب إن أخطأ فمن الذي عصم وإن خطئ فمن الذي ما وصم والقاصد لوجه الله لا يخاف أن ينقد عليه خلل في كلامه ولا يهاب أن يدل على بطلان قوله بل يحب الحق من حيث أتاه ويقبل الهدى ممن أهداه بل المخاشنة بالحق والنصيحة أحب إليه من المداهنة على الأقوال القبيحة وصديقك من أصدقك لا من صدّقك وفي نوابغ الكلم وبدائع الحكم : عليك بمن ينذر الإبسال والإبلاس وإياك ومن يقول : لا باس ولا تاس . اهـ [العواصم والقواصم ص224]
5ـ اعتبار الحق والأخذ به وعدم الاغترار بمن خالفه كائناً من كان ولا يتم ذلك إلا بالصبر واليقين فبهما تنال الإمامة في الدين فالحق حق أخذ به أو ترك والباطل باطل أخذ أو ترك فليس ميزان الحق كثرة الأخذ به كما أنه ليس من ميزان الباطل تركه والتنكب عنه بل الميزان في ذلك كله ما شرع الله الذي يجب الرجوع إليه كما قال سبحانه وتعالى ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء/59]
وقال سبحانه ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى/10]
فالحق ما كان حقاً في شرع الله أخذ به الناس أم لم يأخذوا به والباطل ما كان باطلاً في شرع الله أخذ به الناس أم لم يأخذوا به ـ فالميزان في ذلك ما تقدم في الآيتين ـ .
ـ ورحمة الله ـ على الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام حيث قال: «عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس. وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول».
ونحوه قول الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: «إلزم طرق الهدى، ولا يغُرّك قِلّةَ السالكين. وإيّاك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين».
فتأمل هذا الكلام ـ رحمك الله ـ واجعله نصب عينيك وذكر بها نفسك كلما سولت لك الانضمام إلى الهالكين ـ نسأل الله العلي الأعلى أن يثبتنا على الحق حتى نلقاه ـ .
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في حال من يستوحش عن الثبات على الحق لكثرة مخالفيه كما في : إغاثة اللهفان - (ج 1 / ص 69) :
"كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول : أين ذهب الناس فلي بهم أسوة وهذه حال أكثر الخلق وهي التي أهلكتهم فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب
ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له : إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك فقال : ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس فإذا رأى الراجحئي الشمس لم يحتج في علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه
وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع : حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق وأتباعه وإن كان الممتسك به قليلا والمخالف له كثيرا لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبيوأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم اهـ
6ـ عدم التزعزع وأخذ الحق بقوة فإن الحق ثقيل والأخذ به ثقيل قال سبحانه وتعالى لنبيه يحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم/12]
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في مدارج السالكين - (ج 1 / ص 470)
أي بجد واجتهاد وعزم لا كمن يأخذ ما أمر به بتردد وفتور اهـ
وقال الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند تفسيره للآية أي: بجد وحرص واجتهاد اهـ
فالأخذ بالحق بقوة وصية الله للأنبياء وهي لمن بعدهم من أتباعهم والتزعزع و الارتياب شأن المبطلين ـ نسأل الله العافية ـ
7ـ ومن وسائل الثبات على الحق مطالعة تراجم الأئمة وما حصل لهم من صنوف الأذى في سبيل نصرة السنة كالصحابة فمن دونهم من أئمة الهدى ومصابيح الدجى ورحم الله من قال : إن تراجم الأئمة جند من جنود الله ـ إي والله إنها جند من جنود الله ـ بحيث أحدهم ربما واجه أمة وحده فالحق له قوته وله هيبته ومن قام كذلك قال سبحانه وتعالى ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء/18]
8ـ ومنها مطالعة الكتب المصنفة في السنة التي تعرف من خلالها كيف كان يتعامل السلف مع أهل البدع ولا تصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
9ـ ملازمة العدل في الغضب والرضا فإن من براهين المحق أن يكون عدلا في مدحه عدلا في ذمه لا يحمله الهوى عند وجود المراد على الإفراط في المدح ولا يحمله الهوى عند تعذر المقصود على تقويل المخالف ما لم يقله بل يرد كل خطأ بحسبها مراعياً في ذلك المصالح والمفاسد على ما دل عليه الكتاب والسنة ـ لا على آراء الرجال ـ قال سبحانه وتعالى آمراً عباده المؤمنين بالعدل في الغضب والرضا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة/8]
وقال سبحانه وتعالى ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة/2]
وقال عز وجل ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة/190]
فالعدل والرحمة من أصول أهل السنة التي يسيرون عليها قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كما في الرد على البكري - (ج 2 / ص 490)
وأئمة السنة والجماعة و أهل العلم والإيمان فيهم العلم و العدل و الرحمة فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة و يعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى ﴿﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة/8]
و يرحمون الخلق فيريدون لهم الخير و الهدى و العلم لا يقصدون الشر لهم ابتداء بل إذا عاقبوهم و بينوا خطأهم و جهلهم و ظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق و رحمة الخلق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا اهـ
وقال أيضاً كما في الرد على المنطقيين - (ج 1 / ص 425)
وكل عمل يؤمر به فلا بد فيه من العدل فالعدل مأمور به في جميع الأعمال والظلم منهى عنه نهيا مطلقا
ولهذا جاءت أفضل الشرائع والمناهج بتحقيق هذا كله وتكلميه فأوجب الله العدل لكل أحد على كل أحد في كل حال كما قال تعالى يأيها الذين أمنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن فقيرا أو غنيا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا و قال تعالى وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ ﴾ أي يحملنكم بغض قوم كعدوكم الكفار على ﴿ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة/8]
وقال تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد/25] وقال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء/58]وقال تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل/90]ومثل هذا كثيراهـ
فالعدل والرحمة والرفق والرد بالحكمة والموعظة الحسنة ضرورية لمن تصدا للذب عن هذا الدين العظيم ورحم الله الإمام ابن الوزير ـ رحمه الله ـ حيث يقول : فجدير بمن انتصب في منصب الفتيا أو ترقى إلى مرتبة التدريس أو تمكن في دست التعليم وتهيأ للرد على الجاهلين والدعاء إلى سبيل رب العالمين : أن يكون مقتفياً لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عاملاً بما قال الله تعالى من الدعاء إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة .اهـ [العواصم ص262]
9ـ البعد عن جلساء السوء ومجالس الجهل والغي فإنها من أدوأ الأدواء وأعظم أسباب الانتكاس وإياك أخي أن تغالط نفسك ولا يغرنك علمك بهم فتأمن غائلتهم فتكون ممن أمن مكر الله ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف/99].
فكم من أئمة كانوا على خير وسلفية فدخلتهم البدع عن طريق مجالستهم لأهلها فهذا الإمام أبو ذر الهروي ـ رحمه الله ـ قيل له أنت هروي فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي الأشعري؟
قال: كنت ماشيًا مع الدارقطني فلقينا القاضي أبا بكر فالتزمه الدارقطني وقبَّل وجهه وعينيه, فلما افترقا قلت: من هذا؟ قال: هذا إمام المسلمين والذابّ عن الدين, القاضي أبو بكر بن الطيب. فمن ذلك الوقت تكررت إليه.اهـ [ انظر السير 17/558]
وكذلك ابن عقيل الحنبلي ومن قبله عمران بن حطان وغيرهم كثير وتأمل قول النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ». [ متفق عليه عن أبي موسى واللفظ لمسلم ]
ورحم الله الإمام ابن حبان ـ رحمه الله حيث يقول كما في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء - ( ص 101) :
العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفى بعهده وإن من سعادة المرء خصالا أربعا أن تكون زوجته موافقه وولده أبرارا وإخوانه صالحين وأن يكون رزقه في بلده
وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم وما أشبه صحبة الأشرار اهـ
فانأ يا أخي عنهم وفارقهم في الله ورحم الله الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث يقول :
فوالله لمفارقة أهل الأهواء، والبدع في هذه الدار أسهل من موافقتهم إذا قيل: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [الصافات/22]
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبعده الامام أحمد: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير/7]، قالوا فيجعل صاحب الحق مع نظيره في درجته، وصاحب الباطل مع نظيره في درجته، هنالك والله يعض الظالم على يديه إذا حصلت له حقيقة ما كان في هذه الدار عليه، يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا.اهـ
10ـ نصرة دين الله بالوقوف أما المبطلين وتشتيت شمل المُحْدثين وتقويم اعوجاجهم بسيف الكتاب والسنة فإن الله ينصر من نصره ويخذل ناصر الشيطان قال سبحانه وتعالى مخاطباً لعباده المؤمنين ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد/7]
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهو يتكلم عن القلب سيطرت عليه البدعة :
وقد لبس جلة منسوجة من الجهل والتقليد والشبهة والعناد، فإذا بذلت له النصيحة ودعي الى الحق أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد.
فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد إنذارا وتعذيرا، فقال تعالى:﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان/52]
وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التحريم/9] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصومين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يرى عساكر الإيمان وجنود السنة والقرآن وقد لبسوا للحرب لأمته، وأعدوا له عدته، وأخذوا مصافهم ووقفوا مواقفهم، وقد حمي الوطيس ودارت رحى الحرب واشتد القتال وتنادت الأقران النزال النزال، وهو في الملجأ والمغارات، والمدخل مع الخوالف كمين وإذا ساعد القدر وعزم على الخروج قعد فوق التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون إليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يقسم بالله جهد أيمانه اني معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين([12]) ، فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة أن لا يبيعها بأبخس الأثمان، وأن لا يعرضها غدا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبت قدميه في صفوف أهل العلم والإيمان، وأن لا يتحيز إلى مقالة سوى ما جاء في السنة والقرآن، فكأن قد كشف الغطاء وانجلى الغبار وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة، وعن وجوه أهل البدعة عليها غبرة ترهقها قترة، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.اهـ [ من مقدمته للكافية الشافية ]
وقال ـ رحمه الله ـ وهو يتكلم عن الأقلام :
القلم الثاني عشر القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين ورفع سنة المحقين وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها وبيان تناقضهم وتهافتهم وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل وهذا القلم في الأفلاك نظير الملوك في الأنام وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل المحاربون لأعدائهم وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل وعدو لكل مخالف للرسل فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن [ التبيان لأقسام القرآن ص ]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وبهذا أكون منتهياً عمّا قصدته وأسأله سبحانه أن يثبتنا على الحق حتى نلقاه وأن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ـ إنه هو البر الرحيم ـ
[1][ بتصرف العقود الدرية ص305]
[2]قارننه بما في [ العقود ص306]
[3] [ العقود الدرية 306ـ308]
[4]ولا يمنع أن تكون هذه الغيرة ـ المزعومة ـ مشوبة بالحسد و الحقد بل قد ظهر ذلك ظهوراً لا يحتاج إلى شاهد أو متابع ـ فنسأل الله السلامة والعافية ـ
[5] ـ يعني في أهل السنة ـ وهذا ما حصل بكلام الجابري والوصابي في شيخنا فو الله ما نصرت سنة ولا كسرت بدعة وإنما جنو على أنفسهم وغرروا ببعض الأغمار ـ والله الموعد ـ
[6]ومن هؤلاء الذين ظهر حسدهم ظهوراً لا خفاء فيه المدعو عبد الله بن عبد الرحيم البخاري الهارف بما لا يعرف فقد تقيأ قيحاً وصديداً ظناً منه بأن كلامه لا ينشر ولا يخرج إلى الناس فبصر الله بكلامه كثيراً ممن غرر بهم فإن المذعور المذكور رمى الشيخ الإمام العلامة مقبل بن هادي الوادعي بداهية الدواهي وفاقرة الفواقر وهي بدعة الخروج ولم يسبق إلى هذا من أحد بل حتى المبتدعة من المتحزبة وغيرهم لا ينازعون في سنية هذا الإمام وخلوه من البدع وإنما يتوجعون من شدته على أهل البدع وهي محمدة وليست مذمة إلا عند من نكست مناهجهم
وكذلك تنزيله لطلبة هذا الإمام منزلة المجاهيل الذين لا يدرى حالهم حتى يتبين لفضيلته موقفهم مما أسماه بفكر الخروج ـ أعوذ بالله ـ من سوء الحال و يحضرني كلام جميل للإمام الشوكاني وهو يرد على الزمخشري في طعنه بالصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص قال ـ رحمه الله ـ : وأما الطعن على صاحب رسول الله وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فإلى أين يا محمود أتدري ما صنعت وفي أي واد وقعت وعلى أي جنب سقطت ؟ ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيديك القصيرة ورجلك العرجاء أما كان لك في مكسري طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري فيا لله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه اهـ [ فتح القدير ]
فأقول للبخاري : تأمل هذا النصح الجميل والعتاب الفريد فعسى الله أن ينفعك فتقصر عن ما أنت فيه من الغرور والتيه جنبنا الله وإياك معرة السوء واللجوج في هذا الدرب المهلك درب معاداة أولياء الرحمن ـ
[7][ العقود الدرية ص 309ـ]
[8][ بتصرف من العقود الدرية ص 309ـ 310]]
[9][ فتاوى العلامة عبد اللطيف آل الشيخ ـ رحمه الله ـ 420]
ورحمة الله على الإمام الذهبي حيث يقول كما في ترجمة أبي حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ : .. فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو إن شاء الله. اهـ
[10][ رسائل العلامة عبد اللطيف آل الشيخ 1/460]
[11][بتصرف رسائل العلامة عبد اللطيف آل الشيخ 2/525]
[12]فهل سيعتبر المتوقفة ـ المخذلة ـ ؟!!!
أما بعد : فهذه بعض النصائح والتوجيهات في أسباب الثبات على المنهج الحق وكنت كتبتها وأنا بدار الحديث بدماج تذكيراً لنفسي وتنبيهاً لغيري وزدت فيها بعض الزيادات المفيدة كما سيرى القارئ ـ نفعنا الله بها جميعاً ـ
وأحرج على كل أخ في الله إن رأى زللا أو خطئاً أن يصلح الخطأ وينبهني على ذلك وسيجدني شاكراً لتوجيهه ومتقبلاً لنصحه ـ إن شاء الله ـ وقد اطلع عليها شيخنا الجليل والعلامة النبيل يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله ـ وإن كنت زدت فيها بعد ذلك كما قلت وكذلك اطلع عليها شيخنا الفقيه محمد بن حزام ـ حفظه الله ـ
فإلى ما قصدناه سالمين غانمين ـ إن شاء الله رب العالمين ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار وأشهد أن محمداً عبده ورسول النبي الأمي المختار
أما بعد :
فإن من أعظم النعم علينا أن جعلنا الله من عباده المسلمين أتباع نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعصمنا ـ ونسأله المزيد ـ من الإحداث في دينه مقتفين آثاره نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وجعلنا من الطائفة المنصورة على من عداها والناجية من الفتن والتقلبات والنار وهي المعنية بقوله عليه الصلاة والسلام "كلها في النار إلا واحدة " فهذه الواحدة هي التي اتبعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم لها النصر والتمكين والنجاة
فلنحمد الله ـ عز وجل ـ على أن جعلنا من أتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين أخبر عليه الصلاة والسلام بنصرهم ونجاتهم وأنه لا يضرهم من خذلهم ولا يفت في عضدهم مناوئة من يعاديهم ولا يثني عزمهم خلاف من خالفهم ـ فالحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً ـ
ولهم مزايا وخصائص غير ما ذكرنا وفوق ما نشرنا فمن رامها فعليه بالكتب المصنفة في السنة كالسنة لعبدالله بن أحمد والسنة للخلال وشرح أصول السنة لللالكائي وغيرها من الكتب المصنفة في السنة وفضل التمسك بها .
أيها الإخوة الكرام حراس العقيدة السلفية الذابين عنها الرادين عن حياضها المعظمين لأهلها من أهل العلم الأفاضل وطلبته الأكارم :
هذا الطريق الذي تسلكونه ـ أسأل الله العلي الأعلى أن يثبتنا وإياكم عليه ـ هو طريق وصفه الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله : والطريق طريق تعب فيه آدم وناح لأجله نوح ورمى في النار الخليل وأضجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد اهـ من كتاب الفوائد .
فإذاً الطريق وعر ومحفوف بالمكاره ومصداق ذلك قوله تعالى ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان/20]
ويا لله العجب كم في هذه الآية من عبر وعظات ينبغي لنا أن نتأملها حق التأمل فكم أوذي أولياء الله الأنبياء فمن دونهم ممن اقتدى بهم واقتفى آثارهم لكن هل فت ذلك في عضدهم هل أجابوهم إلى ما يريدون من البعد عن شرع الله ومنهاج أنبيائه قال الله عز وجل ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام/34]
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله كما في تفسيره للآية - (ج 3 / ص 252)
هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعد له بالنصر كما نصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا، كما لهم النصر في الآخرة؛ ولهذا قال: ﴿ وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين ، كما قال: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 -173]، وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].اهـ
فالصبر الصبر يا أهل السنة على ما أولاكم الله به من النعم وحظاكم به من اتباع نبيه والتمسك بشرعه في هذا الزمان المظلم الذي كثر فيه الأدعياء وقل فيه الأصفياء .
فمن الذي يقوم في وجوه أهل الغلو من الحدادية ومن انتهج نهجهم من الفالحية ـ الحربية ـ ومن الذي يقوم في وجوه التمييع الذي حمل رايته علي الحلبي ومن اغتر بسجعه ومن الذي يرد على الحزبيين من السرورية وأتباع أبي الحسن المصري وأفراخ عبد الرحمن العدني ـ عجل الله بفضحه وقد فعل ـ ومن الذي يقوم بفضح الفراكسة الذين حملوا راية الدعوة إلى الاختلاط بحجة الضرورة والأقاييس الفاسدة الخالية عن الدليل
وهكذا من الذي يقوم ببيان بوار المنتديات القائمة على المناوئة والمكر والكيد كمنتديات كل التلفيين ومنتديات الوحلين ومنتديات سبل المجرمين وشبكة الأشري وغيرها من المنتديات التي أسستها الأيادي السود حاملة على أعتاقها التشويه والتشهير بأعلام هذه الدعوة تارة والسعي بالتحريش بينهم تارة فأهل الأهواء لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال ولا تقر عينهم إلا بتفكيك أواصر الدعاة السلفيين ويسهل عليهم بذلك القضاء على الدعوة ولكن هيهات ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولا تستر الشمس بالأكف ويبذلون في ذلك كل طاقاتهم على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾
(وإنما أعرضنا عن ذكر قيامكم في وجوه النصارى واليهود والرافضة والمعتزلة والقدرية وأصناف أهل البدع والضلالات لأن الناس متفقون على ذمهم يزعمون أنهم قائمون برد بدعتهم ولا يقومون بتوفية حق الرد عليهم كما تقومون([1]))بل ربما أنكر عليكم التشديد عليهم بحجة الرفق !!!
والحق يقال أننا لم نر من يقوم بدين الله في وجوه مثل هؤلاء حق القيام سواكم فأنتم القائمون ـ في وجوه هؤلاء إن شاء الله بقيامكم بنصرة هذا الدين العظيم على فهم سلف هذه الأمة ـ حق القيام بخلاف من ادعى من الناس أنهم يقومون بذلك([2] )
فصبرا يا إخواني على ما أقامكم الله فيه من نصرة دينه وتقويم اعوجاجه وخذلان أعدائه واستعينوا بالله ولا تأخذكم فيه لومة لائم وإنما هي أيام قلائل والدين منصور قد تولى الله إقامته ونصره ونصرة من قام به من أوليائه ـ إن شاء الله ـ ظاهرا وباطنا
وابذلوا فيما أقمتم فيه ما أمكنكم من الأنفس والأموال والأفعال والأقوال عسى أن تلحقوا بذلك بسلفكم أصحاب رسول الله فلقد عرفتم ما لقوا في ذات الله كما قال خبيب حين صلب على الجذع
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ...
وقد عرفتم ما لقي رسول الله من الضر والفاقة في شعب بني هاشم وما لقي السابقون الأولون من التعذيب والهجرة إلى الحبشة وما لقي المهاجرون والأنصار في أحد وفي بئر معونة وفي قتال أهل الردة وفي جهاد الشأم والعراق وغير ذلك
وانظروا كيف بذلوا نفوسهم وأموالهم لله حبا له وشوقا إليه فكذلك أنتم رحمكم الله كل منكم على قدر إمكانه واستطاعته بفعله وبقوله وبخطه وبقلبه وبدعائه كل ذلك جهاد أرجو أن لا يخيب من عامل الله بشيء من ذلك إذ لا عيش إلا في ذلك ولو لم يكن فيه إلا هممكم مزاحمة لأهل الزيغ مشوشة لهم تبغضونهم في الله وتطلبون استقامتهم في دين الله وذلك من الجهاد الباطن([3]) ـ إن شاء الله تعالى ـ
وهاهنا كلمة جميلة للإمام ابن الوزير ـ رحمه الله ـ : ولو أن العلماء ـ رضي الله عنهم ـ تركوا الذب عن الحق خوفاً من كلام الخلق لكانوا قد أضاعوا كثيراً وخافوا حقيراً اهـ
وقال عز وجل ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة/13]
ومن عرف حق ما يقوم به شيخنا الجليل العلامة النبيل يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله وجعله شوكة في حلوق المبتدعة ـ بين أظهر عباد الله يقوم معوجهم ويصلح فسادهم ويلم شعثهم جهد إمكانه في الزمان المظلم الذي انحرف فيه الدين وجهلت السنن وعهدت البدع وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا والقابض على دينه كالقابض على الجمر فإن أجر من قام بإظهار هذا النور في هذه الظلمات لا يوصف وخطره لا يعرف ونحن نعلم أنه لا يتكلم في شيخنا إلا أحد اثنين
أحدها أن يكون ذا سن تغير رأيه لسنه لا بمعنى أنه اضطرب بل بمعنى أن السن إذا كبر يجتهد صاحبه للحق ثم يضعه في غير مواضعه مثلا يجتهد أن إنكار المنكر واجب وهذا منكر وصاحبه قد راج على الناس فيجب علي تعريف الناس ما راج عليهم وتغيب عليه المفاسد في ذلك[4]
1ـ فمنها تخذيل الطلبة وهم مضطرون إلى محبة شيخهم ليأخذوا عنه فمتى تغيرت قلوبهم عليه ورأوا فيه نقصا حرموا فوائده
2ـ إذا شعر أهل البدع الذين نحن وشيخنا قائمون الليل والنهار بالجهاد والتوجه في وجوههم لنصرة الحق أن في أصحابنا[5] من ثلب رئيس القوم بمثل هذا فإنهم يتطرقون بذلك إلى الاشتفاءمن أهل الحق ويجعلونه حجة لهم
3ـ المفسدة الثالثة تعديد المثالب في مقابلة ما يستغرقها ويزيد عليها بأضعاف كثيرة من المناقب فإن ذلك ظلم وجهل
ثانيها : من الأمور الموجبة لذلك تغير حاله وقلبه وفساد سلوكه بحسد كان كامنا[6] فيه وكان يكتمه برهة من الزمان فظهر ذلك الكمين في قالب صورته حق ومعناه باطل([7])
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا حال عبد الرحمن العدني وأخيه ومن كان متستراً ممن أظهر الله حقده وحسده وبغضه لشيخنا ـ حفظه الله ـ وذلك بالتظلم والتوجع والاستعطاف بطريقة ماكرة ـ بل هو أمر دبر بليل فاللهم اكفنا شر كل ذي شر ـ
وفي الجملة أيدكم الله إذا رأيتم طاعنا في شيخنا وشيخكم فافتقدوه في عقله أولا ثم في فهمه ثم في صدقه ثم في سنه فإذا وجدتم الاضطراب في عقله دلكم على جهله بشيخنا وما يقول فيه وعنه ومثله قلة الفهم ومثله عدم الصدق أو قصوره لأن نقصان الفهم يؤدي إلى نقصان الصدق بحسب ما غاب عقله عنه ومثله العلو في السن فإنه يشيخ فيه الرأي والعقل كما تشيخ فيه القوى الظاهرة الحسية فاتهموا مثل هذا الشخص واحذروه وأعرضوا عنه إعراض مداراة بلا جدل ولا خصومة ...
يا سبحان الله العظيم أين عقول هؤلاء أعميت أبصارهم وبصائرهم أفلا يرون ما الناس فيه من العمى والحيرة في هذا الزمان المظلم المدلهم الذي كثر فيه علماء السوء والدعاة إلى الباطل وإقامته ودحض الحق وأهله مالا يحصر في كتاب ثم إن الله تعالى قد رحم هذه الأمة بإقامة عدد من أهل العلم الأمناء ومن بينهم هذا الشيخ الجليل الذي فرغ جهوده في مصالح العالم وإصلاح فسادهم والقيام بمهماتهم وحوائجهم ضمن ما هو قائم بصدد البدع والضلالات وتحصيل مواد العلم النبوي الذي يصلح به فساد العالم ويردهم إلى الدين الأول العتيق جهد إمكانه فهو مع هذا كله قليل ناصره كثير خاذله وحاسده والشامت فيه([8])
وليس معنى هذا أننا نقول : إنه معصوم ليس هذا من عقيدتنا ولا على هذا تربينا بل نعلم أنه يعلم ويجهل ويذكر وينسى شأنه شأن غيره من الأئمة وإنما الغاية التي نشير إليها والهدف الذي نرمي إليه أنه يجب حماية عرض من قام لله، وسعى في نصر دينه الذي شرعه وارتضاه، وترك الالتفات إلى زلاته، والاعتراض على عباراته; فمحبة الله والغيرة لدينه، ونصر كتابه ورسوله، مرتبة علية، محبوبة لله مرضية، يغتفر فيها العظيم من الذنوب، ولا ينظر معها إلى تلك الاعتراضات الواهية، والمناقشات التي تفت في عضد الداعي إلى الله، والملتمس لرضاه. وهبه كما قيل، فالأمر سهل في جنب تلك الحسنات، "وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".
فليصنع الركب ما شاؤوا لأنفسهم ... هم أهل بدر فلا يخشون من حرجِ
ولما قال المتوكل لابن الزيات: يا ابن الفاعلة، وقذف أمه، قال الإمام أحمد، رحمه الله: أرجو الله أن يغفر له، نظراً إلى حسن قصده في نصر السنة وقمع البدعة. ولما قال عمر لحاطب ما قال، ونسبه إلى النفاق، لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبره أن هناك مانعاً. والتساهل في رد الحق وقمع الداعي إليه، يترتب عليه قلع أصول الدين، وتمكين أعداء الله المشركين من الملة والدين([9]).
وهذا الخطاب إنما هو للعقال الذين يزنون الأمور بمقاييسها الشرعية وأما أولئك الأوغاد الذين حملوا على عاتقهم تشويه سمعة شيخنا والتشهير به بما يعلمونه في قرارة أنفسهم من أنه كذب وبهتان فنقول لهم قد عرف من كان له فضل وعلم أن كلام أمثالكم، وبهت أشباهكم،لشيخنا ، مما يدل على فضله وجلالته، وهيبته وفطانته، وأن ذلك مما يزيده الله به رفعة وشرفا، في الدنيا والآخرة، ويوجب - إن شاء الله - حسن العاقبة.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[سورة النور آية: 11]، وقال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [سورة آل عمران آية: 186].
ومما يستحسن لشيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، قوله شعرا:
لو لم يكن لي في القلوب مهابة *** لم تكثر الأعداء في وتقدح
كالليث لما هيب خط له الزبى *** وعوت لهيبته الكلاب النبح
وقال أبو الطيب:
يرمونني شزر العيون لأنني *** غلست في طلب العلا وتصبحوا
وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني فاضل
وقد أنطق الله ألسن المسلمين بالثناء والدعاء لهذا الشيخ، ونرجو أن الله يقبل شهادتهم، ويجيب لهم دعوتهم، ويقيل عثرته وعثرتهم ; اللهم اغفر لنا ما لا يعلمون، واجعلنا خيرا مما يظنون ; والمغرور من اغتر بثناء الناس عليه، ولم يعرف حقيقة ما منه وما لديه؛ لكن الغرض تعريفكم أن كلامكم زاده الله به رفعة وشرفا.
أيها الإخوة الكرام الذين من الله عليهم بالسنة والذب عنها وأهلها :
ما ترونه في بعض المنتديات ـ كالوحلين والتلفيين وسبيل المجرمين والأشري ـ من السب والشتم والثلب لشيخنا ولمن يدافع عنه ليس جديداً فيستغرب منه وإنما هو ديدن أهل البدع في كل زمان ومكان وإنما تجددت الوسائل وقد علمتم ما يؤثر عن السلف: أن علامة أهل البدع: الوقوع في أهل الأثر; وهؤلاء إذا قيل لهم: هاتوا، حققوا، واكتبوا لنا ما تنقمون، وقرروا الحجة بما تدّعون، أحجموا عن ذلك، وعجزوا عن مقاومة الخصوم. ومتى يُدْرِكِ الظّالِعُ شأوَ الضّليعِ؟
أماني تلقاها لكل متبر ... حقيقتها نبذ الهدى والشعائرِ
وحسابنا، وحسابهم على الله، الذي تنكشف عنده السرائر، وتظهر مخبآت الصدور والضمائر([10]) .
ورحمة الله على الإمام الذهبي حيث يقول كما في ترجمة الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ : وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا ، ونال بعض الناس منه غضا، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقل من برز في الإمامة، ورد على من خالفه إلا وعودي، نعوذ بالله من الهوى اهـ
وقال في ترجمة الشافعي ـ أيضاً ـ : وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه، وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب/69، 70] اهـ
وقال الإمام الشوكاني في ترجمة الحافظ السيوطي من كتابه البدر الطالع (ج 1 / ص 317) :
جرت عادة الله سبحانه كما يدل عليه الاستقراء برفع شان من عودى لسبب علمه وتصريحه بالحق وانتشار محاسنه بعد موته وارتفاع ذكره وانتفاع الناس بعلمه اهـ
فإذا كان الأمر كذلك وأنه قل من سلم فالشأن كل الشأن أن لا يتضعضع المحق أمام المبطل فإن الحق حق أُخذ به أو ترك والباطل باطل أُخذ به أو ترك فالخلق خلق الله والملك ملكه وإنما تعبدنا عز في علاه بإحقاق الحق وإبطال الباطل وأن لا نخاف في سبيل ذلك لومة لائم
وأحب أن أذكر في هذه العجالة شيئاً من وسائل وأسباب الثبات على الحق ـ نسأل الله الإعانة ـ
أيها الإخوة الكرام : إن وسائل وأسباب الثبات على الحق والعض عليه كثيرة فمن تلك الوسائل
1ـ معرفة الحق والقناعة به والتمسك به وعقد الولاء والبراء عليه والتوكل على الله في ذلك كله قال سبحانه وتعالى ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل/79]
قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية :[ أي ] "الواضح والذي على الحق يدعو إليه، ويقوم بنصرته أحق من غيره بالتوكل فإنه يسعى في أمر مجزوم به معلوم صدقه لا شك فيه ولا مرية. وأيضا فهو حق في غاية البيان لا خفاء به ولا اشتباه، وإذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك فلا يضرك ضلال من ضل وليس عليك هداهم اهـ
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ : قال الله تعالى لنبيه ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل/79]
فأمر سبحانه بالتوكل عليه وعقب هذا الأمر بما هو موجب للتوكل مصحح له مستدع لثبوته وتحققه وهو قوله تعالى ﴿ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ فإن كون العبد على الحق يقتضي تحقيق مقام التوكل على الله والاكتفاء به والإيواء إلى ركنه الشديد فإن الله هو الحق وهو ولي الحق وناصره ومؤيده وكافي من قام به فما لصاحب الحق أن لا يتوكل عليه وكيف يخاف وهو على الحق كما قالت الرسل لقومهم ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾ [إبراهيم/12] فعجبوا من تركهم التوكل على الله وقد هداهم وأخبروا أن ذلك لا يكون أبدا وهذا دليل على أن الهداية والتوكل متلازمان فصاحب الحق لعلمه بالحق ولثقته بأن الله ولي الحق وناصره مضطر إلى توكله على الله لا يجد بدا من توكله فإن التوكل يجمع أصلين علم القلب وعمله أما علمه فيقينه بكفايةوكيله وكمال قيامه بما وكله إليه وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك وأما عمله فسكونه إلى وكيله وطمأنينته إليه وتفويضه وتسليمه أمره إليه وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه فبهذين الأصلين يتحقق التوكل وهما جماعه اهـ المراد من طريق الهجرتين - (ج 1 / ص 388ـ389)
وقال في كلامه عن أداة "على " كما في مدارج السالكين - (ج 1 / ص 16)
قيل في أداة على سر لطيف وهو الإشعار بكون السالك على هذا الصراط على هدى وهو حق كما قال في حق المؤمنين ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة/5] أولئك على هدى من ربهم وقال لرسوله ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل/79] والله عز و جل هو الحق وصراطه حق ودينه حق فمن استقام على صراطه فهو على الحق والهدى فكان في أداة على على هذا المعنى ما ليس في أداة إلى فتأمله فإنه سر بديع
فإن قلت فما الفائدة في ذكر على في ذلك أيضا وكيف يكون المؤمن مستعليا على الحق وعلى الهدى
قلت لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى مع ثباته عليه واستقامته إليه فكان في الإتيان بأداة على ما يدل على علوه وثبوته واستقامته اهـ المراد
وقال أيضاً كما في مدارج السالكين - (ج 2 / ص 127)
وفي ذكر أمره بالتوكل مع إخباره بأنه على الحق : دلالة على أن الدين بمجموعه في هذين الأمرين : أن يكون العبد على الحق في قوله وعمله واعتقاده ونيته وأن يكون متوكلا على الله واثقا به فالدين كله في هذين المقامين اهـ
تأمل يا أخي في الله ما أنت فيه من نعمة السنة ونعمة العلم ونعمة إقامة شعائر الدين مع الأمن ونعمة تهيئ من يعلمك الخير ويرشدك إلى السنة في هذا العصر الذي كثر فيه الهرج والمرج والبعد عن الدين وكثر فيه الأدعياء وقل فيه الأمناء ـ وأعظم قلعة توفر فيها هذا الخير هي دار الحديث بدماج قلعة الإسلام والمسلمين والمكان الذي هيئه الله للإقامة ما اندثر من معالم هذا الدين على يد الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ بصر الله به عن الضلال وفتح به أعيناً كان أصحابها من العمين وخلفه من بعده تلميذه وأشبه طلابه به العلامة الجليل شيخنا يحيى بن علي الحجوري الذي أحبه أهل السنة في مشارق الأرض ومغاربها لما يرون فيه من الصلابة في الحق والأخذ به ولو في أحلك الظروف ولما ذكر وغير ما ذكر من الشمائل الطيبة قصده طلاب العلم من كل حدب وصوب بحيث لا يعرف عالم في هذا العصر رحل إليه كما رحل إليه و ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة/4]
وكذلك ما يقوم به من التعليم والتأليف والنصح والتوجيه فهذا هو العلم الذي معرفة الهدى بدليله، وإدراك الحكم على ما هو عليه في نفس الأمر ليس إلا.
وأما ما يقوم به من ناوأ الحق وتحزب فو الله لو يبني لنفسه مركزاً مثل الحرم المكي في السعة لما نفعه ذلك فالتزيي بالملابس، والتحلي بالمظاهر، والانتصاب في المدارس، من غير غيرة لدين الله، ولا نصرة لأوليائه، ولا مراغمة لأعدائه، ولا دعوة إلى سبيله، فما ذاك إلا حرفة الفارغين البطالين، الذين صحبوا الأماني، وقنعوا من الخلاق بالخسيس الفاني([11]) ؛ وهذا لا يفيد كونه ـ سنياً ـ فضلاً عن كونه عالما.
فإن لم نقنع بهذا الخير العظيم الذي نحن فيه وهذه النعم التي نحن فيها ليل نهار
فوالله نخشى أن نسلبها كما سلبها من كان قبلنا ممن لم يقنع بهذا الخير وأراد جر الفتن إليه قال سبحانه وتعالى ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد/38]
نسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى شكر نعمه الظاهرة والباطنة ونعوذ به من تحول نعمه وحلول نقمه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
2ـ الاقتداء بالأنبياء والتأمل لقصصهم التي قصها الله في القرآن مما حصل لهم وكيف أوذوا فصبروا على أذية قومهم لله حتى أتاهم نصر الله فكذلك كن يا أخي في الله فإن الله عز وجل يقول لنبيه عليه والصلاة والسلام ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود/120]
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كما في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان - (ج 1 / ص 176)
وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ قِصَصِ الْمُرْسَلِينَ الَّتِي فِيهَا تَسْلِيَةٌ وَتَثْبِيتٌ لِيَتَأَسَّى بِهِمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام/34] وَلَنَا لِأَنَّهُ أُسْوَةٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف/111] وَقَالَ : ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [فصلت/43] وَقَالَ : ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف/35] ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود/120]
3ـ عبادة الله واللجوء إليه والإكثار من ذكره والتضرع إليه قال سبحانه وتعالى مرشداً لنبيه عليه الصلاة والسلام ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر 97ـ99]
وقال سبحانه ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء/74]
وقال عن نبيه يوسف عليه السلام ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف/33، 34]
وقال عن عباده الصالحين طالوت ومن معه ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [ البقرة /250]
4ـ بذل النصيحة والتمسيك بالكتاب والسنة واستحضار أجر ذلك عند الله قال سبحانه وتعالى ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف/170] فالنصح للمسلمين أجره عظيم وشأنه جسيم ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري ـ رضي الله عنه ـ المشهور « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». علقه البخاري ووصله مسلم وفي مستخرج أبي عوانة ـ رحمه الله ـ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قالها ثلاثاً
فحصر صلى الله عليه وسلم الدين كله بالنصيحة إذ من سيق الحصر أن يأتي المبتدأ والخبر معرفين ـ والله أعلم ـ وأدلة فضل النصيحة والحث عليها كثيرة ليس هذا موضع حصرها إذ الدين كله إما أمر بالمعروف ـ التوحيد فما دونه ـ أو نهي عن المنكر ـ الشرك وما دونه ـ وإنما القصد أن من قام ناصحاً للمسلمين لا بد له من الصبر والتحمل للأذى في ذات الله وتأمل قوله تعالى ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *﴾
قال الإمام ابن القيم ـ وهو يتكلم عما اشتملت عليه هذه السورة ـ كما في عدة الصابرين - (ج 1 / ص 60)
قال الشافعى لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه قوة العلم وقوة العمل وهما الإيمان والعمل الصالح وكما هو محتاج إلى تكميل نفسه فهو محتاج إلى تكميل غيره وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر وأخية ذلك وقاعدته وساقه الذى يقوم عليه انما هو الصبر اهـ
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كما في جامع الرسائل - (ج 2 / ص 394)
فلا بد من التواصي بالحق والصبر إذ أن أهل الفساد والباطل لا يقوم باطلهم إلا بصبر عليه أيضا لكن المؤمنون يتواصون بالحق والصبر وأولئك يتواصون بالصبر على باطلهم كما قال قائلهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد
فالتواصي بالحق بدون الصبر كما يفعله الذين يقولون آمنا بالله فإذا أوذي أحدهم في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله والذين يعبدون الله على حرف فإن أصاب أحدهم خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة
والتواصي بالصبر بدون الحق كقول الذين قالوا ﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ ﴾ [ص/6] كلاهما موجب للخسران وإنما نجا من الخسران الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وهذا موجود في كل من خرج عن هؤلاء من أهل الشهوات الفاسدة وأهل الشبهات الفاسدة أهل الفجور وأهل البدع اهـ المراد
فالنصح النصح والصبر الصبر والاحتساب الاحتساب لا يمنعنكم من ذلك مهابة أحد فإنه لا هيبة لمن خالف الحق ولو كان من كان فالحق أقوى من الرجال وكذلك لا يهابنكم من قول الحق مخافة النقد والرد فإن إرادة الخير وبذل النصح مرتبة تهون عندها كل المصائب في سبيل إصدائها لما يترتب على ذلك من الخير العظيم ورحم الله الإمام ابن الوزير حيث يقول : ولو أن العلماء ـ رضي الله عنهم ـ تركوا الذب عن الحق خوفاً من كلام الخلق لكانوا قد أضاعوا كثيراً وخافوا حقيراً .
ومن قصد وجه الله تعالى ـ في عمل من أعمال البر والتقى لم يحسن منه أن يتركه لما يجوز عليه في ذلك من الخطأ وأقصى ما يخاف أن يكل حسامه في معترك المناظرة وينبوا ، ويعثر جواده في مجال المجادلة ويكبو فالأمر في ذلك قريب إن أخطأ فمن الذي عصم وإن خطئ فمن الذي ما وصم والقاصد لوجه الله لا يخاف أن ينقد عليه خلل في كلامه ولا يهاب أن يدل على بطلان قوله بل يحب الحق من حيث أتاه ويقبل الهدى ممن أهداه بل المخاشنة بالحق والنصيحة أحب إليه من المداهنة على الأقوال القبيحة وصديقك من أصدقك لا من صدّقك وفي نوابغ الكلم وبدائع الحكم : عليك بمن ينذر الإبسال والإبلاس وإياك ومن يقول : لا باس ولا تاس . اهـ [العواصم والقواصم ص224]
5ـ اعتبار الحق والأخذ به وعدم الاغترار بمن خالفه كائناً من كان ولا يتم ذلك إلا بالصبر واليقين فبهما تنال الإمامة في الدين فالحق حق أخذ به أو ترك والباطل باطل أخذ أو ترك فليس ميزان الحق كثرة الأخذ به كما أنه ليس من ميزان الباطل تركه والتنكب عنه بل الميزان في ذلك كله ما شرع الله الذي يجب الرجوع إليه كما قال سبحانه وتعالى ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء/59]
وقال سبحانه ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى/10]
فالحق ما كان حقاً في شرع الله أخذ به الناس أم لم يأخذوا به والباطل ما كان باطلاً في شرع الله أخذ به الناس أم لم يأخذوا به ـ فالميزان في ذلك ما تقدم في الآيتين ـ .
ـ ورحمة الله ـ على الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام حيث قال: «عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس. وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول».
ونحوه قول الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: «إلزم طرق الهدى، ولا يغُرّك قِلّةَ السالكين. وإيّاك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين».
فتأمل هذا الكلام ـ رحمك الله ـ واجعله نصب عينيك وذكر بها نفسك كلما سولت لك الانضمام إلى الهالكين ـ نسأل الله العلي الأعلى أن يثبتنا على الحق حتى نلقاه ـ .
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في حال من يستوحش عن الثبات على الحق لكثرة مخالفيه كما في : إغاثة اللهفان - (ج 1 / ص 69) :
"كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول : أين ذهب الناس فلي بهم أسوة وهذه حال أكثر الخلق وهي التي أهلكتهم فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب
ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له : إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك فقال : ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس فإذا رأى الراجحئي الشمس لم يحتج في علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه
وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع : حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق وأتباعه وإن كان الممتسك به قليلا والمخالف له كثيرا لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبيوأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم اهـ
6ـ عدم التزعزع وأخذ الحق بقوة فإن الحق ثقيل والأخذ به ثقيل قال سبحانه وتعالى لنبيه يحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم/12]
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في مدارج السالكين - (ج 1 / ص 470)
أي بجد واجتهاد وعزم لا كمن يأخذ ما أمر به بتردد وفتور اهـ
وقال الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند تفسيره للآية أي: بجد وحرص واجتهاد اهـ
فالأخذ بالحق بقوة وصية الله للأنبياء وهي لمن بعدهم من أتباعهم والتزعزع و الارتياب شأن المبطلين ـ نسأل الله العافية ـ
7ـ ومن وسائل الثبات على الحق مطالعة تراجم الأئمة وما حصل لهم من صنوف الأذى في سبيل نصرة السنة كالصحابة فمن دونهم من أئمة الهدى ومصابيح الدجى ورحم الله من قال : إن تراجم الأئمة جند من جنود الله ـ إي والله إنها جند من جنود الله ـ بحيث أحدهم ربما واجه أمة وحده فالحق له قوته وله هيبته ومن قام كذلك قال سبحانه وتعالى ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء/18]
8ـ ومنها مطالعة الكتب المصنفة في السنة التي تعرف من خلالها كيف كان يتعامل السلف مع أهل البدع ولا تصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
9ـ ملازمة العدل في الغضب والرضا فإن من براهين المحق أن يكون عدلا في مدحه عدلا في ذمه لا يحمله الهوى عند وجود المراد على الإفراط في المدح ولا يحمله الهوى عند تعذر المقصود على تقويل المخالف ما لم يقله بل يرد كل خطأ بحسبها مراعياً في ذلك المصالح والمفاسد على ما دل عليه الكتاب والسنة ـ لا على آراء الرجال ـ قال سبحانه وتعالى آمراً عباده المؤمنين بالعدل في الغضب والرضا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة/8]
وقال سبحانه وتعالى ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة/2]
وقال عز وجل ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة/190]
فالعدل والرحمة من أصول أهل السنة التي يسيرون عليها قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كما في الرد على البكري - (ج 2 / ص 490)
وأئمة السنة والجماعة و أهل العلم والإيمان فيهم العلم و العدل و الرحمة فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة و يعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى ﴿﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة/8]
و يرحمون الخلق فيريدون لهم الخير و الهدى و العلم لا يقصدون الشر لهم ابتداء بل إذا عاقبوهم و بينوا خطأهم و جهلهم و ظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق و رحمة الخلق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا اهـ
وقال أيضاً كما في الرد على المنطقيين - (ج 1 / ص 425)
وكل عمل يؤمر به فلا بد فيه من العدل فالعدل مأمور به في جميع الأعمال والظلم منهى عنه نهيا مطلقا
ولهذا جاءت أفضل الشرائع والمناهج بتحقيق هذا كله وتكلميه فأوجب الله العدل لكل أحد على كل أحد في كل حال كما قال تعالى يأيها الذين أمنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن فقيرا أو غنيا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا و قال تعالى وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ ﴾ أي يحملنكم بغض قوم كعدوكم الكفار على ﴿ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة/8]
وقال تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد/25] وقال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء/58]وقال تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل/90]ومثل هذا كثيراهـ
فالعدل والرحمة والرفق والرد بالحكمة والموعظة الحسنة ضرورية لمن تصدا للذب عن هذا الدين العظيم ورحم الله الإمام ابن الوزير ـ رحمه الله ـ حيث يقول : فجدير بمن انتصب في منصب الفتيا أو ترقى إلى مرتبة التدريس أو تمكن في دست التعليم وتهيأ للرد على الجاهلين والدعاء إلى سبيل رب العالمين : أن يكون مقتفياً لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عاملاً بما قال الله تعالى من الدعاء إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة .اهـ [العواصم ص262]
9ـ البعد عن جلساء السوء ومجالس الجهل والغي فإنها من أدوأ الأدواء وأعظم أسباب الانتكاس وإياك أخي أن تغالط نفسك ولا يغرنك علمك بهم فتأمن غائلتهم فتكون ممن أمن مكر الله ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف/99].
فكم من أئمة كانوا على خير وسلفية فدخلتهم البدع عن طريق مجالستهم لأهلها فهذا الإمام أبو ذر الهروي ـ رحمه الله ـ قيل له أنت هروي فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي الأشعري؟
قال: كنت ماشيًا مع الدارقطني فلقينا القاضي أبا بكر فالتزمه الدارقطني وقبَّل وجهه وعينيه, فلما افترقا قلت: من هذا؟ قال: هذا إمام المسلمين والذابّ عن الدين, القاضي أبو بكر بن الطيب. فمن ذلك الوقت تكررت إليه.اهـ [ انظر السير 17/558]
وكذلك ابن عقيل الحنبلي ومن قبله عمران بن حطان وغيرهم كثير وتأمل قول النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ». [ متفق عليه عن أبي موسى واللفظ لمسلم ]
ورحم الله الإمام ابن حبان ـ رحمه الله حيث يقول كما في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء - ( ص 101) :
العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفى بعهده وإن من سعادة المرء خصالا أربعا أن تكون زوجته موافقه وولده أبرارا وإخوانه صالحين وأن يكون رزقه في بلده
وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم وما أشبه صحبة الأشرار اهـ
فانأ يا أخي عنهم وفارقهم في الله ورحم الله الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث يقول :
فوالله لمفارقة أهل الأهواء، والبدع في هذه الدار أسهل من موافقتهم إذا قيل: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [الصافات/22]
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبعده الامام أحمد: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير/7]، قالوا فيجعل صاحب الحق مع نظيره في درجته، وصاحب الباطل مع نظيره في درجته، هنالك والله يعض الظالم على يديه إذا حصلت له حقيقة ما كان في هذه الدار عليه، يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا.اهـ
10ـ نصرة دين الله بالوقوف أما المبطلين وتشتيت شمل المُحْدثين وتقويم اعوجاجهم بسيف الكتاب والسنة فإن الله ينصر من نصره ويخذل ناصر الشيطان قال سبحانه وتعالى مخاطباً لعباده المؤمنين ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد/7]
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهو يتكلم عن القلب سيطرت عليه البدعة :
وقد لبس جلة منسوجة من الجهل والتقليد والشبهة والعناد، فإذا بذلت له النصيحة ودعي الى الحق أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد.
فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد إنذارا وتعذيرا، فقال تعالى:﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان/52]
وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التحريم/9] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصومين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يرى عساكر الإيمان وجنود السنة والقرآن وقد لبسوا للحرب لأمته، وأعدوا له عدته، وأخذوا مصافهم ووقفوا مواقفهم، وقد حمي الوطيس ودارت رحى الحرب واشتد القتال وتنادت الأقران النزال النزال، وهو في الملجأ والمغارات، والمدخل مع الخوالف كمين وإذا ساعد القدر وعزم على الخروج قعد فوق التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون إليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يقسم بالله جهد أيمانه اني معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين([12]) ، فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة أن لا يبيعها بأبخس الأثمان، وأن لا يعرضها غدا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبت قدميه في صفوف أهل العلم والإيمان، وأن لا يتحيز إلى مقالة سوى ما جاء في السنة والقرآن، فكأن قد كشف الغطاء وانجلى الغبار وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة، وعن وجوه أهل البدعة عليها غبرة ترهقها قترة، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.اهـ [ من مقدمته للكافية الشافية ]
وقال ـ رحمه الله ـ وهو يتكلم عن الأقلام :
القلم الثاني عشر القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين ورفع سنة المحقين وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها وبيان تناقضهم وتهافتهم وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل وهذا القلم في الأفلاك نظير الملوك في الأنام وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل المحاربون لأعدائهم وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل وعدو لكل مخالف للرسل فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن [ التبيان لأقسام القرآن ص ]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وبهذا أكون منتهياً عمّا قصدته وأسأله سبحانه أن يثبتنا على الحق حتى نلقاه وأن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ـ إنه هو البر الرحيم ـ
[1][ بتصرف العقود الدرية ص305]
[2]قارننه بما في [ العقود ص306]
[3] [ العقود الدرية 306ـ308]
[4]ولا يمنع أن تكون هذه الغيرة ـ المزعومة ـ مشوبة بالحسد و الحقد بل قد ظهر ذلك ظهوراً لا يحتاج إلى شاهد أو متابع ـ فنسأل الله السلامة والعافية ـ
[5] ـ يعني في أهل السنة ـ وهذا ما حصل بكلام الجابري والوصابي في شيخنا فو الله ما نصرت سنة ولا كسرت بدعة وإنما جنو على أنفسهم وغرروا ببعض الأغمار ـ والله الموعد ـ
[6]ومن هؤلاء الذين ظهر حسدهم ظهوراً لا خفاء فيه المدعو عبد الله بن عبد الرحيم البخاري الهارف بما لا يعرف فقد تقيأ قيحاً وصديداً ظناً منه بأن كلامه لا ينشر ولا يخرج إلى الناس فبصر الله بكلامه كثيراً ممن غرر بهم فإن المذعور المذكور رمى الشيخ الإمام العلامة مقبل بن هادي الوادعي بداهية الدواهي وفاقرة الفواقر وهي بدعة الخروج ولم يسبق إلى هذا من أحد بل حتى المبتدعة من المتحزبة وغيرهم لا ينازعون في سنية هذا الإمام وخلوه من البدع وإنما يتوجعون من شدته على أهل البدع وهي محمدة وليست مذمة إلا عند من نكست مناهجهم
وكذلك تنزيله لطلبة هذا الإمام منزلة المجاهيل الذين لا يدرى حالهم حتى يتبين لفضيلته موقفهم مما أسماه بفكر الخروج ـ أعوذ بالله ـ من سوء الحال و يحضرني كلام جميل للإمام الشوكاني وهو يرد على الزمخشري في طعنه بالصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص قال ـ رحمه الله ـ : وأما الطعن على صاحب رسول الله وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فإلى أين يا محمود أتدري ما صنعت وفي أي واد وقعت وعلى أي جنب سقطت ؟ ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيديك القصيرة ورجلك العرجاء أما كان لك في مكسري طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري فيا لله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه اهـ [ فتح القدير ]
فأقول للبخاري : تأمل هذا النصح الجميل والعتاب الفريد فعسى الله أن ينفعك فتقصر عن ما أنت فيه من الغرور والتيه جنبنا الله وإياك معرة السوء واللجوج في هذا الدرب المهلك درب معاداة أولياء الرحمن ـ
[7][ العقود الدرية ص 309ـ]
[8][ بتصرف من العقود الدرية ص 309ـ 310]]
[9][ فتاوى العلامة عبد اللطيف آل الشيخ ـ رحمه الله ـ 420]
ورحمة الله على الإمام الذهبي حيث يقول كما في ترجمة أبي حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ : .. فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو إن شاء الله. اهـ
[10][ رسائل العلامة عبد اللطيف آل الشيخ 1/460]
[11][بتصرف رسائل العلامة عبد اللطيف آل الشيخ 2/525]
[12]فهل سيعتبر المتوقفة ـ المخذلة ـ ؟!!!
تعليق