بسم الله الرحمن الرحيم
الذب القويم عن فضيلة المحدث الفقيه الشيخ الهلالي سليم
(الحلقة الأولى)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فإن من أعظم ما يثير الفتن، ويضرم نارها، ويغلي مراجلها، سعي الجناة بالطعن في أعراض العلماء والدعاة إلى الله على بصيرة، وإيغالهم في ذلك دون مستند شرعي، ولا برهان عقلي، اللهم إلا أقاويل واهية ليس عليها أثارة من علم، زحفوا بها على أعراضهم، فبسطوا أقلامهم وألسنتهم طعنا وقدحًا وتجديعًا، محاولة منهم لإقصائهم، ورمس جهودهم، أو لأشياء في النفوس، ومن المعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول ديننا الحنيف، ومن أعظم ركائزه إذا روعي فيه الضوابط الشرعية، والآداب المرعية، فإذا خرج عن هذا المضمار؛ صارت الأمور فوضى، وعاد المنكر معروفاً، والمعروف منكرًا، وهذا لا شك قبيح بفاعله، وأقبح منه وأسوأ إذا اتبع على ذلك، وصار الوزر عليه وزران، بله أوزار (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ..) الآية.
ولم تكن الآراء والأقوال الفارغة والخالية عروشها عن البراهين يوماً من الدهر مما يحكم بها ذماً وقدحاً على الرجال والكتب والطوائف، كما أنه لم يكن التشفي وحب الظهور على حساب أناس آخرين يوماً؛ سبيلا في نكاية الباطل وأهله، ودرباً للعزة والسؤدد، بل إن ذلك مما يورث الضِّغْن، ويوسع الخرق والفتن، ويورث الضعف والوهن، ويعود باللائمة على فاعله ومن قلده، ويزيد الأمر قبحاً على ذلك عندما يتخذ أعداء الدعوة السلفية هذا الخطل والشطط سبيلاً للسخرية والشماتة بأهل السنة، فاللهم أعذنا من شماتة الأعداء، وما تَقَوَّله الأدعياء، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء، برحمتك يا رب الأرض والسماء.
وإني لأحمد الله على ما منَّ به من هذا المقال الذي جاء إبان الهجمات الشرسة من بعض فلول المرتزقة، وغيرهم من الأجراء والأدعياء على فضيلة الشيخ المحدث سليم بن عيد الهلالي –سلمه الله من كيد الأعادي-، فقد عمِلوا طرًّا؛ على تلويث سمعته، والطعن في عرضه، والاستماتة على ذلك، وبث دعاياتهم المضللة على مستوى عال من الإعلان كالمنتديات وغيرها؛ حتى انطلى دجلهم وتضليلهم على كثير من الناس، وتناقله الأغمار والدهماء وأشباه الصحفيين بينهم على وجه الإخبار والسرور، والنصح والتقويم! –زعموا-، إلا أن هذه الحملة بارت وباءت بالفشل، ولم تجد رواجاً عند العقلاء، ولم تنفق في سوق الفطناء، بل مجوها ولفظوها لفظًا، وكرُّوا عليها بصوارم الحق والبيان، فعاد الأمر كما قال الشاعر:
ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا *** وأنك تلقى باطل القول لجلجا
وما كُنتُ في بداية الأمر أستغرب أن يقود هذه الحملة النكداء أهل الأهواء والمرجفون كما هي عادتهم؛ إذ أن الشيء من معدنه لا يُستغرب، لكن عجبي لا يكاد ينقضي حينما وقفت على أنها أيضًا معززة بمن يُشار إليهم بالبنان من أهل الخير -فيما أحسبهم والله حسيبهم-، وهذا مما يؤسف ويتحسر له، ومما تنهار أو تضعف بسببه شوكة أهل الحق، ويتخذها أهل الأهواء دغلاً ووكرًا ينطلقون منه لضرب أهل السنة بعضهم ببعض، ومما يدفع الغوغاء للتطاول على أهل الفضل والعلم، وهذا من أشد ما يثير الإحن والعداوة ؛ فهل من متعظ أو مدكر!
ورحم الله جبل الحفظ، وإمام أهل الحديث، أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري إذ يقول كما في «صحيحه» : وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب : كانوا يستحبون أن يتَمَثَّلوا بهذه الأبيات عندالفتن، قال امرؤ القيس:
الْحَـــرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ** تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولـِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ** وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَليلِ
شَمْطَــاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ** مَكْرُوهَــةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
(باب الفتنة التي تموج كموج البحر).
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في "فتح الباري"(13/59) :"و المحفوظ أن الأبيات المذكورة لعمرو بن معد يكرب الزبيدي؛ كما جزم به أبو العباس المبرد في "الكامل"... وقال أيضًا في "الفتح"(13/60): "والمراد بالتمثل بهذه الأبيات استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة، فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك؛ فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولاً "اهـ.
أهل السنة يذكرون ما لهم وما عليهم:
وهم كذلك على مرِّ التاريخ لمن سبر أقوالهم؛ عملا بأمر الله لهم: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهدآء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ...) الآية، وغيرها من الآيات مما هي في معناها، ومن السنة أمره –صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر –رضي الله عنه- بقول الحق ولو كان مُرًّا. والحديث في المسند للإمام أحمد.
وهكذا حديث عبادة بن الصامت في البيعة وهو في الصحيحين وغيرهما، وفيه: "..وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".
وفي المقابل تجد أن أهل الأهواء، وأصحاب المصالح وسائر أهل الشطط لا يذكرون إلا ما لهم تلافيًا للنقد، وحفاظًا –زعموا- على سمعتهم، ورونق مكانتهم، وهذا منهم خلاف ما أُمروا به من التواضع للحق، والصدع به، والتزام العدالة ولو كان مُرًّا.
ومن اطلع على مقالات الشيخ سليم –حفظه الله- ومواقفه من بعض الناس؛ يجد أنه ممن يذكرون ما لهم وما عليهم، فقد أبان عن موقفه بوضوح من جماعة الأردن، وأبي الحسن المصري، والمغراوي القطبي وغيرهم؛ وذلك بعدما استشعر أنهم أخذوا في السير على غير الجادة، وأن كلاليب أهل الأهواء قد جذبتهم وأحكمت شدها عليهم إلى أبعد ما يكون، ودونك أخي طالب الحق هذه النقولات من نقد الشيخ سليم –حفظه الله- لهؤلاء، يطيب لي أن أضعها ماثلة بين يديك لترى مدى تهافت ما يحاك ضده، وما يُنسب إليه في هذا المضمار.
أولاً: من أقواله في جماعة الأردن:
1- وأما من أصبح يثني عليهم –يقصد الشيخ بهذا؛ ثناء هؤلاء على محمد حسان والحويني وعرعور والمأربي والمغراوي وغيرهم - في بلادنا حديثًا ويزكيهم ويطلب لهم المعاذير؛ فلا صلة لي بهم منذ سنتين تقريبًا لا من قريب ولا من بعيد.(المصدر: رسالة الشيخ حفظه الله إلى أخيه الشيخ يحيى الحجوري).
2- "مشهور؛ الحقيقة بعد تجربة طويلة معه لا يزال على إخوانيته، لا يزال على إخوانيته، يعني: يُظهر السلفية لكن بلبوس إخواني" (شريط بعنوان: كلام الشيخ سليم في مشايخ الشام).
3- "هؤلاء (الأثبات الثقات!)؛ هم الذين انحرفوا بالدَّعوَة والمركز وانتموا في أحضان القطبية والتكفيرية في الإسكندرية والقاهرة".(المصدر/ شريط لقاء عام مع طلبة العلم من دماج)، وبالمناسبة فالشريط فرغته منذ شهور، ووشحته ببعض التعليقات وعنونت المادة بـــ" فصل الخطاب في دكِّ أراجيف أهل الكذب وتهاويل أهل الشغب وجهالات أهل العتاب" أسأل الله أن ينفع به.
4- الذين يُزكون حتى هذه الساعة المأربي والمغرواي والحويني وحسان وعرعور، بل مَن ُهم أشد منهم كإحياء التراث وغيرها، بل هم أسوء من هؤلاء جميعًا، بل إنهم الآن يضعون الآن يَدَهُم بِيَدِ روافض العراق قاتلهم الله أنى يؤفكون.
5-"حملة شعواء؛ يقودها مرجفون"، "تلك الفئة الباغية"، "نقضوا العهد ما يزيد عن خمس مرات، وتواطئوا على الكذب والزور مراتٍ وكرات، وكتموا الحقيقة وَزَوَّرُوا الادعاءات"، "وهم يسيرون على مبدأ الإعلاميين الكذبة؛ اكذب واكذب حتى يصدقك الناس، بل كذبوا حتى صدَّقوا أنفسهم، لقد وشوا وتآمروا، وقبضوا ثمن ذلك سيارات واشتروا شققًا وعمارات، وتحالفوا من أجل ذلك مع أهل الأهواء والبدع؛ الذين كانوا من قبل يُطلقون فيهم القول الفظيع، ويُشنعون عليهم بضروب التشنيع، ويصفونهم بأنهم أخطر من اليهود والنصارى على الدعوة السلفية"، "شياطين الفئة الباغية" / المصدر: شريط لقاء عام .."
ثانيًـا: من أقواله في عرعور والحويني ومحمد حسان وأبي الحسن المصري و مشهور حسن وليس بحسن وغيرهم:
1-"وأما أولئك الدعاة الذين كانوا في بداية أمرهم فيما ظهر لنا منهم على الجادة مع السلفيين؛ ثم قلبوا للسلفية ومشايخها ظهر المجن؛ كعرعور والمغراوي والمأربي فهؤلاء لستُ منهم في شيء لا في الحال ولا في المآل، إلا أن يعودوا إلى هذه الدعوة المباركة، ويتركوا أهل البدع الذين يثنون عليهم، ويرجعوا عن مقالاتهم التي خالفوا فيها أصول الدعوة السلفية وثوابتها، ويلحق بهؤلاء الجمعيات في الكويت والأمارات واليمن إلى آخره؛ التي ظاهرها السلفية وباطنها الحزبية المقيتة" (المصدر/رسالة الشيخ سليم للشيخ يحيى الحجوري).
2- " وأما محمد ابن حسان والحويني وأفراخهم فقد بيَّنتُ حالهم في بعض كتبي وكثير من دروسي، فهم عندي غير سلفيين ابتداء، بل هم قطبيون حتى النخاع" (المصدر السابق)
3-"لقد بيَّنتُ ولو بعد حين؛ موقفي الصريح من المأربي والمغراوي ومن قبل في عرعور والحويني ومحمد حسان وأمثالهم، وعندما رأيتُ انحراف الفئة الباغية نحو هؤلاء الضلال وأمثالهم من أهل البدع؛ كمجموعة الإسكندرية؛ أعلنتُ نصرتي وموالاتي لإخواني السلفيين في الحجاز كالشيخ ربيع وإخوانه علماء المدينة، وإخواني السلفيين في اليمن كالشيخ يحيى وإخوانه من طلاب العلم، والكُلُّ يعلم أن هؤلاء ومن كان معهم هم فئتي التي أتحيَّزُ لها في المنهج والدعوة والعقيدة". (شريط لقاء عام ..).
4-" إن موقفي من المأربي منذ البدايات؛ أنني خطَّأتُ المأربي، وإنما كان الخلاف هل الرجل مبتدعٌ أو لا" (م. السابق).
5- "ونبرأ إلى الله من أهل البدع ومن الحزبيين ومن سلك منهجهم، ولذلك فإن موقفي من الحركات الحزبية وما تفرع عنها ومنها معلوم كما في كتابي "الجماعات الإسلامية المعاصرة في ضوء الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح" والذي كتبتُه منذ ثلاثين سنة" (المصدر السابق).
فماذا يريد الناقمون والمغرضون بعد هذا من الشيخ سليم ، وليعلم من اغتر ببهرج الأقاويل، وزمجرة العويل والصياح الذي لا زمام له ولا خطام، و الذي يُطبَّل له هذه الأيام بالخصوص ؛ أن الخطأ والباطل والعدوان مرفوض وملفوظ ومردود على قائله، مهما على كعبه، وغاصت في العلم قدمه، لأنَّا وجدنا تلك الأقاويل مجرد دعاوى لا برهان عليها، ولو فُتِح هذا الباب الأفلج على مصراعيه؛ لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصل الحديث في الصحيحين .
ومما يستغرب له؛ أن هذا اللمز والقدح في الشيخ سليم –حفظه الله- يأتي على إثر زياراته لإخوانه المشايخ والطلاب في اليمن السعيد للدعوة والمؤازرة، وكأن في ذلك ردُّ فعلٍ على هذا التحرك والتأييد المباشر، مما يُشعر بعدم الرضا ليس بالشيخ سليم فحسب؛ بله أشياء وأشياء كفانا الله شر كل ذي شر.
تنبيـه :
الشيخ سليم يُخطئ كغيره من بني آدم ، كما قال النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:" كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" وهذا شيء مُسَلَّم به؛ لكن أردت التنويه بذكره لأني رأيت خروجًا عن الإنصاف في معاملة بعض الناس له، وبالمناسبة فقد سمعت الشيخ غير ما مرة؛ يحثُّ من كانت عنده ملاحظة عليه أن يراسله ويكاتبه في ذلك ناصحًا ومقومًا؛ وأنه ليس ممن يُغلقون آذانهم في وجوه الناصحين، فهذا مما يُشكر عليه –وفقه الله- ويدل على التواضع للحق، واحترام للخلق، حتى إن الناظر في كلامه ونقده على من نصب له العداوة تراه يلتزم في كلامه عليه العدل، والقول الجزل، الذي لا يخرج به عن منهج النقد وأدبه، كيف لا؛ وهو القائل: ".. أني بإذن الله لم ألجأ إلى الرد بمفردات قاموسهم القذر، ولم أُطلق فيهم الأوصاف التي يستحقونها، ولن أشمت بهم؛ وقد فضحهم الله في بيوتهم، وبين أولادهم، وعند أقرب الناس إليهم، لأن السب والشتم حجة العاجز، ودليل الكذاب، وزاد الدعي" (من شريط: لقاء عام) ، في حين نرى كلام المناوئين له على خوائه وإفلاسه من الحجة؛ كثيره في قمة الدناءة والوضاعة، وجرأة بالغة كأن المنتقد عندهم من رؤوس أهل البدع –نسأل الله العافية والسلامة- حتى إن المتأمل فيه يجده أبعد ما يكون عن النصح والتواصي بالحق والصبر والمرحمة، فأين هي وشائج الأخوة والدين عند من لا يريدون إلا الإطاحة والشماتة بخصومهم ممن هم في الصف السلفي؟!، فإذا كان "الدين النصيحة" كما جاء في الحديث وهو عند مسلم (55)، فكيف نصحح هذا التحامل من بعض الناس على الشيخ سليم ونؤول له على ما فيه ؟!!
ولقائل أن يقول: هل الناقمون على الشيخ سليم هذه الأيام سبق لهم أن أقدموا على نصحه وإشعاره بذلك، من باب "الدين النصيحة"، و" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!
وهذا لا يعني أن الخطأ لا يُردُّ على قائله ابتداءً، فقد جاء عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، .." الحديث، لكن يفرق في ذلك بين النصيحة والتعيير، وبين من هو على الجادة ممن هو على المحادة ، نقول هذا على فرض حصول ما يدعو للنصح والمصارحة –وما حصل ما يدعو لذلك، ولو جصل ما وقع لا نصح ولا مصارحة، ولكن ملفات وتتبع عثرات! فالله المستعان-، أمَا والأمر كما يظهر شغب ومجازفة، وظنون واهية، وقيل وقال، فلا عبرة بذلك، وحسبنا أن نقول: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، وهكذا ما جاء في المثل: "أثبت العرش ثم انقش"، وما سوى ذلك خرط القتاد، ومن رام النجاة ينأى بنفسه عن قَفْوِ السراب وما ليس له به علم، و"كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع".
والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو الدرداء عبد الله أسكناري المغربي
24 من ذي القعدة 1431
أكادير /المملكة المغربية
الذب القويم عن فضيلة المحدث الفقيه الشيخ الهلالي سليم
(الحلقة الأولى)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فإن من أعظم ما يثير الفتن، ويضرم نارها، ويغلي مراجلها، سعي الجناة بالطعن في أعراض العلماء والدعاة إلى الله على بصيرة، وإيغالهم في ذلك دون مستند شرعي، ولا برهان عقلي، اللهم إلا أقاويل واهية ليس عليها أثارة من علم، زحفوا بها على أعراضهم، فبسطوا أقلامهم وألسنتهم طعنا وقدحًا وتجديعًا، محاولة منهم لإقصائهم، ورمس جهودهم، أو لأشياء في النفوس، ومن المعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول ديننا الحنيف، ومن أعظم ركائزه إذا روعي فيه الضوابط الشرعية، والآداب المرعية، فإذا خرج عن هذا المضمار؛ صارت الأمور فوضى، وعاد المنكر معروفاً، والمعروف منكرًا، وهذا لا شك قبيح بفاعله، وأقبح منه وأسوأ إذا اتبع على ذلك، وصار الوزر عليه وزران، بله أوزار (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ..) الآية.
ولم تكن الآراء والأقوال الفارغة والخالية عروشها عن البراهين يوماً من الدهر مما يحكم بها ذماً وقدحاً على الرجال والكتب والطوائف، كما أنه لم يكن التشفي وحب الظهور على حساب أناس آخرين يوماً؛ سبيلا في نكاية الباطل وأهله، ودرباً للعزة والسؤدد، بل إن ذلك مما يورث الضِّغْن، ويوسع الخرق والفتن، ويورث الضعف والوهن، ويعود باللائمة على فاعله ومن قلده، ويزيد الأمر قبحاً على ذلك عندما يتخذ أعداء الدعوة السلفية هذا الخطل والشطط سبيلاً للسخرية والشماتة بأهل السنة، فاللهم أعذنا من شماتة الأعداء، وما تَقَوَّله الأدعياء، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء، برحمتك يا رب الأرض والسماء.
وإني لأحمد الله على ما منَّ به من هذا المقال الذي جاء إبان الهجمات الشرسة من بعض فلول المرتزقة، وغيرهم من الأجراء والأدعياء على فضيلة الشيخ المحدث سليم بن عيد الهلالي –سلمه الله من كيد الأعادي-، فقد عمِلوا طرًّا؛ على تلويث سمعته، والطعن في عرضه، والاستماتة على ذلك، وبث دعاياتهم المضللة على مستوى عال من الإعلان كالمنتديات وغيرها؛ حتى انطلى دجلهم وتضليلهم على كثير من الناس، وتناقله الأغمار والدهماء وأشباه الصحفيين بينهم على وجه الإخبار والسرور، والنصح والتقويم! –زعموا-، إلا أن هذه الحملة بارت وباءت بالفشل، ولم تجد رواجاً عند العقلاء، ولم تنفق في سوق الفطناء، بل مجوها ولفظوها لفظًا، وكرُّوا عليها بصوارم الحق والبيان، فعاد الأمر كما قال الشاعر:
ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا *** وأنك تلقى باطل القول لجلجا
وما كُنتُ في بداية الأمر أستغرب أن يقود هذه الحملة النكداء أهل الأهواء والمرجفون كما هي عادتهم؛ إذ أن الشيء من معدنه لا يُستغرب، لكن عجبي لا يكاد ينقضي حينما وقفت على أنها أيضًا معززة بمن يُشار إليهم بالبنان من أهل الخير -فيما أحسبهم والله حسيبهم-، وهذا مما يؤسف ويتحسر له، ومما تنهار أو تضعف بسببه شوكة أهل الحق، ويتخذها أهل الأهواء دغلاً ووكرًا ينطلقون منه لضرب أهل السنة بعضهم ببعض، ومما يدفع الغوغاء للتطاول على أهل الفضل والعلم، وهذا من أشد ما يثير الإحن والعداوة ؛ فهل من متعظ أو مدكر!
ورحم الله جبل الحفظ، وإمام أهل الحديث، أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري إذ يقول كما في «صحيحه» : وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب : كانوا يستحبون أن يتَمَثَّلوا بهذه الأبيات عندالفتن، قال امرؤ القيس:
الْحَـــرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ** تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولـِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ** وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَليلِ
شَمْطَــاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ** مَكْرُوهَــةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
(باب الفتنة التي تموج كموج البحر).
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في "فتح الباري"(13/59) :"و المحفوظ أن الأبيات المذكورة لعمرو بن معد يكرب الزبيدي؛ كما جزم به أبو العباس المبرد في "الكامل"... وقال أيضًا في "الفتح"(13/60): "والمراد بالتمثل بهذه الأبيات استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة، فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك؛ فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولاً "اهـ.
أهل السنة يذكرون ما لهم وما عليهم:
وهم كذلك على مرِّ التاريخ لمن سبر أقوالهم؛ عملا بأمر الله لهم: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهدآء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ...) الآية، وغيرها من الآيات مما هي في معناها، ومن السنة أمره –صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر –رضي الله عنه- بقول الحق ولو كان مُرًّا. والحديث في المسند للإمام أحمد.
وهكذا حديث عبادة بن الصامت في البيعة وهو في الصحيحين وغيرهما، وفيه: "..وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".
وفي المقابل تجد أن أهل الأهواء، وأصحاب المصالح وسائر أهل الشطط لا يذكرون إلا ما لهم تلافيًا للنقد، وحفاظًا –زعموا- على سمعتهم، ورونق مكانتهم، وهذا منهم خلاف ما أُمروا به من التواضع للحق، والصدع به، والتزام العدالة ولو كان مُرًّا.
ومن اطلع على مقالات الشيخ سليم –حفظه الله- ومواقفه من بعض الناس؛ يجد أنه ممن يذكرون ما لهم وما عليهم، فقد أبان عن موقفه بوضوح من جماعة الأردن، وأبي الحسن المصري، والمغراوي القطبي وغيرهم؛ وذلك بعدما استشعر أنهم أخذوا في السير على غير الجادة، وأن كلاليب أهل الأهواء قد جذبتهم وأحكمت شدها عليهم إلى أبعد ما يكون، ودونك أخي طالب الحق هذه النقولات من نقد الشيخ سليم –حفظه الله- لهؤلاء، يطيب لي أن أضعها ماثلة بين يديك لترى مدى تهافت ما يحاك ضده، وما يُنسب إليه في هذا المضمار.
أولاً: من أقواله في جماعة الأردن:
1- وأما من أصبح يثني عليهم –يقصد الشيخ بهذا؛ ثناء هؤلاء على محمد حسان والحويني وعرعور والمأربي والمغراوي وغيرهم - في بلادنا حديثًا ويزكيهم ويطلب لهم المعاذير؛ فلا صلة لي بهم منذ سنتين تقريبًا لا من قريب ولا من بعيد.(المصدر: رسالة الشيخ حفظه الله إلى أخيه الشيخ يحيى الحجوري).
2- "مشهور؛ الحقيقة بعد تجربة طويلة معه لا يزال على إخوانيته، لا يزال على إخوانيته، يعني: يُظهر السلفية لكن بلبوس إخواني" (شريط بعنوان: كلام الشيخ سليم في مشايخ الشام).
3- "هؤلاء (الأثبات الثقات!)؛ هم الذين انحرفوا بالدَّعوَة والمركز وانتموا في أحضان القطبية والتكفيرية في الإسكندرية والقاهرة".(المصدر/ شريط لقاء عام مع طلبة العلم من دماج)، وبالمناسبة فالشريط فرغته منذ شهور، ووشحته ببعض التعليقات وعنونت المادة بـــ" فصل الخطاب في دكِّ أراجيف أهل الكذب وتهاويل أهل الشغب وجهالات أهل العتاب" أسأل الله أن ينفع به.
4- الذين يُزكون حتى هذه الساعة المأربي والمغرواي والحويني وحسان وعرعور، بل مَن ُهم أشد منهم كإحياء التراث وغيرها، بل هم أسوء من هؤلاء جميعًا، بل إنهم الآن يضعون الآن يَدَهُم بِيَدِ روافض العراق قاتلهم الله أنى يؤفكون.
5-"حملة شعواء؛ يقودها مرجفون"، "تلك الفئة الباغية"، "نقضوا العهد ما يزيد عن خمس مرات، وتواطئوا على الكذب والزور مراتٍ وكرات، وكتموا الحقيقة وَزَوَّرُوا الادعاءات"، "وهم يسيرون على مبدأ الإعلاميين الكذبة؛ اكذب واكذب حتى يصدقك الناس، بل كذبوا حتى صدَّقوا أنفسهم، لقد وشوا وتآمروا، وقبضوا ثمن ذلك سيارات واشتروا شققًا وعمارات، وتحالفوا من أجل ذلك مع أهل الأهواء والبدع؛ الذين كانوا من قبل يُطلقون فيهم القول الفظيع، ويُشنعون عليهم بضروب التشنيع، ويصفونهم بأنهم أخطر من اليهود والنصارى على الدعوة السلفية"، "شياطين الفئة الباغية" / المصدر: شريط لقاء عام .."
ثانيًـا: من أقواله في عرعور والحويني ومحمد حسان وأبي الحسن المصري و مشهور حسن وليس بحسن وغيرهم:
1-"وأما أولئك الدعاة الذين كانوا في بداية أمرهم فيما ظهر لنا منهم على الجادة مع السلفيين؛ ثم قلبوا للسلفية ومشايخها ظهر المجن؛ كعرعور والمغراوي والمأربي فهؤلاء لستُ منهم في شيء لا في الحال ولا في المآل، إلا أن يعودوا إلى هذه الدعوة المباركة، ويتركوا أهل البدع الذين يثنون عليهم، ويرجعوا عن مقالاتهم التي خالفوا فيها أصول الدعوة السلفية وثوابتها، ويلحق بهؤلاء الجمعيات في الكويت والأمارات واليمن إلى آخره؛ التي ظاهرها السلفية وباطنها الحزبية المقيتة" (المصدر/رسالة الشيخ سليم للشيخ يحيى الحجوري).
2- " وأما محمد ابن حسان والحويني وأفراخهم فقد بيَّنتُ حالهم في بعض كتبي وكثير من دروسي، فهم عندي غير سلفيين ابتداء، بل هم قطبيون حتى النخاع" (المصدر السابق)
3-"لقد بيَّنتُ ولو بعد حين؛ موقفي الصريح من المأربي والمغراوي ومن قبل في عرعور والحويني ومحمد حسان وأمثالهم، وعندما رأيتُ انحراف الفئة الباغية نحو هؤلاء الضلال وأمثالهم من أهل البدع؛ كمجموعة الإسكندرية؛ أعلنتُ نصرتي وموالاتي لإخواني السلفيين في الحجاز كالشيخ ربيع وإخوانه علماء المدينة، وإخواني السلفيين في اليمن كالشيخ يحيى وإخوانه من طلاب العلم، والكُلُّ يعلم أن هؤلاء ومن كان معهم هم فئتي التي أتحيَّزُ لها في المنهج والدعوة والعقيدة". (شريط لقاء عام ..).
4-" إن موقفي من المأربي منذ البدايات؛ أنني خطَّأتُ المأربي، وإنما كان الخلاف هل الرجل مبتدعٌ أو لا" (م. السابق).
5- "ونبرأ إلى الله من أهل البدع ومن الحزبيين ومن سلك منهجهم، ولذلك فإن موقفي من الحركات الحزبية وما تفرع عنها ومنها معلوم كما في كتابي "الجماعات الإسلامية المعاصرة في ضوء الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح" والذي كتبتُه منذ ثلاثين سنة" (المصدر السابق).
فماذا يريد الناقمون والمغرضون بعد هذا من الشيخ سليم ، وليعلم من اغتر ببهرج الأقاويل، وزمجرة العويل والصياح الذي لا زمام له ولا خطام، و الذي يُطبَّل له هذه الأيام بالخصوص ؛ أن الخطأ والباطل والعدوان مرفوض وملفوظ ومردود على قائله، مهما على كعبه، وغاصت في العلم قدمه، لأنَّا وجدنا تلك الأقاويل مجرد دعاوى لا برهان عليها، ولو فُتِح هذا الباب الأفلج على مصراعيه؛ لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصل الحديث في الصحيحين .
ومما يستغرب له؛ أن هذا اللمز والقدح في الشيخ سليم –حفظه الله- يأتي على إثر زياراته لإخوانه المشايخ والطلاب في اليمن السعيد للدعوة والمؤازرة، وكأن في ذلك ردُّ فعلٍ على هذا التحرك والتأييد المباشر، مما يُشعر بعدم الرضا ليس بالشيخ سليم فحسب؛ بله أشياء وأشياء كفانا الله شر كل ذي شر.
تنبيـه :
الشيخ سليم يُخطئ كغيره من بني آدم ، كما قال النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:" كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" وهذا شيء مُسَلَّم به؛ لكن أردت التنويه بذكره لأني رأيت خروجًا عن الإنصاف في معاملة بعض الناس له، وبالمناسبة فقد سمعت الشيخ غير ما مرة؛ يحثُّ من كانت عنده ملاحظة عليه أن يراسله ويكاتبه في ذلك ناصحًا ومقومًا؛ وأنه ليس ممن يُغلقون آذانهم في وجوه الناصحين، فهذا مما يُشكر عليه –وفقه الله- ويدل على التواضع للحق، واحترام للخلق، حتى إن الناظر في كلامه ونقده على من نصب له العداوة تراه يلتزم في كلامه عليه العدل، والقول الجزل، الذي لا يخرج به عن منهج النقد وأدبه، كيف لا؛ وهو القائل: ".. أني بإذن الله لم ألجأ إلى الرد بمفردات قاموسهم القذر، ولم أُطلق فيهم الأوصاف التي يستحقونها، ولن أشمت بهم؛ وقد فضحهم الله في بيوتهم، وبين أولادهم، وعند أقرب الناس إليهم، لأن السب والشتم حجة العاجز، ودليل الكذاب، وزاد الدعي" (من شريط: لقاء عام) ، في حين نرى كلام المناوئين له على خوائه وإفلاسه من الحجة؛ كثيره في قمة الدناءة والوضاعة، وجرأة بالغة كأن المنتقد عندهم من رؤوس أهل البدع –نسأل الله العافية والسلامة- حتى إن المتأمل فيه يجده أبعد ما يكون عن النصح والتواصي بالحق والصبر والمرحمة، فأين هي وشائج الأخوة والدين عند من لا يريدون إلا الإطاحة والشماتة بخصومهم ممن هم في الصف السلفي؟!، فإذا كان "الدين النصيحة" كما جاء في الحديث وهو عند مسلم (55)، فكيف نصحح هذا التحامل من بعض الناس على الشيخ سليم ونؤول له على ما فيه ؟!!
ولقائل أن يقول: هل الناقمون على الشيخ سليم هذه الأيام سبق لهم أن أقدموا على نصحه وإشعاره بذلك، من باب "الدين النصيحة"، و" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!
وهذا لا يعني أن الخطأ لا يُردُّ على قائله ابتداءً، فقد جاء عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، .." الحديث، لكن يفرق في ذلك بين النصيحة والتعيير، وبين من هو على الجادة ممن هو على المحادة ، نقول هذا على فرض حصول ما يدعو للنصح والمصارحة –وما حصل ما يدعو لذلك، ولو جصل ما وقع لا نصح ولا مصارحة، ولكن ملفات وتتبع عثرات! فالله المستعان-، أمَا والأمر كما يظهر شغب ومجازفة، وظنون واهية، وقيل وقال، فلا عبرة بذلك، وحسبنا أن نقول: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، وهكذا ما جاء في المثل: "أثبت العرش ثم انقش"، وما سوى ذلك خرط القتاد، ومن رام النجاة ينأى بنفسه عن قَفْوِ السراب وما ليس له به علم، و"كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع".
والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو الدرداء عبد الله أسكناري المغربي
24 من ذي القعدة 1431
أكادير /المملكة المغربية
تعليق