"من لم يجمع بين النقد والتحذير وبين طلب العلم فهو ناقص ومفرط"
...:: العلامة/ مقبل الوادعي رحمه الله مجيبا على سؤال::...
سؤال : يلاحظ على بعض من ينتسب إلى السلفية الاشتغال بالنقد والتحذير من الفرق وإهمال طلب العلم ، وآخر اهتم بالعلم وترك التحذير حتى وصل بهم الأمر أنهم قالوا : إن النقد ليس من منهج أهل السنة في شيء . فما الصواب في ذلك ؟
الجواب : هؤلاء الذين يشتغلون بالنقد والتحذير يعتبرون مفرطين في طلب العلم ومفرطين في شأن النقد ، فعلماؤنا إذا نظرت إلى ترجمة ابن أبي حاتم وجدته حافظا كبيرا بل لقب بشيخ الإسلام ، وهكذا الإمام البخاري ، والإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن حبان والحاكم ، فقد أخرجوا المؤلفات النافعة في التفسير وعلم الحديث ، وألفوا الكتب النافعة وحفظوا لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأخرجوا الكتب النافعة في الجرح والتعديل ، فلا بد من الجمع بين هذا وهذا وإلا كان الشخص ناقصا ومفرطا .
وأنا أسألك بأي ميزان تزن الناس إذا كنت جاهلا بالعلم النافع أتزنهم بالهوى ، أم بما قال لك الشيخ فلان ؟ فإذا تراجع الشيخ فلان تراجعت ، وإذا حمل على طائفة حملت ، فلابد من الجمع بين هذا وهذا .
والطرف الآخر الذين يهتمون بالعلم ولا يرفعون رأسا إلى التعديل فهذا الطرف في نظري أحسن من الطرف الأول ، لأن الطرف الأول يتصدى لما ليس من شأنه أن يتصدى له ، لكن هذا الطرف هدم جانبا مهما .
ورسالة أخينا بكر بن عبد الله أبي زيد " تصنيف الناس بين الظن واليقين " تعتبر أردى ما ألف ، فكثير من مؤلفاته بحمد الله تعتبر من أحسن المؤلفات فجزاه الله خيرا .
أما أن يهدم الجرح والتعديل فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم :
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ {10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ {11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ {12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {13}
} سورة القلم .
، ويقول أيضا :
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ {5} }سورة المسد.
والله سبحانه وتعالى يجرح أبا لهب ويجرح امرأته أيضا ، وموسى عند أن أراد أن يبطش بالقبطي قال لصاحبه :
{... إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ {18} }سورة القصص .
فهذا دليل على جواز التجريح .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لرجل : ( بئس أخو العشيرة ) ، فلما دخل ألان له الكلام ، فسألته عائشة فقال : ( إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة .
ويقول أيضا كما في الصحيح من حديث عائشة تقول له امرأة أبي سفيان : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرها على جرح أبي سفيان ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( من سيدكم يا بني سلمة ؟ ) قالوا : الجد بن قيس ؛ على أنا نبخله ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أي داء أدوأ من البخل ؟ سيدكم عمرو بن الجموح ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل : ( أفتان أنت يا معاذ ؟ ) ، ويقول لأبي ذر : ( إنك رجل فيك جاهلية ) ، ويقول لبعض نسائه : ( إنكن صواحب يوسف ) .
وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا ) ، وتفسير الليث على أنهما منافقان لم يسلم له .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحمل بن مالك بن النابغة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في امرأة ضربت امرأة أخرى فأسقط جنينها فقال : ( فيه غرة عبد أو أمة ) ، فقال حمل بن مالك بن النابغة : يا رسول الله ! كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل فمثل ذلك يطل ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنما هذا من إخوان الكهان ) من أجل سجعه .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ) ،
ويقول في الخوارج : ( إنهم كلاب أهل النار ) ،
ويقول أيضا : ( إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) .
فالذي يزهد في الجرح والتعديل فهو يزهد في السنة ، فإذا لم يكن هناك جرح ولا تعديل فإن كلام الداعي إلى الله العالم الفاضل مثل كلام علي الطنطاوي ، أو مثل كلام محمود الصواف ، أو مثل كلام الشعراوي ، أو مثل كلام الشيعة الرافضة ، أو مثل كلام الصوفي حسن السقاف .
فأنا أقول لا يزهد في هذا العلم إلا رجل جاهل ، أو رجل في قلبه حقد ، أو رجل يعلم أنه مجروح فهو ينفر عن الجرح والتعديل ، لأنه يعلم أنه مجروح .
وأبى الله إلا أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يظهر الحق ، فأصبح أهل السنة يلهجون بالجرح والتعديل وكأنهم كانوا نياما فيسر الله لهم بمن يوقظهم ، فما كانوا يتكلمون في الجرح والتعديل وكأنه خاص بزمن البخاري ومسلم ، ألا نجرح الآن من يقول : الديمقراطية لا تتنافى مع الإسلام ، أليس حقيقا بأن يجرح وأن يبين للناس بأنه دجال من الدجاجلة ، ألا تجرح الآن من يسب علماء المسلمين ، فلماذا يجرحون علماءنا الأفاضل ونحن نسكت عن هذا ؟!
فلابد من الجمع بين هذا وذاك ، أما لو قرأنا سير الصحابة وقرأنا سير التابعين وأتباع التابعين ، هؤلاء يقولون : كيف لو سمعوا كلام الذهبي : رتن وما رتن دجال من الدجاجلة ادعى الصحبة بعد ستمائة عام ، أو سمعوا قول الشافعي : الرواية عن حرام بن عثمان : حرام ، أو قول الشافعي أيضا : من روى عن البياضي بيض الله عيونه ، كيف لو سمعوا هذا الكلام ، يقولون الإمام الشافعي هذا متشدد متزمت يطعن في المسلمين والعلماء .
نحن نتحداكم أن تثبتوا أننا طعنا في العلماء ، طعنا في الديمقراطيين والذين يقولون بالرأي والرأي الآخر ، وفي الذين يعترفون بقرارات مجلس الأمن ، ويقولون : ليس هذا زمان حدثنا وأخبرنا وهذا حديث صحيح وهذا حديث ضعيف .
فنقول لهم : بل هذا زمانه لأنه قد كثرت الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ونختم كلامنا هذا بقول الحافظ الصوري رحمه الله تعالى إذ يقول :
وأنا لا أريد من السني أن يشغل وقته ، يجعل وقتا للجماعات ، ووقتا أكبر للتنفس والنزهة ، ووقتا للأكل والنوم ، بل أريده كما قيل :
وقد كتب إلي بعض إخواني في الله وقالوا : لا تشغل نفسك بهذا ، فهم يظنون أنني أشغل نفسي بهذا الأمر ، فأنا لا أشغل نفسي بهذا الأمر بحمد الله ، فالكتابة في وقتها والتعليم في وقته ، والجرح والتعديل في وقته .
وكان ابن الجوزي يتحدى أهل زمانه أن يأتوا أو يحدثوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة وهو موجود . وهكذا غير ابن الجوزي من العلماء المتقدمين قبله كانوا يتحدون معاصريهم أن يأتوا بأحاديث ضعيفة أو موضوعة وهم موجودون .
والحمد لله انتشرت السنة وأخذ الإخوان المفلسون يدرسون في المصطلح ، ولكن كما يقال : تسبيحة حارس ، فليست إلا من أجل أن يقبضوا شبابهم حتى لا يتفلتون عليهم .
وعبدالله صعتر ، أخذ "شرح الطحاوية" يدرس فيه ، لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا عبدالله صعتر ، فحضر أول ليلة جمع كبير ، والليلة الثانية أقل ، والليلة الثالثة أقل ، وبعدها نحو سبعة وبعدها نحو ثلاثة ، فهو لا يعرف إلا قالت صحيفة الحياة وقالت إذاعة لندن ، وقالت صحيفة كذا ، فهم أرادوا أن يتشبثوا بشبابهم يقولون : نحن ندرس العقيدة وندرس المصطلح وكذا , وكذا .
ولكن كما يقال : رجعت حليمة إلى عادتها القديمة ، لما رأوا هذا لا ينفع ولا يجدي رجعوا إلى الكذب والتلبيس .
وقال العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى :
( ... فأنا أنصحكم أن تقبلوا إقبالا كليا على طلب العلم النافع ، وأن تحيوا سنة المحدثين رحمهم الله تعالى .
فتحصيل العلم النافع أمر مهم ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم :
{......... فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } {122} سورة التوبة .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) .
وعلماؤنا المتقدمون الذين ذاقوا حلاوة العلم وعرفوا قدر العلم كان أحدهم يرحل من مسافة بعيدة من أجل حديث واحد كما في كتاب "الرحلة" للخطيب .
وإياكم إياكم أن تشتغلوا بالقيل والقال ، أو بالحزبيات والجمعيات التي هي حزبيات مغلفة ، أو حتى بالكلام في المبتدعة ، فأنا أريد منكم قبل هذا أن تطلبوا العلم ، وتجدون وتجتهدون في تحصيله ، وتطلبون العلم من أهله ، فما تطلبون العلم من المبتدعة ، فإن المبتدع ربما يركب سيارته من أقصى الأرض ويأتي إليك بمحاضرة ، وهو لا يريد إلا أن يقنعك بفكرته حتى ولو لم يذكرها في المحاضرة ، فهناك آخرون يأتون بها في الأسئلة والأجوبة.
... فهذه الفرقة والفتن والشبهات ما يزيلها إلا كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وإلا سيفنى عمرك وأنت تقول : فلان أحسن وفلان حزبي ، وفلان قصير وفلان طويل ، وفلان ليس تأليفه طيب وفلان تأليفه عجيب ، وأنا أريد منك أن تكون مؤلفا مثل ذلك المؤلف الذي أعجبك كتابه ، وأريدك أن تكون داعيا إلى الله تهز المنابر مثل ذلك الداعي الذي أعجبك كلامه أو أحسن وهكذا في التعليم.
وبعض الناس يقول : قد أصبحت الدعوة وسيلة إلى الارتزاق .
فهذا كلام أكثره صحيح ، وهو أن كثيرا من الناس قد أصبح يتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، لكن هب أن الناس فعلوا ذلك ، فأريدك أن تقوم وتدعو إلى الله ولا تتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، فإن المسلمين أحوج ما يكون إلى من يقدم لهم الشرع صافيا كما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإلا فلن تزال صريعا للشبهات ، فتارة شبهات من قبل الشيعة ، وأخرى من قبل الصوفية ، وأخرى من قبل الحزبية ، وأخرى من قبل أصحاب الأهواء ، فهل تظن أن أهل العلم ما فيهم أصحاب أهواء ، كما يقول ربنا عز وجل في كتابه الكريم : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " الأعراف :175-176 .
فأنا كما قلت : أريد منك أن تقوم بواجب نحو المسلمين ، فالمسلمون أحوج ما يكون إلى علماء ، وبعضهم يقول : نحن محتاجون إلى الطبيب المسلم وإلى المهندس المسلم وإلى الطيار المسلم ، فأقول صحيح نحن محتاجون إلى هذا ، لكن قد وجد كثير من الأطباء وكثير من المهندسين والطيارين ، والتخصصات الكثيرة.
لكن ما سمعناهم يقولون : نحن محتاجون إلى العالم المسلم المتخصص ، فذاك يتخصص في اللغة العربية ، حتى يصبح مرجعا في هذا ، وآخر يتخصص في علم التفسير ، وآخر في علم الحديث ، وآخر في الفقه الإسلامي ، وآخر في التاريخ ، وآخر في الأدب إلى غير ذلك ، فما سمعناهم يقولون هذا ، وسبب في هذا أنه كما قيل : من جهل شيئا عاداه ، بل بلغ ببعضهم أن يقول : إذا حدثت الناس فلا تحدثهم بآية ولا حديث ، ولكن تكلم معهم من قلبك ومن نفسك ، نعم قال هذا بعض الإخوان المسلمين بخمر ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم :
{......... فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ {6} }سورة الجاثية.
... فاحرصوا على وصيتي لكم ، واستفيدوا من علمائكم ... واتركوا الحزبيين لتستريحوا ، ورحم الله مالكا إذ يقول وقد أتاه مبتدع فقال : يا مالك إني أريد أن أناظرك ، قال : فإن غلبتني ؟ قال : اتبعتني ، قال : فإن جاءني رجل آخر يناظرني وغلبني ؟ قال : اتبعته ، قال : إذا يصير ديننا عرضة للتنقل ، اذهب إلى شاك مثلك فإني على ثبات من ديني .
فإذا جاءك الحزبي يريد أن يناظرك ، تقول له : عندك فراغ ، وما أكثر الذين يأتوني ثم يخرجون منكسفين سواء في رحلاتي ، أو إلى البيت ، فأقول لهم : أنتم عندكم فراغ ، وأنا لست بفارغ فانصرفوا.
وأنت الآن مطالب بالتأليف في المشاكل التي يتدارسونها ، فإنهم يخافون من النشر غاية الخوف ، وإذا علموا أنك ستكتب فيهم سيرسلون لك شخصا لحيته تملأ صدره ، ويقولون له : ما هذا وقت هذا التأليف ، ولا يخرج هذا الكتاب . فلا تشعر به أحدا حتى يخرج ، بل تعرضه على بعض أهل العلم المحبين للخير حتى لو كان فيه خطأ يعدلونه أو ينبهون عليه أو يحذفونه ، فالنشر هو الذي يقصم ظهورهم .
وما انتشرت دعوة أهل السنة في اليمن إلا بسبب النشر من الأشرطة وكتب ووجود الإخوة الأفاضل حفظهم الله إذا خرجوا دعوة .
وإذا خرجوا دعوة فهم لا يشغلون أنفسهم : بفلان صعد القمر ، والشمس ثابتة والأرض تدور ، وعمر البشير يعتبر حاكما مسلما يطبق الإسلام مائة بالمائة ، وهكذا ، فهم لا يشغلون الناس بهذه الترهات ، بل يسمعون منهم قال الله قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فموعظة في صفة الجنة والنار ، وأخرى في صفة الحب في الله ، وأخرى في تعليم الصلاة ، وأخرى في التوحيد ، وأخرى في باب الأسماء والصفات من التوحيد ، وهكذا تنشرح صدور الناس ... )
(من كتاب فضائح ونصائح / ص88-94 باختصار )
الجواب : هؤلاء الذين يشتغلون بالنقد والتحذير يعتبرون مفرطين في طلب العلم ومفرطين في شأن النقد ، فعلماؤنا إذا نظرت إلى ترجمة ابن أبي حاتم وجدته حافظا كبيرا بل لقب بشيخ الإسلام ، وهكذا الإمام البخاري ، والإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن حبان والحاكم ، فقد أخرجوا المؤلفات النافعة في التفسير وعلم الحديث ، وألفوا الكتب النافعة وحفظوا لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأخرجوا الكتب النافعة في الجرح والتعديل ، فلا بد من الجمع بين هذا وهذا وإلا كان الشخص ناقصا ومفرطا .
وأنا أسألك بأي ميزان تزن الناس إذا كنت جاهلا بالعلم النافع أتزنهم بالهوى ، أم بما قال لك الشيخ فلان ؟ فإذا تراجع الشيخ فلان تراجعت ، وإذا حمل على طائفة حملت ، فلابد من الجمع بين هذا وهذا .
والطرف الآخر الذين يهتمون بالعلم ولا يرفعون رأسا إلى التعديل فهذا الطرف في نظري أحسن من الطرف الأول ، لأن الطرف الأول يتصدى لما ليس من شأنه أن يتصدى له ، لكن هذا الطرف هدم جانبا مهما .
ورسالة أخينا بكر بن عبد الله أبي زيد " تصنيف الناس بين الظن واليقين " تعتبر أردى ما ألف ، فكثير من مؤلفاته بحمد الله تعتبر من أحسن المؤلفات فجزاه الله خيرا .
أما أن يهدم الجرح والتعديل فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم :
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ {10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ {11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ {12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {13}
} سورة القلم .
، ويقول أيضا :
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ {3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ {5} }سورة المسد.
والله سبحانه وتعالى يجرح أبا لهب ويجرح امرأته أيضا ، وموسى عند أن أراد أن يبطش بالقبطي قال لصاحبه :
{... إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ {18} }سورة القصص .
فهذا دليل على جواز التجريح .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لرجل : ( بئس أخو العشيرة ) ، فلما دخل ألان له الكلام ، فسألته عائشة فقال : ( إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة .
ويقول أيضا كما في الصحيح من حديث عائشة تقول له امرأة أبي سفيان : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرها على جرح أبي سفيان ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( من سيدكم يا بني سلمة ؟ ) قالوا : الجد بن قيس ؛ على أنا نبخله ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أي داء أدوأ من البخل ؟ سيدكم عمرو بن الجموح ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل : ( أفتان أنت يا معاذ ؟ ) ، ويقول لأبي ذر : ( إنك رجل فيك جاهلية ) ، ويقول لبعض نسائه : ( إنكن صواحب يوسف ) .
وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا ) ، وتفسير الليث على أنهما منافقان لم يسلم له .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحمل بن مالك بن النابغة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في امرأة ضربت امرأة أخرى فأسقط جنينها فقال : ( فيه غرة عبد أو أمة ) ، فقال حمل بن مالك بن النابغة : يا رسول الله ! كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل فمثل ذلك يطل ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنما هذا من إخوان الكهان ) من أجل سجعه .
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ) ،
ويقول في الخوارج : ( إنهم كلاب أهل النار ) ،
ويقول أيضا : ( إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) .
فالذي يزهد في الجرح والتعديل فهو يزهد في السنة ، فإذا لم يكن هناك جرح ولا تعديل فإن كلام الداعي إلى الله العالم الفاضل مثل كلام علي الطنطاوي ، أو مثل كلام محمود الصواف ، أو مثل كلام الشعراوي ، أو مثل كلام الشيعة الرافضة ، أو مثل كلام الصوفي حسن السقاف .
فأنا أقول لا يزهد في هذا العلم إلا رجل جاهل ، أو رجل في قلبه حقد ، أو رجل يعلم أنه مجروح فهو ينفر عن الجرح والتعديل ، لأنه يعلم أنه مجروح .
وأبى الله إلا أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يظهر الحق ، فأصبح أهل السنة يلهجون بالجرح والتعديل وكأنهم كانوا نياما فيسر الله لهم بمن يوقظهم ، فما كانوا يتكلمون في الجرح والتعديل وكأنه خاص بزمن البخاري ومسلم ، ألا نجرح الآن من يقول : الديمقراطية لا تتنافى مع الإسلام ، أليس حقيقا بأن يجرح وأن يبين للناس بأنه دجال من الدجاجلة ، ألا تجرح الآن من يسب علماء المسلمين ، فلماذا يجرحون علماءنا الأفاضل ونحن نسكت عن هذا ؟!
فلابد من الجمع بين هذا وذاك ، أما لو قرأنا سير الصحابة وقرأنا سير التابعين وأتباع التابعين ، هؤلاء يقولون : كيف لو سمعوا كلام الذهبي : رتن وما رتن دجال من الدجاجلة ادعى الصحبة بعد ستمائة عام ، أو سمعوا قول الشافعي : الرواية عن حرام بن عثمان : حرام ، أو قول الشافعي أيضا : من روى عن البياضي بيض الله عيونه ، كيف لو سمعوا هذا الكلام ، يقولون الإمام الشافعي هذا متشدد متزمت يطعن في المسلمين والعلماء .
نحن نتحداكم أن تثبتوا أننا طعنا في العلماء ، طعنا في الديمقراطيين والذين يقولون بالرأي والرأي الآخر ، وفي الذين يعترفون بقرارات مجلس الأمن ، ويقولون : ليس هذا زمان حدثنا وأخبرنا وهذا حديث صحيح وهذا حديث ضعيف .
فنقول لهم : بل هذا زمانه لأنه قد كثرت الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ونختم كلامنا هذا بقول الحافظ الصوري رحمه الله تعالى إذ يقول :
قل لمن عاند الحديث وأضحى ***** عائبـا أهلـه ومن يدعيــه
أبعلم تقــول هــذا أبن لي ***** أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الديـ ***** ـن من الترهات والتمويــه
وإلى قولـهم ومـا قـد رووه ***** راجع كـل عالـم وفقيــه
أبعلم تقــول هــذا أبن لي ***** أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الديـ ***** ـن من الترهات والتمويــه
وإلى قولـهم ومـا قـد رووه ***** راجع كـل عالـم وفقيــه
وأنا لا أريد من السني أن يشغل وقته ، يجعل وقتا للجماعات ، ووقتا أكبر للتنفس والنزهة ، ووقتا للأكل والنوم ، بل أريده كما قيل :
فكن رجلا رجله في الثرى***** وهامة همته في الثريا
وقد كتب إلي بعض إخواني في الله وقالوا : لا تشغل نفسك بهذا ، فهم يظنون أنني أشغل نفسي بهذا الأمر ، فأنا لا أشغل نفسي بهذا الأمر بحمد الله ، فالكتابة في وقتها والتعليم في وقته ، والجرح والتعديل في وقته .
وكان ابن الجوزي يتحدى أهل زمانه أن يأتوا أو يحدثوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة وهو موجود . وهكذا غير ابن الجوزي من العلماء المتقدمين قبله كانوا يتحدون معاصريهم أن يأتوا بأحاديث ضعيفة أو موضوعة وهم موجودون .
والحمد لله انتشرت السنة وأخذ الإخوان المفلسون يدرسون في المصطلح ، ولكن كما يقال : تسبيحة حارس ، فليست إلا من أجل أن يقبضوا شبابهم حتى لا يتفلتون عليهم .
وعبدالله صعتر ، أخذ "شرح الطحاوية" يدرس فيه ، لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا عبدالله صعتر ، فحضر أول ليلة جمع كبير ، والليلة الثانية أقل ، والليلة الثالثة أقل ، وبعدها نحو سبعة وبعدها نحو ثلاثة ، فهو لا يعرف إلا قالت صحيفة الحياة وقالت إذاعة لندن ، وقالت صحيفة كذا ، فهم أرادوا أن يتشبثوا بشبابهم يقولون : نحن ندرس العقيدة وندرس المصطلح وكذا , وكذا .
ولكن كما يقال : رجعت حليمة إلى عادتها القديمة ، لما رأوا هذا لا ينفع ولا يجدي رجعوا إلى الكذب والتلبيس .
(من كتاب فضائح ونصائح / ص 111-116 )
وقال العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى :
( ... فأنا أنصحكم أن تقبلوا إقبالا كليا على طلب العلم النافع ، وأن تحيوا سنة المحدثين رحمهم الله تعالى .
فتحصيل العلم النافع أمر مهم ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم :
{......... فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } {122} سورة التوبة .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) .
وعلماؤنا المتقدمون الذين ذاقوا حلاوة العلم وعرفوا قدر العلم كان أحدهم يرحل من مسافة بعيدة من أجل حديث واحد كما في كتاب "الرحلة" للخطيب .
وإياكم إياكم أن تشتغلوا بالقيل والقال ، أو بالحزبيات والجمعيات التي هي حزبيات مغلفة ، أو حتى بالكلام في المبتدعة ، فأنا أريد منكم قبل هذا أن تطلبوا العلم ، وتجدون وتجتهدون في تحصيله ، وتطلبون العلم من أهله ، فما تطلبون العلم من المبتدعة ، فإن المبتدع ربما يركب سيارته من أقصى الأرض ويأتي إليك بمحاضرة ، وهو لا يريد إلا أن يقنعك بفكرته حتى ولو لم يذكرها في المحاضرة ، فهناك آخرون يأتون بها في الأسئلة والأجوبة.
... فهذه الفرقة والفتن والشبهات ما يزيلها إلا كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وإلا سيفنى عمرك وأنت تقول : فلان أحسن وفلان حزبي ، وفلان قصير وفلان طويل ، وفلان ليس تأليفه طيب وفلان تأليفه عجيب ، وأنا أريد منك أن تكون مؤلفا مثل ذلك المؤلف الذي أعجبك كتابه ، وأريدك أن تكون داعيا إلى الله تهز المنابر مثل ذلك الداعي الذي أعجبك كلامه أو أحسن وهكذا في التعليم.
وبعض الناس يقول : قد أصبحت الدعوة وسيلة إلى الارتزاق .
فهذا كلام أكثره صحيح ، وهو أن كثيرا من الناس قد أصبح يتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، لكن هب أن الناس فعلوا ذلك ، فأريدك أن تقوم وتدعو إلى الله ولا تتخذ الدعوة وسيلة إلى الارتزاق ، فإن المسلمين أحوج ما يكون إلى من يقدم لهم الشرع صافيا كما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإلا فلن تزال صريعا للشبهات ، فتارة شبهات من قبل الشيعة ، وأخرى من قبل الصوفية ، وأخرى من قبل الحزبية ، وأخرى من قبل أصحاب الأهواء ، فهل تظن أن أهل العلم ما فيهم أصحاب أهواء ، كما يقول ربنا عز وجل في كتابه الكريم : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " الأعراف :175-176 .
فأنا كما قلت : أريد منك أن تقوم بواجب نحو المسلمين ، فالمسلمون أحوج ما يكون إلى علماء ، وبعضهم يقول : نحن محتاجون إلى الطبيب المسلم وإلى المهندس المسلم وإلى الطيار المسلم ، فأقول صحيح نحن محتاجون إلى هذا ، لكن قد وجد كثير من الأطباء وكثير من المهندسين والطيارين ، والتخصصات الكثيرة.
لكن ما سمعناهم يقولون : نحن محتاجون إلى العالم المسلم المتخصص ، فذاك يتخصص في اللغة العربية ، حتى يصبح مرجعا في هذا ، وآخر يتخصص في علم التفسير ، وآخر في علم الحديث ، وآخر في الفقه الإسلامي ، وآخر في التاريخ ، وآخر في الأدب إلى غير ذلك ، فما سمعناهم يقولون هذا ، وسبب في هذا أنه كما قيل : من جهل شيئا عاداه ، بل بلغ ببعضهم أن يقول : إذا حدثت الناس فلا تحدثهم بآية ولا حديث ، ولكن تكلم معهم من قلبك ومن نفسك ، نعم قال هذا بعض الإخوان المسلمين بخمر ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم :
{......... فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ {6} }سورة الجاثية.
... فاحرصوا على وصيتي لكم ، واستفيدوا من علمائكم ... واتركوا الحزبيين لتستريحوا ، ورحم الله مالكا إذ يقول وقد أتاه مبتدع فقال : يا مالك إني أريد أن أناظرك ، قال : فإن غلبتني ؟ قال : اتبعتني ، قال : فإن جاءني رجل آخر يناظرني وغلبني ؟ قال : اتبعته ، قال : إذا يصير ديننا عرضة للتنقل ، اذهب إلى شاك مثلك فإني على ثبات من ديني .
فإذا جاءك الحزبي يريد أن يناظرك ، تقول له : عندك فراغ ، وما أكثر الذين يأتوني ثم يخرجون منكسفين سواء في رحلاتي ، أو إلى البيت ، فأقول لهم : أنتم عندكم فراغ ، وأنا لست بفارغ فانصرفوا.
وأنت الآن مطالب بالتأليف في المشاكل التي يتدارسونها ، فإنهم يخافون من النشر غاية الخوف ، وإذا علموا أنك ستكتب فيهم سيرسلون لك شخصا لحيته تملأ صدره ، ويقولون له : ما هذا وقت هذا التأليف ، ولا يخرج هذا الكتاب . فلا تشعر به أحدا حتى يخرج ، بل تعرضه على بعض أهل العلم المحبين للخير حتى لو كان فيه خطأ يعدلونه أو ينبهون عليه أو يحذفونه ، فالنشر هو الذي يقصم ظهورهم .
وما انتشرت دعوة أهل السنة في اليمن إلا بسبب النشر من الأشرطة وكتب ووجود الإخوة الأفاضل حفظهم الله إذا خرجوا دعوة .
وإذا خرجوا دعوة فهم لا يشغلون أنفسهم : بفلان صعد القمر ، والشمس ثابتة والأرض تدور ، وعمر البشير يعتبر حاكما مسلما يطبق الإسلام مائة بالمائة ، وهكذا ، فهم لا يشغلون الناس بهذه الترهات ، بل يسمعون منهم قال الله قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فموعظة في صفة الجنة والنار ، وأخرى في صفة الحب في الله ، وأخرى في تعليم الصلاة ، وأخرى في التوحيد ، وأخرى في باب الأسماء والصفات من التوحيد ، وهكذا تنشرح صدور الناس ... )
(من كتاب فضائح ونصائح / ص88-94 باختصار )
منقول بتصرف يسير: (مقال في شبكة سحاب للأخ / عمر العتيبي وفقه الله.)