بسم الله الرحمن الرحيم
من أبي العباس زكريا محجوبي بن أحمد الهاشمي الجزائري
إلى كل من يكتب في شبكة العلوم السلفية الصافية -وفقنا الله وإياه لكل خير-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وبعد:.
اعلم يا أخي العزيز وفقك الله لكل خير أن أول ما يجب على طالب العلم أن يحسن نيته ويصلح طويته ويتصور أن هذا العمل الذي قصد له الأمر الذي أراده هو الشريعة التي شرعها الله لعباده وبعث بها رسله وأنزل بها كتبه وتجرد نفسه عن أن يشوب ذلك بقصد من مقاصد الدنيا أو يخالطه بما يكدره من الإرادات التي ليست منه كمن يريد به الظفر بشيء من المال أو الوصول إلى نوع من الشرف أو البلوغ إلى رئاسة من رئاسات الدنيا أو جاه يحصل به فإن العلم طيب لا يقبل غيره ولا يحتمل الشركة والروائح الخبيثة إذا لم تغلب على الروائح الطيبة فأقل الأحوال أن نساويها بمجرد هذه المساواة لا يتبقى للطيب رائحة والماء الصافي العذب يستلذه شاربها كما يكدره الشيء اليسير من الماء المالح فضلا عن غير الماء من القاذورات بل ينقص لذته مجرد وجود القذاة فيه ووقوع الذباب عليه هذا على فرض أن مجرد تشريك العلم مع غيره له حكم هذه المحسوسات وهيهات ذاك فإن من أراد أن يجمع في طلبه العلم بين قصد الدنيا والآخرة فقد أراد الشطط وغلط أقبح الغلط فإن طلب العلم من أشرف أنواع العبادة وأجلها وأعلاها وقد قال الله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة : 5]. فقيد الأمر بالعبادة بالإخلاص الذي هو روحها وصح عن رسول الله حديث $إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى#. وهو ثابت في دواوين الإسلام كلها وقد تلقتْها الأمة بالقبول وإن كان أحاديا أجمع جميع أهل الإسلام على ثبوته وصحته وقد تقرر في علم البيان والأصول بأن ‘‘إنما’’ من صيغ الحصر وثبت القول بذلك عن الصحابة, روي عن ابن عباس ب أنه احتج على اختصاص الربا بالنسيئة بحديث $إنما الربا في النسيئة#. ولم يخالفه الصحابة في فهمه وإنما خالفوه في الحكم مستدلين بأدلة أخرى مصرحة بثبوت ربا الفضل وكما أن هذا التركيب يفيد ما ذكرناه من الحصر وكذلك لفظ $الأعمال بالنية# وهي عند مسلم بهذا اللفظ فإن الألف واللام تفيد الاستغراق وهو يستلزم الحصر وهكذا ورد في بعض ألفاظ الحديث $لا عمل إلا بنية# وهي أيضا من صيغ الحصر بل هي من أقواها والمراد بالأعمال هنا أفعال الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال, ومن نازع في ذلك فقد أخطأ.
ومن أهم ما يجب على طالب العلم تصوره عند الشروع واستحضاره عند المباشرة بل وفي كل وقت من أوقات طلبه مبتدئا ومنتهيا ومتعلما وعالما أن يقرر عند نفسه أن هذا العمل الذي هو بصدده هو تحصيل العلم كما شرعه الله لعباده والمعرفة لما تعبدهم به في محكم كتابه وعلى لسان رسوله والوقوف على أسرار كلام الله ورسوله وأن هذا المطلب الذي هو بسبب تحصيله هو من باب المطالب التي يقصدها من هو طالب الجاه والمال والرئاسة بل هو مطلب يتاجر به الرب وتكون غايته العلم بما يبعث الله به رسله وأنزل فيه كتبه وذلك سبب الظفر بما عند الله من خير, ومثل هذا لا مدخل فيه لعصبية ولا مجال عنده لحمية بل هو شيء بين الله وبين جميع عباده تعبدهم به تعبدا مطلقا أو مشروطا بشروط وأنه لا مخرج عن ذلك فرد من أفرادهم بل أقدامهم متساوية في ذلك عالمهم وجاهلهم وشريفهم ووضيعهم وقديمهم وحديثهم ليس لواحد تمنهم أن يدعي أنه غير متعبد بما تعبد الله به عباده أو أنه غير خارج من التكليف أو أنه غير محكوم عليه بأحكام الشرع ومطلوب منه ما طلب الله من سائر الناس فضلا عن أن يرتقي إلى درجة التشريع.
وبعد هذا فإني أنصح لك –وفقك الله لكل خير ودفع عنا وعنك كل سوء ومكروه- بالاهتمام بحفظ القرآن ومراجعته وأنصحك بالعقيدة فإن الاهتمام بشأن العقيدة أمر مهم جدا فالمسلم السلفي بدون عقيدة لا يستطيع أن يثبت أمام الأعداء ولا يتصرف تصرفا إسلميا فمن أجل هذا نبينا محمد بدأ بالعقيدة وحياته كلها دعوة إلى العقيدة والأحكام متخللة لذلك و الأعمال.
وأوصي أخي العزيز السلفي بالاستقامة فإننا جميعا لو استقمنا على الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة لنصرنا فقد وعدنا, الله بالنصر قال تعالى ﴿إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم﴾ [محمد : 7]. وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُم﴾ [محمد : 17]. واعلم ياأخي العزيز -وفقك الله- أننا نحن طلاب العلم من أحق الناس بالاستقامة حتى لا تطمس بصيرتنا قال تعالى ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف : 5]. وقال تعالى ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة : 127]. وأنصحك بالاهتمام بالعلم وبالتعليم إن استطعت ورحمة الله على الزهري ذلك الإمام النحرير حيث قال “لا يحبه إلا ذكور الرجال ولا يبغضه إلا إناثهم”. يعني: علم الحديث. وصدق حيث يقول: “من أراد العلم جملة فاته كله”. لأنه من أراد يحصل له العلم في عشرة أيام أو شهر أو سنة ثم يحصل له سآمة لا يستفيد شيئا. فلا بد يا أخي العزيز أن نوطن أنفسنا لطلب العلم فإن لم نفهم اليوم غدا أو بعد غدٍ إن شاء الله. فلا بد أن نجتهد قبل أن تأتينا الصوارف فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه شاغل يشغله عن طلب العلم. وأحذر نفسي وأخي السلفي –وفقه الله- من العصبيات الباطلة حتى ولو كان لأقرب قريب وحديث ابن مسعود $ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية#. قال الشيخ مقبل : معلقا عن هذا الحديث: “أنه يشمل التعصب الجاهلي والحزبي والمذهبي”.
فالسنة والمنهج السلفي الصافي يا أخانا لا تفرق, فليس عندنا فرقة ولكنها النعرات الجاهلية هي التي تفرق. أما ما قاله النبي $أنا نبي لا كذب أنا ابن عبد الطلب#. فلا بأس إذا لم يكن هناك احتقار لآخرين.
وأحذرك كل الحذر يا أخي العزيز –وفقك الله لكل خير- من الحزبية المقيتة والبدع النتنة ومجالسة أهلها فإن التعاون مع أهل البدع هو الذي ميع الدعوة السلفية الصافية النقية وهو الذي جعل بلاد أفغانستان مجزرة المسلمين فإنهم كانوا خليطا فهذا حزبي وهذا صوفي وهذا إخواني فلا بد من التميز والابتعاد عن كل مبتدع. فالذي أنصحك به يا أخي العزيز هو الابتعاد كل البعد من أصحاب الحزب الجديد أصحاب عبد الرحمن العدني –قسم الله ظهره- فإنهم مخذلين عن الحق وعن دماج فهؤلاء من ذوي الزيغ كما قال أبو قلابه: “لا تجالسوا أهل الأهواء والبدع فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالهم ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون”. ويلحق بهم الواقفة الذين يتوقفون في هذه الحزبية الواضحة كالشمس في رابعة النهار, فهم مرضى فلا تجالسهم إلا لنصحهم وتوجيههم وإلا فهم إلى الحزبية أقرب, أعني حزبية عبد الرحمن –لا جزاه الله خيرا- وقد رأيت يا أخانا أن الذي يقسم ظهور المبتدعة في كل زمان ومكان هو أمرين:
الأمر الأول: الجرح والتعديل, وهذا ثقيل على أهل البدع والتحزب فهم ينفرون منه.
الأمر الثاني: التميز, أي الانفصال عنهم, فلا يجالسهم ولا يحضر محاضرتهم.
واعلم يا أخانا العزيز أن مجالسة أهل السوء وقرنائهم لهم تأثير كبير على شخص كما قال تعالى عن أهل الجنة ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات : 50 - 57]. وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله $مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة#. وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الله $المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالط#. وقال بعض الشعراء
إذا ما صاحبت القوم فاصحب خيارهم
عــن المرء لا تســأل وســل عـن قرينه ولا تـصحـب الأردى فتردى مع الردي
فــكـل قــريــن بالمـــقــارن يـقـتـدي
وفي الأخير أذكر ببعض أسباب نيل العلم النافع, فمن أعظم أسبابها:
1- التقوى: كما قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد : 28] الآية. وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال : 29] الآية.
2- الإخلاص: فإن الذي لا يخلص لا يستطيع أن يستمر على ما هو عليه من الخير فيأتيه الكسل والملل والفتور والله يقول ﴿أَلَا لِله الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر : 3]. وفي الصحيحين عن جندب بن عبد الله قال قال رسول الله $من سمّع سمّع الله به ومن يرائ يرائ الله به# الحديث.
والسبيل إلى تحصيل الإخلاص أمور:
• أولها: الإيمان بالقدر.
• ثانيها: النظر إلى ضعف الشخص وعجزه فهو لا يستطيع أن يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا, فضلا عن يملك ذالك لغيره.
• ثالثها: الزهد في الدنيا.
3- التوكل على الله: قال تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق : 3] أي؛ كافيه. وتفويض الأمور إلى الله, فمثلا؛ التفويض من حيث البناء والزواج قال تعالى ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود : 6]. وقال تعالى ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت : 60].
ومجتمعنا يا أخي الذي نعيش فيه لا يساعد على الخير, فإذا علمت هذا فننصحك ألاّ تضيع أوقاتك وأن تحرص على ما ينفعك كما قال $احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن#. وكما قال $لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع, ومنها: عن عمره فيما أفناه#.
4- مجالسة طلبة العلم الحريصين على أوقاتهم؛ وأن تذاكر وتحرص على تقييد الفوائد والنوادر وإياك والتقليد فإن التقليد ضلالة وعمى.
5- البعد عن المشاكل؛ فهذا يعينك على تحصيل العلم النافع.
6- الأشياء الحلوة والتي طبيعتها الحرارة, مثل؛ التمر والزبيب والعسل والزنجبيل واللبان المر بشرط عدم الإكثار منه فإن الإكثار من الزنجبيل يحرق الدم وتنقلب موسوسا, مثله اللبان المر.
7- المحافظة على مزاجك وصحتك؛ فربما يبتلى الشخص بمرض الصدر وينسى حفظ القرآن, فاهتم يا أخي بالمأكل والمشرب والنظافة في حدود ما تيسر والله يجعل ألطافا وطالب العلم الله يلطف به وقد كان من علمائنا من يمتنع عن بعض المأكولات كالزهري ومحمد بن قاسم الأنباري مثل تفاح والأشياء التي طبيعتها الحموضة والبرودة.
وبهذا القدر أكتفي والقصد هو تذكير نفسي وتأديبها ونصيحة لأخي الغالي و الصديق العزيز وفقنا الله لكل خير ودفع عنا وعنه كل سوء ومكروه, والحمد لله رب العالمين.
كتبه على عجالة؛ أخوك المحب لك الخير
أبو العباس زكريا محجوبي بن أحمد الهاشمي الجزائري
بدار الحديث بدماج حرسها الله
من كل سوء
ومكروه
صبيحة السبت 22 جمادى الثاني 1431
من أبي العباس زكريا محجوبي بن أحمد الهاشمي الجزائري
إلى كل من يكتب في شبكة العلوم السلفية الصافية -وفقنا الله وإياه لكل خير-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وبعد:.
اعلم يا أخي العزيز وفقك الله لكل خير أن أول ما يجب على طالب العلم أن يحسن نيته ويصلح طويته ويتصور أن هذا العمل الذي قصد له الأمر الذي أراده هو الشريعة التي شرعها الله لعباده وبعث بها رسله وأنزل بها كتبه وتجرد نفسه عن أن يشوب ذلك بقصد من مقاصد الدنيا أو يخالطه بما يكدره من الإرادات التي ليست منه كمن يريد به الظفر بشيء من المال أو الوصول إلى نوع من الشرف أو البلوغ إلى رئاسة من رئاسات الدنيا أو جاه يحصل به فإن العلم طيب لا يقبل غيره ولا يحتمل الشركة والروائح الخبيثة إذا لم تغلب على الروائح الطيبة فأقل الأحوال أن نساويها بمجرد هذه المساواة لا يتبقى للطيب رائحة والماء الصافي العذب يستلذه شاربها كما يكدره الشيء اليسير من الماء المالح فضلا عن غير الماء من القاذورات بل ينقص لذته مجرد وجود القذاة فيه ووقوع الذباب عليه هذا على فرض أن مجرد تشريك العلم مع غيره له حكم هذه المحسوسات وهيهات ذاك فإن من أراد أن يجمع في طلبه العلم بين قصد الدنيا والآخرة فقد أراد الشطط وغلط أقبح الغلط فإن طلب العلم من أشرف أنواع العبادة وأجلها وأعلاها وقد قال الله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة : 5]. فقيد الأمر بالعبادة بالإخلاص الذي هو روحها وصح عن رسول الله حديث $إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى#. وهو ثابت في دواوين الإسلام كلها وقد تلقتْها الأمة بالقبول وإن كان أحاديا أجمع جميع أهل الإسلام على ثبوته وصحته وقد تقرر في علم البيان والأصول بأن ‘‘إنما’’ من صيغ الحصر وثبت القول بذلك عن الصحابة, روي عن ابن عباس ب أنه احتج على اختصاص الربا بالنسيئة بحديث $إنما الربا في النسيئة#. ولم يخالفه الصحابة في فهمه وإنما خالفوه في الحكم مستدلين بأدلة أخرى مصرحة بثبوت ربا الفضل وكما أن هذا التركيب يفيد ما ذكرناه من الحصر وكذلك لفظ $الأعمال بالنية# وهي عند مسلم بهذا اللفظ فإن الألف واللام تفيد الاستغراق وهو يستلزم الحصر وهكذا ورد في بعض ألفاظ الحديث $لا عمل إلا بنية# وهي أيضا من صيغ الحصر بل هي من أقواها والمراد بالأعمال هنا أفعال الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال, ومن نازع في ذلك فقد أخطأ.
ومن أهم ما يجب على طالب العلم تصوره عند الشروع واستحضاره عند المباشرة بل وفي كل وقت من أوقات طلبه مبتدئا ومنتهيا ومتعلما وعالما أن يقرر عند نفسه أن هذا العمل الذي هو بصدده هو تحصيل العلم كما شرعه الله لعباده والمعرفة لما تعبدهم به في محكم كتابه وعلى لسان رسوله والوقوف على أسرار كلام الله ورسوله وأن هذا المطلب الذي هو بسبب تحصيله هو من باب المطالب التي يقصدها من هو طالب الجاه والمال والرئاسة بل هو مطلب يتاجر به الرب وتكون غايته العلم بما يبعث الله به رسله وأنزل فيه كتبه وذلك سبب الظفر بما عند الله من خير, ومثل هذا لا مدخل فيه لعصبية ولا مجال عنده لحمية بل هو شيء بين الله وبين جميع عباده تعبدهم به تعبدا مطلقا أو مشروطا بشروط وأنه لا مخرج عن ذلك فرد من أفرادهم بل أقدامهم متساوية في ذلك عالمهم وجاهلهم وشريفهم ووضيعهم وقديمهم وحديثهم ليس لواحد تمنهم أن يدعي أنه غير متعبد بما تعبد الله به عباده أو أنه غير خارج من التكليف أو أنه غير محكوم عليه بأحكام الشرع ومطلوب منه ما طلب الله من سائر الناس فضلا عن أن يرتقي إلى درجة التشريع.
وبعد هذا فإني أنصح لك –وفقك الله لكل خير ودفع عنا وعنك كل سوء ومكروه- بالاهتمام بحفظ القرآن ومراجعته وأنصحك بالعقيدة فإن الاهتمام بشأن العقيدة أمر مهم جدا فالمسلم السلفي بدون عقيدة لا يستطيع أن يثبت أمام الأعداء ولا يتصرف تصرفا إسلميا فمن أجل هذا نبينا محمد بدأ بالعقيدة وحياته كلها دعوة إلى العقيدة والأحكام متخللة لذلك و الأعمال.
وأوصي أخي العزيز السلفي بالاستقامة فإننا جميعا لو استقمنا على الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة لنصرنا فقد وعدنا, الله بالنصر قال تعالى ﴿إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم﴾ [محمد : 7]. وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُم﴾ [محمد : 17]. واعلم ياأخي العزيز -وفقك الله- أننا نحن طلاب العلم من أحق الناس بالاستقامة حتى لا تطمس بصيرتنا قال تعالى ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف : 5]. وقال تعالى ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة : 127]. وأنصحك بالاهتمام بالعلم وبالتعليم إن استطعت ورحمة الله على الزهري ذلك الإمام النحرير حيث قال “لا يحبه إلا ذكور الرجال ولا يبغضه إلا إناثهم”. يعني: علم الحديث. وصدق حيث يقول: “من أراد العلم جملة فاته كله”. لأنه من أراد يحصل له العلم في عشرة أيام أو شهر أو سنة ثم يحصل له سآمة لا يستفيد شيئا. فلا بد يا أخي العزيز أن نوطن أنفسنا لطلب العلم فإن لم نفهم اليوم غدا أو بعد غدٍ إن شاء الله. فلا بد أن نجتهد قبل أن تأتينا الصوارف فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه شاغل يشغله عن طلب العلم. وأحذر نفسي وأخي السلفي –وفقه الله- من العصبيات الباطلة حتى ولو كان لأقرب قريب وحديث ابن مسعود $ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية#. قال الشيخ مقبل : معلقا عن هذا الحديث: “أنه يشمل التعصب الجاهلي والحزبي والمذهبي”.
فالسنة والمنهج السلفي الصافي يا أخانا لا تفرق, فليس عندنا فرقة ولكنها النعرات الجاهلية هي التي تفرق. أما ما قاله النبي $أنا نبي لا كذب أنا ابن عبد الطلب#. فلا بأس إذا لم يكن هناك احتقار لآخرين.
وأحذرك كل الحذر يا أخي العزيز –وفقك الله لكل خير- من الحزبية المقيتة والبدع النتنة ومجالسة أهلها فإن التعاون مع أهل البدع هو الذي ميع الدعوة السلفية الصافية النقية وهو الذي جعل بلاد أفغانستان مجزرة المسلمين فإنهم كانوا خليطا فهذا حزبي وهذا صوفي وهذا إخواني فلا بد من التميز والابتعاد عن كل مبتدع. فالذي أنصحك به يا أخي العزيز هو الابتعاد كل البعد من أصحاب الحزب الجديد أصحاب عبد الرحمن العدني –قسم الله ظهره- فإنهم مخذلين عن الحق وعن دماج فهؤلاء من ذوي الزيغ كما قال أبو قلابه: “لا تجالسوا أهل الأهواء والبدع فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالهم ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون”. ويلحق بهم الواقفة الذين يتوقفون في هذه الحزبية الواضحة كالشمس في رابعة النهار, فهم مرضى فلا تجالسهم إلا لنصحهم وتوجيههم وإلا فهم إلى الحزبية أقرب, أعني حزبية عبد الرحمن –لا جزاه الله خيرا- وقد رأيت يا أخانا أن الذي يقسم ظهور المبتدعة في كل زمان ومكان هو أمرين:
الأمر الأول: الجرح والتعديل, وهذا ثقيل على أهل البدع والتحزب فهم ينفرون منه.
الأمر الثاني: التميز, أي الانفصال عنهم, فلا يجالسهم ولا يحضر محاضرتهم.
واعلم يا أخانا العزيز أن مجالسة أهل السوء وقرنائهم لهم تأثير كبير على شخص كما قال تعالى عن أهل الجنة ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات : 50 - 57]. وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله $مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة#. وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الله $المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالط#. وقال بعض الشعراء
إذا ما صاحبت القوم فاصحب خيارهم
عــن المرء لا تســأل وســل عـن قرينه ولا تـصحـب الأردى فتردى مع الردي
فــكـل قــريــن بالمـــقــارن يـقـتـدي
وفي الأخير أذكر ببعض أسباب نيل العلم النافع, فمن أعظم أسبابها:
1- التقوى: كما قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد : 28] الآية. وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال : 29] الآية.
2- الإخلاص: فإن الذي لا يخلص لا يستطيع أن يستمر على ما هو عليه من الخير فيأتيه الكسل والملل والفتور والله يقول ﴿أَلَا لِله الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر : 3]. وفي الصحيحين عن جندب بن عبد الله قال قال رسول الله $من سمّع سمّع الله به ومن يرائ يرائ الله به# الحديث.
والسبيل إلى تحصيل الإخلاص أمور:
• أولها: الإيمان بالقدر.
• ثانيها: النظر إلى ضعف الشخص وعجزه فهو لا يستطيع أن يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا, فضلا عن يملك ذالك لغيره.
• ثالثها: الزهد في الدنيا.
3- التوكل على الله: قال تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق : 3] أي؛ كافيه. وتفويض الأمور إلى الله, فمثلا؛ التفويض من حيث البناء والزواج قال تعالى ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود : 6]. وقال تعالى ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت : 60].
ومجتمعنا يا أخي الذي نعيش فيه لا يساعد على الخير, فإذا علمت هذا فننصحك ألاّ تضيع أوقاتك وأن تحرص على ما ينفعك كما قال $احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن#. وكما قال $لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع, ومنها: عن عمره فيما أفناه#.
4- مجالسة طلبة العلم الحريصين على أوقاتهم؛ وأن تذاكر وتحرص على تقييد الفوائد والنوادر وإياك والتقليد فإن التقليد ضلالة وعمى.
5- البعد عن المشاكل؛ فهذا يعينك على تحصيل العلم النافع.
6- الأشياء الحلوة والتي طبيعتها الحرارة, مثل؛ التمر والزبيب والعسل والزنجبيل واللبان المر بشرط عدم الإكثار منه فإن الإكثار من الزنجبيل يحرق الدم وتنقلب موسوسا, مثله اللبان المر.
7- المحافظة على مزاجك وصحتك؛ فربما يبتلى الشخص بمرض الصدر وينسى حفظ القرآن, فاهتم يا أخي بالمأكل والمشرب والنظافة في حدود ما تيسر والله يجعل ألطافا وطالب العلم الله يلطف به وقد كان من علمائنا من يمتنع عن بعض المأكولات كالزهري ومحمد بن قاسم الأنباري مثل تفاح والأشياء التي طبيعتها الحموضة والبرودة.
وبهذا القدر أكتفي والقصد هو تذكير نفسي وتأديبها ونصيحة لأخي الغالي و الصديق العزيز وفقنا الله لكل خير ودفع عنا وعنه كل سوء ومكروه, والحمد لله رب العالمين.
كتبه على عجالة؛ أخوك المحب لك الخير
أبو العباس زكريا محجوبي بن أحمد الهاشمي الجزائري
بدار الحديث بدماج حرسها الله
من كل سوء
ومكروه
صبيحة السبت 22 جمادى الثاني 1431
تعليق