نصيحة العلامة أحمد النجمي للشيخ العباد حول كتابه (رفقا أهل السنة بأهل السنة)
قال الشيخ العلامة مفتي جنوب المملكة أحمد بن يحيى النجمي -رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته-:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ الفاضل العلامة: عبد المحسن بن حمد العباد البدر، المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:
أخي تلقيت منك اتصالا ليلة الخميس الموافق 10/ 5/ 1424هـ تعتب علي فيه، وتقول: أنك تلقيت مكالمة تحكي مكالمة صوتية، وأني قلت للسائل أنه لا يوزع هذا الكتاب الذي هو كتابك: (رفقا أهل السنة بأهل السنة) إلا مبتدع.
وأنا أقول: يعلم الهك أني لم أبدعك، ولم أقصد تبديعك؛ لأني أعتبرك من أهل السنة المجاهدين في نشرها، ولكني أعتبر تأليفك لهذا الكتاب إساءة إلى السنة التي ما زلت تقوم بنشرها، وتعليمها للناس من زمن، وإن كنت لم تقصد الإساءة إلى السنة قطعاً فيما أعتقد؛ ولكن كان زعمك فيما أظن الإصلاح بين الطرفين: الطرف المتحمس الذي يخرج بتحمسه عن الاعتدال، والطرف المعتدل، والله أعلم. ولكنك أسأت بتأليفك هذا الكتاب الذي يظهر منه تثبيط السلفيين عن الكلام في أهل البدع ونقدهم فيه.
ثانيا: يظهر منه تخطئتك لهم فيما حصل منهم من الكلام في أهل البدع، وذمهم بذلك، وعيبهم به.
ثالثا: بدل ما كان الكلام في أهل البدع قربة إلى الله من أعظم القرب جعلته جريمة من أعظم الجرائم، فقد قيل للإمام أحمد بن حنبل: "رجل يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن، ورجل يتكلم في أهل البدع، فقال: الذي يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن لنفسه، والذي يتكلم في أهل البدع للناس يعني منفعته تعود إلى الناس بأن يحذرهم من أهل البدع ".
رابعا: استغل أهل البدع موقفك هذا؛ فجعلوك مدافعا عنهم، ومخاصما لهم، فجعلوا يصورون كتابك بالمئات، بل وبالآلاف، ويوزعون حسب ما بلغنا، فانظر من نفعت، وفي صف من وقفت بهذا الكتاب؟!!
خامسا: وأنت بذلك استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير!! يعني وأنت أعلم، استبدلت بنصرة السلفيين، والدفاع عنهم نصرة المبتدعين، والدفاع عنهم شعرت أو لم تشعر، فقد حصل ذلك!!
فانظر من هو الذي فرح بكتابك، ومن هو الذي آسف؟!!
لا شك أنه قد فرح به الحزبيون، وآسف السلفيين؛ لذلك فإن السلفيين يدعون الله أن يردك إلى الحق ردا جميلا، ويسألونه أن يجعلك من المدافعين عن السنة، والذابين عنها كما جعلك من الناشرين لها.
سادسا: لقد قرأت كتابك تخريج طرق حديث: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها إلى من لم يسمعها) قبل أكثر من ثلاثين سنة فأعظمتك، وازددت حبا لك، وما زلت أسمع أن لك درسا في الحديث، أو دروسا، وسمعت بعض حلقاته في الإذاعة في أيام قريبة، وسمعت انطلاقك في ترجمة رجال الأسانيد؛ فغبطتك، وتمنيت أن يوفقني الله لحفظ رجال الأسانيد مثلك.
سابعا: وأنت بهذا الكتاب قد أدنت نفسك حينما تزعم أن الكلام في المبتدعة غيبة، وأنت تعلم أن الغيبة هي الذم المحض الذي لم يكن مقصودا به الدفاع عن الدين، أما ما قصد به الدفاع عن الدين فإنه لا يكون غيبة، وأنت لا بد أن تقول: فلان مرجئ، أو رمي بالإرجاء، وفلان كان يرى رأي الخوارج، وفلان قدري أو رمي بالقد ر... إلخ.
فإن قلت: هذه غيبة، والغيبة حرام، فإنه يحرم عليك أن تغتاب الناس، وتأكل أحو مهم، وإن قلت: تجوز الغيبة إذا كان مقصودا بها الدفاع عن الدين؛ قلنا: وكذلك يجوز أن نقول: فلان مبتدع إذا قصدنا بذلك التحذير منه حتى لا تنتشر بدعته. ونحن معك أن من لم يعرف بالبدع لا يجوز الكلام فيه، فإن أحدث بدعة ونصح منها، وأبى أن يقبل هُجر، وترك.
ثامنا: والأدلة على جواز الغيبة إذا قصد بها التحذير كثيرة، ورد ذلك في الكتاب والسنة، وقرره سلف ا لأمة من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة الأثر، وحماة الدين:
فمن الكتاب: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73]، وهذا شامل للمنافقين شفافا اعتقادنا، ونفس في عمليا، ومنهم المبتدعة.
وأما من السنة: فما رواه البخاري برقم (6032) عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة. فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة: متى عهدتني فحاشا؛ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)).
وكذلك حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: ((أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته. فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. فقال: ليس لك عليه نفقة. فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني. قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاملة بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به)).
ومثل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك، ويكفي بنيك)).
ومن حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: ((رأى رجلا يخيف، فقال له: لا تخلف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، أو كان يكره الخوف، وقال: إنه لا يصاد به صيد، ولا ينكى به عدو، ولكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين. ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف، أو كره الخذف، وأنت تخذف؟! لا أكلمك كذا وكذا)). ومثل ذلك عن أبي بكرة رضي الله عنه.
وأما ما ورد عن السلف فهو شيء كثير، من ذلك ما حكي عن شعبة بن الحجاج أنه قال: تعالوا حتى نغتاب في الله عز وجل.
وكذلك ما حكي عن عاصم الأحول رحمه الله، قال: كان قيادة يقصر بعمرو بن عبيد، فجثوت على ركبتي. فقلت: يا أبا الخطاب، هذه الفقهاء ينال بعضها من بعض؟ فقال: يا أحول، رجل ابتدع بدعة فيذكر خير من أن يكف عنه لا.
وقال الحسن بن الربيع: قال ابن المبارك: المعلى بن هلال هو هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب. قال: فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ قال: اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟!
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله يكون مرجئا أوشيعيا، أوفيه شيء من خلاف السنة؟ أيسعني أن أسكت عنه أم أحذر عنه؟ فقال أبي: إن كان يدعو إلى بدعة، وهو إمامهم فيها، ويدعو إليها قال: نعم تحذر عنه.
وقال الحسن البصري رحمه الله: ليس لأهل البدعة غيبة.
وقال عفان رحمه الله: كنا عند إسماعيل بن علية جلوسا فحدث رجل عن رجل، فقلت: إن هذا ليس بثبت، فقال الرجل: اغتبته، فقال إسماعيل: ما اغتابه، ولكنه حكم أنه ليس بثبت.
وقال ابن تيميه رحمه الله في الفتاوى (ج 28/ 17 2): وأما إذا أظهر الرجل المنكرات، وجب الإنكار عليه علانية، ولم يبق له غيبة، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره.
وقال ابن الجوزي في مناقب ا لإمام أحمد بن حنبل (ص 185): وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين. اهـ
وبالجملة؛ فالآثار عن السلف كثيرة، ولا يتسع هذا الجواب المختصر لبسطها، وهناك آثار عنهم تدعو إلى الإنكار على من ظهر منه ما يخالف ظواهر الشرع، وما يحتمل حقا وباطلا، أو يخلط بين سنة وبدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) (ج1/ ص 254): فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضا الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل.
وقال في الفتاوى (ج 28/ ص 22): وجماع الدين شيئان:
أحدهما: ألا نعبد إلا الله وحده.
والثاني: أن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]. وقال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خاليا صوابا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة...
إلى أن قال: فإذا كان المشايخ والعلماء في أحوالهم وأقوالهم المعروف والمنكر، والهدى والضلال، والرشاد والغي؛ عليهم أن يردوا ذلك إلى الله والرسول، فيقبلوا ما قبله الله ورسوله، ويردوا ما رده الله ورسولهم. اهـ
علما بأن ديننا قام على ثلاثة أمور:
أولها: ا لإيمان بالله.
ثانيا: ا لأمر ما لمعروف.
وثالثا: النهي عن المنكر.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
وفي صحيح مسلم من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جده قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)).
وفي رواية بعد قوله: ((وألا ننازع الأمر أهله)): ((إلا أن تروا كفرا بواحا معكم
من الله فيه برهان)).
ومن هذه ا لأدلة يتبين أن الله عز وجل أمر عباده أبو يأمروا بالمعروف، وينهوا كن المنكر، وأن يقولوا بالحق أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، وهذا هو الذي دفعني أن أقول بالحق الذي أعلمه، وهو أني قلت: إن الشيخ عبد المحسن من أهل السنة لا نقول فيه شيئا؛ ولكنه أساء بتأليف هذا الكتاب، ولهذا فرح أهل البدع وجعلوا يوزعونه بكميات كبيرة.
تاسعا: لعلك تقول: أنا لم أقصد السكوت عن المبتدعة، ولم أطلب من أحد السكوت عنهم؛ وإنما أردت أن أخفف من حدة الاتهامات الحاصلة بين السلفيين.
وأقول: إن الوا جب عليك وعلى غيرك ممن يتكلم في أمر مثل هذا أن يميز في الحكم بين السلفيين والحزبيين حتى يتبين حكم كل جماعة على حدة، لا سيما وأن الخوارج هذا الزمان اتخذوا التقية والنفاق ديدناً لهم، فتراهم عند الولاة منسجمين معهم والأسرار يعلمها الله.
عاشرا: قلت: ((موقف أهل السنة من العالم إذا أخطأ أنه يعذر؛ فلا يباع، ولا يهجر))، أتيت يا شيخ بتراجم لثلاثة من العلماء السابقين وهم البيهقي، والنووي، وابن حجر، وهؤلاء وقعوا في تأويل بعض الصفات، ولهم مؤلفات عظيمة ومفيدة.
ولذلك رأى أهل السنة والجماعة أن الناس بحاجة إلى الاستفادة من كتبهم في غير ما وقعوا فيه من البدعة، فيحذر طلاب العلم من بدعهم، ويستفاد من كتبهم في غير المجال الذي أخطئوا فيه، أما القول بأنهم عذروا -أي: بأن أهل السنة عذروهم فيما تأولوه من الصفات، وحذروا من إطلاق البدعة عليهم- فلا فيما أعلم.
ثم ضربت مثلا بالشيخ الألباني من المعاصرين، والشيخ الألباني من أهل السنة انفرد بأشياء من قبيل الاجتهادات التي ربما يقال بأنه شذ بها مع أنها مبنية على أدلة اقتنع بها هو، فتمثيلك به تمثيل في غير محله إذ إن الكلام في هجر المبتدع والألباني ليس بمبتدع، وحاشاه أن يبتدع، وهو مساكن للسنة والآثار آناء الليل وآناء النهار، تخريخا، ونقدا، وتصحيحا وتضعيفا، فليتك لم تذكره في بحثك هذا.
ثم أتيت بأقوال لبعض السلف مجملة، ولم تعرج على ما ملئت به الكتب من هجر المبتدع ولا بد أنك قرأت تلك الكتب أو بعضها وهي: الإبانة الكبرى لابن بطة، والإبانة الصغرى له، وشرح السنة للالكائي، وكتاب السنة لابن أبي عاصم، والشريعة الآجري، وغيرها من الكتب التي دونت الآثار عن السلف في هجر المبتدع.
وأقول: يا شيخ إن سكوتك عن تلك الآثار يجعلك محجوبا أمام الله قبل الناس، أنسيت يا شيخ أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله أمر بهجر حسين بن علي الكرابيسي، وعدم الأخذ عليه، وعدم قراءة كتبه؛ فترك ولم يأته أحد رغم غزارة علمه.
وأمر بهجر سهل بن عبد الله التستري الذي كان يقال له: سهل القصير، وعدم قراءة كتبه فتركه أهل الحديث.
وأبى أن يدخل عليه داود بن علي الظاهري.
وهجر أهل السنة الحسن بن صالح بن حي لما علموا ببدعته.
لا أدري يا شيخ أنسيت هذه الآثار أم تناسيتها؟
وإني لأنصحك يا شيخ، وأنصح نفسي باتباع آثار السلف والسير على نهجهم وعلى طريقتهم، وأنت تعلم يا شيخ أن الخطأ الذي يحصل من أحد الشيوخ في الأحكام الفرعية التي يسوغ فيها الاجتهاد فهذا الذي يعذر فيه قائله، ولا يبدع، ولا يهجر، والخطأ الذي يبدع صاحبه ويهجر هو الذي في العقيدة، ولا نعلم أن السلف عذروا أحدا ابتدع في العقيدة بدعة وعذروه.
الحادي عشر: أنت قلت: ((إن السلفيين انقسموا إلى قسمين من أجل رجلين))، والذي يظهر أنك تقصد بالرجلين هم الشيخ ربيعا بن هادي المدخلة، وأبا الحسن السليماني المأربي.
وأنا أقول لك: إن المسألة مسألة حق ينصر ويؤيد، وباطل يشجب ويبين بطلانه، وهذا اتهام منك للسلفيين من علماء وطلاب علم اتهام منك لهم بالعمالة والعصبية الممقوتة، العصبية التي نجاهم الله منها بقوله- جل من قائل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:8].
وفي حديث عبادة المتفق عليه: ((وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)).
هذا وأمثاله هو الذي حتم علينا أن نقول الحق، وإن ترتب على قوله غضب بعض الأطراف.
أتراني يا شيخ عبد المحسن نسير على منهج أهل الجاهلية الذين يقول بعضهم:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت وإن ترشد غزية أرشد
ويقوله بعضهم لمسيلمة حين سأله: صاحبك يأتيك في نور أو في ظلمة؟ قال: في ظلمة، فقال له: والله إنك لكذاب ولكذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر.
أترانا مثل هؤلاء الأجلاف الضالين، وقد أنار الله قلوبنا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ تبا لمن فعل ذلك وسحقا، ثم تبا له وسحقا.
ثم إن الرجلين الذين انقسم أهل السنة من أجلهما -حسب قولك- يستحيل أن يكونا جميعا على حق، ويكون كل منهما ضد الآخر، ويلزم من ذلك أن يكون أحدهما على حق والآخر على باطل، والباطل الذي مع الآخر إما أن يكون باطلا محضا، أو باطلا مشوبا بحق، ومعلوم أن الله تعالى أمرنا باتباع الحق ونصره ونصر أهله: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
وقال- جل من قائل-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [لأنعام: 153].
وقال كليم: ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال: هذا إذا كان مظلوما، فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال: تردعه عن ظلمه)).
فالله أمرنا باتباع شرعه؛ لأن فيه الحق الصافي الخالص من اللبس ذلك ؛ لأن الله ذم الباطل وأهله، ونهانا عن لبس الحق بالباطل، وعن كتمان الحق، فقال: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [لبقرة: 42].
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71].
ومن درس ما عليه الرجلان تبين له ما يأتي:
أولا: إن الشيخ ربيعا معروف بدعوته إلى السنة، مع معرفته التامة لها، وجهاده من زمن طويل من أجلها.
ثانيا: أن الشيخ ربيعا قد ألف مؤلفات معظمها في الرد على من خالفوا السنة دفاعا عنها وجهادا في سبيلها، ولم نعلم أنه خالف الأدلة في مسالة واحدة، وقد شهد له الألباني رحمه الله بذلك.
أما أبو الحسن فهو شاب غرير ألف كتابا أو كتابين لم يتمحض فيها للحق ويمشي فيها مع الأدلة، بل لوحظت عليه ملاحظات هذا من حيث وضع كل منهما العام.
أما من حيث الوضع الخاص الذي بدأ قبل سنتين؛ فإنا نجد أن أبا الحسن يشكك في حجية خبر الآحاد إذا صح على القواعد الاصطلاحية، وهذه مخالفة لأهل السنة والجماعة، وأخذ بقول المعتزلة ومن نحا نحوهم.
ثانيا: يرى حمل المجمل على المبين في كلام العلماء، وهذه مخالفة لما عليه السلف أيضا في أنه لا يحمل المجمل على المبين إلا في كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: يزدري ويحتقر أهل السنة، ويلمع ويعظم المبتدعة، فهو يقول في أهل السنة: (غوغائيين)، و(أقزام)، و(قواطع صلصة)، و(صغار)، وغير ذلك من ألفاظ التحقير. أما المبتدعة فهم عنده جبال، ولما قيل له عن المغراوي قال: كيف أزيل الجبل الأشم؟
رابعا: أنه يعتذر للمبتدعة؛ فمثلا سيد قطب الذي قرر في مقدمة سورة الحجر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد ارتدت عن الدين كلها، وأنه لا يوجد فيها دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه شريعة الله، قال ذلك في (ج 4/ 2122)، وقرر في سورة يونس أن مساجد المسلمين معابد وثنية، وفسر سورة الإخلاص بوحدة الوجود.
خامسا: يعتذر للمغراوي التكفيري.
سادسا: ينزل على المبتدعة، ويتلقاه المبتدعة في كل مكان ينزل فيه، ولا يأنس إلا إليهم.
سابعا: سئل عن الإخوان المسلمين: هم من أهل السنة والجماعة؟ قال: نعم.
ثامنا: شهد رجال من أهل العلم الموثوق بعلمهم أنهم جربوا عليه الكذب في أشياء كثيرة.
هذه حال أبي الحسن فكيف نقول: انقسم أهل السنة إلى قسمين من أجل رجلين؟ ومفهوم هذا الكلام الذي قلته لي في المكالمة أن الرجلين كلاهما مع أهل السنة، فهل يصح أن نقول أن أبا الحسن من أهل السنة مع ما عنده من الفواقر؟!! الجواب: لا.
وهل يصح أن أتباعه من أهل السنة؟!! الجواب: لا.
وإن كنت تعتقد أن أبا الحسن وأتباعه من أهل السنة فنحن نأسف لذلك، وننصحك بالتراجع عن مثل هذا القول.
قلت في (ص 44): ((فتنة التجريح والهجر من بعض أهل السنة في هذا العصر حصل في هذا الزمان انشغال أهل السنة ببعض تجريحا وتحذيرا وترتب على ذلك التفرق والاختلاف والتهاجر...)) إلخ.
إلى أن قلت: ((ويعود ذلك إلى سببين:
أحدهما: أن من أهل السنة في هذا العصر من يكون ديدنه وشغله الشاغل تتبع الأخطاء والبحث عنها سواء كانت في المؤلفات أو الأشرطة، ثم التحذير ممن حصل منه شيء من ذلك)).
وأقول: إن هذا منقبة، وليست مذمة؛ فلقد كانت حماية السنة منقبة عند السلف، نعم عند الشباب السلفي غيرة؛ إذا وجدوا مخالفة للسنة في مؤلف أو في شريط، أو رأوا من أهل السنة من يمشي مع المبتدعة بعد النصح أنكروا ذلك ونصحوه أو طلبوا من بعض المشايخ نصحه، فإذا نصح ولم ينتصح هجروه وهذه منقبة لهم، وليست مذمة لهم.
ثم قلت: ((ومن هذه الأخطاء التي يجرح بها الشخص ويحذر منه بسببها تعاونه مع إحدى الجمعيات بإلقاء المحاضرات أو المشاركة في الندوات، وهذه الجمعية قد كان الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين-رحمهما الله- يلقيان عليها المحاضرات عن طريق الهاتف، ويعاب عليها دخولها في أمر قد أفتاها به هذان العالمان الجليلان)). اهـ
وأقول: هذه الجمعية هي جمعية إحياء التراث في الكويت يرأسها عبد الرحمن عبد الخالق وعنده دخائل وعليه ملاحظات.
ومن كلامه ولمزه للسلفيين قوله: ((فإنه ما زال المسلمون إلى يومنا هذا يطلع عليهم بين الحين والآخر من يزعم نصر الدين، وقول كلمة الحق، فيترك أهل الأوثان والشرك والإباحية والكفر، ويعمل قلمه في المسلمين، بل وجدنا منهم من لا هم له إلا مشاغلة الدعاة إلى الله والتعرض لهم بالسب والتشهير، وتأليف الرسائل في بيان مثالبهم...)) إلخ.
وهذا طعن في السلفيين وعيب لهم وذم لطريقتهم في الإنكار على المبتدعة، ويقصد بالدعاة إلى الله، في قوله: ((بل وجدنا منهم من لا هم له إلا مشاغلة الدعاة إلى الله)) يقصد الإخوانيين، والسروريين، والقطبيين، والتكفيريين، والخوارج الذين يعدون العدة للخروج.
وقد كانوا ينكرون إذا قلنا مثل هذا، أما الآن فقد فضحهم الله بما حصل من التفجيرات والاكتشاف للذخائر والمؤن التي يعدونها للخروج، بل إن عبد الرحمن عبد الخالق من كلامه ما يدل على أنه تكفيري هو نفسه؛ قوله في تكملة هذا المقطع الذي ابتدأ من نقله: ((وهذا من أكبر الآثام، ومن أكبر النواقض لأصل الإيمان ا لأصيل، وهو أصل الولاء))، فهو يزعم أن الكلام في المبتدعة ناقض للإسلام، وهذه طريقة التكفيريين. وهذا الذي نقلته قد نقلته من كتاب (القدوات الكبار بين التعظيم والانبهار) تأليف محمد موسى الشريف (ص 66-67)، وقد عزا هذا المقطع الذي نقلت بعضه إلى رسالته (الولاء والبراء) له -يعني لعبد الرحمن عبد الخالق-.
وأخيرا يا شيخ عبد المحسن أقول: إن محاضرة الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، في هذه الجمعية في زمن قديم لا يزكي هذه الجمعية فلعلهما حاضرا قبل أن يعلما أن فيهما ما يخل، وبالله التوفيق.
وأنت ترى عدم الامتحان للأشخاص، وتزعم أنه بدعة، واعلم- علمك الله- أن النبيصلى الله عليه وسلم امتحن الجارية بقوله لها: ((أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة)).
وقال بعض السلف: ((علامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر)).
وقالوا: ((إذا رأيت الكوفي يقع في سفيان الثوري فاعلم أنه شيعي، وإذا رأيت المروزي يقع في عبد الله بن المبارك فاعلم أنه جهمي)).
وقالوا: ((من أخفى عنا بدعته لم تخف علينا ألفته))، أي أنه يعلم بذلك أنه مبتدع بمن يصاحب ومن يألف؛ لأنه لا يصاحب ويألف إلا من رضي طريقتهم.
وأخيرا: هذه نصيحة مختصرة من أخ لأخيه أحببت تنبيهكم فيها على بعض الأمور، وأسأل الله- جل شأنه- أن يصلح أحوال الجميع، وأن يسددنا إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة، إنه سميع قريب.
ونسأل الله أن يعصمنا من العصبية الممقوتة، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه ومقصودا بها رضاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
أحمد بن يحيى النجمي
- رحمه الله -
المصدر: الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية (الطبعة الثانية): 1 / 220-235.
هذا الرابط لتحميل المف وطباعته ونشره
http://www.ibnalislam.net/view.php?file=85c00ede04
http://sahab.net/forums/showthread.php?t=377391
قال الشيخ العلامة مفتي جنوب المملكة أحمد بن يحيى النجمي -رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته-:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ الفاضل العلامة: عبد المحسن بن حمد العباد البدر، المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:
أخي تلقيت منك اتصالا ليلة الخميس الموافق 10/ 5/ 1424هـ تعتب علي فيه، وتقول: أنك تلقيت مكالمة تحكي مكالمة صوتية، وأني قلت للسائل أنه لا يوزع هذا الكتاب الذي هو كتابك: (رفقا أهل السنة بأهل السنة) إلا مبتدع.
وأنا أقول: يعلم الهك أني لم أبدعك، ولم أقصد تبديعك؛ لأني أعتبرك من أهل السنة المجاهدين في نشرها، ولكني أعتبر تأليفك لهذا الكتاب إساءة إلى السنة التي ما زلت تقوم بنشرها، وتعليمها للناس من زمن، وإن كنت لم تقصد الإساءة إلى السنة قطعاً فيما أعتقد؛ ولكن كان زعمك فيما أظن الإصلاح بين الطرفين: الطرف المتحمس الذي يخرج بتحمسه عن الاعتدال، والطرف المعتدل، والله أعلم. ولكنك أسأت بتأليفك هذا الكتاب الذي يظهر منه تثبيط السلفيين عن الكلام في أهل البدع ونقدهم فيه.
ثانيا: يظهر منه تخطئتك لهم فيما حصل منهم من الكلام في أهل البدع، وذمهم بذلك، وعيبهم به.
ثالثا: بدل ما كان الكلام في أهل البدع قربة إلى الله من أعظم القرب جعلته جريمة من أعظم الجرائم، فقد قيل للإمام أحمد بن حنبل: "رجل يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن، ورجل يتكلم في أهل البدع، فقال: الذي يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن لنفسه، والذي يتكلم في أهل البدع للناس يعني منفعته تعود إلى الناس بأن يحذرهم من أهل البدع ".
رابعا: استغل أهل البدع موقفك هذا؛ فجعلوك مدافعا عنهم، ومخاصما لهم، فجعلوا يصورون كتابك بالمئات، بل وبالآلاف، ويوزعون حسب ما بلغنا، فانظر من نفعت، وفي صف من وقفت بهذا الكتاب؟!!
خامسا: وأنت بذلك استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير!! يعني وأنت أعلم، استبدلت بنصرة السلفيين، والدفاع عنهم نصرة المبتدعين، والدفاع عنهم شعرت أو لم تشعر، فقد حصل ذلك!!
فانظر من هو الذي فرح بكتابك، ومن هو الذي آسف؟!!
لا شك أنه قد فرح به الحزبيون، وآسف السلفيين؛ لذلك فإن السلفيين يدعون الله أن يردك إلى الحق ردا جميلا، ويسألونه أن يجعلك من المدافعين عن السنة، والذابين عنها كما جعلك من الناشرين لها.
سادسا: لقد قرأت كتابك تخريج طرق حديث: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها إلى من لم يسمعها) قبل أكثر من ثلاثين سنة فأعظمتك، وازددت حبا لك، وما زلت أسمع أن لك درسا في الحديث، أو دروسا، وسمعت بعض حلقاته في الإذاعة في أيام قريبة، وسمعت انطلاقك في ترجمة رجال الأسانيد؛ فغبطتك، وتمنيت أن يوفقني الله لحفظ رجال الأسانيد مثلك.
سابعا: وأنت بهذا الكتاب قد أدنت نفسك حينما تزعم أن الكلام في المبتدعة غيبة، وأنت تعلم أن الغيبة هي الذم المحض الذي لم يكن مقصودا به الدفاع عن الدين، أما ما قصد به الدفاع عن الدين فإنه لا يكون غيبة، وأنت لا بد أن تقول: فلان مرجئ، أو رمي بالإرجاء، وفلان كان يرى رأي الخوارج، وفلان قدري أو رمي بالقد ر... إلخ.
فإن قلت: هذه غيبة، والغيبة حرام، فإنه يحرم عليك أن تغتاب الناس، وتأكل أحو مهم، وإن قلت: تجوز الغيبة إذا كان مقصودا بها الدفاع عن الدين؛ قلنا: وكذلك يجوز أن نقول: فلان مبتدع إذا قصدنا بذلك التحذير منه حتى لا تنتشر بدعته. ونحن معك أن من لم يعرف بالبدع لا يجوز الكلام فيه، فإن أحدث بدعة ونصح منها، وأبى أن يقبل هُجر، وترك.
ثامنا: والأدلة على جواز الغيبة إذا قصد بها التحذير كثيرة، ورد ذلك في الكتاب والسنة، وقرره سلف ا لأمة من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة الأثر، وحماة الدين:
فمن الكتاب: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73]، وهذا شامل للمنافقين شفافا اعتقادنا، ونفس في عمليا، ومنهم المبتدعة.
وأما من السنة: فما رواه البخاري برقم (6032) عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة. فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة: متى عهدتني فحاشا؛ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)).
وكذلك حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: ((أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته. فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. فقال: ليس لك عليه نفقة. فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني. قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاملة بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به)).
ومثل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك، ويكفي بنيك)).
ومن حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: ((رأى رجلا يخيف، فقال له: لا تخلف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، أو كان يكره الخوف، وقال: إنه لا يصاد به صيد، ولا ينكى به عدو، ولكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين. ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف، أو كره الخذف، وأنت تخذف؟! لا أكلمك كذا وكذا)). ومثل ذلك عن أبي بكرة رضي الله عنه.
وأما ما ورد عن السلف فهو شيء كثير، من ذلك ما حكي عن شعبة بن الحجاج أنه قال: تعالوا حتى نغتاب في الله عز وجل.
وكذلك ما حكي عن عاصم الأحول رحمه الله، قال: كان قيادة يقصر بعمرو بن عبيد، فجثوت على ركبتي. فقلت: يا أبا الخطاب، هذه الفقهاء ينال بعضها من بعض؟ فقال: يا أحول، رجل ابتدع بدعة فيذكر خير من أن يكف عنه لا.
وقال الحسن بن الربيع: قال ابن المبارك: المعلى بن هلال هو هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب. قال: فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ قال: اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟!
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله يكون مرجئا أوشيعيا، أوفيه شيء من خلاف السنة؟ أيسعني أن أسكت عنه أم أحذر عنه؟ فقال أبي: إن كان يدعو إلى بدعة، وهو إمامهم فيها، ويدعو إليها قال: نعم تحذر عنه.
وقال الحسن البصري رحمه الله: ليس لأهل البدعة غيبة.
وقال عفان رحمه الله: كنا عند إسماعيل بن علية جلوسا فحدث رجل عن رجل، فقلت: إن هذا ليس بثبت، فقال الرجل: اغتبته، فقال إسماعيل: ما اغتابه، ولكنه حكم أنه ليس بثبت.
وقال ابن تيميه رحمه الله في الفتاوى (ج 28/ 17 2): وأما إذا أظهر الرجل المنكرات، وجب الإنكار عليه علانية، ولم يبق له غيبة، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره.
وقال ابن الجوزي في مناقب ا لإمام أحمد بن حنبل (ص 185): وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين. اهـ
وبالجملة؛ فالآثار عن السلف كثيرة، ولا يتسع هذا الجواب المختصر لبسطها، وهناك آثار عنهم تدعو إلى الإنكار على من ظهر منه ما يخالف ظواهر الشرع، وما يحتمل حقا وباطلا، أو يخلط بين سنة وبدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) (ج1/ ص 254): فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضا الألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل.
وقال في الفتاوى (ج 28/ ص 22): وجماع الدين شيئان:
أحدهما: ألا نعبد إلا الله وحده.
والثاني: أن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]. وقال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خاليا صوابا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة...
إلى أن قال: فإذا كان المشايخ والعلماء في أحوالهم وأقوالهم المعروف والمنكر، والهدى والضلال، والرشاد والغي؛ عليهم أن يردوا ذلك إلى الله والرسول، فيقبلوا ما قبله الله ورسوله، ويردوا ما رده الله ورسولهم. اهـ
علما بأن ديننا قام على ثلاثة أمور:
أولها: ا لإيمان بالله.
ثانيا: ا لأمر ما لمعروف.
وثالثا: النهي عن المنكر.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
وفي صحيح مسلم من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جده قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)).
وفي رواية بعد قوله: ((وألا ننازع الأمر أهله)): ((إلا أن تروا كفرا بواحا معكم
من الله فيه برهان)).
ومن هذه ا لأدلة يتبين أن الله عز وجل أمر عباده أبو يأمروا بالمعروف، وينهوا كن المنكر، وأن يقولوا بالحق أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، وهذا هو الذي دفعني أن أقول بالحق الذي أعلمه، وهو أني قلت: إن الشيخ عبد المحسن من أهل السنة لا نقول فيه شيئا؛ ولكنه أساء بتأليف هذا الكتاب، ولهذا فرح أهل البدع وجعلوا يوزعونه بكميات كبيرة.
تاسعا: لعلك تقول: أنا لم أقصد السكوت عن المبتدعة، ولم أطلب من أحد السكوت عنهم؛ وإنما أردت أن أخفف من حدة الاتهامات الحاصلة بين السلفيين.
وأقول: إن الوا جب عليك وعلى غيرك ممن يتكلم في أمر مثل هذا أن يميز في الحكم بين السلفيين والحزبيين حتى يتبين حكم كل جماعة على حدة، لا سيما وأن الخوارج هذا الزمان اتخذوا التقية والنفاق ديدناً لهم، فتراهم عند الولاة منسجمين معهم والأسرار يعلمها الله.
عاشرا: قلت: ((موقف أهل السنة من العالم إذا أخطأ أنه يعذر؛ فلا يباع، ولا يهجر))، أتيت يا شيخ بتراجم لثلاثة من العلماء السابقين وهم البيهقي، والنووي، وابن حجر، وهؤلاء وقعوا في تأويل بعض الصفات، ولهم مؤلفات عظيمة ومفيدة.
ولذلك رأى أهل السنة والجماعة أن الناس بحاجة إلى الاستفادة من كتبهم في غير ما وقعوا فيه من البدعة، فيحذر طلاب العلم من بدعهم، ويستفاد من كتبهم في غير المجال الذي أخطئوا فيه، أما القول بأنهم عذروا -أي: بأن أهل السنة عذروهم فيما تأولوه من الصفات، وحذروا من إطلاق البدعة عليهم- فلا فيما أعلم.
ثم ضربت مثلا بالشيخ الألباني من المعاصرين، والشيخ الألباني من أهل السنة انفرد بأشياء من قبيل الاجتهادات التي ربما يقال بأنه شذ بها مع أنها مبنية على أدلة اقتنع بها هو، فتمثيلك به تمثيل في غير محله إذ إن الكلام في هجر المبتدع والألباني ليس بمبتدع، وحاشاه أن يبتدع، وهو مساكن للسنة والآثار آناء الليل وآناء النهار، تخريخا، ونقدا، وتصحيحا وتضعيفا، فليتك لم تذكره في بحثك هذا.
ثم أتيت بأقوال لبعض السلف مجملة، ولم تعرج على ما ملئت به الكتب من هجر المبتدع ولا بد أنك قرأت تلك الكتب أو بعضها وهي: الإبانة الكبرى لابن بطة، والإبانة الصغرى له، وشرح السنة للالكائي، وكتاب السنة لابن أبي عاصم، والشريعة الآجري، وغيرها من الكتب التي دونت الآثار عن السلف في هجر المبتدع.
وأقول: يا شيخ إن سكوتك عن تلك الآثار يجعلك محجوبا أمام الله قبل الناس، أنسيت يا شيخ أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله أمر بهجر حسين بن علي الكرابيسي، وعدم الأخذ عليه، وعدم قراءة كتبه؛ فترك ولم يأته أحد رغم غزارة علمه.
وأمر بهجر سهل بن عبد الله التستري الذي كان يقال له: سهل القصير، وعدم قراءة كتبه فتركه أهل الحديث.
وأبى أن يدخل عليه داود بن علي الظاهري.
وهجر أهل السنة الحسن بن صالح بن حي لما علموا ببدعته.
لا أدري يا شيخ أنسيت هذه الآثار أم تناسيتها؟
وإني لأنصحك يا شيخ، وأنصح نفسي باتباع آثار السلف والسير على نهجهم وعلى طريقتهم، وأنت تعلم يا شيخ أن الخطأ الذي يحصل من أحد الشيوخ في الأحكام الفرعية التي يسوغ فيها الاجتهاد فهذا الذي يعذر فيه قائله، ولا يبدع، ولا يهجر، والخطأ الذي يبدع صاحبه ويهجر هو الذي في العقيدة، ولا نعلم أن السلف عذروا أحدا ابتدع في العقيدة بدعة وعذروه.
الحادي عشر: أنت قلت: ((إن السلفيين انقسموا إلى قسمين من أجل رجلين))، والذي يظهر أنك تقصد بالرجلين هم الشيخ ربيعا بن هادي المدخلة، وأبا الحسن السليماني المأربي.
وأنا أقول لك: إن المسألة مسألة حق ينصر ويؤيد، وباطل يشجب ويبين بطلانه، وهذا اتهام منك للسلفيين من علماء وطلاب علم اتهام منك لهم بالعمالة والعصبية الممقوتة، العصبية التي نجاهم الله منها بقوله- جل من قائل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:8].
وفي حديث عبادة المتفق عليه: ((وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)).
هذا وأمثاله هو الذي حتم علينا أن نقول الحق، وإن ترتب على قوله غضب بعض الأطراف.
أتراني يا شيخ عبد المحسن نسير على منهج أهل الجاهلية الذين يقول بعضهم:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت وإن ترشد غزية أرشد
ويقوله بعضهم لمسيلمة حين سأله: صاحبك يأتيك في نور أو في ظلمة؟ قال: في ظلمة، فقال له: والله إنك لكذاب ولكذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر.
أترانا مثل هؤلاء الأجلاف الضالين، وقد أنار الله قلوبنا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ تبا لمن فعل ذلك وسحقا، ثم تبا له وسحقا.
ثم إن الرجلين الذين انقسم أهل السنة من أجلهما -حسب قولك- يستحيل أن يكونا جميعا على حق، ويكون كل منهما ضد الآخر، ويلزم من ذلك أن يكون أحدهما على حق والآخر على باطل، والباطل الذي مع الآخر إما أن يكون باطلا محضا، أو باطلا مشوبا بحق، ومعلوم أن الله تعالى أمرنا باتباع الحق ونصره ونصر أهله: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
وقال- جل من قائل-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [لأنعام: 153].
وقال كليم: ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال: هذا إذا كان مظلوما، فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال: تردعه عن ظلمه)).
فالله أمرنا باتباع شرعه؛ لأن فيه الحق الصافي الخالص من اللبس ذلك ؛ لأن الله ذم الباطل وأهله، ونهانا عن لبس الحق بالباطل، وعن كتمان الحق، فقال: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [لبقرة: 42].
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71].
ومن درس ما عليه الرجلان تبين له ما يأتي:
أولا: إن الشيخ ربيعا معروف بدعوته إلى السنة، مع معرفته التامة لها، وجهاده من زمن طويل من أجلها.
ثانيا: أن الشيخ ربيعا قد ألف مؤلفات معظمها في الرد على من خالفوا السنة دفاعا عنها وجهادا في سبيلها، ولم نعلم أنه خالف الأدلة في مسالة واحدة، وقد شهد له الألباني رحمه الله بذلك.
أما أبو الحسن فهو شاب غرير ألف كتابا أو كتابين لم يتمحض فيها للحق ويمشي فيها مع الأدلة، بل لوحظت عليه ملاحظات هذا من حيث وضع كل منهما العام.
أما من حيث الوضع الخاص الذي بدأ قبل سنتين؛ فإنا نجد أن أبا الحسن يشكك في حجية خبر الآحاد إذا صح على القواعد الاصطلاحية، وهذه مخالفة لأهل السنة والجماعة، وأخذ بقول المعتزلة ومن نحا نحوهم.
ثانيا: يرى حمل المجمل على المبين في كلام العلماء، وهذه مخالفة لما عليه السلف أيضا في أنه لا يحمل المجمل على المبين إلا في كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: يزدري ويحتقر أهل السنة، ويلمع ويعظم المبتدعة، فهو يقول في أهل السنة: (غوغائيين)، و(أقزام)، و(قواطع صلصة)، و(صغار)، وغير ذلك من ألفاظ التحقير. أما المبتدعة فهم عنده جبال، ولما قيل له عن المغراوي قال: كيف أزيل الجبل الأشم؟
رابعا: أنه يعتذر للمبتدعة؛ فمثلا سيد قطب الذي قرر في مقدمة سورة الحجر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد ارتدت عن الدين كلها، وأنه لا يوجد فيها دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه شريعة الله، قال ذلك في (ج 4/ 2122)، وقرر في سورة يونس أن مساجد المسلمين معابد وثنية، وفسر سورة الإخلاص بوحدة الوجود.
خامسا: يعتذر للمغراوي التكفيري.
سادسا: ينزل على المبتدعة، ويتلقاه المبتدعة في كل مكان ينزل فيه، ولا يأنس إلا إليهم.
سابعا: سئل عن الإخوان المسلمين: هم من أهل السنة والجماعة؟ قال: نعم.
ثامنا: شهد رجال من أهل العلم الموثوق بعلمهم أنهم جربوا عليه الكذب في أشياء كثيرة.
هذه حال أبي الحسن فكيف نقول: انقسم أهل السنة إلى قسمين من أجل رجلين؟ ومفهوم هذا الكلام الذي قلته لي في المكالمة أن الرجلين كلاهما مع أهل السنة، فهل يصح أن نقول أن أبا الحسن من أهل السنة مع ما عنده من الفواقر؟!! الجواب: لا.
وهل يصح أن أتباعه من أهل السنة؟!! الجواب: لا.
وإن كنت تعتقد أن أبا الحسن وأتباعه من أهل السنة فنحن نأسف لذلك، وننصحك بالتراجع عن مثل هذا القول.
قلت في (ص 44): ((فتنة التجريح والهجر من بعض أهل السنة في هذا العصر حصل في هذا الزمان انشغال أهل السنة ببعض تجريحا وتحذيرا وترتب على ذلك التفرق والاختلاف والتهاجر...)) إلخ.
إلى أن قلت: ((ويعود ذلك إلى سببين:
أحدهما: أن من أهل السنة في هذا العصر من يكون ديدنه وشغله الشاغل تتبع الأخطاء والبحث عنها سواء كانت في المؤلفات أو الأشرطة، ثم التحذير ممن حصل منه شيء من ذلك)).
وأقول: إن هذا منقبة، وليست مذمة؛ فلقد كانت حماية السنة منقبة عند السلف، نعم عند الشباب السلفي غيرة؛ إذا وجدوا مخالفة للسنة في مؤلف أو في شريط، أو رأوا من أهل السنة من يمشي مع المبتدعة بعد النصح أنكروا ذلك ونصحوه أو طلبوا من بعض المشايخ نصحه، فإذا نصح ولم ينتصح هجروه وهذه منقبة لهم، وليست مذمة لهم.
ثم قلت: ((ومن هذه الأخطاء التي يجرح بها الشخص ويحذر منه بسببها تعاونه مع إحدى الجمعيات بإلقاء المحاضرات أو المشاركة في الندوات، وهذه الجمعية قد كان الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين-رحمهما الله- يلقيان عليها المحاضرات عن طريق الهاتف، ويعاب عليها دخولها في أمر قد أفتاها به هذان العالمان الجليلان)). اهـ
وأقول: هذه الجمعية هي جمعية إحياء التراث في الكويت يرأسها عبد الرحمن عبد الخالق وعنده دخائل وعليه ملاحظات.
ومن كلامه ولمزه للسلفيين قوله: ((فإنه ما زال المسلمون إلى يومنا هذا يطلع عليهم بين الحين والآخر من يزعم نصر الدين، وقول كلمة الحق، فيترك أهل الأوثان والشرك والإباحية والكفر، ويعمل قلمه في المسلمين، بل وجدنا منهم من لا هم له إلا مشاغلة الدعاة إلى الله والتعرض لهم بالسب والتشهير، وتأليف الرسائل في بيان مثالبهم...)) إلخ.
وهذا طعن في السلفيين وعيب لهم وذم لطريقتهم في الإنكار على المبتدعة، ويقصد بالدعاة إلى الله، في قوله: ((بل وجدنا منهم من لا هم له إلا مشاغلة الدعاة إلى الله)) يقصد الإخوانيين، والسروريين، والقطبيين، والتكفيريين، والخوارج الذين يعدون العدة للخروج.
وقد كانوا ينكرون إذا قلنا مثل هذا، أما الآن فقد فضحهم الله بما حصل من التفجيرات والاكتشاف للذخائر والمؤن التي يعدونها للخروج، بل إن عبد الرحمن عبد الخالق من كلامه ما يدل على أنه تكفيري هو نفسه؛ قوله في تكملة هذا المقطع الذي ابتدأ من نقله: ((وهذا من أكبر الآثام، ومن أكبر النواقض لأصل الإيمان ا لأصيل، وهو أصل الولاء))، فهو يزعم أن الكلام في المبتدعة ناقض للإسلام، وهذه طريقة التكفيريين. وهذا الذي نقلته قد نقلته من كتاب (القدوات الكبار بين التعظيم والانبهار) تأليف محمد موسى الشريف (ص 66-67)، وقد عزا هذا المقطع الذي نقلت بعضه إلى رسالته (الولاء والبراء) له -يعني لعبد الرحمن عبد الخالق-.
وأخيرا يا شيخ عبد المحسن أقول: إن محاضرة الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، في هذه الجمعية في زمن قديم لا يزكي هذه الجمعية فلعلهما حاضرا قبل أن يعلما أن فيهما ما يخل، وبالله التوفيق.
وأنت ترى عدم الامتحان للأشخاص، وتزعم أنه بدعة، واعلم- علمك الله- أن النبيصلى الله عليه وسلم امتحن الجارية بقوله لها: ((أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة)).
وقال بعض السلف: ((علامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر)).
وقالوا: ((إذا رأيت الكوفي يقع في سفيان الثوري فاعلم أنه شيعي، وإذا رأيت المروزي يقع في عبد الله بن المبارك فاعلم أنه جهمي)).
وقالوا: ((من أخفى عنا بدعته لم تخف علينا ألفته))، أي أنه يعلم بذلك أنه مبتدع بمن يصاحب ومن يألف؛ لأنه لا يصاحب ويألف إلا من رضي طريقتهم.
وأخيرا: هذه نصيحة مختصرة من أخ لأخيه أحببت تنبيهكم فيها على بعض الأمور، وأسأل الله- جل شأنه- أن يصلح أحوال الجميع، وأن يسددنا إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة، إنه سميع قريب.
ونسأل الله أن يعصمنا من العصبية الممقوتة، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه ومقصودا بها رضاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
أحمد بن يحيى النجمي
- رحمه الله -
المصدر: الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية (الطبعة الثانية): 1 / 220-235.
هذا الرابط لتحميل المف وطباعته ونشره
http://www.ibnalislam.net/view.php?file=85c00ede04
http://sahab.net/forums/showthread.php?t=377391
تعليق