بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيّه الأمين وبعد:
فبعد إخماد البرامكة -بحمد الله- إخمادا كليّا ، وذلك بفضل الله وحده ثم بتعاون أهل السنّة وتظافرهم ، ممّا أدّى بالبرامكة المرعيين إلى إغلاق مواقعهم أو مواضيعهم ، وغطّوا على هذا بزعمهم أنّهم التزموا نصيحة الشيخ ربيع -حفظه الله- ولو كانوا صادقين للزموا نصحه من أوّل يوم ، ولما انتظروا حتّى فضحوا ، وبان خزيهم وعارهم ، واتضحت خياناتهم وسرقتهم لكلام العلماء ، ونشره دون إذن منهم.
ولو كانوا صادقين في اتزامهم للنّصح ، لحذفوا مواضيعهم من كلّ المواقع ، لكنّهم بمكرهم وخداعهم ، حذفوا كلامهم من المواقع العربيّة ، وتركوه في المواقع الإفرنجيّة ، ليضلّلوا به إخواننا الفرنسيين الذين لم يتعلّموا بعد اللغة العربيّة ، فيشغلوهم عن تعلّم ما فرض عليهم فرض عين بما لا شأن لهم به.
وقد أطلعني أخونا أبو أيوب يوسف شمالي ، على جملة من الشبه المرعيّة ،التي ينشرونها حول الناصح الأمين -حفظه الله- في بعض المواقع التابعة لابن مرعي والناطقة باللغة الفرنسيّة !!!
فهذا عرضها وردّها ، ليقوم أخونا -حفظه الله- بترجمتها:
1/ادعاؤهم أن الشيخ يحيى يقول بأنّ الطعن في الصحابة رضي الله عنهم ، من اخلاف الأفهام!! وشبهتهم في ذلك أن الشيخ -حفظه الله- عن المسائل التي خالف فيها ابو الحسن ، هل هي من اختلاف الأفهام؟؟
فأجاب -حفظه الله-: كيف هذا؟! الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من اختلاف الأفهام؟؟!
قلت: ومعلوم أنّ هذا تقرير من الشيخ يحيى -حفظه الله- بأنّ الطعن فيهم -رضي الله عنهم- ليس من اختلاف الأفهام ، لأن الشيخ أتى بهذا الكلام على صيغة الاستفهام الإنكاري ، فمعنى كلامه: ((هل الطعن في الصحابة من اختلاف الأفهام)) أتى بها على وجه الإنكار ، لكن هؤلاء الخونة لما لما ترجموا الكلام إلى الفرنسية ، لم يترجموه بصيغة الاستفهام الإنكاري ، بل بصيغة الإثبات ، فالله حسيبهم.
2/زعمهم أن الشيخ -نصره الله- يطعن في الصحابي الجليل عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- ويتّهمه بالإرجاء!!!
فأقول: الشيخ -حفظه الله- لا يطعن في أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بل كلامه أتى في معرض التأريخ لبدعة الإرجاء ، فذكر أنّها أوّل ما دخلت على الصحابة الذين تأوّلوا في شرب الخمر ثمّ تابوا إلى الله عز وجلّ لما تبيّن لهم الحقّ رضي الله عنهم.
ومعلوم أنّ هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- لمّا استحلوا الخمر إنّما استحلّوها متأوّلين لقول الله تعالى: ((ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا... الآية)) إذ أنّهم لو لم يكونوا متأوّلين لكانوا قد كفروا بالاستحلال -وحاشاهم رضي الله عنهم-
ومعلوم أنّ التأويل الخاطئ لكلام الله عز وجلّ لا يكون إلاّ بشبهة ، ومحال أن يكون تأويل باطل بلا شبهة ، فإذا نظرنا في هذه الشبهة التي تأوّل بها هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- وجدناها نفس الشبهة التي دخلت على المرجئة ، لكنّ صحابة -رسول الله صلى الله عليه وسلّم- لما كانوا قد تربّوا تربية سليمة على يد خير البشريّة ، أدى هذا إلى تراجعهم عن خطئهم ، لما علّمهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وغيره ممن هو أعلم منهم ، أمّا المرجئة الضلال فقد تمسكوا بهذه الشبهة حتى أدّت بهم إلى أقوال غاية في البطلان.
وعل هذا: فلا يجوز لأحد أن يتّهم الشيخ يحيى بالطعن في الصحابة الكرام ، بل يحبّهم ويترضى عليهم ، ويسير على نهجهم.
3/يتّهمونه بالطعن في الأقرع بن حابس رضي الله عنه ، وإذا سألتهم لماذا ؟؟ قالوا: لأنّ البيحاني قال بأنه: قاسي القلب غليظ الطبع !!! سبحان الله ! كلمة قالها البيحاني ، فألصق مسؤوليتها بالناصح الأمين؟!
وكنت قد كتبت -بحمد الله- كلاما في رسالة بعنوان (المقدّمات السلفية . . .) وهي في انتظار مقدّمة الشيخ يحيى لتنشر ، ولا بأس بنقل هذا الكلام هنا ، ردّا على هؤلاء ، قلت عند ذكر كتاب (اللمع): ((وقد اعتدى على هذا الكتاب ، كاتب مجهول متستر تحت اسم: عبد الرحمن البرمكي (!) فرمى الشيخ يحيى بأقبح التّهم ، حتّى اتّهمه بالطعن في الصحابة !!! -رضي الله عنهم- واستند في ذلك إلى عبارة ذكرها البيحاني (!) من باب الإخبار والتبرير لا من باب الطعن ، فجعلها البرمكي طعنا في الصحابة رضي الله عنهم ، ثمّ حمّل وزرها للناصح الأمين لا لقائلها ، وهذا سوء فهم قبيح جدّا ، قال الهادي بن إبراهيم الوزير -رحمه الله-: ((إنّ من حقّ الناقض لكلام غيره: أن يفهمه أوّلا ، ويعرف ما قصد به ثانيا ، ويتحقّق معنى مقالته ، ويتبيّن فحوى عبارته ، فأمّا لو جمع لخصمه بين عدم الفهم لقصده ، والمؤاخذة له بظاهر قوله ، كان كمن رمى فأوشى ، وخبط خبط عشوا ، ثمّ إن نسب إليه قولا لم يعرفه ، وحمّله ذنبا لم يقترفه: كان ذلك زيادة في الإقصا ، وخلافا لما الله تعالى به وصّى ، قال تعالى: ﴿وإذا قلتم فاعدلوا﴾ وقال تعالى: ﴿قل أمر ربي بالقسط﴾ وقال تعالى: ﴿ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ إلى أمثالها من الآيات))أهـ ، راجع "العواصم والقواصم" (1/37-38)
وقال الإمام ابن القيّم -رحمه الله-: ((فقيه النّفس يقول ما أردت؟ ، ونصف الفقيه يقول ما قلت؟) "إعلام الموقعين" (3/54)
وقد قعّد البرمكي قاعدة في بعض (تقوّلاته) فقال في (تنكيله): ((فمن الآن الذي يستحق وصف "الخونة" بسبب هذا الأبيات التي تطبع وتنشر ليقرأها الناس ، بل وتباع في أسواق المسلمين ، إن المستحق لوصف (الخيانة) هو : شاعر هذا الأبيات والناقل عنه -مؤلف الكتاب (عبدالحميد)- ومن قدم له ورضي بهذا -يحيى- ، فهم مستحقون لهذا اللقب بجدارة .))أهـ
قلت: ومعنى هذا الكلام أنّ من قدّم لكتاب كان مسؤولا عن كلّ ما في ذلك الكتاب!! فإذا كان البيحاني قد طعن في الصحابة -فعلا- وكان الشيخ يحيى قد أقرّه -صدقا- فإن من قدّم له ورضي بهذا -الإمام الوادعي- مستحّق لهذا الوصف الشنيع-أيضا- وحاشاه ، لكنّ البرامكة المرعيين ، يقعّدون قواعد ، ويأصّلون أصولا ، ثمّ لا يطبّقونها إلا على من يريدون!! فمن هم الذين يستحقّون وصف (الخونة) الآن؟!))أهـ
مع العلم أنّ الإمام الوادعي قد قال في مقدّمته لذلك الكتاب: ((وقد بذل الشّيخ يحيى -حفظه الله- جهدًا مشكورًا في تخريج أحاديثه وتحقيق ألفاظه ومعانيه وتنبيهات قيّمة على بعض الأخطاء التي حصلت للمؤلّف -رحمه الله- فأصبحت تخاريج الحديث مرجعًا ينبغي لطالب العلم أن يقتنيه، ولو من أجل التخريج . . . أسأل الله أن يجزيه خيرًا وأن يبارك في علمه وماله وولده . . . إنه جواد كريم)).
4/إنكارهم على الشيخ يحيى قوله بأنّ بعض الصحابة قد شارك في قتل عثمان -رضي الله عنه-
فأقول: قد روي أن محمدابن أبي بكر كان ممن شارك في هذا ، لكنّه تاب لما أنسك بلحية عثمان -رضي الله عنه- فقال له : ((لقد أمسكت بلحية كان أبوك يعظّمها)) فتاب وندم ، وحاول أن يدفع عن عثمان -رضي الله عنه- فلم يقدر ، وقد اختلف أهل العلم في ثبوت هذه القصّة.
وكلام الشيخ يحيى لا يعني أنّ محمد بن أبي بكر -رضي الله عنه- كان ممن باشر قتل عثمان -رضي الله عنه- لكن معناه أنه كان مع من دخل عليه البيت ، وفي هذا نوع مشاركة والله أعلم.
5/ادعاؤهم أن الشيخ يحيى يفضّل طلابه على الصحابة!! وشبهتهم في هذا أنّه قال بأن من طلاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من كان منافقا ، وضرب مثالا لذلك بعبد الله ابن أبيّ ، ومعلوم أنّ مراد الشيخ من هذا أنّه إذا كان مجلس رسول الله صلى الله عليه لم يسلم من وجود منافقين فيه ، فكيف يسلم من هذا مجلس غيره ، وإذا كان أصحاب رسول اللله صلى الله عليه وسلّم لم يسلموا من وجود منافقين بينهم ، فكيف يسلم من هذا غيرهم.
وليس مراده أبدا أنّ طلابه أفضل من الصحابة!! بل طلابه أيضا منهم المنافقون الذين يبغون الفتنة في دار الحديث ، ومنهم الحزبيّون المتستّرون ، وخير دليل على ذلك قيامه بطرد بعض طلابه -ومنهم ابن مرعي- لمّا رأى مكرهم وكيدهم للدّعوة.
ثمّ نقول لهؤلاء المفتونين: هل تنكرون أنّ عبد الله ابن أبيّ منافق -وقد دلّ على هذا كلام الله- أم تنكرون أنّه كان يحضر مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟؟!
6/إنكارهم عليه ذكر أخطاء الصحابة
فأقول: الشيخ يحيى لم يذكر أخطاءهم للتنقص منهم ، بل قد صرّح بحبّهم والترضي عليهم ، وتحريم الطعن فيهم في الكتاب نفسه الذي نقلوا منه ، بل قد ذكر الشيخ جملة من أخطائهم ، في معرض تقرير قاعدة شرعيّة مهمّة ، وهي: أنّ الصحابة رضي الله عنهم ليسوا معصومين ، ويبنى على هذا: أنّ أقوالهم وأفعالهم لا تعدّ دليلا ما لم تكن إجماعا منهم.
والعجيب في أمر هؤلاء المرعيين: أنّهم نقلوا كلاما لشيخ الإسلام ابن تيميّة في (منهاج السنّة) يقول فيه بأن ذكر أخطائهم لا يجوز لغير مصلحة راجحة ، ومعنى هذا الكلام أنه يجوز إذا وجدت مصلحة راجحة ، ومن المصلحة الراجحة تقرير المسائل الشرعية ، ولو أكملوا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- لوجدوه بعد أسطر قليلة يذكر بعض أخطاء الصحابة ، فهل ناقض قوله بين سطرين من كتاب ، أم أنّه الهوى الذي أصمّ المرعيين وأعمى أبصارهم؟!
هذا جملة ما تمسّك به القوم ، وأسال الله تعالى أن يوفّقني لردّ شبهاتهم بشكل أوسع ، في (براءة الناصح الأمين من الطعن في صحابة خير المرسلين)
والله أعلم ، وصلى الله على محمّد
كتبه: ياسر الجيجلي
كتبه: ياسر الجيجلي
تعليق