الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده أما بعد:
اعلم أخي وفقني الله و إياك لمرضاته أن الله جل و علا قد رفع من شأن العلماء فقال جل في علاه {شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} قال القرطبي في تفسير هذه الآية : (في هذه الآية دليل على فضل العلم و شرف العلماء و فضلهم فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه و اسم ملائكته كما قرن اسم العلماء).
و قال سبحانه و تعالى {قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون} و قال تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء} و قال تعالى { و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلا العالمون} و من هنا يعلم أن الله تعالى قد رفع شأن أهل العلم و فضلهم على غيرهم لما يحملونه من آيات كتابه عز و جل و أحاديث نبيه المصطفى صلى الله عليه و سلم .
و العلم لا بد و أن يذهب يوما من الدهر و ذهابه بذهاب أهله فقد قال الله تعالى في سورة الرعد { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} و قد ذكر أهل التفسير جملة من الأقوال في تفسير هذه الآية و من ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {ننقصها من أطرافها} هو موت أشرافها و كبرائها و ذهاب الصلحاء و الأخيار اهـ و جاء عن مجاهد أنه قال: هو موت الفقهاء و العلماء .
و عن أنس بن مالك رضي الله عنه و أرضاه قال لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد غيري سمعت نبيكم صلى الله عليه و سلم يقول: (إن من أشراط الساعة أن يقل العلم – أو قال – أن يذهب العلم و يظهر الجهل و يظهر الزنا و تكثر النساء و يقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) و ذهاب العلم بذهاب أهله .
فإذا ذهب العلماء حل مكانهم أهل الجهل و الضلال فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كما في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه و سلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد و لكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا) .
و قد جاء الشرع بتكريمهم و الحض على توقيرهم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقه" رواه أحمد و الترمذي.
و من عقيدة أهل السنة و الجماعة أنهم يدينون الله سبحانه و يتقربون إليه باحترام العلماء الهداة، بلا غلو و لا جفاء، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: "و علماء السلف من السابقين، و من بعدهم من التابعين أهل الخير و الأثر و أهل الفقه و النظر لا يذكرون إلا بالجميل و من ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل"
و لقد كان السلف يعرفون للعلماء منزلتهم و قدرهم و يجلونهم و يوقرنوهم و قد جاء في مختصر منهاج السالكين لابن الجوزي قال الحسن البصري: (لولا العلماء لعاش الناس كالبهائم).
و قد تمثلوا هذا التوقير و التعظيم في مواقف كثيرة امتلأت بها بطون كتب التراجم و التواريخ و تناقلها العلماء تذكيرا بهذا الأدب الرفيع، و تعميقا لهذا الأصل في القلوب و تنبيها على استعماله لكل سالك.
و من ذلك ما ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه:
أن أبا محمد البربهاري الحنبلي العالم الزاهد الفقيه ، عطس يوماً وهو يَعِظُ فشمتهُ الحاضرون ثم شمتهُ من سمعه ، حتى شمتهُ أهل بغداد ؛ فانتهت الضجةُ إلى دار الخلافة .
وقال المروزي : قدم رجلٌ من طرسوس فقال : كان في بلاد الروم في الغزو إذا هدى الليل رفـعوا أصواتهم بالدعاء يقولون : ادعوا لأبي عبدالله يعني إمام أهل السنة أحمد بن حنبل.
وقال حاشر بن إسماعيل : كنت في البصرة فسمعتُ قدوم محمد بن إسماعيل يعني الإمام البخاري صاحب الصحيح فلما قدم قال بندار : ( اليوم دخل سيد الفقهاء) .
و قال الإمام البخاري رحمه الله: "لما دخلت البصرة صرت إلى مجلس بندار، فلما وقع بصره علي، قال: من أين الفتى؟ قلت: من أهل بخارى. قال لي: كيف تركت أبا عبد الله؟ فأمسكت. فقالوا: به يرحمك الله، هو أبو عبد الله، فقام و أخذ بيدي و عانقني، و قال: مرحبا بمن أفتخر به منذ سنين".
و لقد حذر السلف أشد التحذير من الوقيعة في أهل العلم و جعلوا الطعن في العلماء من علامات أهل الزيع و الضلال و الجناية عليهم خرقا في الدين.
قال الإمام ابن المبارك رحمه الله : من استخف بالعلماء ذهبت آخرته.
و قال إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل رحمه الله : لحوم العلماء مسمومة من شمها مرض و من أكلها مات اهـ
قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله : اعلم أخي وفقنا الله وإياكَ لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاتهِ ، أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتـقصيهم معلومة ، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمرٌ عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزورِ والافتراء مرتعٌ وخيم اهـ
و قال رحمه الله : من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب اهـ
قلت : فتأمل رحمك الله هذه النقولات عن سلف هذه الأمة في تقدير العلماء و حفظ مكانتهم و كرامتهم و قارن بين زمانهم و زماننا.
و لقد استوقفني بعض الإخوة على مقال سيئ و خبيث في عنوانه و محتواه يطعن به صاحبه هشام الهارف (العارف) في الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله فوددت الرد عليه ذبا عن عرض عالمنا السلفي و إحقاقا للحق و ردا للباطل إلا أنه قام أخونا الفاضل #############بالواجب في مقال سماه "############" فرأيت من التعاون على البر و التقوى أن أذكر هذا الرجل الهارف بهذا الأدب العظيم الذي يجب على كل مسلم أن يسلكه مع أهل العلم السلفيين و هو توقيرهم و احترامهم و عدم تنقصهم و إهانتهم و تحقيرهم.
و إن كتابة هذا الرجل العارف لتلك المقالة المظلمة كان اعتقادا منه على خطأ الشيخ العلامة صالح فيما أجابه على ذلكم السؤال و كانت إجابة الشيخ موفقة مسددة و رد الهارف بعيد عن الحق و هزيل لا كما ذكر هذا المعتوه أن إجابة الشيخ إجابة سياسية و ليست بإجابة شرعية.
و على فرض خطأ الشيخ العلامة صالح الفوزان فهل هكذا يكون خطاب أهل العلم؟ بالتحقير؟ و التنفير؟ بالإهانة و التنقص؟ تالله إنها لإحدى الكبر!!!
و هذه تذكرة لك (أيها الشيخ الوالد)!!!! كيفية رد خطأ العالم السني من سيرة أئمة السنة و حماتها من المتقدمين و المتأخرين.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: "إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول".
و قال العلامة ابن القيم رحمه الله في " بدائع الفوائد "من قواعد الشرع و الحكمة أيضا أن من كثرت حسناته و عظمت, و كان له في الإسلام تأثير ظاهر, فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره, و يعفى عنه ما لا يعفى عن غيره".
فال الإمام الذهبي رحمه الله : "ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه، وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم! ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ".
وقال أيضاً: " ولو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ".
وقال ابن رجب الحنبلي: "ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه".
و سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء سؤالا ما نصه:
ما موقع تتبع عورات العلماء من الشرع، بدعوى التحذير منزلاتهم، ولفت نظر الناس إليها؟ مع العلم أن هذا العمل يقوم به طلبة العلم، ويحذرونالعوام من الناس، وممن يحذرونهم من علماء أجلاء أحيانا، كالسيوطي (بدعوى إنه أشعري)وغيره كثير.
فأجابت: العلماء ليسوامعصومين من الخطأ كما في الحديث: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهدفأخطأ فله أجر واحد ، ولا ينقص ذلك من قدرهم ما دام قصدهم التوصل إلى الحق، ولاتجوز الوقيعة في أعراضهم من أجل ذلك، وبيان الحق والتنبيه على الخطأ واجب، معاحترام العلماء ومعرفة قدرهم. إلا ما كان مبتدعا أو مخالفا في العقيدة، فإنه يحذرمنه إن كان حيا، ومن كتبه التي قيها أخطاء؛ لئلا يتأثر بذلك الجهال، لا سيما إذاكان داعية ضلال؛ لأن هذا من بيان الحق والنصيحة للخلق، وليس الهدف منه النيل منالأشخاص، والعلماء الكبار- مثل السيوطي وغيره- ينبه على أخطائهم، ويستفاد من علمهم،ولهم فضائل تغطي على ما عندهم من أخطاء، لكن الخطأ لا يقبل منهم ولا منغيرهم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبهوسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو:بكر أبو زيد عضو: عبد العزيز آل الشيخ
عضو:صالحالفوزان عضو:عبد الله بن غديان
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
و قال العلامة ابن عثيميين رحمه الله في كتاب العلم:
"الأمر التاسع : احترام العلماء وتقديرهم:
إن على طلبة العلم احترام العلماءوتقديرهم، وأن تتسع صدورهم لما يحصل من اختلاف بين العلماء وغيرهم ، وأن يقابلواهذا بالاعتذار عمن سلك سبيلاً خطأ في اعتقادهم، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأن بعض الناسيتتبع أخطاء الآخرين، ليتخذ منها ما ليس لائقا في حقهم ، ويشوش على الناس سمعتهم،وهذا أكبر الأخطاء، وإذا كان اغتياب العامي من الناس من كبائر الذنوب فإن اغتيابالعالم أكبر وأكبر؛ لأن اغتياب العالم لا يقتصر ضرره على العالم بل عليه وعلى مايحمله من العلم الشرعي.
والناس إذا زهدوا في العالم أو سقط من أعينهم تسقطكلمته أيضاً . وإذا كان يقول الحق ويهدي إليه فإن غيبة هذا الرجل لهذا العالم تكونحائلاً بين الناس وبين علمه الشرعي، وهذا خطره كبير وعظيم.
أقول: إن علىهؤلاء الشباب أن يحملوا ما يجري بين العلماء من الاختلاف على حسن النية، وعلىالاجتهاد، وأن يعذروهم فيما اخطأوا فيه، ولا مانع أن يتكلموا معهم فيما يعتقدون أنهخطأ، ليبينوا لهم هل الخطأ منهم أومن الذين قالوا إنهم أخطئوا؟ لأن الإنسان أحياناًيتصور أن قول العالم خطأ، ثم بعد المناقشة يتبين له صوابه. والإنسان بشر "كل ابنآدم خطاء وخير الخطائين التوابون"
أما أن يفرح بزلة العالم وخطئه ،ليشيعها بين الناس فتحصل الفرقة، فإن هذا ليس من طريق السلف.
وكذلك أيضاًما يحصل من الأخطاء من الأمراء، لا يجوز لنا أن نتخذ ما يخطئون فيه سٌلّماً للقدحفيهم في كل شيء ونتغاضي عما لهم من الحسنات؛ لأن الله يقول في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِوَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}.
يعني لا يحملكم بغض قوم على عدم العدل، فالعدل واجب، ولا يحل للإنسان أن يأخذ زلاتأحد من الأمراء أو العلماء أو غيرهم فيشيعها بين الناس ، ثم يسكت عن حسناتهم، فإنهذا ليس بالعدل . وقس هذا الشيء على نفسك لو أن أحداً سٌلط عليك وصار ينشر زلاتكوسيئاتك، ويخفي حسناتك وإصاباتك ، لعددت ذلك جناية منه عليك، فإذا كنت ترى ذلك فينفسك؛ فإنه يجب عليك أن ترى ذلك في غيرك، وكما أشرت آنفاً إلى أن علاج ما تظنه خطأأن تتصل بمن رأيت أنه أخطأ، وأن تناقشه، ويتبين الموقف بعد المناقشة .
فكممن إنسان بعد المناقشة يرجع عن قوله إلى ما يكون هو الصواب، وكم من إنسان بعدالمناقشة يكون قوله هو الصواب، وظننا هو الخطأ. (( فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدبعضه بعضاً)) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من أحب أن يزحزح عن النارويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أنيؤتى إليه) ، وهذا هو العدل والاستقامة."
و كلام العلماء في هذا كثير،فيا هشام امسك عليك لسانك و ابك على خطيئتك و ليسعك بيتك و تأمل قول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ: "و هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" و اعلم أن كلامك هذا لن يضر الشيخ في شيء, و ما فعلك هذا إلا كما قيل:
و الحمد لله الذي فضحك فقد بان للسلفيين ما كنت تخفيه من خبث و طعن في العلماء و ما أحسن ما قيل :
و مهما تكن عند امرئ من خليقة ******* و إن خالها تخفى على الناس تعلم
فالحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على نبينا محمد.
اعلم أخي وفقني الله و إياك لمرضاته أن الله جل و علا قد رفع من شأن العلماء فقال جل في علاه {شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} قال القرطبي في تفسير هذه الآية : (في هذه الآية دليل على فضل العلم و شرف العلماء و فضلهم فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه و اسم ملائكته كما قرن اسم العلماء).
و قال سبحانه و تعالى {قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون} و قال تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء} و قال تعالى { و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلا العالمون} و من هنا يعلم أن الله تعالى قد رفع شأن أهل العلم و فضلهم على غيرهم لما يحملونه من آيات كتابه عز و جل و أحاديث نبيه المصطفى صلى الله عليه و سلم .
و العلم لا بد و أن يذهب يوما من الدهر و ذهابه بذهاب أهله فقد قال الله تعالى في سورة الرعد { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} و قد ذكر أهل التفسير جملة من الأقوال في تفسير هذه الآية و من ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {ننقصها من أطرافها} هو موت أشرافها و كبرائها و ذهاب الصلحاء و الأخيار اهـ و جاء عن مجاهد أنه قال: هو موت الفقهاء و العلماء .
و عن أنس بن مالك رضي الله عنه و أرضاه قال لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد غيري سمعت نبيكم صلى الله عليه و سلم يقول: (إن من أشراط الساعة أن يقل العلم – أو قال – أن يذهب العلم و يظهر الجهل و يظهر الزنا و تكثر النساء و يقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) و ذهاب العلم بذهاب أهله .
فإذا ذهب العلماء حل مكانهم أهل الجهل و الضلال فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كما في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه و سلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد و لكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا) .
و قد جاء الشرع بتكريمهم و الحض على توقيرهم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقه" رواه أحمد و الترمذي.
و من عقيدة أهل السنة و الجماعة أنهم يدينون الله سبحانه و يتقربون إليه باحترام العلماء الهداة، بلا غلو و لا جفاء، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: "و علماء السلف من السابقين، و من بعدهم من التابعين أهل الخير و الأثر و أهل الفقه و النظر لا يذكرون إلا بالجميل و من ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل"
و لقد كان السلف يعرفون للعلماء منزلتهم و قدرهم و يجلونهم و يوقرنوهم و قد جاء في مختصر منهاج السالكين لابن الجوزي قال الحسن البصري: (لولا العلماء لعاش الناس كالبهائم).
و قد تمثلوا هذا التوقير و التعظيم في مواقف كثيرة امتلأت بها بطون كتب التراجم و التواريخ و تناقلها العلماء تذكيرا بهذا الأدب الرفيع، و تعميقا لهذا الأصل في القلوب و تنبيها على استعماله لكل سالك.
و من ذلك ما ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه:
أن أبا محمد البربهاري الحنبلي العالم الزاهد الفقيه ، عطس يوماً وهو يَعِظُ فشمتهُ الحاضرون ثم شمتهُ من سمعه ، حتى شمتهُ أهل بغداد ؛ فانتهت الضجةُ إلى دار الخلافة .
وقال المروزي : قدم رجلٌ من طرسوس فقال : كان في بلاد الروم في الغزو إذا هدى الليل رفـعوا أصواتهم بالدعاء يقولون : ادعوا لأبي عبدالله يعني إمام أهل السنة أحمد بن حنبل.
وقال حاشر بن إسماعيل : كنت في البصرة فسمعتُ قدوم محمد بن إسماعيل يعني الإمام البخاري صاحب الصحيح فلما قدم قال بندار : ( اليوم دخل سيد الفقهاء) .
و قال الإمام البخاري رحمه الله: "لما دخلت البصرة صرت إلى مجلس بندار، فلما وقع بصره علي، قال: من أين الفتى؟ قلت: من أهل بخارى. قال لي: كيف تركت أبا عبد الله؟ فأمسكت. فقالوا: به يرحمك الله، هو أبو عبد الله، فقام و أخذ بيدي و عانقني، و قال: مرحبا بمن أفتخر به منذ سنين".
و لقد حذر السلف أشد التحذير من الوقيعة في أهل العلم و جعلوا الطعن في العلماء من علامات أهل الزيع و الضلال و الجناية عليهم خرقا في الدين.
قال الإمام ابن المبارك رحمه الله : من استخف بالعلماء ذهبت آخرته.
و قال إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل رحمه الله : لحوم العلماء مسمومة من شمها مرض و من أكلها مات اهـ
قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله : اعلم أخي وفقنا الله وإياكَ لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاتهِ ، أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتـقصيهم معلومة ، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمرٌ عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزورِ والافتراء مرتعٌ وخيم اهـ
و قال رحمه الله : من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب اهـ
قلت : فتأمل رحمك الله هذه النقولات عن سلف هذه الأمة في تقدير العلماء و حفظ مكانتهم و كرامتهم و قارن بين زمانهم و زماننا.
و لقد استوقفني بعض الإخوة على مقال سيئ و خبيث في عنوانه و محتواه يطعن به صاحبه هشام الهارف (العارف) في الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله فوددت الرد عليه ذبا عن عرض عالمنا السلفي و إحقاقا للحق و ردا للباطل إلا أنه قام أخونا الفاضل #############بالواجب في مقال سماه "############" فرأيت من التعاون على البر و التقوى أن أذكر هذا الرجل الهارف بهذا الأدب العظيم الذي يجب على كل مسلم أن يسلكه مع أهل العلم السلفيين و هو توقيرهم و احترامهم و عدم تنقصهم و إهانتهم و تحقيرهم.
و إن كتابة هذا الرجل العارف لتلك المقالة المظلمة كان اعتقادا منه على خطأ الشيخ العلامة صالح فيما أجابه على ذلكم السؤال و كانت إجابة الشيخ موفقة مسددة و رد الهارف بعيد عن الحق و هزيل لا كما ذكر هذا المعتوه أن إجابة الشيخ إجابة سياسية و ليست بإجابة شرعية.
و على فرض خطأ الشيخ العلامة صالح الفوزان فهل هكذا يكون خطاب أهل العلم؟ بالتحقير؟ و التنفير؟ بالإهانة و التنقص؟ تالله إنها لإحدى الكبر!!!
و هذه تذكرة لك (أيها الشيخ الوالد)!!!! كيفية رد خطأ العالم السني من سيرة أئمة السنة و حماتها من المتقدمين و المتأخرين.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: "إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول".
و قال العلامة ابن القيم رحمه الله في " بدائع الفوائد "من قواعد الشرع و الحكمة أيضا أن من كثرت حسناته و عظمت, و كان له في الإسلام تأثير ظاهر, فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره, و يعفى عنه ما لا يعفى عن غيره".
فال الإمام الذهبي رحمه الله : "ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه، وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم! ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ".
وقال أيضاً: " ولو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ".
وقال ابن رجب الحنبلي: "ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه".
و سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء سؤالا ما نصه:
ما موقع تتبع عورات العلماء من الشرع، بدعوى التحذير منزلاتهم، ولفت نظر الناس إليها؟ مع العلم أن هذا العمل يقوم به طلبة العلم، ويحذرونالعوام من الناس، وممن يحذرونهم من علماء أجلاء أحيانا، كالسيوطي (بدعوى إنه أشعري)وغيره كثير.
فأجابت: العلماء ليسوامعصومين من الخطأ كما في الحديث: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهدفأخطأ فله أجر واحد ، ولا ينقص ذلك من قدرهم ما دام قصدهم التوصل إلى الحق، ولاتجوز الوقيعة في أعراضهم من أجل ذلك، وبيان الحق والتنبيه على الخطأ واجب، معاحترام العلماء ومعرفة قدرهم. إلا ما كان مبتدعا أو مخالفا في العقيدة، فإنه يحذرمنه إن كان حيا، ومن كتبه التي قيها أخطاء؛ لئلا يتأثر بذلك الجهال، لا سيما إذاكان داعية ضلال؛ لأن هذا من بيان الحق والنصيحة للخلق، وليس الهدف منه النيل منالأشخاص، والعلماء الكبار- مثل السيوطي وغيره- ينبه على أخطائهم، ويستفاد من علمهم،ولهم فضائل تغطي على ما عندهم من أخطاء، لكن الخطأ لا يقبل منهم ولا منغيرهم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبهوسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو:بكر أبو زيد عضو: عبد العزيز آل الشيخ
عضو:صالحالفوزان عضو:عبد الله بن غديان
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
و قال العلامة ابن عثيميين رحمه الله في كتاب العلم:
"الأمر التاسع : احترام العلماء وتقديرهم:
إن على طلبة العلم احترام العلماءوتقديرهم، وأن تتسع صدورهم لما يحصل من اختلاف بين العلماء وغيرهم ، وأن يقابلواهذا بالاعتذار عمن سلك سبيلاً خطأ في اعتقادهم، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأن بعض الناسيتتبع أخطاء الآخرين، ليتخذ منها ما ليس لائقا في حقهم ، ويشوش على الناس سمعتهم،وهذا أكبر الأخطاء، وإذا كان اغتياب العامي من الناس من كبائر الذنوب فإن اغتيابالعالم أكبر وأكبر؛ لأن اغتياب العالم لا يقتصر ضرره على العالم بل عليه وعلى مايحمله من العلم الشرعي.
والناس إذا زهدوا في العالم أو سقط من أعينهم تسقطكلمته أيضاً . وإذا كان يقول الحق ويهدي إليه فإن غيبة هذا الرجل لهذا العالم تكونحائلاً بين الناس وبين علمه الشرعي، وهذا خطره كبير وعظيم.
أقول: إن علىهؤلاء الشباب أن يحملوا ما يجري بين العلماء من الاختلاف على حسن النية، وعلىالاجتهاد، وأن يعذروهم فيما اخطأوا فيه، ولا مانع أن يتكلموا معهم فيما يعتقدون أنهخطأ، ليبينوا لهم هل الخطأ منهم أومن الذين قالوا إنهم أخطئوا؟ لأن الإنسان أحياناًيتصور أن قول العالم خطأ، ثم بعد المناقشة يتبين له صوابه. والإنسان بشر "كل ابنآدم خطاء وخير الخطائين التوابون"
أما أن يفرح بزلة العالم وخطئه ،ليشيعها بين الناس فتحصل الفرقة، فإن هذا ليس من طريق السلف.
وكذلك أيضاًما يحصل من الأخطاء من الأمراء، لا يجوز لنا أن نتخذ ما يخطئون فيه سٌلّماً للقدحفيهم في كل شيء ونتغاضي عما لهم من الحسنات؛ لأن الله يقول في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِوَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}.
يعني لا يحملكم بغض قوم على عدم العدل، فالعدل واجب، ولا يحل للإنسان أن يأخذ زلاتأحد من الأمراء أو العلماء أو غيرهم فيشيعها بين الناس ، ثم يسكت عن حسناتهم، فإنهذا ليس بالعدل . وقس هذا الشيء على نفسك لو أن أحداً سٌلط عليك وصار ينشر زلاتكوسيئاتك، ويخفي حسناتك وإصاباتك ، لعددت ذلك جناية منه عليك، فإذا كنت ترى ذلك فينفسك؛ فإنه يجب عليك أن ترى ذلك في غيرك، وكما أشرت آنفاً إلى أن علاج ما تظنه خطأأن تتصل بمن رأيت أنه أخطأ، وأن تناقشه، ويتبين الموقف بعد المناقشة .
فكممن إنسان بعد المناقشة يرجع عن قوله إلى ما يكون هو الصواب، وكم من إنسان بعدالمناقشة يكون قوله هو الصواب، وظننا هو الخطأ. (( فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدبعضه بعضاً)) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من أحب أن يزحزح عن النارويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أنيؤتى إليه) ، وهذا هو العدل والاستقامة."
و كلام العلماء في هذا كثير،فيا هشام امسك عليك لسانك و ابك على خطيئتك و ليسعك بيتك و تأمل قول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ: "و هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" و اعلم أن كلامك هذا لن يضر الشيخ في شيء, و ما فعلك هذا إلا كما قيل:
و إذا أراد الله نشر فضيلة ****** طويت أتاح لها لسان الحسود
و الحمد لله الذي فضحك فقد بان للسلفيين ما كنت تخفيه من خبث و طعن في العلماء و ما أحسن ما قيل :
و مهما تكن عند امرئ من خليقة ******* و إن خالها تخفى على الناس تعلم
فالحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على نبينا محمد.
تعليق