بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيّه الأمين وآله وصحبه أجمعين ، أما بعدُ:
فقد نشرت صحيفة (النهار) في عددها الصادر يوم الخميس 29 شعبان 1430 في ركن (إسلاميات) رسالة تنسب للإمام الذهبي عنوانها (النصيحة الذهبية) وقد نشرتها الجريدة بعنوان (نص نصيحة الإمام الحافظ الذهبي لابن تيمية الحرّاني الحنبلي)
وقد احتوت هذه (النصيحة) على ضروب عظيمة من التنفير من شيخ الإسلام ، وفيها كلام يصل إلى حدّ التكفير ، لا يمكن أبدا أن يكون من كلام الإمام الذهبي ، فأحببت هنا أن أنبه على بطلان نسبة هذه الرسالة إلى هذا الإمام ، فأقول:
هذه الرسالة باطلة النسبة إلى الإمام الذهبي من أوجه:
1/ إن أوّل من أظهر هذه الرسالة زاعما نسبتها إلى الإمام الذهبي هو زاهد الكوثري ، وهو مبتدع معروف بعدائه للسنة وأهلها ،يختلق الأكاذيب على أهل السنة ، بغية تشويه صورتهم أمام الملأ ، وقد نشر هذه الرسالة المزعومة ، مع أنّ منهجه مخالف مخالفة تامة لمنهج الإمام الذهبي وعقيدته ،لكنّ الكوثري لا يهمه هذا ، لأنّ مراده الطعن في شيخ الإسلام وتصويره في صورة غير لائقة به ،ولو على حساب الكذب على العلماء الأجلاء ، ولو على حساب اختلاق أكاذيب وخلافات بين أئمة الإسلام لا وجود لها في حقيقة الأمر ، تماما كما يفعل اليوم أذناب الحزب الجديد مع الناصح الأمين ، حيث يختلقون الخلاف بينه وبين الإمام النجمي تارة ، وبينه وبين الشيخ ربيع تارة أخرى ، لكنّ الله تعالى كما فضح الكوثري فإنه سيفضح هؤلاء .
نشر الكوثري هذه الرسالة ، ونسبها إلى الحافظ الذهبي ،وزعم أنّه وجدها بخطّ ابن قاضي شهبا ، ولزيادة من التلبيس صوّر الكوثري مخطوطا زعم أنّه بخط ابن قاضي شهبا ، لكنّ الله جعل تدميره في تدبيره ، فقد طبع كتاب (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبا ، في الهند وقد وقف المحقق على نسخة بخطّ المؤلف نفسه ، ومن قارن بين خط المؤلف في (طبقات الشافعية) وبين خط الكوثري في الرسالة المزعومة رأى بونا شاسعا بين الخطّين ، فهذه الأولى.
2/ الإمام الذهبي من أخص تلاميذ شيخ الإسلام وله ثناء عظيم عليه وقد ترجم له في ( سير أعلام النبلاء) وعلى الرغم من أنّ ترجمته في القسم الضائع من السير ، إلا أن الله قيض لنا ناسخ كتاب (العواصم والقواصم) لإن الوزير فذكرها في الهامش كاملة ، وثناء الإمام الذهبي على شيخ الإسلام ابن تيمية معروف مشهور ، بينما نجد كاتب هذه الرسالة يذم شيخ الإسلام بشدّة ،ولا حاجة لنقل كلامه ، لكن أنقل شيئا من كلام الذهبي في شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال الإمام الذهبي في (معجم شيوخه):
هو شيخنا ، وشيخ الإسلام ، وفريد العصر ، علماً ، ومعرفة ، وشجاعة ، وذكاء ، وتنويراً إلهيّاًً، وكرماً ، ونصحاً للأمَّة ، وأمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، سمع الحديث ، وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته ، وخرج ، ونظر في الرجال ، والطبقات ، وحصَّل ما لم يحصله غيره .
برَع في تفسير القرآن ، وغاص في دقيق معانيه ، بطبع سيَّال ، وخاطر إلى مواقع الإِشكال ميَّال ، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها ، وبرع في الحديث ، وحفِظه ، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث ، معزوّاً إلى أصوله وصحابته ، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل ، وفاق الناس في معرفة الفقه ، واختلاف المذاهب ، وفتاوى الصحابة والتابعين ، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب ، بل يقوم بما دليله عنده ، وأتقن العربيَّة أصولاً وفروعاً ، وتعليلاً واختلافاً ، ونظر في العقليات ، وعرف أقوال المتكلمين ، وَرَدَّ عليهم ، وَنبَّه على خطئهم ، وحذَّر منهم ، ونصر السنَّة بأوضح حجج وأبهر براهين ، وأُوذي في ذات اللّه من المخالفين ، وأُخيف في نصر السنَّة المحضة ، حتى أعلى الله مناره ، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له ، وَكَبَتَ أعداءه ، وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل ، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً ، وعلى طاعته ، أحيى به الشام ، بل والإسلام ، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولى الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم ، فظُنت بالله الظنون ، وزلزل المؤمنون ، واشْرَأَب النفاق وأبدى صفحته .
ومحاسنه كثيرة ، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي ، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت : إني ما رأيت بعيني مثله ، وأنه ما رأى مثل نفسه أهـ.
أنظر " ذيل طبقات الحنابلة " لابن رجب الحنبلي (4/390)
والصلاة والسلام على نبيّه الأمين وآله وصحبه أجمعين ، أما بعدُ:
فقد نشرت صحيفة (النهار) في عددها الصادر يوم الخميس 29 شعبان 1430 في ركن (إسلاميات) رسالة تنسب للإمام الذهبي عنوانها (النصيحة الذهبية) وقد نشرتها الجريدة بعنوان (نص نصيحة الإمام الحافظ الذهبي لابن تيمية الحرّاني الحنبلي)
وقد احتوت هذه (النصيحة) على ضروب عظيمة من التنفير من شيخ الإسلام ، وفيها كلام يصل إلى حدّ التكفير ، لا يمكن أبدا أن يكون من كلام الإمام الذهبي ، فأحببت هنا أن أنبه على بطلان نسبة هذه الرسالة إلى هذا الإمام ، فأقول:
هذه الرسالة باطلة النسبة إلى الإمام الذهبي من أوجه:
1/ إن أوّل من أظهر هذه الرسالة زاعما نسبتها إلى الإمام الذهبي هو زاهد الكوثري ، وهو مبتدع معروف بعدائه للسنة وأهلها ،يختلق الأكاذيب على أهل السنة ، بغية تشويه صورتهم أمام الملأ ، وقد نشر هذه الرسالة المزعومة ، مع أنّ منهجه مخالف مخالفة تامة لمنهج الإمام الذهبي وعقيدته ،لكنّ الكوثري لا يهمه هذا ، لأنّ مراده الطعن في شيخ الإسلام وتصويره في صورة غير لائقة به ،ولو على حساب الكذب على العلماء الأجلاء ، ولو على حساب اختلاق أكاذيب وخلافات بين أئمة الإسلام لا وجود لها في حقيقة الأمر ، تماما كما يفعل اليوم أذناب الحزب الجديد مع الناصح الأمين ، حيث يختلقون الخلاف بينه وبين الإمام النجمي تارة ، وبينه وبين الشيخ ربيع تارة أخرى ، لكنّ الله تعالى كما فضح الكوثري فإنه سيفضح هؤلاء .
نشر الكوثري هذه الرسالة ، ونسبها إلى الحافظ الذهبي ،وزعم أنّه وجدها بخطّ ابن قاضي شهبا ، ولزيادة من التلبيس صوّر الكوثري مخطوطا زعم أنّه بخط ابن قاضي شهبا ، لكنّ الله جعل تدميره في تدبيره ، فقد طبع كتاب (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبا ، في الهند وقد وقف المحقق على نسخة بخطّ المؤلف نفسه ، ومن قارن بين خط المؤلف في (طبقات الشافعية) وبين خط الكوثري في الرسالة المزعومة رأى بونا شاسعا بين الخطّين ، فهذه الأولى.
2/ الإمام الذهبي من أخص تلاميذ شيخ الإسلام وله ثناء عظيم عليه وقد ترجم له في ( سير أعلام النبلاء) وعلى الرغم من أنّ ترجمته في القسم الضائع من السير ، إلا أن الله قيض لنا ناسخ كتاب (العواصم والقواصم) لإن الوزير فذكرها في الهامش كاملة ، وثناء الإمام الذهبي على شيخ الإسلام ابن تيمية معروف مشهور ، بينما نجد كاتب هذه الرسالة يذم شيخ الإسلام بشدّة ،ولا حاجة لنقل كلامه ، لكن أنقل شيئا من كلام الذهبي في شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال الإمام الذهبي في (معجم شيوخه):
هو شيخنا ، وشيخ الإسلام ، وفريد العصر ، علماً ، ومعرفة ، وشجاعة ، وذكاء ، وتنويراً إلهيّاًً، وكرماً ، ونصحاً للأمَّة ، وأمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، سمع الحديث ، وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته ، وخرج ، ونظر في الرجال ، والطبقات ، وحصَّل ما لم يحصله غيره .
برَع في تفسير القرآن ، وغاص في دقيق معانيه ، بطبع سيَّال ، وخاطر إلى مواقع الإِشكال ميَّال ، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها ، وبرع في الحديث ، وحفِظه ، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث ، معزوّاً إلى أصوله وصحابته ، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل ، وفاق الناس في معرفة الفقه ، واختلاف المذاهب ، وفتاوى الصحابة والتابعين ، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب ، بل يقوم بما دليله عنده ، وأتقن العربيَّة أصولاً وفروعاً ، وتعليلاً واختلافاً ، ونظر في العقليات ، وعرف أقوال المتكلمين ، وَرَدَّ عليهم ، وَنبَّه على خطئهم ، وحذَّر منهم ، ونصر السنَّة بأوضح حجج وأبهر براهين ، وأُوذي في ذات اللّه من المخالفين ، وأُخيف في نصر السنَّة المحضة ، حتى أعلى الله مناره ، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له ، وَكَبَتَ أعداءه ، وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل ، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً ، وعلى طاعته ، أحيى به الشام ، بل والإسلام ، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولى الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم ، فظُنت بالله الظنون ، وزلزل المؤمنون ، واشْرَأَب النفاق وأبدى صفحته .
ومحاسنه كثيرة ، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي ، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت : إني ما رأيت بعيني مثله ، وأنه ما رأى مثل نفسه أهـ.
أنظر " ذيل طبقات الحنابلة " لابن رجب الحنبلي (4/390)
وكتب أيضا تحت خط شيخ الإسلام :هذا خط شيخنا الإمام شيخ الإسلام فرد الزمان بحر العلوم تقي الدين قرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو دون البلوغ برع في العلم والتفسير وأفتى ودرس وله نحو العشرين (أي من عمره) وصنف التصانيف وصار من أكابرالعلماء في حياة شيوخه وله المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر وفسر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره في أيام الجمع وكان يتوقد ذكاء وسماعاته من الحديث كثيره وشيوخه أكثر من مائتي شيخ ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى، وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقمه فما يلحق فيه، وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلا عن المذاهب الأربعة، فليس له فيه نظير وأما معرفته بالملل والنحل والأصول والكلام فلا أعلم له فيه نظيرا، ويدري جملة صالحة من اللغة وعربيته قوية جدا، ومعرفته بالتاريخ والسير فعجب عجيب، وأما شجاعته وجهاده وإقدامه فأمر يتجاوز الوصف ويفوق النعت، وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يضرب بهم المثل وفيه زهد وقناعة باليسير في المأكل والمشرب.أهـ
وقال الذهبي أيضا في ترجمة ابن تيمية: وله باع طويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين وقل أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الأربعة وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة، ولما كان معتقلا بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز له مروياته وينص على أسماء جملة منها فكتب في عشر ورقات جملة من ذلك بأسانيدها من حفظه، بحيث يعجز أن يعمل بعضه أكبر محدث يكون ،وله خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفة بفنون الحديث وبالعالي والنازل وبالصحيح والسقيم مع حفظه لمتونه فلا يبلغ أحد في العصر رتبته ولا يقاربه، وهو عجب في استحضار واستخراج الحجج منه وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث، ولكن الإحاطة لله، غير أنه يغترف من بحر وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي، وله الآن عدة سنين لا يفتي بمذهب معين بل بما قام الديل عليه عنده، ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر عليها حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه وبدعوه وناظروه وكاتبوه وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق المر الذي أداه إليه إجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال مع ما اشتهر منه من الورع وكمال الفكر وسعة الإدراك والخوف من الله العظيم والتعظيم لحرمات الله، فجرى بينه وبينهم حملات حربية ووقعات شامية ومصرية وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحد فينجيه الله تعالى فإنه دائم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التوكل ثابت الجأش ،له أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجمعية، وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء ومن الجند والأمراء ومن التجار والكبراء وسائر العامة تحبه لأنه منتصب لنفعهم ليلا ونهارا بلسانه وقلمه،
وأما شجاعته، فيها تضرب الأمثال وببعضها يتشبه أكابر الأبطال فلقد أقامه الله في نوبة غازان والتقى أعباء الأمر بنفسه وقام وقعد وطلع وخرج واجتمع بالملك مرتين وبخطلو شاه وببولاي وكان قبجق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغول وله حدة قوية تعتريه في البحث حتى كأنه ليث حرب، وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه في العلم.أهـ
وقال الذهبي: وكان آية من الذكاء وسرعة الإدراك ،رأسا في معرفة الكتاب والسنة والإختلاف، بحرا في النقليات هو في زمانه فريد عصره علما وزهدا وشجاعة وسخاء وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وكثرة تصانيف وقرأ وحصل وبدع في الحديث والفقه وتأهل للتدريس والفتوى وهو ابن سبع عشرة وتقدم في علم التفسير والأصول وجميع علوم الإسلام أصولها وفروعها ودقها وجلها فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه، وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق، وإن حضر الحفاط نطق وخرسوا، وسرد وأبلسوا، واستغنى وأفلسوا ،وإن سمي المتكلمون فهو فردهم وإليه مرجعهم وإن لاح ابن سينا، يقدم الفلاسفة فلكم وهتك أستارهم وكشف عوارهم، وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة، وهو أعظم من أن تصفه كلمي، وينبه على شأوه قلمي، فإن سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته، يحتمل أن توضع في مجلدين ، فالله تعالى يغفر له ويسكنه أعلى جنته فإنه كان رباني الأمة وفريد الزمان وحامل لواء الشريعة وصاحب معضلات المسلمين رأسا في العلم يبالغ في أمر قيامه بالحق والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبالغة ما رأيتها ولا شاهدتها من أحد ولا لحظتها من فقيه.أهـ
وقد رثاه بعد موته قائلا:
يا موت خذ من أردت أوفدع **محوت رسم العلوم والورع
أخذت شيخ الإسلام وانفصمت** عرى التقى واشتفى ألوالبدع
غيبت بحرا مفسرا جبلا** حبرا تقيا مجانب الشبع
فان تحدث فمسلم ثقة** وإن يناظر فصاحب اللمع
وإن يخض نحو سيبويه يفه** بكل معنى من الفن مخترع
وصار عالي الإسناد حافظه** كشعبة أو سعيد الضبعي
والفقه فيه فكان مجتهدا** وذا جهاد عار من الجزع
وجوده الحاتمي مشتهر** وزهده القادري في الطمع
أسكنه الله في الجنان ولا** زال عليا في أجمل الخلع
مع مالك والإمام أحمد**والنعمان والشافعي والخلعي
مضى ابن تيمة وموعده** مع خصمه يوم نفخة الفزع
هذا هو كلام الإمام الذهبي في شيخ الإسلام ابن تيمية ، فهل يعقل أنّ قائل هذا الكلام يقول عن شيخ الإسلام (إلى كم تمدح نفسك وشقاشق عباراتك ، وتذم العلماء وتتبع عورات الناس)!!!
ويقول(يا رجل !! بالله عليك كف عنا ، فإنك معجاج عليم اللسان)
ويقول (يا رجل ! قد بلعت سموم الفلاسفة ومصنفاتهم مرّات) إلى آخر ما في الرسالة المكذوبة، فهل هذا كلام الإمام الذهبي ؟!!
3/ مما يدلّ أيضا على كذب نسبة هذه الرسالة للإمام الذهبي ، أن أسلوب كاتب الرسالة مختلف تمام الإختلاف ،عن أسلوب الإمام الذهبي ،فأسلوبه معروف ، فهو دائما يختم كلامه بالدعاء ،مع اتزان الكلام وحسن سبكه ، ويعرف هذا من قرأ للإمام الذهبي ولو قليلا ، أما كلام كاتب الرسالة فأشبه ما يكون بكلام الصوفية ، فقد جاء في طليعة الرسالة : " الحمد لله على ذلتي!! اللهم ارحمني وأقلني عثرتي واحفظ عليّ إيماني ، واحزناه على قلّة حزني !!! واأسفاه على السنة وذهاب أهلها ، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء!!!! واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات!! آه!! على وجود درهم حلال وأخ مؤنس. . . إلخ
هذا قطعا ليس من كلام الإمام الذهبي ، فهو رحمه الله أجل من هذا الكلام الركيك ، وإن شئت فقارن فقط بين قول صاحب هذه الرسالة " واأسفاه على السنة وذهاب أهلها" وبين قول الإمام الذهبي عن أهل الحديث "صرت لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب" فلاحظ الفرق بين الطريقتين.
4/ زد على هذا أن كاتب هذه الرسالة ، لم يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ، لا تصريحا ولا تلميحا ، مما يدلّ على أن الرسالة أصلا لم تكن موجّهة إلى شيخ الإسلام رحمهالله تعالى.
5/ تحوي هذه الرسالة على ألفاظ ركيكة جدا ، وأخطاء لغوية يستحيل أن تصدر من الحافظ الذهبي ، مثل قوله :"تبا لمن شغله!! عيوب الناس" والصواب إما "شغلته عيوب الناس" وإما "شغله عيب الناس" ومثل قوله :" إلى كم تمدح نفسك وشقاشق عباراتك ، وتذم العلماء وتتبع عورات الناس ، مع علمك بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا" بلى!! أعرف أنك...إلخ وهذا خطأ ، لأن "بلى" تأتي لإيجاب النفي إستفهاميا كان أو إنكاريا ، وصاحب الرسالة قد أتى بها هنا دون أن تسبق بنفي. إلى غير ذلك من ركاكة العبارة .والله أعلم
6/ ذكر صاحب الرسالة حديث " لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا" وليس بهذا اللفظ ، بل ذكره الذهبي نفسه في (الميزان 2/234) بلفظ "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم">
و فيه عمران بن أنس، قال الترمذي(1019):"هذا حديث غريب... سمعت محمدا يقول عمران بن أنس المكي منكر الحديث"
وقد ضعفه الذهبي نفسه فقال : "روي نحوه من طرق بعضها فيه متهم" (تلخيص العلل المتناهية: 203)
وممن ضعفه أيضا الإمام الألباني في "المشكاة" (1620)
فلا يعقل أن يضعف الذهبي حديثا ، ثم يستدل به على شيخ الإسلام ابن تيمية ، بل وينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنّه شديد الضعف!!!!
هذا ما أردت التنبيه عليه في هذه العجالة وصلى الله على نبيّنا محمد وسلم تسليما كثيرا.
تعليق