نصيحتي لأهل السنة
للعلاّمة:
الشيخ مقبل بن هادي الو ادعي
-رحمه الله تعالى-
قال البخاري –رخمه الله - {ج 13 /ص193}: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم حدّثنا هشيم أخبرنا يسار عن الشعبي عن جرير بن عبد الله قال:"بايعت رسول الله{صلّى الله عليه و سلّم} على السمع و الطّاعة فلقّنني ما استطعت,والنصح لكلّ مسلم"
-قال الإمام مسلم –رحمه الله- {ج1/ص74}:حدّثنا محمّد بن عبّاد المكّي , حدّثنا سفيان ,قال: قلت لسهيل: إنّ عمرا حدّثنا عن القعقاع عن أبيك, قال: -ورجوت أن يسقط عنّي رجلا- قال: فقلت: سمعته من الذّي سمعه منه أبي , كان له بالشام .ثمّ حدّثنا سفيان , عن سهيل , عن عطاء بن زيد , عن تميم الدّاري , أنّ النبيّ {صلّى الله عليه و سلّم} قال:"الدّين نصيحة قلنا : لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم " .
نصيحتي لأهل السنّة أن يتباعدوا عن أسباب الفرقة و الاختلاف , فعقيدة أهل السنّة واحدة , واتّجاههم واحد , وليس هناك مسوّغ للفرقة و الاختلاف إلاّ الجهل و البغي و الشيطان , و في صحيح مسلم أنّ الشيطان قد أيِِسَ أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب , ولكن في التحرِِِِيشِِ بينهم .
والخلاف شرّ , كما قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- عندما صلّى عثمان –رضي الله عنه – بمِنى بالنّاس أربعا فاسترجع عبد الله –رضي الله عنه- , ثمّ قال : صلّيت مع رسول الله –صلّى الله عليه و سلّم- بمِنى ركعتين , و صلّيت مع أبي بكرِ –رضي الله عنه- بمِنى ركعتين , و صلّيت مع عمر –رضي الله عنه- بمِنى ركعتين , فليت حظّي ركعتان متقبّلتان {رواه البخاري} زاد أبو داود –كما في الفتح- فقيل لعبد الله : عِبت عثمان ثمّ صلّيت أربعا! فقال : الخلاف شرّ, وربّ العزّة يقول في كتابه الكريم:{ولاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ } (الأنفال46).وفي الصحيح عن جندب –رضي الله عنه- أنّ النبيّ –صلّى الله عليه و سلّم- قال: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم , فإذا اختلفتم فقوموا عنه".
وفي المسند الإمام أحمد –ما معناه- عن عبد الله بن عمروا بن العاص –رضي الله عنه – أنّ جماعة من الصّحابة جلسوا هند حجرة رسول الله –صلّى الله عليه و سلّم- فجعلوا يتنازعون , هذا يستدلّ بآية , و هذا يستدلّ بأخرى فخرج النبيّ مغضبا وقال:"ما بهذا بعثتم , لا تضربوا القرآن بعضه ببعض , ألا تكونوا كهذين الرجلين , يعني عبد الله بن عمرو و صاحبا له وكان قد جلسا بعيدين عن القوم " .
وفي الصحيح عن أبي هريرة-رضي الله عنه – عن النبيّ-صلّى الله عليه و سلّم- أنّه قال :" ذروني ما تركتكم , فإنّما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم , واختلافهم على أنبيائهم "وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أنّه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبيّ-صلّى الله عليه و سلّم- قرأ خلافها , قال: فأخذت بيده وانطلقت به إلى النبيّ-صلّى الله عليه وسلّم –فقال: "كلاكما محسن, فاقرآ –أكبر علمي قال- فانّ من كان قبلكم اختلفوا" .
وأمّا حديث: اختلاف أمّتي رحمة , فهو حديث باطل , لا سند و لا متن , فالسند معضل, والمتن يدفعه ما تقدّم من الأدلّة , و قوله تعالى:{وَلاَ يَزَالُونَ مخُتَلِفِينَ إلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ }(هود 118-119) .فمفهوم الآية الكريمة أنّ المختلفين ليسوا مِمن رحمهم الله , والله أعلم.
و ليست أستدّل عليكم –يا أهل السنّة!- يقول الله –عزّ و جلّ- :{إنَّ الذِّينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَ كَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُم فِيِ شَئٍِ }(الأنعام 159) ,فأنتم –بحمد الله – ما فرّقتم دينكم , وإِنّما اختلفتم فِي بعض المسائل التِّي اختلف سلفنا –رحمهم الله – فِي أكبر منها , وما كان ذلك سببا لهجرِ و لا قطيعةِ.
إنَّ من يقرأ في "المحلّى" لأبي محمّد بن حزم-رحمه الله- , أو في كتاب "اختلاف العلماء" لمحمّد بن نصر المِرْوَزِي-رحمه الله- , أو في كتاب " الأوسط في السنن و الإجماع و الاختلاف " لابن المنذر –رحمه الله- , أو في "فتح الباري" , أو في "تفسير" الحافظ ابن كثير –رحمه الله-, يرى أنّ سلفنا –رحمهم الله- قد اختلفوا في كثير من مسائل العبادات و المعاملات , و ما أدّى ذلك إلى هجران بين العلماء , وأمّا الأتباع فربّما حصل بينهم بسببِ الجهل و التعصّب .
إنّ أهل السنّة –بحمد الله – ليسوا كغيرهم , يختلفون في العقيدة , فالخوارج يكفّر بعضهم بعضا , و هكذا رؤوس الاعتزال يكفّر بعضهم بعضا , كما في المللِ و النِّحل , أمّا أهل السنّة فالحمد الله غالب اختلافهم في مفهوم حديث أو في عبادات وردت عن الشارع متنوِّعة , أو في حديث اختلفت أنظارهم في تصحيحه و تضعيفه , إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف التِّي ذكرها شيخ الإسلام ابن تَيْمِّية –رحمه الله- .
أنتم تعلمون – يا أهل السنّة!- أنّ أعداءكم يشمتون بكم , وأنّ أعداء الإسلام لا يهابون إلاّ إيّاكم , فهم يحرِصون على تشتيت شملكم بأيّ وسيلة.
إنَّ الواجب على أهل السنَّة أنْ يكونوا مهيَّئِن لحَلَّ مشاكل العالم كلِّه ، فهم أهلٌ لذلك وأحقُّ بهِ ، فهم الذِّين أعطاهم الله فهم كتاب الله و سنَّة رسول الله ـ صلَّى الله عليه و سلَّمَ ـ على الوجه الصحيح.
إنَّ أهل السنَّةِ يعتبرون أكثر العالم الإسلاميّ ، و لكن تفرُّقهم و اختلافهم و جهل أهلِ كلِّ شعبٍ بأحوالِ الآخرين جعلهم يذوبون فِي المجتمعات ، و إنَّا لنرجو أن يوفِّق الله "مجلَّة البيان " لتفقُّدِ أحوال أهلِ السنَّةِ ، و النشرِ عنهم و عن أحوالهم و عسى الله أن يجمع شملهم.
أو لستم أحقَّ النَّاس ـ يَا أهلَ السنَّةِ ! ـ بجمعِ الشمْلِ ، و وِحدَةِ الكلمةِ؟ ، و ربُّ العِزَّةِ يقول في كتابه الكريم : {وَاعْتَصِمُوا بحِِبْلِِ الله جمَيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}(آل عمران: 103) ، و النبيُّ ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ كما في الصحيحين ـ من حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ : "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً" ، و يقول ـ كما في الصحيحين ـ من حديث النُّعْمَان بن البشِير :"مثل المؤمنين في توادِّهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمَّى و السهرِ " ، فالرَّافضة شغلت العالم بإعلامها ، و أضلت كثيرا من النَّاس ، بل شغلتهم عن أداء مناسك الحجِّ ، فالنَّاس يأتون من كلِّ فَجِّ عميق ، لِيُؤَدُّوا مناسكهم و ليذكروا الله في تلك الشعائر المباركة ، فما يشعرون إلاَّ بخروج الرَّافضة بالمظاهرات الجاهليَّة يهتفون:" خُمَيني ....خمََُيني" فمن يستطيع أن يفرِّق هذه الجموع التي عتت عن أمر ربِّها ، و جعلت الحجَّ شعاراً للفوضى و الصخب و الدعوات الجاهلية ، لا يستطيع ـ بإذن الله ـ إلاَّ أهل السنَّةِ إن اجتمعت كلمتهم و كانوا أهل سنِّةٍ حقاً .
إنَّ اليقظة الإسلاميَّة التي أرادها الله تحتاج إلى رعايةٍ ، ومن يقوم برعايتها إلاَّ أهل السنَّة .
علاج الإختلاف النَّاشئ بين أهل السنَّة المعاصرين :
إنَّ الإختلاف النَّاشئ بين أهل السنَّةِ يزول ـ بإذن الله ـ بأمور :
منها : تحكيم الكتاب و السنَّةِ ، قال الله سبحان و تعالى : {فَإِِن تَنَازَعْتُم فِي شَئٍٍ فَرُدُّوهُ إلَى الله وَ الرَّسُولِِ إن كُنتُم تُؤْمِنُونَ بِِالله و َاليَومِِ الآخِر } (النسَّاء : 59) ، و قال تعالى : {وَ مَا اخْتَلفتُم فِيه مِن شَئ فَحُكْمُه إلىَ الله}(الشورى: 10) ، و قال سبحانه و تعالى : { وَ إذَا جَاءَهُمْ أمْرٌ مِنَ الأمْنِِ أوْ الخَوفِ أذَاعُوا بِِه وَ لَوْ رُدُّوه إلىَ الرَّسُولِ وَ إلىَ أوْلي الأمْر مِنهُم لَعَلِمَهُ الذِّين يَسْتَنْبِطُونَ مِنهُم وَ لَولاَ فَضلُ الله عَليكُم وَ رَحمتُه لاتَّبَعْتُم الشَّيطَان إلاَّ قَليلاً }(النِّساء :83}.
ومنها : سؤال أهل العلم من أهل السنَّةِ ، قال الله سبحانه و تعالى : { فَاسْأََََلُوا أَهْلَ الذِّكْرِِِِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (النحل : 43} ، ولكن بعض طلبة رضي بما عنده من العلم ، و أصبح يجادل به كل من يخالفه ، وهذا سبب من أسباب الفرقة و الإختلاف . روى الإمام الترمذي في "جامعه" عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ :" ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل "، ثم قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }(الزخرف: 58).
ومنها : الإقبال على طلب العلم ، فإذا نظرت إلى قصورك بل إلى أنك لست بشئٍٍ إلى جانب العلماء المتقدِّّّّّّّّّّّّّّّّّّمين ـ كالحافظ ابن كثير ، ومن تقدَّّّّّّّّّّّّمه من الحفاظ المبرزين في فنون شتى ـ إذا نظرت إلى هؤلاء الحفاظ شغلت بنفسك على الآخرين .
ومنها : النظر في اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من العلماء المبرزين ، إذا نظرت إلى اختلافهم حملت مخالفك على السلامة ، ولم تطالبه بالخضوع لرأيك، وعلمت أنك بمطالبته بالخضوع لرأيك تدعوه إلى تعطيل فهمه و عقله ، وتدعوه إلى تقليدك ، و التقليد في الدين حرام ، قال الله سبحانه و تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِِهِ عِلْمٌ } (الإسراء: 36) ، إلى غير ذلك من الأدلة المبسوطة في كتاب الشوكاني "القول المفيد في أدلة الإجتهاد و التقليد" .
ومنها : النظر إلى أحوال المجتمع الإسلامي ، وما تحيط به من أخطار ، أعظمها جهل كثير به ، و إنك إذا نظرت إلى المجتمع الإسلامي شغلت عن أخيك الذي يخالفك في فهمك ، و قدمت الأهم فالأهم ، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل معاذًا إلى اليمن قال له : " أول ما تدعيهم إلى شهادة أن لاإله إلا الله و أن محمدا رسول الله " (متفق عليه من حديث ابن عباس) . وبعد ....فإنا قد نظرنا في المسائل التي يختلف فيها أهل السنة المعاصرون الذين لا يختلفون عن هوى فوجدناها تقارب ثلاثين مسألة ، وزعناها على إخواننا أهل السنة ، يذكرون إن شاء الله الأحاديث بأسانيدها ، و ينظرون في أقوال الشرَّاح في فهم الأحاديث ، وإن احتيج إلى نظر في كتب الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ , فإن إخواننا أهل مجلة البيان ـ سيفتحون صدورهم لهذا فقد بلغني أن أهل السنة الذين يهمهم أمر المسلمين في غاية من الشوق إلى هذا ، فإن شاء الله سيرسل كل موضوع ولا مانع من أن يجزئوه و بعدها إن شاء الله يخرج كتابا ، و هذا من باب التعاون على البر والتقوى و الإهتمام بأمر المسلمين و قطع ألسنة الحاقدين على أهل السنة في الذين يسخرون منهم ، و يقولون : إنهم يختلفون في الشئِِ التافه ، و ينفرون عنهم ، ويلمزونهم بما ليس فيهم ، شأن المبتدعة و ذوي الأهواء في كل مكان و زمان إنهم ينفرون عن أهل السنة ، و قد ساق عنهم ابن قتيبة ـ رحمه الله ـ في كتابه "تأويل مختلف الحديث "الشئ الكثير من السخرية بأهل السنة ، وقد مات النظام ، وأبو الهذيل ، و غيرهما من أعداء السنة ، و بقيت سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم )بيضاء صافية لم يضرها سخريتهم ، وسيموت أعداء السنة المعاصرون وتبقى سنة رسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ لأن الله تضمن بحفظها فقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إنَّا لَهُ لحََََافِظُونَ } (الحجر :9 ) و الذكر يشمل الكتاب و السنة ، إذ كلاهما (وحي) من عند الله: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }(النجم 3،4) و قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ : "ألا إني أوتيت القرآن و مثله معه " هذا ، ولسنا نطالب أهل السنة المعاصرين ألا يختلفوا في فهم الأدلة ، فإن هذا أمر قد اختلف فيه سلفهم، ـ رحمهم الله ـ كما هو معروف من سيرتهم
فهذه نصيحتي لإخواني في الله ـ أهل السنة ـ وأسأل الله لهم النصر و التوفيق،و صلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
تعليق