بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, أما بعد:-
فقد سمى الله تعالى نفسه الحق فقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الحج:6], وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[لقمان:30].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾[يونس:30]. وقال تعالى: ﴿فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾[يونس:32].
وقال تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾[المؤمنون:116].
وسمى وعده الحق, قال جل في علاه: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾[هود:45].
وأمر الله تعالى بلزوم الحق وأهله, قال تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾[النمل:79], وقال تعالى عن لقمان في وصيته لابنه: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[لقمان:15].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾[محمد:3].
وإنه لمن المخجل أن يلتبس الحق بالباطل في هذه الفتنة الجديدة على كثير من طلاب العلم؛ ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾[السجدة:3]!
ما هي والله بالافتراءات, على الآخرين, ولا رمي الأبرياء بالحزبية التي هم منها براء!!
ولكن قد يصرف الله بعضهم عن الحق أو معرفته, قال تعالى:﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾[الأعراف:146]. وقد يجهل البعض الآخر:
ظهرت حزبية العدني عبد الرحمن مرعي بشروطها وأركانها, قال شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله في رسالة أحكام التصوير(ص5): أركان الحزبية ثلاثة:
(1) الكذب.
(2) الخداع.
(3) التلبيس.
وقد ذكر رحمه الله في مواطن أُخَر علامات الحزبية, وحسبك بشيخنا رحمه الله فقد كان أخبر أهل زمانه بالحزبية وهو أشد من فضح الحزبية وأهلها.
ومن علامات الحزبية: الولاؤ والبراء الضيق, والتعصب للأشخاص, والفرقة, والتحريش, .....
وكل ما ذُكر من علامات أهل التحزب متوفر في هؤلاء؛ وهم يحسنون التزلف إليك كالحزبيين تمامًا, وهذا في حين يُقذعون الطعن في أخيك السلفي الآخر, وهذا من أساليبهم الماكرة لحصول مقاصدهم؛ وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر!!
فقل لي بربك هل أنت تحسن ضوابط الحزبية, وعلى معرفة بها أم لا؟
فإن كنت لا تعرف فاذهب تعلم.
وإن كنت تعرفها على ضوء ما تقدم فتعال معي أحاورك:
أولًا: هل وُجِد فيهم الكذب أم لا؟
فإن قلت: نعم, فهذه واحدة من علامات الحزبية.
وإن قلت: لا, قلنا لك: إما أنك لا تعلم فاقرأ ما كُتب فيهم, وما نشر؛ فإنهم قد غرقوا في الكذب, وتيقن ما قلت لك, وإما أنك تعلم:
فإن علمت إما أن تأخذ بخبر الثقة العدل, وإما أن لا يكون ثقة عندك فبين هذا!!
وعند بيانك يلزمك أن ترد عنهم, وتدافع عن كل ما ذُكر وتدفع الحجة بالحجة, وتبرئ ساحتهم, وتجلي الأمر بوضوح (وهو من الذب عن عرض المسلم)؛ وإلا لم تنصح لهم ولا لغيرهم!!
قلت هذا؛ لأنك جعلت نفسك مهتمًا في الأمر يُرجع لقولك ويؤخذ به.
أم أنك تخفى عليك الأمور ولا تتبين, وتحكم على البعض, أم بظاهر من القول, فلا يصلح, قال تعالى:﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ للذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾[الأعراف:169]. وإلا فاعرف قدر نفسك أنك لست قدر الأمر, ودع الأمر لأهله, قال الشاعر:
إذا لم تستطع شيئًا فدعه===وجاوزه إلى ما تستطيع
ثانيًا: هل وُجِد فيهم الخداع أم لا؟
والقول فيها كما تقدم.
وكل ما كان من أمور الحزبية وقد قُرِّرَ عليهم لزمك فيه ما تقدم؛ وإلا فأنت شارد عن موضع النزاع, شغلت نفسك بأوهام ولست في حِمَامِ الموضوع؛ بل أنت كالبعيد عنه.
ثالثًا: هل هم ملبسون أم لا؟
ألم تعلم أنهم لبسوا على الخاصة والعامة؟
ألم تعلم أنهم جندوا أناسًا للفراغ, وتقليب الحقائق؟ إلخ ما تراه فيما كُتِب عليهم.
فليزمك نظير ما تقدم.
ما حكم الفُرْقة؟ وهل هي عندك من أصول الضلال, ومن أهم بنود الحزبية, أم أنها عندك خلاف الصواب فقط, ولا ينبغي لاغير؟
أليست الفُرْقة من أصول الكفر والشرك, قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾[الروم:31-32].
فهل زرع العدني فرقة, واختلافًا أم لا؟
فإن قلتَ: نعم. قلتُ لك: فهل حصل من جراء الفرقة تهاجر, وتباغض, وتقاطع, وتحذير وتنفير, وولاء وبراء ضيق, و...و..., أم حصلت فرقة مع محبة, وتواد, وثناء؟
فإن كانت الإجابة هي الثاني, فقد حدت وغالطت مغالطة واضحة.
وإن كانت الأولى – وهذا هو الواقع- فأخبرني ما الفرق بين فرقة الحزبيين وبين هذه الفرقة؟
لكن هنالك فرق واحد وهو أن هؤلاء الحزبيين الجدد لا يُعادون مشايخ السنة كلهم!!
ولكنها أطوار؛ فهم إذا انتهوا من المعقل الكبير والرأس أتبعوه باليدين, وسائر الجسد, وهذا مخطط مرعي جابري – والله يعلم من وراءهم- .
مثال ذلك: زيارة الجابري الأولى لليمن, كان قبلها اجتماع لمشايخ السنة في اليمن قبل مجيئة, فأنكر جميع مشايخ اليمن على عبد الرحمن وعبد الله المرعيين مجيئهما بعبيد الجابري لليمن؛ لعلمهم أن وراء ذلك شيء يُخطط ليس في صالح الدعوة!!
والمشايخ يعلمون هذا, وكذا المرعيان يعلمان هذا جيدًا.
ولذا فلم يرضَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يستقبله يومها, وقال: لا يأتيني.
ولما علم الشيخ الصوملي حفظه الله بجيئه إلى مسجده, ذهب محاضرة.
وتملص من مجيئه الشيخ الإمام حفظه الله.
فلما رأى المرعيون هذا الموقف, أبدوا وجهًا آخر لمشايخ السنة الآخرين؛ بدءًا بالأهم فالأهم( ) !!!
قال الله تعالى: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾[التوبة:48]. سؤال آخر:
أخبرني بربك هل وُجد من أهل التحزب بشتى صورهم وأشكالهم منذُ تأسست دار الحديث بدماج من تكلم على هذه الدار, أوشيخها وطلابها وحذر منها, ووقع في التحريش, وغيرها من أساليب المكر مثل هؤلاء؟؟
فإن قلت: نعم, قلنا: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[البقرة: 111]؟
وإن قلت: لا – وهذا هو الحال- فقد فاقوا الحزبيين في هذا, وإذا كانت علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر, فقد وقع هؤلاء في أهل الأثر, بما لم يسبقهم مبتدع إليه؛ فقل أين تريد؟؟
فإن قلت: ليست لديهم جمعية, وليس لديهم بطايق؟
قلنا: ومن أخبرك أنها لا تكون حزبية إلا بجمعية, وبطايق؟
علمًا أنهم الآن تجمع ورئيسه العدني ووزيره الجابري, وسكرتيره الشيخ محمد الوصابي, لكن لا يلزم أن يظهروا اسمًا جديدًا؛ لأن متقدميهم فشلوا بالأسماء الجديدة, وهؤلاء استفادوا ممن سبقهم دروسًا كثيرة, هذا منها.
وأما قولهم: لا نقبل حتى يجمع العلماء على الكلام فيهم.
أقول هل هذه قاعدة سلفية, أم من بقايا تأصيلات أبي الحسن المصري؟
أما مذهب السلف الذي تسير عليه فيُقبل الحق من واحد بدليله, ولو خالفه الجمهور, وهذا هو الموافق للشرع, ولا يخالفه صريح العقل, وكم من الرواة الذين جرحهم واحد, والموثقون كثير فقبل جرح المجرِّح.
وإضافة إلى هذا أن مشايخ السنة أدانوه, بما فيهم الشيخ محمد الوصابي في البداية(أول اجتماع في دماج) أدانه, ثم نقص على عقبه خلفه.
وإضافة أخرى أيضًا أن المسألة ليست انتخابات العبرة بالكثرة فيها, قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾[الأنعام:116], وهذا في مطلق الكثرة لا في أهل السنة, ولله الحمد, فإذا كانت الكثرة في الحق فلا شك أن القلة المخالفة مذمومة.
علمًا أننا خرجنا دعوة في كثير من مناطق اليمن؛ كشبوة وحضرموت, والمهرة, وغيرها, ورأينا الحزب العدني ليس معهم شيء يُذكر بحمد الله( ), وإن كانت الكثرة لا تهم مثل أهل الحق, ولو كانوا قليلًا.
ثم قل لي لماذا الشيخ عبد العزيز البرعي والشيخ عبد الله بن عثمان حفظهما الله في رحلتهما الدعوية الأخيرة إلى حضرموت لم يحاضرا عند ابني مرعي؟!
وكيف استساغ أن يقفز من على الشحر وهو يحوم حولها من الحامي والغيل, والديس والمكلا, وغيرها, ويترك رجلًا سلفيًا لا غبار عليه-كما زُعم- لا يحاضر عنده, وهو يحاضر عند صغار طلاب علم؟!
فإن قلت: لأنه عليه بعض الأمور فهذا الذي أردت.
وإن قلت: هو مخطئ في ذلك, قلت لك: بل أنت المخطئ.
فانظر لها مخرجًا سليمًا.
ولماذا الشيخ البرعي لما ذهب مع الشيخ محمد الوصابي لم يحاضر في الفيوش؟!
ثم هات لي من مشايخ السنة الذين هم بلديوا الرجل تزكية صريحة له وتوثيق من قبل الفتنة أو من بعدها, حتى نعارض الجرح المفسر!! بتوثيق مبهم حسب زعمك!؟
ألم تعلم أن الرجل مجهول ما عرف إلا بهذه الفتنة؟!
ثم إن شبهات القوم كثيرة, ويعرفها كل ذي بصيرة, لكني أخشى أنك لم توفَّق للحق, قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[الشورى:24]. وقال الله تعالى: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾[الأنفال:6]. واحذر طريق الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الأنفال:32]. ثم لعلك تعلم أن العدني قد سلم مركز الفيوش بيد المشايخ, فهل أذن المشايخ له بفتحه؟؟!
أدنى إنصاف أن يكون في القوم شبهة, وصاحب الشبهة يُبتعد عنه, عن أبي الحوارء السعدي, قال: قلت للحسن بن علي: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «دع ما يريبك إلى مالا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة».
رواه الترمذي وهوحديث حسن.
ألا يكفيك أن تلحق بركب أهل الحق, وتترك المتخاذلين, والمتقاعسين, قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾[التوبة:83].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد: فائدة رد الحق والتهاون:
حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء:
أحدهما: رد الحق لمخالفته هواك؛ فإنك تعاقب بتقليب القلب, ورد ما يرد عليك من الحق رأسًا ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك, قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[الأنعام:110], فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.
والثاني: التهاون بالأمر إذا حضر وقته, فإنك إن تهاونت به ثبطك الله, وأقعدك عن مراضيه, وأوامره عقوبة لك؛ قال تعالى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾[التوبة:83].
فمن سَلِمَ من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فليهنه السلامة.اهـ كلامه
قال الشاعر:
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد
حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادي حبهم ورضاهم
إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا
ولا تنظر الأطلال من دونهم فإن
نظرت إلى الأطلال عدن حوائلا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد
ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا
وخذ منهم زادا اليهم وسر على
طريق الهدى والفقر تصبح واصلا
وأحي بذكراهم سراك إذا ونت
ركابك فالذكرى تعيدك عاملا
وإما تخافن الكلال فقل لها
أمامك ورد الوصل فابغ المناهلا
وخذ قبسا من نورهم ثم سر به
فنورهم يهديك ليس المشاعلا
وحي على واد الأراك فقل به
عساك تراهم فيه إن كنت قائلا
وإلا ففي نعمان عند معرف الـ
أحبة فاطلبهم إذا كنت سائلا
وإلا ففي جمع بليلته فإن
كفت فمتى يا ويح من كان غافلا
وحي على جنات عدن بقربهم
منازلك الأولى بها كنت نازلا
ولكن سباك الكاشحون لأجل ذا
وقفت على الأطلال تبكي المنازلا
فدعها رسوما دارسات فما بها
مقيل فجاوزها فليست منازلا
رسوم عفت يفنى بها الخلق كم بها
قتيل وكم فيها لذا الخلق قاتلا
وخذ يمنة عنها على المنهج الذي
عليه سرى وفد المحبة آهلا
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة
فعند اللقا ذا الكد يصبح زائلا
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي
ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا
انتهى من مدارج السالكين.
كُتب بتاريخ التاسع عشر جماد الثاني سنة 1430, بدار الحديث بدمَّاج الخير العامرة بالعلم والسنة, حرسها المولى تبارك وتعالى, ورحم الله بانيها, وأسكنه فسيح جنته, وحفظ خليفته من بعده, وطابت وطالت ثمارها اليانعة في ربوع الدنيا تفقيهًا وتعليمًا للناس أمر دينهم وجعلها غُصَّة في حلوق المبتدعة
كتبه : أبو عمرو عبد الكريم الحجوري
تعليق