دليل الأئمة الأعلام على الجرح والتعديل(1)
السؤال: نحن من أهل السنة والجماعة، وكثيرًا ما نتعرض إلى سؤالنا: ما هو الدليل على الجرح والكلام في أعراض المسلمين، فالرجاء الرد على هذا السؤال مع أدلة كافية؟
الإجابة:
الأدلة على ذلك كثيرة؛ قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾; [الأحزاب:60-61].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾; [المنافقون:1].
وقال عز من قائل: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾; [المنافقون:2-4].
وقال عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾; [النساء:142-143].
وكم من الآيات البينات في كتاب الله عز وجل فضح الله بها المنافقين، حتى سُميت سورة التوبة بسورة الفاضحة.
وقال تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾; [التوبة:67].
وقد جرح الله الكفار فقال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾; [المائدة:78-80].
وقد جرح الله عز وجل المشركين على العموم وعلى الخصوص: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾; [المسد:1-5].
وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾; [الحج:74].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾; [الأحقاف:5-6].
جرح الله عز وجل الكاذبين، قال سبحانه: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾; [آل عمران:61].
وقد جرح رسول الله شارب الخمر: «لعن الله شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه» الحديث(2)، وشارب الخمر مسلم، ما خرج من الملة ما دام من أهل التوحيد ولم يستحلها، فقد جيء برجل شرب الخمر فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به أن يُضرب، فمنهم الضارب بيده ومنهم الضارب بثوبه. قال رجل: لعنه الله! ما أكثر ما يؤتى به! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تلعنوه، إنه يحب الله ورسوله، لا تعينوا على أخيكم الشيطان»(3).
وقد جرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آكل الربا قال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله آكل الربا وموكلها وكاتبه وشاهديه».
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرجل استأذن عليه: «ائذنوا له بئس أخو العشيرة» فخرج، قالوا: يا رسول الله! دخل عليك فألنتَ له القول، قال: «شر الناس من تركه الناس اتقاء فُحشه»(4).
وسمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخوارج كلابًا، ثبت عن جماعة من الصحابة يبلغ حد التواتر، منهم: أبو أمامة، وابن عباس، أنه جرحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أتى ذو الخويصرة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقسم بعض الأموال بين أصحابه فقال: اعدل يا رسول الله، والله! إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«ومن يعدل إذا لم أعدل؟! خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل!» وفي رواية: «خبتُ وخسرتُ» بعضهم يرويها بضم التاء أي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في حق نفسه: أنه رسول فكيف لا يعدل؟! والرواية التي بفتح التاء: «خبتَ» أنتَ، كيف لا أعدل؟! إن لم أعدل فأنت الخائب!«خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل! يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من ذلك فصبر»، ثم قال عمر: يا رسول الله! أضرب عنقه؟ قال: «دعه يا عمر.. يخرج من ضئضئ هذا أناس تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»(5).
ومر أبو أمامة على أناس من الخوارج فبكى أبو أمامة رضي الله عنه، بكى وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كلاب النار.. كلاب النار.. شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتلى من قتلوا»(6). والخوارج مسلمون إلا بعضهم كالذين أنكروا سورة يوسف.
أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها لما دعاها الحجاج بعد أن قتل عبد الله بن الزبير، وكان يشمت به، ويقول لأمه: كيف رأيتِني فعلتُ بعدو الله؟ قالت: ماذا صنعتَ؟! أفسدتَ عليه دنياه وأفسدَ عليك آخرتَك، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يخرج من ثقيف كذاب ومبير، أما الكذاب فقد رأيناه -تعني: المختار بن أبي عبيد-، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت»(7)، انظروا على جرح! (كذاب ومبير).
وأنس بن مالك قيل له: (يا أنس! إن بعض الأمراء ينكرون الحوض)، فقال: (ما هذا؟! إننا أدركنا العجائز على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت إحداهن إذا سألت الله تقول: اللهم أوردنا حوض نبيك) (8).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ويوشك أن تعرفوا شراركم من خياركم»، قالوا: بماذا؟، قال: «بالثناء الحسن، والثناء السيئ».
وفي الصحيحين من حديث أنس(9)، وجاء عن عمر(10) أن جنازة مُرَّ بها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأثنوا عليها خيرًا قال: «وجبت» ومُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شرًا قال: «وجبت»، قالوا: ما وجبت؟ قال: «أثنيتم على هذه خيرًا فوجبت لها الجنة، وأثنيتم على هذه شرًا فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه».
وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مستريحٌ ومُستراحٌ منه»، قيل: ما مستريحٌ وما مُستراحٌ منه؟ قال: «أما المستريح: فالمؤمن يستريح من نصب الدنيا، وأما المُستراح منه: فالفاجر يموت يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»(11).
هذا القدر يكفي في بيان شرعية الجرح للمجروحين، وبضوابطه الشرعية والإجماع قائم على ذلك .. والحمد لله.
*/حاشية/ـــــــــــــــــــــ
(1) الأجوبة السلفية على ما بقي من الأسئلة التي عرضت على محدث الجزيرة العربية، بتاريخ: ليلة السبت 25 رجب 1422ه.. دماج - دار الحديث.
(2) رواه الترمذي (ج4ص516)، وهو في الصحيح المسند رقم (61).
(3) رواه البخاري رقم (6780).
(4) رواه البخاري رقم (6054)، ومسلم رقم (2591).
(5) رواه البخاري رقم (3610)، ومسلم رقم (1063).
(6) رواه الترمذي رقم (3000)، وابن ماجة رقم (173).
(7) رواه الترمذي رقم (2220)، وعبد الرزاق في المصنف رقم (20755)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (1361).
(8) قال الحافظ في إتحاف المهرة (ج8ص35) رواه مسدد ورواته ثقات، وله شاهد من حديث أبي برزة الأسلمي رواه أبو داود في سننه، قلت: وهو في السنن (4751) باب في الحوض.
(9) البخاري رقم (1367)، ومسلم رقم (949).
(10) رواه البخاري رقم (1358).
(11) رواه البخاري رقم (6512)، ومسلم رقم (950).
السؤال: نحن من أهل السنة والجماعة، وكثيرًا ما نتعرض إلى سؤالنا: ما هو الدليل على الجرح والكلام في أعراض المسلمين، فالرجاء الرد على هذا السؤال مع أدلة كافية؟
الإجابة:
الأدلة على ذلك كثيرة؛ قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾; [الأحزاب:60-61].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾; [المنافقون:1].
وقال عز من قائل: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾; [المنافقون:2-4].
وقال عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾; [النساء:142-143].
وكم من الآيات البينات في كتاب الله عز وجل فضح الله بها المنافقين، حتى سُميت سورة التوبة بسورة الفاضحة.
وقال تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾; [التوبة:67].
وقد جرح الله الكفار فقال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾; [المائدة:78-80].
وقد جرح الله عز وجل المشركين على العموم وعلى الخصوص: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾; [المسد:1-5].
وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾; [الحج:74].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾; [الأحقاف:5-6].
جرح الله عز وجل الكاذبين، قال سبحانه: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾; [آل عمران:61].
وقد جرح رسول الله شارب الخمر: «لعن الله شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه» الحديث(2)، وشارب الخمر مسلم، ما خرج من الملة ما دام من أهل التوحيد ولم يستحلها، فقد جيء برجل شرب الخمر فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به أن يُضرب، فمنهم الضارب بيده ومنهم الضارب بثوبه. قال رجل: لعنه الله! ما أكثر ما يؤتى به! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تلعنوه، إنه يحب الله ورسوله، لا تعينوا على أخيكم الشيطان»(3).
وقد جرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آكل الربا قال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله آكل الربا وموكلها وكاتبه وشاهديه».
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرجل استأذن عليه: «ائذنوا له بئس أخو العشيرة» فخرج، قالوا: يا رسول الله! دخل عليك فألنتَ له القول، قال: «شر الناس من تركه الناس اتقاء فُحشه»(4).
وسمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخوارج كلابًا، ثبت عن جماعة من الصحابة يبلغ حد التواتر، منهم: أبو أمامة، وابن عباس، أنه جرحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أتى ذو الخويصرة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقسم بعض الأموال بين أصحابه فقال: اعدل يا رسول الله، والله! إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«ومن يعدل إذا لم أعدل؟! خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل!» وفي رواية: «خبتُ وخسرتُ» بعضهم يرويها بضم التاء أي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في حق نفسه: أنه رسول فكيف لا يعدل؟! والرواية التي بفتح التاء: «خبتَ» أنتَ، كيف لا أعدل؟! إن لم أعدل فأنت الخائب!«خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل! يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من ذلك فصبر»، ثم قال عمر: يا رسول الله! أضرب عنقه؟ قال: «دعه يا عمر.. يخرج من ضئضئ هذا أناس تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»(5).
ومر أبو أمامة على أناس من الخوارج فبكى أبو أمامة رضي الله عنه، بكى وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كلاب النار.. كلاب النار.. شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتلى من قتلوا»(6). والخوارج مسلمون إلا بعضهم كالذين أنكروا سورة يوسف.
أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها لما دعاها الحجاج بعد أن قتل عبد الله بن الزبير، وكان يشمت به، ويقول لأمه: كيف رأيتِني فعلتُ بعدو الله؟ قالت: ماذا صنعتَ؟! أفسدتَ عليه دنياه وأفسدَ عليك آخرتَك، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يخرج من ثقيف كذاب ومبير، أما الكذاب فقد رأيناه -تعني: المختار بن أبي عبيد-، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت»(7)، انظروا على جرح! (كذاب ومبير).
وأنس بن مالك قيل له: (يا أنس! إن بعض الأمراء ينكرون الحوض)، فقال: (ما هذا؟! إننا أدركنا العجائز على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت إحداهن إذا سألت الله تقول: اللهم أوردنا حوض نبيك) (8).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ويوشك أن تعرفوا شراركم من خياركم»، قالوا: بماذا؟، قال: «بالثناء الحسن، والثناء السيئ».
وفي الصحيحين من حديث أنس(9)، وجاء عن عمر(10) أن جنازة مُرَّ بها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأثنوا عليها خيرًا قال: «وجبت» ومُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شرًا قال: «وجبت»، قالوا: ما وجبت؟ قال: «أثنيتم على هذه خيرًا فوجبت لها الجنة، وأثنيتم على هذه شرًا فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه».
وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مستريحٌ ومُستراحٌ منه»، قيل: ما مستريحٌ وما مُستراحٌ منه؟ قال: «أما المستريح: فالمؤمن يستريح من نصب الدنيا، وأما المُستراح منه: فالفاجر يموت يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»(11).
هذا القدر يكفي في بيان شرعية الجرح للمجروحين، وبضوابطه الشرعية والإجماع قائم على ذلك .. والحمد لله.
*/حاشية/ـــــــــــــــــــــ
(1) الأجوبة السلفية على ما بقي من الأسئلة التي عرضت على محدث الجزيرة العربية، بتاريخ: ليلة السبت 25 رجب 1422ه.. دماج - دار الحديث.
(2) رواه الترمذي (ج4ص516)، وهو في الصحيح المسند رقم (61).
(3) رواه البخاري رقم (6780).
(4) رواه البخاري رقم (6054)، ومسلم رقم (2591).
(5) رواه البخاري رقم (3610)، ومسلم رقم (1063).
(6) رواه الترمذي رقم (3000)، وابن ماجة رقم (173).
(7) رواه الترمذي رقم (2220)، وعبد الرزاق في المصنف رقم (20755)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (1361).
(8) قال الحافظ في إتحاف المهرة (ج8ص35) رواه مسدد ورواته ثقات، وله شاهد من حديث أبي برزة الأسلمي رواه أبو داود في سننه، قلت: وهو في السنن (4751) باب في الحوض.
(9) البخاري رقم (1367)، ومسلم رقم (949).
(10) رواه البخاري رقم (1358).
(11) رواه البخاري رقم (6512)، ومسلم رقم (950).