الترجيح المفيد
في مقولة أبي إسحاق الإسفراييني
(لا أكفر إلا من كفرني)
بين نقد شيخ الإسلام وتوجيه الإمام ابن دقيق العيد
رحمهم الله
َكتبَه ُ
أبُو إسْحَاق عَبْد النَّاصِر الْعَلَوِي السَّعَدِي
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه الهداة المهتدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد كنا نتذاكر مع بعض إخواننا الأفاضل :
1 ــــ في صحة المقولة القائلة : ( لا نكفر إلا من كفرنا) أو ( لا أكفر إلا من كفرني). وكلاهما سواء –يعني الإفراد والجمع-.
2 ـــ ومن هو الذي نسب إلى ذلك؟.
3 ـــ ومن انتقده ؟.
4 ــــ وما صحة انتقاده؟.
5 ــــ ومن حاول توجيهها؟.
6 ــــ وما صحة توجيهه ؟.
وقد وقفت من قبل على مقال مختصر منشور في أحد المواقع لأحد الباحثين سماه:
[" إيضاح قول أبي إسحاق الإسفراييني : " لا نكفر إلا من كفرنا "]
ذكر فيه وفقه الله أنه " اشتهر عن الأستاذ المتكلم أبي إسحاق الإسفراييني المتوفى سنة 418 هـ رحمه الله تعالى كلمتان :
الأولى : في كتب أصول الفقه ، وهي قوله : " القول بأن كل مجتهد مصيب : أوله سفسطة، وآخره زندقة".
والثانية : في كتب الاعتقاد ، وهي قوله : " لا نُكفِّر إلا من كفرنا " .اهـ
ثم شرع - وفقه الله - في نقل من انتقده من العلماء وهو شيخ الإسلام، ومن وجهه كالإمام ابن دقيق العيد.
ثم قال في خاتمة مقاله :
( قلت : فعلى هذا الوجه الذي ذكروه لا يكون مراد أبي إسحاق بقوله : " لا نُكفِّر إلا من كفَّرَنا " : لا نكفر إلا من كفَّرَنَا لأن التكفير حق لنا فيسوغ لنا المطالبة به على جهة القصاص والمجازاة والمعاملة بالمثل ، بل تكفيرنا لمن كفَّرَنا لدلالة نص مخصوص على ذلك.
وهنا قد يُنَازَع في دلالة الحديث المذكور على قوله ، لكن المقصود إيضاح قوله لا مناقشة صحة الاستدلال له ).اهـ .
قال أبو إسحاق العلوي -سدده الله- :
وكان الذي ينبغي عليه -وفقه الله -: أن يدخل في صميم الموضوع فيبين صحة الانتقاد أو عدمه ، وكذلك صحة التوجيه أو عدمه , كي تتم الفائدة وتعم المنفعة ويرتفع اللبس وينجلي الملتبس.
فلهذا ظهر لي طرح الموضوع مرة ثانية , ذاكراً من انتقدها من العلماء ومن وجهها, ثم شروعا في الترجيح بينهما بما فتح الله علينا إن شاء الله.
وقد جعلت البحث متكونا من خمسة فصول:
الفصل الأول: وفيه تمهيد وتحته سبعة مطالب.
الفصل الثاني: وفيه صلب الموضوع وتحته أربعة مباحث وفي المبحث الرابع تحته أربعة نقاط.
الفصل الثالث: خلاصة البحث .
الفصل الرابع: لحمة عن غلو الأشاعرة في التكفير.
الفصل الخامس: بعض الفوائد التربوية الواقعية والعلمية من موقف شيخ الإسلام خصوصا وأهل السنة عموما من هذه المقالة وأمثالها.
وأسميته :
"الترجيح المفيد في مقولة أبي إسحاق الإسفراييني (لا أكفر إلا من كفرني) بين نقد شيخ الإسلام وتوجيه الإمام ابن دقيق العيد رحمهم الله".
الفصل الأول
التمهيد
الفصل الأول
التمهيد
ومع أن الموضوع له صلة بباب الأسماء والأحكام فمن المناسب قبل دخوله ذكر مجمل عقيدة أهل السنة في هذا الباب كي تكون لنا نبراسا أمام هذه المناقشات ؛ ويكون ذلك باختصار تحت المطالب الآتية :
=المطلب الأول=
والمسائل المتعلقة بالأسماء والأحكام من أوائل المسائل التي حصل النزاع فيها بين الأمة.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (22 / 130) : (. فَأَوَّلُ مَسْأَلَةٍ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْأُمَّةِ مَسْأَلَةُ الْفَاسِقِ الْمَلِيِّ فَأَدْرَجَتْهُ الْخَوَارِجُ فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ فَخَلَّدُوهُ فِي النَّارِ لَكِنْ لَمْ يَحْكُمُوا بِكُفْرِهِ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ خَيْرًا مَحْضًا لَمْ يُوجِبْ فُرْقَةً وَلَوْ كَانَ شَرًّا مَحْضًا لَمْ يَخْفَ أَمْرُهُ لَكِنْ لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ أَوْجَبَ الْفِتْنَةَ) .
وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله في "الرد الوافر" (ص / 9) - بعد نقله كلاما عن الإمام أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي في "كتاب الحجة "- : (ثم ذكر في معناه عدة أحاديث وآثار مروية في وجوب اقتفاء السنة النبوية التي منها حكم مسألة الوعيد والقطع بالنار لأحد من أهل التوحيد هذه أول مسألة فيما قيل وقع فيها النزاع الطويل وبسببها وحدثت بدعة الاعتزال وارتكس أهلها في دركة الضلال).اهـ
ونعني بمسائل بالأسماء والأحكام : "أَيْ فِي أَسْمَاءِ الدِّينِ مِثْلَ مُسْلِمٍ وَمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ وَفِي أَحْكَامِ هَؤُلَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ", كما فسر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية كما "مجموع الفتاوى " (13 / 38).
وقال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (13 / 211): ( ثُمَّ حَدَثَ فِي آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ " الْقَدَرِيَّةُ " فَكَانَتْ الْخَوَارِجُ تَتَكَلَّمُ فِي حُكْمِ اللَّهِ الشَّرْعِيِّ : أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَحُكْمِ مَنْ وَافَقَ ذَلِكَ وَمَنْ خَالَفَهُ وَمَنْ يَكُونُ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا وَهِيَ " مَسَائِلُ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ ").اهـ
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله -وهو يتكلم عن مذهب المعتزلة عن الفاسق الملي- في "طريق الهجرتين " (1 / 568): (والمقصود أن مذهبهم تخليد هذه الطبقة في النار وإن لم يسموهم كفارا فوافقوا الخوارج في الحكم وخالفوهم في الاسم ولهذا تسمى هذه المسألة من مسائل الأسماء والأحكام).
=المطلب الثاني=
ومن هنا نعلم أن "التفسيق والتكفير من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة ، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا، فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين، وحرم الجنة على الكافرين، وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان" . ([1])
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (13 / 58) : (وَكَلَامُ النَّاسِ فِي هَذَا الِاسْمِ وَمُسَمَّاهُ كَثِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ قُطْبُ الدِّينِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْقَوْلِ اسْمٌ عُلِّقَ بِهِ السَّعَادَةُ وَالشَّقَاءُ وَالْمَدْحُ وَالذَّمُّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ أَعْظَمَ مِنْ اسْمِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا الْأَصْلُ " مَسَائِلَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ ").
=المطلب الثالث=
وأصل الخلاف في هذه المسائل بين الناس يرجع إلى الاختلاف الحاصل في مسألة الإيمان والإسلام.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى " (13 / 50) : ( وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَنْشَأَ النِّزَاعِ فِي " الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ " فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ؛ أَنَّهُمْ لَمَّا ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ قَالَ أُولَئِكَ : فَإِذَا فَعَلَ ذَنْبًا زَالَ بَعْضُهُ فَيَزُولُ كُلُّهُ فَيَخْلُدُ فِي النَّارِ فَقَالَتْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُرْجِئَةُ : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ يَخْلُدُ فِي النَّارِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَافِرًا مُرْتَدًّا ؛ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا تَامَّ الْإِيمَانِ لَيْسَ مَعَهُ بَعْضُ الْإِيمَانِ ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَهُمْ لَا يَتَبَعَّضُ فَاحْتَاجُوا أَنْ يَجْعَلُوا الْإِيمَانَ شَيْئًا وَاحِدًا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ فُقَهَاءُ الْمُرْجِئَةِ : هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ فَقَالَتْ الْجَهْمِيَّة بَعْدَ تَصْدِيقِ اللِّسَانِ قَدْ لَا يَجِبُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ أَخْرَسَ أَوْ كَانَ مُكْرَهًا فَاَلَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَقَالَتْ الْمُرْجِئَةُ : الرَّجُلُ إذَا أَسْلَمَ كَانَ مُؤْمِنًا قَبْلَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَفْعَالِ . وَأَنْكَرَ كُلُّ هَذِهِ الطَّوَائِفِ أَنَّهُ " يَنْقُصُ").
=المطلب الرابع=
ومن هنا انقسم الناس في هذا الباب إلى طرفين ووسط -بين الغالين والجافين- , فالوسط هم أهل السنة .
والطرفان ,الخوارج والمعتزلة من جانب وهم غلوا فسلبوا أسماء الدين والإيمان عمن يستحقها شرعا.
والطرف الثاني : المرجئة والجهمية الذين وصفوا بأسماء الدين والإسلام وأسماء الإيمان ونحو ذلك من لم يستحقها. ([2])
وأما محل ضلال هذين الطرفين في هذا الباب فهو أنهم:
أولا : اتفقوا على أصل باطل : وهو أن" الإيمان يزول كله ويزول شيء منه وأنه لا يتبعض ولا يتفاضل فلا يزيد ولا ينقص" ([3]).
قال شيخ الإسلام في "شرح العقيدة الأصفهانية " (ص / 182)-بعد ذكره مذاهب الكلابية والمرجئة والجهمية- : (وإنما أوقع هؤلاء كلهم ما أوقع الخوارج والمعتزلة في ظنهم أن الإيمان لا يتبعض بل إذا ذهب بعضه ذهب كله ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يتبعض وأنه ينقص ولا يزول جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان , فالأقوال في ذلك ثلاثة الخوارج والمعتزلة نازعوا في الاسم والحكم فلم يقولوا بالتبعيض لا في الاسم ولا في الحكم فرفعوا عن صاحب الكبيرة بالكلية اسم الإيمان وأوجبوا له الخلود في النيران وأما الجهمية والمرجئة فنازعوا في الاسم لا في الحكم فقالوا يجوز أن يكون مثابا معاقبا محمودا مذموما لكن لا يجوز أن يكون معه بعض الإيمان دون بعض).اهـ
قلت: فخلاصة ( شبهة أهل البدع في الإيمان؛ من الخوارج والمعتزلة والجهمية والكرامية وسائر المرجئة، وهو أن الشيء المركب إذا زال بعض أجزائه لزم زواله كله). ([4])
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( والجواب عما ذكروه هو سهل، فإنه يسلم له أن الهيئة الاجتماعية لم تبق مجتمعة كما كانت، لكن لا يلزم من زوال بعضها زوال سائر الأجزاء .
والشافعي مع الصحابة والتابعين وسائر السلف يقولون : إن الذنب يقدح في كمال الإيمان، ولهذا نفى الشارع الإيمان عن هؤلاء، فذلك المجموع الذي هو الإيمان لم يبق مجموعًا مع الذنوب، لكن يقولون بقى بعضه؛ إما أصله وإما أكثره وإما غير ذلك، فيعود الكلام إلى أنه يذهب بعضه ويبقى بعضه). ([5])
ثانيا: أن الخوارج والمعتزلة غلبوا جانب الوعيد فأوجبوا إنفاذه , ونفوا عن صاحب الكبيرة -الذي مات بدون توبة منها- اسم الإيمان والإسلام ثم اختلفوا في التسمية في الدنيا فقالت الخوارج كافر وقالت المعتزلة هو فاسق لا مؤمن ولا مسلم ولا كافر ننزله منزلة بين المنزلتين ولكن اتفقوا في تخليده بالنار يوم القيامة ؛ فالمعتزلة وإن كانوا في الاسم إلى السنة أقرب فيهم ولكن في الحكم في الآخرة مع الخوارج.([6])
أما المرجئة والجهمية فقد قابلوا البدعة بالبدعة والغلو بالجفاء والإفراط بالتفريط فغلبوا جانب الوعد ،ونفوا بعض الوعيد ([7]) وأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان كي يفروا من تكفير صاحب الكبيرة الذي هو لازم لأصلهم الذي اصطنعوه , وقرروا أن العبد مهما صنع وفعل من الذنوب العظام فهو كامل الإيمان , والذي جرّ إليهم كل كي يسلموا من تكفير أهل الكبائر الذين كفرتهم الخوارج والمعتزلة جريا على أصلهم الذي اتفقوا عليه.
قال شيخ الإسلام في " شرح العقيدة الأصفهانية" (1 / 191) : ( وأصل هؤلاء أنهم ظنوا أن الشخص الواحد لا يكون مستحقا للثواب والعقاب والوعد والوعيد والحمد والذم بل إما لهذا وإما لهذا فأحبطوا جميع حسناته بالكبيرة التي فعلها وقالوا الإيمان هو الطاعة فيزول بزوال بعض الطاعة ثم تنازعوا هل يخلفه الكفر على القولين , ووافقتهم المرجئة والجهمية على أن الإيمان يزول كله ويزول شيء منه وأنه لا يتبعض ولا يتفاضل فلا يزيد ولا ينقص وقالوا إن إيمان الفساق كإيمان الأنبياء والمؤمنين لكن فقهاء المرجئة قالوا إنه الاعتقاد والقول وقالوا إنه لا بد من أن يدخل النار ومن فساق الملة من شاء الله تعالى كما قالت الجماعة فكان خلاف كثير من كلامهم للجماعة إنما هو في الاسم لا في الحكم).
بل يذكر عن بعض غلاة المرجئة أنهم نفوا الوعيد بالكلية .
قال في "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص / 182): (ويذكر عن غلاتهم أنهم نفوا الوعيد بالكلية لكن لا أعلم معينا معروفا أذكر عنه هذا القول ولكن حكي هذا عن مقاتل بن سليمان والأشبه أنه كذب عليه).
وهناك قوم من الأشاعرة الواقفة : توقفوا وشككوا في نفوذ الوعيد في (أهل القبلة جملة!!), وهذا من أعظم البدع لأن السلف والأئمة لم يتنازعون أنه لا بد أن يدخلها من يدخلها من أهل الكبائر الذين يخرجون بعد ذلك بالشفاعة.
وهؤلاء رد عليهم شيخ الإسلام في "إقامة الدليل على إبطال التحليل" (4 / 154) حيث قال: (وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمْ الْجَهْمِيَّةَ فِي الْإِرْجَاءِ وَالْجَبْرِ فَقُلْتُمْ : الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ , وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ , وَهَذَا عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّة شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ . ثُمَّ إنَّكُمْ قُلْتُمْ : إنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّارَ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَوَقَفْتُمْ وَشَكَكْتُمْ فِي نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ جُمْلَةً , وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ . فَإِنَّهُمْ لَا يَتَنَازَعُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَأُولَئِكَ قَالُوا : لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا كُلُّ فَاسِقٍ , وَأَنْتُمْ قُلْتُمْ : لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُهَا فَاسِقٌ أَمْ لَا , فَتَقَابَلْتُمْ فِي هَذِهِ الْبِدْعَةِ , وَقَوْلُكُمْ أَعْظَمُ بِدْعَةً مِنْ قَوْلِهِمْ , وَأَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ . وَعَلَى قَوْلِكُمْ : لَا نَعْلَمُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ النَّارِ , لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُهَا أَمْ لَا , وَقَوْلُكُمْ إلَى إفْسَادِ الشَّرِيعَةِ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ ).
وأما أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر أتباع السلف الصالح : فإنهم لا يكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب([8]) ويقولون :بأنه لا يجب إنفاذ الوعيد بل يجوز العفو عن أهل الكبائر([9]) خلافا للخوارج والمعتزلة .
لأنه قد دلّ الاستقراء الكلّي لنصوص الوحي أنّ الموانع من إنفاذ الوعيد كثيرة ؛ ثبت بعضها بالإجماع ، وبعضها بالنص , فالتوبة مانع بالإجماع ، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها ، والحسنات العظيمة الماحية مانعة ، والمصائب المكفرة مانعة ، وإقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص ، وكذلك دعاء المؤمنين للشخص مانعة ، وإهداء ما يمكن وصوله من ثواب الأعمال مانعة ، والشّفاعة في عصاة الموحّدين مانعة والعفو المحض بلا سبب من العباد مانع, فلا تعطل هذه النصوص وأضعاف أضعافها ، فلا بد من إعمال النصوص من الجانبين وأدلّة هذه الجمل معلومة مستفيضة. ([10])
ويقولون : أما الموحدون " المذنبون الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم فخفت موازينهم فاستحقوا النار من كان منهم من أهل لا إله إلا الله فإن النار تصيبه بذنوبه ويميته الله في النار إماتة فتحرقه النار إلا موضع السجود ثم يخرجه الله من النار بالشفاعة ويدخله الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة " . كما قاله شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى "(14 / 415).
=المطلب الخامس=
ومن عقيدة أهل السنة أن الألفاظ الواردة في النصوص كالشرك والكفر والنفاق والفسوق والظلم كل منهم ينقسم إلى أكبر مخرج من الملة وأصغر لا يخرج من الملة.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (7 / 524): (وَالنِّفَاقُ كَالْكُفْرِ , نِفَاقٌ دُونَ نِفَاقٍ , وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يُقَالُ : كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَكُفْرٌ لَا يَنْقُلُ وَنِفَاقٌ أَكْبَرُ وَنِفَاقٌ أَصْغَرُ كَمَا يُقَالُ : الشِّرْكُ شِرْكَانِ أَصْغَرِ وَأَكْبَرُ).
وقال الإمام المروزي رحمه الله في "تعظيم قدر الصلاة "(2 / 526)-وهو يتكلم عن أصحاب الحديث - : ( قالوا وكذلك الفسق فسقان فسق ينقل عن الملة وفسق لا ينقل عن الملة فيسمى الكافر فاسقا والفاسق من المسلمين فاسقا ذكر الله إبليس فقال ففسق عن أمر ربه وكان ذلك الفسق منه كفرا وقال الله تعالى :" وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ "[السجدة : 20], يريد الكفار دل على ذلك قوله :" كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ "[السجدة : 20] , وسمي القاذف من المسلمين فاسقا ولم يخرجه من الإسلام قال الله: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [النور : 4] وقال الله :" فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ " [البقرة : 197] فقالت العلماء في تفسير الفسوق ههنا هي المعاصي , قالوا فكما كان الظلم ظلمين والفسوق فسقين كذلك الكفر كفران أحدهما ينقل عن الملة والآخر لا ينقل عنها فكذلك الشرك شركان شرك في التوحيد ينقل عن الملة وشرك في العمل لا ينقل عن الملة وهو الرياء قال الله جل وعز :" فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"[الكهف : 110] يريد بذلك المراءاة بالأعمال الصالحة وقال النبي صلى الله عليه و سلم : "الطيرة شرك".).
وقال العلامة ابن القيم في "الصلاة وحكم تاركها " (ص / 74): ( وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر , ولوازمهما .
فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا أخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق وظلم دون ظلم).
وقال أيضا في "الصلاة وحكم تاركها " (ص / 76) : ( وقال عن إبليس : (ففسق عن أمر ربه ) [سورة الكهف الآية 50]. وقال : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ) [سورة البقرة الآية:197]. وليس الفسوق كالفسوق ؛ والكفر كفران والظلم ظلمان والفسق فسقان وكذا الجهل جهلان , جهل كفر كما في قوله تعالى: ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [سورة الأعراف الآية: 199] وغير كفر كقوله تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) [سورة النساء الآية: 17] , كذلك الشرك شركان شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر وشرك لا ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر وهو شرك العمل كالرياء).اهـ
=المطلب السادس=
أن التكفير والتفسيق والتبديع حكم شرعي لله ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا بد أن يكون معتمدا على كتاب أو سنة, كما أنه أيضا من الضروريات في هذا الباب اعتبار توفر الشروط وانتفاء الموانع في الشخص الذي ينزل عليه ذلك الحكم.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في النونية :
الكفر حق الله ثم رسوله ***بالشرع يثبت لا بقول فلان
من كان رب العالمين وعبده*** قد كفراه فذاك ذو الكفران
من كان رب العالمين وعبده*** قد كفراه فذاك ذو الكفران
وقال شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل " (1 / 140): ( الألفاظ التي تعارض بها النصوص هي من هذا الضرب ، كلفظ الجسم والحيز والجهة والجوهر والعرض ، فمن كانت معارضته بمثل هذه الألفاظ لم يجز له أن يكفر مخالفه إن لم يكن قوله مما يبين الشرع أنه كفر ؛ لأن الكفر حكم شرعي متلقي عن صاحب الشريعة ، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه ، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرا في الشرع كما أنه ليس كل ما كان صوابا في العقل تجب في الشرع معرفته).اهـ
وقال رحمه الله في " الرد على البكري " (2 / 492): ( فلهذا كان أهل العلم و السنة لا يكفرون من خالفهم و إن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه و تزني بأهله لأن الكذب و الزنا حرام لحق الله تعالى و كذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله و رسوله .
وأيضا فإن تكفير الشخص المعين و جواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها و إلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر .
ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة و التابعين كقدامة بن مظعون و أصحابه شرب الخمر و ظنوا أنها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة اتفق علماء الصحابة كعمر و علي و غيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال كفروا و إن أقروا به جلدوا فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق فإذا أصروا على الجحود كفروا).اهـ
وقال العلامة ابن عُثَيْمِين رحمه الله كما في "مجموع فتاويه" (2/ 13):( الواجِب قبل الحكم بالتَّكْفير أن يُنْظَر في أمرين:
الأمر الأول : دلالة الكتاب والسُّنَّة على أن هذا مُكَفِّر؛ لئِلاَّ يُفْتَرى على الله الكَذِب.
الثاني: انطباق الحُكم على الشخص المُعَيَّن؛ بحيث تتم شروط التكفير في حَقِّه، وتنتفي الموانع(.اهـ
ولهذا قرر أهل السنة أيضا :
أنه لا بد من تفريق بين الحكم على الشيء بأنَّه كفر أو شرك سواء كان في الاعتقاد، أو القول، أو الفعل ، وبين الحكم على الشخص المعين الذي صدر عنه ذلك الاعتقاد أو القول أو الفعل الشركي أو الكفري.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله – كما في " مجموع الفتاوى" (12 / 487): ( إنَّ التكفير له شروط وموانعُ، قد تنتفي في حقِّ المعيَّن، وإن تكفير المطلَق لا يستلزم تكفيرَ المُعَيَّن، إلاَّ إذا وُجِدَتِ الشروط، وانتفتِ الموانع، يُبَيِّن هذا أنَّ الإمام أحمدَ وعامَّة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات - أي: مَن قال أو فعل كذا، فقد كفر - لم يُكَفِّروا أكثر مَن تَكَلَّم بهذا الكلام بعينِه.(اهـ
وقال أيضًا كما في "مجموع الفتاوى " (10 / 372): (وَقَرَّرْته أَيْضًا فِي أَصْلِ " التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ " الْمَبْنِيِّ عَلَى أَصْلِ الْوَعِيدِ . فَإِنَّ نُصُوصَ " الْوَعِيدِ " الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَنُصُوصَ الْأَئِمَّةِ بِالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُسْتَلْزَمُ ثُبُوتُ مُوجَبِهَا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ).اهـ
وقال في " بغية المرتاد" (ص / 353)-فيمَن قال ببعض المقالات الكفريَّة- : ( فهذه المقالات هي كُفر؛ لكن ثبوت التكفير في حقِّ الشخص المعيَّن، موقوفٌ على قيام الحجة التي يَكْفُر تاركها، وإن أطلق القول بتكفير مَن يقول ذلك، فهو مثل إطلاق القول بنُصُوص الوعيد، مع أنَّ ثُبُوت حكم الوعيد في حقِّ الشخص المعيَّن، موقوفٌ على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه؛ ولهذا أطلق الأئمة القول بالتَّكفير، مع أنهم لم يحكموا في عين كلِّ قائلٍ بِحُكم الكفار).اهـ
=المطلب السابع=
فلهذا كان هذا الباب –الأسماء والأحكام- ذا أهمية عظيمة عند أهل السنة لأن الله عز وجل علَّق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار.
وقد تقدم أن الفرق انقسموا فيه إلى طرفين ضالَين , ووسط لا تفريط فيه ولا إفراط وهم أهل السنة.
قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص29) : ((وهذه المسائل: أعني مسائل الأسماء والإيمان، والكفر والنفاق، مسائل عظيمة جداً؛ فإن الله عز وجل علَّق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار.
والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة، حيث أخرج الخوارج عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار، واستحلوا بذلك دماء المسلمين وأقوالهم , ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة وقولهم بالمنزلة بين المنزلتين , ثم حدث خلاف المرجئة وقولهم: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان , وقد صنف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسائل تصانيف متعددة.)اهـ.
=زبدة التمهيد=
قال شيخ الإسلام كما في " مجموع الفتاوى " (12 / 484) : (إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فِي اسْمِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ الْمِلِّي وَفِي حُكْمِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ وَمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاضْطِرَابِ فَـ " مَسْأَلَةُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ " مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ).
الفصل الثاني
الشروع في صلب الموضوع
وبعد هذا العرض الموجز لعقيدة أهل السنة في هذا الباب نشرع فيما قصدنا من تجلية مقالة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني ونقد شيخ الإسلام ابن تيمية عليها وتوجيه العلامة ابن دقيق العيد لها ؛ تحت المباحث التالية فأقول -مستعينا بالله-:
=المبحث الأول=
من نسب إلى تلك المقولة؟
من نسب إلى تلك المقولة؟
نسب هذا القول إلى الأستاذ المتكلم أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني (ت418هـ) ([11]) .
وممن نسبه إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي ذكره.
ونقل صاحب المقال المذكور قول صفي الدين الهندي الأرموي في الرسالة " التسعينية في الأصول الدينية" حيث قال :( وقال الأستاذ : إنما أُكفِّر من يُكفِّرُنا دون غيرهم ، وتمسُّكُه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء به أحدهما) ".اهـ
وأظن أنه يقصد الأستاذ المذكور بأبي إسحاق الإسفراييني , لأنه اشتهر بذلك.
أما ابن دقيق العيد رحمه الله فلم يصرح النسبة إليه بل قال في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام "(ص / 420): (وقد نقل عن بعض المتكلمين أنه قال: لا أكفر إلا من كفرني).
وقد صرح العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية " (10 / 361) بعد نقله كلام ابن الدقيق المذكور , بأنه يقصد الإسفراييني فقال : ( ثم نقل-أي ابن دقيق- عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، أنه قال: لا أكفر إلا من كفرني; قال: وربما خفي هذا القول على بعض الناس...).اهـ.
ونقل شيخ الإسلام كما في "بيان تلبيس الجهمية" (1 / 381) -عن الرازي عبارة أخرى عن الإسفراييني حيث قال- : (وحكى الرازي عن الكرخي وغيره مثل ذلك قال وأما المعتزلة فالذين كانوا قبل أبو الحسين تحامقوا وكفروا أصحابنا في إثبات الصفات وخلق الأعمال قال وأما المشبهة فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ([12]) ومن المعتزلة وكان الأستاذ أبو إسحق يقول :"أكفر من يكفرني فكل مخالف يكفرنا نكفره").
قلت:
وكفى عزو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إليه بثبوت هذه المقالة عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني رحمه الله.
أما العبارة الثانية التي نقلها الرازي فهي بمعناها:
لا أكفر إلا من يكفرني= أكفر من يكفرني , فكل مخالف يكفرنا نكفره
ونفس اللوازم التي تلزم من العبارة الأولى تلزم أيضا من الثانية.
أما اللازم الأول: بأنه يدخل فيه حتى المتأول ؛ فهو واضح فيه.
وأما الثاني: بأنه يشمل حتى من بان كفره كاليهود وغيرهم إذا لم يكفروا صاحب المقال , فهذا مفهوم قوليه:
- "أكفر من يكفرني" , يعني ولا أكفر من لا يكفرني .
- " فكل مخالف يكفرنا نكفره " يعني وكل مخالف لا يكفرني فلا أكفره.
فلهذا كان تعبير شيخ الإسلام الذي نقله أوجز وأدل , ومثلها عبارة التي نقلها صفي الدين الأرومي :" إنما أُكفِّر من يُكفِّرُنا دون غيرهم ".
=المبحث الثاني=
ومن الذي انتقد هذا القول؟
ومن الذي انتقد هذا القول؟
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفذ "منهاج السنة النبوية" (ج5/ص166) مقولة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني بعد ذكره موقف علي رضي الله عنه من الخوارج حين كفروه فلم يكفرهم علي رضي الله عنه -فقال :( ومع هذا فقد صرح علي رضي الله عنه بأنهم مؤمنون ليسوا كفارا ولا منافقين ، وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس - كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه - يقولون : " لا نكفر إلا من يكفرنا " ؛ فإن الكفر ليس حقًّا لهم ، بل هو حق لله ، وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب عليه ، ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهلِه ، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة ، لم يكن له أن يستكرهه على ذلك ، ولو قتله بتجريع خمر أو تلوط به لم يجز قتله بمثل ذلك ، لأن هذا حرام لحق الله تعالى ، ولو سب النصارى نبينا، لم يكن لنا أن نسب المسيح، والرافضة إذا كفروا أبا بكر فليس لنا أن نكفر عليا).
قلت: فنسب رحمه الله هذه المقولة إلى الإسفراييني وأتباعه.
توضيح الانتقاد :
وتوضيح انتقاد شيخ الإسلام لهذه المقولة: " لا نكفر إلا من يكفرنا " ؛ هو :
أنه لابد للشخص أن يتقيد بالشرع فمن كفره الشرع كفره ومن لم يكفره لم نكفره.
وإلا إذا قال:" لا نكفر إلا من يكفرنا" ، فإنه يكون تحكما منه بدون برهان صريح ولا عقل صحيح ، ويلزم من قوله
أن يكفر من كفره ولو كان المكفر مخطئا أو متأولا.
قال العلامة أبا بطين كما في "الدرر السنية " (10 / 363): (فظاهر كلام أبي إسحاق: أنه لا فرق بين المتأول وغيره، والله أعلم).
لأن المتأول معذور فضلا عن أن يُكَّفر ؛ فربما قد يكون من الأئمة المرضيين الذين خطؤهم مغفور بنص الحديث.
قال الشيخ عبداللطيف رحمه الله في رسالته " الإتحاف في الرد على الصحاف"(ص / 21): (وأما من كفَّر من ليس من أهل الكفر؛ لكنه متأول يسوغ تأويله: فهو أيضا من الأئمة المرضيين, إذا تمت له شروط الإمامة, وخطؤه مغفور له بنص الحديث.).اهـ
ويلزم منه أيضا أن لا يكفر خصومه ومخالفيه الذين ثبت كفرهم بالكتاب والسنة وبالحجة والبرهان , إذا كانوا لا يكفرونه، ولو كانوا من أكفر الكفار كاليهود والنصارى الذين بان كفرهم للكبار والصغار ، والله المستعان.
وهذا يدل أن هذا القول عاطل عن الحجة والبرهان وفيه تحكم باطل في غاية البطلان.
قال الشيخ عبداللطيف رحمه الله في رسالته " الإتحاف في الرد علي الصحاف"(ص / 17): ( وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة رسوله, وقد رأى كفرا بواحا, كالشرك بالله, وعبادة ما سواه, والاستهزاء به تعالى, أو بآياته, أو رسله, أو تكذيبهم, أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق, أو جحود الحق, أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور, مطيع لله ورسوله, قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} فمن لم يكن من أهل عبادة الله تعالى, وإثبات صفات كماله, ونعوت جلاله, مؤمنا بما جاءت به رسله, مجتنبا لكل طاغوت يدعو إلى خلاف ما جاءت به الرسل, فهو ممن حقت عليه الضلالة, وليس ممن هدى الله للإيمان به, وبما جاءت به الرسل عنه والتكفير بترك هذه الأصول, وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين, يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام, وغالب ما في القرآن إنما هو في إثبات ربوبيته تعالى, وصفات كماله, ونعوت جلاله, ووجوب عبادته وحده لا شريك له, وما أعد لأوليائه الذين أجابوا رسله في الدار الآخرة، وما أعد لأعدائه الذين كفروا به وبرسله, واتخذوا من دونه الآلهة والأرباب, وهذا بين بحمد الله. ).اهـ
=المبحث الثالث=
من حاول توجيه تلك المقالة المذكورة ؟
من حاول توجيه تلك المقالة المذكورة ؟
وأما توجيه ابن دقيق العيد فقد قال في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام "(ص / 420)ط/مؤسسة الرسالة : (وقد نُقِل عن بعض المتكلمين أنه قال : " لا أكَفِّر إلا من كفَّرني " ، وربما خَفِي سبب هذا القول على بعض الناس ، وحمله على غير محمله الصحيح ، والذي ينبغي أن يُحمل عليه : أنه قد لَمَح هذا الحديث الذي يقتضي أن من دعا رجلًا بالكفر - وليس كذلك - رجع عليه الكفر ، وكذلك قال عليه السلام : " من قال لأخيه : كافر ؛ فقد باء بها أحدهما " وكأن هذا المتكلم يقول : الحديث دل على أنه يحصل الكفر لأحد الشخصين : إما المُكفَّر، أو المُكفِّر فإذا أكفرني بعض الناس فالكفر واقع بأحدنا ، وأنا قاطعٌ بأني لست بكافرٍ فالكفرُ راجعٌ إليه).
وأيضا فقد صرح أحد أئمة أهل الكلام بمثل هذه المقالة واستدل لها بالحديث المذكور وهذا المتكلم هو أبو المظفر طاهر بن محمد الإسفراييني قال بعد حكايته مجمل اعتقاد الأشعرية في كتابه "التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية من الفرق الهالكين (ص180) : " كلُّ من تدين بهذا الدين الذي وصفناه من اعتقاد الفرقة الناجية فهو على الحقِّ وعلى الصراط المستقيم ، فمن بدَّعه فهو مبتدع ، ومن ضلَّلَه فهو ضال ، ومن كفَّره فهو كافر ، لأنَّ من اعتقد أن الايمان كفرٌ وأن الهداية ضلالةٌ وأن السنة بدعة كان اعتقادُه كفرًا وضلالة وبدعة ، وأصلُ هذا مأخوذٌ من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال لأخيه المسلم يا كافر فقد باء به أحدهما ".
فجاء من هذه الجملة أنَّا لا نبدع إلا من بدعنا ، ولا نُضلِّل من ضلَّلَنا ، ولا نُكفِّر إلا من كفَّرَنا ، و"قد أنصفَ القارة من راماه").
وقد تقدم أيضا قول صفي الدين الهندي الأرموي في الرسالة " التسعينية في الأصول الدينية" حيث قال :( وقال الأستاذ : إنما أُكفِّر من يُكفِّرُنا دون غيرهم ، وتمسُّكُه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء به أحدهما) ".اهـ
إذن فاستدلال هذا الحديث لصحة هذه المقالة , حجة تتابع عليها أصاحبها وموجهيها , وسيأتي تحقيق ذلك ومدى موافقتها للشريعة.
=المبحث الرابع =
ما صحة ذلك التوجيه ؟
ما صحة ذلك التوجيه ؟
وفي هذا التوجيه الذي ذكره العلامة ابن دقيق العيد بأن المقالة تلمح إلى الحديث نظر كبير وبيان ذلك يكون بالنقاط التالية:
=النقطة الأولى=
أن هذه المقولة فيها اطلاق كما نقلنا عن العلامة أبا بطين آنفا يدخل فيها حتى المتأول , ومن المقرر في الأدلة والنصوص أن من كان متأولا في تكفيره للناس لا يكفر لأجل تكفيره .
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (ج3/ص283) : (وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مُتَأَوِّلًا فِي الْقِتَالِ أَوْ التَّكْفِيرِ لَمْ يُكَفَّرْ بِذَلِكَ كَمَا { قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بلتعة : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ؟ } وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَفِيهِمَا أَيْضًا : مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ : { أَنَّ أسيد بْنَ الحضير . قَالَ لِسَعْدِ بْنِ عبادة : إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ وَاخْتَصَمَ الْفَرِيقَانِ فَأَصْلَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بَيْنَهُمْ } . فَهَؤُلَاءِ الْبَدْرِيُّونَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ لِآخَرَ مِنْهُمْ : إنَّك مُنَافِقٌ وَلَمْ يُكَفِّرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لَا هَذَا وَلَا هَذَا بَلْ شَهِدَ لِلْجَمِيعِ بِالْجَنَّةِ . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا بَعْدَ مَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَظَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَهُ وَقَالَ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْته بَعْدَ مَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؟ وَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ أُسَامَةُ : تَمَنَّيْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت إلَّا يَوْمَئِذٍ } . وَمَعَ هَذَا لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا ظَنَّ جَوَازَ قَتْلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قَالَهَا تَعَوُّذًا ).اهـ
وقال الإمام البغوي في "شرح السنة " (13 / 129- 130): (وحكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن قتال المسلم كفرٌ إشارة إلى أن ترك القتال من الإيمان ، وفعله ينقص الإيمان ، والحديث فيمن سب مسلماً ، أو قاتله من غير تأويل ، أو معنى من معاني الدين ، أما المتأول ، فخارجٌ عن هذا الوعيد ، كما قال عمر لحاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى قريش يخبرهم بشأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فلم يعنفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبرأ حاطباً من النفاق.
وقوله : " وقتاله كفرٌ " إنما هو على أن يستبيح دمه ، ولا يرى الإسلام عاصماً لدمه ، فهذا منه ردةٌ وحقيقة كفرٍ ، وقد يحمل ذلك على تشبيه أفعالهم بأفعال الكفار دون حقيقة الكفر إذا قتله غير
مستبيح لدمه ، كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم
رقاب بعض " أي : لا تكونوا من الذين عادتهم ذلك.).اهـ
وقال الإمام ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين " (1 / 99) بعد ذكره حديث قصة حاطب : (وقد دل هذا الحديث على أن حكم المتأول في استباحة المحظور خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل).
وقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في "الإتحاف في الرد على الصحاف " (ص / 16) : (ولا شك أن تكفير بعض صلحاء الأمة ممكن الوقوع؛ بل قد وقع من الخوارج وغيرهم من أهل البدع.
فيقال حينئذ : إن كان المكفر لبعض صلحاء الأمة متأولا مخطئا, وهو ممن يسوغ له التأويل: فهذا وأمثاله ممن رفع عنه الحرج والتأثيم لاجتهاده، وبذل وسعه, كما في قصة حاتب بن أبي بلتعة فإن عمر - رضي الله عنه - وصفه بالنفاق واستأذن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم", ومع ذلك فلم يعنف عمر على قوله لحاطب: إنه قد نافق. وقد قال الله تعالى: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}, وقد ثبت أن الرب تبارك وتعالى قال بعد نزول هذه الآية وقراءة المؤمنين لها: "قد فعلت").اهـ .
=النقطة الثانية=
أن هناك فرق بين مدلول الحديث ومدلول هذه المقالة من وجهين :
الوجه الأول: فمدلول الحديث هو الكفر الذي لا ينقل عن الملة .
علما أنه قد اختلف في معنى الحديث، هل هو الكفر الأكبر أو لا ؟
والراجح الذي تؤيده الحجج : أنه الكفر الأصغر.
لقرينة سياق الحديث: ( من قال لأخيه ) فقد سماه أخاه حين القول ، وقد أخبر أن أحدهما باء بها - أي بالكفر- فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه وهذا تقرير شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (ج7/ص355(.
الوجه الثاني : أن مفزع القوم واستدلالهم على كفر من قال لأخيه : يا كافر , هو تأويلهم بذلك : "أنه يقصد طعن دين الإسلام وسماها كفرا" وهذا المفهوم في الحديث غير مسلَّم لأنه إنما وصف بالكفر الشخص-سواء كان متأولا أو خاطئا- لا دين الإسلام، فنفى عنه كونه على دين الإسلام، فلا يكفر بهذا القول ؛ ويلزم على ما قالوه أن من قال لعابد: يا فاسق، كفر، لأنه سمى العبادة فسقا، ولا أحسب أحدا يقوله، وإنما يريد: إنك تفسق، وتفعل مع عبادتك ما هو فسق، لا أن عبادتك فسق وهذا جواب ابن حجر الهيتمي وهاك نقل كلامه.
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية " (10 / 361): ( ونقل ابن حجر الهيتمي عن طائفة من الشافعية، أنهم صرحوا بكفره إذا لم يتأول ، فنقل عن المتولي أنه قال: إذا قال لمسلم: يا كافر، بلا تأويل كفر; قال: وتبعه على ذلك جماعة. واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما " ، والذي رماه به مسلم، فيكون هو كافرا، قالوا: لأنه سمى الإسلام كفرا ؛ وتعقب بعضهم هذا التعليل، وهو قولهم: إنه سمى الإسلام كفرا، فقال: هذا المعنى لا يفهم من لفظه، ولا هو مراده، إنما مراده ومعنى لفظه: إنك لست على دين الإسلام، الذي هو حق، وإنما أنت كافر، دينك غير الإسلام، وأنا على دين الإسلام، وهذا مراده بلا شك.
لأنه إنما وصف بالكفر الشخص، لا دين الإسلام، فنفى عنه كونه على دين الإسلام، فلا يكفر بهذا القول، وإنما يعزر بهذا السب الفاحش، بما يليق به؛ ويلزم على ما قالوه أن من قال لعابد: يا فاسق، كفر، لأنه سمى العبادة فسقا، ولا أحسب أحدا يقوله، وإنما يريد: إنك تفسق، وتفعل مع عبادتك ما هو فسق، لا أن عبادتك فسق). انتهى.
قلت:
"والقاعدة في ذلك أن اللفظ يؤخذ على ظاهره ما لم تصرفه قرينة، فإن وجدت قرينة تدل على صرف لفظ الكفر في الحديث عن معناه الأصلي، وهو الكفر الأكبر، أمكن المصير إلى أنه كفر أصغر لثبوت إمكان ذلك في السّنّة الشريفة".([13])
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (17 / 15) : (ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" قوله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" وقوله: "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم" ومثل هذا كثير من الآثار التي وردت بلفظ التغليظ وليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم لأصول تدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجتمع عليها والآثار الثابتة أيضا من جهة الإسناد).
وأمثلة ذلك كثيرة في السنة منها: ما جاء في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. قَالَ « تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِى لُبٍّ مِنْكُنَّ ». ذكره مسلم في " كتاب الإيمان" , ونقل العيني في عمدة القاري " (2 / 36) أن القاضي أبو بكر بن العربي قال في شرحه : ( مراد المصنف-أي مسلم- أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد به الكفر المخرج عن الملة).
وترجم له النووي بباب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله. ثم قال في "شرحه " (2 / 67): (وفيه اطلاق الكفر على غير الكفر بالله تعالى ككفر العشير والاحسان والنعمة والحق ويؤخذ من ذلك صحة تأويل الكفر في الأحاديث المتقدمة على ما تأولناها).
وقال العلامة المباركفوري (المتوفى : 1414هـ) في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 82): ( واستدل النووي على أنهما من الكبائر بالتوعد عليهما بالنار، وفيه ذم اللعن وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله، وهو محمول على ما إذا كان في معين، وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج من الملة تغليظاً على فاعلها، لقوله في رواية أخرى ((بكفرهن)) ففيه دلالة على جواز إطلاق الكفر على غير الكفر بالله ككفر العشير والإحسان والنعمة والحق، لكنه كفر دون كفر أي كفر أدون وأخف من الكفر بالله، فالكفر متنوع متفاوت زيادة ونقصاناً بعضه أخف من بعض، فكما أن الإيمان ذو شعب كثيرة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبينها مراتب كثيرة، كذلك في الكفر مراتب بعضها أخف من بعض، وبين أعلاه وأدناه مراتب كثيرة، أو يقال: إن الكفر نوعان: كفر بالله، وله أربعة أقسام: كفر إنكار، وجحود، وعناد، ونفاق، على ما قاله الأزهري، وكفر بغير الله، وهو كفر دون كفر، أي مغاير للكفر بالله، فالأول مخرج من الملة موجب للخلود، والثاني موجب للفسوق فقط غير موجب للخلود).
وأما مدلول المقالة القائلة : " لا أكَفِّر إلا من كفَّرني " ، فإنها الكفر الأكبر
فكيف يقال إنها توحي معنى الحديث مع ما يلزم منها كما تقدم من اللوازم الباطلة لهذه المقالة , والتي تدل بعد مدلول هذه المقالة عن مدلول الحديث .
قال الإمام ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين " (1 / 200) : ( وفي الحديث السادس والأربعين سباب المسلم فسوق وقتاله كفر السباب السب والشتم والفسوق الخروج عن طاعة الله عز وجل وهذا محمول على من سب مسلما أو قاتله من غير تأويل فقد قال عمر في حاطب دعني أضرب عنق هذا المنافق فلم ينكر عليه الرسول لتأويله وإذا قاتل المسلم المسلم من غير تأويل كان ظاهر أمره أنه رآه كافرا أو رأى دين الإسلام باطلا أو لا يرى أن الإسلام قد عصم دمه فيكفر باعتقاد ذلك ويحتمل هذا الحديث وما في معناه مثل قوله :"فقد باء بها أحدهما" وقوله:" لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض", وقوله:" كفر بالله" انتفاء من نسب وإن دق أن يكون إنما نسب هذه الأشياء إلى الكفر لأنها أفعال الكفار ويكون ذكر ذلك على جهة التغليط لا أن ذلك يخرج عن الملة).
ونزيد توضيحا فنقول:
=النقطة الثالثة=
أن العلماء رحمهم الله ومنهم ابن عبد البر في "التمهيد" (17 / 15) وابن حجر في "فتح الباري " (10 / 515) والنووي في "شرح مسلم"( 2/ص466)جعلوا الحديث من المشكلات وأن ظاهره غير المراد لأن عقيدة أهل السنة ومذهب أهل الحق : " أنه لا يكفَّر المسلم بالمعاصي كالقتل والزنا وكذا قوله لأخيه كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام" اهـ .
ثم ذكره النووي بعض تأويلات العلماء للحديث:
فمنهم من قال أنه محمول على المستحل.
ومنهم من قال: أن المقصود على الخوارج المكفرين للمؤمنين .
ومنهم من قال: معناه يؤول به إلى الكفر.
ومنهم من قال: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية كفره ومعرة إثمه.
وهذا الأخير قال به القرطبي وقال عنه الحافظ : هو أعدل الأقوال.
قلت:
وهو كما قال ، وسبب ذلك أن الأقوال السابقة كلها تنظر الحديث بمنظار واحد وهو : أنه الكفر الأكبر.
فلهذا كان قول الحافظ ومن معه هو الأقرب ، ولا يتعارض مع قولنا أن الكفر المذكور في الحديث هو الكفر الأصغر ؛ لأن الكفر الأصغر من الكبائر التي لا يخرج صاحبها من الملة بالكلية, ومن جهة أخرى هو من الذنوب التي سمى الشارع بها كفرا كما ذكره ابن أبي العز في "شرح الطحاوية"(ص320)
فلهذا قرر شيخ الإسلام في مواطن كثيرة من كتبه أن الكفر المذكور في الحديث: (من قال لأخيه : يا كافر ؛ فقد باء بها أحدهما). هو كفر دون كفر , وكذلك قرر غيره من العلماء كما تقدم , وهذا يدل على عمق فقههم ودقة فهمهم رحمهم الله جميعا لمن تدبر لذلك.
ويوضح ذلك أكثر ما قرره تلميذه ابن القيم في كتاب "الصلاة وحكم تاركها"(ص73): بأن الكفر نوعان كفر عمل وكفر جحود وعناد .
فالثاني مضاد للإيمان من كل وجه.
والأول على قسمين :قسم يضاد الإيمان من كل وجه.
وقسم لا يضاده من كل وجه .
ثم مثّل رحمه الله بالقسم الأخير : بالحاكم بغير ما أنزل الله، وتارك الصلاة ، فكل منهما يطلق عليهم اسم الكفر كما سمى بهما رسول الله صلى عليه وسلم,
وإن لم يخرجهم ذلك من الإسلام بالكلية في الأصل إلا في الحالات المعروفة.
وذكر أيضا الحديث المذكور.
قلت: والمقصود من ذلك أنه سمي أيضا اسم الكفر من قال لأخيه : يا كافر([14]) , وإن لم يخرجه ذلك من الإسلام بالكلية
تنبيه :
وأما قول من قال في الحديث : أن المقصود على الخوارج المكفرين للمؤمنين .
فهو قول له قوة لا سيما وقد جاء حديث يؤيد حديث الباب أورده ابن حبان رقم(81) وأبو نعيم في "المعرفة " رقم(1747) والطحاوي في "شرح مشكل الأثار " رقم(865) الْحَسَنُ حدثني جُنْدُبُ بن عبد اللهِ الْبَجَلِيُّ في هذا الْمَسْجِدِ أَنَّ حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ حدثه قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ لَرَجُلاً قَرَأَ الْقُرْآنَ حتى إذَا رُئِيَتْ عليه بَهْجَتُهُ وكان رِدْءًا لِلإِسْلاَمِ أَعْثَرَهُ إلَى ما شَاءَ اللَّهُ وَانْسَلَخَ منه وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَخَرَجَ على جَارِهِ بِالسَّيْفِ وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ قال قلت يا رَسُولَ اللهِ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ الْمَرْمِيِّ أو الرَّامِي قال لاَ بَلْ الرَّامِي). والحديث صححه العلامة الألباني كما في "الصحيحة" رقم(3201).
ثم قال الطحاوي بعد ذكره هذا الحديث: ( فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ طَلَبًا مِنَّا لِلْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ ؟ فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: يَا كَافِرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَافِرٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَإِذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَكَانَ إيمَانًا, كَانَ جَاعِلُهُ كَافِرًا جَاعِلَ الْإِيمَانِ كُفْرًا، وَكَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا بِاللهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِإِيمَانِ اللهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [المائدة: 5] فَهَذَا أَحْسَنُ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ).اهـ
قلت:
قوله: ( فَإِذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَكَانَ إيمَانًا كَانَ جَاعِلُهُ كَافِرًا جَاعِلَ الْإِيمَانِ كُفْرًا) اهـ , قد تقدم الجواب عنه وذلك في كلام الهيتمي حيث قال: ( واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما " ، والذي رماه به مسلم، فيكون هو كافرا، قالوا: لأنه سمى الإسلام كفرا؛ وتعقب بعضهم هذا التعليل، وهو قولهم: إنه سمى الإسلام كفرا، فقال: هذا المعنى لا يفهم من لفظه، ولا هو مراده، إنما مراده ومعنى لفظه: إنك لست على دين الإسلام، الذي هو حق، وإنما أنت كافر، دينك غير الإسلام، وأنا على دين الإسلام، وهذا مراده بلا شك.
لأنه إنما وصف بالكفر الشخص، لا دين الإسلام، فنفى عنه كونه على دين الإسلام، فلا يكفر بهذا القول، وإنما يعزر بهذا السب الفاحش، بما يليق به؛ ويلزم على ما قالوه أن من قال لعابد: يا فاسق، كفر، لأنه سمى العبادة فسقا، ولا أحسب أحدا يقوله، وإنما يريد: إنك تفسق، وتفعل مع عبادتك ما هو فسق، لا أن عبادتك فسق). انتهى.
قلت :
والخلاف بين السلف في تكفير الخوارج معروف , والراجح والله أعلم أن الخوارج مبتدعة فساق وليسوا بكفار.
قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة النبوية "(5 / 168): ( ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان وما زالت سيرة المسلمين على هذا ما جعلوهم مرتدين كالذين منهاج السنة قاتلهم الصديق رضي الله عنه هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة).اهـ
=النقطة الرابعة=
أن تكفير المرء على من كفره على الإطلاق بمجرد تكفيره له مخالف للإجماع ، فقد يكون الذي كفره متأولا وهذا من موانع التكفير؟
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى"(7/ص686) :(وأجمع الصحابة وسائر أئمة المسلمين على أنه ليس كل من قال قولا أخطأ فيه أنه يكفر بذلك وإن كان قوله مخالفا للسنة فتكفير كل مخطئ خلاف الإجماع ; لكن للناس نزاع في مسائل التكفير قد بسطت في غير هذا الموضوع , والمقصود هنا أنه ليس لكل من الطوائف المنتسبين إلى شيخ من الشيوخ ولا إمام من الأئمة أن يكفروا من عداهم ; بل في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : {إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما } وقال أيضا : { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } . وقال : { لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا } وقال : { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم : كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } . وليس للمنتسبين إلى ابن مرزوق أن يمنعوا من مناكحة المنتسبين إلى العوفي ; لاعتقادهم أنهم ليسوا أكفاء لهم بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان من هؤلاء وغيرهم كما قال تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وفي الصحيح { أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل : أي الناس أكرم ؟ قال أتقاهم } . وفي السنن عنه أنه قال : { لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم ، وآدم من تراب }).اهـ
الفصل الثالث
خلاصة البحث
فلهذا لا بد أن ننظر الأدلة الشرعية - الكتاب والسنة - فنكفر من كفرته الأدلة عند توفر الشروط وانتفاء الموانع.
@ ومن هنا نعلم أن التكفير ليس موكولا إلينا بل هو حق لله ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا غني عن التعريف والبسط في هذا الموضع , وقد تقدم شيء من ذلك.
@ وكذلك نعلم بطلان هذه المقولة القائلة : ( لا نكفر إلا من يكفرنا) لكونها باطلة من وجهين .
الوجه الأول :
أنها تقتضي أن نوجه التكفير إلى كل من كفرنا سواء كان مخطئا متأولا أو لا ، وهذا مخالف للإجماع الذي فيه عدم تكفير المخطئ كما ذكرنا آنفا في النقطة الرابعة.
الوجه الثاني :
أن هذا القول يلزم منه تخصيص باطل , وهو تخصيص الكفر على من كفره فقط ومن لم يكفره فلا فلهذا يشمل ذوي الكفر الواضح الصريح كاليهود والنصارى إذا لم يكفرونا
فمثلا لو قال يهودي لصاحب هذا القول : (لست أكفرك!) فمقتضى قوله أن لا يكفره
وهذا لازم قوي لا مفر منه. ويدل على أن هذا القول في غاية البطلان والفساد
وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم وهذا شأن جميع المقالات الباطلة كما ذكره شيخ الإسلام.
قد يقول قائل: ولكن الإسفراييني يقصد أهل القبلة والفرق الإسلامية.
فالجواب: أن هذه لازم قوله الذي أمامنا ومقصوده شيء آخر ولم يذكر في سياق كلامه ما يدل ذلك.
قال شيخ الإسلام كما في "جامع الرسائل" (6/66): ( أما إذا كان اللفظ فيه إجمال , -فإطلاقه بلا تفسير ممنوع!- منه, لما فيه من إضلال المستمع, وتنفير القلوب الصحيحة!!-.). انتهى.
وقال الإمام أبو علي ابن خليل السكوني المالكي في كتابه "لحن العوام"- نقلا من "مصرع التصوف " (ص / 138) بعد أن حذر من ابن عربي وابن الفارض الزنديقين وأتباعهما-: ( وكل كلام وإطلاق يوهم الباطل فهو باطل بالإجماع فأولى وأحرى بطلانه إذا كان صريحا في الباطل).
فنحن وكذلك -شيخ الإسلام وهو المنتقد لتلك المقولة - ما ابتعدنا عن الإنصاف من اعتبار سياق الكلام الذي يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "بدائع الفوائد" (5 / 11): (فائدة: السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة ؛ وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته)انتهى.
بل كيف يهمل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وهو القائل في كتابه "الرد على البكري" (2 / 705): (فغير الرسول صلى الله وعليه وسلم إذا عبر بعبارة موهمة مقرونة بما يزيل الإيهام كان هذا سائغا باتفاق أهل الإسلام .
وأيضا فالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلمين لم يكن على المتكلم بذلك بأس, ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم ولا يقدح ذلك في المتكلمين بالحق ).
غ ومن هنا نعلم دقة انتقاد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لهذا القول وأن الصواب معه, وأن صاحب هذه المقالة لم يحرر مقالته تحريرا ينفي عنها الإجمال و الالتباس, وغالب الإشكالات تتولد من ذلك.
غ ونعلم ضعف توجيه المقالة القائلة: (لا أكفر إلا من كفرني) بأنها : "قد تلمح إلى الحديث".
والله أعلم ، وبالله التوفيق.
=الفصل الرابع=
لحمة عن غلو الأشاعرة في التكفير
فإذا نظرنا في هذه المقالة بتمعن تبين لنا أن فيها غلوا من ناحية وجفاءا من ناحية أخرى.
ولا يستغرب ذلك من هذا الأشعري صاحب هذه المقالة -رحمه الله - فقد قال عنه أحد أصحابه وهو أبو مطفر الإسفراييني في "التبصير في الدين " (1 / 193) وهو يعدد أئمة الأشاعرة مادحا لهم قال: ( ومثل الإمام أبي إسحاق الإسفراييني رحمه الله الذي عقمت النساء عن أن يلدن مثله ولم تر عيناه في عمره مثل نفسه وكان شديدا على خصمه يفرق الشيطان من حسه).اهـ
وقال تاج الدين ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (4 / 257): (وقال الحافظ ابن عساكر حكى لي من أثق به أن الصاحب بن عباد كان إذا انتهى إلى ذكر ابن الباقلاني وابن فورك والإسفراييني وكانوا متعاصرين من أصحاب أبي الحسن الأشعري قال لأصحابه ابن الباقلاني بحر مغرق وابن فورك صل مطرق , والإسفراييني نار تحرق).
قلت:
ونقل السبكي ذلك جاعلا من مناقبه وإلا فما كان من عادته ترك أمثال هذه العبارات تجاه كبار أسلافه الأشاعرة , ولرأيت دفاعا ونفاحا عنهم وتقريعا وتجذيعا على من مس جنابهم .
إذن فشدة الأستاذ لا سيما على مخالفيه كان شيئا معروفا عندهم.
إضافة إلى ذلك هاك هذه النكتة اللطيفة التي تكشف غلو الأشاعرة في باب التكفير مع شهرتهم بالإرجاء([15]):
والمعلوم أن الأشاعرة مرجئة في أبواب الإيمان وتوابعه , فلهذا ترى لا يكفرون من كان كفره واضحا بالكتاب والسنة كما سبق ذكره في باب الأسماء والأحكام.
ومع هذا فلم يسلم أكثر الأشاعرة من الوقوع في تكفير المسلمين بغير حق وذلك في عدة مسائل معروفة منها :
1-مسألة (وجوب النظر العقلي لإثبات وجود الله تعالى) :
فمن لم يعتمد هذه الطرق العقلية سموه مقلدا , ثم قرروا أن إيمان المقلد لا يصح، وهذا مذهب الأشعري وأئمة أصحابه واختيار محمد بن يوسف السنوسي (ت 895) صاحب "أم البراهين" وغيرها من كتب الكلام المعتمدة عند المتأخرين، وقد قال في كتابه المنهج السديد (ص:48):" وهو قول الجمهور وبعضهم يحكي الإجماع عليه".
ثم نسب ترجيحه للأشعري والباقلاني (ت:403) والإسفراييني (ت:418) والجويني (ت:478) وأكثر الأشعرية، وليس في الدنيا مذهب أشد تطرفا في التكفير للمسلمين من هذا المذهب لأنه تكفير يشمل مسلمي جميع العصور إلى يومنا هذا.
وهذه شهادة أبي إسماعيل الهروي (ت:483) فيهم إذ يقول كما في "بيان تلبيس الجهمية" (1/273) : "وأبطلوا التقليد فكفروا آباءهم وأمهاتهم وأزواجهم وعوام المسلمين، وأوجبوا النظر في الكلام واضطروا إليه الدين بزعمهم فكفروا السلف ". [كلام الهروي يبدأ من(1 / 269)].
وممن شهد بذلك القرطبي (ت:671) في تفسيره (7/332)حيث قال :"ذهب بعض المتأخرين والمتقدمين من المتكلمين إلى أن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه وهو كافر ؛ فيلزم على هذا تكفير أكثر المسلمين ، وأول من يبدأ بتكفيره آباؤه وأسلافه وجيرانه. وقد أورد على بعضهم هذا فقال : لا تشنع علي بكثرة أهل النار. أو كما قال.اهـ
2- ومسألة:( علو الله على خلقه واستواؤه على عرشه):
التي قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :في كتابه " الفتوى الحموية" كما في " مجموع الفتاوى: (5/14-15) (فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم - من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة مملوءٌ بما هو إما نصٌ وإما ظاهرٌ في أنّ الله -سبحانه وتعالى- هو العلي الأعلى، وهو فوق كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء، مثل قوله تعالى:(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (فاطر: 10) (إني متوفيك ورافعك إلي) (آل عمران:55) - ثم ذكر بعض الأدلة - ثم قال: إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بكلفة، وفي الأحاديث الصحاح والحسان مالا يحصى إلا بكلفة، مثل قصة معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه، ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه ... وذكر جملة من الأحاديث، ثم قال: إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلى الله، مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية، التي تورث علما يقينا من أبلغ العلوم الضرورية أن الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين أن الله سبحانه على العرش، وأنه فوق السماء، كما فطر على ذلك جميع الأمم، عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته، ثم عن السلف في ذلك من الأقوال مالم لو جمع لبلغ مئين أو ألوفا...) اهـ
حتى اعترف كبار الأشاعرة وغيرهم من المعطلة كثرتها.
قال السعد التفتازاني في" شرح المقاصد(2/ص50) -وهو يطرح سؤالا بعد تعطيله لصفة العلو بأصول وقواعد أسلافه الفلاسفة- : ( فإن قيل: إذا كان الدين الحق نفي الحيز والجهة [يعني نفي علو الله على عرشه وفوقيته] فما بال الكتب السماوية والأحاديث النبوية مشعرة في مواضع لا تحصى بثبوت ذلك من غير أن يقع في موضع واحد تصريح بنفي ذلك؟.).
و قال عنها القرطبي - رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن"( 7/219-220)- بعدما ذكر مذهب المعطلة نفاة العلو لله تعالى:- ( وقد كان السلف الأُول لا يقولون بنفي الجهة ، ولا ينطقون بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله ، كما نطق كتابه وأخبرت رسله ، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنّه استوى على عرشه حقيقة ... ، وإنما جهلوا كيفية الاستواء ).
وقال أيضا في كتابه "الأسنى شرح أسماء الله الحسنى"( 2/132 ) -بعد أن ذكر أقوال العلماء في استواء الله على عرشه- :( وأظهر هذه الأقوال ـ وإن كنت لا أقول به ولا أختاره - ما تظاهرت عليه الآي والأخبار أن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف، بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ما تقدم ) اهـ
ثم بعد هذه كله ترى منهم التكفير السحيق لمن أخذ تلك الأدلة وأثبت معانيها على ظاهرها كما أثبتها السلف الصالح بدون تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف.
قال أبو القاسم القشيري الأشعري الصوفي (465هـ) في رسالته "الرسالة القشيرية" ( ص:5) ما نصه :(سمعتُ الإمام أبا بكر ابن فورك رحمه الله تعالى يقول: سمعتُ أبا عثمان المغربي يقول: كنتُ أعتقدُ شيئًا من حديث الجهة، فلما قدِمتُ بغداد زال ذلك عن قلبي فكتبتُ إلى أصحابنا بمكة: إني أسلمتُ الآن إسلامًا جديدًا)اهـ.
وقال أبو المعين النسفي الحنفي الماتريدي(508هـ) في "تبصرة الأدلة" (1/169): "والله تعالى نفى المماثلة بين ذاته وبين غيره من الأشياء، فيكون القول بإثبات المكان له ردًّا لهذا النص المحكم ـ أي قوله تعالى :{ليس كمثله شيء} ـ الذيلا احتمال فيه لوَجْهٍ ما سوى ظاهره، ورادُّ النص كافر، عصمنا الله عن ذلك" اهـ.
وقال عبد الغني النابلسي الحنفي الماتريدي (1143هـ) في "الفتح الرباني والفيض الرحماني" (ص124) ما نصه :"وأما أقسام الكفر فهي بحسب الشرع ثلاثة أقسام ترجع جميع أنواع الكفر إليها، وهي: التشبيه، والتعطيل، والتكذيب... وأما التشبيه: فهو الاعتقاد بأن الله تعالى يشبه شيئًا من خلقه، كالذين يعتقدون أن الله تعالى جسمٌ فوق العرش، أو يعتقدون أن لهيدَين بمعنى الجارحتين، وأن له الصورة الفلانية أو على الكيفية الفلانية، أو أنه نور يتصوره العقل، أو أنه في السماء، أو في جهة من الجهات الست." اهـ
وقال الكوثري جهمي العصر (1371 هـ) وكلامه في ذلك كثير جدا : (إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة كما نقل عنهم العراقي على ما في"شرح المشكاة" لعلي القاري). اهـ
وهذا كذب له قرون عن الأئمة الأربعة فعقيدتهم معروفة بإثبات العلو مستفيضة في الكتب التي عنيت بنقل أقوال السلف ومذاهبهم ككتاب: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" لللالكائي وغيرها([16])
3- وكذلك في مسألة: "مآل المذهب: هل هو مذهب أو لا؟" :
والتي ذكرها الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1 / 420) حيث قال : (وقد اختلف الناس في التكفير وسببه حتى صنف فيه مفردا والذي يرجع إليه النظر في هذا: أن مآل المذهب: هل هو مذهب أو لا؟ فمن أكفر المبتدعة قال: إن مآل المذهب مذهب فيقول: المجسمة كفار لأنهم عبدوا جسما وهو غير الله تعالى فهم عابدون لغير الله ومن عبد غير الله كفر ويقول: المعتزلة كفار لأنهم - وإن اعترفوا بأحكام الصفات - فقد أنكروا الصفات ويلزم من إنكار الصفات إنكار أحكامها ومن أنكر أحكامها فهو كافر وكذل المعتزلة تنسب الكفر إلى غيرها بطريق المآل).
قلت:
فقوله :"فمن كفر المبتدعة" ؛ وكذلك قوله" فيقول: المجسمة كفار" , وكذلك قوله : "ويقول: المعتزلة كفار لأنهم - وإن اعترفوا بأحكام الصفات-" , يعني بالقائلين ذلك الأشاعرة كما يدل عليه سياق الكلام.
وليس هذا من عقيدة أهل السنة أهل الحديث والأثر بأن يكفروا المرء بمآل مذهبه ولوازمه:
قال شيخ الإسلام في "الرد على البكري" (2 / 494): (و لهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية و النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر و أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال وكان هذا خطابا لعلمائهم و قضاتهم و شيوخهم وأمرائهم و أصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح و المعقول الصريح الموافق له وكان هذا خطابنا .
فلهذا لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله كما لو شهد شخص بالزور على شخص أو قذفه بالفاحشة كذبا عليه لم يكن له أن يشهد عليه بالزور ولا أن يقذفه بالفاحشة).
ونقل الحافظ ابن ناصر الدين في كتابه " الرد الوافر " (ص/ 20) عن الإمام الذهبي – بعد وصفه بإمام التعديل والجرح، والمعتمد عليه في المدح والقدح - كلمة رأه بخطه- وهو يقول : (ونعوذ بالله من الهوى والمراء في الدين، وأن نكفر مسلما موحدا بلازم قوله، وهو يفر من ذلك اللازم، وينزه ويعظم الرب).
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كما في "مجموع الفتاوى " (20 / 217) : هَلْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ :
وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : هَلْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ أَمْ لَيْسَ بِمَذْهَبِ ؟ فَالصَّوَابُ : أَنَّ لَازِمَ مَذْهَبَ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِمَذْهَبِ لَهُ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ وَنَفَاهُ كَانَتْ إضَافَتُهُ إلَيْهِ كَذِبًا عَلَيْهِ بَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ وَتَنَاقُضِهِ فِي الْمَقَالِ غَيْرِ الْتِزَامِهِ اللَّوَازِمَ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْكُفْرِ وَالْمِحَالِ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ فَاَلَّذِينَ قَالُوا بِأَقْوَالِ يَلْزَمُهَا أَقْوَالٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُهَا لَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ وَلَوْ كَانَ لَازِمُ الْمَذْهَبِ مَذْهَبًا لَلَزِمَ تَكْفِيرُ كُلِّ مَنْ قَالَ عَنْ الِاسْتِوَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ أَنَّهُ مَجَازٌ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ ؛ فَإِنَّ لَازِمَ هَذَا الْقَوْلِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَاتِهِ حَقِيقَةً وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ إيمَانًا ؛ فَإِنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ يُثْبِتُهُ الْقَلْبُ إلَّا وَيُقَالُ فِيهِ نَظِيرُ مَا يُقَالُ فِي الْآخَرِ وَلَازِمُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَسْتَلْزِمُ قَوْلَ غُلَاةِ الْمَلَاحِدَةِ الْمُعَطِّلِينَ الَّذِينَ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ).
ومن هنا يتضح :
" أن فرقة الأشاعرة من أعظم فرق أهل الكلام - إن لم تكن أعظمها على الإطلاق- غلوا في التكفير وتعسفا في رمي المخالفين لهم به، وإن بدا لبعض الناس - نتيجة لإرجاء القوم - أنهم بعيدون عن هذا الوصم ، وهذه شهادة أسوقها - للتدليل على كلامي- من أحد أعظم أساطين هذا المذهب في هذا العصر وهو محمد سعيد رمضان البوطي، يشهد - عن بُعد - على غلو أصحابه في تكفير أئمة المسلمين وعلمائهم قائلا:
(( ونحن نعجب عندما نجد غلاة يكفرون ابن تيمية رحمه الله ويقولون إنه كان مجسداً، ولقد بحثت طويلاً كي أجد الفكرة أو الكلمة التي كتبها أو قالها ابن تيمية والتي تدل على تجسيده فيما نقله السبكي أو غيره فلم أجد كلاماً في هذا قط، كل ما وجدته أنه في فتواه يقول: ((إن لله يد كما قال ؛ واستوى على العرش كما قال ؛ وله عين كما قال))
- ثم أضاف البوطي قائلا- : ((ورجعت إلى آخر ما كتبه أبو الحسن الأشعري وهو كتاب "الإبانة" فرأيته يقول كما يقول ابن تيمية .
واقرؤوا كتاب الإمام أبي الحسن الأشعري "الإبانة" الذي يقول فيه نؤمن أن الله يداً كما قال وأنه استوى على العرش كما قال.
إذن فلماذا نحاول أن نعظم وهماً لا وجود له؟ .
ولماذا نحاول أن ننفخ في نار شقاق؟.
والله سبحانه وتعالى سيحاسبنا على ذلك(. انتهى كلامه ، [ندوة اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر 264-265 مجموعة محاضرات ألقيت في البحرين عام 1985م ] أهـ . ([17])
=الفصل الخامس=
بعض الفوائد التربوية الواقعية والعلمية من موقف شيخ الإسلام خصوصا وأهل السنة عموما من هذه المقالة وأمثالها
ومن الفوائد التربوية والعلمية التي نستخلص من موقف شيخ الإسلام خصوصا وأهل السنة عموما من هذه المقالة وأمثالها :
1-دقة تأصيلات أهل السنة والجماعة , أهل الأثر والحديث في هذا الباب الذي تخبط فيها الفرق وكذلك في سائر الأبواب لأن منبعهم ومحطة انطلاقهم ورجوعهم هو الكتاب والسنة على فهم السلف الأمة بخلاف غيرهم من الفرق الذين كثر اضطرابهم واختلافهم وعظمت شطحاتهم في هذه الأبواب وغيرها , وهذا عاقبة من أعرض الطريقة السلفية.
قال شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل " (3 / 80): (والمقصود هنا أن هؤلاء مع إلحادهم وإعراضهم عن الرسول وتلقي الهدى من طريقه وعزله في المعنى هم متناقضون في "قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ"؛ فكل من أعرض عن الطريقة السلفية الشرعية الإلهية فإنه لا بد أن يضل ويتناقض ويبقى في الجهل المركب أو البسيط).
2-شدة ورعهم في أبواب التكفير لأنهم لا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله صلى عليه وسلم, وإن كان خصومهم من الفرق الأخرى يكفرونهم , فهم بعيدون عن مذهب الخوارج وغلاة التكفير-كالأشاعرة كما بينا آنفا- في هذا الجانب.
ومن العجيب أن خصومهم يرمونهم بالتنطع والتسرع في التكفير وهم أليق بذلك منهم.
3- وليس من طريقة أهل السنة وأهل الحديث والأثر أن يبتدعون أصولا ومناهجا مخالفة للكتاب والسنة ثم يكفرون عليها الناس كما يفعله أهل البدع كالخوارج والروافض والجهمية والقدرية الحلولية و المعطلة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الرد على البكري" (2 / 487) : (طريقة أهل البدع الذين يجمعون بين الجهل و الظلم فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب و السنة و إجماع الصحابة و يكفرون من خالفهم في بدعتهم
كالخوارج المارقين الذين ابتدعوا ترك العمل بالسنة المخالفة في زعمهم للقرآن و ابتدعوا التكفير بالذنوب و كفروا من خالفهم حتى كفروا عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب ومن والاهما من المهاجرين و الأنصار و سائر المؤمنين نقل الأشعري في كتاب المقالات أن الخوارج مجمعة على تكفير علي رضي الله عنه.
و كذلك الرافضة ابتدعوا تفضيل علي على الثلاثة و تقديمه في الإمامة و النص عليه و دعوى العصمة له و كفروا من خالفهم وهم جمهور الصحابة و جمهور المؤمنين حتى كفروا أبا بكر و عمر و عثمان ومن تولاهم هذا هو الذي عليه أئمتهم.
و كذلك الجهمية ابتدعت نفي الصفات المتضمن في الحقيقة لنفي الخالق و لنفي صفاته و أفعاله و أسمائه و أظهرت القول بأنه لا يرى و أن كلامه مخلوق خلقه في غيره لم يتكلم هو بنفسه وغير ذلك ثم إنهم امتحنوا الناس فدعوهم إلى هذا و جعلوا يكفرون من لم يوافقهم على ذلك.
و كذلك القدرية ابتدعت التكذيب بالقدر و أنكرت مشيئة الله النافذة و قدرته التامة و خلقه لكل شيء و كفروا أو منهم من كفر من خالفه .
و كذلك الحلولية و المعطلة للذات و الصفات يكفر كثير منهم من خالفهم .
فالذين يقولون إنه بذاته في كل مكان منهم من يكفر من خالفه و الذين يقولون إنه لا مباين للمخلوقات ولا عال عليها
فمنهم من يكفر من خالفه .
و الذين يقولون ليس كلامه إلا معنى واحدا قائما بذاته و معنى التوراة و الإنجيل و القرآن واحد و القرآن العزيز ليس هو كلامه بل كلام جبريل أو غيره فمنهم من يكفر من خالفه
و الذين يقولون بقدم بعض أحوال العبد كالذين يقولون بقدم صوته بالقرآن أو قدم بعض أفعاله أو صفاته و قدم أشكال المداد فمنهم من يكفر من خالفه.
و الذين يقولون بقدم روح العبد أو بقدم كلامه مطلقا أو قدم أفعاله الصالحة أو أفعاله مطلقا فمنهم من يكفر من خالفه .
و الذين يقولون إن الله يرى بلا عين في الدنيا منهم من يكفر من خالفه .
و الذين يهينون المصحف و ربما كتبوه بالنجاسة فمنهم من يكفر من خالفه.
و نظائر هذا متعددة ). انتهى
وأما أهل السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فليست هذه طريقتهم.
قال شيخ الإسلام فر "الرد على البكري" (2 / 490) :
( وأئمة السنة والجماعة و أهل العلم والإيمان فيهم العلم و العدل و الرحمة فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة و يعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى و يرحمون الخلق فيريدون لهم الخير و الهدى و العلم لا يقصدون الشر لهم ابتداء بل إذا عاقبوهم و بينوا خطأهم و جهلهم و ظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق و رحمة الخلق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا -إلى أن قال- فلهذا كان أهل العلم و السنة لا يكفرون من خالفهم و إن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه و تزني بأهله لأن الكذب و الزنا حرام لحق الله تعالى و كذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله و رسوله .
وأيضا فإن تكفير الشخص المعين و جواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها و إلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر ).
4-وأهل السنة والجماعة في نفس الوقت لا يتزعزعون ولا يترددون من كفرته الشريعة وكان كفره صريحا واضحا وعندهم من الله فيه برهان , فهم بعيدون أيضا عن مذهب المرجئة والجهمية في هذا الجانب , فهم وسط بين الفرق كما أن الإسلام وسط بين الملل.
5- شدة ورع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الأبواب حيث نطق بتلك العبارات المسددة حين كفره ابن السبكي الأشعري وهو من غلاة أهل البدع الذين يبتدعون القول ويكفرون من خالفهم فيه كما ذكره شيخ الإسلام([18]) وشهده البوطي الأشعري كما نقلنا عنه سابقا حين تعجب قائلا: ( ونحن نعجب عندما نجد غلاة يكفرون ابن تيمية رحمه الله ويقولون إنه كان مجسداً، ولقد بحثت طويلاً كي أجد الفكرة أو الكلمة التي كتبها أو قالها ابن تيمية والتي تدل على تجسيده فيما نقله السبكي أو غيره).
قلت :
قال شيخ الإسلام تجاه هذا الرجل الذي كفره: ( التكفير حق لله: فلا نكفر إلا من كفّره الله ورسوله فليس للإنسان أن يعاقب بمثله- إلى أن قال- فلهذا لم نقابل جهله و افتراءه بالتكفير بمثله كما لو شهد شخص بالزور على شخص أو قذفه بالفاحشة كذبا عليه لم يكن له أن يشهد عليه بالزور ولا أن يقذفه بالفاحشة).([19])
وهذا يدل شدة حرصه على اتباع الأدلة, وعظيم إنصافه لمخالفيه من الفرق الأخرى , وهذا رد أيضا على كثير من أهل الأهواء قديما وحديثا الذين يرمونه بالغلو في التكفير.
حتى قال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (3 / 229) : (هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي : أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً وَفَاسِقًا أُخْرَى وَعَاصِيًا أُخْرَى وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا : وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ .).اهـ
قلت:
رحمك الله رحمة الأبرار وجزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ؛ بل كل من قرأ كتبك بعين فيها إنصاف لا بقلب فيه إجحاف يرى حقيقة ذلك.
فكم كفره أو كاد له ومكر به خصومه بغير حق جهلا وحقدا حتى أنه لما قدر عليهم عفا عنهم.
قال الحافظ ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" (ص / 298):(حلم الشيخ وعفوه عمن ظلمه: وسمعت الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله يذكر أن السلطان لما جلسا بالشباك أخرج من جيبه فتاوى لبعض الحاضرين في قتله واستفتاه في قتل بعضهم.
قال ففهمت مقصوده وأن عنده حنقا شديدا عليهم لما خلعوه وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير
فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد مثلهم في دولتك أما أنا فهم في حل من حقي ومن جهتي وسكنت ما عنده عليهم .
قال فكان القاضي زيد الدين ابن مخلوف قاضي المالكية يقول بعد ذلك ما رأينا أتقى من ابن تيمية لم نبق ممكنا في السعي فيه ولما قدر علينا عفا عنا ).
5- ومما لمح لنا أيضا من هذه العجالة أن بعض المقالات الجديدة في الساحة التي منها:
"لا نبدع الشخص حتى يبدعنا أو إلا أن يبدعنا" وكذلك "لا نترك الشخص حتى يتركنا أو إلا أن يتركنا " لها نفس التأصيل الكاسد والتنظير الفاسد لتلك المقالة السابقة , فالتكفير , والتبديع , وترك الشخص ووصله -لا سيما في أمور التي تتعلق بالدين - ليس موكولا إلينا بل ندور مع الكتاب والسنة وقواعد الشريعة وأدلتها حيث دارت.
فانظر إلى هذا الموقف العظيم الذي ينقله لنا الإمام الذهبي رحمه الله في "سير أعلام النبلاء" (6/344-345) -بين الإمام الأوزاعي وبين الثور الذي كان يرى القدر كما قاله أحمد- : (قَالَ أَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ ثَوْراً لَقِيَ الأَوْزَاعِيَّ، فَمدَّ يَدَه إِلَيْهِ، فَأَبَى الأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَمدَّ يَدَه إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَا ثَوْرُ! لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا، لَكَانَتِ المُقَارَبَةُ، وَلَكِنَّهُ الدِّيْنُ.).اهـ
***
هذا ما تيسر لي في هذا المقام فما كان صوابا فمن الله وما كان خطئا فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
كتبه:
أبو إسحاق عبدالناصر بن محمود العلوي الإسحاقي
ليلة الجمعة ( 30/ محرم / 1437هـ).
في مدينة هرجيسا - أرض الصومال المحروسة
هذا ما تيسر لي في هذا المقام فما كان صوابا فمن الله وما كان خطئا فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
كتبه:
أبو إسحاق عبدالناصر بن محمود العلوي الإسحاقي
ليلة الجمعة ( 30/ محرم / 1437هـ).
في مدينة هرجيسا - أرض الصومال المحروسة
[1] ) [مجموع الفتاوى" لابن تيمية (12/468)].
[2]), وانظر أيضا "شرح العقيدة الواسطية " (ص / 462) للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله.
[3] ) "شرح العقيدة الأصفهانية " (ص / 175).
[4] ) انظر["مجموع الفتاوى" (7 / 403- 404) وقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7 / 511): (وَجِمَاعُ شُبْهَتِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُرَكَّبَةَ تَزُولُ بِزَوَالِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا كَالْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ إذَا زَالَ بَعْضُهَا لَمْ تَبْقَ عَشَرَةً ؛ وَكَذَلِكَ الْأَجْسَامُ الْمُرَكَّبَةُ كالسكنجبين إذَا زَالَ أَحَدُ جُزْأَيْهِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ سكنجبينا . قَالُوا فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ مُرَكَّبًا مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ لَزِمَ زَوَالُهُ بِزَوَالِ بَعْضِهَا ).
[5] ) انظر["مجموع الفتاوى" (7 / 403- 404)
[6] ) انظر "شرح العقيدة الأصفهانية " (ص / 175)لشيخ الإسلام رحمه الله و"التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية " (ص / 100) للشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
[7] ) قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الجواب الصحيح "(1 / 74- 75) - وهو يذكر وسطية أهل السنة في أبواب الاعتقاد- : (وفي باب الوعد والوعيد بين الوعيدية الذين يقولون بتخليد عصاة المسلمين في النار وبين المرجئة الذين يجحدون بعض الوعيد وما فضل الله به الأبرار على الفجار).
[8] ) "مجموع الفتاوى" (19 / 307)
[9] ) "شرح العقيدة الأصفهانية " (ص / 82)
[10] ) انظر "لوامع الأنوار البهية " (1 / 371)و"دلالة الأسماء الحسنى على التنزيه" (ص / 95) مع تصرف مني.
[11] ) قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (33 / 343): (الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ الأَوْحَدُ، الأُسْتَاذُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِهْرَانَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المُلَقَّبُ رُكْن الدِّيْن , أَحَدُ المُجْتَهِدِيْن فِي عَصْرِهِ وَصَاحِبُ المُصَنَّفَات البَاهرَة.
ارْتَحَلَ فِي الحَدِيْثِ وَسَمِعَ مِنْ:دَعْلَجٍ السِّجْزِيّ، وَعَبْدِ الخَالِقِ بنِ أَبِي رُوْبَا، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَزْدَاد بنِ مَسْعُوْد، وَأَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيّ، وَعِدَّةٍ , وَأَمْلَى مَجَالِسَ وَقَعَ لِي مِنْهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَتَخَرَّجَ بِهِ فِي المُنَاظرَة، وَأَبُو السَّنَابِل هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي الصَّهْبَاء، وَطَائِفَةٌ.
وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ(جَامع الخلِي فِي أُصُوْل الدِّيْنِ وَالرَّدّ عَلَى المُلْحِدِيْن)فِي خَمْس مُجَلَّدَات.(17/354)
وبُنِيَتْ لَهُ بِنَيْسَابُوْرَ مَدْرَسَةٌ مَشْهُوْرَةٌ.
تُوُفِّيَ: بِنَيْسَابُوْرَ يَوْمَ عَاشُورَاء مِنْ سَنَة ثمَانِي عَشْرَة وَأَرْبَع مائَة.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي(الطَّبَقَات):درَس عَلَيْهِ شَيْخُنَا أَبُو الطَّيِّبِ، وَعَنْهُ أَخَذَ الكَلاَمَ وَالأُصُوْلَ عَامَّةُ شُيُوْخِ نَيْسَابُوْر.
وَقَالَ غَيْرُهُ: نُقِلَ تَابُوتُهُ إِلَى إِسْفَرَايين، وَدُفِنَ هُنَاكَ بِمَشْهَده.
[12] ) وأصاحب الرازي هم الأشاعرة وهذا يدل على غلوهم حيث ذكر أنهم يكفرون مخالفيهم مثل المشبهة-ويعنون به أهل السنة- ولكن استثنى من الإسفراييني بأنه خصص التكفير على من كفره فقط وهذا أخف.
[13] ) انظر" المفصل في شرح حديث من بدل دينه فاقتلوه" (2 / 495) وقد عزاه صاحبه هذا الكلام إلى الشاطبي ولم أقف عليه.
[14] ) من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام.
[15] ) [نقلا مع تصرف من المقال:" ظاهرة الغلو في التكفير عند الأشاعرة"].
[16] ) [هذه النبذة مأخوذة مع تصرف من مقال "غلو الأشاعرة في التكفير"].
[17] ) نقلا من مقال ["غلو الأشاعرة في التكفير"].
[18] ) انظر"الرد على البكري"(2 / 486)
[19] ) "الرد على البكري " (2 /492- 494). باختصار.
وتحميل نسخة الرسالة المعتمدة-إن شاء الله - على صيغة (pdf) تجدها من المرفقات
تعليق