تابع النصيحة
من سمات السلفيين العاملين بمنهج السلف
الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار فصرف قلوبهم في طاعته آناء الليل والنهار وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأبرار الأخيار.
أما بعد:
أ-أنهم لا يخوضون في الدين بأرآئهم ولا بعقولهم: عن علي رضي الله عنه قال: (( لو كان الدين
بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى عليه وسلم يمسحُ
على ظاهر خفيه)). وقال البوشنجي رحمه الله ((الواجب على جميع أهل العلم والإسلام: أن
يلزموا القصد بالإتباع وأن يجعلوا الأصول التي نزل بها القرآن وأتت بها السنن من الرسول صلى
الله عليه وسلم غايات للعقول ولا تجعلوا العقول غايات للإصول)). وقال السمعاني رحمه الله: ((وأما
أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم وطلبوا الدين من قبلهما وما وقع من معقولهم وخواطرهم
عرضوه على الكتاب والسنة فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه وشكروا الله تعالى حيث أراهم ذلك
ووفقهم إليه وإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ورجعوا بالتهمة
على أنفسهم فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق ورأي الإنسان قد يرى الحق وقد يرى
الباطل)). وقال أيضاً رحمه الله : (( وأما أهل السنة- سلمهم الله- فإنهم يتمسكون بما نطق به
الكتاب والسنة ويحتجون له بالحجج الواضحة والدلائل الصحيحة على حسب ما أذن فيه الشرع ولا
يدخلون بأرآئهم في صفات الله تعالى ولا في غيرها من أمور الدين وعلى هذا وجدوا سلفهم
وأئمتهم)). وقد قال تعالى: (( يا أيها النبي إنّا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه
وسراجاً منيرا)). وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع وبحضرته عامة أصحابه رضي الله
عنهم : ((ألا هل بلغتُ!!)). وقال الأصبهاني رحمه الله: ( وذلك أنه تبين للناس أمر دينهم فعلينا
الإتباع لأن الدين إنما جاء من قبل الله تعالى ، لم يوضع على عقول الرجال وأرآئهم قد بين الرسول
صلى الله عليه وسلم السنة لأمته وأوضحها لأصحابه فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم في شيء من الدين فقد ضل) وقال: ( ولا نعارض سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالمعقول
لإن الدين إنما هو العقل لإن العقل ما يؤدي إلى قبول السنة فأما ما يؤدي إلى إبطالها فهو جهلٌ لا
عقل).
ب-أنهم يعظمون أهل العلم ويوقرونهم ويحفظون حقهم ولا يضيعونه، عن ابي الدراء رضي
الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقاً يبغي فيه علماً سلك
اللهُ به طريقاً إلى الجنة..... وفيه أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما
ورثوا العلم فمن اخذ به أخذ بحظٍ وافرٍ)). قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله : ((في هذا الحديث بيانٌ
واضح أن العلماء الذي لهم الفضل الذي ذكرنهم الذين يعلمون علم الرسول صلى الله عليه وسلم
دون غيره من سائر العلوم ألا تراه يقول: (( العلماء ورثة الأنبياء)) والأنبياء لم يورثوا إلا العلم وعلم
نبينا صلى الله عليه وسلم السنة فمن تعرى عن معرفته لم يكن من ورثة الأنبياء)). وقال تبارك
وتعالى (( وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم
لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إلا قليلا)). ففي الآية
الرجوع إليهم عند نزول النوازل وطلب حكمها وترك الإفتئات عليهم والتقدم عليهم فيها. قال السعدي
رحمه الله: (( ثم قال تعالى: (( ولولا فضل الله عليكم ورحمته)) أي: في توفيقكم وتأييدكم وتعليمكم
ما لم تكونوا تعلمون. (( لتبعتم الشيطان إلا قليلا)) لأن الإنسان بطبعه ظالمٌ جاهل فلا تأمره نفسه
إلا بالشر فإذا لجئ إلى ربه وعتصم به وأجتهد في ذلك لطف به ووفقه لكل خير وعصمه من
الشيطان الرجم)). وترك الرجوع إلى العلماء فيه ضياع لحق العلماء ولا طريق للناس إلى الرجوع
الدين إلا بالعلماء فإذا أضاعوا حق العلماء وزهدوا فيهم وأتخذوا رؤساً جهالاً كيف يرجعون إلى
الدين!!ومن أضرار ضياع حقوق العلماء: الوقوع في خلاف ما أمر صلى الله عليه وسلم من إكرام
العلماء وحفظ حقوقهم وعدم إذائهم والله عز وجل يقول: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم)). ومن أضرار ضيع حق العلماء: موافقة أهل البدع والأهواء
ومشابهتهم وذلك أن من سَنَن أهل البدع والأهواء إنتقاص العلماء وأنظر ماشأت من الفرق
والجماعات والمخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم
تجد هذا فيهم، فالشيعة-أي الرافضة- أمرهم مشهور فهم يكفرون الصحابة. والخوارج إنتقاصهم
للصحابة، بل قاتلوا الصحابة. والمعتزلة: ينبزون أهل السنة بالحشوية وأنهم لا علم عندهم. وهكذا لا
تجد فرقة ولا جماعة ولا طائفة تخالف الصراط المستقيم وتخرج عن سبيل المؤمنين إلا وهي تتكلم
في العلماء وتطعن فيهم وتضع من شأنهم وتضيع حقهم وتتخذ رؤساً جهالاً! قال الشاطبي رحمه
الله: أن زعيم من زعماء أهل البدعة-يعني ما يسمى بعلم الكلام- كان يقول: إن علم الشافعي
وأبي حنيفة جملتهُ لا يخرجُ عن سراوي إمرأة- يعني: أحكم الحيض والنفاس- وقد قال مبتدعة هذا
العصر مثل هذا القول، تشابهت قلوبهم فنطقت بذلك ألسنتهم نسأل الله العافية. فالتغير حاصل في
أمة ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم في ما جاء الخبر عن تجديد الدين: عن أبي هريرة رضي الله
عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة
من يجدد لها دينها)) والمراد من التجديد- كما بينه في عون المعبود-: أحياء ما اندرس من العمل
بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وإماتة ماظهر من البدع والمحدثات. ومنهج الإصلاح عند أتباع
السلف الصالح: أهل السنة والجماعة هي: دعوة الأنبياء إلى عبادة الله وتوحيده، قال سبحانه
وتعالى: (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن عبدوا الله وجتنبوا الطاغوت...)) فهذا نوح عليه السلام ،
يقول تعالى: ((لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال ياقوم عبدوا الله ما لكم من إله غيره..)) وكذلك صالح
عليه السلام وكذلك شعيب عليه السلام وكذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكذلل آخرهم
وأفضلهم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث
معاذ إلى اليمن يدعوا أهلها إلى توحيد الله تبارك وتعالى وهذا هو ما خلق الله تعالى الجن والإنس
له قال تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) فالذين يدعون إلى الإصلاح ويجعلون دعوتهم
الإصلاحية في القضايا السياسية أو القضايا الإقتصادية أو توزيع الثروة أو نحو ذلك فهؤلاء عملوا عملاً
ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ولا التابعين
لهم بإحسان فمن أراد الإصلاح ولم يجعل هذا هو موضوعه ومقصده فقد خالف منهج الأنبياء وترك ما
عليه الإصلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة. ونظر في من يزعم الإصلاح ويتسمى بسمه هذه
الأيام تجده مخالفاً لمنهج السلف الصالح أشد المخالفة فمنازعة الأمر أهله ديدنه، وتوزيع الثروة
شاغلة، والدعوة إلى حزبه عمله يوالي على ذلك ويعادي ويبذل في سبيل ذلك ما يُتاح له فعله
ويترك تعلم دينه وكيف يعبد ربه ويدعو إله على بصيرة. والسلفيون: أهل السنة والجماعة يصدقون
بوعد الله تبارك وتعالى لهم إذا حققوا عبادته وتوحيده سبحانه: بأنه سيستخلفهم في الأرض كما
استخلف الذين من قبلهم، وبأنه يمكن لهم دينهم الذي إرتضاه لهم، وبأنه سيبدلنَّ خوفهم أمنا- قال
سبحانه وتعالى: ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرضي كما
استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي إرتضى لهم وليبدلنَّ من بعد خوفهم أمناً
يعبدونني لا يشركون بي شئاً، ومن كفر بعد ذلك فأُلئك هم الفاسقون)). فالبدء بالنفس ثم الأقرب
فالأقرب. يقول تعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغروا ما بإنفسهم...)) وقال: ((وأنذر عشيرتك
الأقربين)) وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تصدقوا))
فقال رجل: يارسول الله، عندي دينارٌ. قال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر. قال: ((تصدق به
على زوجتك)). قال: عندي آخر. قال: (( تصدق به على ولدك))...) فالبدء بالنفس هو الأساس.
فبدء بنفسك فنهه عن غيها***** فإن إنتهيت عنه فأنت حكيم.
إن على داعية الإصلاح أن يحرص تمام الحرص
في ما يقوله أو يفعله وأن يكون فيه على ثبتٍ فيبني ما يصدر منه على يقين من الدليل فلا يسلك
مسلكاً يزعم أنه طريق للإصلاح إلا هو يعلم أنه مما شرعه الله تعالى فلا يخلاف فيه سنة ولا يقف
على المنابر يتكلم عن السنة ولم تظهر عليه السنة في هيئته ولا في سلوكه ومعاملته وعبادته ولا
يستعمل فيما يسعى إليه من الإصلاح طريق المظاهرات والإنتخابات لأنه ليس من سنة الرسول
صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهكذا لا
يقول ولا يعمل إلا بعلم فالعلم قبل القول والعمل. فالعلم قبل الأمر والرفق مع الأمر والحلم بعد الأمر
فإن لم يكن عالماً لم يكن له أن يقفُ ماليس له به علم. وقال رحمه الله أيضاً: وإن كان عالماً ولم
يكن رفيقاً كان كالطبيب الذي لا رفق فيه فيغلظ على المريض فلا يقبل منه. وكالمؤدب الغليظ الذي
لا يقبل منه الولد. قال الله تعالى لموسى وهارون: (( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشى)). ثم
إذا امر ونهى فلا بد أن يؤذى فعليه ان يصبر ويحلم كما قال تعالى: (( وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر
وصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)) ومنه إظهار الفساق والحزبيين والمجروحين ونحوهم
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين في غير موضع وهو أمام
الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر)) وقال عليه الصلاة والسلام: ماكان الرفق في شيء إلا زانه
ولا نزع من شيء إلى شانه. وقال رحمه : والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا
قيل ليكون أمروك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر. عن ابي العالية رحمه الله قال:
تعلموا الإسلام: فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه. وقال الشافعي رحمه : من تعلم القرآن عظمت
قيمته. ومن تكلم في الفقة نمى قدره. ومن كتب الحديث قويت حجته. ومن لم يصن نفسه لم
ينفعه علمه)) والحمد الذي بنعمته تتم الصالحات وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لا إله إلا أنت،
استغفرك واتوب إليك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه:
أبو دجانة-رحمه الله
18 ربيع الثاني 1430هـ
من سمات السلفيين العاملين بمنهج السلف
الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار فصرف قلوبهم في طاعته آناء الليل والنهار وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأبرار الأخيار.
أما بعد:
أ-أنهم لا يخوضون في الدين بأرآئهم ولا بعقولهم: عن علي رضي الله عنه قال: (( لو كان الدين
بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى عليه وسلم يمسحُ
على ظاهر خفيه)). وقال البوشنجي رحمه الله ((الواجب على جميع أهل العلم والإسلام: أن
يلزموا القصد بالإتباع وأن يجعلوا الأصول التي نزل بها القرآن وأتت بها السنن من الرسول صلى
الله عليه وسلم غايات للعقول ولا تجعلوا العقول غايات للإصول)). وقال السمعاني رحمه الله: ((وأما
أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم وطلبوا الدين من قبلهما وما وقع من معقولهم وخواطرهم
عرضوه على الكتاب والسنة فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه وشكروا الله تعالى حيث أراهم ذلك
ووفقهم إليه وإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ورجعوا بالتهمة
على أنفسهم فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق ورأي الإنسان قد يرى الحق وقد يرى
الباطل)). وقال أيضاً رحمه الله : (( وأما أهل السنة- سلمهم الله- فإنهم يتمسكون بما نطق به
الكتاب والسنة ويحتجون له بالحجج الواضحة والدلائل الصحيحة على حسب ما أذن فيه الشرع ولا
يدخلون بأرآئهم في صفات الله تعالى ولا في غيرها من أمور الدين وعلى هذا وجدوا سلفهم
وأئمتهم)). وقد قال تعالى: (( يا أيها النبي إنّا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه
وسراجاً منيرا)). وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع وبحضرته عامة أصحابه رضي الله
عنهم : ((ألا هل بلغتُ!!)). وقال الأصبهاني رحمه الله: ( وذلك أنه تبين للناس أمر دينهم فعلينا
الإتباع لأن الدين إنما جاء من قبل الله تعالى ، لم يوضع على عقول الرجال وأرآئهم قد بين الرسول
صلى الله عليه وسلم السنة لأمته وأوضحها لأصحابه فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم في شيء من الدين فقد ضل) وقال: ( ولا نعارض سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالمعقول
لإن الدين إنما هو العقل لإن العقل ما يؤدي إلى قبول السنة فأما ما يؤدي إلى إبطالها فهو جهلٌ لا
عقل).
ب-أنهم يعظمون أهل العلم ويوقرونهم ويحفظون حقهم ولا يضيعونه، عن ابي الدراء رضي
الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقاً يبغي فيه علماً سلك
اللهُ به طريقاً إلى الجنة..... وفيه أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما
ورثوا العلم فمن اخذ به أخذ بحظٍ وافرٍ)). قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله : ((في هذا الحديث بيانٌ
واضح أن العلماء الذي لهم الفضل الذي ذكرنهم الذين يعلمون علم الرسول صلى الله عليه وسلم
دون غيره من سائر العلوم ألا تراه يقول: (( العلماء ورثة الأنبياء)) والأنبياء لم يورثوا إلا العلم وعلم
نبينا صلى الله عليه وسلم السنة فمن تعرى عن معرفته لم يكن من ورثة الأنبياء)). وقال تبارك
وتعالى (( وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم
لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إلا قليلا)). ففي الآية
الرجوع إليهم عند نزول النوازل وطلب حكمها وترك الإفتئات عليهم والتقدم عليهم فيها. قال السعدي
رحمه الله: (( ثم قال تعالى: (( ولولا فضل الله عليكم ورحمته)) أي: في توفيقكم وتأييدكم وتعليمكم
ما لم تكونوا تعلمون. (( لتبعتم الشيطان إلا قليلا)) لأن الإنسان بطبعه ظالمٌ جاهل فلا تأمره نفسه
إلا بالشر فإذا لجئ إلى ربه وعتصم به وأجتهد في ذلك لطف به ووفقه لكل خير وعصمه من
الشيطان الرجم)). وترك الرجوع إلى العلماء فيه ضياع لحق العلماء ولا طريق للناس إلى الرجوع
الدين إلا بالعلماء فإذا أضاعوا حق العلماء وزهدوا فيهم وأتخذوا رؤساً جهالاً كيف يرجعون إلى
الدين!!ومن أضرار ضياع حقوق العلماء: الوقوع في خلاف ما أمر صلى الله عليه وسلم من إكرام
العلماء وحفظ حقوقهم وعدم إذائهم والله عز وجل يقول: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم)). ومن أضرار ضيع حق العلماء: موافقة أهل البدع والأهواء
ومشابهتهم وذلك أن من سَنَن أهل البدع والأهواء إنتقاص العلماء وأنظر ماشأت من الفرق
والجماعات والمخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم
تجد هذا فيهم، فالشيعة-أي الرافضة- أمرهم مشهور فهم يكفرون الصحابة. والخوارج إنتقاصهم
للصحابة، بل قاتلوا الصحابة. والمعتزلة: ينبزون أهل السنة بالحشوية وأنهم لا علم عندهم. وهكذا لا
تجد فرقة ولا جماعة ولا طائفة تخالف الصراط المستقيم وتخرج عن سبيل المؤمنين إلا وهي تتكلم
في العلماء وتطعن فيهم وتضع من شأنهم وتضيع حقهم وتتخذ رؤساً جهالاً! قال الشاطبي رحمه
الله: أن زعيم من زعماء أهل البدعة-يعني ما يسمى بعلم الكلام- كان يقول: إن علم الشافعي
وأبي حنيفة جملتهُ لا يخرجُ عن سراوي إمرأة- يعني: أحكم الحيض والنفاس- وقد قال مبتدعة هذا
العصر مثل هذا القول، تشابهت قلوبهم فنطقت بذلك ألسنتهم نسأل الله العافية. فالتغير حاصل في
أمة ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم في ما جاء الخبر عن تجديد الدين: عن أبي هريرة رضي الله
عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة
من يجدد لها دينها)) والمراد من التجديد- كما بينه في عون المعبود-: أحياء ما اندرس من العمل
بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وإماتة ماظهر من البدع والمحدثات. ومنهج الإصلاح عند أتباع
السلف الصالح: أهل السنة والجماعة هي: دعوة الأنبياء إلى عبادة الله وتوحيده، قال سبحانه
وتعالى: (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن عبدوا الله وجتنبوا الطاغوت...)) فهذا نوح عليه السلام ،
يقول تعالى: ((لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال ياقوم عبدوا الله ما لكم من إله غيره..)) وكذلك صالح
عليه السلام وكذلك شعيب عليه السلام وكذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكذلل آخرهم
وأفضلهم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث
معاذ إلى اليمن يدعوا أهلها إلى توحيد الله تبارك وتعالى وهذا هو ما خلق الله تعالى الجن والإنس
له قال تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) فالذين يدعون إلى الإصلاح ويجعلون دعوتهم
الإصلاحية في القضايا السياسية أو القضايا الإقتصادية أو توزيع الثروة أو نحو ذلك فهؤلاء عملوا عملاً
ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ولا التابعين
لهم بإحسان فمن أراد الإصلاح ولم يجعل هذا هو موضوعه ومقصده فقد خالف منهج الأنبياء وترك ما
عليه الإصلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة. ونظر في من يزعم الإصلاح ويتسمى بسمه هذه
الأيام تجده مخالفاً لمنهج السلف الصالح أشد المخالفة فمنازعة الأمر أهله ديدنه، وتوزيع الثروة
شاغلة، والدعوة إلى حزبه عمله يوالي على ذلك ويعادي ويبذل في سبيل ذلك ما يُتاح له فعله
ويترك تعلم دينه وكيف يعبد ربه ويدعو إله على بصيرة. والسلفيون: أهل السنة والجماعة يصدقون
بوعد الله تبارك وتعالى لهم إذا حققوا عبادته وتوحيده سبحانه: بأنه سيستخلفهم في الأرض كما
استخلف الذين من قبلهم، وبأنه يمكن لهم دينهم الذي إرتضاه لهم، وبأنه سيبدلنَّ خوفهم أمنا- قال
سبحانه وتعالى: ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرضي كما
استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي إرتضى لهم وليبدلنَّ من بعد خوفهم أمناً
يعبدونني لا يشركون بي شئاً، ومن كفر بعد ذلك فأُلئك هم الفاسقون)). فالبدء بالنفس ثم الأقرب
فالأقرب. يقول تعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغروا ما بإنفسهم...)) وقال: ((وأنذر عشيرتك
الأقربين)) وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تصدقوا))
فقال رجل: يارسول الله، عندي دينارٌ. قال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر. قال: ((تصدق به
على زوجتك)). قال: عندي آخر. قال: (( تصدق به على ولدك))...) فالبدء بالنفس هو الأساس.
فبدء بنفسك فنهه عن غيها***** فإن إنتهيت عنه فأنت حكيم.
إن على داعية الإصلاح أن يحرص تمام الحرص
في ما يقوله أو يفعله وأن يكون فيه على ثبتٍ فيبني ما يصدر منه على يقين من الدليل فلا يسلك
مسلكاً يزعم أنه طريق للإصلاح إلا هو يعلم أنه مما شرعه الله تعالى فلا يخلاف فيه سنة ولا يقف
على المنابر يتكلم عن السنة ولم تظهر عليه السنة في هيئته ولا في سلوكه ومعاملته وعبادته ولا
يستعمل فيما يسعى إليه من الإصلاح طريق المظاهرات والإنتخابات لأنه ليس من سنة الرسول
صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهكذا لا
يقول ولا يعمل إلا بعلم فالعلم قبل القول والعمل. فالعلم قبل الأمر والرفق مع الأمر والحلم بعد الأمر
فإن لم يكن عالماً لم يكن له أن يقفُ ماليس له به علم. وقال رحمه الله أيضاً: وإن كان عالماً ولم
يكن رفيقاً كان كالطبيب الذي لا رفق فيه فيغلظ على المريض فلا يقبل منه. وكالمؤدب الغليظ الذي
لا يقبل منه الولد. قال الله تعالى لموسى وهارون: (( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشى)). ثم
إذا امر ونهى فلا بد أن يؤذى فعليه ان يصبر ويحلم كما قال تعالى: (( وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر
وصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)) ومنه إظهار الفساق والحزبيين والمجروحين ونحوهم
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين في غير موضع وهو أمام
الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر)) وقال عليه الصلاة والسلام: ماكان الرفق في شيء إلا زانه
ولا نزع من شيء إلى شانه. وقال رحمه : والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا
قيل ليكون أمروك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر. عن ابي العالية رحمه الله قال:
تعلموا الإسلام: فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه. وقال الشافعي رحمه : من تعلم القرآن عظمت
قيمته. ومن تكلم في الفقة نمى قدره. ومن كتب الحديث قويت حجته. ومن لم يصن نفسه لم
ينفعه علمه)) والحمد الذي بنعمته تتم الصالحات وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لا إله إلا أنت،
استغفرك واتوب إليك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه:
أبو دجانة-رحمه الله
18 ربيع الثاني 1430هـ
تعليق