• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الـــدُّرَرُ الْـبَــهِـيَّةُ البُرجِيَّةُ في إنكــارِ بعضِ المسائلِ والمنـكراتِ الخلفـية أبو الطفيل مختار البرجي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الـــدُّرَرُ الْـبَــهِـيَّةُ البُرجِيَّةُ في إنكــارِ بعضِ المسائلِ والمنـكراتِ الخلفـية أبو الطفيل مختار البرجي

    الـــدُّرَرُ الْـبَــهِـيَّةُ البُرجِيَّةُ
    في
    إنكــارِ بعضِ المسائلِ والمنـكراتِ الخلفـية


    كتبه
    أبو الطفيل مختار بن موسى بن عمار البرجي الجزائري
    حفظه الله تعالى



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الْحمدُ للهِ نحْمَدُهُ ،و نستعينُهُ ،و نستغْفِرهُ ،و نَعُوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنا و سيِّئاتِ أَعْمَالِنَا ،مَن يَهْدِهِ اللهُ فَلَاْ مُضِلَّ لَهُ ،وَ مَن يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ،وَ أَشْهَدُ ألَّا إِلَهَ إلَّا الله وحَدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ،وَ أَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُوْلُهُ - صلى اللهُ عليه و سلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين -.
    {يا أيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَ أنتُم مُّسلِمونَ }
    {يا أيُّها النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم من نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ و خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً و نِسآءً واتَّقوا اللهَ الَّذِي تَسَآءلُونَ بِهِ والأَرحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
    {يا أيُّها الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }.
    أمَّا بَعْدُ:
    فعندَ نُزُولِنَا إلى مُحَافظةِ البُرجِ ؛رأينا أموراً منكرةً منَ التقليدِ ،و التعَصُبِ ،و الخَوضِ في المسَائِلِ العِلمية بجهلٍ ،و عدَمِ التورُعِ عن الكلامِ فيها ،و الكلامِ في الجَرْحِ بلا علمٍ ،و لا درايةٍ لأصُولهِ ،و قواعدِه ؛ممَّا يُدخلهُمْ في كثيرٍ من الأحيانِ في الغيبةِ المُحَرمة ،و كذلك التعديلُ لأناسٍ بلا علمٍ ،و رفعهم فوقَ منزلتهم ،والتقليد في ذلك أيضاً ،و عدم اعتبار الأدلة ،و غير ذلك مِن الأمُورِ ؛التي ينكِرُها كلُ سلفيٍ لم تتغيرْ فطرتُه ،و اللهُ المستعان.
    فأردتُ تبيين بَعْضِ الأمُورِ التي ذَكَرناها ،مع مُنَاقشةِ بعضِ المزاعِمِ ،التي يتبناها بعضُ المَخْذُولِين(
    [1]) ،الذين يُجَعْجِعُونَ بلا علمٍ ،ولا دِرَايةٍ للقواعدِ السْلَفيِّةِ ،سالِكَاً في ذلك كلهِ الاختصار ؛لضعفُ الهممِ ،و نقص العزائمِ ،و أسألُ اللهَ تعالى أنْ يُوفقني للحقِ ،و أنْ يثبتني عليه ،و أنْ يجْعَلَ عملي خالِصَاً لوجههِ .
    فأقولُ مستعيناً باللهِ :
    قد أمَرَ اللهُ عزوجل في مواضِع كثيرةٍ من كِتابهِ بالتحَاكُمِ إلى كتابهِ ،و سُنْةِ نبيهِ عليهِ الصلاة و السلام ،فقال اللهُ عزوجل:{و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}، و قال الله سبحانه:{فإنْ تنَازعْتُم فِي شيء فردوهُ إلى اللهِ و الرسولِ إنْ كنتم تؤمِنُون باللهِ و اليوم الآخر ذلك خيرٌ و أحسنُ تأويلا}،و قال تعالى:{ فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً } ،و جَعَلَ سُبْحَانَه ذلك من علامَاتِ الإيمانِ ،و جَعَلَ الإعْرَاضَ عن ذلك من علاماتِ النفاقِ ،و الخذلان؛لأنَّهم الذين يَصُدون عن أدلةِ الشَرْعِ صُدُوداً ؛لعدمِ تمكُنِ الإيمانِ من قلوبهم، قال تعالى.{ما كان لمؤمن و لامؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} ،و قال عزوجل:{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك يريدون أنْ يتحاكموا إلى الطاغوت و قد أمروا أنْ يكفروا به و يريد الشيطان أنْ يضلهم ضلالاً بعيداً ،و إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله و إلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً}الآية.
    فهذهِ أدلةٌ واضحةٌ جليةٌ ،و حججٌ قاطعة بينة غير خفية، في وجُوبِ تحكِيمِ الكتابِ و السُنْةِ في موارد النزاعِ ،و مَنْ تحاكَمَ إلى غيرهما ؛فقَدْ ضادَ اللهَ في حُكْمِهِ ،و التحاكمُ إلى غيرهما منافٍ للإيمان.
    قال ابنُ كثيرٍ-رحمه اللهُ تعالى- في تفسير قوله تعالى:{ فإنْ تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول}قال مجاهدٌ ،و غير واحدٍ من السلفِ :أي إلى كتابِ اللهِ ،و سنة رسوله (
    [2])،و هذا أمرٌ مِنَ اللهِ عزوجل بأنَّ كلَ شيءٍ تنازعَ النَّاسُ فيه من أصولِ الدينِ و فُروعهِ ؛أنْ يردَ التنازعُ في ذلك إلى الكِتَابِ و السُنْةِ، كما قال تعالى:{و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى:10] فما حكم به الكتابُ و السنةُ ،و شَهِدَ لهُ بالصحةِ ؛فهو الحقُ ،و ماذا بعدَ الحَقِ إلا الضلال ،و لهذا قال تعالى:{إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر} فدل على أنَّ من لم يتحاكمْ في محلِ النزاعِ إلى الكتابِ ،و السنة ،و لا يرجع إليهما في ذلك ؛فليس مؤمناً باللهِ ،و لا باليومِ الآخرِ ،و قوله{ذلك خيرٌ}أي التحاكم إلى كتاب الله ،و سنة رسوله ،و الرجوع في فصل النزاع إليهما {خيرٌ و أحسن تأويلاً}أي وأحسنُ عاقبة ،و مآلاً، كما قال السدي ،و غير واحدٍ ،و قال مجاهد:و أحسن جزاء ،و هو قريب"اهـ ([3])
    و قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى:{ فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً}:
    [..يُقْسِمُ تعالى بنفسهِ الكريمة المقدسة أنَّه لا يُؤمنُ أحدٌ ،حتى يحكمَ الرسولَ – صلى الله عليه و سلم- في جميعِ الأمورِ ،فما حَكَمَ به ؛فهو الحقُ الذي يجِبُ الانقياد له باطناً و ظاهراً ،و لهذا قال :{ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً}أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم ،فلا يجدون في أنفسهم حَرَجاً مما حكمت به ،و ينقادون في الظاهرِ ،و الباطنِ ،فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعةٍ ،و لا مدافعة ،و لا منازعة...]اهـــ
    فمنْ قدَّم على كلامِ اللهِ ،و رسُولِهِ ما يعَارِضُهُ من معقولٍ ،و غيره ،مع تركهِ ما يلزمه من الإيمانِ به ؛كان كمن آمن ببعضٍ ،و كفرَ ببعضٍ.
    قال ابن تيمية-رحمه الله-:( و لا ريبَ منْ قدَّمَ على كلامِ اللهِ ،و كلامِ رسولهِ ما يعارضه من معقولٍ ،و غيره ،و تركَ ما يلزمه من الإيمان به ،كمنْ آمن بما يناقضه ؛فقدْ آمن ببعضٍ ،و كفر ببعض ،و هذا حقيقةُ أهلِ البدعِ ،كما في كتاب "الرد على الزنادقة و الجهمية " لأحمدَ بن حنبل و غيره و صفهم بأنَّهم:"مختلفون في الكتاب ،مخالفون للكتاب ،متفقون على مخالفةِ الكتابِ ")اهــ(
    [4])
    فمتى ثبَتَ الإيمانُ في القَلْبِ مع التصديقِ بمَا أخبرَ به الرسولُ ؛فيجبُ أنْ يظهرَ أثرُ ذلك ،وعلامته ضرورةً ،للتلازمِ الحاصل بين الظاهرِ ،و البَاطنِ ؛فالعملُ لا يتخلف إذا ثبتَ التصديقُ في القلب.
    فإنَّ المؤثرَ التامَ يستلزمُ أثره ،و لا يتخلف عنه ؛لأنَّه حينئذٍ لا يكونُ تاماً.
    قال شيخُ الإسلامِ في الإيمان[ص24المكتب الإسلامي]:
    (المؤثرُ التامُ يسْتَلزِمُ أثرهُ ،فمتى لم يَحْصُلْ أثره ؛لم يكنْ تاماً ،و الفعلُ إذا صادفَ محلاً قابلاً تم ،و إلا لم يتم ،و العلمُ بالمحبوبِ ؛يورث طلبه ،و العلم بالمكروه ؛يورثُ تركه ،و لهذا يسمى هذا العلمُ :الداعي ،و يقال :الداعي مع القدرة ؛يستلزم وجود المقدور ،و هو العلم بالمطلوب المستلزم لإرادة المعلوم المراد.
    و هذا كله إنَّما يحصلُ مع الفطرةِ ،و سلامتها ،و أمَّا مع فسادها ؛فقد يحس الإنسانُ باللذيذِ ،فلا يجدُ له لذةً ،بل يؤلمه ،و كذلك يلتذ بالمؤلم ،لفسادِ الفطرةِ ،و الفسادُ يتناولُ القوةَ العلمية ،و القوةَ العملية جميعاً ،كالممرورِ الذي يجدُ العسلَ مراً ،فإنَّه فسدَ نفسُ إحساسهِ ،حتى كان يحسُ به على خلافِ ما هو عليه ،للمرة التي مازجته...)اهــ
    و العصمةُ في نصوصِ الكتابِ ،و السنةِ ،لا في عقول الناس ،مع أنَّها ليست شيئاً واحداً ،بل فيها من الاختلافِ ،و الاضطرابِ ،ما هو معروفٌ عند أولي الألباب .
    قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل و النقل[1/185د.الحديث]:
    (..فلو قيل بتقديم العقل على الشرع ،و ليست العقولُ شيئاً واحداً بيناً في نفسه ،و لا عليه دليلٌ معلومٌ للناس ،بل فيها هذا الاختلاف ،و الاضطراب ؛لوجب أنْ يحال النَّاسُ على شيءٍ لا سبيل إلى ثبوتهِ ،و معرفتهِ ،و لا اتفاق للناس عليه.
    و أمَّا الشرعُ ؛فهو في نفسهِ قولُ الصادقِ ،و هذه صفةٌ لازمةٌ له لا تختلف باختلافِ أحوالِ الناسِ ،و العلمُ بذلك ممكنٌ ،و ردُ الناس إليه ممكن ،و لهذا جاء التنزيلُ برد الناسِ عند التنازع إلى الكتاب ،و السنة ......)اهــ
    و هذا أصلٌ لا يخالفُ فيه مُسْلِمٌ ،و هو التحاكمُ للكتابِ ،و السنةِ ،لكنْ قد تعرض بعض الشبه ،و الأمْرَاضِ ؛التي تكونُ سبباً في ضلالِ كثيرٍ مِنَ الناسِ.
    قل ابن تيمية في الرد على المنطقيين[ص/330]:(و لكنْ قد تعرض السفسطة ،لبَعْضِ الطوائِفِ ،و لبَعْضَ الأشخاصِ ،في بعض المعارفِ ،فإنَّ أمراضَ القلوبِ ،كأمراض الأجسام ،فكما أنَّها ليس في الوجود أمةٌ ،و لا شخصٌ يمرضُ بكل مرضٍ ،فليس فيهم من هو جاهلٌ بكل شيء ،و فاسدُ الاعتقاد في كل شيء ،وفاسدُ القصدِ في كل شيء،بل قد يوجد فيهم من هو مريض ببعض الأمراض ،بل قد يوجد بعض الطوائف يكثر فيهم بعض الأمراض ،و هؤلاء المرضى لا ينتفعون بالأغذية الفطرية ،بل يحتاجون إلى علاجٍ ،و أدويةٍ تناسب مزاجهم....)اهــ
    و أردنا ممَّا ذكرناهُ سَابقاً ،أنْ يكون كالمقدمة لِمَ أردتُ كتابته فيما سيأتي –إنْ شاءَ اللهُ تعالى-.
    فاعلم أيُّها الـمُقَـلِدُ - و من يسمعُ الأدلةَ ،و يعرضُ عنها ،و يا منْ تتعصب لأخرق لا يعرفَ صغيرةً من كبيرة - أنَّ التقليدَ ،و الهوى ،و التعصب ،و غير ذلك مرضٌ مِنَ الأمراضِ ؛التي سبقَ الإشارة إليها ،و هي أمراضٌ خطيرةٌ ،وأنت واقعٌ فيها -نسأل الله السلامة ،و العافية-.
    واستمع لهذهِ الكلمات الآتية التي تصكُ أذنَ أمثالك ،و تعرف على مرضك الذي قد يكونُ سبباً في ضلالِكَ ،و هلاكِكَ – نسألُ اللهَ تعالى السلامة و العافية -.
    اعلم أنَّ الغفلة ،و الشهوة أصلُ الشرِ ،قال تعالى:{ و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا } ،و الهوى و حده لا يستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل ،و إلا فصاحب الهوى إذا علم قطعاً أنَّ ذلك يضره ضرراً راجحاً ؛انصرفت نفسه عنه بالطبع ،فإنَّ الله تعالى جعل في النفس حباً لما ينفعها ،و بغضاً لما يضرها ضرراً راجحاً ،بل متى فعلته ،كان لضعف العقل(
    [5]).
    فلما كان اتباعُ الهوى يضلُ عن سبيلِ الله ؛أخْبَرَ بأنَّ الضلالَ مع اتباعِ الهوى في غير موضعٍ من كتابِهِ ؛كقوله تعالى: {و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } ،و قوله: {و إنَّ كثيرًا ليضلون بأهوائهم بغير علم } ،و قوله:{ و لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيراً و ضلوا عن سواء السبيل } ،و قال: { أفراءيت من اتخذ إلههُ هواه و أضله اللهُ على عِلمٍ و خَتمَ على سمعِهِ و قلبهِ و جعلَ على بصره غشاوة }
    كما أخبرَ أنَّ الهدى مع السنةِ ؛التي هي اتباعُ سبيلهِ كقوله:{و لو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم و أشد تثبيتا و إذا لأتينهم من لدنا أجرا عظيما و لهدينهم صراطا مستقيما}،و قال تعالى:{ و إن تطيعوه تهتدوا }،و قوله:{ يهدي إليه من ينب }،و قوله:{و الَّذين جهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}(
    [6])
    و إنَّما يوقعُ النفوسَ في القبائحِ الجهلُ ،و الحاجةُ ،فأمَّا العالمُ بقبحِ الغني عنه ؛فلا يفعله ،قال الله تعالى:{الله يجتبي إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب}[الشورى:13]،و قد قال في ضد هؤلاء :{و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب }[ص:26] فبيَّنَ أنَّ اتباع الهوى يضلُ عن سبيلِ اللهِ ،فمن اتبع ما تهواه نفسه أضل عن سبيل الله ،فإنَّه لا يكونُ اللهُ هو المقصود ،و لا المقصودُ الحق الذي يوصل إلى اللهِ ،فلا قصَدَ الحقَ ،و لا ما يوصلُ إلى الحقِ ،بل قصدَ ما تهواه منْ حيث هو يهواه ،فتكونُ نفسُه في الحقيقةِ هي المقصودة ،فيكونُ كأنَّه يعبدُ نفسه ،و مَنْ يعبد نفسه ؛فقد ضلَّ عن سبيل الله قطعاً ،فإنَّ اللهَ ليس هو(
    [7])
    فكل من اتبعَ الظن ،و ما تهوى الأنفسُ ،و ترك اتباع الهدى ،و دين الحق الذي بينه اللهُ تعالى ،و أمرَ به في كتبهِ ،و على ألسنةِ رسلهِ ،و فطرَ عليه عبادَهُ ،و ضربَ به الأمثالَ المشهورة ،و المسموعة ؛فهو متبعٌ لإبليس في هذا ،له نصيبٌ من قوله:{لأملأن جهنم منك و ممنْ تبعك منهم أجمعين}كما قال ابن سيرين: أول من قاس إبليس،و قد قال الله تعالى لما هبط آدم:{فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى}،فأخبر أنَّ من ابتغ هداه الذي جاءَ من عنده ؛فإنه لا يضل و لا يشقى ،كما قال:{ألم ذلك الكتابُ لا ريبَ فيهِ هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيبِ و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون و الذين يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم و أولئك هم المفلحون} فإنَّ الهدى ضد الضلالة ،و الفلاح ضد الشقاء ،و قد قال من قال من السلف"المفلحون" الذين أدركوا ما طلبوا ،و نجوا من ما منه هربوا ،و لهذا أمرنا أنْ نقول في كل صلاة:{ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضآلين} فإنَّ المغضوبَ عليهم هم أهلُ الشقاءِ ،و الضالون أهلُ الضلالِ ،و هم الذين اتبعوا هداه ،فلمْ يضلوا ،و لم يشقوا ،بل أولئك على هدى من ربهم ،و أولئك هم المفلحون ،و قال أيضاً:{إنَّ المجرمين في ضلال و سعر}(
    [8])
    لأنَّ فسادَ الدين إمَّا أنْ يقعَ بالإعتقاد الباطلِ،و التكلم به ؛و هو الخوضُ ،أو يقع في العملِ بخلافِ الحقِ ،و الصوابِ ؛و هو الاستمتاعُ بالخلاق ،فلأول البدعُ ،و الثاني اتباعُ الهوى ،و هذان هما أصلُ كل شرٍ ،و فتنةٍ ،و بلاءٍ ،و بهما كذبت الرسلُ ،و عصي الربُ ،و دُخِلَت النارُ ،و حلت العقوباتُ ،فالأولُ منْ جهة الشبهات ،و الثاني من جهة الشهوات ،و لهذا كان السلفُ يقولون:احذروا من الناسِ صنفين صاحب هوى فتنه هواه ،و صاحب دنيا أعجبته دنياه ،و كانوا يقولون:احذروا فتنة العالم الفاجر ،و العابد الجاهل ،فإنَّ فتنتهما فتنةٌ لكل مفتون ،فهذا يشبهُ المغضوب عليهم الذين يعلمون الحق ،و يعملون بخلافه ،و هذا يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم،فقوله{فاستمتعتم بخلاقكم }[التوبة:69]إشارة إلا الشهوات ،و هو داء العصاةِ ،و قوله:{و خضتم كالذي خاضوا}إشارة إلى الشبهات ،و هو داءُ المبتدعة ،و أهل الأهواء ،و الخصومات ،و كثيراً ما يجتمعان ،فقل من تجده فاسد الاعتقاد إلا وفساد اعتقاده يظهر في عمله(
    [9])
    و كذلك من أعرض عن اتباعِ الحق الذي يعلمه تبعاً لهواه ؛فإنَّ ذلك يورثهُ الجهل ،و الضلال ،حتى يعمى قلبه عن الحقِ الواضحِ ،كما قال الله تعالى:{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم و الله لا يهدي القوم الفاسقين}[الصف:5]
    ،و قوله تعالى:{و أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنون بها قل إنما الآيات عند الله و ما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون و نقلب أفئدتهم و أبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة و نذرهم في طغيانهم يعمهون}،و هذا استفهامُ نفي ،و إنكارٍ أي :و ما يدركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ،و إنا لنقلب أفئدتهم ،و أبصارهم ،كما لم يؤمنوا به أول مرة ،على قراءة من قرأها" إنها " بالكسرِ تكونُ جزماً ،بأنَّها إذا جاءت لا يؤمنون ،و نقلب أفئدتهم ،و أبصارهم ،كما لم يؤمنوا به أول مرة ،و نذرهم في طغيانهم يعمهون ،و لهذا قال من قال من السلف ،كسعيد بن جبير ،و غيره:إنَّ من ثواب الحسنةِ الحسنة بعدها ،و إنَّ من عقوبة السيئة السيئة بعدها(
    [10])
    فصحةُ الفهمِ ،و حسن القصد من أعظمِ نعم الله ؛التي أنعم بها على عبده ،بل ما أعطي عبدٌ عطاء بَعْدَ الإسلامِ ،أفضل ،و لا أجل منهما ،بل هما ساقا الإسلام ،و قيامه عليهما ،و بهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم ؛الذين فسد قصدهم ،و طريق الضالين ؛الذين فسدت فهومهم ،و يصير من المنعم عليهم ؛الذين حسنت أفهامهم ،و قصودهم ،وهم أهل الصراط المستقيمِ ؛الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة ؛و صحة الفهمِ نورٌ يقذفهُ اللهُ في قلبِ العبد يميز به بين الصحيحِ ،و الفاسدِ ،و الحقِ ،و الباطلِ ،و الهدى ،و الضلالِ ،و الغي ،و الرشاد ،و يمده حسن القصدِ ،و تحري الحق ،و تقوى الرب في السر ،و العلانية ،و يقطع مادته اتباع الهوى ،و إيثار الدنيا ،و طلبُ محمدة الخلق ،و ترك التقوى(
    [11])
    فالمؤمنُ قلبُهُ مضيءٌ ،يكادُ يعرفُ الحقَ بفطرتِهِ ،و عقله ،و لكنْ لا مادة له من نفسهِ ،فجاءت مادةُ الوحي فباشرت قلبه ،و خالطت بشاشته ،فازداد نوراً على نوره ؛الذي فطرهُ اللهُ تعالى عليه ،فاجتمع له نور الوحي ،إلى نور الفطرة نور على نور ،فيكاد ينطق بالحق ،وإنْ لم يسمع فيه أثراً ،ثُمَّ يسمعُ الأثرَ مطابقاً لما شهدت به فطرته
    ؛فيكونُ نوراً على نور ،فهذا شان المؤمن ،يدركُ الحق بفطرته مجملاً، ثم يسمع الأثر جاء به مفصلاً، فينشأ إيمانه عن شهادة الوحي ،و الفطرة(
    [12])
    ومما ينبغي معرفته ،و علمه؛ أنَّ أسباب العلم ثلاثة:
    إحداها: الحواس السليمة:و هي السمع ،و البصر ،و...
    الثاني:الخبر الصادق من الكتاب المنزل ،و الأحاديث عن النبي المرسل، فإنَّ معظم المعلومات الدينية ؛مستفادة من الخبر الصادق.
    الثالث:العقل لحكم الاستقراء...(
    [13])
    وإنَّ الخطأ في أسبابِ العلمِ:إمَّا لفوات شرط العلم ؛من فساد الإدراك ،و ضعفها ،أو عدم التصور التام ،لطرفي القضية ؛التي يحصل العلم بالتصديق تصور طرفيها ،أو لوجود مانع ،من الأهواء الصادة عن سبيل الله ،فإذا كان كذلك ،فلا تحصل معرفة الحق ؛إلا بوجود شروطه ،و انتفاء موانعه(
    [14]).
    فقد جعل اللهُ اتباع الهوى مضاداً للحق ،و عدهُ قسيماً له ،كما في قوله تعالى:{فأما من طغى وءاثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى}،و قال في قسيمه:{و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}،و قال :{و ما ينطق عن الهوى أن هوى إلا وحي يوحى}،فقد حصر الوحي ،في شيئين:الوحي ،و هو الشريعة ،و الهوى ،فلا ثالث لهما ،و إذا كان كذلك ،فهما متضادان ،و حين تعين الحق في الوحي ؛توجه للهوى ضده، فاتباع الهوى ؛مضاد للحق.
    و قال تعالى:{أفرءيت من اتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم}،وقال:{و لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن}،و قال:{أولئك الذين طبع الله على قلوبهم و اتبعوا أهواءهم}،و قال:{أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله و اتبعوا أهواءهم}،و تأمل فكل موضع ذكر الله تعالى فيه الهوى ؛فإنما جاء به في معرض الذم له ،و لمتبعيه(
    [15])
    و الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ،و دين الحق ،فلا هدى إلا فيما جاء به.
    و لا ريب أنَّه يجبُ على كل أحدٍ ؛أنْ يؤمن بما جاء به الرسولُ إيماناً عاماً مجملاً ،و لا ريب أنَّ معرفة ما جاء به الرسول على التفصيلِ ؛فرضٌ على الكفاية ،فإنَّ ذلك داخلٌ في تبليغ ما بعث اللهُ به رسوله ،و داخلٌ في تدبر القرآن ،و عقله ،و فهمه ،و علم الكتاب ،و الحكمة ،و حفظ الذكر ،و الدعاء إلى الخير ،و الأمر بالمعروف ،و النهي عن المنكر ،و الدعاء إلى سبيل الرب ،بالحكمة ،و الموعظة الحسنة ،و المجادلة بالتي هي أحسن ،و نحو ذلك مما أوجبه اللهُ على المؤمنين ،فهو واجبٌ على الكفاية منهم.
    و أمَّا ما يجب على أعيانهم ؛فهذا يتنوع ،بتنوع قدرهم ،و حاجتهم ،و معرفتهم و ما أمر به أعيانهم ،و لا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم ،أو عن فهم دقيقه ،ما يجب على القادر على ذلك.
    و ينبغي أنْ يعرف ،أنَّ عامة من ضل في هذا الباب ،أو عجز فيه عن معرفة الحق ،فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول ،و ترك الاستدلال الموصل إلى معرفته ،فلما أعرضوا عن كتاب الله ؛ضلوا ،كما قال تعالى :{ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى و قد كنت بصيراً قال كذلك أتتك ءايتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسى }[طه:123-126](
    [16])
    لأنَّه متى ثبت الإيمانُ في القلب ،و التصديقُ بما جاءَ به الرسولُ ،وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة ،فإنَّه ما أسر أحدٌ سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه ،و فلتات لسانه ،فإذا ثبت التصديقُ في القلب ؛لم يتخلف العمل بمقتضاه ألبتة ،فلا تستقر معرفةٌ تامةٌ ،و محبةٌ صحيحة ،و لا يكون لها أثر في الظاهرِ ،و لهذا ينفي اللهُ الإيمانَ ،عمن انتفت عنه لوازمه ،فإنَّ اتنفاء اللازمِ ؛يقتضي انتفاء الملزومِ ،كقوله تعالى:{و لو كانوا يؤمنون بالله و النبي و ما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء}،و قوله:{لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله}الآية،و نحوها،فالظاهرُ،و الباطنُ متلازمان ،لا يكونُ الظاهرُ مستقيماً، إلا مع استقامةِ الباطن ،و إذا استقام الباطن ؛فلا بد أنْ يستقيمَ الظاهر ،و لهذا قال النبيُ صلى الله عليه و سلم:{ألا إنَّ في الجسد مضغةٌ إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا
    فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب}....و لهذا كان الظاهر لازماً للباطن من وجه ،ملزوما له من وجه ،و هو الدليلُ عليه ،من جهة كونه ملزوماً ،لا من جهة كونه لازماً ،فإنَّ الدليلَ ملزومُ المدلول ،يلزمُ من وجودِ الدليل ،وجود المدلول ،و لا يلزمُ من وجود الشيء ،وجود ما يدل عليه ،و الدليل يطردُ ،و لا ينعكس بخلاف الحدِ ،فإنَّه يطرد و ينعكس(
    [17])
    و العملُ له تأثيرٌ في القلوب ،من نفعٍ ،و ضرٍ ،و صلاحٍ ،قبل أثره في الخارج ،فصلاحُها عدلٌ لها ،و فسادها ،ظلمٌ لها ،قال الله تعالى:{من عمل صالحاً فلنفسه و من أساء فعليها}[فصلت:46]،و قال تعالى:{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها}[الإسراء:7]،قال بعضُ السلف:إنَّ للحسنة لنوراً في القلب ،و قوة في البدن ،و ضياء في الوجه ،و سعة في الرزق ،و محبة في قلوب الخلق ،و إن للسيئة لظلمة في القلب ،و سوداً في الوجه ووهناً في البدنِ ،و نقصاً في الرزقِ ،و بغضاً في قلوب الخلق.
    و قال اللهُ تعالى{كل امرئ بما كسب رهين}[الطور:21]،و قال تعالى:{كل نفس بما كسبت رهينة}[المدثر:38]،و قال تعالى:{و ذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي و لا شفيع و إن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبلسوا بما كسبوا}[الأنعام:70]،و تبسل أي: ترتهن و تحبس ،و تؤسر.
    كما أنَّ الجسدَ إذا صح من مرضه ،قيل:قد اعتدل مزاجه ،و المرض إنَّما هو انحرافُ المزاج ،مع أنَّ الاعتدال المحض السالم من الأخلاط ؛لا سبيل إليه ،و لكنْ الأمثل ،فالأمثل ،فهكذا صحةُ القلب ،و صلاحه في العدل ،و مرضه في الزيغ ،و الظلم ،و الإنحراف(
    [18]).
    و كثيرٌ من الطوائف يتعصبُ على غيرهِ ،و يرى القذاة في عين أخيه ،و لا يرى الجذع المعترض في عينه(
    [19]) ،و يذكرُ من تناقض أقوالِ غيره ،و مخالفتها للنصوصِ ،و المعقول ما يكونُ له من الأقوال في ذلك الباب ،من جنس تلك الأقوال ،أو أضعف منها ،أو أقوى منها ،و الله تعالى يأمرُ بالعلمِ ،و العدلِ ،و يذمُ الجهلَ ،و الظلمَ ،كما قال تعالى:{و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات و يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات و كان الله غفوراً رحيماً}،و قال تعالى:{و تمت كلمت ربك صدقاً و عدلاً}.
    و قال النبيُ صلى الله عليه و سلم:القضاةُ ثلاثة:قاضيان في النار ،و قاض في الجنة ،فرجل علم الحق ،و قضى به ؛فهو في الجنة ،و رجل قضى للناس على جهل ؛فهو في النار ،و رجلٌ عَلِمَ الحق ،و قضى بخلافه ؛فهو في النارِ رواه أهل السنن(
    [20]).
    و معلومٌ أنَّ الحكمَ بين الناس في عقائدهم ،و أقوالهم ،أعظم من الحكم بينهم في مبايعهم ،و أموالهم ،و قد قال الله تعالى:{فلذلك فادع و استقم كما أمرت و لا تتبع أهواءهم و قل آمنت بما أنزل الله من كتاب و أمرت لأعدل بينكم الله ربنا و ربكم لنا أعمالنا و لكم أعمالكم لا حجة بيننا و بينكم الله يجمع بيننا و إليه المصير}(
    [21])
    فإنْ أردنا أنْ نمدحَ ،أو نذمَ ؛فيجبُ علينا أنْ نعلم أنَّ المدح ،و الذم ،إنَّما يتعلقُ بالأسماء ،إذا كان لها أصلٌ في الشرعِ ،كلفظ المؤمن ،و الكافر ،و البر ،و الفاجر ،و العالم ،و الجاهل ،ثُمَّ منْ أراد أن يمدح ،أو يذم ؛فعليه أنْ يبين دخول الممدوح ،و المذموم ،في تلك الأسماء التي علق بها اللهُ ،و رسولُه المدح ،و الذم ،فأمَّا إذا كان الاسمُ ليس له أصلٌ في الشرع ،و دخول الداخل فيه مما ينازع فيه المدخل ؛بطلت كل من المقدمتين(
    [22])
    و الحمد ،و الذم ،و الحب ،و البغض ،و الوعد ،و الوعيد ،و الموالاة ،و المعاداة ،و نحو ذلك من أحكام الدين ؛لا يصلح إلا بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانه ،فأمَّا تعليق ذلك بأسماء مبتدعة ؛فلا يجوز ،بل ذلك من باب شرع دين لم يأذن به الله ،و أنَّه لا بد من معرفة حدودِ ما أنزل اللهُ على رسوله. (
    [23])
    و جماعُ " الفرقانِ " بين الحقِ ،و الباطلِ ،و الهدى،و الضلال،والرشاد،و الغي ،و طريق السعادة ،و النجاة ،و طريق الشقاوة ،و الهلاك :أنْ يجعل ما بعث اللهُ به رسله ،و أنزل به كتبه ؛هو الحقُ الذي يجبُ اتباعه ،و به يحصلُ الفرقان ،و الهدى ،و العلم ،و الإيمان ،فيصدق بأنَّه حقٌ ،و صدقٌ ،و ما سواه مِنْ كلام سائر الناسِ ؛يعرضُ عليه ،فإنْ وافقه ؛فهو الحقُ ،و إنْ خالفه ؛فهو باطلٌ ،و إنْ لم يعلم هل وافقه ،أو خالفه ،لكون ذلك الكلام مجملاً لا يعرف مراد صاحبه ،أو قد عرف مراده ،لكنْ لم يعرف هل جاء به الرسول ،بتصديقه ،أو تكذيبه ؛فإنَّه يمسك ؛فلا يتكلم إلا بعلم(
    [24])
    و معلومٌ باتفاقِ المسلمين ،أنَّه يجبُ تحكيم الرسول في كل ما شجر بين الناسِ في أمر دينهم ،و دنياهم في أصول دينهم ،و فروعه ،و عليهم كلهم ،إذا حكم بشيءٍ ؛أنْ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممَّا حكم ،و يسلمواً تسليماً(
    [25])
    و قد سبق الكلامُ على هذا الأصلِ العظيم ،و ذكرنا هنا ما يتعلقُ بالمقامِ.
    و اعلم -و فقني الله ،و إياك- أنَّ الفتنة للإنسان ،كفتنة الذهب ،إذا دخل كير الامتحان ؛فإنَّها تميزُ جيده من رديئهِ ،فالحقُ ،كالذهبِ الخالص ،كلما امتحن ازداد جودة ،و الباطلُ كالمغشوش المضيء ،إذا امتحن ظهر فساده.
    فالدينُ الحق ،كلما نظر فيه الناظرُ،و ناظر عنه المناظر ؛ظهرت له البراهين ،و قوي به اليقين ،و ازداد به إيمان المؤمنيين ،و أشرق نوره في صدور العالمين.
    و الدين الباطل ،إذا جادل عنه مجادل ،ورام أنْ يقيم عوده المائل ؛أقام اللهُ تبارك و تعالى ،من يقذف بالحق على الباطل ،فيدمغه ؛فإذا هو زاهق ،أنَّ صاحبه الأحمق ،كاذب مائق.(
    [26])
    و اعلم يا طالب الحق، أنَّ دليلَ الباطل التناقض ،كما أنَّ دليل الحق التوافق ،قال سبحانه و تعالى:{و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}،و لذلك كان من صفات أهل الباطل ؛التناقض ،و من صفات أهل الحق ؛الاتفاق ،مع تباعد الأعصار ،و الأمصار.
    قال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين ص[339]: (و المقصود هنا :أن هذه الأمة ؛لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ؛و يرده ،و هم لما هداهم الله به ؛يتوافقون في قبول الحق ،ورد الباطل رأياً ،و رواية ،من غير تشاعر ،و لا تواطؤ.)اهــ
    قال الإمام الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى{يؤفك عنه من أفك} :
    (و من أوضح الأدلة على كذب القول ،و بطلانه ؛اختلافه ،و تناقضه ،كما لا يخفى...)اهــ
    و لتعلم أنَّ الحجة،و البرهان؛مما يميز طريق أهل الهدى،و الإيمان ،عن أهل الضلال،والطغيان؛الذين جعلوا العقلَ حاكماً لا محكوماً،مستندين في ذلك ،إلى أوهام ،و خيال .
    و لزومُ الحجة ،و البرهان سواء في المسائل العلمية الاعتقادية ،أو المسائل العملية ،فمدارها كلها مع الدليل و جوداً ،و عدماً ؛لأنَّ الله عزوجل أمرنا باتباع الوحي المنزل ،على الرسول المرسل،و نحن متعبدون بالدليل لا غير(
    [27])،و لسنا متعبدين بآراء الرجال ،و أقوالهم.
    فإنَّ أدهى ما يلقاه السالك للطريق ؛فقد الدليل، مع ذهن لعدمِ نورِ الفرقانِ كليل، و قلبٍ بصدمات الأضغاث عليل، فيمشي على غير سبيل، و ينتمي إلى غير قبيل.
    وفد ذم اللهُ تعالى التقليدَ ،و أهلَهُ في كتابهِ ،و سنةِ نبيه –صلى اللهُ عليه و سلم-؛الذي كان سبباً في ضلالِ كثيرٍ من الناس عن المنهجِ القويم ،و الصراطِ المستقيم؛الذي أمرنا سبحانه باتباعه فقال:{و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}الآية.
    "و إنَّ من تمسك بالدليلِ ؛أخذ بما أوجبَ اللهُ عليه الأخذَ به ،و اتبع ما شرعهُ الشارعُ ،لجميعِ الأمةِ ،أولها ،و آخرها ،و حيها ،و ميتها ،و أخذهم هذا العالم الذي تمسك المقلد له بمحض رأيه ،هو محكوم عليه بالشريعة، لا أنَّه حاكم فيها ،و هو تابع لها ،لا متبوع فيها ،و كمن اتبعه في أنَّ كل واحد منهما ،فرضه الأخذ بما جاء عن الشارع ،لا فرق بينهما ،إلا في كون المتبوع عالماً ،و التابع جاهلاً.
    فالعالم يمكنه الوقوف على الدليل، من دون أن يرجع إلى غيره ؛لأنه قد استعد لذلك بما اشتغل له من الطلب ،و الوقوف بين يدي أهل العلم ،و التحري لهم في معارف الاجتهاد.
    و الجاهل يمكنه الوقوف على الدليل ،بسؤال علماء الشريعة على طريقة طالب الدليل ،و استرواء النص ،و كيف حكم به في محكم كتاب الله ،أو على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ،في تلك المسألة ،فيفيدونه النص إن كان ممن يعقل الحجة إذا دل عليه ،أو يفيدونه مضمون النص ،بالتعبير عنه بعبارة يفهمها ،فهم رواة ،و هو مسترو ،و هذا عامل بالرواية ،لا بالرأي ،و المقلد عامل بالرأي ،لا بالرواية ؛لأنه يقبل قول الغير من دون أن يطالبه بحجة ،و ذلك هو في سؤاله له ؛مطالب بالحجة ،لا بالرأي ،فهو قبل رواية الغير ،لا رأيه ،و هما من هذه الحيثية متقابلان"(
    [28]).
    "و لكنا نقتدي بالعالم ،و نهتدي بتعليمه ،و نستعين بفهمه ،و نستضيء بأنوار علومه ،و فرق بين العالم في جميع ما قاله ،و بين الاستعانة ،بفهمه ،و هو الثاني بمنزلة الدليل في الطريق ،و الخريت الماهر لابن السبيل ،فهو دليل إلى دليل ،فإذا وصل إليه ؛استغنى بدلالته ،عن الاستدلال بغيره ،و نظيره من استدل بالنجم على القبلة ،فإذا شاهد القبلة ؛لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى"(
    [29])
    و لا بد للإنسان أن يتحرى الحق لنفسه ،و يبحث عن الدليل ،و الحجة لا أن يرضى لنفسه ،بالتقليد المذموم.
    فإنَّ العالمَ ،قد يعرض له من العوارض ،ما قد يجعله يخالف جادة الصواب ؛و يكون معذوراً باجتهاده ،بخلاف المقلد.
    فلذلك لم يأتِ تعليق الحكم ،بأقوال العلماء بمجردها ،و لم يجعل وصفاً مناسباً ،أو مؤثراً ؛فيعلق به الحكم ،بل الاعتماد على أقوال العلماء بمجردها ،بعيد عن اعتبار الشارع ،و الاعتماد على أقوال العلماء مجردة عن الدليل طردٌ صرف ،لا يشم منه رائحة المناسبة ،و لا التأثير.
    و لذلك كانت فتوى المفتي لا تحل حراماً ،و لا تحرم حلالاً ،خلافا لمن قال ذلك من الأحناف.
    فلو كان قول العالم وصفاً مؤثراً ؛لصح تعليق الحكم به بمجرده ،و لكان وصفاً مناسباً تعلق بمثله الأحكام بمجرده ،و لكن عند تنقيح المناط ،و إزالة الفارق ،يتضح أنه وصفٌ طرديٌ ؛لأنَّ النصوص قاطعةٌ في الرجوع للكتاب و السنة ،و الرد عند التنازع إليهما،و لو كان قول العالم بمجرده وصفً مناسباً ،أو مؤثراً؛لصح أن يرجع له في الخلاف ،و اعتماده مجرداً ،و هذا واضح لمن تأمل ذلك ،و نظر بعين بصيرته لا بعين رأسه.
    فالأحكام لا تعلق بالأوصاف الطردية ؛التي لم يعلم عن الشارع إناطة الحكم بها ،كالطول ،و القصر ،و السواد ،و البياض ،و غير ذلك،إلا إذا ظهرت مناسبة في الحكم،فإنْ علم أنَّ المناسبة جلية؛فتنتهي إلى القطع كالضروريات ،و قد تكون خفية ،كالمعاني المستنبطة لا لدليل ،إلا احتمال اعتبار الشارع لها ،و قد يتخلف التأثير بالنسبة إلى الجلاء ،و الخفاء(
    [30]) ،و هذا ما يسمى تخريج المناط.
    و في أكثر أحواله يكون متردداً بين المناسبة ،و الطرد ،و الكلام عليه معروف في قياس الشبه.
    و الشبه المستــلزم المناســبا مـثل الوضـو يستلزم التقـربا
    مع اعتبــار جنسه القـــريـب في مثله للحكم لا للغريب
    صلاحه لم يدر دون الشرع و لم ينط مناسب بالسمع
    و حـيثمـا أمـكـن قيس الـعلة فــتركه بالاتـفـاق أثـبـت
    و إلا فــفي قـبولـه تـــــــــردد غـلـبة الأشباه هو أجــود
    في الحـكم و الصفة ثم الحكم فصفة فقط لدى ذي العلم
    و ابـــن علية يرى لـلصـوري كالقيس للخيل علـى الحمير
    فأقوال العلماء يحتج لها بالأدلة ،لا يحتج بها على الأدلة ،فكيف نجعلها أدلة ،و نقارع بها الحجج ،و البراهين ،وهي مجرد أقوال .
    فإن قال قائل:إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر ،و هم العلماء.
    قلنا: خفي على المقلدين أنهم يطاعون في طاعة الله ؛إذا أمروا بأمر الله ،و رسوله ،فأين في الآية تقديم آراء الرجال ،على سنة رسول الله –صلى الله عليه و سلم-،و إيثار التقليد عليها؟
    فإن قيل:فما هي طاعتهم المختصة بهم ؛إذ لو كانوا إنما يُطَاعُونَ فيما يخبرون به عن الله ،و رسوله كانت الطاعة لله و رسوله لا لهم؟
    قيل:و هذا هو الحق ،و طاعتهم إنما هي تَبَع لا استقلال ،و لهذا قرنها بطاعة الرسول و لم يُعِدِ العاملَ ،و أفرد طاعة الرسول و أعاد العامل لئلا يتوهم أنه إنما يطاع تبعا كما يطاع أولو الأمر تبعاً ،و ليس كذلك ،بل طاعته واجبة استقلالاً سواء كان ما أمر به ،و نهى عنه في القرآن أو لم يكن.(
    [31])
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في[الفتاوى10/266-267]: (..فالرسول وجبت طاعته ؛لأنَّه من يطع الرسول ؛فقد أطاع الله ، فالحلال ما حلله ،و الحرام ما حرمه ،و الدين ما شرعه ، و من سوى الرسول من العلماء ،و المشايخ، و الأمراء، و الملوك؛ إنَّما تجبُ طاعتهم طاعة لله ، و هم إذا أمر الله ،و رسوله بطاعتهم ،فطاعتهم داخلة في طاعة الرسول ،قال تعالى:{يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ و أَطِيعُواْ الرَّسُولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}
    فلم يقل :و أطيعوا الرسول، و أطيعوا أولي الأمر منكم ، بل جعل طاعة أولي الأمر داخلة في طاعة الرسول ، و طاعة الرسول طاعة لله ، و أعاد الفعل في طاعة الرسول دون طاعة أولي الأمر، فإنَّه من يطع الرسولَ ؛فقد أطاع الله ، فليس لأحدٍ ؛إذا أمر الرسول بأمر أن ينظر ،هل أمر الله به أم لا بخلاف أولي الأمر ، فإنهم قد يأمرون بمعصية الله، فليس كل من أطاعهم مطيعاً لله، بل لابد فيما يأمرون به أن يعلم أنَّه ليس بمعصية لله ،و ينظر هل أمر الله به أم لا سواءً كان أولي الأمر من العلماء ،أو الأمراء ،و يدخل في هذا تقليد العلماء ، و طاعة أمراء السرايا و غير ذلك......
    ثم إنَّ كثيراً من الناس يحب خليفة، أو عالماً، أو شيخاً، أو أميراً، فيجعله نداً لله، و إنْ كان يقول أنَّه يحبه لله.
    فمن جعل غير الرسولِ تجبُ طاعته في كل ما يأمر به، و ينهى عنه؛ و إن خالف أمر الله ،و رسوله؛ فقد جعله نداً...).اهــ
    ثانيا العالم يصيب و يخطئ ،و غيره كذلك ،فمورد التقسيم مشترك بين الأقسام ،أمَّا الشرع ؛ففي نفسه قول الصادق ،و هذه صفة لازمة له ،لذلك أمرنا عند النزاع ،بالرجوع إلى الكتاب ،و السنة .
    قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل و النقل[1/185د.الحديث]:
    (..فلو قيل بتقديم العقل على الشرع،و ليست العقول شيئاً واحداً بيناً في نفسه ،و لا عليه دليل معلوم للناس ،بل فيها هذا الاختلاف ،و الاضطراب ،لوجب أن يحال الناس على شيء لا سبيل إلى ثبوته ،و معرفته ،و لا اتفاق للناس عليه.
    و أمَّا الشرع ؛فهو في نفسه قول الصادق ،و هذه صفة لا زمة له ،لا تختلف باختلاف أحوال الناس ،و العلم بذلك ممكن ،و رد الناس إليه ممكن ،و لهذا جاء التنزيل برد الناس عند التنازع إلى الكتاب ،و السنة ......)اهــ
    و كذلك قد يظهر أمرٌ عند بعض العلماء ،و لا يظهر عند آخرين ،ولا يكون ذلك قدحاً فيهم ؛لعدم التكليف بما لا يطاق .
    ثم إنَّ من الناسِ من يقارعُ الحجة بالتقليدِ ،و هذا باطلٌ ؛لأنَّ الأمرين ليسا متساويين ،و يتخذُ من قولِ عالمٍ دعوى ينفي بها ما أثبتهُ غيره بالأدلةِ ،ولا يعلمُ الجاهلُ أنَّ النافي للحكمِ مطالبٌ بالدليل ،و هو أقام قول العالمِ مقام الدليل ،و هذا هو عين التقليدِ المذموم ؛الذي أنكره العلماءُ قديماً ،و حديثاً.
    و التقليدُ لا يثمر علماً ،فالقول به ساقط.
    قال القاضي عبد الوهاب في كتابه الملخص في أصول الفقه كما في الرد على من أخلد في الأرض للسيوطي(ص126-127): (التقليد لا يثمر علماً فالقول به ساقط ،و هذا الذي قلناه ،قول كافة أهل العلم ،و ذهب قوم من ضعفة من ينتمي للعلم ،و ممن يفرع على نفسه من استيفاء النظر على واجبه ،حتى أن يكشف له به فساد مذهب ،قد تمت له معه رياسة ،أو حصل له نشوة ،أو عادة ،أو عصبية ؛إلى صحة التقليد ،و أنه يثمر العلم بالمقلد فيه ،و الدليل على فساد ذلك:إن المقلد لا يخلوا أن يكون عالماً بصحة قول من يقلده ،أو غير عالم بذلك ،فإنْ كان عالماً ؛فهذا ليس بمقلد ،لأنه متبع لقول قد عرف صحته ،بالطريق الذي به عرف كون قائله محقا.
    و إن كان غير عالم بصحته ،لم يأمن أنْ يكون خطأً ،و جهلاً ؛فيقدم على اعتقاده ،و معتقد الجهل ،و الخطأ ،ليس بعالم ،و لا يقال أن اعتقاده علم فبطل كون التقليد علماً.
    و قد دل القرآن على فساد التقليد في غير موضع ،و على ذم من صار إليه ،و دان به.)اهــ
    قال الإمام ابن حزم في كتابه النبذ في أصول الفقه (ص140وما بعدها): (و التقليد حرامٌ ،و لا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان ،برهان ذلك –ثم ذكر جملة من الأدلة-....وقال تعالى:{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر}،فلم يبح الله تعالى الرد إلى أحد عند التنازع دون القرآن ،و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام...)اهــ
    و يزيد الخطبُ إذا كان الأمرُ مما لا اجتهاد فيه ،كالحكم على شخص بتحزب ،و ابتداع ،و هذه أحكام تكون مبنية على التوقيف ،لا تكون عن اجتهاد في أعراض المسلمين.
    قال شيخ الإسلام في الفتاوى[12/468]: (إذا تبين ذلك ؛فاعلم أن"مسائل التكفير ،و التفسيق"هي من مسائل "الأسماء ،و الأحكام" التي يتعلق بها الموالاة ،و المعاداة ،و القتل ،و العصمة ،و غير ذلك في الدار الدنيا ،فإنَّ اللهَ سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين ،و حرم الجنة على الكافرين...)اهــ
    فالمثبت عليه الدليل ،و النافي كذلك يجب عليه أن يقيم الدليل على نفيه.
    ثم إنك تعجب ممن يقر بالأخطاء الصادرة من شخص ،و يعترف بتصميمه على هذه الأخطاء -مع علمه أنه قد نصح في ذلك-، ثم تجد المسكين يخالف في الحكم عليه ،بالانحراف، و الضلال مع قيام المقتضى ،وهذا أمر عجيب،و تناقض غريب.
    قال شيخ الإسلام في [درء تعارض العقل و النقل1/257 دار الحديث]: (فإنَّ التناقضَ هو أنْ يكونَ أحدُ الدليلينِ يناقضُ مدلولَ الآخرِ؛ إمَّا بأنْ ينفي أحدُهما عينُ ما يثبته الآخر، و هذا هو التنَاقُض الخاص الذي يذكره أهل الكلام ،و المنطق ؛ و هو اختلاف قضيتين بالسلب ،و الإيجاب على وجه يلزم من صدق إحداهما كذب الأخرى، و أمَّا التناقض المطلق ؛ فهو أنْ يكون موجبُ أحدِ الدليلين ينافي موجب الآخر إمَّا بنفسه، و إمَّا بلازمه ؛مثل أنْ ينفي أحدهما لازم الآخر أو يثبت ملزومه، فإن انتفاء لازم الشيء يقتضي انتفاءه، و ثبوت ملزومه يقتضي ثبوته.
    و من هذا البابِ الحكمُ على الشيئين المتماثلين من كل وجهٍ مؤثرٍ في الحكم بحكمين مختلفين فإنَّ هذا تناقضٌ أيضاً، إذ حكم الشيء حكم مثله، فإذا حكم على مثله بنقيض حكمه كان كما لو حكم عليه بنقيض حكمه.
    و هذا التناقضُ العام هو الاختلاف الذي نفاه الله تعالى عن كتابه بقوله :{ أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً } ، و هو الاختلاف الذي وصف الله به قول الكفار في قوله:{إنكم لفي قول مختلف ، يؤفك عنه من أفك }.
    فالأدلة الدالة على العلم لا يجوز أنْ تكون متناقضةً متعارضةً، و هذا مما لا ينازع فيه أحد من العقلاء...).اهــ
    و عند وجود المقدمات التي ابتنى عليها تضليل المخالف ؛فلا بد من وجود الحكم ؛لأنه لا يتخلف عن المقتضى ألبتة .
    فالأحكام توجد بوجود أسبابها ،و شروطها ،و انتفاء موانعها ،و تنتفي لوجود الموانع ،أو فقد الشرط ،أو السبب ،كما قال الإمام الطوفي في شرح مختصر الروضة(1/411): (فالأحكام توجد بوجود الأسباب ،و الشروط ،و تنتفي لوجود الموانع ،و انتفاء الأسباب ،و الشروط.)اهــ.
    و كما يجبُ أنْ يسلمَ الحَدُ من النقضِ كذلك الدليل ، فإنَّ النقضَ يَرِدُ على الحَدِ ،و الدليلِ، و القضِيةِ الكُلِيةِ ، و العلةِ ، لكنَّ الدليلَ و القضيةَ الكُليةَ لا يجبُ فيهمَا الانْعِكَاسُ إلا بسببٍ مُنفصلٍ مثل المتلازمين إذا استُدِلَ بأحدِهمَا على الأخرِ، فهنا يكونُ الدليلُ مطرداً منعكساً و أمَّا الحدُ، فلا بُدَ من الانعكاسِ(
    [32]).
    و مَنْ يدع خلاف ذلك ؛فهو يخبط خبط عشواء ،و يخلط في مسائل العلم تخليطاً على غير السواء ،و يدل دلالة واضحة على جهل صاحب المخالفة.
    ثم إنَّ هذه المخالفة المزعومة ليست معارضة لازمة بالضرورة،بل يجب على صاحبها إقامة الدليل على دعواه ،إلا إذا كان يدعي علماً ضرورياً ؛فيختلف الأمر.
    إمَّا أن تكون سفسطة منه ؛فيترك النقاش مع مثله ،و إمَّا أن يكون لا يدري ما يخرج من رأسه ؛فيخشن له العبارة ،و يزجر ،ليعرف قدر نفسه.
    إن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
    فهون على نفسك جهد النقاش ،و لا تتعب نفسك ،فيما لست من أهله ،"فليس هذا بعشك فادرجي".
    فالدفاع يكون بحق ،و برهان ،لا بجعجعة ،و هذيان ،و تخليط ،بلا حجة ،و بيان ،لكن فاقد الشيء ،لا يعطيه.
    فأنت يا مقلد، تدافع عن أشخاص معروفين بالتقلب ،و التلون ،و تجعلهم مشايخ ،و ربما تسألهم عن فتاوى هي أكبر منهم ،و ممن قلدوه من المتصدرين في الجزائر.
    و أنت يا جويهل ،تصف بعض المتصدرين في البرج ،بأنهم مشايخ ،و أنت لا تعلم يا مسكين ،أنها حقيقة عرفية ،يثبتها أهل الشأن ،و ليس أمثالك.
    قال الراغب في كتابه مفردات القرآن(ص270)(
    [33]) : (أصله من طعن في السن ،ثم عبروا به عن كل أستاذ كامل ،و لو كان شاباً؛لأنَّ شأن الشيخ ،أن تكثر معارفه ،و تجاربه.)اهـ المراد منه
    قال السجاعي في حاشيته على القطر(ص15دار إحياء التراث): (و الشيخ في اللغة:من طعن في السن ،ثم أطلق اصطلاحاً على من كان فاضلاً، و لو صبياً "؛ فهو مجاز ،باعتبار أن من طعن في السن يعظم رحمة ،و شفقة به ،فشبه به من يبلغ مرتبة أهل الفضل ،بجامع استحقاق التعظيم في كل على جهة الاستعارة التصريحية ،ثم إنه صار حقيقة عرفية في ذلك؛فافهم.)اهــ
    و هاك بعض الأوصافِ ،التي تتعلقُ بالمجتهدِ ،و المتأهلِ ،أنقلها لك من كتابِ شيخنا المحقق الأصولي سعيد بن دعاس اليافعي –رحمه الله تعالى- ضوابط الحُكمِ بالابتداع ،و الملحقِ الأخير منه المسمى بـ"ضرورة التأهل في الحكم على المخالف بما يستحق"ص(124و مابعدها)علك تستفيدها، أو تمسك في أقل الأحوال ،عن الكلام بجهل ،و تترك ما ليس من شأنك،فقال رحمه الله: (و قد بين أهلُ التحقيقِ مِنْ أهل العلمِ صفة أرباب هذه المنزلة ،و نعتهم بيانا يميز لطالب الحق أربابها عن الأدعياء.
    فقال العلامة النعمي في "معارج الألباب" (ص163)،في صفة من يعد من أهل العلم :من يقيم البرهان على ما طلب منه أن يفتي فيه ،و يستطيع الاستدلال الصحيح بالكتاب ،و السنة ،و أخذ الحكم من دليله .اهــ
    و قال العلامة صديق حسن خان في" أبجد العلوم " (ص80): من تمكن من إثبات المسائل، بأدلتها عن علم ،و ثبت ،فيشمل من عرف جميع الآلات ،و عرف الكتاب ،و السنة –فإنه يتمكن من إثباتها على ذلك الوجه-.اهــ
    و ذكر نحو كلامهما قبلهما الإمام ابن قدامة ،و السيف الآمدي ،و أوضحا حقيقة الاستطاعة ،و التمكن من إثبات المسائل ،و الأحكام الشرعية ،و إقامتها بالبرهان ،و الدليل.
    قال الإمام ابن قدامة في "روضة الناظر"(2/439): إنما المجتهد الذي صارت العلوم عنده حاصلة بالقوة القريبة من الفعل،من غير حاجة إلى تعب كثير،بحيث لو بحث عن المسألة ،ونظر في الأدلة استقل بها ،و لم يفتقر إلى تعلم من غيره.اهــ
    و قال الآمدي في "إحكام الأحكام"(4/207):المراد بأهل الذكر أهل العلم المتمكن من تحصيل العلم بأهليته ،فيما سأل عنه لا من العلم بالمسألة المسئول عنها حاضر عتيد لديه ،فإن أهل الشيء من هو متأهل للشيء لا من حصل له ذلك الشيء.اهــ
    قال العلامة النُّعميُّ في "معارج الألباب"(ص/94):و قد علم أن مرجع الاجتهاد بالمعنى المصطلح عليه –أيضا-:إلى الأنسي بالنصوص الشرعية ،و ملابستها ،بحيث يكون ،ثم تهيؤ ،و أهلية للعلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية....قال:و يكون المجتهد-بحيث يحسن التصرف فيما وعاه من الأدلة،و تنزيلها على الوجوه الممكنة اللئقة التي لا تمانع الصحة و القبول في الجملة أو الأصل الغالب في كل مقام بحسبه.اهــ
    ......... )اهــ المراد من الكتاب ،و فيه مباحث أخرى يجدر بطالب الحق مطالعتها.
    و أنت يا مقلد لست من أهلِ الشأن ،حتى تزكي أنَاساً ،و تجرحُ آخرين بدون علمٍ.
    قال الإمام الذهبي في الموقظة: (و الكلام في الرواة ،يحتاج إلى ورعٍ تام ،و براءة من الهوى ،و الميل ،و خبرةٍ كاملة بالحديث ،و علله ،و رجاله...)اهــ
    قال اللكنوي في كتابه الرفع و التكميل [ص67]: (و يشترط في الجارح ،و المعدل : العلم ،و التقوى ،و الورع ،و الصدق ،و التجنب عن التعصب ،و معرفة أسباب الجرح ،و التزكية ،و من ليس كذلك لا يقبل منه الجرح ،و لا التزكية.)اهــ
    قال الإمام المعلمي -رحمه الله تعالى- في كتابه الاستبصار في نقد الأخبار[ص41]: (أمَّا المعدل ؛فشرطه أنْ يكون في نفسه بالغاً عاقلاً عدلاً عارفاً بما يثبت العدالة ،و ما ينافيها ،ذا خبرة بمن يعدله ،و لابد أن يكون متيقظاً عارفاً بطباع الناس ،و أعرافهم .)اهــ
    و قال في الصفحة(53): (هذا كله حال المعدل فأما الجارح فشرطه أن يكون عدلا عارفا بما يوجب الجرح إن جرح و لم يفسر و قلنا بقبوله و اشترط بعضهم أيضا أن لا يكون بينه و بين لمجروح عدواة دنيوية شديدة فإنها ربما أوقعت في التحامل ولا سيما إذا كان الجرح غير مفسر وزاد غيرهم العداوة الدينية كما تقع بين المختلفين في العقائد و قد بسطت القول في ذلك في (فراغ)....)اهـ (
    [34])
    و هذه نبذةٌ صغيرة حول الموضوع ،و لم أرد أنْ أحشدَ كل ما في الباب ،و لا فائدة هنا في الاستطراد.
    و ممَّا يدل على جهلك أيُّها المقلدُ المتعالم ،ثناؤك على منحرفين،و تنسبهم للسلفية زوراً ،و كذباً ،و الله المستعان .
    و كان من أولئك المخذولين أناس بيَّن ضلالاتهم ،و تخليطاتهم بعض إخواننا منهم أبو حاتم العنابي ،و شيخنا المفضال سعيد بن دعاس اليافعي –رحمه الله- فما كان منك إلا مقابلة تلك الردود بالتهويل ،و التهويش ،كعادة أمثالك من الهمج الذين لا يحترمون الأدلة ،و النصوص الشرعية ،ولا ينقادون لها ،و لا أخلك تحسن إلا السب ،و الشتم.
    و هل يستطيع أمثالك مقابلة تلك الردود العلمية بالرد العلمي ؟لا هذا شيء واضح ،إلا أن يكون بالسب ،و الشتم ،فربما ؛لأنَّ العادة تجري بأهلها ،و قال نبينا-عليه الصلاة و السلام- عن القصواء ،و ليس ذلك لها بخلق ،فما بالك بمقلد آدمي.
    و ما أبانه الإخوة عن هؤلاء المنحرفين ،هي أمور صادرة منهم ،و هم مكلفون ، وقادرون ،وما حصل منهم يعتبر سبباً من أسباب الضلال ،و بيان هذه الأخطاء من الإخوة يعتبر من إقامة الحجة ،و هذا هو الشرط في الحكم على أمثالهم بالانحراف .
    و البدعة يا مقلد لمَّا كانت محرمة ؛دخلت في خطاب التكليف ؛الذي يشترط فيه علم المكلف ،و قدرته ،و كسبه ؛لكن شابتها شائبة الحكم الوضعي ؛لأنها أحكام منوطة بوجود الأسباب ،و الشروط ،و انتفاء الموانع.
    و خطاب الوضع لا يشترط فيه قدرة المكلف ،و علمه لكن استثنى الشارعُ منها مسألتين كما ذكر الطوفي في شرح "مختصر الروضة" و قبله القرافي في "الفروق".
    و من تينك المسألتين أحكام العقوبات ،و الجنايات ،و غيرهما ،و هذا لتمام حكمة الله ،و عدله ،و رحمته بالمخلوق (
    [35]).
    و العذرُ بالخطأِ حكمٌ شرعيٌ ؛لأنَّ الخطأ ينقسمُ إلى مغفورٍ ،و غير مغفور،فمن لم يثبت دليله ،كان كمن أثبت حكماً شرعياً بغير دليل.
    قال شيخ الإسلام[12/496]: (و قد ثبت بالكتاب و السنة و الإجماع أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه و سلم فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل الله منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة و أعلام النبوة و لأن العذر بالخطأ حكم شرعي فكما أن الذنوب تنقسم إلى كبائر و صغائر و الواجبات تنقسم إلى أركان وواجبات ليست أركانا:فكذلك الخطأ ينقسم إلى مغفور و غير مغفور....)اهــ
    و أنت يا مقلد لا يؤمن عليك أنك تأثرت بنزعة إرجائية ،أو شبهة شهوانية.
    فإن هذا المسلك يسلكه كثير من المتصوفة ،و المرجئة ،و غيرهم في عدم إنكار البدع ،و عقوبة أهلها ،بل قد يذمون الكلام في الطوائف مطلقا.
    قال شيخ الإسلام في الفتاوى[12-467]: (و بإزاء هؤلاءِ المكفرين بالباطل أقوامٌ لا يعرفون اعتقادَ أهلِ السنة و الجماعة كما يجب؛ أو يعرفون بعضه ،و يجهلون بعضه ،و ما عرفوه منه ،قد لا يبينونه للناس ،بل يكتمونه ،و لا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب و السنة يذمون أهل البدع و يعاقبونهم، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة، و أصول الدين ذماً مطلقاً ؛لا يفرقون فيه بين ما دل عليه الكتاب و السنة و الإجماع، و ما يقوله أهل البدعة و الفرقة،أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة ،كما يقر العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع ،و هذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة ،و بعض المتفقهة ،و المتصوفة، و المتفلسفة ،كما تغلب الأولى على كثير من أهل الأهواء، و الكلام ؛و كلتا هاتين الطريقتين منحرفة خارجة عن الكتاب و السنة.)اهــ
    فحبُ الرياسةِ ،و الشهوة يجعلان صحبهما يقول على الله غير الحق ،في فتواه ،وحكمه.
    قال الإمام ابن القيم في الفوائد[ص100]: (فائدة جليلة: كل منْ آثر الدُّنيَا من أهلِ العلم ،و استحبها ؛فَلَابُد أنْ يقول على اللهِ غير الحق في فتواه ،و حكمه في خبره ،و إلزامه ؛لأنَّ أحكامَ الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض النفوس ،ولا سيما أهل الرياسة ،و الذين يتبعون الشبهات ،فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ،و دفعه كثيراً ،فإذا كان العالم و الحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق ،و لا سيما إذا قامت له شبهة ،فتتفق الشبهة ،و الشهوة ،و يثور الهوى ،فيخفى الصواب ،و ينطمس وجه الحق ،و إن كان الحق ظاهراً لا خفاء به ،و لا شبهة فيه ؛أقدم على مخالفته ،و قال لي مخرج بالتوبة...)اهــ
    و تحريم البدعة ،و المبالغة في عقوبة صاحبها ،و الداعي إليها ،من مكمل الضروري(
    [36]).
    و أعجب من كبير القوم في الجزائر ،عندما نصحه بعض الإخوة كما سبق ؛هاص هيصة الحُمُر ،و ذهبَ يطعنُ في دماج،و شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري-حفظه الله تعالى- ،و مشايخ الدار،و آلاف الطلاب ممن هم في دماج ،ما بالك بغيرهم.
    و أجلب برجله،و خيله على كل غث ،و هزيل؛ للطعن في دار الحديث السلفية - ،و إنْ رغم أنفه-،لكنْ هيهات له ذلك بفضل الله تعالى ،و منته ،فنحن لا نخاف على أنفسنا إلا من أنفسنا،أمَّا هراء مثل هذا الببغاء ؛فليس له قيمة عند الصالحين ،و لله الحمد.
    و ما كان من بعض المخذولين عند معارضة ردود الإخوة كما تقدم إلا قوله هذا طالب علم،كيف يرد على عالم،وغير ذلك من التشغيب ،مع العلم أنَّ الشيخ سعيداً يعتبرعالماً ،و ليس كما يزعمون ،لكن كما تقدم العبرة بالأدلة، و البراهين ،و المدار كذلك على التمكن العلمي ،و السلفي ،و تقدم بعض ذلك و الإشارة إليه.،
    و نحن لا نسلم بأنَّ طالب العلم لا يتكلم في مثل هذه المسائل ،و يبين ما علمه بدليله .
    و معروف أنَّ علماءَ أهلِ السنة ناصحون ،و أصحاب دين ،و ورع ،و الرجوع إليهم أمرٌ مطلوب ،لكن الرجوع لهم في كلم مسالة بعينها ،أقام فيها من له أهلية دليله ،يتعارض مع شهادتهم لصاحب الأهلية ،بالأهلية ؛لأنَّ المتأهل ،كان بشهادة أهل العلم له ،و تسليم موجب الدليل لا يستلزم المدعى إلا بشرطين.
    قال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد [4/1662]: (تسليم موجب الدليل لا يستلزم تسليم المدعى إلا بشرطين:
    أحدهما:أن يكون موجبه هو المدعى بعينه أو ملزوم المدعى.
    الثاني :أن لا يقوم دليل راجح ،أو مساو على نقيض المدعى،و مع وجود هذا المعارض ،لا يكون تسليم موجب الدليل الذي قد عورض تسليماً للمدعى ،إذ غايته أن يعترف له منازعه ؛بدلالة دليله على المدعى ،و ليس في ذلك تعرض للجواب عن المعارض ،و لا يتم مدعاه إلا بأمرين جميعاً)اهــ
    و العِلْمُ معرفةُ المعلومِ ،أو صِفَةٌ ينكشفُ بها المطلوبُ انكشافاً تاماً ،فمن يحصل له هذه الملكة بالاستدلالِ ؛فلمَاذا يُحَجَّرُ عليه ،مع أنَّه تكلم بدليلٍ، و علمٍ ،و نحنُ نعرفُ هذه الأمور من حدُودِها ،و حقائقِها ،لا الدعاوى الفارغة ،و العاطلة ،و ما أخالُ هذا إلا من تقليب الحقائق ؛لأنَّ المحدود طابق الحد ،و ليس هنالك دليلٌ على النقضِ في هذه الصورة ،و نحنُ نتحداهم بإقامةِ المعارضة ،و لا يكونُ هذا إلا كما تقدم ،بتقليبِ الحقائق ،ممَّا قَدْ يُدْخِلُ صاحبهُ في السفسطةِ ،و قد تقدمَ الإشارةُ إلى ذلك في أول هذه الرسالة.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اله في كتابه الرد على المنطقيين[11-12]: (...و المقصود أنه لابد من اتفاق الحد و المحدود في العموم و الخصوص فلابد أن يكون مطابقا للمحدود لا يدخل فيه ما ليس من المحدود و لا يخرج منه ما هو من المحدود فمتى كان أحدهما أعم كان باطلاً بالاتفاق و سمي "نقضا"... )اهــ
    و النقض يدخل في الدليل ،و العلة ،و غير ذلك كما تقدم،لكن قال الزركشي في البحر المحيط :"واعلم أنه إذا قال المعترض :ما ذكرت من العلة منتقض بكذا ؛فللمستدل أن يقول لا نسلم ،و يطالبه بالدليل على وجودها في محل النقض ،و هذه المطالبة مسموعة بالاتفاق."
    ثم يزعم بعضهم ،بأنَّ طالب العلم المتمكن ،يحكم في المسائل الظاهرة دون الخفية ،أما المسائل الخفية ؛فلا يحكم فيها إلا العلماء.
    أولاً :هذا أمر نسبي إضافي يختلف من شخص لآخر ،و لا يكون الإحالة إلا أمر غير منضبط ،و التقسيم نوع من أنواع الحد ،و لابد من ذكر المشترك ،و المميز من أجل صحة التحديد،و كذلك لا بد أن يكون الحد جامعاً مانعاً ،و أن يكون الحد أوضح من المحدود عند السامع ،فلا يصح تحديد شيء ،و تعريفه بشيء يكون مساوياً للمحدود في الجهالة بالنسبة للسامع ،أو أخفى منه ،حيث إنَّ المساوي لا يزيد السامع علماً ،بل يبقى على ما هو عليه في الجهالة ،و الأخفى يزيده جهلا ،فيلزم عدم صحة التحديد(
    [37]).
    و من تأهل لمعرفة الأحكام على وجهها الصحيح،مع تحري ،و تقوى ،وورع ؛فله أن يحكم على من صدرت منه مخالفات ،و أصر عليها ،و ظهر منه الهوى ،و ليس لأحد أن يرد قوله الذي ذكر عليه الحجة ،فرده يعتبر تشهياً ،و خبر الثقة العدل مقبول ،قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}الآية.
    قال العلامة الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه(196-197)دار اليقين: (..فإنه يفهم من دليل خطاب الآية أعني مفهوم مخالفتها أن ذلك الجائي بنبأ لو كان غير فاسق،بل كان معروفاً بالعدالة ،و الصدق ؛فإنه لا يلزم التبين في خبره على قراءة "فتبينوا" ،و لا التثبت على قراءة "فتثبتوا"،بل يلزم العمل به حالاً من غير تبين ،و لا تثبت ،و التحقيق اعتبار مفهوم المخالفة كما تقرر في الأصول ،خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله )اهــ المراد
    و يزيد الأمر وضوحاً ،أنَّ مسائل الإيمان و الكفر أحكامٌ تثبت بالدليل ،و التوقيف ،و لا دخل للاجتهاد فيها ،و العقل ،إلا على قول من يقول إن العقل يدرك هذه المسائل قبل البعثة ،و لكنهم لا ينازعون في تعلقها بما جاء به الرسول.
    قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل و النقل[1/239]دار الحديث: (و في الجملة فالكفر متعلق بما جاء به الرسول و هذا ظاهر على قول من لا يوجب شيئا و لا يحرمه إلا بالشرع فإنه لو قدر عدم الرسالة لم كفر محرم و لا إيمان واجب عندهم و من أثبت ذالك بالعقل فإنه لا ينازع أنه بعد مجيء الرسول تعلق الكفر و الإيمان بما جاء به لا بمجرد ما يعلم العقل فكيف يجوز أن يكون الكفر معلقا بأمور لا تعلم إلا بالعقل؟إلا أن يدل الشرع على أن تلك الأمور التي لا تعلم إلا بالعقل كفر فيكون حكم الشرع مقبولا لكن معلوم أن هذا لا يوجد في الشرع بل الموجود في الشرع تعليق الكفر بما يتعلق بها الإيمان و كلاهما متعلق بالكتاب و الرسالة فلا إيمان مع تكذيب الرسول و معاداته و لا كفر مع تصديقه و طاعته....)اهـ المراد
    قال شيخ الإسلام في الإستغاثة و الرد على البكري[ص252]: (...و كذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله و رسوله و أيضا فإن تكفير الشخص المعين و جواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها و إلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر.)اهــ
    و كما تقدم قد تكون بعض الأمور ظاهرة عند أناس ،و لا تظهر عند آخرين ،و ليس هذا قدحاً فيهم .
    قال ابن تيمية في الفتاوى[33/29]: (فهكذا إذا خص اللهُ أحد العالمين بعلم أمرٍ ،و فهمه ؛لم يوجب ذلك ذم من لم يحصل له ذلك من العلماء :بل كل من اتقى الله ما استطاع ؛فهو من أولياء الله المتقين ،و إن كان قد خفي عليه من الدين ،ما فهمه غيره....)اهــ
    فهذه هي النتيجة ،و هذا هو الحكم ،و من يخالف في الحكم ؛فليبين لنا بعلم و دليل ،و لا يتكلم بعاطفة ،و حنين ،فإن هذا العلم دين.
    و كذلك فليحرك قلمه ،و لا يكتفي بالبواعث العاطفية ،و التخليطات الخلفية و كل نفي بما كسبت رهينة.
    و كذلك قَدْ رأينا في محافظةِ البُرجِ من يدعي السنة ،و الذب عن أهلها –زعم- و تجده عند الفتنِ مثل النعامة ،و على السلفيين أسد .
    و ما أجد في مثلك إلا قول القائل:
    أسدٌ علي و في الحروبِ نعامة فتخاء تهرب من صفير الصافر
    هل برزت إلى نعامة في الوغى أم كان قلبك بين جناحي طائري
    فأين إنكارُكَ للمنكرِ؟؟،و الساحةُ في المحافظةِ فيها الغثُ ،و السمينُ ،مما لا يخفى على من يعلم السنة ،فلم نكنْ نسمع عنك إلا السكوت ،و الجبن ،مع ما نعرفه عنك من الخذيلةِ للنصحاء ،وقت المواقف ،لكن إنْ كنت أنت المعني ؛فربما تنكرُ بجميع المراتبِ ،و هل المصالحُ الشخصية مقدمة على المصلحة الدينية؟،و هل تخاله ورعاً؟
    قال شيخ الإسلام في كتابه السياسة الشرعية ص[76-77]دار عالم الفوائد: (و كثيراً ما يشتبهُ الورعُ الفاسدُ بالجبنِ ،و البخلِ ،فإنَّ كلاهما فيه تركٌ ،فيشتبه ترك الفساد لخشية الله تعالى بترك ما يؤمر به من الجهاد ،و النفقة :جبناً و بخلاً ،و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم:" شر ما في المرء شح هالع ،و جبن خالع"قال الترميذي حديث صحيح.
    كذلك قد يتركُ الإنسانَ العمل ظناً أنَّه ورعٌ ،و إنَّما هو كبرٌ ،و إرادة للعلو ،و قول النبي صلى الله عليه و سلم:"إنما الأعمال بالنيات"كلمة جامعة كاملة ،فإنَّ النية للعمل ،كالروح للجسد ،و إلا فكل واحد من الساجد للشمس ،و القمر ،قد وضع جبهته على الأرض ،فصورتهما واحدة ،ثم هذا أقرب الخلق إلى الله تعالى ،و هذا أبعد الخلق عن الله)اهــ
    و أنت بعملك هذا تضيع حقوق الله عزوجل ،و تحسب أنك تحسن صنعاً بفعلك .
    فإنَّ سكوتك عن باطل القوم يؤدي إلى تضييع حقوق الله تعالى ، و لا يجوز لإنسان أنْ يسقطها.
    {و حقوق الله : اسمٌ جامعٌ لكل ما فيه منفعة عامة لا تختص بمعين ، أو دفع مضرة عامة بما يتعلق بالدين ، أو الدنيا ،كالنظر في المساجد ، و أئمتها ، و مؤذنيها ، و الوقوف، و الطرقات، و الصِّياع ،و إحياء السنن النبوية ، و إماتة البدع المضلة، و تقديم من ينتفع به في ذلك، و غيره من خيار الناس، و أهل الدين ،و العلم ، و البر ،و التقوى من كل صنف من أصناف الناس ،و مجانبة ذوي الإثم ،و العدوان، و أهل الحيلة،والخديعة، والكذب،و الإدهان ، و غير ذلك من المصالح العامة......... }[السياسة الشرعية191-192دار عالم الفوائد].
    و لا يجوز لك تأخير البيان عن وقت الحاجة ،و هذا بالاتفاق(
    [38]).
    قال صفي الدين الهندي في نهاية الوصول[5/1894]: (اتفق الكل على أنَّه لا يجوز تأخير بيان الخطاب عن وقت الحاجة ،وهي العمل....)انتهى المراد منه.
    فإنَّ اللهَ تعالى أثنى على أنبيائه عليهم الصلاة و السلام بصفتين عظيمتين، وهما معرفة الحق من الباطل، وإيثاره، والعمل به.
    قال الإمام ابن القيم في كتابه الداء و الدواء[ص118-119دار الآثار]: ( فإنَّ الكمالَ الإنساني مدارهُ على أصلين: معرفة الحق من الباطل و إيثاره.
    و ما تفاوتت منازلُ الخلقِ عند اللهِ تعالى في الدُنيا ،و الآخرة ،إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين ،و هما اللذان أثنى الله سبحانه على أنبيائه عليهم الصلاة و السلام بهما ،في قوله تعالى :{واذكر عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار}.
    فالأيدي: القوى في تنفيذ الحق ،و كمال الحق، و الأبصار: البصائر في الدين، فوصفهم بكمال إدراك الحق، و كمال تنفيذه، و انقسم الناسُ في هذا المقام أربعة أقسام: فهؤلاء أشرف الأقسام من الخلق ،و أكرمهم على الله تعالى.
    و القسم الثاني:عكس هؤلاء ،من لا بصيرة له في الدين ،و لا قوة له على تنفيذ الحق ،و هم أكثر هذا الخلق ،و هم الذين رؤيتهم قذى العيون ،و حُمَى الأرواح ،و سقم القلوب ،يضيقون الديار ،و يغلون في الأسعار ،و لا يستفاد من صحبتهم ألا العار ،و الشنار .
    القسم الثالث: من له بصيرة بالحق و معرفة به، و لكِنَّه ضعيفٌ لا قوة له على تنفيذه ،و لا الدعوة إليه، و هذا حال المؤمن الضعيف، و المؤمن القوي خيرٌ،وأحبُ إلى الله منه.
    القسم الرابع: من له قوة و همة و عزيمة ،لكنه ضعيف البصيرة في الدين ،لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن ،و أولياء الشيطان ،بل يحسبُ كل سوداء تمرة ،و كل بيضاء شحمة ،يحسبُ الورم شحماً ،و الدواء النافع سماً ،و ليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين ،و لا هو موضع لها ،سوى القسم الأول ،قال الله تعالى :{ و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون } فأخبر سبحانه أنَّ بالصبر و اليقين نالوا الإمامة في الدين...) اهــ
    قال الإمام ابن القيم في الداء و الدواء ص[249]: (و في اللسان آفتان عظيمتان،إنْ خلص العبد من إحداهما لم يخلص من الأخرى:آفة اللسان ،و آفة السكوت ،و قد يكون كل منهما أعظم إثماً من الآخر في وقتها، فالساكتُ عن الحقِ شيطانٌ أخرسٌ عاصٍ لله مراء مداهن، إذا لم يخف على نفسه،والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله ،و أكثر الخلق منحرف في كلامه ،و سكوته ،فهم بين هذين النوعين.)اهــ
    قال العلامة بكر أبو زيد في رسالته "الرد على المخالف من أصول الإسلام " ص[75-76]: (و الذين يلوون ألسنتهم نقد الباطل ،و إنْ كان في بعضهم صلاحٌ ،و خيرٌ ،لكنه الوهن ،و ضعف العزائم حيناً ،و ضعف إدراك مدارك الحق ،و مناهج الصواب أحيناً ،بل في حقيقته من"التولي يوم الزحف" عن "مواقع الحراسة"لدين الله ،و الذب عنه،و حينئذ يكون الساكت عن كلمة الحق ،كالناطق بالباطل في "الإثم" قال أبوعلي الدقاق:"الساكت عن الحق شيطان أخرس ،و المتكلم بالباطل شيطان ناطق.)اهــ
    قال الإمام مالك كما في ذم الكلام للهروي (5/74) :"الدنو من الباطل هلكة ،و القول في الباطل يصدف عن الحق ،ولا خير في شيء من الدنيا بفساد دين المرء ،و مروءته ،و لا بأس على الناس ،فيما أحل الله لهم".اهـــ
    ما بالك إذا ازدوج التكلم بالباطل ،و السكوت عن الحق .
    قال الإمام ابن القيم في الصواعق المرسلة[1/315]: (معلوم أنَّه ،إذا ازدوج التكلم بالباطل ،و السكوتُ عن بيان الحق ؛تولدَ فيهما جهل الحقِ ،و إضلال الخلق.)اهــ
    و هذا المخذول كأن به لا يدري أن حماية جناب الدين من أعظم المصالح التي أمر المكلف بحفظها ،و هو أعظم الضروريات الخمس المتفق على حفظها في سائر الشرائع،و حفظها يكون من جهة الوجود ،و من جهة العدم.
    و إنَّ الأمرَ بالمعروفِ،و النهي عن المنكرِ ،من أعظم ما يحمي الضروريات الخمس ،من جهة العدم(
    [39])
    و وجوب الأمر بالمعروف ،و النهي عن المنكر ظاهرٌ عند عامة الناس فضلاً عما يدعيه المجعجع لنفسه من العلم ،و التزود فيه.
    فهو يعرف أن هذا حق لله عزوجل مغلب ،لا يجوز للإنسان أن يسقطه ،أو أن يتهاون فيه ،فهذه أمور تعتبر بديهية ،لمن يزعم الطلب ،و التحصيل.
    و هذه الطريقُ التي تسيرُ عليها يا هذا منْ مسالكِ الضلالِ -التقلب ،و التلون- ،قال حذيفة رضي اللهُ عنه :{ إنَّ الضلالةَ حقَّ الضلالةِ أنْ تعرفَ ما كُنْتَ تُنكِر ،و أنْ تُنكِر ما كُنْتَ تعرف ،و إيَّاكَ و التلون ،فإنَّ دين اللهِ واحد} .
    قال الإمام السيوطي في رسالته الأمر بالإتباع [ص303تحقيق مشهور].
    [ و منها اختلافُ السريرة ،و العلانية ،و كان السلفُ إذا كلموا أحداً ،أو سلَّموا عليه سَلِمتْ له قلوبهم ،فلا يتكلمُون فيه إلا بخيرٍ في غيبتهِ ،و حضورهِ ،و إذا تكلموا في أحدٍ لبدعة ،أو فسقٍ ؛يعظونه ،و إذا مدحوا أحداً بقولٍ ؛لم يذموه بفعل ،و إذا ذموه بفعل ؛لم يمدحوه بقول؛لأنَّ ذا اللسانين ،و اختلاف الوجهين ،و اختلاف السر ،و العلنية ،نفاق ،كان بعضُ السلفِ يقول :{ما ذكر عندي إنسانٌ ؛إلا مثلته جالساً ،فقلتُ في غيبته ،ما أحبُ أنْ يسمع}.]اهــ
    فما رأينا من هذا القومِ ؛إلا تأجيج الفتن ،و إشعال حطبها –عياذاً بالله- في حين ربما كنا نحسنُ الظن بهم نوعاً ما ،و هذا ما اضطرنا لكتابة هذه الأسطر نصحاً ،و تذكيراً ،ومن باب قوله تعالى:{فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}.
    و تبيين الحق ،ورد المقالات الضعيفة ،ليس مما يكره العلماء ،بل يمدحون صاحبه ؛لأنَّه من النصح .
    قال الإمام ابن رجب الحنبلي –رحمه الله تعالى-في رسالته الفرق بين النصيحة ،و التعيير ضمن مجموع رسائله[2/405-406]: (فرد المقالات الضعيفة ،و تبين الحق في خلافها ،بالأدلة الشرعية ،ليس هو مما يكره العلماء ،بل مما يحبونه ،و يمدحون فاعله ،و يثنون عليه ،فلا يكون داخلاً في الغيبة بالكلية ،فلو فرض أن أحداً يكره إظهار خطئه المخالف للحق ؛فلا عبرة بكراهته لذلك ،فإن كراهة إظهار الحق ،إذا كان مخالفا لقول الرجل ؛ليس من الخصال المحمودة ،بل الواجب على المسلم ،أن يحب ظهور الحق ،و معرفة المسلمين به ،سواء كان ذلك في موافقته ،أو مخالفته ،و هذا من النصيحة لله ،و لكتابه ،و رسوله صلى الله عليه و سلم ......)اهــ و فيه كلام مفيد.
    لكنَّ القلبَ إذا كان قاسياً ؛لا تؤثرُ النصائحُ فيه –عياذاً بالله-.
    قال الإمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة[1/335]: (فإذا كان القلبُ قسياً حجرياً لا يقبل تزكية ،و لا تؤثر فيه النصائح ،لم ينتفع بكل علم يعلمه.....
    ...فإذا كان القلبُ قاسياً غليظاً جافياً ؛لا يعمل فيه العلم شيئا...)اهـ المراد منه.
    و من أفضَلِ النعمِ على العبدِ ،قبوله للحقِ ،و العدل ،و حبه ،و إيثاره.
    قال الإمام ابن حزم في كتابه مداواة النفوس ص[31]: (أفضلُ نعم اللهِ على العبد ،أنْ يطبعه على العدل ،و حبه ،و على الحق ،و إيثاره.)اهــ
    لكنْ إذا تبين الحقُ لشخصٍ، و تركه ،أو قصر في طلبه ؛فإنَّه يلحقه الذم.
    قال شيخ الإسلام في الاقتضاء [2/85]: (و يلحق الذم من تبين له الحق ؛فتركه ،أو من قصر في طلبه ،حتى لم يتبين له ،أو أعرض عن طلب معرفته ،لهواه ،أو لكسل ،أو نحو ذلك.)اهــ
    و لكن "...لقد أسمع منادي الإيمان ،لو صادف آذناً واعية ،و شفت مواعظ القرآن ،لو وافقت قلوباً من غيها خالية ،و لكنْ عصفت على القلوب أهوية الشبهات ،و الشهوات ؛فأطفأت مصابيحها ،و تمكنت منها أيدي الغفلة ،و الجهالة ؛فأغلقت أبواب رشدها ،و أضاعت مفاتيحها ،وران عليها كسبها ؛فلم ينفع فيها الكلام ،و سكرت بشهوات الغي ،و شبهات الباطل ؛فلم تصغ بعده إلى الملام ،ووعظت بمواعظ أنكى من الأسنة ،و السهام ،و لكن ماتت في بحر الجهل ،و الغفلة ،و أسر الهوى ،و الشهوة و"ما لجرح بميت إيلام". "(
    [40])
    و المغفل الذي يخطئ كثيراً لا يعتمد عليه في الرواية عند المحدثين.
    قال ابن رجب في شرح العلل(1/375) :"فكل من كان متهماً في الحديث بالكذب ،أو كان مغفلاً يخطئ كثيراً ؛فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل بالرواية عنه."اهــ
    و كذلك من بين له غلطه ،و لم يرجع ،و عاند ؛يترك ،و تسقط جميع مروياته.
    قال الإمام السخاوي في فتح المغيث[2/273-274دار المنهاج](
    [41]): ("ثم إنْ بُيَّن له"بضم أوله ،و نون ساكتة مدغمة في اللام ،أي:الراوي الذي سها ،أو غلط ،ولو مرة"غلط فما رجع" عن خطئه،بل أصر عليه"سقط عندهم" أي:عند المحدثين"حديثه" بل مرويه"جُمَع"بضم الجيم وزن مضر.
    و ممن صرح بذلك شعبة ،و غيره كما سيأتي آخر المقالة "و كذا" عبد الله بن الزبير"و ابن المبارك" عبد الله،وغيرهم"رأوا"إسقاط حديث المتصف بهذا"في العمل" احتجاجاً ،و رواية،حتى تركوا الكتابة عنه.
    "قال" ابن الصلاح:"و فيه نظر" و كأنه قد لا يثبت عنده ما قيل له ،إمَّا لعدم اعتقاده علم المبين له ،و عدم أهليته ،أو لغير ذلك.
    قال:"نعم إذا كان"عدم رجوعه"عناداً"محصاً"منه"لا حجة له فيه ،و لا مطعن عنده بيده فـ"ما ينكر ذا"أي:القول بسقوط رواياته ،و عدم الكتابة عنه.
    و يرشد لذلك قول شعبة حين سأله ابن مهدي:من الذي تترك الرواية عنه؟ما نصه:إذا تمادى في غلط مجمع عليه ،و لم يتهم نفسه عند اجتماعهم أو رجل يتهم بالكذب.
    و نحوه قول ابن حبان(
    [42]): من تبين له خطؤه ،و علم ؛فلم يرجع ،و تمادى في ذلك ،كان كذاباً بعلم صحيح.
    قال التاج التبريزي:لأنَّ المعاند كالمستخف بالحديث بترويج قوله بالباطل،و أمَّا إذا كان عن جهل ؛فأولى بالسقوط ؛لأنَّه ضم إلى جهله إنكاره الحق ،و كأن هذا فيمن يكون في نفسه جاهلا مع اعتقاده علم من أخبره .).اهـــ
    مع هذا كله قد تحملك الحمية الجاهلية ،و العصبية الشيطانية ،و ترد الحق لأنَّ الذي ينصحك أقل منك في السن ،أو.أو...وغير ذلك مما يرميه إبليس في قلبك من الشبه.
    قال الإمام الشوكاني في آداب الطلب[ص142]: ( و من الآفات المانعة من الرجوع إلى الحق ،أن يكون المتكلم بالحق حدث السن ،بالنسبة إلى من يناظره ،أو قليل العلم ،أو الشهرة في الناس ،و الآخر بعكس ذلك ،فإنه تحمله حمية الجاهلية ،و العصبية الشيطانية على التمسك بالباطل ،أنفة منه عن الرجوع إلى قول من هو أصغر منه سناً ،أو أقل منه علماً ،أو أخفى منه ).اهــ
    و يجدر بنا هنا أنْ نذكرَ كلاماً نفيساً للإمام ابن القيم ،و يتعلق بالمقام.
    فقال –رحمه الله- في كتابه طريق الهجرتين[ً277دار ابن القيم]: ("قاعدة": كمال العبد و صلاحه يتخلف عنه من إحدى جهتين:إما أن تكون طبيعته يابسة قاسية غير لينة ،و لا منقادة ،و لا قابلة لما به كمالها ،و فلاحها ،و إما أن تكون لينة منقادة سلسة القياد ،لكنها غير ثابتة على ذلك ،بل سريعة الانتقال عنه ،كثيرة التقلب ،فمتى رزق العبد انقياداً للحق ،و ثباتاً عليه فليبشر ،فقد بشر بكل خير ،و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. )اهــ
    و قد بيَّنا فِي أولِ هَذِهِ الرسالةِ بعْضَ الأمراضِ الأخرى ؛التي قَدْ تعتري الإنسانَ،و تصرفه عن هدى الرحمن ،و مواعظ السنة ،و القرآن-نسأل الله السلامة و العافية في الدنيا و الآخرة-.
    و نحن عازمون بإذن الله تعالى على الكتابة في هذا الموضوع ؛لأهميته ،و عظيم خطره -فنسأله سبحانه التوفيق ،و السداد-.
    و مع ذلك كله يجبُ على الإنسانِ أنْ يراقبَ اللهَ عزوجل في أقوالهِ ،و أفعالهِ ،فالأمرُ ليس بالهين ؛لأنَّ الأصلَ في أعراض المسلمين الحرمة.
    عن أبي هريرة –رضي الله عنه-أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟)،قالوا الله و رسوله أعلم،قال: (ذكرك أخاك بما يكره)،قيل :أفرأيت إنْ كان في أخي ما أقول؟قال: (إنْ كان فيه ما تقول ؛فقد اغتبته،و إنْ لم يكن فيه ؛فقد بهته)أخرجه مسلم(2589).
    و أخرج أبوداود(3597)عن ابن عمر –رضي الله عنهما-مرفوعا: (و مَنْ قال في مؤمنٍ ما ليس فيهِ ؛أسكنهُ اللهُ ردغة الخبالِ حتى يخرج مما قال ).
    و لكنْ رُخِصَ الكلامُ في الجرحِ ،و التعديلِ ،للمصلحة العامة ؛ولأنَّه من النصح.
    قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح العلل(1/347): (مقصود الترميذي –رحمه الله-أنْ يبين أنَّ الكلام في الجرح ،و التعديل ،جائزٌ قد أجمع عليه سلف الأمة ،و أئمتها ،لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله.
    و قد ظن بعض من لا علم عنده أنَّ ذلك من باب الغيبة المحرمة ،و ليس كذلك ،فإنَّ ذكرَ الرجلِ إذا كان فيه مصلحةٌ ،و لو كانت خاصة ،كالقدحِ في شهادة شاهد الزور ؛جائزٌ بغير نزاع ،فما كان فيه مصلحةٌ عامة للمسلمين أولى....)انتهى المراد منه.
    و قد جمع بعضُهم ما يجُوزُ فيه الجرحُ نُصْحَاً لدين اللهِ ،و أجمع عليهِ العلماءُ ،فقال:
    القـدحُ ليـس بغيبةٍ فـــــي ستـةٍ مُتَظَلِّــمٍ و مُعَــرفٍ و محـذرِ
    و مجاهر فسقاً و مستفت ومن طلبَ الإعانة في إزالةِ منكر
    و الأدلةُ على ذلك مشهورةٌ معلومة ،و ذكرَ العلمَاءُ من ذلك جملةً في كتبهم،فليراجع ما كتب في هذا الموضع من أراد مزيد الإطلاع.
    و قد تقدَّمَ ذكرُ شروطِ الجارِحِ ،و المُعَدِلِ ،فلا حاجة لإعادةِ ذكرها هنا .
    و الحكمُ بين الناسِ في عقائدهِمْ ،و أقوالهِمْ ؛أعظمُ من الحُكْمِ بينهم في مبايعهِمْ ،و أموالهِمْ.
    و لقدْ أمَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ بحفظِ اللسانِ ،و عدمِ الخوضِ فيما لا يعلمُهُ الإنسانُ،فقال سبحانه:{و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا}،و قال عزوجل:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد}،و في حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-أنَّ النبي صلى اللهُ عليه و سلم يقول: ( إنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يتبين فيها ؛يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق ،و المغرب)متفق عليه،و قال عليه الصلاة و السلام: (من كان يؤمن بالله ،و اليوم الآخر ؛فليقل خيراً ،أو ليصمت)متفق عليه.
    و كما تقدم قد تخفى بعضُ الأمورِ على أناسٍ ،و لا تخفى على آخرين ،فلا يُحَجَّرُ على مَنْ تكلم بعلمٍ ،و ثبتت أهليته ،و التعاونُ على البرِ ،و التقوى أمرٌ مطلوب ،و مهما يكون ؛فإنَّ الفرقة الناجية لا يضرهم من خالفهم ،و لا من خذلهم إلا قيام الساعة ،و الله تعالى يحفظ دينه ،و من يدافع عنه ،و من أحسنَ ؛فإنَّما يحسن لنفسهِ ،فدينُ اللهِ محفوظ.
    أمَّا من يتعصب لشخصٍ كائناً من كان، فيوالي من أجله ،و يعادي من أجله ؛فهو من الذين فرقوا دينهم ،و كانوا شيعاً،و اللبيب بالإشارة يفهم.
    قال شيخ الإسلام في الفتاوى[29/28]: (و من نصب شخصاً كائناً من كان فوالى و عادى على موافقته في القول و الفعل فهو{من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعاً}الآية،و إذا تفقه الرجل ،و تأدب بطريقة قوم من المؤمنيين مثل:اتباع الأئمة ،و المشايخ :فليس له أن يجعل قدوته ،و أصحابه هم المعيار ،فيوالي من وافقهم ،و يعادي من خالفهم ،فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه ،و العمل به،فهذا زاجر ،و كائن القلوب تظهر عند المحن.)اهــ
    و في الأخير هذا ما تيسر جمعه ،و أمكن الإنسان كتبه ،و الفضل لله تعالى و حده.
    و أذكر للحاسد " قول من قال ،و أحسن في المقال:إن أعراض المؤلفين أغراض لسهام ألسنة الحساد ،و حقائب تصانيفهم معرضة لأيدي النظارة تنتهب فوائدها ،ثم ترميها بالكساد لا سيما في زمان بدل نعيمه بؤساً ،و عد جيده منحوساً ،قد ملأ الحسد من أهله جميع الجسد ،و قادهم الغرور بحبل من مسد ،فكأنما عناهم من قال:
    إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحاً مني و ما سمعوا من صالح دفنوا
    صـم إذا سمعوا خـيراً ذكرت بـه و إن ذكـرت بسوء عنـدهم أدنـوا
    أومن قال:
    إن يعلموا الخير أخفوه و إن علموا شراً أذاعوا و إن لم يعلموا كذبوا
    فهم يجادلون في الحق بعد ما تبين ،و ترى نفوسهم الموت من قبوله أهون فالعاقل بينهم مذموم مهجور ،و المعجب برأيه معزوز ،و منصور إلا أني أعود فأقول :عدم المبالاة بذلك أحرى ،و التأليف ربما انتفع به فأجرى لصاحبه أجراً ،و أتعلل بقول البدر الدماميني:هبْ أنَّ كلاً بذل في مطاوعة الهوى مقدوره ،و التهب حسداً ليطفئ نور البدر{و يأبى الله إلا أن يتم نوره}هل هي إلا منحة أهداها الحاسد من حيث لا يشعر ،و فعلة ظن أنها تطوي جميل الذكر، فإذا هي له تنشر كما قال القائل:
    و إذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود . "(
    [43])
    قال الإمام ابن حزم في كتابه مداواة النفوس[ص84]: (و إذا ورد عليك خطابٌ بلسانٍ ،أو هجمت على كلامٍ في كتاب ،فإياك أنْ تقابله بالمغاضبة الباعثة على المغالبة ،قبل أن تتيقن بطلانه ببرهان قاطع ،و أيضاً فلا تقبل عليه إقبال المصدق المستحسن إياه ،قبل علمك بصحته ببرهان قاطع ،فتظلم في كلا الوجهين نفسك ،و تبعد عن إدراك الحقيقة ،و لكنْ إقبال سالم القلب عن النزوع عنه ،و النزوع إليه ،لكن إقبال من يريد حظ نفسه في فهم ما سمع ،و رأى ،و التزود به علماً ،و قبوله إن كان حسناً ،أو رده إن كان خطأ.)اهـــ
    و نسألُ اللهَ أنْ يشرحَ صدورنا للحقِ ،و أنْ يوفقنا ،و جميع الصالحين لما يحبه ،و يرضاه.
    و صلى اللهُ على مُحَمداً و على آلهِ و صحبه و سلم إلى يوم الدين.
    كـــــــتبــه:
    أبو الطفيل مختار بن موسى بن عمار البرجي الجزائري

    بمحافظة البرج حفظها الله تعالى .


    1- إن لم أصرح بأسمائهم ،لكن القرائن تشير إليهم قال التفتازاني في المطول شرح تلخيص المفتاح[ص185دار إحياء التراث]: (الباب الثاني "أحوال المسند إليه"
    ....(أما حذفه) قدمه على سائر الأحوال لأنه عبارة عن عدم الإتيان به و هو مقدم على الإتيان لتأخر وجود الحادث عن عدمه.
    و الحذف يفتقر إلى أمرين:
    أحدهما :قابلية المقام و هو أن يكون السامع عارفا به لوجود القرائن.
    الثاني:الداعي الموجب لرجحان الحذف على الذكر....)اهــ المراد منه
    راجع كذلك الدسوقي حو حذف المسند إليه(1/274)انظر كذلك دلائل الإعجاز للجرجاني (ص121)حول لطف هذا المسلك

    [2]- أخرج ابن عبد البر في جامع بيان العلم رقم(1413)و الآجري في الشريعة و ابن بطة (86)بإسناد حسن عن عطاء بن أبي رباح في تفسير هذه الآية قال "إلى الله"إلى كتابه،و إلى "الرسول":إلى سنتة رسول الله صلى الله عليه و سلم ،و أخرج ابن عبد البر بسند صحيح عن ميمون بن مهران قال:"إلى الله" :إلى كتابه ،و إلى "الرسول"قال:مادام حيا،فإذا قبض فإلى سنته و أخرجه كذلك ابن بطة و اللالكائي (76)و الهروي في ذم الكلام(222)من طرق عن و كيع عن جعفر بن برقان به أ،فاد هذا الأخوان نجيب الشرعبي و محمد الظرافي –رحمه الله-في تحقيقهما لكتاب جامع بيان العلم(2/146دار كنوز دماج).

    [3]- انظر تفسير القرطبي(5/261-263)،و كذلك مجموع الفتاوى لابن تيمية[ 7/37-38]حول نقل الاتفاق على هذا الأصل ،و الرسالة التبوكية لابن القيم ص(133-134)وغيرها من المصادر.

    - [4] في درء تعارض العقل و النقل[5/282]:

    [5] - [مجموع الفتاوى(14/289)

    [6]- [مجموع الرسائل لشيخ الإسلام6/142-143]

    - [7] [مجموع رسائله(6/145-146)]-

    - [8][بيان تلبيس الجهمية(1/149)]بتصرف.

    - [9] [أعلام الموقعين ص(113-114)دار الكتاب العربي]بتصرف.

    - [10] [التحفة العراقية لشيخ الإسلام ص299-301] بتصرف.

    [11]- [أعلام الموقعين ص77]

    [12]- [الوابل الصيب للإمام ابن القيم ص123دار عالم الفوائد]

    [13]- [لوائح الأنوار السنية للسفاريني1/294فمابعد]بتصرف.

    [14] -[بيان تلبيس الجهمية1/57-58]

    [15]- -[الموافقات1-2/472 م الرسالة ناشرون]

    -[16] [شرح الطحاوية ص76-77ط م الرسالة]

    [17]- [مجموع الفتاوى(18/272-273)]

    [18]- [رسالة في أمراض القلوب و علاجها لشيخ الإسلام ص19 دار الوراق]

    [19]- قد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:"يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه و ينسى الجذع أو الجذل في عينه معترضا"أخرجه البخاري في الأدب المفرد(592)و أحمد في الزهد(ص178)،وروي مرفوعاً ،و هو غير محفوظ راجع السلسلة الصحيحة(33)

    [20] - حديث حسن أخرجه أبودود(3573)و الترميذي(1322) و النسائي "الكبرى"(5922) و ابن ماجة (2315) والحاكم (4/90)

    [21]- [درء تعارض العقل و النقل]

    [22]- [منهاج السنة1/369 دار الكتب العلمية]

    [23] -[الفتاوى4/154]-

    [24]- [الفتاوى13/135-136]

    [25]- [مجموع الفتاوى7/37]

    [26]- (مقتبس من كلام شيخ الإسلام)

    [27]- هذا التركيب الصحيح سماعه لا كما قال ابن هشام في" المغني "إنه لحن،و قال في شرح الشذور ص(115دار الكتب العلمية): (و أما ما يقع في عبارات العلماء من قولهم:"لاغير"فلم تتكلم به العرب،فإما أنهم قاسوا"لا"على"ليس" أو قالوا ذلك سهوا عن شرط المسألة)،و ذكر له ابن مالك في شرح التسهيل(3/209) شاهدا كما في باب القسم.

    [28]- [القول المفيد للشوكاني (ص88)]

    [29]- [إرشاد النقاد للصنعاني(ص60)]

    [30]- راجع إرشاد الفحول(ص717دار ابن كثير)،و البحر المحيط(5/211)

    - [31] أعلام الموقعين [ص460دار الكتاب العربي] بتصرف.

    - [32] {الرد على المنطقيين } بتصرف.

    [33]- و نقله صديق حسن خان في كتابه الماتع الحطة في ذكر الصحاح الستة ص253 بتحقيق شيخنا العلامة يحي بن علي الحجوري حفظه الله تعالى –و راجع الكتاب المذكور حول عدم التحديد بسن معين من أجل التحديث و مدار ذلك على التأهل و انظر كذلك كتاب قضاء الوطر في نزهة النظر (3/1630)لبرهان الدين اللقاني حول مسألة التأهل و كذلك كتاب المقنع(1/394-395)للحافظ سراج الدين عمر بن علي بن أحمد المشهور بابن الملقن ،و غيرها من الكتب.

    [34]- راجع كذلك النزهة للحافظ ابن حجر ص(189فمابعدها)،ونقله كذلك الصنعاني في إسبال المطر على قصب السكر مقرا له
    (269-271)

    [35]- راجع شرح مختصر الروضة(1/418)و الفروق(1/296)

    [36] - انظر البحر المحيط (5/201)التحبير شرح التحرير(7/3383)،رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب(4/334)للسبكي الإبهاج(3/1522)له كذلك ،شرح الكوكب المنير(ص494ذار الكتب العلمية)،علم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف(ص169)دار العقيدة،إرشاد الفحول للشوكاني(ص718)دار ابن كثير

    [37] - راجع شرح تنقيح الفصول(ص8) البحر المحيط(1/255)

    [38] - راجع من أجل هذه المسألة و نقل الإجماع فيها الروضة(2/57)،و الموافقات(4/140فما بعدها)و غيرها،وقد نقل بعضهم إجماع الشرائع انظر البحر المحيط للزركشي(3/493)

    [39]- راجع لهذه المسألة البحر المحيط(5/208وبعدها)الإبهاج(3/1521)نفائس الأصول للقرافي(7/3404)التحبيرللمرداوي(7/3379وبعدها)وذكرنا كل ذلك في رسالتنا التبيين لأهمية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في هذا الدين(ص40وما بعدها)و هي منشورة في شبكة العلوم السلفية لمن أريد مزيد الإطلاع.

    [40] - الوابل الصيب لابن القيم (ص127)دار عالم الفوائد

    [41] - راجع كذلك توضيح الأفكار للإمام الصنعاني(2/156دار الكتب العلمية)

    [42]- راجع كتاب المجروحين له (1/78-79)

    [43] - حاشية الخصري على ابن عقيل(1/7-8)

    رابط تحميل الرسالة وورد وبي دي آف:هنا

  • #2
    ماشاء الله

    ماشاء الله رسالة قوية جدا بارك الله في اخينا مختار

    تعليق

    يعمل...
    X