الذب عن الصحابي الجليل أبي بكرة
وعن مروياته
وعن أئمة الإسلام والسنة الذين قبلوا هذه المرويات
كتبه : ربيع بن هادي المدخلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد – فقد وقفت على مقال للدكتور/ محمد بن سليمان الأشقر ، عنوانه " نظرة في الأدلة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها " .
ثم قال : إن أهم مستند يستند إليه من يدَّعون أن الشرع الإسلامي يمنع من مشاركة المرأة في الميادين المتقدمة هو الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري ح 4425 و7099 وأخرجه أيضاً الإمام أحمد في مسنده برقم 204038 و20402و20455 كلاهما عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " هذا لفظ البخاري .
وعند أحمد " لا يفلح قوم تملكهم امرأة " .
ثم قال : " هذا الحديث هو المستند الرئيسي لكل من يتكلم في هذا الأمر ، ولم يرد هذا الحديث من رواية أيَّ صحابي آخر غير أبي بكرة .
وتصحيح البخاري وغيره لهذا الحديث وغيره من مرويات أبي بكرة رضي الله عنه هو أمر غريب لا ينبغي أن يقبل بحال ، والحجة في ذلك ما عرف في كتب التاريخ الإسلامي كما عند الطبري وابن كثير وغيرهما أن أبا بكرة قذف المغيرة ابن شعبة بالزنى ووصل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأمر بحضور الرجلين من الكوفة إليه في المدينة فسألهما عن ذلك وطلب عمر رضي الله عنه من أبي بكرة أن يأتي بشهوده على ما ادعاه فلم تتم الشهادة التي هي كما قال الله تعالى أربعة شهود ، قال الله تبارك وتعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) سورة النور ، الآية (4) .
فحكم على من يقذف امرأة محصنة والرجل المحصن مثلها بثلاثة أحكام :
الأول أن يجلد ثمانين جلدة ، والثاني أن تسقط شهادته فلا تقبل شهادته بعد ذلك على شيء والثالث أنه محكوم عليه بالفسق ، وتمام الآية ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) .
ولي مع الدكتور محمد في فكره ومنهجه في النقد وقفات :
الوقفة الأولى : ما هي أدلتك على مشروعية مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية وفي المجالس النيابية ونحوها كأن تتولى منصب القضاء أو إمارة قرية أو مدينة أو أن تتولى رئاسة الوزراء ، أو أن تكون نائبة في البرلمان .
1- هل عندك أدلة من كتاب الله وسنة رسوله من قوله أو فعله أو تقريره أو من إجماع الأمة أو من تطبيق الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، فإن الله تعالى قد أمر المؤمنين إذا اختلفوا في شيء أن يردوه إلى الله وإلى رسوله .
قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) .
وقال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) .
وقال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
وقال رسول الله : " وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " .
وهذه المناصب دينية ومن فروض الكفايات ولم يعط الإسلام منها شيئا للمرأة .
2- إن إسناد شيء منها للمرأة من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله في كتابه ولا رسوله في سنته ولا فعله الخلفاء الراشدون وحذر منه النبي من جهتين :
الجهة الأولى: كونه بدعة فيتناوله كل الأحاديث التي حذرت من البدع، ومنها هذا الحديث الذي سقناه آنفا بل يتناوله قول الله تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ) .
والجهة الثانية: أن إسناد شيء من هذه المناصب إلى المرأة يتناوله أحاديث النهي عن التشبه بالكفار ، والإسلام أكثر أصوله قائمة على مخالفة الكفار .
وقد ألف شيخ الإسلام في هذا الموضوع كتابه العظيم " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " .
ويتناوله قول الرسول " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " .
3- لقد كرم الإسلام المرأة سواء كانت أما أو زوجة أو بنتا أو أختا أو ذات قربى ورحم وبين الله غاية البيان مالها من حقوق ولو كانت هذه المناصب أو شيء منها يصلح لها لبينه الله غاية البيان .
الوقفة الثانية عند رميه للصحابي الجليل أبي بكرة بالكذب والفسق ودعوته إلى رد ما رواه عن النبي
وهذا عمل فظيع فيه جرأة منكرة مخالفة للكتاب والسنة في احترام أصحاب محمد والإشادة بمكانتهم ورضى الله عنهم , ثم إجماع العلماء على قبول رواية هذا الصحابي الكبير فلقد استشهد الأشقر بقوله تعالى في القاذفين: ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) وبقوله فيمن قذف عائشة -رضي الله عنها- (فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) .
ثم قال في حق أبي بكرة -رضي الله عنه- :" فإن الآية تدمغه بالفسق والكذب وهذا يقتضي رد ما رواه عن النبي مما انفرد به كهذا الحديث العجيب " لن يفلح قوم تملكهم امرأة" فينبغي أن يضم هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي ".
أقول : إن الغريب العجيب هو هذا الرأي الفج الباطل لا تصحيح البخاري وغيره لمرويات الصحابي الجليل ذي المنـزلة الكبيرة عند الأمة، المعروف بصدقه وأمانته وورعه ونصحه للإسلام والمسلمين ، فلم يشك العلماء من هذه الأمة في صدق وأمانة الصحابي الجليل أبي بكرة رضي الله عنه ولم يتهمه أحد بالفسق ولا بالكذب .
وقد أجمعوا على قبول روايته حتى من يرى منهم أن التوبة لا تزيل الفسق عن القاذف وحتى من يشترط منهم لصحة توبته أن يكذب نفسه فيما قذف به محصنة من المحصنات أو محصناً.
كلهم أطبقوا على احترامه وقبول روايته لأمور :
1- منها أنه شاهد من الشهود وليس بقاذف .
2- ومنها أنه من فقهاء الصحابة المجتهدين فرأى أنه غير قاذف ، والحد الذي أقيم عليه لا لقذفه ولا لكذبه ولكن لاضطراب أحد الشهود الذي كان سببا في عدم اكتمال نصاب الشهادة المشروطة في كتاب الله .
ومن هنا ترى في الرواة عنه الأحنف بن قيس والحسن البصري وهو من القائلين بأن شهادة القاذف لا تقبل أبداً إنما توبته فيما بينه وبين الله؛ لأنه لا يرى أبا بكرة قاذفاً ولا فاسقاً.
ومحمد بن سيرين ، وأبو عثمان النهدي وهو ممن شهد القصة عند عمر وربعي بن حراش وحميد بن عبد الرحمن الحميري .
وترى روايته عن هؤلاء في أمهات الحديث من صحاح وسنن وجوامع ومسانيد وقد روى عنه الشيخان في صحيحهما أربعة عشر حديثاً، اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بواحد ، وأقول ومجموع رواياته عند الجماعة يبلغ حوالي خمسين حديثاً، وقال الخزرجي في الخلاصة : "له مائة واثنان وثلاثون حديثاً اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بآخر".
وروى عنه الإمام أحمد في مسنده حوالي مائة وخمسين حديثاً بالمكرر انظر مسنده (5/35-52).
وأجمع علماء الأمة على قبول أحاديثه والتشرف بروايتها .
فهل يلتفت إلى قول رجل يعيش في عصر الفتن الذي سادت فيه الحضارة الغربية الملحدة بإلحادها وعلمانيتها ومنها دعوتها إلى تحرير المرأة ومساواتها للرجل في كل شيء ، وناله هو وغيره كثير أو قليل من غبار هذه الفتن .
أيجوز لمسلم أن يلتفت إلى من هذا حاله فيدعوا إلى تكذيب صحابي جليل وتفسيقه ورد رواياته ونقلها من دواوين السنة المعتبرة، ومنها الصحيحان اللذان تلقاهما الأمة بالقبول إلى كتب الموضوعات ، إنها والله لإحدى الكبر .
يا أيها المسكين أترد إجماع علماء الأمة على احترام هذا الصحابي الجليل والتشرف بقبول مروياته في سائر الميادين العقدية والسياسية والفقهية ويسجلونها في دواوين السنة العظيمة وفي كتب الفقه والعقائد والتفسير .
ثم إن هذه الآية فيها تبرئة لعائشة أم المؤمنين التقية النقية البريئة التي نزلت براءتها من فوق سبع سماوات مما رماها به المنافق عبد الله بن أبي رئيس النفاق ومن شاركه من المنافقين في الدرجة الأولى فلا شك في بهتانهم وكذبهم فهم المقصودون بالتكذيب والوعيد في الدرجة الأولى ويلحق بعائشة زوجات الرسول حتى إن بعض المفسرين خص بهذا الوعيد من قذف عائشة -رضي الله عنها- وبعضهم خص زوجات الرسول فقط ، وإن كان الصواب أنه يلحق بهن أمثالهن من المحصنات الشريفات وإن كن لا يلحقنهن في علو المنـزلة ولا يكون قاذف غيرهن بمنـزلة من يقذفهن في الفجور والسفول والكذب الواضح الفاضح.
والمرأة التي شهد عليها أبو بكرة ومن معه بعيدة كل البعد عن حال عائشة الطاهرة النقية، وحال أبي بكرة غير حالة هؤلاء المنافقين ومن يشابههم في الفجور والكذب؛ من أجل هذه الفروق أعطى علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا أبا بكرة المنزلة الكريمة التي يستحقها .
فقد كان أبو بكرة يروي الأحاديث العظيمة التي تتعلق بقضايا الأمة الكبرى فلم يكذبه أحد ولم ينكر عليه أحد في شيء من هذه المرويات لا الصحابة ولا التابعون ولا علماء الأمة ولم ينـزل عليه أحد منهم هذه الآية ولا تلك كما نزلهما عليه محمد الأشقر في القرن الخامس عشر الهجري يفعل هذا محمد الأشقر فيما اعتقد لا تنكراً للإسلام ولكنها الغفلة والتقليد الأعمى لمن تأثر بالنظريات الغربية من الزعماء السياسين الذين انبهروا بالحضارة الغربية وتأثروا بنظرياتها الفاسدة وألبسوها لباس الإسلام ومنها الحرية والديمقراطية والمساواة ومنها مساواة النساء بالرجال في كل شيء ولا سيما الحقوق السياسية .
فمن قِبَلِ هؤلاء أتى هذا الرجل فيما أعتقد والله أعلم ونسأل الله له التوبة النصوح من هذه الورطة الكبيرة وغيرها .
مكانة أبي بكرة -رضي الله عنه- وفضيلته وإجماع الأمة على قبول روايته .
أولاً – هو داخل في عموم الصحابة الذين زكاهم الله وأثنى عليهم ووعدهم الحسنى قال تعالى في مدح أصحاب نبيه : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) .
وقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم وأمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) .
وقال تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) .
ويدخل في عموم قوله : " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق أيمانهم شهادتهم ويشهدون قبل أن يستشهدوا " .
قال الخطيب البغدادي -رحمه الله – باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم وإنما يجب فيمن دونهم ثم قال : "كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن , ثم ساق آيات وأحاديث في بيان فضلهم ومنزلتهم رضي الله عنهم " الكفاية (ص93-97) .
وعلى هذا المنهج كل علماء الإسلام والسنة إلى يومنا هذا أي على الإيمان بعدالة الصحابة جميعاً وقبول رواياتهم حتى المجهولين منهم ولم يستثنوا أبا بكرة ولا غيره في الفضائل ولا في قبول مروياتهم بل أجمع المسلمون على قبول رواية أبي بكرة كما أجمعوا على قبول روايات غيره لما علموا من سيرته أنه من خيار الصحابة وفقهائهم ، ولما علموا من صدقه وورعه وصدعه بالحق ونصحه للإسلام والمسلمين .
فمما يدل على ورعه ودينه وخوفه من الله وفقهه في الدين وبذل جهده في دفع الفتن عن الأمة وسعيه في جمع كلمة المسلمين روايته للأحاديث الآتية :
الأول : قال الإمام البخاري -رحمه الله- : حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال : لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي أن فارساً ملكوا ابنة كسرى قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .
روى هذا الحديث مع أنه كان يحب عائشة ويقدرها ويميل إلى نصرة قتلة عثمان فخالف كل ذلك وروى هذا الحديث .
قال الحافظ : وقد روى الحديث الترمذي والنسائي من طريق حميد الطويل عن الحسن البصري بلفظ " عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله قال فلما قدمت عائشة ذكرت ذلك فعصمني الله " .
وأخرج عمر بن شبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن أن عائشة أرسلت إلى أبي بكرة , فقال : إنك لأم وإن حقك لعظيم ولكن سمعت رسول الله يقول : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .
ونقل الحافظ عن المهلب قوله : "فلما انتصر علي عليهم حمد أبو بكرة رأيه في ترك القتال معهم وإن كان رأيه موافقاً لرأي عائشة في الطلب بدم عثمان .
وعلق عليه بقوله : وفي بعضه نظر يظهر مما ذكرته ومما سأذكره وتقدم قريباً في باب " إذا التقى المسلمان بسيفيهما " من حديث الأحنف أنه كان خرج ينصر علياً فلقيه أبو بكرة فنهاه عن القتال وتقدم قبله بيان قول أبي بكرة لما حُرَّق ابن الحضرمي ما يدل على أنه لا يرى القتال في مثل ذلك أصلاً فليس هو على رأي عائشة ولا على رأي علي في جواز القتال بين المسلمين أصلاً وإنما كان رأيه الكف وفاقاً لسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة عبد الله بن عمر وغيرهم ولهذا لم يشهد صفين مع معاوية ولا مع علي .
فواضح جداً من هذه الأحاديث التي يرويها , ومن مواقفه أنه من أهل التقى والورع والجد في السعي في إطفاء الفتن بين المسلمين ,
واعتراض الحافظ على المهلب فيه نظر لأن المهلب قال قبل هذا الكلام : " لأن المعروف من مذهب أبي بكرة أنه كان على رأي عائشة في طلب الإصلاح بين الناس ولم يكن قصدهم القتال ، لكن لما نشبت الحرب لم يكن لمن معها بد من المقاتلة ، ولم يرجع أبو بكرة عن رأي عائشة وإنما تفرس أنهم يغلبون لما رأى الذين مع عائشة تحت أمرها لما سمع في أمر فارس(1) " انظر الفتح (13/60-61)
الثاني : وكما روى أبو بكرة هذا الحديث روى حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " البخاري (6875) في الديات .
الثالث : روى البخاري في صحيحه كتاب الفتن حديث (7078) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة وعن رجل أفضل من عبد الرحمن أن رسول الله خطب الناس فقال:"ألا تدرون أي يوم هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال : حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال أي بلد هذا أليست بالبلدة الحرام ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ؟ قلنا : نعم ، قال : اللهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلَّغ يبلغه من هو أوعى له فكان كذلك ، قال لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .
فلما كان يوم حُرقَّ ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة قال : أشرفوا على أبي بكرة ، فقالوا : هذا أبو بكرة يراك .
قال عبد الرحمن فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال : " لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة ".
ورواه أحمد (5/39) وفيه ما بهشت إليهم بقصبة .
أي ما دافعتهم فكأنه قال مامددت يدي إلى قصبة ولا تناولتها لأدافع بها عن نفسي " .
الرابع : روى الإمام البخاري بإسناده إلى الحسن البصري في كتاب الصلح حديث (2704) قال : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله على المنبـر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" ، وقد رواه البخاري في مواضع أخر من صحيحه في فضائل النبي وفي المناقب وفي الفتن ورواه أبو داود والترمذي والنسائي .
رضي الله عنه ما أورعه وما أشد التزامه بسنة رسول الله وما أحرصه على تبليغ سنة رسول الله ولا سيما الأحاديث الدالة على تحريم قتال المسلمين بعضهم بعضاً في الفتن وفي ما يلم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم .
ثناء العلماء عليه :
1- قال الحسن البصري : " لم ينـزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة " .
2- قال ابن سعد وكان رجلاً صالحا ورعا ولما انتسب أخوه زياد إلى أبي سفيان هجره إلى أن مات , طبقات ابن سعد (7/16) والمصنف لعبد الرزاق (8/362) وهذا من أوضح الأدلة على نزاهته وصدقه في دينه وولائه لله وغضبه من أجله حيث هجر أخاه مع إكرامه الجزيل لأولاد أبي بكرة .
3- وقال أحمد بن عبد الله العجلي في ثقاته في أبي بكرة رضي الله عنه وكان من خيار أصحاب النبي " تهذيب الكمال (30/6) .
4- وقال أبو نعيم الأصفهاني :" كان رجلاً صالحا ورعا آخى رسول الله بينه وبين أبي برزة " تهذيب الكمال (30/6) وصلى عليه أبو برزة عند موته طبقات خليفة (ص 183) وتهذيب الكمال (30/9) .
5- وقال ابن عبد البر في ترجمة أبي بكرة : "وكان من فضلاء الصحابة وقال : وكان مثل النصل من العبادة حتى مات" انظر الاستيعاب (4/178-179) وأصله في المصنف لعبد الرزاق (8/362) وانظر العقد الثمين (7/348).
6- وقال ابن الأثير: " وكان من فضلاء أصحاب رسول الله وصالحيهم وكان كثير العبادة حتى مات وكان أولاده في البصرة مشهورين بكثرة المال والعلم والولايات" أسد الغابة (6/38) .
7- وقال الذهبي : " سكن البصرة وكان من فقهاء الصحابة " ، سير أعلام النبلاء (3/6).
وقد شك البيهقي في صحة قول أبي بكرة "قد فسقوني"(1) ، فقال: إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قذفه وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول : لم أقذف المغيرة وإنما أنا شاهد فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع لتعين الرجم ولما سموا قاذفين" سير أعلام النبلاء (3/7).
فهذا يدل أنه كان موضع ثقة عند الناس يصدقونه ويثقون بأقواله لأنه صاحب رسول الله .
8- وقال الحافظ ابن حجر : "وكان من فضلاء الصحابة وأنجب أولاداً لهم شهرة" الإصابة (6/252) .
9- وقال صاحب الرياض المستطابة في ترجمة أبي بكرة : " وكان من ذوي المزايا من أصحاب رسول الله نزل البصرة وشهد الجمل ولم يقاتل فيها " (ص 276) .
أسباب الإجماع على قبول مرويات أبي بكرة .
أولاً- من أهم أسباب قبول رواية الصحابي الكبير أبي بكرة -رضي الله عنه- والإجماع على قبولها ما عرف من صدقه في صحبته لرسول الله وما عرف من عبادته وزهده ونصحه للإسلام والمسلمين وأنه بهذه الصفات وغيرها ليس من الكذابين والفاسقين ولكل عموم تخصيص ولكل قاعدة شواذ كما يقال .
ثانياً - ومنها تفريقهم بين الرواية والشهادة(1) إذ يشترط في قبول الشهادة العدد من الاثنين إلى الأربعة كما يشترط فيها الحرية والذكورة بخلاف الرواية فإنها تقبل بعد العدالة والضبط من الواحد حراً كان أو عبداً ومن المرأة حرة كانت أو أمة .
قال الحافظ ابن حجر : وقد حكى الإسماعيلي في المدخل أن بعضهم استشكل إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بكرة في عدة مواضع ، وأجاب الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية وأن الرواية يطلب فيها مزيد تثبت لا يطلب في الرواية كالعدد والحرية وغير ذلك .
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطاً في قبول توبته لأن أبا بكرة لم يكذب نفسه ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها .
يعني أن أبا بكرة فقيه مجتهد وقد خالف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذا الشرط فمال المسلمون إلى رأي أبي بكرة لما علموا من الفرق بينه وبين القاذفين الكاذبين من الفساق والمنافقين والمجرمين الذين يغلب عليهم الكذب والفجور في القذف فقوله تعالى : ( فأولئك هم الكاذبون ) (وأولئك هم الفاسقون ) ينـزل على الغالب والغالب إنما يكون القذف من هذه الأصناف .
ومن هذا المنطلق أطبق علماء الإسلام من خيار التابعين فمن بعدهم من علماء الأمة وفضلائها وفقهائها على قبول رواية هذا الصحابي الجليل الذي لا أعلم أحداً من الأمة رماه بالكذب والفسق ودعا إلى رفض مروياته سوى محمد الأشقر.
وقد حكى الإجماع على قبول رواية أبي بكرة الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (2/559) بعد روايته لقصة أبي بكرة والمغيرة -رضي الله عنهما- فقال :"فأما قبول رواية أبي بكرة فمجمع عليه" ( 1/127) .
وحكى الحافظ ابن القيم – رحمه الله – في إعلام الموقعين (2/127) : " الإجماع على قبول رواية أبي بكرة " .
ثالثاً - ومنها تفريقهم بين القاذف الحقيقي وبين الشاهد ، 1- فقد قال القاضي أبو يعلى في العدة (3/947-948) : " فأما أبو بكرة ومن جلد معه فلا يرد خبرهم لأنهم جاءوا مجيء الشهادة وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في وجوب الحد ويسوغ فيه الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد ولأن نقصان العدد معنى من جهة غيره فلا يكون سبباً في رد شهادته".
2- وقال ابنُ عَقِيل في "الواضح في أصول الفقه" (5/27) :" قال أحمد: ولا يُرَدُّ خَبَرُ أبي بَكْرة _ ولا مَنْ جُلِدَ معه _؛ لأنَّهُم جاءُوا مجيءَ الشهادَةِ، ولم يأتُوا بصريح القذفِ.ويسوغُ فيه الاجتهادُ؛ ولا تُرَدُّ الشهادةُ بما يسوغُ فِيهِ الاجتهاد"
3- وقال أبو الخطاب الكلوذاني في التمهيد (3/127) فصل : "إذا كان الراوي محدوداً في قذف فلا يخلو أن يكون قذف بلفظ الشهادة أو بغير لفظها ، فإن كان بلفظ الشهادة لم يرد خبره ، لأن نقصان عدد الشهادة ليس من فعله ، فلم يرد به خبره ، ولأن الناس اختلفوا هل يلزمه الحد أم لا ؟ وإن كان بغير لفظ الشهادة رد خبره لأنه أتى بكبيرة إلا أن يتوب" .
4- وقال أبو إسحاق الشيرازي في اللمع (ص77) : "فأما أبو بكرة ومن جلد معه في القذف ، فإن أخبارهم تقبل لأنهم لم يخرجوا مخرج القذف ، بل أخرجوه مخرج الشهادة ، وإنما جلدهم عمر كرم الله وجهه باجتهاده فلم يجز أن يقدح بذلك في عدالتهم ولم يرد خبرهم " .
5- وفي المسودة لآل تيمية (ص258) " مسألة : المحدود في القذف إن كان بلفظ الشهادة ، فلا يرد خبره لأن نقص العدد ليس من فعله ولأن ذلك يسوغ فيه الاجتهاد ولذلك روى الناس عن أبي بكرة ، وإن كان بغير لفظ الشهادة لم يقبل حتى يتوب ذكر ذلك القاضي وأبو الخطاب والمقدسي وابن عقيل وذكر عن أحمد ما يدل عليه .
6- وقال محمد بن أحمد الفتوحي المشهور بابن النجار في شرح الكوكب المنير (ص385-387) : " قال أصحابنا وغيرهم : إن قذف بلفظ الشهادة قبلت روايته لأن نقص العدد ليس من جهته ، زاد القاضي في "العدة" : وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في الحد ويسوغ فيه الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد وكذا زاد ابن عقيل ، قال الشيرازي في "اللمع" : " وأبو بكرة ومن شهد معه تقبل روايتهم لأنهم أخرجوا ألفاظهم مخرج الإخبار ، لا مخرج القذف ، وجلدهم عمر باجتهاده " ، (ويحد ) القاذف بلفظ الشهادة مع قبول روايته .
قال في "شرح التحرير" اتفق الناس على الرواية عن أبي بكرة والمذهب عندهم يحد ، وروي عن أحمد والشافعي أنه لا يحد .
قال ابن مفلح : فيتوجه من هذه الرواية بقاء عدالته ، وقاله الشافعية ، وهو معنى ما جزم به الآمدي ومن وافقه ، وأنه ليس من الجرح ، لأنه لم يصرح بالقذف" .
7- وقال الحنفية بقبول رواية المحدود في القذف مطلقاً سواء كان محدود الشهادة أم غيرها وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة نفي قبول روايته مطلقاً لكن الكمال قال والظاهر من المذهب خلافه ، تيسير التحرير (3/55،47) نقلته من حاشية شرح الكوكب المنير عن المحققين الدكتور محمد الزحيلي والدكتور نزيه حماد .
الوقفة الثالثة عند تخريجه للحديث
حيث قال أخرجه البخاري ح 4425 و 7099 وأخرجه أيضاً الإمام أحمد في مسنده برقم 20438 و 20402 و 20455 ، كلاهما عن أبي بكرة رضي الله عنه .
وساق الحديث بلفظ " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " .
وبلفظ " لا يفلح قوم تملكهم امرأة " .
وأقول أخرجه أيضا الترمذي في جامعه أبواب الفتن حديث 2262 وابن حبان في صحيحه ( 4516 ) والحاكم في المستدرك ( 3/ 118 ) و (4/ 291 ) والبيهقي ( 3/ 90 ) و ( 10/ 117 ) والبغوي في شرح السنة (2486) والنسائي ( 8/227 ) حديث ( 5388 ) باب النهي عن استعمال النساء في الحكم.
ومن ألفاظه في البخاري : "لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله أيام الجمل بعدما كدت الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم" .
وفي الترمذي : " لقد عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله فلما قدمت بعائشة على البصرة ذكرت قول الرسول فعصمني الله به" .
فانظر إلى فقه هذا الصحابي وشدة تمسكه بسنة رسول الله واعترافه بأن الله قد عصمه بكلمة سمعها من رسول الله ولذلك دلالته التي لا يعرف قدرها إلا الأتقياء فكان ينبغي للأشقر أن يذكر هذه الألفاظ التي تدل على فقهه وصدق دينه وورعه .
الوقفة الرابعة عند قوله :" هذا الحديث هو المستند الرئيسي لكل من يتكلم في هذا الأمر ".
أقول : لو كان حديث أبي بكرة هو مستندهم الوحيد لكفاهم ، كيف لا وهو مما تلقته الأمة بالقبول ولم يطعن فيه أحد من أئمة الحديث الجهابذة ولا غيرهم من أئمة الإسلام .
وكيف لا يقبلونه ويحتجون به في أن المرأة لا يجوز أن تتولى المناصب الدينية والسياسية .
وعندهم أدلة من الكتاب والسنة النبوية القولية والعملية .
فمن الأدلة القرآنية قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) الآية 34 من سورة النساء .
قال ابن كثير في تفسيرها : " يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه .
وكذا منصب القضاء وغير ذلك " تفسير القرآن العظيم ( 1/503 ) .
انظر كيف ربط الحافظ ابن كثير بين الآية والحديث ، بل استخرج من الآية ما هو أوسع من مدلول الحديث .
وارجع إلى كتب التفسير لترى أن تفسيرهم للآية لا يختلف عن تفسير ابن كثير انظر تفسير القرطبي وغيره .
ومن السنة حديث أبي بكرة هذا .
وقوله للنساء " إنكن ناقصات عقل ودين "
ومن السنة الفعلية والتركية أن رسول الله كان يسند المناصب كلها إلى الرجال ولا يسند منها شيئاً إلى النساء .
ولذلك سار على نهجه خلفاؤه الراشدون ، كانوا يسندون المناصب الكبيرة والصغيرة إلى الرجال دون النساء ولي رسالة في بيان حقوق الرجال والنساء في الإسلام .
الوقفة الخامسة عند قوله : " ولم يرد هذا الحديث من رواية أي صحابي آخر غير أبي بكرة ".
أقول : هل تريد أن الصحابي إذا انفرد برواية حديث لا يصدق فيه ولا يقبل منه.
إن كنت تريد هذا فكم سترد من الأحاديث النبوية التي تفرد بروايتها صحابي واحد ومنها حديث عمر رضي الله عنه " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ... الحديث .
فقد تفرد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتفرد به عنه علقمة بن وقاص الليثي وتفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري .
وفي الصحيحين مائتا حديث من الغرائب .
وهذا الرأي الذي تشير إليه يقول به روؤس المعتزلة والروافض وهو يصطدم بعشرات الأدلة من القرآن والسنة التي تفيد وجوب قبول خبر الواحد الثقة .
وكم أرسل رسول الله من الأفراد ليبلغوا عنه دين الله الذي كلفه الله بتبليغه ولا أدري أهذه زلة قلم منك ؟ أو أنها عقيدة تعتقدها طرأت عليك في آخر أيامك ؟
الوقفة السادسة عند قوله : " وتصحيح البخاري وغيره لهذا الحديث وغيره من مرويات أبي بكرة رضي الله عنه هو أمر غريب لا ينبغي أن يقبل بحال .
والحجة في ذلك ما عرف في كتب التاريخ الإسلامي كما عند الطبري وابن كثير وغيرهما أن أبا بكرة قذف المغيرة بن شعبة بالزنا ووصل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأمر بحضور الرجلين من الكوفة إليه في المدينة فسألهما عن ذلك وطلب عمر من أبي بكرة أن يأتي بشهوده على ما ادعاه فلم تتم الشهادة التي هي كما قال الله تعالى أربعة شهود ، قال الله تبارك وتعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) سورة النور ، الآية (4) ".
أقول : إن الغريب الأغرب هو استنكار الأشقر تصحيح أئمة الإسلام ومنهم الإمام البخاري لمرويات الصحابي الجليل أبي بكرة رضي الله عنه ومناداته بإسقاطها وهدمها .
ثم أقول : ما هي حجة الدكتور محمد الأشقر على هذا الإسقاط والهدم لأبي بكرة ومروياته ورده لإجماع علماء الأمة على قبول مروياته وتدوينها في دواوين الإسلام وعلى رأسها الصحيحان ؟
الجواب أن حجته ما صرح هو بقوله : " والحجة في ذلك ما عرف في كتب التاريخ الإسلامي كما عند الطبري وابن كثير وغيرهما أن أبا بكرة قذف المغيرة ابن شعبة بالزنا ... الخ .
ونقول مع الأسف فهل التزم المؤرخون الصحة في كل ما يوردونه في تواريخهم وهل يعتقد علماء الإسلام أن أخبار الإخباريين ومؤلفاتهم حجة ترد بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة التي تلقتها الأمة بالقبول ويطعن بها في الصحابة الكرام .
إن ابن جرير قد أخرج نفسه من عهدة ما ينقله في تاريخه وأنه يحيل إلى الإسناد ليكون القاريء على بصيرة من أمره وحكمه على الأخبار والأحداث .
وأنت حينما رجعت إلى تاريخ ابن جرير الطبري هل كنت حريصاً على معرفة صحة أو عدم صحة ما نسب إلى هذا الصحابي الكبير أبي بكرة ، الله أعلم بذلك ومكانة الصحابي ليست من السهولة بأن يتناولها الباحث أو المتكلم بأطراف أنامله .
أقول : والذي يرجع إلى تاريخ ابن جرير الطبري ( 4/69-72 ) يجد أن مدار قصة أبي بكرة والمغيرة بن شعبة وشهود القصة على سيف بن عمر التميمي ومحمد بن عمر الواقدي وهما ممن رمي بالكذب ورمى ابن حبان والحاكم سيفاً بالزندقة ، انظر المدخل (1/191) والمجروحين ( 1/3455 ) والميزان (2/255)و(3/662 ) .
ونجد قول ابن جرير الطبري – رحمه الله – يعتبر أبا بكرة ومن معه شهوداً لا قاذفين وأن عمر اعتبرهم شهوداً لم تكمل شهادتهم وإن كان بعض العلماء يغفل عن هذا .
والحاصل أن نص القصة التي رواها ابن جرير والتي هي عمدة الدكتور محمد الأشقر لم يثبت بالطرق التي وقف عليها .
وقد جاءت من طرق أخرى مدارها على سعيد بن المسيب – رحمه الله – لكن ابن المسيب لم يدرك عمر فروايته مرسلة والمرسل ضعيف ومزية مراسيل ابن المسيب وهي وجودها متصلة من جهة أو جهات أخرى لم توجد في هذه الروايات التي مدارها عليه .
ومثل هذه الأسانيد لا يعتمد عليها ولا يحتج بها في أدنى الأمور فكيف يعتمد عليها في الطعن في صحابي شرفه الله بصحبة محمد وأثبتت حياته كلها صدق صحبته باطناً وظاهراً وصدقه في دينه وفي حياته كلها .
وأمْرُ عمر رضي الله عنه أبي بكرة بتكذيب نفسه لكي يقبل شهادته إن صحت القصة أمر اجتهادي من عمر رضي الله عنه .
وإباء أبي بكرة تكذيب نفسه والرجوع عن شهادته يدل على ثقته بنفسه وأنه لم يكن قاذفاً وأنه لم يظلم المغيرة حسب اعتقاده .
وأن المسلمين لا يتهمون المغيرة أيضا فكلاهما صحابي جليل والقول الذي يليق بالصحابيين الجليلين أن المغيرة إنما كان يجامع زوجته وكان بينها وبين المرأة التي شهد أبو بكرة ومن معه بأنهم رأوه يواقعها شبه قوي وكانت هذه المرأة برزة تغشى الأمراء والأشراف فبسبب هذا وذاك كان أبو بكرة جازماً بصدق نفسه فلذا أبى أن يكذب نفسه .
وترجح للناس والعلماء بُعْدَه عن الكذب والفسق واختلاف حاله عن حال القاذفين المجازفين في الشهادة فضلاً عن المنافقين , ورأوا أن لكل من الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة والصحابي الجليل أبي بكرة عذره .
فدانوا لله بصحة صحبتهما وقبول روايتهما وأن تزكية الله للصحابة وثناءه عليهم ووعده لأصحاب محمد بالجنة والرضوان قد شملهما كما شمل كل الصحابة واتفقت الأمة على عدالتهم وقبول رواياتهم .
أقول : وهنا ينبغي أن أذكر روايات أخرى تتعلق بأبي بكرة رضي الله عنه وأصحابه :
1- قال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (10/91) باب الشهادة على الزنا كيف هي .
حدثنا ابن علية عن التيمي عن أبي عثمان قال : لما قدم أبو بكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد فقال له عمر رجل لن يشهد إن شاء الله إلا بحق قال : رأيت انبهاراً ومجلساً سيئاً فقال عمر هل رأيت المرود في المكحلة قال : لا , فأمر بهم فجلدوا وظاهر هذا الإسناد الصحة إن كان أبو عثمان هو النهدي .
2- وقال أبو بكر بن أبي شيبة : " حدثنا أبو أسامة عن عوف عن قسامة بن زهير قال : لما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة ... وفي الحديث " فشهد أبو بكرة وشبل بن معبد وأبو عبد الله نافع فقال عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة أودى المغيرة أربعة وشق على عمر شأنه جدا فلما قام زياد قال : إن تشهد إن شاء الله إلا بحق ثم شهد قال : أما الزنا فلا أشهد به ولكني رأيت أمرا قبيحا فقال عمر : الله أكبر حدوهم فجلدوهم فلما فرغ من جلد أبي بكرة قام فقال : أشهد أنه زان فهم عمر أن يعيد عليه الحد فقال علي إن جلدته فارجم صاحبك فتركه فلم يجلد فما قذف مرتين بعد(1) " المصنف (10/93) .
3- وقال البيهقي ، باب شهادة القاذف , ( 2/558 ) قال : أخبرنا أبو عبد الله الحاكم أخبرنا الوليد الفقيه أخبرنا أبو القاسم البغوي حدثنا عبد الله بن مطيع عن هشيم عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة فذكر القصة كما تقدم وفي إسناد ابن أبي شيبة قسامة بن زهير لم يدرك عمر وفي إسناد البيهقي هشيم بن بشير مشهور بالتدليس وقد عنعن في روايته هذه وهذه الروايات الثلاث ليس فيها أن عمر طلب من أبي بكرة التوبة ليقبل شهادته فهي على ما فيها من كلام تقدم على رواية سيف بن عمر ومحمد بن عمر الواقدي التي فيها أن عمر طلب منه التوبة ليقبل شهادته .
فبطل كل ما تعلق به الأشقر ولا سيما طلب عمر من أبي بكرة أن يكذب نفسه ليقبل شهادته .
الوقفة السابعة عند قوله : " ولذلك جلد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ثمانين جلدة حد القذف في الزنا ثم قال له تب أقبل شهادتك فأبى أن يتوب وأسقط عمر بعد ذلك شهادته فكان أبو بكرة بعد ذلك إذا استشهد على شيء يأبى أن يشهد ويقول : إن المؤمنين قد أبطلوا شهادتي .
أقول : لم يكلف الدكتور الأشقر نفسه بذكر أي إسناد لهذا القول من أقواله هنا ثم إن ثبت قول أبي بكرة فهذا من الأدلة على دينه وتقواه ولو كان كاذباً فاسقاً لما قال هذا القول المنسوب إليه .
وسوف أتطوع للأشقر بذكر رواية تضمنت معنى ما يدعيه .
قال أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو طاهر الفقيه أبنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا عمرو بن محمد عن قيس عن سالم الأفطس عن سعيد بن عاصم قال : كان أبو بكرة إذا أتاه الرجل يشهده قال أشهد غيري فإن المسلمين قد فسقوني قال البيهقي : "وهذا إن صح فلأنه امتنع أن يتوب من قذفه وأقام عليه ولو كان قد تاب لما ألزموه الفسق" السنن الكبرى ( 10/152) .
وأقول : إن في إسناد هذه الرواية سعيد بن عاصم الراوي عن أبي بكرة وهو مجهول ولم أقف له على ترجمة ولا ذكر له في الرواة عن أبي بكرة ، انظر تهذيب الكمال (30/5-6) ولا ذكر له في شيوخ سالم بن عجلان الأفطس ، انظر تهذيب الكمال (10/165) .
ولهذا شك البيهقي في صحته .
فهل يجوز لمسلم عاقل أن يجازف مثل هذه المجازفات في حق صحابي كريم عرفت الأمة له منزلته ومكانته فيرميه بالفسق والكذب ويسقط مروياته كلها ويلوم علماء الإسلام على تصحيح مروياته .
وحجته في هذا الهجوم روايات لا تثبت على محك النقد العلمي بل بعضها من روايات الكذابين والمتهمين .
الوقفة الثامنة عند قوله : " على أنا نقول جدلاً لو صح هذا الحديث افتراضاً جدلياً لكان حجة فقط في منع أن تتولى المرأة الملك أو رئاسة الدولة ولا يصلح حجة لمنع أن تتولى المرأة القضاء أو إمارة قرية أو مدينة فليس معنى كون الرجل لا يصلح أن يكون ملكاً أنه لا يصلح أن يكون قاضياً أو أمير مدينة أو قرية أو يكون رئيس دائرة أو وزيراً أو رئيس وزراء أو نائباً في البرلمان ، من احتج بهذا الحديث على ذلك فهو مخطيء خطأ كبيراً بل إنني اعتبره يسيء الفهم جداً على أن مما يدل على بطلان هذا الحديث أنه يقتضي أنه لا يمكن أن يفلح قوم تتولى رئاسة دولتهم امرأة في حال من الأحوال ومعنى هذا أنه لو وجدت امرأة على رأس إحدى الدول ونجحت تلك الدولة في أمورها الدنيوية فيكون ذلك دالاً على أن هذا الحديث كذب مكذوب على النبي وقد وجد في العصور الحديثة دول كثيرة تولت رئاستها نساء ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء نذكر من ذلك رئاسة أنديرا غاندي للهند ورئاسة مارغريت تاتشر لبريطانيا وغيرهما كثير في القديم والحديث وإنما قلنا في الأمور الدنيوية لأن الحديث ورد على ذلك ، ففي رواية البخاري قال أبو بكرة : " لما بلغ رسول الله أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى " قال " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .
أقول :
1- إن الحديث صحيح وقد تلقته الأمة بالقبول فدعنا من الافتراضات الجدلية .
2- إن المرأة لا يشرع أن يسند إليها شيء من الولايات التي ذكرتها استناداً في الدرجة الأولى إلى تطبيق الرسول وخلفائه الراشدين .
3- واستناداً إلى قول الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) وقد مر بنا وجه الدلالة منها .
4- واستناداً إلى هذا الحديث الصحيح وقد استدل به العلماء على ان المرأة لا يشرع أن يسند إليها الخلافة ولا الإمارة ولا القضاء وما في معناهما .
5- استناد إلى قوله تعالى ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) .
6- وإلى قول النبي للنساء " إنكن ناقصات عقل ودين " .
ومن المناسب أن أنقل هنا نصاً من النصوص التي ناقشت فيها محمد الغزالي المصري المعاصر في أمور كثيرة منها طعنه في سنة رسول الله وطعنه في بعض الصحابة وفي قوله بالاشتراكية الغالية وفي مناداته بحقوق المرأة وغلوه في ذلك وفي نسبة هذه العقائد والأفكار إلى الإسلام في كتابي كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها ونقد بعض آرائه ومما قلته في هذا الكتاب ( ص50-55 ) :
"ومن هنا احتضن الغزالي قضايا المرأة وغلا فيها غلوا شديدا ونحى فيها منحى دعاة تحرير المرأة مطالبا لها بحقوق من المساواة يزعم أنها قد منحها إياها الإسلام ويرتكب في هذا الباب من الأخطاء والمغالطات ما يرى أنه قد ظلم فيه الإسلام والمسلمين والمرأة نفسها، ويتجنى على المجتمعات الإسلامية وعلى العلماء بما يكذبه الواقع .
فهو يرى المساواة بين الرجل والمرأة في الدية فيقول : (وأهل الحديث يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل ، وهذه سوأة خلقية وفكرية رفضها الفقهاء المحققون ، فالدية في القرآن واحدة للرجل والمرأة، والزعم بأن دم المرأة أرخص وحقها أهون زعم كاذب مخالف لظاهر القرآن )(1).
وهو في قوله هذا ظالم لأهل الحديث قائل على الله وعلى الإسلام والقرآن بغير علم ومخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة التي أجمعت على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل وسيأتي توضيح ذلك في مناقشتي له (2).
وإنما أُتيَ الرجل -في نظري- من تأثره بالحضارة الغربية المزيفة ومن غلوه في قضايا المرأة متناسيا التفاوت بين الرجل والمرأة الذي بينه القرآن والسنة والواقع والتاريخ الإنساني وأن هذا التفاوت بين الذكر والأنثى بارز حتى في الحيوانات صغيرها وكبيرها.
فالقرآن فاوت بين الرجل والمرأة في المواريث فالأخ يأخذ ضعف ما تأخذه أخته من الميراث .
وإذا ماتت الزوجة وليس لها ولد ورث زوجها نصف مالها فإن كان لها ولد أخذ ربع مالها.
وإن مات الزوج وليس له ولد ورثت الزوجة ربع ماله فإن كان له ولد ورثت الثمن وإن كن عددا من الزوجات اشتركن في هذا الثمن .
وإن مات عن أبويه فقط فلأمه الثلث ولأبيه الثلثان وإن مات الرجل عن ابن طفل أخذ جميع ماله .
وإن مات عن عشرات البنات لا يأخذن أكثر من الثلثين ، والرجل ولي المرأة في الزواج في الإسلام وقبله .
والمرأة لا تصلح لهذا لا على نفسها ولا على غيرها من النساء ولا على الرجال من باب أولى .
وينسى الغزالي قول الله تعالى : (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) سورة الزخرف الآية (18) ، ويعترف بقوامة الرجل على المرأة على إغماض ومضض ، ثم يقصر هذه القوامة على البيت فقط ، وهو رأي في حدود علمي لم يسبقه إليه أحد. فالإسلام يفرض على المرأة أن لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه.
وفي مجال السياسة يرى الغزالي أن للمرأة أن تتولى المناصب العليا في الدولة فيقول: (وللمرأة ذات الكفاءة العلمية والإدارية والسياسية أن تلي أي منصب ماعدا الخلافة العظمى)(1)
ويقول عن أهل أوروبا - يريد إذا أسلموا -:
(وإذا ارتضوا أن تكون المرأة حاكمة أو قاضية أو وزيرة أو سفيرة فلهم ما شاؤا ولنا وجهات نظر فقهية تجيز ذلك )(1)
فتراه لا يستثني من المناصب في الدولة إلا الخلافة العظمي ولا ندري ما دليله على هذا الاستثناء.
وعلى كل حال فيجوز عنده أن تكون المرأة ملكة أو رئيسة جمهورية أو رئيسة وزراء أو وزيرة أو قاضية أو قائدة جيش .
وهو بهذا الرأي يخالف إجماع الأمة ويخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية، ويخالف عمل الخلفاء الراشدين . ويتعلق بقول شاذ يخالف كل ما سبق ذكره .
ثم نسأله ما هي وجهات النظر الفقهية التي يزعمها ومن هم هؤلاء الفقهاء الذين سبقوه إلى هذا الرأي وما هي أدلتهم ولعل الرجل يشير إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المرأة تقضي فيما تصح فيه شهادتها(2).
فإن كان يرمي إلى هذا القول فشتان بين ما يقول الغزالي وبين هذا القول . ومع أن قول أبي حنيفة ضعيف لا دليل عليه فإنه لا يريد به منصب القضاء.
وعلى كلٍ فإن قول الغزالي غريب جداً بعيد جدا عن الإسلام وعن أقوال أئمة الإسلام. وأدلته إنما هي أعمال الأوربيين وتقاليدهم وتقاليد من نهج نهجهم ، ومن أبرز أدلته قوله عن الأوربيين:(فإنه يجب علينا أن نختار للناس أقرب الأحكام إلى تقاليدهم والمرأة في أوروبا تباشر زواجها بنفسها ولها شخصيتها التي لا تتنازل عنها . . . وإذا ارتضوا أن تكون المرأة حاكمة أو قاضية أو وزيرة أو سفيرة فلهم ما شاؤا، ولدينا وجهات نظر فقهية تجيز ذلك كله(3) .
وهكذا يكون العلم وهكذا يكون الاحتجاج .
ولعل هذا النوع عنده من الأساسيات التى يستخف بالسنة وأهلها من أجلها، ويسمي السنة قشورا.
ومن هذا المنطلق تراه يلهج بلهجة فخورة بفكتوريا ملكة بريطانيا وتاتشر رئيسة وزراء بريطانيا وجولدا مائير رئيسة وزراء دولة اليهود وأنديرا الهندوكية رئيسة وزراء الهند ضاربا عرض الحائط بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " حيث يقول : ((ما أفلح قوم وَلَّو أمرهم امرأة )) . ويؤيده تطبيقه العملي وتطبيق خلفائه الراشدين وما فهمه وقرره علماء الإسلام من فجر الإسلام إلى يومنا هذا.
لو كان ما يقوله الغزالي حقا من أن من حقوق المرأة في الإسلام تولي المناصب لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول منفذ لها ولتابعه في تنفيذها بعزم وقوة خلفاؤه الراشدون ولحطم الحواجز والسدود الجاهلية إن كان حرمان المرأة من هذه المناصب من أمور الجاهلية كما يدندن حول ذلك الغزالي في قضايا المرأة وحرمانها من حقوقها، لقد حطم الإسلام الجاهلية بأنواعها ووضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت قدميه ومن ذلك قضية الظهار والتبني : (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) سورة الأحزاب الآية (4) ، انظر كيف هدم قضية الظهار الذي كان يعتبر طلاقا في الجاهلية .
وكيف هدم التبني الذي كان على أساسه يقوم التوارث وهدم أيضاً التوارث بالتحالف . وانظر كيف يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم ما يقوم على التبني الجاهلي من تحريم الزواج من زوجة المتبنَّى إذا طلقها قال تعالى : (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) سورة الأحزاب الآية (37) .
لقد أكرم الإسلام المرأة وأعطاها حقوقها التي تليق بها كاملة نظريا يرافقها التطبيق بكل ما في التطبيق من عدالة ودقة، وصحح أوضاعها جميعا، ولو كانت المناصب الكبيرة والصغيرة في الدولة، من حقوق النساء لما توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانها وتوضيحها وتنفيذها بعزم وقوة، ولرأينا فلانة أميرة مكة، وفلانة أميرة اليمن وفلانة قاضية بلدة كذا وفلانة عاملة عمان وأخرى قائدة الجيش الفلاني أو السرية الفلانية إلى جانب معاذ وعمرو بن العاص وخالد ابن الوليد وعتاب بن أسيد والعلاء بن الحضرمي وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ولرأيناهن في الخلافة الراشدة يزاحمن أو يسبقن الرجال في مناصب الإمارة والقضاء في شرق العالم الإسلامي وغربه إذ أن هناك نوابغ من النساء في العصور الزاهرة في الإسلام في عهد الرسول والخلفاء الراشدين وبعد ذلك من لا يأتي عليهن العد مثل عائشة وأم سلمة وأم سليم وأسماء بنت عميس وهند بنت عتبة، وغيرهن من نساء المهاجرين والأنصار وزينب ونفيسة وعمرة بنت عبد الرحمن وعائشة بنت طلحة وفاطمة بنت عبد الملك وغيرهن من بيوتات قريش والعرب والموالي ممن يفقن كثيرا من الرجال علما وذكاء وأدبا ورأيا.
ونسأل الغزالي(1) كيف ستقوم هذه الملكة والسلطانة أو الوزيرة أو رئيسة الوزراء أو القاضية أو السفيرة بالطاعة والأدب والقنوت والخضوع لقوامة الرجل التي منحها الإسلام للأزواج وإذا كان مقر الزوج في بلد والوزيرة أو السفيرة في بلد آخر فهل ينقل الزوج صاغرا أو تابعا لزوجته العظيمة أو ماذا يصنع المسكين ؟ وهل يكون إذا كان موظفا في وزارتها أو سفارتها تحت رحمتها يخضع لأوامرها ويذهب بعيداً عندما تعقد اجتماعاتها الخاصة والعامة بأقرانها من الوزراء والسفراء وكيف يكون الحال إذا كانت فتاة جميلة وحولها من الوزراء أو السفراء من هو ممتليء شبابا وجمالا إلى آخر المشاكل والمحاذير والفتن التي يأباها الإسلام ورجاله الغيورون ونساؤه الغيراوات النـزيهات العفيفات ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((أتعجبون لغيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغير منى من أجل ذلك حرم الفواحش )).
الوقفة التاسعة عند قوله :"من احتج بهذا الحديث على ذلك فهو مخطيء خطأً كبيراً بل إنني اعتبره يسيء الفهم جداً .
أقول : هذه جرأة كبيرة على علماء الإسلام وطعن في فقههم وفهمهم .
وهل تدري ما تقول أيها الرجل ؟ وفيمن تطعن ؟ هل خالف علماء الأمة الذين احتجوا بهذا الحديث على أن المرأة لا تتولى هذه المناصب نصوصَ الكتاب والسنة التي دلت على مشروعية ما تدعيه ؟
هل خالفوا سيرة الرسول وهدي الخلفاء الراشدين الذين بوؤوا النساء هذه المناصب ؟
بأي حجة شرعية تخطؤهم وترميهم بسوء الفهم جداً ؟
لو كان علماء السنة اختلفوا فأخذت بقول أقواهم حجة لكان لك العذر شريطة أن لا تطعن في فهم الآخرين فكيف تستجيز الطعن في فقههم وليس لك أي مستند شرعي ؟
ومن المناسب أن أسوق بعض أقوال العلماء الذين احتجوا بهذا الحديث .
أخرج هذا الحديث الإمام النسائي (8/227) برقم (5388) وترجم له بقوله"باب النهي عن استعمال النساء في الحكم " وأخرجه ابن حبان في صحيحه الإحسان ( 10/375) برقم (4516) وترجم له بقوله "ذكر الإخبار عن نفي الفلاح عن أقوام تكون أمورهم منوطة بالنساء " .
وأخرجه الإمام البغوي في شرح السنة ( 10/76-77) وترجم له بقوله : " باب كراهية تولية النساء " .
وقال عقبه : هذا حديث صحيح .
ثم قال : اتفقوا على أن المرأة لا تصلح إماماً ولا قاضياً ، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات ، والمرأة عورة لا تصلح للبروز وتعجز لضعفها عن القيام بأكثر الأمور ، ولأن المرأة ناقصة ، والإمامة والقضاء كمال الولايات فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال " .
وذكر أبو يعلى الحنبلي في كتابه الأحكام السلطانية (ص 31-32) أنواع الوزارات ومنها وزارة التنفيذ وهي أقل شأناً من وزارة التفويض وذكر شروطها وقال في آخرها وهو الشرط السابع : " ولا يجوز أن يقوم بذلك امرأة ، وإن كان خبرها مقبولاً لما تضمنه من معاني الولايات المصروفة عن النساء ، وقد قال النبي :" ما أفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " ولأن فيها طلب الرأي وثبات العزم وما يضعف عنه النساء ، والبروز في مباشرة الأمور مما هو عليهن محظور" وقال الماوردي الشافعي في الأحكام السلطانية (ص65) الباب السادس في ولاية القضاء : "ولا يجوز أن يقلد القضاء إلا من تكاملت فيه شروطه التي يصح معها تقليده وينفذ بها حكمه وهي سبعة :
فالشرط الأول منها : أن يكون رجلاً وهذا الشرط يجمع صفتين البلوغ والذكورية فأما البلوغ فإن غير البالغ لا يجري عليه قلم ولا يتعلق بقوله على نفسه حكم وكان أولى أن لا يتعلق به على غيره حكم .
وأما المرأة فلنقص النساء عن رتب الولايات وإن تعلق بقولهن أحكام وقال أبو حنيفة يجوز أن تقضي المرأة فيما تصح فيه شهادتها ، ولا يجوز أن تقضي فيما لا تصح فيه شهادتها وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ولا اعتبار بقول يرده الإجماع مع قول الله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) يعني في العقل والرأي ، فلم يجز أن يقمن على الرجال " .
وذكر العلامة صديق حسن خان شروط الإمامة وذكر من هذه الشروط أن يكون ذكراً قال : ووجهه أن النساء ناقصات عقل ودين كما قال رسول الله ومن كان كذلك لا يصلح لتدبير أمر الأمة وتولي الحكم بين عباد الله وفصل خصوماتهم بما تقتضيه الشريعة المطهرة ويوجبه العدل ، فليس بعد نقصان الدين والعقل شيء .
ولا تقاس الإمامة والقضاء على الرواية فإنها تروي ما بلغها وتحكي ما قيل لها وأما الإمامة والقضاء فهو يحتاج إلى اجتهاد الرأي وكمال الإدراك والتبصر في الأمور والتفهم لحقائقها ، وليست المرأة في ورد ولا صدر من ذلك ولا تقوى على تدبير أمر العباد والبلاد بل هي أضعف من ذلك وأعجز ، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح للبخاري من حديث أبي بكرة رض الله عنه من قوله : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قاله لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى يعني بوران بنت شيرويه بن كسرى .
فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد ، ورأس الأمور هو الإمامة والقضاء بحكم الله عز وجل فدخوله فيها يكون دخولاً أولياً .
قال الخطابي وفي الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء انتهى .
وهو قول الجمهور وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء والحديث حجة على هؤلاء " إكليل الكرامة (ص108-109) .
وأقول بل الآيات والأحاديث وواقع الرسول والخلفاء الراشدين كلها حجج على هؤلاء وانظر كيف استند العلامة صديق حسن على حديث أن النساء ناقصات عقل ودين قبل استشهاده بحديث أبي بكرة وقارن بينه وبين قول الأشقر إن المستند الرئيسي لمن منع المرأة من تولي المناصب إنما هو حديث أبي بكرة .
وقد عرف القاريء مستندات الأئمة المانعين من ذلك وعلى رأسها القرآن الكريم .....الخ .
وقال الشوكاني في شرح حديث أبي بكرة رضي الله عنه قوله : " لن يفلح قوم .....الخ فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب ، قال في الفتح وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عن الحنفية واستثنوا الحدود وأطلق ابن جرير ويؤيد ما قاله الجمهور أن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال ، واستدل المصنف أيضاً على ذلك بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه رجل ، ورجل فدل بمفهومه على خروج المرأة" نيل الأوطار ( 8/165) .
وكان المصنف وهو الإمام عبد السلام ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية قد ترجم في كتابه المنتقى في أحد أبوابه بقوله : باب المنع من ولاية المرأة والصبي ومن لا يحسن القضاء أو يضعف عن القيام بحقه وأورد في هذا الباب عدداً من الأحاديث منها حديث أبي بكرة وحديث بريدة عن النبي r قال :" القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار " رواه ابن ماجة وأبو داود .
قال الشوكاني وحديث بريدة أخرجه أيضاً الترمذي والنسائي والحاكم وصححه.
قال الإمام عبد السلام ابن تيمية عقب هذا الحديث " وفيه دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً " وإلى كلامه هذا أشار الشوكاني -رحمه الله - .
ولكل من الخليفة والأمير والقاضي والوزير شروط قررها علماء الإسلام لا يلتفت إليها دعاة الديمقراطية ودعاة تحرير المرأة لأن أهل هذه المناصب عند علماء الأمة هم المكلفون بتطبيق الشريعة وعند الديمقراطيين هم المكلفون بتطبيق القوانين الغربية المناهضة للشريعة الإسلامية والتي يريد أعداء الإسلام أن تحل محل الشريعة الإسلامية ولا أعتقد أن الأشقر من هؤلاء ولكنها الغفلة وليته بدل أن يجاري هؤلاء كان قد قام بدعوة المسلمين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والاعتصام بهما والرجوع إلى سيرة الخلفاء الراشدين المهديين وأن يعظوا عليها بالنواجذ فذلك هو الواجب المحتم عليهم وهو مصدر عزتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وتطبيق الديمقراطية هو مصدر ذلهم وذهاب ريحهم وأبرز علامات الخضوع والتبعية لأعداء الله وأعدائهم .
الوقفة العاشرة عند قوله : " على أن مما يدل على بطلان هذا الحديث أنه يقتضي أنه لا يمكن أن يفلح قوم تتولى رئاسة دولتهم امرأة في حال من الأحوال ومعنى هذا أنه لو وجدت امرأة على رأس إحدى الدول ونجحت تلك الدولة في أمورها الدنيوية فيكون ذلك دالاً على أن هذا الحديث كذب مكذوب على النبي وقد وجد في العصور الحديثة دول كثيرة تولت رئاستها نساء ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء نذكر من ذلك رئاسة أنديرا غاندي للهند ورئاسة مارغريت تاتشر لبريطانيا وغيرهما كثير في القديم والحديث وإنما قلنا في الأمور الدنيوية لأن الحديث ورد على ذلك ، ففي رواية البخاري قال أبو بكرة : لما بلغ رسول الله أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "
أقول :
1- نأسف جداً لهذا الانبهار والاستدلال الغريب الذين يؤديان إلى تكذيب آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة مثل الآيات والأحاديث التي تدل على قرب قيام الساعة وأمور غيبية أخرى .
2- انظر إلى هذا التضارب في كلام الأشقر , فأولاً يجعل الحديث مطلقاً في كل الأحوال دينية كانت أو دنيوية ثم أخيراً يقيده بالنجاحات الدنيوية .
ويا أخي إن المتكلم بهذا الحديث هو محمد رسول الله ومقاييس الفلاح عنده وعند أصحابه غير مقاييس الماديين وإن عرفه اللغوي وعرف أصحابه المخاطبين ليختلف عن عرف الكفار الماديين وأعراف كثير من العالَمين ومراد المتكلم إنما يعرف من خلال عرفه ومقاييسه وعرف ومقاييس من يخاطبهم ارجع إلى نصوص القرآن والسنة لتعرف معاني الفلاح ومن خلالها وفي ضوئها تدرك مراد الله ومراد رسوله من إطلاق الفلاح .
قال تعالى : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) فقد رتب الفلاح على تزكية النفس بالإيمان والعمل الصالح ورتب الخيبة والخسران على تدسية النفس بالكفر والشرك والمعاصي .
وقال تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون ) إلى قوله تعالى : (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فرتب الله الفلاح وإرث الفردوس والخلود فيها على الإيمان والأعمال الصالحة لا على رئاسة الدول الكافرة والنجاح المزعوم عند أصحاب المقاييس المادية الفاسدة ، فإن نجاحهم المادي والعسكري والسياسي هو عين خسرانهم لأنه استدراج من الله وإملاء لهم ، قال تعالى: ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين) سورة القلم ،الآيتان (44-45) .
وقال تعالى : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) سورة المؤمنون ، الآيتان (55-56) .
وقال تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) سورة الأنعام ،الآية (44) .
وقال تعالى بعد ثنائه العاطر على أوليائه أولي الألباب وبيان ما أعده الله لهم من الجزاء العظيم في الآخرة : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) سورة آل عمران ، الآيتان (196-197) .
ثم قال تعالى : ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار ) سورة آل عمران ،الآية (198) والعاقل من ينظر إلى النهايات والمآلات ولا يقصر نظره على البدايات مهما كان بريقها .
وجاء رجل إلى رسول الله يسأله عن الإسلام فأخبره بشرائعه من الصلاة والزكاة والصيام ، والرجل يقول عند كل فريضة هل عليَّ غيرها فيقول رسول الله لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول : ( والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال رسول الله : " أفلح إن صدق " أخرجه البخاري في الشهادات حديث (2678) ومسلم في الإيمان حديث (9،8) .
وجاء آخر يسأل رسول الله عن رسالته ثم عن شرائع الإسلام الصلاة والصيام والزكاة والحج ورسول الله يخبره ، فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فقال رسول الله : "لئن صدق ليدخلن الجنة " أخرجه مسلم حديث (10) .
وقال رسول الله : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما أتاه " أخرجه مسلم في الزكاة حديث (1054) وأحمد (2/168) وأخرجه الترمذي في الزهد .
والآيات والأحاديث كثيرة في ترتيب الفوز والفلاح على الإيمان والإسلام والأعمال الصالحة وهذا هو الذي يعرفه الإسلام والمسلمون جميعاً .
كما قرر القرآن والسنة الخسران والهلاك بالكفر والشرك والظلم والطغيان سواء كان من الأمم والشعوب والحكومات أم من الأفراد ملوكاً أو رؤساء دول أو رؤساء وزراء أو حتى صعاليك وفقراء .
قال تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) فحكم على الناس جميعاً بالخسران ولم يستثن منهم إلا أهل الإيمان والعمل الصالح ومنه التواصي بالحق والتواصي بالصبر .
وقال تعالى في حديثه عن الكافرين المفترين على الله والصادين عن سبيله : ( أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ) سورة هود ، الآيات (18-20) .
وقال تعالى : ( فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ) سورة فاطر ، آية (39) .
أينسى رسول الله معني الفلاح الذي هو غاية من غايات رسالته وقد أمر المسلمين أن ينادوا به في خمسة أوقات يومياً ، لماذا لا يكون نفيه للفلاح على الأقل في هذا الحديث وفي هذه المناسبة أن يكون من باب المثل " إياك أعني واسمعي يا جارة" لاسيما ولاية أمور ومناصب دينية تهدف إلى خدمة الإسلام وعقائده وشرائعه كما هي شروط الإمامة وسائر الولايات .
فخذ أيها الرجل موازين ومقاييس الفلاح والنجاح والخسران والبوار من كتاب الله ومن سنة رسول الله لا من مقاييس الماديين والعقلانيين وكل من ذكرت من النساء أنديرا عابدة البقر والقرود وتاتشر النصرانية عابدة الصليب وغيرهما من الكافرات كل هؤلاء من الهالكات وقدن أممهن إلى الهلاك ومنه محاربتهن للإسلام والمسلمين .
وهل تعد تسلط أنديرا وقومها عباد القرود والفروج على الإسلام والمسلمين وحروبهم ضد المسلمين من الفلاح والنجاح ، نأسف أشد الأسف على متفقه يقول مثل هذا لباطل ويرد سنة رسول الله التي تلقتها الأمة وعلى رأسهم علماؤها الفحول بالقبول ، بمثل هذا الباطل وبمثل هذه المقاييس الجاهلية. واحتجاجك بملكة سبأ التي كانت تعبد هي وقومها الشمس وكانت من قوم كافرين وهي تقودهم من هلاك إلى هلاك فمن الله عليها بدعوة رسول الله سليمان وتهديده لها ولقومها إن لم يأتوه مسلمين فأسلموا ولولا هذا فأي فلاح كانت ستقودهم إليه ؟
تب إلى الله أيها الرجل واحترم سنة رسول الله واحترم أصحاب رسول الله واحترم عقلاء الأمة وعلماءها .
ثم ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ودعك من الدعوة إلى الديمقراطية الكافرة المحاربة للإسلام وإياك أن تقلد دعاة تحرير المرأة والمتباكين على حقوقها المزعومة الذين يلوحون بأساليبهم الماكرة إلى الطعن في الإسلام لأنه في نظرهم قد هضم المرأة وظلمها وحرمها من حقوقها .
وهم والله الظالمون أصحاب المقاصد الفاسدة والدعاة إلى إفساد المرأة وتضييع البيوت والأسر وإفساد المجتمعات بها .
إياك أن تنخدع بهم وتسير في ركابهم فإنهم معاول هدم بأيدي أعداء الإسلام .
أسأل الله أن يبصرنا وإياك والمسلمين جميعاً بسبل الهدى وأن يجنبنا مواقع الهلاك والردى إنه لسميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه:
ربيع بن هادي المدخلي
7/5/1425هـ
وعن مروياته
وعن أئمة الإسلام والسنة الذين قبلوا هذه المرويات
كتبه : ربيع بن هادي المدخلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد – فقد وقفت على مقال للدكتور/ محمد بن سليمان الأشقر ، عنوانه " نظرة في الأدلة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها " .
ثم قال : إن أهم مستند يستند إليه من يدَّعون أن الشرع الإسلامي يمنع من مشاركة المرأة في الميادين المتقدمة هو الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري ح 4425 و7099 وأخرجه أيضاً الإمام أحمد في مسنده برقم 204038 و20402و20455 كلاهما عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " هذا لفظ البخاري .
وعند أحمد " لا يفلح قوم تملكهم امرأة " .
ثم قال : " هذا الحديث هو المستند الرئيسي لكل من يتكلم في هذا الأمر ، ولم يرد هذا الحديث من رواية أيَّ صحابي آخر غير أبي بكرة .
وتصحيح البخاري وغيره لهذا الحديث وغيره من مرويات أبي بكرة رضي الله عنه هو أمر غريب لا ينبغي أن يقبل بحال ، والحجة في ذلك ما عرف في كتب التاريخ الإسلامي كما عند الطبري وابن كثير وغيرهما أن أبا بكرة قذف المغيرة ابن شعبة بالزنى ووصل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأمر بحضور الرجلين من الكوفة إليه في المدينة فسألهما عن ذلك وطلب عمر رضي الله عنه من أبي بكرة أن يأتي بشهوده على ما ادعاه فلم تتم الشهادة التي هي كما قال الله تعالى أربعة شهود ، قال الله تبارك وتعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) سورة النور ، الآية (4) .
فحكم على من يقذف امرأة محصنة والرجل المحصن مثلها بثلاثة أحكام :
الأول أن يجلد ثمانين جلدة ، والثاني أن تسقط شهادته فلا تقبل شهادته بعد ذلك على شيء والثالث أنه محكوم عليه بالفسق ، وتمام الآية ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) .
ولي مع الدكتور محمد في فكره ومنهجه في النقد وقفات :
الوقفة الأولى : ما هي أدلتك على مشروعية مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية وفي المجالس النيابية ونحوها كأن تتولى منصب القضاء أو إمارة قرية أو مدينة أو أن تتولى رئاسة الوزراء ، أو أن تكون نائبة في البرلمان .
1- هل عندك أدلة من كتاب الله وسنة رسوله من قوله أو فعله أو تقريره أو من إجماع الأمة أو من تطبيق الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، فإن الله تعالى قد أمر المؤمنين إذا اختلفوا في شيء أن يردوه إلى الله وإلى رسوله .
قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) .
وقال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) .
وقال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
وقال رسول الله : " وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " .
وهذه المناصب دينية ومن فروض الكفايات ولم يعط الإسلام منها شيئا للمرأة .
2- إن إسناد شيء منها للمرأة من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله في كتابه ولا رسوله في سنته ولا فعله الخلفاء الراشدون وحذر منه النبي من جهتين :
الجهة الأولى: كونه بدعة فيتناوله كل الأحاديث التي حذرت من البدع، ومنها هذا الحديث الذي سقناه آنفا بل يتناوله قول الله تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ) .
والجهة الثانية: أن إسناد شيء من هذه المناصب إلى المرأة يتناوله أحاديث النهي عن التشبه بالكفار ، والإسلام أكثر أصوله قائمة على مخالفة الكفار .
وقد ألف شيخ الإسلام في هذا الموضوع كتابه العظيم " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " .
ويتناوله قول الرسول " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " .
3- لقد كرم الإسلام المرأة سواء كانت أما أو زوجة أو بنتا أو أختا أو ذات قربى ورحم وبين الله غاية البيان مالها من حقوق ولو كانت هذه المناصب أو شيء منها يصلح لها لبينه الله غاية البيان .
الوقفة الثانية عند رميه للصحابي الجليل أبي بكرة بالكذب والفسق ودعوته إلى رد ما رواه عن النبي
وهذا عمل فظيع فيه جرأة منكرة مخالفة للكتاب والسنة في احترام أصحاب محمد والإشادة بمكانتهم ورضى الله عنهم , ثم إجماع العلماء على قبول رواية هذا الصحابي الكبير فلقد استشهد الأشقر بقوله تعالى في القاذفين: ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) وبقوله فيمن قذف عائشة -رضي الله عنها- (فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) .
ثم قال في حق أبي بكرة -رضي الله عنه- :" فإن الآية تدمغه بالفسق والكذب وهذا يقتضي رد ما رواه عن النبي مما انفرد به كهذا الحديث العجيب " لن يفلح قوم تملكهم امرأة" فينبغي أن يضم هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي ".
أقول : إن الغريب العجيب هو هذا الرأي الفج الباطل لا تصحيح البخاري وغيره لمرويات الصحابي الجليل ذي المنـزلة الكبيرة عند الأمة، المعروف بصدقه وأمانته وورعه ونصحه للإسلام والمسلمين ، فلم يشك العلماء من هذه الأمة في صدق وأمانة الصحابي الجليل أبي بكرة رضي الله عنه ولم يتهمه أحد بالفسق ولا بالكذب .
وقد أجمعوا على قبول روايته حتى من يرى منهم أن التوبة لا تزيل الفسق عن القاذف وحتى من يشترط منهم لصحة توبته أن يكذب نفسه فيما قذف به محصنة من المحصنات أو محصناً.
كلهم أطبقوا على احترامه وقبول روايته لأمور :
1- منها أنه شاهد من الشهود وليس بقاذف .
2- ومنها أنه من فقهاء الصحابة المجتهدين فرأى أنه غير قاذف ، والحد الذي أقيم عليه لا لقذفه ولا لكذبه ولكن لاضطراب أحد الشهود الذي كان سببا في عدم اكتمال نصاب الشهادة المشروطة في كتاب الله .
ومن هنا ترى في الرواة عنه الأحنف بن قيس والحسن البصري وهو من القائلين بأن شهادة القاذف لا تقبل أبداً إنما توبته فيما بينه وبين الله؛ لأنه لا يرى أبا بكرة قاذفاً ولا فاسقاً.
ومحمد بن سيرين ، وأبو عثمان النهدي وهو ممن شهد القصة عند عمر وربعي بن حراش وحميد بن عبد الرحمن الحميري .
وترى روايته عن هؤلاء في أمهات الحديث من صحاح وسنن وجوامع ومسانيد وقد روى عنه الشيخان في صحيحهما أربعة عشر حديثاً، اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بواحد ، وأقول ومجموع رواياته عند الجماعة يبلغ حوالي خمسين حديثاً، وقال الخزرجي في الخلاصة : "له مائة واثنان وثلاثون حديثاً اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بآخر".
وروى عنه الإمام أحمد في مسنده حوالي مائة وخمسين حديثاً بالمكرر انظر مسنده (5/35-52).
وأجمع علماء الأمة على قبول أحاديثه والتشرف بروايتها .
فهل يلتفت إلى قول رجل يعيش في عصر الفتن الذي سادت فيه الحضارة الغربية الملحدة بإلحادها وعلمانيتها ومنها دعوتها إلى تحرير المرأة ومساواتها للرجل في كل شيء ، وناله هو وغيره كثير أو قليل من غبار هذه الفتن .
أيجوز لمسلم أن يلتفت إلى من هذا حاله فيدعوا إلى تكذيب صحابي جليل وتفسيقه ورد رواياته ونقلها من دواوين السنة المعتبرة، ومنها الصحيحان اللذان تلقاهما الأمة بالقبول إلى كتب الموضوعات ، إنها والله لإحدى الكبر .
يا أيها المسكين أترد إجماع علماء الأمة على احترام هذا الصحابي الجليل والتشرف بقبول مروياته في سائر الميادين العقدية والسياسية والفقهية ويسجلونها في دواوين السنة العظيمة وفي كتب الفقه والعقائد والتفسير .
ثم إن هذه الآية فيها تبرئة لعائشة أم المؤمنين التقية النقية البريئة التي نزلت براءتها من فوق سبع سماوات مما رماها به المنافق عبد الله بن أبي رئيس النفاق ومن شاركه من المنافقين في الدرجة الأولى فلا شك في بهتانهم وكذبهم فهم المقصودون بالتكذيب والوعيد في الدرجة الأولى ويلحق بعائشة زوجات الرسول حتى إن بعض المفسرين خص بهذا الوعيد من قذف عائشة -رضي الله عنها- وبعضهم خص زوجات الرسول فقط ، وإن كان الصواب أنه يلحق بهن أمثالهن من المحصنات الشريفات وإن كن لا يلحقنهن في علو المنـزلة ولا يكون قاذف غيرهن بمنـزلة من يقذفهن في الفجور والسفول والكذب الواضح الفاضح.
والمرأة التي شهد عليها أبو بكرة ومن معه بعيدة كل البعد عن حال عائشة الطاهرة النقية، وحال أبي بكرة غير حالة هؤلاء المنافقين ومن يشابههم في الفجور والكذب؛ من أجل هذه الفروق أعطى علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا أبا بكرة المنزلة الكريمة التي يستحقها .
فقد كان أبو بكرة يروي الأحاديث العظيمة التي تتعلق بقضايا الأمة الكبرى فلم يكذبه أحد ولم ينكر عليه أحد في شيء من هذه المرويات لا الصحابة ولا التابعون ولا علماء الأمة ولم ينـزل عليه أحد منهم هذه الآية ولا تلك كما نزلهما عليه محمد الأشقر في القرن الخامس عشر الهجري يفعل هذا محمد الأشقر فيما اعتقد لا تنكراً للإسلام ولكنها الغفلة والتقليد الأعمى لمن تأثر بالنظريات الغربية من الزعماء السياسين الذين انبهروا بالحضارة الغربية وتأثروا بنظرياتها الفاسدة وألبسوها لباس الإسلام ومنها الحرية والديمقراطية والمساواة ومنها مساواة النساء بالرجال في كل شيء ولا سيما الحقوق السياسية .
فمن قِبَلِ هؤلاء أتى هذا الرجل فيما أعتقد والله أعلم ونسأل الله له التوبة النصوح من هذه الورطة الكبيرة وغيرها .
مكانة أبي بكرة -رضي الله عنه- وفضيلته وإجماع الأمة على قبول روايته .
أولاً – هو داخل في عموم الصحابة الذين زكاهم الله وأثنى عليهم ووعدهم الحسنى قال تعالى في مدح أصحاب نبيه : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) .
وقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم وأمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) .
وقال تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) .
ويدخل في عموم قوله : " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق أيمانهم شهادتهم ويشهدون قبل أن يستشهدوا " .
قال الخطيب البغدادي -رحمه الله – باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم وإنما يجب فيمن دونهم ثم قال : "كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن , ثم ساق آيات وأحاديث في بيان فضلهم ومنزلتهم رضي الله عنهم " الكفاية (ص93-97) .
وعلى هذا المنهج كل علماء الإسلام والسنة إلى يومنا هذا أي على الإيمان بعدالة الصحابة جميعاً وقبول رواياتهم حتى المجهولين منهم ولم يستثنوا أبا بكرة ولا غيره في الفضائل ولا في قبول مروياتهم بل أجمع المسلمون على قبول رواية أبي بكرة كما أجمعوا على قبول روايات غيره لما علموا من سيرته أنه من خيار الصحابة وفقهائهم ، ولما علموا من صدقه وورعه وصدعه بالحق ونصحه للإسلام والمسلمين .
فمما يدل على ورعه ودينه وخوفه من الله وفقهه في الدين وبذل جهده في دفع الفتن عن الأمة وسعيه في جمع كلمة المسلمين روايته للأحاديث الآتية :
الأول : قال الإمام البخاري -رحمه الله- : حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال : لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي أن فارساً ملكوا ابنة كسرى قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .
روى هذا الحديث مع أنه كان يحب عائشة ويقدرها ويميل إلى نصرة قتلة عثمان فخالف كل ذلك وروى هذا الحديث .
قال الحافظ : وقد روى الحديث الترمذي والنسائي من طريق حميد الطويل عن الحسن البصري بلفظ " عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله قال فلما قدمت عائشة ذكرت ذلك فعصمني الله " .
وأخرج عمر بن شبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن أن عائشة أرسلت إلى أبي بكرة , فقال : إنك لأم وإن حقك لعظيم ولكن سمعت رسول الله يقول : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .
ونقل الحافظ عن المهلب قوله : "فلما انتصر علي عليهم حمد أبو بكرة رأيه في ترك القتال معهم وإن كان رأيه موافقاً لرأي عائشة في الطلب بدم عثمان .
وعلق عليه بقوله : وفي بعضه نظر يظهر مما ذكرته ومما سأذكره وتقدم قريباً في باب " إذا التقى المسلمان بسيفيهما " من حديث الأحنف أنه كان خرج ينصر علياً فلقيه أبو بكرة فنهاه عن القتال وتقدم قبله بيان قول أبي بكرة لما حُرَّق ابن الحضرمي ما يدل على أنه لا يرى القتال في مثل ذلك أصلاً فليس هو على رأي عائشة ولا على رأي علي في جواز القتال بين المسلمين أصلاً وإنما كان رأيه الكف وفاقاً لسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة عبد الله بن عمر وغيرهم ولهذا لم يشهد صفين مع معاوية ولا مع علي .
فواضح جداً من هذه الأحاديث التي يرويها , ومن مواقفه أنه من أهل التقى والورع والجد في السعي في إطفاء الفتن بين المسلمين ,
واعتراض الحافظ على المهلب فيه نظر لأن المهلب قال قبل هذا الكلام : " لأن المعروف من مذهب أبي بكرة أنه كان على رأي عائشة في طلب الإصلاح بين الناس ولم يكن قصدهم القتال ، لكن لما نشبت الحرب لم يكن لمن معها بد من المقاتلة ، ولم يرجع أبو بكرة عن رأي عائشة وإنما تفرس أنهم يغلبون لما رأى الذين مع عائشة تحت أمرها لما سمع في أمر فارس(1) " انظر الفتح (13/60-61)
الثاني : وكما روى أبو بكرة هذا الحديث روى حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " البخاري (6875) في الديات .
الثالث : روى البخاري في صحيحه كتاب الفتن حديث (7078) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة وعن رجل أفضل من عبد الرحمن أن رسول الله خطب الناس فقال:"ألا تدرون أي يوم هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال : حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال أي بلد هذا أليست بالبلدة الحرام ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ؟ قلنا : نعم ، قال : اللهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلَّغ يبلغه من هو أوعى له فكان كذلك ، قال لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .
فلما كان يوم حُرقَّ ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة قال : أشرفوا على أبي بكرة ، فقالوا : هذا أبو بكرة يراك .
قال عبد الرحمن فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال : " لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة ".
ورواه أحمد (5/39) وفيه ما بهشت إليهم بقصبة .
أي ما دافعتهم فكأنه قال مامددت يدي إلى قصبة ولا تناولتها لأدافع بها عن نفسي " .
الرابع : روى الإمام البخاري بإسناده إلى الحسن البصري في كتاب الصلح حديث (2704) قال : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله على المنبـر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" ، وقد رواه البخاري في مواضع أخر من صحيحه في فضائل النبي وفي المناقب وفي الفتن ورواه أبو داود والترمذي والنسائي .
رضي الله عنه ما أورعه وما أشد التزامه بسنة رسول الله وما أحرصه على تبليغ سنة رسول الله ولا سيما الأحاديث الدالة على تحريم قتال المسلمين بعضهم بعضاً في الفتن وفي ما يلم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم .
ثناء العلماء عليه :
1- قال الحسن البصري : " لم ينـزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة " .
2- قال ابن سعد وكان رجلاً صالحا ورعا ولما انتسب أخوه زياد إلى أبي سفيان هجره إلى أن مات , طبقات ابن سعد (7/16) والمصنف لعبد الرزاق (8/362) وهذا من أوضح الأدلة على نزاهته وصدقه في دينه وولائه لله وغضبه من أجله حيث هجر أخاه مع إكرامه الجزيل لأولاد أبي بكرة .
3- وقال أحمد بن عبد الله العجلي في ثقاته في أبي بكرة رضي الله عنه وكان من خيار أصحاب النبي " تهذيب الكمال (30/6) .
4- وقال أبو نعيم الأصفهاني :" كان رجلاً صالحا ورعا آخى رسول الله بينه وبين أبي برزة " تهذيب الكمال (30/6) وصلى عليه أبو برزة عند موته طبقات خليفة (ص 183) وتهذيب الكمال (30/9) .
5- وقال ابن عبد البر في ترجمة أبي بكرة : "وكان من فضلاء الصحابة وقال : وكان مثل النصل من العبادة حتى مات" انظر الاستيعاب (4/178-179) وأصله في المصنف لعبد الرزاق (8/362) وانظر العقد الثمين (7/348).
6- وقال ابن الأثير: " وكان من فضلاء أصحاب رسول الله وصالحيهم وكان كثير العبادة حتى مات وكان أولاده في البصرة مشهورين بكثرة المال والعلم والولايات" أسد الغابة (6/38) .
7- وقال الذهبي : " سكن البصرة وكان من فقهاء الصحابة " ، سير أعلام النبلاء (3/6).
وقد شك البيهقي في صحة قول أبي بكرة "قد فسقوني"(1) ، فقال: إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قذفه وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول : لم أقذف المغيرة وإنما أنا شاهد فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع لتعين الرجم ولما سموا قاذفين" سير أعلام النبلاء (3/7).
فهذا يدل أنه كان موضع ثقة عند الناس يصدقونه ويثقون بأقواله لأنه صاحب رسول الله .
8- وقال الحافظ ابن حجر : "وكان من فضلاء الصحابة وأنجب أولاداً لهم شهرة" الإصابة (6/252) .
9- وقال صاحب الرياض المستطابة في ترجمة أبي بكرة : " وكان من ذوي المزايا من أصحاب رسول الله نزل البصرة وشهد الجمل ولم يقاتل فيها " (ص 276) .
أسباب الإجماع على قبول مرويات أبي بكرة .
أولاً- من أهم أسباب قبول رواية الصحابي الكبير أبي بكرة -رضي الله عنه- والإجماع على قبولها ما عرف من صدقه في صحبته لرسول الله وما عرف من عبادته وزهده ونصحه للإسلام والمسلمين وأنه بهذه الصفات وغيرها ليس من الكذابين والفاسقين ولكل عموم تخصيص ولكل قاعدة شواذ كما يقال .
ثانياً - ومنها تفريقهم بين الرواية والشهادة(1) إذ يشترط في قبول الشهادة العدد من الاثنين إلى الأربعة كما يشترط فيها الحرية والذكورة بخلاف الرواية فإنها تقبل بعد العدالة والضبط من الواحد حراً كان أو عبداً ومن المرأة حرة كانت أو أمة .
قال الحافظ ابن حجر : وقد حكى الإسماعيلي في المدخل أن بعضهم استشكل إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بكرة في عدة مواضع ، وأجاب الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية وأن الرواية يطلب فيها مزيد تثبت لا يطلب في الرواية كالعدد والحرية وغير ذلك .
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطاً في قبول توبته لأن أبا بكرة لم يكذب نفسه ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها .
يعني أن أبا بكرة فقيه مجتهد وقد خالف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذا الشرط فمال المسلمون إلى رأي أبي بكرة لما علموا من الفرق بينه وبين القاذفين الكاذبين من الفساق والمنافقين والمجرمين الذين يغلب عليهم الكذب والفجور في القذف فقوله تعالى : ( فأولئك هم الكاذبون ) (وأولئك هم الفاسقون ) ينـزل على الغالب والغالب إنما يكون القذف من هذه الأصناف .
ومن هذا المنطلق أطبق علماء الإسلام من خيار التابعين فمن بعدهم من علماء الأمة وفضلائها وفقهائها على قبول رواية هذا الصحابي الجليل الذي لا أعلم أحداً من الأمة رماه بالكذب والفسق ودعا إلى رفض مروياته سوى محمد الأشقر.
وقد حكى الإجماع على قبول رواية أبي بكرة الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (2/559) بعد روايته لقصة أبي بكرة والمغيرة -رضي الله عنهما- فقال :"فأما قبول رواية أبي بكرة فمجمع عليه" ( 1/127) .
وحكى الحافظ ابن القيم – رحمه الله – في إعلام الموقعين (2/127) : " الإجماع على قبول رواية أبي بكرة " .
ثالثاً - ومنها تفريقهم بين القاذف الحقيقي وبين الشاهد ، 1- فقد قال القاضي أبو يعلى في العدة (3/947-948) : " فأما أبو بكرة ومن جلد معه فلا يرد خبرهم لأنهم جاءوا مجيء الشهادة وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في وجوب الحد ويسوغ فيه الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد ولأن نقصان العدد معنى من جهة غيره فلا يكون سبباً في رد شهادته".
2- وقال ابنُ عَقِيل في "الواضح في أصول الفقه" (5/27) :" قال أحمد: ولا يُرَدُّ خَبَرُ أبي بَكْرة _ ولا مَنْ جُلِدَ معه _؛ لأنَّهُم جاءُوا مجيءَ الشهادَةِ، ولم يأتُوا بصريح القذفِ.ويسوغُ فيه الاجتهادُ؛ ولا تُرَدُّ الشهادةُ بما يسوغُ فِيهِ الاجتهاد"
3- وقال أبو الخطاب الكلوذاني في التمهيد (3/127) فصل : "إذا كان الراوي محدوداً في قذف فلا يخلو أن يكون قذف بلفظ الشهادة أو بغير لفظها ، فإن كان بلفظ الشهادة لم يرد خبره ، لأن نقصان عدد الشهادة ليس من فعله ، فلم يرد به خبره ، ولأن الناس اختلفوا هل يلزمه الحد أم لا ؟ وإن كان بغير لفظ الشهادة رد خبره لأنه أتى بكبيرة إلا أن يتوب" .
4- وقال أبو إسحاق الشيرازي في اللمع (ص77) : "فأما أبو بكرة ومن جلد معه في القذف ، فإن أخبارهم تقبل لأنهم لم يخرجوا مخرج القذف ، بل أخرجوه مخرج الشهادة ، وإنما جلدهم عمر كرم الله وجهه باجتهاده فلم يجز أن يقدح بذلك في عدالتهم ولم يرد خبرهم " .
5- وفي المسودة لآل تيمية (ص258) " مسألة : المحدود في القذف إن كان بلفظ الشهادة ، فلا يرد خبره لأن نقص العدد ليس من فعله ولأن ذلك يسوغ فيه الاجتهاد ولذلك روى الناس عن أبي بكرة ، وإن كان بغير لفظ الشهادة لم يقبل حتى يتوب ذكر ذلك القاضي وأبو الخطاب والمقدسي وابن عقيل وذكر عن أحمد ما يدل عليه .
6- وقال محمد بن أحمد الفتوحي المشهور بابن النجار في شرح الكوكب المنير (ص385-387) : " قال أصحابنا وغيرهم : إن قذف بلفظ الشهادة قبلت روايته لأن نقص العدد ليس من جهته ، زاد القاضي في "العدة" : وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في الحد ويسوغ فيه الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد وكذا زاد ابن عقيل ، قال الشيرازي في "اللمع" : " وأبو بكرة ومن شهد معه تقبل روايتهم لأنهم أخرجوا ألفاظهم مخرج الإخبار ، لا مخرج القذف ، وجلدهم عمر باجتهاده " ، (ويحد ) القاذف بلفظ الشهادة مع قبول روايته .
قال في "شرح التحرير" اتفق الناس على الرواية عن أبي بكرة والمذهب عندهم يحد ، وروي عن أحمد والشافعي أنه لا يحد .
قال ابن مفلح : فيتوجه من هذه الرواية بقاء عدالته ، وقاله الشافعية ، وهو معنى ما جزم به الآمدي ومن وافقه ، وأنه ليس من الجرح ، لأنه لم يصرح بالقذف" .
7- وقال الحنفية بقبول رواية المحدود في القذف مطلقاً سواء كان محدود الشهادة أم غيرها وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة نفي قبول روايته مطلقاً لكن الكمال قال والظاهر من المذهب خلافه ، تيسير التحرير (3/55،47) نقلته من حاشية شرح الكوكب المنير عن المحققين الدكتور محمد الزحيلي والدكتور نزيه حماد .
الوقفة الثالثة عند تخريجه للحديث
حيث قال أخرجه البخاري ح 4425 و 7099 وأخرجه أيضاً الإمام أحمد في مسنده برقم 20438 و 20402 و 20455 ، كلاهما عن أبي بكرة رضي الله عنه .
وساق الحديث بلفظ " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " .
وبلفظ " لا يفلح قوم تملكهم امرأة " .
وأقول أخرجه أيضا الترمذي في جامعه أبواب الفتن حديث 2262 وابن حبان في صحيحه ( 4516 ) والحاكم في المستدرك ( 3/ 118 ) و (4/ 291 ) والبيهقي ( 3/ 90 ) و ( 10/ 117 ) والبغوي في شرح السنة (2486) والنسائي ( 8/227 ) حديث ( 5388 ) باب النهي عن استعمال النساء في الحكم.
ومن ألفاظه في البخاري : "لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله أيام الجمل بعدما كدت الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم" .
وفي الترمذي : " لقد عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله فلما قدمت بعائشة على البصرة ذكرت قول الرسول فعصمني الله به" .
فانظر إلى فقه هذا الصحابي وشدة تمسكه بسنة رسول الله واعترافه بأن الله قد عصمه بكلمة سمعها من رسول الله ولذلك دلالته التي لا يعرف قدرها إلا الأتقياء فكان ينبغي للأشقر أن يذكر هذه الألفاظ التي تدل على فقهه وصدق دينه وورعه .
الوقفة الرابعة عند قوله :" هذا الحديث هو المستند الرئيسي لكل من يتكلم في هذا الأمر ".
أقول : لو كان حديث أبي بكرة هو مستندهم الوحيد لكفاهم ، كيف لا وهو مما تلقته الأمة بالقبول ولم يطعن فيه أحد من أئمة الحديث الجهابذة ولا غيرهم من أئمة الإسلام .
وكيف لا يقبلونه ويحتجون به في أن المرأة لا يجوز أن تتولى المناصب الدينية والسياسية .
وعندهم أدلة من الكتاب والسنة النبوية القولية والعملية .
فمن الأدلة القرآنية قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) الآية 34 من سورة النساء .
قال ابن كثير في تفسيرها : " يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه .
وكذا منصب القضاء وغير ذلك " تفسير القرآن العظيم ( 1/503 ) .
انظر كيف ربط الحافظ ابن كثير بين الآية والحديث ، بل استخرج من الآية ما هو أوسع من مدلول الحديث .
وارجع إلى كتب التفسير لترى أن تفسيرهم للآية لا يختلف عن تفسير ابن كثير انظر تفسير القرطبي وغيره .
ومن السنة حديث أبي بكرة هذا .
وقوله للنساء " إنكن ناقصات عقل ودين "
ومن السنة الفعلية والتركية أن رسول الله كان يسند المناصب كلها إلى الرجال ولا يسند منها شيئاً إلى النساء .
ولذلك سار على نهجه خلفاؤه الراشدون ، كانوا يسندون المناصب الكبيرة والصغيرة إلى الرجال دون النساء ولي رسالة في بيان حقوق الرجال والنساء في الإسلام .
الوقفة الخامسة عند قوله : " ولم يرد هذا الحديث من رواية أي صحابي آخر غير أبي بكرة ".
أقول : هل تريد أن الصحابي إذا انفرد برواية حديث لا يصدق فيه ولا يقبل منه.
إن كنت تريد هذا فكم سترد من الأحاديث النبوية التي تفرد بروايتها صحابي واحد ومنها حديث عمر رضي الله عنه " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ... الحديث .
فقد تفرد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتفرد به عنه علقمة بن وقاص الليثي وتفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري .
وفي الصحيحين مائتا حديث من الغرائب .
وهذا الرأي الذي تشير إليه يقول به روؤس المعتزلة والروافض وهو يصطدم بعشرات الأدلة من القرآن والسنة التي تفيد وجوب قبول خبر الواحد الثقة .
وكم أرسل رسول الله من الأفراد ليبلغوا عنه دين الله الذي كلفه الله بتبليغه ولا أدري أهذه زلة قلم منك ؟ أو أنها عقيدة تعتقدها طرأت عليك في آخر أيامك ؟
الوقفة السادسة عند قوله : " وتصحيح البخاري وغيره لهذا الحديث وغيره من مرويات أبي بكرة رضي الله عنه هو أمر غريب لا ينبغي أن يقبل بحال .
والحجة في ذلك ما عرف في كتب التاريخ الإسلامي كما عند الطبري وابن كثير وغيرهما أن أبا بكرة قذف المغيرة بن شعبة بالزنا ووصل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأمر بحضور الرجلين من الكوفة إليه في المدينة فسألهما عن ذلك وطلب عمر من أبي بكرة أن يأتي بشهوده على ما ادعاه فلم تتم الشهادة التي هي كما قال الله تعالى أربعة شهود ، قال الله تبارك وتعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) سورة النور ، الآية (4) ".
أقول : إن الغريب الأغرب هو استنكار الأشقر تصحيح أئمة الإسلام ومنهم الإمام البخاري لمرويات الصحابي الجليل أبي بكرة رضي الله عنه ومناداته بإسقاطها وهدمها .
ثم أقول : ما هي حجة الدكتور محمد الأشقر على هذا الإسقاط والهدم لأبي بكرة ومروياته ورده لإجماع علماء الأمة على قبول مروياته وتدوينها في دواوين الإسلام وعلى رأسها الصحيحان ؟
الجواب أن حجته ما صرح هو بقوله : " والحجة في ذلك ما عرف في كتب التاريخ الإسلامي كما عند الطبري وابن كثير وغيرهما أن أبا بكرة قذف المغيرة ابن شعبة بالزنا ... الخ .
ونقول مع الأسف فهل التزم المؤرخون الصحة في كل ما يوردونه في تواريخهم وهل يعتقد علماء الإسلام أن أخبار الإخباريين ومؤلفاتهم حجة ترد بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة التي تلقتها الأمة بالقبول ويطعن بها في الصحابة الكرام .
إن ابن جرير قد أخرج نفسه من عهدة ما ينقله في تاريخه وأنه يحيل إلى الإسناد ليكون القاريء على بصيرة من أمره وحكمه على الأخبار والأحداث .
وأنت حينما رجعت إلى تاريخ ابن جرير الطبري هل كنت حريصاً على معرفة صحة أو عدم صحة ما نسب إلى هذا الصحابي الكبير أبي بكرة ، الله أعلم بذلك ومكانة الصحابي ليست من السهولة بأن يتناولها الباحث أو المتكلم بأطراف أنامله .
أقول : والذي يرجع إلى تاريخ ابن جرير الطبري ( 4/69-72 ) يجد أن مدار قصة أبي بكرة والمغيرة بن شعبة وشهود القصة على سيف بن عمر التميمي ومحمد بن عمر الواقدي وهما ممن رمي بالكذب ورمى ابن حبان والحاكم سيفاً بالزندقة ، انظر المدخل (1/191) والمجروحين ( 1/3455 ) والميزان (2/255)و(3/662 ) .
ونجد قول ابن جرير الطبري – رحمه الله – يعتبر أبا بكرة ومن معه شهوداً لا قاذفين وأن عمر اعتبرهم شهوداً لم تكمل شهادتهم وإن كان بعض العلماء يغفل عن هذا .
والحاصل أن نص القصة التي رواها ابن جرير والتي هي عمدة الدكتور محمد الأشقر لم يثبت بالطرق التي وقف عليها .
وقد جاءت من طرق أخرى مدارها على سعيد بن المسيب – رحمه الله – لكن ابن المسيب لم يدرك عمر فروايته مرسلة والمرسل ضعيف ومزية مراسيل ابن المسيب وهي وجودها متصلة من جهة أو جهات أخرى لم توجد في هذه الروايات التي مدارها عليه .
ومثل هذه الأسانيد لا يعتمد عليها ولا يحتج بها في أدنى الأمور فكيف يعتمد عليها في الطعن في صحابي شرفه الله بصحبة محمد وأثبتت حياته كلها صدق صحبته باطناً وظاهراً وصدقه في دينه وفي حياته كلها .
وأمْرُ عمر رضي الله عنه أبي بكرة بتكذيب نفسه لكي يقبل شهادته إن صحت القصة أمر اجتهادي من عمر رضي الله عنه .
وإباء أبي بكرة تكذيب نفسه والرجوع عن شهادته يدل على ثقته بنفسه وأنه لم يكن قاذفاً وأنه لم يظلم المغيرة حسب اعتقاده .
وأن المسلمين لا يتهمون المغيرة أيضا فكلاهما صحابي جليل والقول الذي يليق بالصحابيين الجليلين أن المغيرة إنما كان يجامع زوجته وكان بينها وبين المرأة التي شهد أبو بكرة ومن معه بأنهم رأوه يواقعها شبه قوي وكانت هذه المرأة برزة تغشى الأمراء والأشراف فبسبب هذا وذاك كان أبو بكرة جازماً بصدق نفسه فلذا أبى أن يكذب نفسه .
وترجح للناس والعلماء بُعْدَه عن الكذب والفسق واختلاف حاله عن حال القاذفين المجازفين في الشهادة فضلاً عن المنافقين , ورأوا أن لكل من الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة والصحابي الجليل أبي بكرة عذره .
فدانوا لله بصحة صحبتهما وقبول روايتهما وأن تزكية الله للصحابة وثناءه عليهم ووعده لأصحاب محمد بالجنة والرضوان قد شملهما كما شمل كل الصحابة واتفقت الأمة على عدالتهم وقبول رواياتهم .
أقول : وهنا ينبغي أن أذكر روايات أخرى تتعلق بأبي بكرة رضي الله عنه وأصحابه :
1- قال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (10/91) باب الشهادة على الزنا كيف هي .
حدثنا ابن علية عن التيمي عن أبي عثمان قال : لما قدم أبو بكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد فقال له عمر رجل لن يشهد إن شاء الله إلا بحق قال : رأيت انبهاراً ومجلساً سيئاً فقال عمر هل رأيت المرود في المكحلة قال : لا , فأمر بهم فجلدوا وظاهر هذا الإسناد الصحة إن كان أبو عثمان هو النهدي .
2- وقال أبو بكر بن أبي شيبة : " حدثنا أبو أسامة عن عوف عن قسامة بن زهير قال : لما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة ... وفي الحديث " فشهد أبو بكرة وشبل بن معبد وأبو عبد الله نافع فقال عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة أودى المغيرة أربعة وشق على عمر شأنه جدا فلما قام زياد قال : إن تشهد إن شاء الله إلا بحق ثم شهد قال : أما الزنا فلا أشهد به ولكني رأيت أمرا قبيحا فقال عمر : الله أكبر حدوهم فجلدوهم فلما فرغ من جلد أبي بكرة قام فقال : أشهد أنه زان فهم عمر أن يعيد عليه الحد فقال علي إن جلدته فارجم صاحبك فتركه فلم يجلد فما قذف مرتين بعد(1) " المصنف (10/93) .
3- وقال البيهقي ، باب شهادة القاذف , ( 2/558 ) قال : أخبرنا أبو عبد الله الحاكم أخبرنا الوليد الفقيه أخبرنا أبو القاسم البغوي حدثنا عبد الله بن مطيع عن هشيم عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة فذكر القصة كما تقدم وفي إسناد ابن أبي شيبة قسامة بن زهير لم يدرك عمر وفي إسناد البيهقي هشيم بن بشير مشهور بالتدليس وقد عنعن في روايته هذه وهذه الروايات الثلاث ليس فيها أن عمر طلب من أبي بكرة التوبة ليقبل شهادته فهي على ما فيها من كلام تقدم على رواية سيف بن عمر ومحمد بن عمر الواقدي التي فيها أن عمر طلب منه التوبة ليقبل شهادته .
فبطل كل ما تعلق به الأشقر ولا سيما طلب عمر من أبي بكرة أن يكذب نفسه ليقبل شهادته .
الوقفة السابعة عند قوله : " ولذلك جلد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ثمانين جلدة حد القذف في الزنا ثم قال له تب أقبل شهادتك فأبى أن يتوب وأسقط عمر بعد ذلك شهادته فكان أبو بكرة بعد ذلك إذا استشهد على شيء يأبى أن يشهد ويقول : إن المؤمنين قد أبطلوا شهادتي .
أقول : لم يكلف الدكتور الأشقر نفسه بذكر أي إسناد لهذا القول من أقواله هنا ثم إن ثبت قول أبي بكرة فهذا من الأدلة على دينه وتقواه ولو كان كاذباً فاسقاً لما قال هذا القول المنسوب إليه .
وسوف أتطوع للأشقر بذكر رواية تضمنت معنى ما يدعيه .
قال أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو طاهر الفقيه أبنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا عمرو بن محمد عن قيس عن سالم الأفطس عن سعيد بن عاصم قال : كان أبو بكرة إذا أتاه الرجل يشهده قال أشهد غيري فإن المسلمين قد فسقوني قال البيهقي : "وهذا إن صح فلأنه امتنع أن يتوب من قذفه وأقام عليه ولو كان قد تاب لما ألزموه الفسق" السنن الكبرى ( 10/152) .
وأقول : إن في إسناد هذه الرواية سعيد بن عاصم الراوي عن أبي بكرة وهو مجهول ولم أقف له على ترجمة ولا ذكر له في الرواة عن أبي بكرة ، انظر تهذيب الكمال (30/5-6) ولا ذكر له في شيوخ سالم بن عجلان الأفطس ، انظر تهذيب الكمال (10/165) .
ولهذا شك البيهقي في صحته .
فهل يجوز لمسلم عاقل أن يجازف مثل هذه المجازفات في حق صحابي كريم عرفت الأمة له منزلته ومكانته فيرميه بالفسق والكذب ويسقط مروياته كلها ويلوم علماء الإسلام على تصحيح مروياته .
وحجته في هذا الهجوم روايات لا تثبت على محك النقد العلمي بل بعضها من روايات الكذابين والمتهمين .
الوقفة الثامنة عند قوله : " على أنا نقول جدلاً لو صح هذا الحديث افتراضاً جدلياً لكان حجة فقط في منع أن تتولى المرأة الملك أو رئاسة الدولة ولا يصلح حجة لمنع أن تتولى المرأة القضاء أو إمارة قرية أو مدينة فليس معنى كون الرجل لا يصلح أن يكون ملكاً أنه لا يصلح أن يكون قاضياً أو أمير مدينة أو قرية أو يكون رئيس دائرة أو وزيراً أو رئيس وزراء أو نائباً في البرلمان ، من احتج بهذا الحديث على ذلك فهو مخطيء خطأ كبيراً بل إنني اعتبره يسيء الفهم جداً على أن مما يدل على بطلان هذا الحديث أنه يقتضي أنه لا يمكن أن يفلح قوم تتولى رئاسة دولتهم امرأة في حال من الأحوال ومعنى هذا أنه لو وجدت امرأة على رأس إحدى الدول ونجحت تلك الدولة في أمورها الدنيوية فيكون ذلك دالاً على أن هذا الحديث كذب مكذوب على النبي وقد وجد في العصور الحديثة دول كثيرة تولت رئاستها نساء ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء نذكر من ذلك رئاسة أنديرا غاندي للهند ورئاسة مارغريت تاتشر لبريطانيا وغيرهما كثير في القديم والحديث وإنما قلنا في الأمور الدنيوية لأن الحديث ورد على ذلك ، ففي رواية البخاري قال أبو بكرة : " لما بلغ رسول الله أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى " قال " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .
أقول :
1- إن الحديث صحيح وقد تلقته الأمة بالقبول فدعنا من الافتراضات الجدلية .
2- إن المرأة لا يشرع أن يسند إليها شيء من الولايات التي ذكرتها استناداً في الدرجة الأولى إلى تطبيق الرسول وخلفائه الراشدين .
3- واستناداً إلى قول الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) وقد مر بنا وجه الدلالة منها .
4- واستناداً إلى هذا الحديث الصحيح وقد استدل به العلماء على ان المرأة لا يشرع أن يسند إليها الخلافة ولا الإمارة ولا القضاء وما في معناهما .
5- استناد إلى قوله تعالى ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) .
6- وإلى قول النبي للنساء " إنكن ناقصات عقل ودين " .
ومن المناسب أن أنقل هنا نصاً من النصوص التي ناقشت فيها محمد الغزالي المصري المعاصر في أمور كثيرة منها طعنه في سنة رسول الله وطعنه في بعض الصحابة وفي قوله بالاشتراكية الغالية وفي مناداته بحقوق المرأة وغلوه في ذلك وفي نسبة هذه العقائد والأفكار إلى الإسلام في كتابي كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها ونقد بعض آرائه ومما قلته في هذا الكتاب ( ص50-55 ) :
"ومن هنا احتضن الغزالي قضايا المرأة وغلا فيها غلوا شديدا ونحى فيها منحى دعاة تحرير المرأة مطالبا لها بحقوق من المساواة يزعم أنها قد منحها إياها الإسلام ويرتكب في هذا الباب من الأخطاء والمغالطات ما يرى أنه قد ظلم فيه الإسلام والمسلمين والمرأة نفسها، ويتجنى على المجتمعات الإسلامية وعلى العلماء بما يكذبه الواقع .
فهو يرى المساواة بين الرجل والمرأة في الدية فيقول : (وأهل الحديث يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل ، وهذه سوأة خلقية وفكرية رفضها الفقهاء المحققون ، فالدية في القرآن واحدة للرجل والمرأة، والزعم بأن دم المرأة أرخص وحقها أهون زعم كاذب مخالف لظاهر القرآن )(1).
وهو في قوله هذا ظالم لأهل الحديث قائل على الله وعلى الإسلام والقرآن بغير علم ومخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة التي أجمعت على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل وسيأتي توضيح ذلك في مناقشتي له (2).
وإنما أُتيَ الرجل -في نظري- من تأثره بالحضارة الغربية المزيفة ومن غلوه في قضايا المرأة متناسيا التفاوت بين الرجل والمرأة الذي بينه القرآن والسنة والواقع والتاريخ الإنساني وأن هذا التفاوت بين الذكر والأنثى بارز حتى في الحيوانات صغيرها وكبيرها.
فالقرآن فاوت بين الرجل والمرأة في المواريث فالأخ يأخذ ضعف ما تأخذه أخته من الميراث .
وإذا ماتت الزوجة وليس لها ولد ورث زوجها نصف مالها فإن كان لها ولد أخذ ربع مالها.
وإن مات الزوج وليس له ولد ورثت الزوجة ربع ماله فإن كان له ولد ورثت الثمن وإن كن عددا من الزوجات اشتركن في هذا الثمن .
وإن مات عن أبويه فقط فلأمه الثلث ولأبيه الثلثان وإن مات الرجل عن ابن طفل أخذ جميع ماله .
وإن مات عن عشرات البنات لا يأخذن أكثر من الثلثين ، والرجل ولي المرأة في الزواج في الإسلام وقبله .
والمرأة لا تصلح لهذا لا على نفسها ولا على غيرها من النساء ولا على الرجال من باب أولى .
وينسى الغزالي قول الله تعالى : (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) سورة الزخرف الآية (18) ، ويعترف بقوامة الرجل على المرأة على إغماض ومضض ، ثم يقصر هذه القوامة على البيت فقط ، وهو رأي في حدود علمي لم يسبقه إليه أحد. فالإسلام يفرض على المرأة أن لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه.
وفي مجال السياسة يرى الغزالي أن للمرأة أن تتولى المناصب العليا في الدولة فيقول: (وللمرأة ذات الكفاءة العلمية والإدارية والسياسية أن تلي أي منصب ماعدا الخلافة العظمى)(1)
ويقول عن أهل أوروبا - يريد إذا أسلموا -:
(وإذا ارتضوا أن تكون المرأة حاكمة أو قاضية أو وزيرة أو سفيرة فلهم ما شاؤا ولنا وجهات نظر فقهية تجيز ذلك )(1)
فتراه لا يستثني من المناصب في الدولة إلا الخلافة العظمي ولا ندري ما دليله على هذا الاستثناء.
وعلى كل حال فيجوز عنده أن تكون المرأة ملكة أو رئيسة جمهورية أو رئيسة وزراء أو وزيرة أو قاضية أو قائدة جيش .
وهو بهذا الرأي يخالف إجماع الأمة ويخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية، ويخالف عمل الخلفاء الراشدين . ويتعلق بقول شاذ يخالف كل ما سبق ذكره .
ثم نسأله ما هي وجهات النظر الفقهية التي يزعمها ومن هم هؤلاء الفقهاء الذين سبقوه إلى هذا الرأي وما هي أدلتهم ولعل الرجل يشير إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المرأة تقضي فيما تصح فيه شهادتها(2).
فإن كان يرمي إلى هذا القول فشتان بين ما يقول الغزالي وبين هذا القول . ومع أن قول أبي حنيفة ضعيف لا دليل عليه فإنه لا يريد به منصب القضاء.
وعلى كلٍ فإن قول الغزالي غريب جداً بعيد جدا عن الإسلام وعن أقوال أئمة الإسلام. وأدلته إنما هي أعمال الأوربيين وتقاليدهم وتقاليد من نهج نهجهم ، ومن أبرز أدلته قوله عن الأوربيين:(فإنه يجب علينا أن نختار للناس أقرب الأحكام إلى تقاليدهم والمرأة في أوروبا تباشر زواجها بنفسها ولها شخصيتها التي لا تتنازل عنها . . . وإذا ارتضوا أن تكون المرأة حاكمة أو قاضية أو وزيرة أو سفيرة فلهم ما شاؤا، ولدينا وجهات نظر فقهية تجيز ذلك كله(3) .
وهكذا يكون العلم وهكذا يكون الاحتجاج .
ولعل هذا النوع عنده من الأساسيات التى يستخف بالسنة وأهلها من أجلها، ويسمي السنة قشورا.
ومن هذا المنطلق تراه يلهج بلهجة فخورة بفكتوريا ملكة بريطانيا وتاتشر رئيسة وزراء بريطانيا وجولدا مائير رئيسة وزراء دولة اليهود وأنديرا الهندوكية رئيسة وزراء الهند ضاربا عرض الحائط بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " حيث يقول : ((ما أفلح قوم وَلَّو أمرهم امرأة )) . ويؤيده تطبيقه العملي وتطبيق خلفائه الراشدين وما فهمه وقرره علماء الإسلام من فجر الإسلام إلى يومنا هذا.
لو كان ما يقوله الغزالي حقا من أن من حقوق المرأة في الإسلام تولي المناصب لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول منفذ لها ولتابعه في تنفيذها بعزم وقوة خلفاؤه الراشدون ولحطم الحواجز والسدود الجاهلية إن كان حرمان المرأة من هذه المناصب من أمور الجاهلية كما يدندن حول ذلك الغزالي في قضايا المرأة وحرمانها من حقوقها، لقد حطم الإسلام الجاهلية بأنواعها ووضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت قدميه ومن ذلك قضية الظهار والتبني : (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) سورة الأحزاب الآية (4) ، انظر كيف هدم قضية الظهار الذي كان يعتبر طلاقا في الجاهلية .
وكيف هدم التبني الذي كان على أساسه يقوم التوارث وهدم أيضاً التوارث بالتحالف . وانظر كيف يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم ما يقوم على التبني الجاهلي من تحريم الزواج من زوجة المتبنَّى إذا طلقها قال تعالى : (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) سورة الأحزاب الآية (37) .
لقد أكرم الإسلام المرأة وأعطاها حقوقها التي تليق بها كاملة نظريا يرافقها التطبيق بكل ما في التطبيق من عدالة ودقة، وصحح أوضاعها جميعا، ولو كانت المناصب الكبيرة والصغيرة في الدولة، من حقوق النساء لما توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانها وتوضيحها وتنفيذها بعزم وقوة، ولرأينا فلانة أميرة مكة، وفلانة أميرة اليمن وفلانة قاضية بلدة كذا وفلانة عاملة عمان وأخرى قائدة الجيش الفلاني أو السرية الفلانية إلى جانب معاذ وعمرو بن العاص وخالد ابن الوليد وعتاب بن أسيد والعلاء بن الحضرمي وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ولرأيناهن في الخلافة الراشدة يزاحمن أو يسبقن الرجال في مناصب الإمارة والقضاء في شرق العالم الإسلامي وغربه إذ أن هناك نوابغ من النساء في العصور الزاهرة في الإسلام في عهد الرسول والخلفاء الراشدين وبعد ذلك من لا يأتي عليهن العد مثل عائشة وأم سلمة وأم سليم وأسماء بنت عميس وهند بنت عتبة، وغيرهن من نساء المهاجرين والأنصار وزينب ونفيسة وعمرة بنت عبد الرحمن وعائشة بنت طلحة وفاطمة بنت عبد الملك وغيرهن من بيوتات قريش والعرب والموالي ممن يفقن كثيرا من الرجال علما وذكاء وأدبا ورأيا.
ونسأل الغزالي(1) كيف ستقوم هذه الملكة والسلطانة أو الوزيرة أو رئيسة الوزراء أو القاضية أو السفيرة بالطاعة والأدب والقنوت والخضوع لقوامة الرجل التي منحها الإسلام للأزواج وإذا كان مقر الزوج في بلد والوزيرة أو السفيرة في بلد آخر فهل ينقل الزوج صاغرا أو تابعا لزوجته العظيمة أو ماذا يصنع المسكين ؟ وهل يكون إذا كان موظفا في وزارتها أو سفارتها تحت رحمتها يخضع لأوامرها ويذهب بعيداً عندما تعقد اجتماعاتها الخاصة والعامة بأقرانها من الوزراء والسفراء وكيف يكون الحال إذا كانت فتاة جميلة وحولها من الوزراء أو السفراء من هو ممتليء شبابا وجمالا إلى آخر المشاكل والمحاذير والفتن التي يأباها الإسلام ورجاله الغيورون ونساؤه الغيراوات النـزيهات العفيفات ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((أتعجبون لغيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغير منى من أجل ذلك حرم الفواحش )).
الوقفة التاسعة عند قوله :"من احتج بهذا الحديث على ذلك فهو مخطيء خطأً كبيراً بل إنني اعتبره يسيء الفهم جداً .
أقول : هذه جرأة كبيرة على علماء الإسلام وطعن في فقههم وفهمهم .
وهل تدري ما تقول أيها الرجل ؟ وفيمن تطعن ؟ هل خالف علماء الأمة الذين احتجوا بهذا الحديث على أن المرأة لا تتولى هذه المناصب نصوصَ الكتاب والسنة التي دلت على مشروعية ما تدعيه ؟
هل خالفوا سيرة الرسول وهدي الخلفاء الراشدين الذين بوؤوا النساء هذه المناصب ؟
بأي حجة شرعية تخطؤهم وترميهم بسوء الفهم جداً ؟
لو كان علماء السنة اختلفوا فأخذت بقول أقواهم حجة لكان لك العذر شريطة أن لا تطعن في فهم الآخرين فكيف تستجيز الطعن في فقههم وليس لك أي مستند شرعي ؟
ومن المناسب أن أسوق بعض أقوال العلماء الذين احتجوا بهذا الحديث .
أخرج هذا الحديث الإمام النسائي (8/227) برقم (5388) وترجم له بقوله"باب النهي عن استعمال النساء في الحكم " وأخرجه ابن حبان في صحيحه الإحسان ( 10/375) برقم (4516) وترجم له بقوله "ذكر الإخبار عن نفي الفلاح عن أقوام تكون أمورهم منوطة بالنساء " .
وأخرجه الإمام البغوي في شرح السنة ( 10/76-77) وترجم له بقوله : " باب كراهية تولية النساء " .
وقال عقبه : هذا حديث صحيح .
ثم قال : اتفقوا على أن المرأة لا تصلح إماماً ولا قاضياً ، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات ، والمرأة عورة لا تصلح للبروز وتعجز لضعفها عن القيام بأكثر الأمور ، ولأن المرأة ناقصة ، والإمامة والقضاء كمال الولايات فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال " .
وذكر أبو يعلى الحنبلي في كتابه الأحكام السلطانية (ص 31-32) أنواع الوزارات ومنها وزارة التنفيذ وهي أقل شأناً من وزارة التفويض وذكر شروطها وقال في آخرها وهو الشرط السابع : " ولا يجوز أن يقوم بذلك امرأة ، وإن كان خبرها مقبولاً لما تضمنه من معاني الولايات المصروفة عن النساء ، وقد قال النبي :" ما أفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " ولأن فيها طلب الرأي وثبات العزم وما يضعف عنه النساء ، والبروز في مباشرة الأمور مما هو عليهن محظور" وقال الماوردي الشافعي في الأحكام السلطانية (ص65) الباب السادس في ولاية القضاء : "ولا يجوز أن يقلد القضاء إلا من تكاملت فيه شروطه التي يصح معها تقليده وينفذ بها حكمه وهي سبعة :
فالشرط الأول منها : أن يكون رجلاً وهذا الشرط يجمع صفتين البلوغ والذكورية فأما البلوغ فإن غير البالغ لا يجري عليه قلم ولا يتعلق بقوله على نفسه حكم وكان أولى أن لا يتعلق به على غيره حكم .
وأما المرأة فلنقص النساء عن رتب الولايات وإن تعلق بقولهن أحكام وقال أبو حنيفة يجوز أن تقضي المرأة فيما تصح فيه شهادتها ، ولا يجوز أن تقضي فيما لا تصح فيه شهادتها وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ولا اعتبار بقول يرده الإجماع مع قول الله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) يعني في العقل والرأي ، فلم يجز أن يقمن على الرجال " .
وذكر العلامة صديق حسن خان شروط الإمامة وذكر من هذه الشروط أن يكون ذكراً قال : ووجهه أن النساء ناقصات عقل ودين كما قال رسول الله ومن كان كذلك لا يصلح لتدبير أمر الأمة وتولي الحكم بين عباد الله وفصل خصوماتهم بما تقتضيه الشريعة المطهرة ويوجبه العدل ، فليس بعد نقصان الدين والعقل شيء .
ولا تقاس الإمامة والقضاء على الرواية فإنها تروي ما بلغها وتحكي ما قيل لها وأما الإمامة والقضاء فهو يحتاج إلى اجتهاد الرأي وكمال الإدراك والتبصر في الأمور والتفهم لحقائقها ، وليست المرأة في ورد ولا صدر من ذلك ولا تقوى على تدبير أمر العباد والبلاد بل هي أضعف من ذلك وأعجز ، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح للبخاري من حديث أبي بكرة رض الله عنه من قوله : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قاله لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى يعني بوران بنت شيرويه بن كسرى .
فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد ، ورأس الأمور هو الإمامة والقضاء بحكم الله عز وجل فدخوله فيها يكون دخولاً أولياً .
قال الخطابي وفي الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء انتهى .
وهو قول الجمهور وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء والحديث حجة على هؤلاء " إكليل الكرامة (ص108-109) .
وأقول بل الآيات والأحاديث وواقع الرسول والخلفاء الراشدين كلها حجج على هؤلاء وانظر كيف استند العلامة صديق حسن على حديث أن النساء ناقصات عقل ودين قبل استشهاده بحديث أبي بكرة وقارن بينه وبين قول الأشقر إن المستند الرئيسي لمن منع المرأة من تولي المناصب إنما هو حديث أبي بكرة .
وقد عرف القاريء مستندات الأئمة المانعين من ذلك وعلى رأسها القرآن الكريم .....الخ .
وقال الشوكاني في شرح حديث أبي بكرة رضي الله عنه قوله : " لن يفلح قوم .....الخ فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب ، قال في الفتح وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عن الحنفية واستثنوا الحدود وأطلق ابن جرير ويؤيد ما قاله الجمهور أن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال ، واستدل المصنف أيضاً على ذلك بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه رجل ، ورجل فدل بمفهومه على خروج المرأة" نيل الأوطار ( 8/165) .
وكان المصنف وهو الإمام عبد السلام ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية قد ترجم في كتابه المنتقى في أحد أبوابه بقوله : باب المنع من ولاية المرأة والصبي ومن لا يحسن القضاء أو يضعف عن القيام بحقه وأورد في هذا الباب عدداً من الأحاديث منها حديث أبي بكرة وحديث بريدة عن النبي r قال :" القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار " رواه ابن ماجة وأبو داود .
قال الشوكاني وحديث بريدة أخرجه أيضاً الترمذي والنسائي والحاكم وصححه.
قال الإمام عبد السلام ابن تيمية عقب هذا الحديث " وفيه دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً " وإلى كلامه هذا أشار الشوكاني -رحمه الله - .
ولكل من الخليفة والأمير والقاضي والوزير شروط قررها علماء الإسلام لا يلتفت إليها دعاة الديمقراطية ودعاة تحرير المرأة لأن أهل هذه المناصب عند علماء الأمة هم المكلفون بتطبيق الشريعة وعند الديمقراطيين هم المكلفون بتطبيق القوانين الغربية المناهضة للشريعة الإسلامية والتي يريد أعداء الإسلام أن تحل محل الشريعة الإسلامية ولا أعتقد أن الأشقر من هؤلاء ولكنها الغفلة وليته بدل أن يجاري هؤلاء كان قد قام بدعوة المسلمين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والاعتصام بهما والرجوع إلى سيرة الخلفاء الراشدين المهديين وأن يعظوا عليها بالنواجذ فذلك هو الواجب المحتم عليهم وهو مصدر عزتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وتطبيق الديمقراطية هو مصدر ذلهم وذهاب ريحهم وأبرز علامات الخضوع والتبعية لأعداء الله وأعدائهم .
الوقفة العاشرة عند قوله : " على أن مما يدل على بطلان هذا الحديث أنه يقتضي أنه لا يمكن أن يفلح قوم تتولى رئاسة دولتهم امرأة في حال من الأحوال ومعنى هذا أنه لو وجدت امرأة على رأس إحدى الدول ونجحت تلك الدولة في أمورها الدنيوية فيكون ذلك دالاً على أن هذا الحديث كذب مكذوب على النبي وقد وجد في العصور الحديثة دول كثيرة تولت رئاستها نساء ونجحت تلك الدول نجاحات باهرة تحت رئاسة النساء نذكر من ذلك رئاسة أنديرا غاندي للهند ورئاسة مارغريت تاتشر لبريطانيا وغيرهما كثير في القديم والحديث وإنما قلنا في الأمور الدنيوية لأن الحديث ورد على ذلك ، ففي رواية البخاري قال أبو بكرة : لما بلغ رسول الله أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "
أقول :
1- نأسف جداً لهذا الانبهار والاستدلال الغريب الذين يؤديان إلى تكذيب آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة مثل الآيات والأحاديث التي تدل على قرب قيام الساعة وأمور غيبية أخرى .
2- انظر إلى هذا التضارب في كلام الأشقر , فأولاً يجعل الحديث مطلقاً في كل الأحوال دينية كانت أو دنيوية ثم أخيراً يقيده بالنجاحات الدنيوية .
ويا أخي إن المتكلم بهذا الحديث هو محمد رسول الله ومقاييس الفلاح عنده وعند أصحابه غير مقاييس الماديين وإن عرفه اللغوي وعرف أصحابه المخاطبين ليختلف عن عرف الكفار الماديين وأعراف كثير من العالَمين ومراد المتكلم إنما يعرف من خلال عرفه ومقاييسه وعرف ومقاييس من يخاطبهم ارجع إلى نصوص القرآن والسنة لتعرف معاني الفلاح ومن خلالها وفي ضوئها تدرك مراد الله ومراد رسوله من إطلاق الفلاح .
قال تعالى : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) فقد رتب الفلاح على تزكية النفس بالإيمان والعمل الصالح ورتب الخيبة والخسران على تدسية النفس بالكفر والشرك والمعاصي .
وقال تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون ) إلى قوله تعالى : (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فرتب الله الفلاح وإرث الفردوس والخلود فيها على الإيمان والأعمال الصالحة لا على رئاسة الدول الكافرة والنجاح المزعوم عند أصحاب المقاييس المادية الفاسدة ، فإن نجاحهم المادي والعسكري والسياسي هو عين خسرانهم لأنه استدراج من الله وإملاء لهم ، قال تعالى: ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين) سورة القلم ،الآيتان (44-45) .
وقال تعالى : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) سورة المؤمنون ، الآيتان (55-56) .
وقال تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) سورة الأنعام ،الآية (44) .
وقال تعالى بعد ثنائه العاطر على أوليائه أولي الألباب وبيان ما أعده الله لهم من الجزاء العظيم في الآخرة : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) سورة آل عمران ، الآيتان (196-197) .
ثم قال تعالى : ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار ) سورة آل عمران ،الآية (198) والعاقل من ينظر إلى النهايات والمآلات ولا يقصر نظره على البدايات مهما كان بريقها .
وجاء رجل إلى رسول الله يسأله عن الإسلام فأخبره بشرائعه من الصلاة والزكاة والصيام ، والرجل يقول عند كل فريضة هل عليَّ غيرها فيقول رسول الله لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول : ( والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال رسول الله : " أفلح إن صدق " أخرجه البخاري في الشهادات حديث (2678) ومسلم في الإيمان حديث (9،8) .
وجاء آخر يسأل رسول الله عن رسالته ثم عن شرائع الإسلام الصلاة والصيام والزكاة والحج ورسول الله يخبره ، فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فقال رسول الله : "لئن صدق ليدخلن الجنة " أخرجه مسلم حديث (10) .
وقال رسول الله : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما أتاه " أخرجه مسلم في الزكاة حديث (1054) وأحمد (2/168) وأخرجه الترمذي في الزهد .
والآيات والأحاديث كثيرة في ترتيب الفوز والفلاح على الإيمان والإسلام والأعمال الصالحة وهذا هو الذي يعرفه الإسلام والمسلمون جميعاً .
كما قرر القرآن والسنة الخسران والهلاك بالكفر والشرك والظلم والطغيان سواء كان من الأمم والشعوب والحكومات أم من الأفراد ملوكاً أو رؤساء دول أو رؤساء وزراء أو حتى صعاليك وفقراء .
قال تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) فحكم على الناس جميعاً بالخسران ولم يستثن منهم إلا أهل الإيمان والعمل الصالح ومنه التواصي بالحق والتواصي بالصبر .
وقال تعالى في حديثه عن الكافرين المفترين على الله والصادين عن سبيله : ( أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ) سورة هود ، الآيات (18-20) .
وقال تعالى : ( فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ) سورة فاطر ، آية (39) .
أينسى رسول الله معني الفلاح الذي هو غاية من غايات رسالته وقد أمر المسلمين أن ينادوا به في خمسة أوقات يومياً ، لماذا لا يكون نفيه للفلاح على الأقل في هذا الحديث وفي هذه المناسبة أن يكون من باب المثل " إياك أعني واسمعي يا جارة" لاسيما ولاية أمور ومناصب دينية تهدف إلى خدمة الإسلام وعقائده وشرائعه كما هي شروط الإمامة وسائر الولايات .
فخذ أيها الرجل موازين ومقاييس الفلاح والنجاح والخسران والبوار من كتاب الله ومن سنة رسول الله لا من مقاييس الماديين والعقلانيين وكل من ذكرت من النساء أنديرا عابدة البقر والقرود وتاتشر النصرانية عابدة الصليب وغيرهما من الكافرات كل هؤلاء من الهالكات وقدن أممهن إلى الهلاك ومنه محاربتهن للإسلام والمسلمين .
وهل تعد تسلط أنديرا وقومها عباد القرود والفروج على الإسلام والمسلمين وحروبهم ضد المسلمين من الفلاح والنجاح ، نأسف أشد الأسف على متفقه يقول مثل هذا لباطل ويرد سنة رسول الله التي تلقتها الأمة وعلى رأسهم علماؤها الفحول بالقبول ، بمثل هذا الباطل وبمثل هذه المقاييس الجاهلية. واحتجاجك بملكة سبأ التي كانت تعبد هي وقومها الشمس وكانت من قوم كافرين وهي تقودهم من هلاك إلى هلاك فمن الله عليها بدعوة رسول الله سليمان وتهديده لها ولقومها إن لم يأتوه مسلمين فأسلموا ولولا هذا فأي فلاح كانت ستقودهم إليه ؟
تب إلى الله أيها الرجل واحترم سنة رسول الله واحترم أصحاب رسول الله واحترم عقلاء الأمة وعلماءها .
ثم ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ودعك من الدعوة إلى الديمقراطية الكافرة المحاربة للإسلام وإياك أن تقلد دعاة تحرير المرأة والمتباكين على حقوقها المزعومة الذين يلوحون بأساليبهم الماكرة إلى الطعن في الإسلام لأنه في نظرهم قد هضم المرأة وظلمها وحرمها من حقوقها .
وهم والله الظالمون أصحاب المقاصد الفاسدة والدعاة إلى إفساد المرأة وتضييع البيوت والأسر وإفساد المجتمعات بها .
إياك أن تنخدع بهم وتسير في ركابهم فإنهم معاول هدم بأيدي أعداء الإسلام .
أسأل الله أن يبصرنا وإياك والمسلمين جميعاً بسبل الهدى وأن يجنبنا مواقع الهلاك والردى إنه لسميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه:
ربيع بن هادي المدخلي
7/5/1425هـ
تعليق