• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكم الاعتزال عن إرشاد سائر علماء السنة بعلة عدم التقليد وتقديم الحجة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكم الاعتزال عن إرشاد سائر علماء السنة بعلة عدم التقليد وتقديم الحجة

    حكم الاعتزال عن إرشاد سائر علماء السنة
    بعلة عدم التقليد وتقديم الحجة


    كتبه الفقير إلى الله:
    أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وآله أجمعين أما بعد:
    ظهر بعض أسئلة في هذه الأيام، كلها تدور حول سؤال: ما حكم الاعتزال عن إرشاد سائر علماء السنة بعلة تقديم الحجة وعدم التقليد؟
    وقد رأيت ضرر هذا الأمر في المسلمين عموماً، والسلفيين خصوصاً، فلا بد من تكرار التنبيه على هذه المظاهر الخطيرة، فأقول مستعينا بالله تعالى مشفقاً بأحوال عباده:
    إن الناس الذين لم يصلوا إلى مرتبة العلماء لا بد أن يتقوا الله ويتساهلوا في تبديع من شهد عليه العلماء بالإمامة، بل عليهم التقيد إرشاد العلماء المبنية على الحجة.
    وقد كثرت الأدلة الدالة على علو منزلة العلماء المستقيمين، منها قول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة/11].
    قال الإمام القرطبي رحمه الله: أي: في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم. –إلى قوله:- والمعنى أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم (درجات) أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به اهـ. ("الجامع لأحكام القرآن" /17/ص253/دار الكتاب العربي).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فصل: وقوله تعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ خص سبحانه رفعه بالأقدار والدرجات الذين أوتوا العلم والإيمان وهم الذين استشهد بهم فى قوله تعالى: ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط﴾ وأخبر أنهم هم الذين يرون ما أنزل إلى الرسول هو الحق بقوله تعالى: ﴿ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق﴾ فدل على أن تعلم الحجة والقيام بها يرفع درجات من يرفعها كما قال تعالى: ﴿نرفع درجات من نشاء﴾.
    قال زيد بن أسلم: بالعلم، فرفع الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان. فكم ممن يختم القرآن في اليوم مرة، أو مرتين، وآخر لا ينام الليل، وآخر لا يفطر، وغيرهم أقل عبادة منهم وأرفع قدرا في قلوب الأمة فهذا كرز بن وبرة وكهمس وابن طارق يختمون القرآن فى الشهر تسعين مرة، وحال ابن المسيب وابن سيرين والحسن وغيرهم فى القلوب أرفع اهـ.
    (انتهى من "مجموع الفتاوى"/16 / ص 48-49/ط. مكتبة ابن تيمية).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: الوجه الثامن والثلاثون بعد المائة: أن العلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة ما لا يرفعه الملك ولا المال ولا غيرهما، فالعلم يزيد الشريف شرفا ويرفع العبد المملوك حتى يجلسه مجالس الملوك – ثم ذكر الحديث- اهـ. ("مفتاح دار السعادة" /1 / ص 202/المكتبة العصرية).
    وقال المزني رحمه الله: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه. ("سير أعلام النبلاء" /10/ص24/ط. الرسالة).
    ولا شك أن حاجة الأمة إلى العلماء المستقيمين أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشـراب والدواء الحسي لأنهم قدوة وهداة أنار الله قلوبهم فأناروا غيرهم.
    وقال الميموني رحمه الله: قال لي أحمد –ابن حنبل رحمه الله-: يا أبا الحسن، إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام اهـ. ("سير أعلام النبلاء" /11/ص 296/الرسالة).
    تنبيه: لم أجد إلى الآن مصدر هذا الأثر بسنده، والله المستعان. ولعله من ضمن مسائل الميموني للإمام أحمد رحمهما الله، وقد ذكر الإمام ابن أبي يعلى رحمه الله: وعنده عن أبي عبد الله مسائل في ستة عشر جزءاً منها جزأين كبيرين بخط جليل مائة ورقة إن شاء الله أو نحو ذلك لم يسمعه منه أحد غيري فيما علمت من مسائل لم يشركه فيها أحد كبار جياد تجوز الحد في عظمتها وقدرها وجلالتها. ("طبقات الحنابلة" /1 / ص 212/دار المعرفة).
    نواصل الكلام على عدم جواز إتيان شيء جديد في الدين لم يقله أحد من علماء السنة البتة:
    قال الإمام البربهاري رحمه الله: فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر: هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من العلماء ؟ فإن أصبت فيه أثراً عنهم: فتمسك به ولا تجاوزه لشيء ولا تختر فيه شيئاً فتسقط في النار اهـ. ("شرح السنة" /للبربهاري/ ص18/دار الآثار).
    وقال الإمام الآجري رحمه الله: من كان له علم وعقل ، فميز جميع ما تقدم ذكري له من أول الكتاب إلى هذا الموضع علم أنه محتاج إلى العمل به ، فإن أراد الله به خيراً لزم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين في كل عصر، وتعلم العلم لنفسه ، لينتفي عنه الجهل ، وكان مراده أن يتعلمه لله تعالى ولم يكن مراده ، أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات ، ولا للدنيا ، ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة ، واتبع ما كان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم. ("الشريعة"/للآجري /ص51/ط. دار الحديث).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فالشيخ خبير يعرف عواقب الأمور . ("مجموع الفتاوى"/3 /ص270).
    وإذا ذهب العلماء ذهب معهم العلم فضلّ أناس كثير بسبب ذلك. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا». (أخرجه البخاري (100) ومسلم (2673)).
    وعن أبي موسى ( قال: صلينا المغرب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء - قال – فجلسنا. فخرج علينا فقال: «ما زلتم ها هنا». قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلى معك العشاء. قال: «أحسنتم أو أصبتم». قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: «النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابى ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون». (أخرجه مسلم (2531)/دار ابن الجوزي)).
    ومن أجل أهمية العلماء أبقاهم الله في هذه الأمة حيث إن مات أحدهم خلفهم الآخر. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإن هذه الأمة أكمل الأمم وخير أمة أخرجت للناس ونبيها خاتم النبيين لا نبي بعده فجعل الله العلماء فيها كلما هلك عالم خلقه عالم لئلا تطمس معالم الدين وتخفى أعلامه. ("مفتاح دار السعادة"/1 /ص143).
    وقال رحمه الله: ... وهذا لأن الله سبحانه ضمن حفظ حججه وبيناته وأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة، فلا يزال غرس الله الذين غرسهم في دينه يغرسون العلم في قلوب مَن أهّلهم الله لذلك، وارتضاهم، فيكونوا ورثة لهم كما كانوا هم ورثة لمن قبلهم فلا تنقطع حجج الله والقائم بها من الأرض وفي الأثر المشهور: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم بطاعته» وكان من دعاء بعض من تقدم: (اللهم اجعلني من غرسك الذين تستعملهم بطاعتك). ولهذا ما أقام الله لهذا الدين من يحفظه ثم قبضه إليه إلا وقد زرع ما علمه من العلم والحكمة إما في قلوب أمثاله وإما في كتب ينتفع بها الناس بعده. ("مفتاح دار السعادة"/1/ص147-148).
    الحديث الذي ذكره ابن القيم رحمه الله أخرجه ابن ماجه (8) وابن حبان (326) عن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه. وفي سنده الجراح بن مليح، فيه ضعف. ولكن الحديث بشواهده في الباب حسن، والله أعلم.
    ليس المعنى أننا نقلد العلماء.
    بل القول المخالف للنصوص مردود على قائله كائناً من كان، عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه قال : «ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع غير النبي -صلى الله عليه و سلم-». (أخرجه الطبراني/"المعجم الكبير"/رقم (11941)/صحيح).
    ولكنا –أنا ومن كان مثلي ممن لم يبلغ درجة المجتهدين- نفهم الدليل بإرشاد عالم -ولو كان واحدا-، ولا نأتي بشيء جديد من عند أنفسنا لم يذكره أحد من العلماء قط. والعلماء في كل عصر جعلهم الله حجة على العباد، يأمرونهم بالرجوع إلى الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، ويجتهدون في النوازل المتجددة. فإجماعهم حجة.
    فإذا اختلفوا في مسألة على قولين لن يخرج الحق منهما، فعلينا اختيار أحد القولين بما ظهر لنا من الأدلة ولا نأتي بالثالث. وكذالك الكلام إذا كان الخلاف على ثلاثة أقوال أو أربعة إلى آخرها.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الأصل الثالث من أصوله –يعني: الإمام أحمد-: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم. فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكي الخلاف فيها ولم يجزم بقول. قال إسحاق بن إبراهيم ابن هانئ في مسائله: قيل لأبي عبد الله: يكون الرجل في قومه فيسأل عن الشيء فيه اختلاف. قال: يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه... إلخ. ("إعلام الموقعين"/1/ص31).
    وقال الخطيب البغدادي رحمه الله –قبل ذلك-: وهذا بمثابة ما لو اختلفت الصحابة في مسألة على قولين ، وانقرض العصر عليه ، فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث ، لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما ، كما أن إجماعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه ، فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين. ("الفقيه والمتفقه"/للخطيب البغدادي/1/ص435/مكتبة التوعية الإسلامية).
    وقال رحمه الله في شأن الأئمة المشهورين من أتباع التابعين: ولهم نظراء كثيرون من أهل كل عصر أولو نظر واجتهاد ، فما أجمعوا عليه فهو الحجة ، ويسقط الاجتهاد مع إجماعهم ، فكذلك إذا اختلفوا على قولين، لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث. ("الفقيه والمتفقه"/للخطيب البغدادي/1/ص433/مكتبة التوعية الإسلامية).
    وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: وأجمعوا على ... وعلى أنه لا يجوز لأحد أن يخرج عن أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه وعما اختلفوا فيه أو في تأويله لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم. ("رسالة إلى أهل الثغر"/ص306-307/مكتبة العلوم والحكم).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ كما قال الإمام أحمد بن حنبل : إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. ("مجموع الفتاوى"/21/ص291).
    بل قال رحمه الله: وقد تبين بذلك أن من فسر القرآن أو الحديث، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام . ("مجموع الفتاوى"/13/ص243).
    وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». (أخرجه مسلم (1920)).
    قال الإمام البخاري رحمه الله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون» وهم أهل العلم. ("صحيح البخاري"/قبل حديث (7311)).
    قال العلامة أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله: العلماء جعلهم الله حجة على العالمين وهم المعنيون بقوله عليه الصلاة و السلام : «إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة» وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع من النوازل وهي تبع لها. فمعنى قوله : «لن تجتمع أمتي» لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة. ("الاعتصام"/ص 478).
    وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في شرح خطبة "الإلمام" : والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة ، والأمة الشريفة لا بد لها من سالك إلى الحق على واضح المحجة ، إلى أن يأتي أمر الله في أشراط الساعة الكبرى. (كما في "الغيث الهامع"/لأبي زرعة العراقي/3/ص902/ط. الفاروق).
    وقولي –وفقني الله-: (ويجتهدون في النوازل المتجددة) ليس بمعنى أنه يجوز للعلماء –فضلا عن غيرهم أن يبتدعوا في الدين بدعة، لأن البدعة كلها ضلالة وإن رآها الناس حسنة. ولكن المعنى: أنه إذا نزلت نازلة على بعض الأمة –أو على الأمة كلها- لم ينص عليه دليل معيَّن من الكتاب أو السنة جاز للعلماء أن يجتهدوا فيها استنباطاً من الينابيع السموية، لا بمجرد آرائهم.
    قال الشاطبي رحمه الله: لكن مثل هذا النظر من باب الاجتهاد الملائم لقواعد الشريعة وإن لم يشهد له أصل معين. ("الموافقات"/2/ص341).
    ذلك لأن الله أنزل القرآن بالألفاظ والمعاني. الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وقال: وذلك لأن الـشرع معاني لا مجرد ألفاظ. ("شرح الممتع"/1/ص181/مكتبة الأنصار).
    وهذا معنى قول الإمام ابن قدامة رحمه الله: فلا معنى للجمود على اللفظ مع وجود ما يساويه من كل وجه. ("المغني"/1 /ص202/دار الحديث).
    وهذه المعاني يفهمها العلماء. قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43].
    والعلماء هم القادرون على استقراء الأدلة وتتبع النصوص والاستنباط كما ينبغي.
    ولا شك أن النظر والحكم يحتاج إلى رسوخ العلم قام به العلماء المجتهدين لا قصيرو العلم.
    ومن العالم أو الفقيه؟
    قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير في أمر دينه، المداوم على عبادة الله عز وجل. ("أخلاق العلماء"/ للآجري/رقم 47/صححه شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله/دار الآثار).
    فقصير البصيرة لا يجوز له الابتعاد عن العلماء أو يتكبر على نصائحهم المسددة أو ينزل نفسه منزلة العلماء ويقول: (هم رجال، ونحن رجال).
    تنبيه: وقد ذكرنا اصطلاح: (إمام) و(عالم) و(شيخ)، وليس في هذا اختلاف أو تخصيص أنه لا يقتدى به إلا من بلغ ربة الإمام. ذلك لأن الإمام هو القدوة. قال الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين﴾ [البقرة/124].
    قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية: فقال الله: يا إبراهيم، إني مصيرك للناس إماما، يؤتم به ويقتدى به. ("جامع البيان"/2/ص 18).
    والعلماء مع اختلاف مراتبهم جعلهم الله قدوة للأمة. قال الإمام الآجري رحمه الله: وهذا النعت ونحوه في القرآن، يدل على فضل العلماء، وأن الله عز وجل جعلهم أئمة للخلق يقتدون بهم. ("أخلاق العلماء"/للآجري/ص11/دار الآثار).
    والشيخ حقيقي هو العالم فهو إمام لمن اتبعه من المسلمين في الخير. والشيخ كما قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: يقال لمن طعن في السنّ الشيخ. وقد يعبر به فيما بيننا عمن يكثر علمه لما كان من شأن الشيخ أن يكثر تجاربه ومعارفه. ("مفردات غريب القرآن"/ص 270).
    فطلاب العلم لا يستغنون عن إرشاد الشيخ، لأن علمه فوق علمهم، ونظره فوق نظرهم.
    ولكن ليس العلم بمجرد السنّ كما سبق بيانه، بل المعتبر رسوخ العلم في القلوب، وثماره في الأعمال. قال صديق حسن خان رحمه الله في تعريف الشيخ: ومن زعم أن المراد هنا مَن هو في سنّ يسنّ فيه التحديث وهو من نحو خمسين إلى ثمانين، فقد أبعد وتكلف والتزم المشي على القول المزيف؛ لأن الصحيح أن مدار التحديث على تأهل المحدث، فقد حدث البخاري وما في وجهه شعر حتى أنه رد على بعض مشايخه غلطاً وقع له في سنده. وقد حدث مالك وهو ابن سبعة عشر. والشافعي وهو في حداثة السن. والحق أن الكرامة والفضيلة إنما هي بالعلم والعقل دون العمر والكبر. فكم من شيخ في سنّ يسنّ فيه التحديث وهو لا يهتدي إلى تمييز الطيب من الخبيث. شعر:
    وعند الشيخ أجزاء كبار * مجلدة ولكن ما قراها
    وكم من طفل صغير يفوق الشيخ الكبير في الدراية وملكة التحرير، والله يختص برحمته من يشاء.
    ("الحطة في ذكر الصحاح الستة"/لصديق حسن خان/ص 253-254/دار الآثار).
    وأما أن يأتي أحد بما لا يقول به أحد من علماء السنة، ويعتزل عن هدايتهم المبنية على الحجة، ويتعجب برأيه المنفرد، فهذا سبب تولد الأحزاب.
    قال الإمام ابن بطة رحمه الله: إعجاب صاحب الرأي برأيه للانفصال والتفريق مع عدم قبول الحق هذا سبب تولد الأحزاب. ("الإبانة الكبرى" /1 /ص26-27).
    والاعتزال عن إرشاد العلماء الحق فذلك ضلال وجهل وبدعة في الدين.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والجاهل عليه أن يرجع ولا يصر على جهله ولا يخالف ما عليه علماء المسلمين فإنه يكون بذلك مبتدعاً جاهلاً ضالاً. ("مجموع الفتاوى"/ 7/ص 682).
    وقوله رحمه الله: (ولا يخالف ما عليه علماء المسلمين) أي: ولا يخالف الحق الذي عليه علماء المسلمين، والحق يعرف بموافقة الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، لا مجرد آراء العلماء.
    والحمد لله أن علماء السنة –جزاهم الله خيراً- قد فرغوا من كشف أباطيل الحدادية بأدلة واضحة وحجج باهرة.
    فأنا أنأسف كثيراً من بعض الإخوة أنهم يعيدون خطوات الحدادية من جديد –شعروا أو لم يشعروا-، ويسعون جادّين في تبديع الأئمة الكبار كالنووي وابن حجر وغيرهم، ويسوّون من قامت عليه الحجة فعاند بمن لم يظهر قيام الحجة عليه وعناده بعد الحجة، ويستنكفون عن نصائح العلماء ومشورات إخوانهم، ويجعلون من يمشي على طريق العلماء المحلى بالحجج، يسمون ذلك تقليداً، وأن من اتبع أراء هذه الشلة المنفردة هو صاحب الحجة والبحث والدليل.
    فالسلفييون الحمد لله قادرون -بتوفيق الله وحده- على إثبات إمامة النووي وغيره بالأدلة والحجج، وأنهم معذورون في زلاتهم، مع التنبيهات عليها، ولكنا نتأسف كثيراً من أناس يسعون في إتعاب السلفيين في أمر قد فرغ منه، فشغلوا أهل السنة من جديد، ولا ندري ما سرّ ذاك السعي الجاد في هذه الأيام في الخوض في هؤلاء الأئمة رحمهم الله؟ وعلماؤنا لم يقصّروا في بيان أخطاء زلات هؤلاء الأجلاء.
    بل أحدهم يحيد من إثبات سلفية الإمام الألباني رحمه الله، خلافاً لمنهج علماء السنة هذا العصر.
    فهذا الصنيع من هؤلاء أصلحهم يستحق الزجر، لأن من اتبع خطوات الشيطان لم يكتف بخطوة واحدة، ولعلهم إذا نجحوا في هذه الخطوة يواصلون في إسقاط غيرهم من العلماء كما فعله الحدادية الأولى والثانية.
    بعضهم يحتجون بكلام الإمام ابن رجب رحمه الله في جواز الردّ على أخطاء العلماء، وقد ذكرت كلام الإمام ابن رجب رحمه الله ذلك في كتاب "صفات الحدادية في مناقشة علمية".
    والإمام ابن رجب لا يساعدهم على أسقاط العلماء أو تجهيلهم أو تضليلهم.
    وأذكر الآن كلام الإمام ابن رجب رحمه الله الذي ينطبق هؤلاء الإخوة الذين شغلوا السلفيين بتبديع الأئمة رحمهم الله:
    قال الإمام ابن رجب رحمه الله: وأما إذا كان مرادُ الرادِّ بذلك إظهارَ عيب من ردَّ عليه وتنقصَه وتبيينَ جهله وقصوره في العلم ونحو ذلك كان محرماً سواء كان ردُّه لذلك في وجه من ردِّ عليه أو في غيبته، وسواء كان في حياته أو بعد موته، وهذا داخل فيما ذمَّه الله تعالى في كتابه وتوعد عليه في الهمز واللمز وداخل أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته». وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين. فأما أهل البدع والضلالة ومن تشبه بالعلماء وليس منهم فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم. اهـ. ("الفرق بين النصيحة والتعيير"/1/ص 7).
    الحديث الذي ذكره الإمام ابن رجب رحمه الله جيد. أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (4 / ص 420) عن أبي برزة رضي الله عنه، وفي سنده سعيد بن عبد الله بن جريج وهو مجهول الحال.
    وأخرجه الترمذي (كتاب البر والصلة، باب ما جاء في تعظيم المؤمن) وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: «من أسلم بلسانه»، وحسنه، ووافقه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح" ((3601)/دار الآثار).
    بهذا البيان كله أرجو الله أن يوفقني –والإخوة جميعا- على السداد على الصراط المستقيم دون إفراط ولا تفريط. ولعلي سأتبع هذه النصيحة بالنصيحة الثانية، والله المستعان وعليه التكلان.
    سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    والحمد لله رب العالمين.
    صنعاء، ليلة الثلاثاء 8 شوال 1435 هـ

  • #2
    ما اشد حاجتنا لمثل هذا الكلام خصوصا في هذه الايام التي كثرت فيها الفتن

    تعليق

    يعمل...
    X