كشف القناع
بردّ بعض التلبيسات في سنوات الخداع
كتبه الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة مؤلف عفا الله عنهبردّ بعض التلبيسات في سنوات الخداع
كتبه الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وآله أجمعين أما بعد:
فقد وصلتني مقالة من شخص، تكلم على فتنة عبد الرحمن العدني فأملاها على أخ –حفظه الله- قال فيها:
أولا: أعتقد أن الحجوري ليس مبتدعا
ثانيا : المشايخ كلهم من أهل السنة والجماعة ومن بينهم يحيى الحجوري
ثالثا: لا يلزمني أحد الطرفين بتبديع الطرف الآخر ما لم يتبين لي الدليل
رابعا: الصواب مع المشايخ وأن الحجوري ومن معه هم المخطئون في هذا الخلاف.
خامسا: الذي يرد بعلم وأدب من كلا الطرفين له ذلك ، وأما الذي يشتم ويسب من كلا الطرفين ليس بصديقي.
وقد طلب مني أحد الفضلاء –حفظه الله- الجواب عن هذه المقالة، وقد علمت أيضاً أنه قد قال بنحوها غير واحد من الملبسين أو الملبس عليهم.
ثم قرأت أيضاً كتابات أناس من هذا الصنف، فيتّهمون أهل السنة بعدم الحكمة، وينهونهم عن استخدام السب والشتم في الردود، ويسمون الشدة على المبطلين المعاندين بـ: "قبائح الكلام"، ويزعمون أن هذا الأسلوب لا ينفع.
ولما كانت المقالة الأولى مجملة من حيث إن صاحبها لم يذكر لنا بيِّنته على تصويبه للمشايخ وتخطئته للشيخ يحيى ومن معه، لا بد لي من تدقيق القضايا.
فأقول مستعينا بالله:
الباب الأول: من أساليب بعض الملبسين في بث السموم على السلفيين
إن هذا الصنف من الناس وجدتهم منذ ثماني سنوات يستخدمون أساليب لاستمالة آذان السامعين إليهم قبل إدخال السموم، منها: تقديم صورة الإنصاف وأنهم يمشون مع الجميع –في هذا الخلاف المنهجي-، حتى يرتاح بهم السلفيون.
فإذا ارتاح بهم أهل السنة فيستمعون إلى مقولات هؤلاء الملبسين، انفتحت لهم فرصة لإدخال السموم المزخرفة في آذان أهل السنة المغرر بهم.
أما لو بدأ الملبسون بالرقم الرابع والخامس حيث قالوا: (الصواب مع المشايخ وأن الحجوري ومن معه هم المخطئون في هذا الخلاف)، (الذي يرد بعلم وأدب من كلا الطرفين له ذلك ، وأما الذي يشتم ويسب من كلا الطرفين ليس بصديقي)، لن انفضّ منهم السلفيون لأن الكلام الرابع هو أصل موقف الحزب الجديد. والكلام الخامس هو دندنة كثير من الحزبيين من الإخوانيين والسروريين والحلبيين، ثم ورثهم المرعيون.
فلما يعلمون ذلك لم يبدأوا بهما، بل أتوا بمقدمات حول الإنصاف والتوقف والمشي مع الجميع. وأقوال هذا الملبس هي من ضمن تلك المقدمات: (أعتقد أن الحجوري ليس مبتدعاً)، (المشايخ كلهم من أهل السنة والجماعة ومن بينهم يحيى الحجوري)، (لا يلزمني أحد الطرفين بتبديع الطرف الآخر ما لم يتبين لي الدليل).
إن هذا التظاهر الإنصافي يتلاشى بحكمه أن المشياخ مصيبون والشيخ يحيى ومن معه هم المخطئون.
هذا يدل على أن الرجل قد قرأ ما كُتب أو سمع ما سُجل فينزل ذاك الحكم. فلا ينبغي للإخوة أن يغتروا به، بل هو من تلك الشلة الظالمة. قد ظهرت علامات البغض من فيه، وما أضمره في ضدره أعظم، فانتبهوا منه.
فإذا رأيتم قمة جبل على بساط البحر فاعلموا أن ما تحتها أكبر منها.
مصداق ذلك قول الله تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118].
قال الإمام ابن أبي الزمنين رحمه الله: قد بدت البغضاء من أفواههم أي ظهرت وما تخفي صدورهم أكبر في البغض والعداوة، ولم يظهروا العداوة وأسروها فيما بينهم. ("تفسير ابن أبي زمنين"/1/ص95).
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿قد بدت البغضاء من أفواههم﴾ يعني: ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم. والبغضاء: البغض، وهو ضد الحب. والبغضاء مصدر مؤنث. وخص تعالى الأفواه بالذكر دون الألسنة إشارة إلى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه. -إلى قوله-: قوله تعالى: ﴿وما تخفي صدورهم أكبر﴾ إخبار وإعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم. ("الجامع لأحكام القرآن"/4/ص180-181).
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: وإذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع فاحذره فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر. ("شرح السنة"/120/ط. مكتبة دار المنهاج).
الباب الثاني: الاعتراض على طريقة السلف
تأصيل هذا القائل: (خامساً: الذي يرد بعلم وأدب من كلا الطرفين له ذلك ، وأما الذي يشتم ويسب من كلا الطرفين ليس بصديقي) يدل على عدم رضاه بطريقة السلف، فسمى شدة الكلام على المعاندين للحجة المصرين على الباطل سبّاً وشتماً، تنفيراً للناس من بعض منهج السلف الصالح، وتظاهراً بحسن الخلق.
فما قوله في شدة السلف الصالح على المخطئين؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخدمه على مستحقه وإن لم يكن من المنافقين. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَي فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ ، فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهْىَ حَامِلٌ ، فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِى فِى بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا فِى بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، فَقَالَ وَلِىُّ الْمَرْأَةِ الَّتِى غَرِمَتْ كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ الله مَنْ لاَ شَرِبَ ، وَلاَ أَكَلَ ، وَلاَ نَطَقَ ، وَلاَ اسْتَهَلَّ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلّ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ » (أخرجه البخاري (5758) ومسلم (4485)).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم يرجع فيؤم قومه فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكان معاذا تناول منه فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال: «فتان فتان فتان». ثلاث مرار أو قال: «فاتنا فاتنا فاتنا» وأمره بسورتين من أوسط المفصل. (أخرجه البخاري (701)).
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم غيرة عظيمة لله ولرسوله، وقد يغلظ على من خالف الحق زجرا. عن سالم بن عبدالله أن عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا تمنعوا نسائكم المساجد إذا استأذنكم إليها قال فقال بلال بن عبدالله والله لنمنعهن قال فأقبل عليه عبدالله فسبّه سبّاً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وتقول والله لنمنعهن. (أخرجه مسلم (442)).
وعن سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى ليس بِمُوسَى بَنِس إِسْرَائِيلَ ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ . فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ الله. (أخرجه البخاري (112) ومسلم (6313)).
وكذلك التابعون لهم بإحسان. وقال محمد بن واسع رحمه الله: رأيت صفوان بن محرز وأشار بيده إلى ناحية من المسجد ، وشببة قريب منه ، يتجادلون، فرأيته ينفض ثوبه وقام وقال : إنما أنتم جرب إنما أنتم جرب. (أخرجه الآجري في "الشريعة" (144)).
وقال أبو صالح الفراء رحمه الله: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعنى الحسن بن حي. قلت ليوسف: أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ فقال: لم يا أحمق ! أنا خير لهؤلاء من أمهاتهم وآبائهم، أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا، فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضرّ عليهم. ("الضعفاء"/1 /ص232/دار الكتب العلمية).
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني رحمه الله: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ الله بْنَ مُحَرَّرٍ لاَخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلَيّ مِنْهُ. (مقدمة "صحيح مسلم"/1/ص104).
قال جرير بن يزيد بن هارون رحمه الله: بعثني أبي إلى جعفر بن سليمان الضبعي فقلت له: بلغنا أنك تسبّ أبا بكر وعمر. قال: أما السبّ فلا، ولكن البغض ما شئت. قال: وإذا هو رافضي مثل الحمار. ("الثقات" /لابن حبان /(7074)/صحيح).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل ، قال : حدثني ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي شريح الكعبي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح : « من قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إن أحب أخذ العقل ، وإن أحب فله القود ». فقال أبو حنيفة : فقلت لابن أبي ذئب ، أتأخذ بهذا يا أبا الحارث ؟ فضرب صدري وصاح علي صياحا منكرا ، ونال مني ، وقال: أحدثك عن رسول الله وتقول : تأخذ به ؟ وذلك الفرض علي وعلى من سمعه ، إن الله تعالى اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه ، واختار لهم ما اختار له على لسانه ، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين ، لا مخرج لمسلم من ذلك قال : وما سكت عني حتى تمنيت أن يسكت. ("الفقيه والمتفقه"/ للخطيب البغدادي /1 / ص 313)
وقال الربيع بن سليمان رحمه الله: سمعت الشافعي يقول وذكر القرآن وما يقول حفص الفرد ، وكان الشافعي يقول : حفص القرد ، وناظره بحضرة وال كان بمصر فقال له الشافعي رضي الله عنه في المناظرة : كفرت والله الذي لا إله إلا هو ، ثم قاموا ، فانصرفوا ، فسمعت حفصا يقول : أشاط والله الذي لا إله إلا هو الشافعي بدمي قال الربيع : وسمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق فهو كافر. (أخرجه الآجري في "الشريعة" /(127)).
الأمثلة في هذا كثيرة، فمن لم يرض بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح بعده، فليخش على نفسه الزيغ والهلاك. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء/115].
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في شأن السلف الصالح: فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر. ("جامع بيان العلم وفضله"/3/ص181).
ها نحن على آثار السلف، وقد قال الإمام محمد بن سيرين رحمه الله: كانوا يرون أنهم على الطريق ما داموا على الأثر. ("جامع بيان العلم وفضله"/لابن عبد البر رحمه الله/1/ص 783/سنده صحيح).
فمن اختار غير سبيل السلف فلينظر أين آخر نهايته.
قال الله سبحانه: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن لم تسعه السنة حتى تعداها إلى البدعة مرق من الدين. ومن أطلق للناس ما لم يطلقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود المقتضى للإطلاق فقد جاء بشريعة ثانية، ولم يكن تبعاً للرسول، فلينظر أمره أين يضع قدمه. ("الفتاوى الكبرى"/3/ص167).
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «قد تركتكم على البيضاء. ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك». (أخرجه ابن ماجه (42)/صحيح).
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. (أخرجه البخاري (3093) ومسلم (1759)).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة. فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح. ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك». (أخرجه الإمام أحمد (6764) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3250)).
وعلى رجل من الأنصار من أصحاب الرسول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «فمن اقتدى بي فهو مني. ومن رغب عن سنتي فليس مني. إن لكل عمل شرة، ثم فترة فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل، ومن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى». (أخرجه الإمام أحمد (23521) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3251)).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» أي : سلك غيرها؛ ظانًا أن غيرها خير منها، فمن كان كذلك فهو برىء من الله ورسوله، قال تعالى : ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [ البقرة : 130 ] . بل يجب على كل مسلم أن يعتقد أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يخطب بذلك كل يوم جمعة. ("مجموع الفتاوى"/11/ص201).
فيا أيها الإخوة اثبتوا على الحق المبين ولا تسمعوا وسوسة الخلفيين فتندموا. قال الله سبحانه: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18].
وأما المميعون أتباع صاحب تلك المقالة فقد حكموا السلفيين بأنهم لا يعرفون الحكمة في الدعوة لأن السلفيين يستخدمون الشتم والسباب –هكذا أتوا بصور سيئة على أتباع السلف-.
فنقول لمدعي الحكمة: أتنهوننا عن السب والشتم على المستحقين؟
إذا قالوا: نعم، لأن الشتم قبيح الكلام، وقد قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].
نقول لهم: قال ابن منظور رحمه الله: الشتم قبيح الكلام وليس فيه قذف والشتم السب. ("لسان العرب (12/ 318).
وآمنا بالله وأطعناه. والذي أمرنا بحسن الكلام مع الناس هو الذي خصص العموم بقوله: ﴿لَا يُحِبُّ الله الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ الله سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 148]. وكلام الله لا يتناقض بل بين بعضها بعضا. وقد بينا أيضا صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم بمراد الله، وجاء ليبين للناس ما نزل إليهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فعلىنا أن نتبع الكتاب، وعلىنا أن نتبع الرسول، واتباع أحدهما هو اتباع الآخر؛ فإن الرسول بلغ الكتاب، والكتاب أمر بطاعة الرسول . ولا يختلف الكتاب والرسول البتة، كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضا، قال تعالى : ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ [ النساء : 82 ] . ("مجموع الفتاوى"/19 /ص84).
فالمرعيون قد ظلموا أهل السنة بتخبيب الطلاب داخل مركزهم، وحاولوا إخراجهم منه، وظلموا السلفية بمحاولتهم تبديل المنهج الصافي بالتاصيلات الإخوانية العرعورية الحلبية، وهذا الذي تدندنونه أنتهم، هو من تأصيلات هؤلاء المبتدعة. فما ظلمهم السلفيون لما تكلموا عليهم بالشدة.
إذا قال مدعو الحكمة: لكنكم تفضحون المشايخ بسبابكم، وتهدرون كرامتهم بإظهار أخطاءهم!
قلنا: قال ابن حجر رحمه الله: من شأن الساب أبداء عورة المسبوب ("فتح الباري" /1/ص 86).
ولكن مشايخكم هم الذين أبدوا عوراتهم بالمخالفات الشرعية المنهجية الخلقية ويتكبرون على النصائح الرفيقة الصادقة، فلا يلومُنّ إلا أنفسهم. فأهل السنة تكلموا فيهم بالحق، فلا لوم عليهم. بعد صبر طويل على الضيم.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "القصيدة النونية" (1 / ص 91):
وإذا سببتم بالمحال فسبنا*** بأدلة وحجج ذي برهان
تبدي فضائحكم وتهتك ستركم*** وتبين جهلكم مع العدوان
ما بُعد ما بين السباب بذاكم*** وسبابكم بالكذب والطغيان
من سب بالبرهان ليس بظالم*** والظلم سب العبد بالبهتان
قال فضيلة العلامة خليل هراس رحمه الله: ... فإن من سب خصماً بالدليل لا يكون ظالماً ولا واضعاً للشيء في غير موضعه ولكن الظلم هو سب العبد بالزور والبهتان. ("شرح النونية"/2/ص340).
فكلام أهل السنة فيمن عظمتموه كلام في موضعه. ومن وضع الشيء موضعه هو الحكيم يا مدعي الحكمة. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومن وضع الخبائث في موضعها ومحلها اللائق بها كان ذلك حكمة وعدلاً وصواباً. وإنما السفه والظلم أن يضعها في غير موضعها. فمن وضع العمامة على الرأس والنعل في الرجل والكحل في العين والزبالة في الكناسة فقد وضع الشيء موضعه، ولم يظلم النعل والزبالة إذ هذا محلهما. ("شفاء العليل"/ص 180).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالحكمة إذاً : فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي. ("مدارج السالكين"/2/ص479).
قد قلتم: لا يجوز السب والشتم في الردود!
نقول: قد بينا جوازه شرعاً فكيف تنهون عما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
ثم إن السب لغة يطلق أيضاً على قصد التحذير. قال ابن حجر رحمه الله: وقصد التحذير يسمى سبا في اللغة. ("فتح الباري"/3/ص259).
فهل يمنعوننا عن التحذير من المبطلين؟
ثم اعلم أن شدة الكلام على المبتدعة مأمورة شرعاً وإجماعاً، وهي في ضمن قهرهم وإهانتهم. قال الإمام أبو عثمان إسماعيل ابن عبد الرحمـن الصابوني - رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم. ("عقيدة السلف وأصحاب الحديث" /ص 114/دار المنهاج).
فكيف تعترضون على الأدلة وتخالفون الإجماع؟ وقد مر بنا أدلة خطورة مخالفة الدليل.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة. ("مجموع الفتاوى"/20/ص10).
وقال رحمه الله: والتحقيق: أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه –إلى قوله:- وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره. ("مجموع الفتاوى"/19/ص270).
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: الإجماع على ضربين: أحدهما: إجماع الخاصة والعامة، وهو مثل: إجماعهم على القبلة أنها الكعبة، وعلى صوم رمضان، ووجوب الحج، والوضوء، والصلوات وعددها وأوقاتها، وفرض الزكاة، وأشباه ذلك.
والضرب الآخر: هو إجماع الخاصة دون العامة، مثل ما اجتمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج، وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم، وأن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، وأن لا وصية لوارث، وأن لا يقتل السيد بعبده، وأشباه ذلك. فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله. ("الفقيه والمتفقه"/1/ص 434/مكتبة التوعية الإسلامية).
فاتقوا الله ولا تحكموا بالعواطف والأذواق وقد جاءتكم بينة من ربكم عز وجل، فإن وعيد الله شديد. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات/2].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببًا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم، وعقولهم، وأذواقهم، وسياستهم، ومعارفهم على ما جاء به، ورفعها عليه؟ أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم؟! ("إعلام الموقعين"/النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله/1/ص 49).
الباب الثالث: بذور الولاء والبراء الفاسد
ومما يقوي أن القائل في هذه القضية يتأثر بذوقه حتى يعرض عن دلالة الكتاب والسنة وطريقة السلف قوله: (وأما الذي يشتم ويسب من كلا الطرفين ليس بصديقي). فيجعل من يتبع السلف في الشدة على المبطلين المعاندين ليس صديقاً له. وكلامه عامّ يشمل الظالم والمظلوم، ولا يبالي بما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لصاحب الحق مقالا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالا». ثم قال: «أعطوه سنا مثل سنه». قالوا: يا رسول الله إلا أمثل من سنه. فقال: «أعطوه فإن من خيركم أحسنكم قضاء». (أخرجه البخاري (2306) ومسلم (1601)).
وأما صاحب المقال هذا يلوم المظلوم، ولا يبالي بأن المظلومَ الطالبَ حقه الواقفَ لحدود الله غيرُ ملوم. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم». (أخرجه مسلم (2587)).
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار ، فيقول للبادئ أكثر مما قال له . وفي هذا جواز الانتصار ، ولا خلاف في جوازه ، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة . قال الله تعالى : ﴿ولمن انـتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل﴾ وقال تعالى : ﴿والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون﴾ ومع هذا فالصبر والعفو أفضل . قال الله تعالى : ﴿ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾ وللحديث المذكور بعد هذا . «ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا» واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام كما قال صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق». ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه اهـ. ("شرح النووي على صحيح مسلم"/8 / ص 398).
ولا يبالي بوجوب نصرة المظلوم على أخذ حقه، ولا يأخذ على يدي الظالم المعتدي.
هذا يدل على بذور الولاء والبراء الفاسد.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: فيجب على طالب العلم أن يتخلى عن: الطائفية والحزبية بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين ؛ فهذا لا شك خلاف منهج السلف، فالسلف الصالح ليسوا أحزابًا بل هم حزب واحد، ينضوون تحت قول الله - عز وجل -: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ (الحج: الآية 78) . فلا حزبية ولا تعدد، ولا موالاة ، ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة، فمن الناس مثلا من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليلا عليه، ويحامي دونها، ويضلل من سواه حتى وإن كانوا أقرب إلى الحق منه، ويأخذا مبدأ: من ليس معي فهو عليّ، وهذا مبدأ خبيث؛ لأن هناك وسطًا بين أن يكون لك أو عليك، وإذا كان عليك بالحق، فليكن عليك وهو في الحقيقة معك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا » ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام، ولهذا لما ظهرت الأحزاب في المسلمين، وتنوعت الطرق، وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يُضَلّل بعضًا، ويأكل لحم أخيه ميتًا، لحقهم الفشل كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (الأنفال: الآية 46) لذلك نجد بعض طلاب العلم يكون عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق والباطل ويعادي من سواه، ويضلله ويبدعه، ويرى أن شيخه هو العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل أو مفسد، وهذا غلط كبير، بل يجب أخذ قول من وافق قوله الكتاب والسنة وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. ("كتاب العلم" /للعثيمين/ص 89-91).
وقال الإمام الوادعي رحمه الله: إن الشخص يتستر ولا يظهر حزبيته إلا بعد أن تقوى عضلاته ويرى أن الكلام لا يؤثر فيه، وأنا أعجب كل العجب، فبعضهم يقسم بالله ما هو حزبي. فلا أدري هل يعرف معنى الحزبية، لأن الحزبية تتضمن الولاء والبراء، والحزبية الضيقة. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا». -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ» (صحيح مسلم) إلخ. ("غارة الأشرطة"/2/ص14-15/مكتبة صنعاء الأثرية).
وسئل أيضا رحمه الله: كيف يحذر الشباب من الحزبيات غير الظاهرة والتي لا يحذر منها إلا قليل من الناس وكيف يعرف الشاب أنه خالف منهج السلف في ذلك؟
فأجاب رحمه الله: يعرف بالولاء الضيق، فمن كان معهم فهم يكرمونه، ويدعون الناس إلى محاضراته وإلى الالتفاف حوله، ومن لم يكن معهم فهو يعتبر عدوّهم. ("تحفة المجيب" /ص112/دار الآثار).
فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يتبع خطوات الشيطان، فإن بذور الولا والبراء الفاسد إذا لم تنزع عن القلب تصير شجرة العداوة البدعية.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومنها) أن أهل السنة إنما يوالون ويعادون على سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأهل البدع يوالون ويعادون على أقوال ابتدعوها. (كما في "مختصر الصواعق"/ص604/دار الحديث).
وقد رأينا هذا كثيراً في أناس لم يكونوا من المبتدعة في بداية أمرهم، ولكنهم لم يقنعوا بطريقة السلف، بل يذمون السلفيين بعلة أنهم متشددون على أهل البدع، ليسوا من أهل الرفق مع المخالفين، ليست عندهم حكمة في الدعوة، ونحو ذلك من ألفاظ أهل التمييع، ثم بعد أيام صاروا مبتدعة محضة متحدين مع قدمائهم في حرب على السلفيين.
قال الله تعالى: ﴿زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: 5].
قال الإمام البربهاري رحمه الله: واحذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينا يدان بها، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام. ("شرح السنة" للبربهاري رحمه الله/ ص 18/دار الآثار).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فإن البدع لا تزال تخرج الإنسان من صغير إلى كبير، حتى تخرجه إلى الإلحاد والزندقة، كما وقع هذا لغير واحد ممن كان لهم أحوال من المكاشفات والتأثيرات، وقد عرفنا من هذا ما ليس هذا موضع ذكره . ("مجموع الفتاوى"/22 /ص306).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإن البدع تستدرج بصغيرها إلى كبيرها حتى ينسلخ صاحبها من الدين كما تنسل الشعرة من العجين فمفاسد البدع لا يقف عليها إلا أرباب البصائر والعميان ضالون في ظلمة العمى ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ("مدارج السالكين"/1 /ص224).
الباب الرابع: قولهم: إلى متى نجزي السيئة بالسيئة؟!
قرأت من خلال كتابات هذا الصنف قولهم: (إلى متى تسبون وتشتمون؟! إلى متى تجزون السيئة بالسيئة؟!).
الجواب –بالله التوفيق-:
نشدّ على المبطلين المعاندين إلى أن يتوبوا إن شاء الله. وكلٌّ يعامل بحسبه.
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مفرج: كان أبو جعفر أحمد بن عون الله محتسباً على أهل البدع غليظا عليهم مذلا لهم، طالبا لمساوئهم مسارعا في مضارهم شديد الوطاءة عليهم مشرداً لهم إذا تمكن منهم غير مبق عليهم. وكان كل من كان منهم خائفاً منه على نفسه متوقياً لا يداهن أحداً منهم على حال ولا يسالمه وإن عثر لأحد منهم على منكر وشهد عليه عنده بانحراف عن السنة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه وعيره بذكر السوء في المحافل وأغرى به حتى يهلكه أو ينزع عن قبيح مذهبه وسوء معتقده. ولم يزل دؤوباً على هذا جاهدا فيه ابتغاء وجه الله إلى أن لقي الله عز وجل له في الملحدين آثار مشهورة ووقائع مذكورة. ("تاريخ دمشق"/5/ص 118).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في قصة توبة ابن عقيل رحمه الله: وبلغني أن سبب توبته أنه لما ظهرت منه هذه الفضيحة أهدر الشريف أبو جعفر رحمه الله تعالى دمه، وأفتى هو وأصحابه بإباحة قتله. وكان ابن عقيل يخفى مخافة القتل. فبينما هو يوما راكب في سفينة، فإذا في السفينة شاب يقول: تمنيت لو لقيت هذا الزنديق ابن عقيل حتى أتقرب إلى الله تعالى بقتله وإراقة دمه.
ففزع وخرج من السفينة وجاء إلى الشريف أبي جعفر فتاب واستغفر. وها أنا أذكر توبته وصفتها بالإسناد ليعلم أن ما وجد من تصانيفه مخالفا للسنة فهو مما تاب منه فلا يغتر به مغتر ولا يأخذ به أحد فيضل ويكون الآخذ به كحاله قبل توبته في زندقته وحل دمه. اهـ المراد.
("تحريم النظر في كتب الكلام"/لابن قدامة/ص 33).
هذا هو منهج أهل السنة ولو كره المميعون.
ثم كيف تذمّون ما أحله الله من جزاء سيئة بمثلها؟ تلزمون الناس بالصفح والعفو مع شدة ظلم خصمهم، ولا تعينونهم على أخذ الحق؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ثم أكثر هؤلاء الذين يذمون تارك العفو إنما يذمونه لأهوائهم لكون الظالم صديق أحدهم أو وريثه، أو قرينه ونحو ذلك . والله سبحانه أوجب على عباده العدل فى الصلح، كما أو جبه فى الحكم. فقال تعالى: ﴿فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين﴾ [ الحجرات : 9 ] . وقيد الإصلاح الذى يثيب عليه بالإخلاص، فقال تعالى : ﴿ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما﴾ [ النساء : 114 ] . إذ كثير من الناس يقصدون الإصلاح، إما لسمعة وإما لرياء .
ومن العدل أن يمكَّن المظلوم من الانتصاف، ثم بعد ذلك الشفاعة إلى المظلوم فى العفو، ويصالحه الظالم، وترغيبه فى ذلك . فإن الله تعالى إذا ذكر فى القرآن حقوق العباد التى فيها وزر الظالم ندب فيها إلى العفو، كقوله سبحانه : ﴿والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة﴾ [ المائدة : 45 ] ، وقوله : ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين﴾ [ الشورى : 40 ] .
وعن أنس قال : (ما رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في القصاص إلا أمر فيه بالعفو). وليس من شرط طلب العفو من المظلوم أن الظالم يقوم على قدميه، ولا يضع نعليه على رأسه، ونحو ذلك مما قد يلتزمه بعض الناس . وإنما شرطه التمكين من نفسه حتى يستوفى منه الحق . فإذا أمكن المظلوم من استيفاء حقه فقد فعل ما وجب عليه. ثم المستحق بالخيار إن شاء عفى، وإن شاء استوفى. ("مجموع الفتاوى"/11/ص549-550).
هذا من عجائب المميعين: أنهم تذمّون ما أحله الله من جزاء سيئة بمثلها، ويلزمون المظلوم بعدم السب والشتم، ويلزمونهم بالصفح والعفو مع شدة ظلم خصمهم، ولا يعينونهم على أخذ الحق، وهم أنفسهم لم يرضوا أحداً يلزمهم على اتباع الحق المبني على الأدلة والبراهين. إن ميولهم إلى المبطلين لظاهر.
والله تعالى هو الذي ألزمهم ببذل الجهد في معرفة الصواب من الخطأ، ثم أمرهم باتباع الحق والدفاع عن المحق، والتعاون على نصرة المحق وقمع المبطلين. والأدلة في ذلك معروفة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن مال لصاحبه سواء كان الحق له أو عليه فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله. والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع الحقيّ على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله، والمهان عندهم من أهانه الله بحسب ما يرضى الله ورسوله لا بحسب الأهواء، فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه. فهذا هو الأصل الذي عليهم اعتماده اهـ ("مجموع الفتاوى"/28 / ص 17/إحالة/دار الوفاء).
الباب الخامس: منع اتباع السلف بعلة عدم بلوغ درجة أئمة الجرح والتعديل
من تلبيسات هذا الصنف أنهم لما احتُج عليهم بأدلة كثيرة ومواقف السلف في الشدة على أهل الباطل، أتى أحدهم بشبهة جديدة فيقول: (هذا شأن السلف، وأما أنتم فلستم من أهل الجرح والتعديل!).
وهذه وسوسة عجيبة من وحي شيطان الجن لهم ليبعدوا الناس من اتباع طريقة السلف حيث يشترطون بلوغ مرتبة أهل الجرح والتعديل حتى يجوز لنا التأسي بسلفنا الصالح. ونسي الملبسون حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». (أخرجه مسلم (49)).
هذا دليل عام لا ينحصر على أهل الجرح والتعديل .
قال الإمام ابن النحاس رحمه الله في أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فدلت هذه الآيات والأخبار على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى علو محله وعلى الترغيب في القيام به، وشرف أهله، وأنه واجب على كل مسلم استطاع سواء كان رجلا أو امرأة أو عبدا كما عليه إجماع الأمة. ("تنبيه الغافلين"/ص29).
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار في ذلك الحديث إلى شيئين: المعرفة والاستطاعة. فما دام الشخص عارفاً بذلك المنكر وقادراً على إنكاره وجب عليه القيام به.
قال القرطبي رحمه الله: ولوجوبه شرطان: أحدهما: العلم بكون ذلك الفعل منكرا أو معروفا. والثاني : القدرة على التغيير. فإذا كان ذلك ، تعين التغيير باليد إن كان ذلك المنكر مما يحتاج في تغييره إليها ، مثل : كسر أواني الخمر ، وآلات اللهو ؛ كالمزامير والأوتار والكبر، وكمنع الظالم من الضرب والقتل وغير ذلك ، فإن لم يقدر بنفسه، استعان بغيره، فإن خاف من ذلك ثوران فتنة ، وإشهار سلاح ، تعين رفع ذلك إلى الإمام ، فإن لم يقدر على ذلك ، غير بالقول المرتجى نفعه ، من لين أو إغلاظ ؛ حسب ما يكون أنفع ، وقد يبلغ بالرفق والسياسة ، إلى ما لا يبلغ بالسيف والرياسة.
فإن خاف من القول القتل أو الأذى ، غير بقلبه ، ومعناه : أن يكره ذلك الفعل بقلبه، ويعزم على أن لو قدر على التغيير لغير. وهذه آخر خصلة من الخصال المتعينة على المؤمن في تغيير المنكر ، وهي المعبر عنها في الحديث بأنها أضعف الإيمان ، أي : خصال الإيمان ، ولم يبق بعدها للمؤمن مرتبة أخرى في تغيير المنكر ؛ ولذلك قال في الرواية الأخرى : «ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»، أي : لم يبق وراء هذه الرتبة رتبة أخرى ، والإيمان في هذا الحديث بمعنى الإسلام ؛ على ما تقدم.
(انتهى من "المفهم"/1 /ص149-150).
وقال الإمام النووي رحمه الله: ولا يختص الأمر والنهي بأصحاب الولايات والمراتب بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين وواجب عليهم. قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول كانوا يأمرون الولاة وينهونهم مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بذلك بغير ولاية ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه» قال أصحابنا: وإنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف بحسب الأشياء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنى والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها. وإن كان من دقائق الأقوال والأفعال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام الابتداء بإنكاره بل ذلك للعلماء ويلتحق بهم من أعلمه العلماء بأن ذلك مجمع عليه. ("روضة الطالبين وعمدة المفتين"/4 /ص4).
فمن رأى منكراً وعنده علم في ذلك فليقم بواجب الإنكار عليه بما يستطيع وإن لم يبلغ درجة إمام الجرح والتعديل. هذا هو فهم أئمة أهل السنة، لا فهم الحزبيين.
قال الإمام ابن باز رحمه الله: ثم طالب العلم بعد ذلك حريص جدا أن لا يكتم شيئا مما علم ، حريص على بيان الحق والرد على الخصوم لدين الإسلام ، لا يتساهل ولا ينزوي ، فهو بارز في الميدان دائما حسب طاقته ، فإن ظهر خصوم للإسلام يشبهون ويطعنون - برز للرد عليهم كتابة ومشافهة وغير ذلك لا يتساهل ولا يقول هذه لها غيري ، بل يقول : أنا لها.. أنا لها.. ولو كان هناك أئمة آخرون يخشى أن تفوت المسألة ، فهو بارز دائما لا ينزوي ، بل يبرز في الوقت المناسب لنصر الحق ، والرد على خصوم الإسلام بالكتابة وغيرها –إلى قوله:- وهو أيضا لا يكتم ما عنده من العلم ، بل يكتب ويخطب ، ويتكلم ويرد على أهل البدع ، وعلى غيرهم من خصوم الإسلام بما أعطاه الله من قوة ، حسب علمه وما يسَّر الله له من أنواع الاستطاعة.. قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
فينبغي أن نقف عند هاتين الآيتين وقفة عظيمة : فربنا حذّر من كتمان العلم وتوعد على ذلك، ولعن من فعل ذلك ، ثم بين الله أن لا سلامة من هذا الوعيد ، وهذا اللعن إلا بالتوبة والإصلاح والبيان. ("مجموع فتاوى و مقالات ابن باز"/7 / ص 194).
وقال رحمه الله: فكلٌّ منا عليه واجب، كل مسلم في بلاد الله في المشارق والمغارب في جميع أنحاء الدنيا، كل مسلم، كل طالب علم، وكل عالم، عليه واجبه من الدعوة إلى دين الله الذي أكرمه الله به ودفع الشبه عنه والباطل والرد على خصومه بالأساليب والطرق التي يراها نافعة، التي توصل الحق وترغب في قبول الحق ويراها تردع الباطل. ومن المصائب العظيمة: أن يقول الإنسان: (ما أنا المسئول). هذا غلط، هذا منكر عظيم، لا يقوله العاقل إلا إذا كان في محل كفاه غيره، منكر أزاله غيره، باطل نبه عليه غيره. –إلى قوله:- فكل عليه واجبه حتى يُنصر الحق، وحتى يُدحض الباطل، وحتى تقم الحجة على خصوم الإسلام. اهـ المراد ("الغزو الفكري" / له رحمه الله /ص17).
وسئل الإمام الوادعي رحمه الله: هل التكلم في الحزبيين أو التحذير منهم يعدّ حرامًا؟ وهل هذا الأمر خاص بالعلماء دون طلبة العلم؟ وإن تبيّن لطلبة العلم الحق في هذا الشخص؟
فأجاب رحمه الله: ينبغي أن يسأل أهل العلم عن هذا الأمر، لكن الشخص الذي ينفر عن السنة وعن أهل السنة وعن مجالس أهل العلم؛ يحذّر منه، والجرح والتعديل لا بد أن يكون الشخص عارفًا بأسبابهما، ولا بد أن يتقي الله سبحانه وتعالى فيما يقول، فإن الأصل في أعراض المسلمين أنّها محترمة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»([1]).
لكن المبتدعة لا بأس أن يحذر منهم طالب العلم في حدود ما يعلم بالعدالة ﴿وإذا قلتم فاعدلوا﴾، ﴿ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى﴾، ﴿إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان﴾.
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمر أبا ذر أن يقول الحق ولو كان مرًا. بل الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ الله كان بما تعملون خبيرًا﴾.
فلا بد من العدالة في الكلام على الحزبيين، ولست أقصد أنك تنظر إلى مبتدع وتذكر ما له من حسنات وسيئات، فالمبتدع ليس أهلاً لأن تذكر له حسنات، وليس لنا وقت أن نذكر حسناته... إلخ
(انتهى من "تحفة المجيب"/ ص187-188).
قال الشيخ النجمي رحمه الله: أن من أهل السنة في هذا العصر من يكون ديدنه وشغله الشاغل تتبع الأخطاء والبحث عنها سواء كانت في المؤلفات أو الأشرطة، ثم التحذير ممن حصل منه شيء من ذلك. وأقول: إن هذا منقبة، وليست مذمة، فلقد كانت حماية السنة منقبة عند السلف. نعم، عند الشباب السلفي غيرة إذا وجدوا مخالفة للسنة في مؤلف أو في شريط، أو رأوا من أهل السنة من يمشي مع المبتدعة بعد النصح أنكروا ذلك ونصحوه أو طلبوا من بعض المشايخ نصحه، فإذا نصح ولم ينتصح هجروه، وهذه منقبة لهم، وليست مذمة لهم. ("الفتاوى الجلية"/1/232-234/دار المنهاج).
وسئل الشيخ ربيع المدخلي وفقه الله قديماً: يظنّ كثير من الناس أن الرد على أهل البدع والأهواء قاض على المسلك العلمي الذي اختطه الطالب في سيره إلى الله فهل هذا مفهوم صحيح؟
فأجاب وفقه الله: هذا مفهوم باطل. وهذا من أساليب أهل الباطل وأهل البدع ليخرس ألسنة أهل السنة. فالإنكار على أهل البدع من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وما تميزت هذه الأمة على سائر الأمم إلا بهذه الميزة. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله ﴾ [آل عمران/110]
وإنكار المنكر تطبيق عملي لما يتعلمه الشباب المسلم من الفقه في دين الله تبارك وتعالى و دراسته لكتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام. فإذا لم يطبق هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاصة في أهل البدع فقد يدخل في قول الله تبارك وتعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
إذا كان يرى أن البدعة تنتشر ولها دعاتها ولها حملتها ولها الذابون عنها ولها المحاربون لأهل السنة فكيف يسكت؟ وقولهم : "إن هذا يقضي على العلم" هذا كذب، هذا من العلم والتطبيق للعلم.
وعلى كل حال فطالب العلم لا بد أن يخصّص أوقاتاً للتحصيل ولا بد أن يكون جادّا في التحصيل، ولا يستطيع أن يواجه المنكرات إلا بالعلم، فهو على كل حال يحصل العلم وفي نفس الوقت يطبق، والله تبارك وتعالى يبارك لهذا المتعلم العامل في علمه. وقد تنزع البركة لما يرى المنكرات قدّامه يقول: لا، لا، لمّا أطلب العلم، يرى الضلالات وأهل الباطل يرفعون شعرات الباطل ويدعون الناس إليها ويضلون الناس فيقول: لا لا ما سأشتغل بهذه الأشياء، أنا سأشتغل بالعلم. (يعني يتدرب على المداهنة) -بارك الله فيك- .
(انتهى من "أجوبة فضيلة الشيخ ربيع" ص 34-35).
ثم إنا لم نمش مستقلين عن العلماء، بل معنا علما السنة الثابتون على الحق الراسخون في العلم البصراء في ظلمات الفتن بإذن الله.
فمشايخ "الإبانة" تخبطوا كثيراً في أنواع الفتن منذ سنين مديدة إلى الآن.
ثم اعلم أن مدارك العلم أربعة، كما قال العلامة القرافي رحمه الله: ومدارك العلم أربعة: العقل، وأحد الحواس الخمس، والنقل المتواتر، والاستدلال. ("أنوار البروق في أنواء الفروق"/4/ص1186/ط. دار السلام).
أتقولون بقول المرعيين الملبسين ومشايخهم المتكبرين: أن يكون العلم محصوراً فيهم، وحُرمه علماءُ دماج وطلابها الذين يسهرون لياليهم وطول نهارهم بالمصابرة على تلقي العلم وتحصيل الحفظ، والمثابرة على قبض الحق في أيام غربة السنة، مع البعد من الرفاهية؟ إن واقع والثمار من خير الشهود على أنهم أحسن عقلاً، وحسّاً، ونقلاً، واستدلالاً من مشايخ "الإبانة" وأمثالهم.
الباب الخامس: تآمر الحسدة على علامة اليمن
بسبب أن صاحب المقالة قد حكم على الشيخ العلامة يحيى الحجوري ومن معه حفظهم الله بالخطأ، وحكم لمشايخ "الإبانة" بالصواب، لا بد أن أذكر بياناً حتى يُعلم المظلوم من الظالم والمحقّ من المبطل.
إن الحسدة يعملون سلسلة الهجوم على الشيخ يحيى حفظه الله ومن معه من العلماء وطلاب العلم في السنين المديدة.
فقد تربص أبو الحسن المصري وفاة الإمام الوادعي رحمه الله وجهز كل شيء لنقل مركز الدعوة إلى مأرب، فلما توفي الإمام رحمه الله قال أبو الحسن: (ذهب زمن الخوف) فقام هو وأصحابه بفتنة هائلة، بأصلحتهم المعروفة منها: الافتراءات وبتر الكلمات للتشويه والإسقاط. وقد دونت فتنته في رسائل كثيرة.
ثم جاءت حملات الحدادية الجديدة أصحاب شبكات "الأثري".
ثم ورث فتنتهم وأسلحتهم صالح البكري وبيّت المكر. قال فيه شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله: وهو يقول: (دعونا ننتهي من أبي الحسن وبعده الحجوري)، شهد بذلك من دعاة أهل السنة الأفاضل: عبد الهادي المطري، وأحمد بن مصلح المطري، وحمود الوايلي صاحب تسجيلات اليقظة، ومصطفى مبرم. وأنا والله لستُ مبالياً بهذا الهذر، لكن نذكره لمعرفة خيانة هذا الرجل فقط. ("الرد على البكري"/للشيخ يحيى حفظه الله).
فقام بفتنة فاجرة معروفة لدى كثير من السلفيين مع كون الشيخ يحيى حفظه الله يحلم له كثيرا. قال شيخنا يحيى حفظه الله: وقد ذهب البكري يتنقل بها من عالم إلى آخر بالمكر والكيد والحقد الدفين الذي كان يبيّته وأنا لا أشعر، وإذا سألوني عنه قمتُ أدافع عنه، وكان حالي معه كما قيل:
إلا رب من تدعوا صديقا ولو ترى*مقالته بالغيب ساءك ما يفري
("الرد على البكري"/للشيخ يحيى حفظه الله).
ثم قام أبو مالك الرياشي المدفوع السفير بمواصلة سلسلة الهجوم على أهل السنة. قال شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله: فلا درينا إلا وأبو مالك الرياشي رجع من مكة ويجلس مع بعض الطلاب وأهل البلاد بكلام سر؛ وهو أن الشيخ ربيعاً يقول: (أبعدوا الحجوري عن الكرسي وليكن البديل موجوداً)!!!
فافتتن وفتن بذلك أبو مالك الرياشي، وشوش على بعض الطلاب، ثم انقلب عليه مكره حتى انصرف عن طلب العلم بدماج، ونزل إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الحديدة وحينها طلب منه الشيخ محمد أن يكتب اعتذاراً، فكتب ورقة اعتذر فيها مما صنع، وذكر أَنَّ ذلك بتحريض ممن كان يظن أنه لا يصدر منه هذا الخطأ العظيم!!!. وقُرِأتْ الورقة هنا وسجلت في درس العصر، وبعدها ذهب أبو مالك يشتغل على سيارة بالأجرة.
(انتهى من رسالة مقدمة الجزء الأول من "النصح الرفيع"/للشيخ يحيى حفظه الله).
ثم جاءت فتنة عبد الرحمن العدني وأصحابه، وقد بيتوا مكراً دهراً. ومما يقوي أن المرعيين قد بيتوا هذا المكر هذه الوثائق:
قال شيخنا أبو عبد الله محمد باجمال حفظه الله: وثبت أيضاً ما يدل على مكره –يعني سالم بامحرز- وخيانته، فمما علمناه: ما حدثنا به أخونا الفاضل محمد بن سعيد بن مفلح وأخوه أحمد وهما من أهل الديس الشرقية بساحل حضرموت وهو: أن سالما بامحرز قال لهم في منتصف سنة 1423هـ: (نحن قد انتهينا من أبي الحسن والدور جاي على الحجوري!!!). وهذا ظاهر في المكر والكيد والتخطيط لإيقاع الفتن في صفوف أهل السنة عند المنصفين، لكن العجب ممن يبلغه مثل هذا الكلام ولا يحرك له ساكنًا كالراضي به! ("الدلائل القطعية على انحراف ابني مرعي"/للشيخ باجمال/ص13).
وقال شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله: وقبل مرحلة زار الأخ على جعدان الشيخ محمد بن عبد الوهاب - وفقه الله– فقال له : (سيقوم الآن مركز يضاهي مركز دماج لا تخبر أحداً ). طيب، المراكز لو قامت ما فيها سرية هنيئاً يقوم أي مركز ونحن أعوان له. وأنا لو جُمِعَت التزاكي التي كتبتها لإقامة مراكز لأهل السنة لجاءت في ملزمة لكن ما هذا التكتم .
وراء هذا التكتم "أعمال" الله أعلم ما وراء هذا المقصود، والشاهد موجود وهو يسمع. - أضف إلى هذا التحريش والتثوير ، على الدعوة ، المضادة لها، افتعالات المشاكل عليها وافتعال المشاكل عليَّ وعلى إخواني في دار الحديث بدماج بغير حق والله ظلم وبغي وعدوان ما سبب ذلك إلا الولاء والبراء الضيق.
("الولاء والبراء الضيق"/للشيخ يحيى حفظه الله/ص6).
وقال الشيخ عبدالحكيم بن محمد الريمي حفظه الله: (جاء أخ أندونيسي يستشير عبدالرحمن العدني في شراء أرض في دماج بأربعة مليون يمني، فقال له عبدالرحمن: أنصحك ألا تشتري، ثم ذهب الرجل فقال لي عبدالرحمن: انصح الرجل، هذا مال كثير، والله أعلم هل تبقى دماج أو لا وربما يضيع مال الرجل أو كما قال. وهذا كان قبل الفتنة، والله على ما أقول شهيد).
وقال أبو الخطاب طارق الليبـي -وهو من رؤوس أصحاب هذه الفتنة كما كان قبلها مع أبي الحسن المصري- للأخ أيمن الليبـي قبل الفتنة: عبدالرحمن بن مرعي العدني سيفتح مركزا في عدن كبير، إمكانياته قوية ودعمه قوي، وسيسمى مدينة العلم، وإن شاء الله سيكون فيه حلٌّ للغرباء. ثم قال أبو الخطاب: وما سيبقى في دماج أحدٌ من الطلاب.
وقال الأخ عبدالله الجحدري -المسئول على ترتيب الدروس في دماج- وكان من المقربين لعبدالرحمن العدني ومجالسيه، قال: إنه أراد أن يشتري بيتًا في دماج فنصحه عبدالرحمن ألا يشتري، وقال له: ما ندري كيف تكون الأمور وماذا سيكون غدًا. وكان هذا في آخر فتنة أبي الحسن.
وبنحو هذه "النصيحة" نصح بها عبدالرحمن بن مرعي العدني أخًا آخر بحضرة الأخ عبدالله الجحدري بعد سنتين من نصيحته للأخ عبدالله الجحدري –تقريبًا-.
وقال عبدالرحمن بن أحمد النخعي: ركبت مع عبدالرحمن العدني في سيارته من مودية إلى لودر ومعي عبدالباري اللودري، فسأله عبدالباري اللودري، فقال: يا شيخ عبدالرحمن إيش أخبار المركز؟ قال عبدالرحمن العدني: نحن نسعى في ذلك. فقال عبدالباري اللودري: هذا سعي طيب من أجل أن ينتهوا السماسرة في دماج. ثم ضحك عبدالباري اللودري، فسكت عبدالرحمن العدني.
(راجع "مختصر البيان"/ص4-5 /جمعه بعض مدرسي دار الحديث بدماج).
فلما انكشف مكرهم، واجتمع المشايخ في دار الحديث بدماج -الاجتماع الأول- اعترف عبد الرحمن العدني أمامهم أنه لما سقط صالح البكري أتى إليه بعض الناس وقالوا له: (إن البكري قد سقط فقم أنت). أخبرنا به شيخنا أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله عنه. وهو مذكور أيضا في رسالة "المؤامرة الكبرى" لأبي بشار عبد الغني القعشمي حفظه الله ص16.
ثم تتوالت الهجمات الشرسة المنهجية التشويهية على سلفي دار الحديث بدماج.
وفوجئ السلفيون بهجوم عبيد الجابري تحت نيران العصبية للجامعة الإسلامية.
ويتعاون بعض أعيان المرعيين مع بعض أشخاص وزارة الوقف بأخذ مساجد أهل السنة. وقد سلك بعضهم في سلب مساجد أهل السنة طرقاً خبيثة يستحيى منها العقلاء النزهاء، ولا يدافع عنهم إلا من لم يعرف حالهم أو من لم يبال بتدنيس ساحته. أذكر لكم مثالا:
قال الأخ الفاضل أبو الحسن إحسان اللحجي حفظه الله في قضية مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في منطقة (الكدام): الأخ حسين بن محمد الزغير أحد إخواننا السلفيين في هذه القرية و-هو- ممن وجد الأذى في فتنة جمعية الحكمة والإحسان والبر، وفقه الله لمتابعة أرض لبناء مسجد عليها، وساعد على شرائها، وبحث عمن يقوم ببناء المسجد وأشرف على بنائه من الأساس حتى استكماله، ترك عمله مساهمة منه في بنائه مع حاجته المادية، وهو عبارة عن عامل بالأجر اليومي في مصنع الحلوى في (لحج)، وتحمّل بعض الديون لأجل بناء المسجد، وهذا بشهادة أهل القرية وشيخ القرية كما هو مبين في الوثائق التي عندنا. فإذا بالجميع يتفاجئ أن عبد الغفور يخرج وظيفة إمام لشخص من أتباعه اسمه (عدنان) وآخرين معه قائمين على وظائف أخرى في المسجد دون علم الأخ حسين الذي صُدم بهذه الحركة الماكرة من عبد الغفور لإسقاط المسجد قبل أن يفتتحه الأخ حسين كإمام وخطيب فيه. فلم يملك إلا أن يسلِّم للأمر الواقع. وبعد فترة من الزمن، فإذا بصاحب عبد الغفور (عدنان) يكتشف أنه يصعد على سطح المسجد الذي سقفه أرفع من سقف بيت مؤذن المسجد الذي بيته بجانب المسجد مما يوقع عرضه للتكشف دون استئذان. فإذا بمؤذن المسجد يكتشف هذه الخسة من هذا الإمام، ويتفاجئ بأمر آخر وهو تصرفه بحديد بقي بعد بناء جزء من المسجد وهم يحتاجون إليه لبناء أجزاء أخرى بأن باعه على أخيه دون علم المشرف على بناء المسجد وهو الأخ حسين أو مؤذن المسجد وهو الأخ (صادق). وأمر آخر أن عدنان هذا استلم مائة ألف يمني من فاعل خير للمسجد، ولم يعلم أين ذهبت، ولها عدة شهور ولم ير أي تغير في المسجد كما هو موضح في الشكوى المقدمة من المؤذن والمشرف على بناء المسجد، وأنه بعد استكماله البناء بقيت ثمانمائة حبة (بلك، ويقال: بردين) ولا يدرى أين اختفت مع حاجة المسجد الماسة إليها لعمل السور أو ما نسميه عِندنا (الضاحي). مؤذن المسجد جزاه الله خيرا يتقدم بشكواه إلى مدير الأوقاف فأحيلت القضية إلى التحقيق، فإذا بصاحب عبد الغفور يقر بهذه المخازي كما هو موضح معنا في محضر التحقيق حتى طلب المحقق في القضية من إدارة الأوقاف إيقافه واتخاذ الإجراءات ضده. فقامت إدارة الأوقاف جزاها الله خيرا بإبعاده وتعيين الأخ حسين إماما وخطيبا، وهذا هو العدل المنتظر من الأوقاف. فإذا بعبد الغفور يستيقظ ويهب لإرجاع صاحبه الإمام المختلس وصاحب المخازي المذكورة، وإذا بمدير الأوقاف في المحافظة يصدر أمرا إداريا بتكليف (عدنان) بدلا عن الأخ حسين مع علم الأوقاف بحال عدنان. فما هو السر في علاقة عبد الغفور مع إدارة الأوقاف؟ فعبد الغفور يعيّن من يشاء ويغيّر من يشاء باتصال هاتفي بالأوقاف وكأنه مدير الأوقاف. وهنا نسأل من هو مدير الأوقاف؟ وعندنا الوثائق التي تثبت ما ذكرناه. (رسالة "تنبيه الساجد من مؤامرة الحزبية لإسقاط المساجد"/لأبي الحسن اللحجي/ص18-20).
وقال أخونا الفاضل أبو أنس يوسف اللحجي رعاه الله: الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فقد طلب مني الأخ العمودي أن أذكر له حقيقة واقعة مسجد البخاري الواقع في محافظة لحج قرية المحلة، وذلك أني كنت موجودا في هذه الواقعة وهاك حقيقتها وزمام خطامها وهي: أننا انطلقنا من مسجد أخينا الفاضل أبي هارون إلى مسجد أخينا الفاضل عبد العزيز الذي وقعت فيه القصة وعلى أن المحاضرة تكون لأخينا عبد العزيز إمام المسجد. ولما وصلنا إلى المسجد قبل الغروب بقليل وجدنا المسجد مغلقا ثم بعد ذلك فتح المسجد ونحن لا نعلم أن بعض جهال المتعصبين وعوام أهل القرية سيعملون ضجة في المسجد، وعلى أن الحكومة تغلق المسجد. فدخلنا المسجد وتوضئنا ثم خرجنا إلى المسجد وكان ذلك قبل أذان المغرب بقليل فبينما نحن كذلك إذ سمعنا أصواتا مرتفعة وضجة قوية من بعض المتعصبين وعوام أهل القرية الذين هم مدفوعون من بعض أصحاب حزبية عبد الرحمن هداهم الله. فدخلوا وغلقوا الأبواب وأطفئوا الأنوار، وأخذت مكبرات الصوت. ثم ونحن في هذه الضجة قام إمام المسجد وأذن وصلى على تلك الحالة من الضجة ورفع الأصوات. ثم أتى بعض المتعصبين بالشرطة ليأخذوا أخانا عبد العزيز وهو يحاضر فكانوا يدفعون بالعسكر ليأخذوه إلا أن العسكر كانوا أعقل من الحزبييين المتعصبين، فقالوا: كيف نأخذه وهو يتكلم؟ فجلس العسكر ويستمعون للمحاضرة والمتعصبون في فوضى. ثم بعض المتعصبين كانوا متجهين إلى محاضرة في نفس القرية في مسجد آخر. فلما رأوا الفوضى نزلوا وأكملوا ما بقي من الزوبعة، وبعضهم أراد أن يضارب. وبعد المحاضرة توجهنا إلى الشرطة فوجدنا المتعصبين هنالك وعلى رأسهم محمد الخدشي –أصلحه الله-، وسجن بعض الإخوان وفي اليوم الآخر توجه عبد الغفور هداه الله إلى الشرطة، وأخبرنا أنه كان يقول: (الأمر للعوام، فمن اختروه إماما يكون إماما) علما أن المتعصبين هم الذين حرضوا العوام على أخينا عبد العزيز حفظه الله وسدده على أن يزجروه من إمامة اهـ. كتبه أبو أنس يوسف اللحجي. ("زجر العاوي" /للشيخ محمد العمودي /3 /ص24-25).
وقضايا سحب مساجد أهل السنة كثيرة، انظر تلك الرسالة.
فيا صاحب المقالة، أتصوّبهم، ولم ترض بحكم أنهم الظالمون؟
ولم تَنتهِ فتنة العدني إلا وهجمت علينا الرافضة الحوثيون الزنادقة الكفار، فحاولوا القضاء على شيخنا يحيى الحجوري وجميع طلاب دار الحديث بدماج حفظهم الله، في ثورتهم السادسة في تاريخ 3 رمضان 1430 هـ إلى 28 صفر 1431 هـ. فباءوا بفشل ذريع.
وأهل السنة في دماج في غاية من الشغل بمدافعة هجوم الرافضة مع تخذيل كثير من مشايخ اليمن المدعين للعلم والسلفية والرحمة والرأفة.
فلما رد الله الرافضة بغيظهم لم ينالوا خيرا، فجئ أهل السنة بالهجوم المنهجي من قِبل هؤلاء المشايخ المخذلين فأخرج محمد بن عبد الله الريمي كتاب "الإبانة" يدكدك منهج أهل السنة والجماعة الذي ورثوه من السلف الصالح. ومن العجيب أن هذا الكتاب مليء بالأفكار الإخوانية الحسنية العرعورية الحلبية ضد السلفية بطرق ماكرة لطيفة أيّدها هؤلاء المشايخ. وموقف الشيخ ربيع لين جدّاً بخلاف موقفه من كتب الإخوانية الحسنية العرعورية الحلبية مع أن الفكرة نفس فكرة.
ثم فُجئنا بسهام الشيخ ربيع واتهامه للشيخ يحيى بأنه حدادي وأتباعه حداديون. وأظهر عبد العزيز البرعي هذه النقولات كأنه بوق للشيخ ربيع وفقهما الله.
فيا صاحب المقالة، أتصوب الشيخ ربيع وقد أخرجنا من دائرة السنة إلى الحدادية، والشيخ ربيع قال إن الحدادية من أقبح أنواع أهل البدع –أو نحو ذلك-؟ هذا تناقض منك لأنك اعتقدت أن الشيخ يحيى من أهل السنة.
ثم قام الشيخ يحيى حفظه الله بالرد على الشيخ ربيع رداً علمياً مؤدباً محترِماً، وناقشه نقاشاً جلياً بالأدلة والبراهين والتلطف والإشفاق والرأفة. ولم نسمع بعد ذلك أي رد من الشيخ ربيع، ولا أعلان الرجوع والتأسف.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: فينبغي لمن لزمته الحجة ، ووضحت له الدلالة ، أن ينقاد لها ، ويصير إلى موجباتها ، لأن المقصود من النظر والجدل طلب الحق ، وإتباع تكاليف الشرع ، وقد قال الله تعالى : ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب﴾. ("الفقيه والمتفقه"/2/ص112/دار ابن الجوزي).
ثم جاءت الرافضة مرة أخرى بحصار شديد قبل شهر رمضان 1432 هـ مرحلة بعد مرحلة حتى بدءوا إطلاق الرصاص في تاريخ 7 ذي الحجة 1432 هـ فيزداد شدة حتى ينتهي في 1 صفر 1433 هـ. وهذه الحرب السابعة كانت أشد وأكثر ضحايا من السادسة. استشهد من أهل السنة أكثر من سبعين نفساً وهم عطاش وجياع، ودماؤهم تراق.
ولقد صبّر الله شيخنا يحيى الحجوري وطلابه الأبرار –حفظهم الله- على هذه المحن كلها وعسى الله أن يجعلهم من زمرة المفلحين: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب/23، 24].
وهو الذي قال: صيانة ديننا أحب إلينا من صيانة أنفسنا. (بتاريخ 11 محرم 1432 هـ).
وهو الذي قال: فقد وهبنا أنفسنا للدعوة السلفية، ولا نبغي بها بدلاً، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس:32]. ("أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية"/ص37-38/دار الآثار).
وهؤلاء مشايخ "الإبانة" في تخذيل شديد لأهل السنة. بل طعن محمد الريمي في أهل كتاف بأنهم قطاع الطريق.
قد حسن موقف الشيخ ربيع حفظه الله من هذه القضية فجزاه الله خيرا.
قال شيخنا يحيى حفظه الله: فجاءت فتنة الرافضة وعدوانهم علينا سبعين يوما تحت الحصار، وقذائف النار فغار المسلمون مما حصل وقاموا معنا ضد الرافضة بلسان الحال والمقال. ومن أشد من قام قومة مشرفة الشيخ ربيع، شكر الله له ولسائر من قام معنا على ذلك العدوان الغاشم، وفي أثناء ذلك قال العلامة ربيع حفظه الله: (انتهت المشاكل بيني وبين الشيخ يحيى إلى الأبد).
فحمدنا الله على نعمة الإخوة وزوال الفتنة وحصل بيننا تواصل كثير وخير كثير، وألقى كلمة إلينا على الهاتف طيبة وطلب مني أن ألقي كلمة لطلابه في مجلسه فألقيت كلمة مختصرة، وقلنا كما ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد":
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
لعل من حكمة الله تعالى في ابتلائنا ببغي الرافضة لتجتمع كلمة أهل السنة على الهدى ومضينا على ذلك الخير. وكان المشايخ قد خذلونا في قضية الرافضة، خذيله أنكرها عليهم الشيخ ربيع وغيره من خواص الناس وعوامهم، فذهب المشايخ إلى الحج (1433هـ) محمد بن عبد الوهاب والإمام ومحمد الصوملي، والذماري والبرعي، وأخبرنا من كان حاضرا أنه نصحهم بالقيام مع إخوانهم في دماج إذا اعتدى عليهم الرافضة وشنع على بعضهم ببعض الكلمات حين عارضه في ذلك، وذكروا كتاب "الإبانة" للشيخ محمد الإمام فذكر أنه ينبغي أن يلغى وعلى ذلك تفرق إخواننا من عنده.
(انتهى من مقدمة "النصح الرفيع" الجزء الأول).
ثم في أثناء قيام طلبة العلم بتلقي العلم، وتدريسه، والدعوة إليه، وغير ذلك من شئون العبادة فوجئوا بتوارد سهام حمراء ماكرة من صاحب وصاب: محمد بن عبد الوهاب الوصابي العبدلي (بتاريخ الأحد 18/محرم /1434هـ وما بعده) على فضيلة شيخنا الصبور الرحيم أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري ومن معه من السلفيين -حفظهم الله-.
فمن شتائم الوصابي: (فتنة الحجاورة)، (شذوذ وما هو من منهج أهل السنة) (بدعة عصرية حجورية شاذة، الإسلام بريء منها) (أصحاب شغب)، (أصحاب فتن)،(أصحاب بلاوي)، (قلب حجر)، وغير ذلك.
فيا صاحب المقالة: أين ردك على الوصابي وهو يكثر الشتائم والسباب؟ أتصوّب الوصابي وقد أخرجنا من دائرة السنة بل الإسلام؟ أتقول بعد هذا إن الشيخ يحيى سني؟ هذا تناقض منك.
ثم في يوم الجمعة 15 صفر 1434 هـ في قرية القعابلة بتهامة ألقى محاضرة تحريشية على شيخنا يحيى ومن معه حفظهم الله، مع ادعائه حسن الكلام والرفق والرحمة. قال الوصابي هداه الله: ((إلى متى تسكتون؟!!.))، ((تخافون من الحجوري؟! الخراء البوال ))، ((الحجوري بشر يخري ويبول ليس له من الأمر شيء شاب عنده طيشان.... يركض الدنيا ركيض وأنتم ساكتون))، ((لا تخافون من إسقاطه لكم حتى وإن أنزل فيكم ألف ملزمة أو مليون ملزمة. )).
فيا صاحب المقالة: أتقول بإصابة كلام الوصابي وقد أقبح في الشتام وأكثر في السباب؟
ثم فوجئنا بهجم جديد من عبيد الجابري على شيخنا يحيى حفظه الله في آخر ربيع الثاني 1434 هـ، حيث إن عبيداً الجابري يعرض فيه "محمد الإمام" أنه لا يكفر الرافضة. ثم بعد هذه اللمحة اليسيرة جداً انتقل إلى التعريض بالشيخ يحيى حفظه الله بأنه فصل في قضية سب الصحابة، وأنه أتى بتأصيل جديد، وأنه يستتاب وإلا يضرب عنقه، وأن شيخه رحمه الله لو علم أن حاله تكون مثل هذه لما عينه أن يكون خليفته في كرسيه متربعاً بل ولا أذن له أن يرعى غنما، أو نحو هذه الكلمات.
إن كلام عبيد الجابري يتعلق بفتوى شيخنا يحيى الحجوري القديم. وهو فتوى قديم، مكتوب في الحاشية أن الشيخ أجاب به عن أسئلة أهل عمران بتاريخ ليلة الخميس 5 صفر 1423 هـ.
وبعد طبع الكتاب وراجعه شيخنا حفظه الله علق عليه بخط أخمر:
هذا التفصيل كنت قلته قبل، وبعد ذلك رجح لي أن سب الصحابة كفر، سواء بقصد رد الدين والطعن فيه أو بغير قصد كما ذكرت ذلك صـ174من هذا المجلد ومصادر أخرى اهـ كتبه يحيى بن علي الحجوري .
وفي نفس المجلد في ص174: حكم ساب الصحابة، قد ذكر شيخنا حفظه الله أن الذي يسب الصحابة عدو لله ، ومن سبهم جميعًا أو كفرهم جميعًا- أو أكثرهم-فهو كافر، كما أبانه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم. والذي يتهم عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه، أيضًا فهو كافر، لأنه كذب بالقرآن اهـ.
فهذا الفتوى الشبوي يعتبر ناسخاً للفتوى العمراني، لأن مذهب الشخص هو آخر قوليه. ذكر فضيلة الشيخ حمود التويجري رحمه الله فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله قبل وفاته بسبع سنين، ثم قال الشيخ حمود رحمه الله: فهذا هو الثابت عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى. والعمدة عليه لا على ما كان قبله. ("القول البليغ"/ص29-30).
هذا هو الصواب في معرفة مذهب الأئمة رحمهم الله. قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في رده على محمد بن علي الصابوني المعاصر المنحرف: ومعلوم أن مذهب العالم هو ما مات عليه معتقدا له، لا ما قاله سابقا ثم رجع عنه، فيجب التنبه لذلك، واحذر مما يلبّس الأمور ويضعها في غير موضعها، والله المستعان. ("تنبيهات هامة"/ص39-40).
هكذا شأن أهل الأهواء يستغلون الفتوى المنسوخ لعالم ويتركون فتواه الناسخ، لمقاضاة أغراضهم الفاسدة. قال الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: ... وإنَّ الحزبيين والمتعاطفين معهم يأخذون بالفتاوى الأولى، ويتركون الفتاوى الأخيرة الَّتِي فيها المنع. ("الفتاوى الجلية" /2/ص36).
فيا صاحب المقالة: أتقول بإصابة حكم عبيد الحجوري على الشيخ يحيى أنه يستتاب فإن تاب وإلا يضرب عنقه؟ كيف تصوب المشايخ وأنت تقول بأن الشيخ يحيى سني؟ هذا تناقض منك.
ثم في تاريخ 1 جمادى الأولى 1434 الهجري فوجئنا بهجوم الشيخ ربيع مرة ثانية في أثناء حلاوة العلاقة بينه وبين الشيخ يحيى. وقد سمعنا من بعض الإخوة الذين جاءوا من الحج أو العمرة أن الشيخ ربيع مع تظاهره بالثناء على الشيخ يحيى فإنه لم يزل في الجلسة الخاصة يبغّض الشيخ يحيى إلى مجالسيه. حسبنا الله ونعم الوكيل.
قال الشيخ يحيى حفظه الله: ثم عاد إليه المشايخ بعد هذه الجلسة والله أعلم ماذا أبرموه فيها وخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بعدها قام برحلة في عدد من مدن اليمن يشن ألفاظ التبديع ويلوّح بالتكفير عليّ وعلى إخواني وطلابي وطلاب شيخنا رحمه الله ممن في هذه الدار وغيرها من أهل البلاد وغيرهم بغير أدنى برهان ولا حجة على تلك الحملة المفتعلة التي استلموا فيها بعض دور الرافضة علينا فتارة يقول أننا نهجر في غير محل الهجر وهذا غير صحيح، وتارة يقول أننا نلزمهم بالتقليد لنا ولم يفصح بحجة توجب ذلك البغي والعدوان وإشغال الناس بالباطل كما هو معلوم في كلامه المنشور على بعض الشبكات. والمشايخ الآخرون بالأخص الشيخ محمد الإمام والبرعي وعبيد الجابري وفلان وفلان هذا يحاول أن يلبي الغرض بكلمة وهذا بأخرى؛ وكأن الأمر مؤامرة وتسلسل فلان يقوم والآخر يعضده، أو يقوم بعده للفتنة على دماج وأهلها، نظير هيلمان الخوارج وتعبئة بعضهم بعضا بالباطل على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويتعامون عن حصول مخالفات من بعضهم لا ينكرها عليه الآخر، وقد كانوا قبل ذلك ينكرون أدنى منها. وكان من ذلك التسلسل المتكتك أن ثار الشيخ ربيع وفقه الله علينا بحملة من التهم المجازفة والرمي بأشد الغلو وأنه لا أشد منا غلوا، ولا أضر منا على الدعوة السلفية، وغير ذلك من العظائم، وتبديع أمة من الرجال والنساء الدعاة إلى توحيد الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، المؤلفين والحفاظ لكتاب الله، والقائمين في وجه أهل الأهواء من رافضة وغيرهم فيرميهم بالغلو الذي هو من أشنع البدع!!!. وزين لهم السعي لهدم جهود دعوة سلفية قائمة بالخير والهدى، وضد كل باطل يظهر في الساحة بما تستطيع من قوة، منذ قرابة نصف قرن إلى الآن، فاعتدى عليها الشيخ ربيع ومن جيشهم أو جيشوه على ذلك عافانا الله وإياهم من الفتن، بما يوجب عليهم إبراز الحجج المبرأة لهم أمام الله عز وجل وأمام صالحي عباده على موجب ومكلف هذه الفتنة، والتعصب علينا والتبديع أو التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من ذلك. وأسأل الله أن يدفع عنا وعنهم الفتن ما ظهر منها وما بطن سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
(انتهى من مقدمة "النصح الرفيع" الجزء الأول).
فمن افتراءات الشيخ ربيع على الشيخ يحيى ومن معه: (والله لا يوجد شخص اليوم على السلفيّة، كل السلفيين مُبتدعة. والله اليوم لم يبقَ أحد على السلفيّة، كل السلفيين الآن مُبتدعة باستثنـاء يحيى. كلهم مُبتدعة؛ الدُعاة، المشايخ، كلّهم تحت أقدامـه. هو "يحيى وأتباعه" يشنّون حربًا على السلفيين والسلفيّة، وأهل البِدع مرتاحون ويتفرجون)، (يحيى في السّمـاء وعُبيد مُبتدع، هذه دعوتهم) (بريطانيا، السـودان، مصر، تُركيـا، كينيـا، ليبيـا وكل الدول الآن مُلِأت كراهية ضد السلفيين والسلفيّة. لا توجد حرب مثل هذه!)، (إذا اِستمر على أسلوبه هذا فسوف يُسبّب فتنة لا نظير لها)، (يعد ولا يفِ بوعوده)، (وطلبته غُلاة غلو لا نظير له)، (لا تُطبّلوا لـه، لا تُصفّقوا لـه). (إنه أضر النّاس بالدعوة السلفيّة، لا أحد أضر من يحيى!)، (فقط دمّاج تُترك وكل المراكز الأخرى تحت الأقدام (لا شيء) باستثنـاء دمّاج. يا إخوان لدينا العديد من المدارس وكلّها تنشر منهج السّلف، يدعون إليه ويُدافعون عنه، كلهم تحت الأقدام (يقصد يحيى)، لا أحد يقول لـه أخطأت؟!! فقد ينشدون له "النّاصح الأمين .. الناصح الأمين". هذه ليست أخلاق السّلفي ولا من المنهج السّلفي، لم يترك أحد، والآن لا يُوجد سوى عدد قليل من السلفيين)، (لا يوجد سلفيين إلاّ هم! هذا غلو! دعوا هذا الغلو! دعوه) (أنتم صفّقتم له حتى وصل إلى هذا الغلو)، (الفتنة التي سبّبها في جميع أنحاء العالم بغلوه)، (والله إنها عقوبة في حين يعتقد هو أنها نِعمة. هو يعتقد هذا)، (الآن –ما شاء الله- يحيى هو إمام المُسلمين، الآن هو إمام المُسلمين ولم يبقَ أحد. هم فقط السلفيين!)، (والله لم أقل هذا إلاّ لأنه ادّعى أنه ترك كل شيء)، (لكن الذي شهدناه للآن كذب، خِداع، غلو)، (والله، رأيتم غلو طلبته هناك، لا يوجد عندهم أدب على الإطلاق).
فيا صاحب المقالة، أتقول بإصابة كلام الشيخ ربيع في الشيخ يحيى ومن معه؟
من جنس التعصب للمبطل: (يذهب الشخص إلى دمّاج ليومين، ثلاثة أو شهر أو اثنين ثم يذهب إلى أبعد مكان كروسيـا يقول: عُبَيْد، عُبَيْد، يَحْيَى، يَحْيَى)، (متى شـاء رفع نفسه إلى السماء، عُبيد في الأرض وهو في السماء).
قلت –بالله التوفيق-: يتهمنا الشيخ ربيع بالطعن في عثمان بن عفان رضي الله عنه ونحن برآء من هذه التهمة، ولم يبال الشيخ ربيع بتصريح عبيد الجابري بقوله في كعب بن مالك رضي الله عنه: (إنه لو مات على ذلك لمات ضالا مضلا). وسكت الشيخ ربيع عن ضلالات عبيد الكثيرة، وإذا طلبنا الإنصاف والعدل ونصرنا الحق وأهله اتهمنا الشيخ ربيع بإسقاط العلماء وتبديع السلفيين. سبحان الله والله أكبر.
فيا صاحب المقالة، أتصوِّب موقف الشيخ ربيع هذا؟
من جنس الفجور في الخصومات: يستمر الشيخ ربيع في اتهام التائب بما قد تاب وأعلن التوبة والبراءة: (يعني: "إمام الثقلين .. إمام الثقلين") (قولوا له لستَ إمام الإنس و الجن كما يدّعي أتباعه. كل ما نسمعه هو "إمام الثقلين .. إمام الثقلين") (كل ما نسمع: "إمام الثقلين ..).
فيا صاحب المقالة، أتصوِّب موقف الشيخ ربيع هذا؟
ومن جنس الكيل بمكيالين قوله: (و"الناصح الأمين" غلو، غلو، غلو)، (الناصح الأمين". يا أخي! النّاصح الأمين هم الأنبيـاء، أليسوا هم؟!).
قلت –بالله التوفيق-: قد أرسل الشيخ يحيى إلى الشيخ ربيع في تاريخ 18/رمضان/1423هـ ولقبَ الشيخَ ربيعاً بالناصح الأمين، ثم نشر تلك الرسالة في الناس، فلم ينتقد الشيخ ربيع بأن الشيخ يحيى قد غلا في الشيخ ربيع. ولكن إذا لقب الإمامُ الوادعي رحمه الله الشيخَ يحيى بالناصح الأمين انتقد عليه الشيخ ربيع بشدة عظيمة فقال إنه غلو لأنه إنما لقب للأنبياء عليهم السلام. سبحان الله. بل الشيخ ربيع نفسه سمى نفسه بناصح الأمين، كما وجدت في بعض المصادر.
فيا صاحب المقالة، أتصوِّب موقف الشيخ ربيع هذا؟
(والله إنه يعتقد أن هجوم الرافضة نعمة)، (والله إنه عقوبة من الله على اِفتراءه على أهل السُنة طيلة السبع سنوات الماضية)، (والله إنها عقوبة في حين يعتقد هو أنها نِعمة)، (والله لم نرَ هذا لنوع من الغلو في أهل البِدع مثلمـا رأينـا عند طلبته)، (والله، رأيتم غلو طلبته هناك، لا يوجد عندهم أدب على الإطلاق).
قلت –بالله التوفيق-: سبحان الله، هذا غلو في اتهام الأبرياء بالغلو. زلّ واحد أو اثنين أو ثلاثة وقد أعلنوا التوبة، ثم ترجمون أنتم –يا شيخ ربيع عفا الله عنكم- بتلك الزلات أكثر من سبعة آلاف السلفيين الأبرياء علمائهم وطلابهم، كثير منهم لم يشعروا بتلك الكلمات الباطلة لما أنشئت، ومن يسمع ينكر على قائلها وإن لم يخبرك بإنكاره.
فيا صاحب المقالة، أتصوِّب موقف الشيخ ربيع هذا؟
ثم في تاريخ 26 جمادى الأولى 1434 الهجري: جاءت حملة من محمد الريمي صاحب معبر على الشيخ يحيى برسالته "الاختصار لبيان ما في طريق الحجوري من أضرار". هكذا تتسلسل حملات الحسدة على حامل السنة.
ومن عجيب صنيعهم: أن كثيراً من موادّ حملاتهم: أنهم يدندنون الشبهات التي دندنها أصحاب الحدادية الجديدة من شبكات "الأثري". وقد تم دحضها منذ سنين، بحمد الله وحده.
نقتبس من قول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 112]. ومن قول سبحانه: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 121].
ومما يدل غشهم للأمة الإسلامية: أنهم طول السنين يثنون على الشيخ يحيى الحجوري ثناءات عطرة، ويحثون الناس على الاستفادة منه مع ما يكنونه من أنه مجروح عندهم بجرح مفسر. وموادّ هذا الجرح المفسر: كتابات أصحاب شبكة الأثرية الحدادية الجديدة التي سموها بـ: "أخطاء الحجوري".
فلما أضرم عبد الرحمن العدني نار الفتن على أهل السنة قام هؤلاء المشايخ بمساعدته فأخرجوا تلك "أخطاء الحجوري" التي خبؤوها عشر سنين. فما أعظم غشّهم على الأمة إن كانوا صادقين!
قال الإمام البربهاري رحمه الله: ولا يحل أن تكتم النصيحة للمسلمين – برّهم وفاجرهم – في أمر الدين، فمن كتم فقد غشّ المسلمين، ومن غشّ المسلمين فقد غشّ الدين، ومن غشّ الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. ("شرح السنة" /ص29-30/دار الآثار).
ونفس هذا الصنيع ما فعله صاحبهم عبد الله بن عبد الرحيم البخاري، حيث كان يشن حملات على الشيخ يحيى ومن معه حفظهم الله، وطعن في الإمام الوادعي رحمه الله (قبل شهر رمضان 1430 هـ تقريبا)، ثم في أواخر المكالمة ظهر خوره فقال: (هذه سجلتموها؟ سجلتم هذه المكالمة؟) قال أسامة: (نعم شيخنا سجلنا) قال عبد الله: (فليكن بينكم فقط هكذا، ولا إلى غيركم، فلا يشاع بارك الله فيكم، ولا يخرج). انظروا إلى شدة رعبه فكرر طلب الكتمان لئلا يعلمه سلفيو دماج: (فليكن بينكم فقط هكذا)، (ولا إلى غيركم)، (فلا يشاع بارك الله فيكم)، (ولا يخرج).
فلما افتضح عبد الله البخاري، وهجم عليه علماء السلفيين وطلاب العلم تظاهر بالاعتذار في شأن الإمام الوادعي رحمه الله، وتظاهر بالهدوء.
فلما أظهر الشيخ ربيع وفقه الله هجوماً ثانياً ظالماً على الشيخ يحيى حفظه الله، أظهر عبد الل البخاري هجوم ثانياً على الشيخ يحيى حفظه الله في أثناء محاضرته ثم نشرت بعنوان: "بيان حال يحيى الحجوري والمدافعين عنه".
ثم جاءت الرافضة بأذية جديدة فقتلوا خمسة من أهل أعلى دماج –رحهم الله- بعد رجوعهم من زيارة دار الحديث بدماج في عيد الفطر 1 شوال 1434 الهجري، ثم تفاقم الأمر حتى جاؤوا بتفريض حصار جديد وهجوم شديد على دار الحديث بدماج، حتى قتل منا مائتان وأربعة عشر سلفيا –من الرجال والنساء والكبار والأطفال، رحمهم الله جميعاً-.
ومشايخ "الإبانة" في شدة التخذيل. وإنما أظهر بكاء وتأسفاً مع تخطئتهم على الشيخ يحيى في بعض فتاواه في رد الفعل على الرافضة الكفرة المعتدين الحربيين.
ثم بعد صمود عظيم تحت متاعب ودماء ومجاعة وبسالة لا نظير لها في اليمن –فيما نعلم- ، وبعد نصرة الله لهم على الرافضة حيث قتل اللهُ من الرافضة عددا هائلة ولم يستطيعوا دخول دار الحديث بدماج، هجر السلفيون من الدار بتاريخ 12 ربيع الأول 1435 الهجري طاعةً لولاة الأمور.
ثم أظهر بعض الحساد غيظهم وشماتتهم فظهر تفوهاتهم في السلفيين (النطيحة المتردية) (أعطاهم الحوثيون درسا) (مسحهم الرافضة) (ذنوب الحجوري) وغير ذلك من الأقوال الرديئة.
وأظهر عبد العزيز البرعي نقولات رديئة عن الشيخ ربيع كأنه بوق له.
فيا صاحب المقالة، نبئني بعلم وإنصاف: من الظالم، ومن الظلوم؟ ومن المصيب، ومن المخطئ؟ يفترون على الشيخ يحيى ومن معه ليلاً ونهاراً، فإذا قام الشيخ -بعد صبر عظيم ورفق جسيم- بالدفاع عن نفسه صاحوا: (هو حدادي، يطعن في العلماء ولا يترك أحداً!).
الباب السادس: إذا استحكم الحسد ظهر الجور
لا يسعنا إلا أن نقول: سبحان الله، إن الحسد إذا استحكم على القلوب زالت صولة العلم والحلم على العقول، فظهر الجور في الفعل والقول.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لمن حوله: أعلموا رحمكم الله تعالى أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئاً من العلم وحرمه قرناؤه وأشكاله حسدوه، فرموه بما ليس فيه. وبئست الخصلة في أهل العلم. (كما في "مناقب الشافعي"/للبيهقي/2/ص259/مكتبة دار التراث).
وقال الإمام ابن حبان رحمه الله: وأكثر ما يوجد الحسد بين الأقران أو من تقارب الشكل لأن الكتبة لا يحسدها إلا الكتبة كما أن الحجبة لا يحسدها إلا الحجبة ولن يبلغ المرء مرتبة من مراتب هذه الدنيا إلا وجد فيها من يبغضه عليها أو يحسده فيها والحاسد خصم معاند لا يجب للعاقل أن يجعله حكما عند نائبة تحدث فإنه إن حكم لم يحكم إلا عليه وإن قصد لم يقصد إلا له وإن حرم لم يحرم إلا حظه وإن أعطى أعطى غيره وإن قعد لم يقعد إلا عنه وإن نهض لم ينهض إلا إليه وليس للمحسود عنده ذنب إلا النعم التي عنده. فليحذر المرء ما وصفت من أشكاله وأقرانه وجيرانه وبني أعمامه. ("روضة العقلاء"/ص136-137).
قال أبو العتاهية رحمه الله:
فيا رَبِّ إنّ الناس لا يُنْصفونني ... وكيفَ ولَوْ أَنصفتُهم ظَلَمُوني
وإنْ كانَ لي شيءٌ تَصدِّوْا لأخْذه ... وإن جئت أبْغِي سَيْبهم مَنَعُوني
وإن نالَهُمِ بَذْلي فلا شُكْرَ عِنْدهم ... وإن أنا لم أبذل لهم شَتَمُوني
وإن طَرَقتْني نِقْمَةٌ فَرِحُوا بها ... وإن صَحِبَتنِي نِعْمَةٌ حَسَدُوني
سَأَمْنَع قلْبِي أن يَحنَّ إليهُم ... وأحْجُب عنهم ناظِري وجُفُوني
(كما في "العقد الفريد" /1 /ص193).
كأننا في السنوات الخداعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «قبل الساعة سنون خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن وينطق فيها الرويبضة». (أخرجه الإمام أحمد بن حنبل (8440)).
في سنده فليح هو ابن سليمان، أبو يحيى المدني مولى آل زيد بن الخطاب وفليح لقب غلب عليه واسمه عبد الملك. صدوق يخطئ. ("تهذيب التهذيب"/برقم (553)).
وفيه سعيد بن عبيد بن السباق، هو أبو السباق المدني، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/ برقم (105)).
هذا السند يحتمل التحسين.
وله متابعة من عبد الملك بن قدامة ثنا إسحاق بن بكر بن أبي الفرات عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة به. وفي زيادة: قيل: وما الرويبضة؟ قال: «السفيه يتكلم في أمر العامة». (أخرجه الإمام أحمد بن حنبل (7899) وابن ماجه (4036)).
وعبد الملك بن قدامة، هو ابن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي المدني، ضعيف في الشواهد. ("تهذيب التهذيب"/ برقم (770)).
وفي إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، هو المدني، مجهول. ("تهذيب التهذيب"/برقم (463)).
وللحديث شاهد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه به. (أخرجه الإمام أحمد بن حنبل (13322) وأبو يعلى (3715)).
في سندهما عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس.
وله متابعة من ابن لهيعة فقال: نا عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك. (أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" /(3258)).
وعبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، وهو أبو طوالة المدني، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/ برقم(104)).
وعبد الله بن أبي طلحة هو عبد الله زيد بن سهل الأنصاري النجاري المدني حنكه النبي صلى الله عليه و سلم. ("تهذيب التهذيب"/ برقم (462)).
وابن لهيعة قد صرح بالتحديث، ولكنه سيء الحفظ.
وللحديث شاهد آخر لا يفرح به، من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه به. (أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (123)).
في سنده الحسين بن إسحاق التستري، شيخ الطبراني، لم أجد من يوثقه.
وفيه مسلمة بن علي هو أبو سعيد الدمشقي، منكر الحديث. ("تهذيب التهذيب"/ برقم (280)).
فالحديث بجميع متابعاته وشواهده جيد.
هكذا شأن الشيخ يحيى ومن معه: أنهم ثبتوا على الحق في شدة غربة السنة، فاتهموا باتهامات قبيحة، بيد أن الحسدة المكرة الظلمة اؤتُمنوا وصُدقوا.
وقد قال بعض المرعيين المتكبرين: إن الرويبضة هم طلاب الحجوري الذين يكتبون على العلماء!
الجواب: -بالله التوفيق-: لا ، بل الرويبضة موجود في صفكم، وهو: عرفات بن حسن بن جعفر المحمدي، بياع القات صار شيخاً مبجلاً عندكم.
وأما طلاب دماج وأمثالهم الصابرون على شتى المحن والفقر والعزلة في تلقي العلم مع الثبات على السلفية، فليسوا سفهاء بل هم فقهاء بتوفيق الله.
قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير في أمر دينه، المداوم على عبادة الله عز وجل. ("أخلاق العلماء"/ للآجري/رقم 47/صححه شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله/دار الآثار).
والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
صنعاء 22 جمادى الثانية 1435 هـ.
([1]) أخرجه البخاري (105) ومسلم (1679) عن أبي بكرة رضي الله عنه. وجاء عن غيره من الصحابة رضي الله عن الجميع.
تعليق