• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سؤال يطرح نفسه هل يصح الاستدلال بهذا القول الذي قاله ابن قيم رحمه الله في حادي الأرواح بعد بيان بطلانه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سؤال يطرح نفسه هل يصح الاستدلال بهذا القول الذي قاله ابن قيم رحمه الله في حادي الأرواح بعد بيان بطلانه

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أما بعد
    سؤال يطرح نفسه هل يصح الاستدلال بهذا القول الذي قاله ابن قيم رحمه الله في حادي الأرواح ص272 بعد بيان العلماء الحق من الباطل وان هذا يعد من زلاته رحمه الله فلا يصح الاستدلال به لأن ابن القيم رحمه الله أورد هذا الاستدلال به في الرد على من يقولون بعدم فناء النار

    ويرى أن الكفار تنالهم رحمته ولهذا أورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه وحديث الذي شك في قدرة الله وغيرها من الأقوال التي أوردها ابن القيم رحمه الله والسياق يبين بطلان ما ذهب إليه من استدل بهذا الاستدلال ومن أرادا المزيد فليراجع كتاب الشيخ زيد المدخلي رحمه الله الكتاب الطيب الأجوبة السديدة على الأسئلة الرشيدة تفصيل ماتع ومهم جدا وأحببت أن أترك التوجيه لهذا الكلام وبطلانه للعلماء والحمد لله رب العالمين
    قال الشيخ ربيع في مقاله الأخير أحاديث الشفاعة الصحيحة ......مستدلا بهذا القول الذي اورده ابن القيم رحمه الله
    قال –رحمه الله- في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-27
    "الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا فيقول: "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطفهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.
    ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه([1]) عقول البشر وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (يقول الله عز و جل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)
    1- الإمام ابن القيم بنى حكمه هنا على حديث أبي سعيد وأيده بحديث هذا الرجل الذي لم يعمل خيراً قط، وأمر أولاده أن يحرقوه...الحديث.
    ولا شك أنه يؤمن بأحاديث الشفاعة الأخرى والأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله وفضل التوحيد . انتهى كلامه
    قال الألباني رحمه الله في تحقيقه لرسالة رفع الأستار للصنعاني وتفنيد وبطلان الاستدلالات التي اعتمد عليها ابن القيم رحمه الله وبطلان التأويلات التي كانوا يعتمدون عليها في نصرة ذلك القول بيان واضح لمن أراد التجرد للحق
    والأن نترككم مع قول العلامة الألباني رحمه الله والصنعاني رحمه الله
    في بيان بطلان ماذهب اليه ابن القيم رحمه الله وشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وتعتبر من زلاتهم رحمهم الله ومن اراد المزيد فليراجع الرسالة رفع الأستار لابطال القائلين بفناء النار للصنعاني رحمه الله تحقيق الشيخ الألباني رحمه الله وهذا الذي ذكرته من مقدمة الشيخ الألباني رحمه الله لرفع الأستار للصنعاني رحمه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
    أما بعد : فإن الله تبارك وتعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سببا ولكل أمر سمى أجلا وقدر كل شيء تقديرا حسنا وكان من ذلك أنني هاجرت بنفسي وأهلي من دمشق الشام إلى عمان في أول شهر رمضان سنة ( 1400 ) فبادرت إلى بناء دار لي فيها آوي إليها ما دمت حيا فيسر الله لي ذلك بمنه وفضله وسكنتها بعد كثير من التعب والمرض أصابني من جراء ما بذلت من جهد في البناء والتأسيس ولا زلت أشكو منه شيئا قليلا والحمد لله على كل حال والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
    ولقد كان أمرا طبيعيا أن يصرفني ذلك عما كنت اعتدته في دمشق من الانكباب على العلم دراسة وتدريسا وتأليفا وتحقيقا لا سيما ومكتبتي الخاصة لا تزال في دمشق لم أتمكن من ترحيلها إلى عمان الصعوبات وعراقيل معروفة فكنت أعلل نفسي كل يوم وأمنيها بأن المياه عما قريب ستعود إلى مجاريها ولكن الرياح كثيرا ما تجري بخلاف ما يشتهي الملاح فإنه ما كاد بعض إخواننا في الأردن يشعرون بأنني استقررت في الدار حتى بدؤوا يطلبون مني أن أستأنف إلقاء الدروس التي كنت ألقيها عليهم في السنين الماضية قبل هجرتي إلى عمان حيث كنت أسافر إليها في كل شهر أو شهرين فألقي عليهم درسا أو درسين في كل سفرة وألحوا علي في الطلب وعلى الرغم من أنني ما كنت عازما على شيء من الإلقاء لأوفر ما بقي لي من نشاط وعمر لإتمام بعض مشاريعي العلمية - وما أكثرها - رأيت أنه لا بد من أحقق طلبتهم ورغبتهم الطيبة فوعدتهم خيرا وأعلنت لهم أنني سألقي عليهم درسا كل يوم خميس بعد صلاة المغرب في دار أحد إخواننا الطيبين هناك قريبا من داري . وتحقق ذلك بإذن الله تعالى فألقيت الدرس الأول ثم الثاني من كتاب ( رياض الصالحين ) [2] للإمام النووي بتحقيقي وأجبتهم بعد الدرس عن بعض أسئلتهم الكثيرة المتوفرة لديهم والتي تدل على تعطشهم ورغبتهم البالغة في العلم ومعرفة السنة .
    وبينما أنا أستعد لإلقاء الدرس الثالث إذا بي أفأجأ بما يضطرني اضطرارا لا خيار لي فيه مطلقا إلى الرجوع إلى دمشق حيث لم يبق لي فيها سكن وذلك أصيل نهار الأربعاء في 19 شوال سنة 1401 ه فوصلتها ليلا وفي حالة كئيبة جدا وأنا أضرع إلى الله تعالى أن يصرف عني شر القضاء وكيد الأعداء فلبثت فيها ليلتين وفي الثالثة سافرت بعد الاستشارة والاستخارة إلى بيروت مع كثير من الحذر والخوف لما هو معروف من كثرة الفتن والهرج والمرج القائم فيها والوصول إلى بيروت محفوف بالخطر ولكن الله تبارك وتعالى سلم ويسر فوصلت بيروت في الثلث الأول من الليل قاصدا دار أخ لي قديم وصديق وفي حميم فاستقبلني بلطفه وأدبه وكرمه المعروف وأنزلني عنده ضيفا معززا مكرما . جزاه الله خيرا .
    فلما استقر في منزله قراري وارتاح من وعثاء السفر بالي كان من الطبيعي جدا أن أهتبل فرصة هذه الغربة الطارئة فأتوجه بكليتي إلى الدراسة والمطالعة في مكتبته العامرة الزاخرة بالكتب المطبوعة منها والمخطوطة النادرة فرغبت منه أن يطلعني على فهرست المخطوطات والمصورات التي في حوزته مسجلة على البطاقات فاستجاب لذلك بكل نفس طيبة وأريحة إسلامية منه معروفة أحسن الله إليه وجزاه خيرا .
    فأخذت في البطاقات نظرا وتقليبا عما يكون فيها من الكنوز بحثا وتفتيشا حتى وقعت عيني على رسالة الإمام الصنعاني تحت اسم ( رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ) . في مجموع رقم الرسالة فيه ( 2619 ) فطلبته فإذا فيه عدة رسائل هذه الثالثة منها . فدرستها دراسة دقيقة واعية لأن مؤلفها الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى رد فيها على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ميلهما إلى القول بفناء النار بأسلوب علمي رصين دقيق ( من غير عصبية مذهبية . ولا متابعة أشعرية ولا معتزلية ) كما قال هو نفسه رحمه الله تعالى في آخرها . وقد كنت تعرضت لرد قولهما هذا منذ أكثر من عشرين سنة بإيجاز في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) في المجلد الثاني منه ( ص 71 - 75 ) بمناسبة تخريجي فيه بعض الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة التي احتجا ببعضها على ما ذهبا إليه من القول بفناء النار وبينت هناك وهاءها وضعفها وأن لابن القيم قولا آخر وهو أن النار لا تفنى أبدا وأن لابن تيمية قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار وكنت توهمت يومئذ أنه يلتقي فيها مع ابن القيم في قوله الآخر فإذا بالمؤلف الصنعاني يبين بما نقله عن ابن القيم أن الرد المشار إليه إنما يعني الرد على من قال بفناء الجنة فقط من الجهمية دون من قال بفناء النار وأنه هو نفسه - أعني ابن تيمية - يقول بفنائها وليس هذا فقط بل وأن أهلها يدخلون بعد ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار وذلك واضح كل الوضوح في الفصول الثلاثة التي عقدها ابن القيم لهذه المسألة الخطيرة في كتابه ( حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ) ( 2/167 - 228 ) وقد حشد فيها ( من خيل الأدلة ورجلها وكثيرها وقلها ودقها وجلها وأجرى فيها قلمه ونشر فيها علمه وأتى بكل ما قدر عليه من قال وقيل واستنفر كل قبيل وجيل ) كما قال المؤلف رحمه الله ولكنه أضفى بهذا الوصف على ابن تيمية وابن القيم أولى به وأحرى لأننا من طريقه عرفنا رأي ابن تيمية في هذه المسألة وبعض أقواله فيها وأما حشد الأدلة المزعومة وتكثيرها فهي من ابن القيم وصياغته وإن كان ذلك لا ينفي أنه تلقى ذلك كله أو جله من شيخه في بعض مجالسه فما عزاه إليه صراحة فهو الأصل في ذلك وما لم يعزه فلا ولذلك جريت فيما يأتي على التنبيه على ما لم يعزه إليه صراحة لأن من بركة العلم أن يعزى كل قول لقائله . وليس العكس كما هو معروف عند العلماء . وإن مما يؤيد هذا أن ابن القيم رحمه الله تعرض لهذا البحث مطولا أيضا في كتابه ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) بنحو ما في ( الحادي ) كما تراه في ( مختصر الصواعق ) للشيخ محمد بن الموصلي ( ص 218 - 239 ) فلم يذكر فيه ابن تيمية مطلقا وكذلك رأيته فعل في ( شفاء العليل ) ( ص 252 - 264 ) إلا أنه قال في آخرها :
    ( وكنت سألت عنها شيخ الإسلام قدس الله روحه فقال لي : هذه المسألة عظيمة كبيرة ولم يجب فيها بشيء . ومضى على ذلك زمن حتى رأيت في تفسير عبد بن حميد الكشي بعض تلك الآثار ( يعني أثر عمر الآتي في أول الكتاب ) فأرسلت إليه الكتاب وهو في مجلسه الأخير وعلمت على ذلك الموضع وقلت للرسول : قل له هذا الموضع يشكل عليه ولا يدرى ما هو ؟ فكتب فيها مصنفه المشهور رحمة الله عليه ) . فهذا مما يدل على أنه من الممكن أن يكون تلقاه كله عنه ولكن لا نقول به إلا في حدود ما نص هو عليه أنه من كلام ابن تيمية نفسه رحمهما الله تعالى في ( الحادي ) أو في غيره أن وجد .
    وقد وقفت في مخطوطات المكتب الإسلامي على ثلاث صفحات في ورقتين بخط لعله من خطوط القرن الحادي عشر نقلها كاتبها الذي لم يكشف عن هويته من رسالة ابن تيمية رحمه الله في الرد على من قال بفناء الجنة والنار .
    وهذه الورقات الثلاث جمعها أخي المحقق زهير الشاويش من دشت مخطوطات عنده . وانظر صورها في الصفحات ( 53 - 55 ) وهذا نصها :
    ( قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى - في رسالة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ما نصه :
    ( وأما القول بفناء النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والنزاع في ذلك معروف عن التابعين ومن بعدهم وهذا أحد المأخذين في دوام عذاب من يدخلها .
    فإن الذين يقولون : أن عذابهم له حد ينتهي إليه ليس بدائم كدوام نعيم الجنة قد يقولون : إنها قد تفنى وقد يقولون : إنهم يخرجون منها فلا يبقى فيها أحد .
    لكن قد يقال : إنهم لم يريدوا بذلك أنهم يخرجون مع بقاء العذاب فيها على غير أحد .
    وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهم رضي الله عنهم .
    وروى عبد بن حميد - وهو من أجل علماء الحديث - في تفسيره المشهور قال :
    ( أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن البصري قال : قال عمر : ( لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج [3] لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه ) .
    وقال : أخبرنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن : أن عمر بن الخطاب قال : ( لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ) . ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى : { لابثين فيها }[4].
    وهذا يبين أن مثل هذا الشيخ الكبير من علماء الحديث والسنة يروي عن مثل هؤلاء الأئمة في الحديث والسنة مثل سليمان بن حرب الذي هو من أجل علماء السنة والحديث ومثل حجاج بن منهال كلاهما عن حماد بن سلمة - مع جلالته في العلم والسنة والدين - يروي من وجهين من طريق ثابت ومن طريق حميد هذا عن الحسن البصري - الذي يقال : أنه أعلم من بقي من التابعين في زمانه - يروى عن عمر بن الخطاب وإنما سمعه الحسن من بعض التابعين سواء كان هذا قد حفظ هذا عن عمر أو لم يحفظه كان مثل هذا الحديث متداولا بين هؤلاء العلماء الأئمة لا ينكرونه وهؤلاء كانوا ينكرون على من خرج عن السنة من الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية وكان أحمد بن حنبل يقول : أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا [5] في حلوق المبتدعة .
    فهؤلاء من أعظم أعلام أهل السنة الذي ينكرون من البدع ما هو دون هذا لو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للكتاب والسنة والإجماع كما يظنه طائفة من الناس وعبد بن حميد ذكر هذا في تفسير قوله تعالى : { لابثين فيها أحقابا } [6] ليبين قول من قال : أن الأحقاب لها أمد تنفد ليست كالرزق الذي ما له من نفاد . ولا ريب أن من قال هذا القول : عمر ومن نقله عنه إنما [7] أراد بذاك جنس أهل النار الذين هم أهلها .
    فأما قوم أصيبوا بذنوب فأولئك قد علم هؤلاء وغيرهم بخروجهم منها وأنهم لا يلبثون فيها قدر عدد رمل عالج ولا قريبا من ذلك والحسن كان يروي حديث الشفاعة في أهل التوحيد وقد ذكره البخاري ومسلم عنه وكذلك حماد بن سلمة كان يجمعها ويحدث الناس بها وكذلك سليمان بن حرب وأمثاله فهذا عندهم لا يقال فيه مثل هذا ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ). [8]
    وقوله : ( يخرجون فيه ) أي يخرجون من جهنم بعد أن يفنى عذابها وينفد وينقطع فهم لا يخرجون منها بل هم خالدون في جهنم كما أخبر الله لكن انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا فلم يبق فيها عذاب وذلك أن العالم لا يعدم وجهنم في الأرض والأرض لا تعدم بالكلية لكن فناؤها بتغير حالها واستحالتها من حال إلى حال قال تعالى : { كل من عليها فان } [9] وهم لا يعدمون بل يموتون ويهلكون وكما قال تعالى { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } [10] فإذا أنفذه الرجل فقد نفد ما عنده وإن كان لم يعدم بل انتقل من حال إلى حال ) . انتهى .
    وقال فيها أيضا :
    ( والفرق بين بقاء الجنة والنار عقلا وشرعا أما شرعا فمن وجوه :
    أحدها : أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها وأما أهل النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها .
    الثاني : أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤبد في عدة آيات .
    الثالث : أن النار لم يذكر فيها شيء مما يدل على الدوام .
    والرابع : أن النار قيدها بقولها : { لابثين فيها أحقابا } [11] وقوله : { خالدين فيها إلا ما شاء الله } [12] وقوله : { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك } [13] فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة أو معلقة على شرط وذاك دائم مطلق ليس بمؤقت ولا معلق .
    الخامس : قد ثبت أنه يدخل الجنة من ينشئه الله لها ويدخلها من دخل النار أولا ويدخلها الأولاد بعمل الآباء . فثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيرا وأما النار فلا يعذب أحد إلا بذنوبه فلا يقاس هذه بهذه .
    السادس : أن الجنة من مقتضى رحمته ومغفرته والنار من عذابه وقد قال : { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } [14] وقال تعالى : { اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم } [15] وقال تعالى : { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } [16] .
    فالنعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب دوامه بدوام معاني أسمائه وصفاته .
    وأما العذاب فإنما هو من مخلوقاته والمخلوق قد يكون له انتهاء مثل الدنيا وغيرها لا سيما مخلوق خلق لحكمة يتعلق بغيره .
    الوجه السابع : أنه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء وأنه ( كتب على نفسه الرحمة ) [17]
    ( صحيح ) وقال : ( سبقت رحمتي غضبي ) [18]
    و( غلبت رحمتي غضبي ) وهذا عموم وإطلاق فإذا قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة .
    الثامن : أنه قد ثبت مع رحمته الواسعة أنه حكيم إنما يخلق لحكمة كما ذر حكمته في غير موضع فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكنا كما يوجد في الدنيا العقوبات الشرعية فيها حكمة وكذلك ما يقدره من المصائب فيه حكمة عظيمة فيها تطهير من الذنوب وتزكية للنفوس وزجر لها في المستقبل للفاعل ولغيره يجنبها غيره والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا قال في الحديث الصحيح : ( إنهم يحبسون بعد خلوصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ) [19] . والنفوس الشريرة الظالمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا تصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر فإذا عذبوا بالنار عذابا يخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولا في الحكمة كما يوجد في تعذيب الدنيا وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة .
    أما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا والآخرة لا يكون إلا في العذاب فهذا تناقض يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر من غيره ولهذا كان من الجهم [20] لما رأى ذلك ينكر أن يكون الله أرحم الراحمين وقال : بل يفعل ما يشاء . والذين سلكوا طريقته كالأشعري وغيره ليس عندهم في الحقيقة له حكمة ورحمة لكن له علم وقدرة وإرادة لا ترجح أحد الجانبين . ولهذا لما طلب منهم أن يقروا بكونه حكيما فرده بأنه عليم إذ قد يراد : يريد وليس من الثلاثة ما يقتضيه الحكمة وإذا ثبت أنه حكيم رحيم وعلم بطلان قول الجهم تعين إثبات ما تقتضيه الحكم والرحمة .
    وما قاله المعتزلة أيضا باطل فقول القدرية المجبرة والنفاة في حكمته ورحمته باطل ومن أعظم ما غلطهم اعتقادهم تأبيد جهنم فإن ذلك يستلزم ما قالوه وفساد اللازم يستلزم فساد الملزوم . انتهى ) [21] .
    وأنت ترى في هذه الصفحات المنقولة عن رسالة ابن تيمية شبها كبيرا فيما جاء فيها من الأمور بكلام ابن القيم في ( الحادي ) الذي نقل المؤلف خلاصات منه ورد عليها - مع فارق من حيث الإيجاز والبسط من جهة . وعدم تعرضه لكثير من المسائل والأحاديث والأدلة من جهة أخرى وإن كان من الممكن أن يقال : أن من الجائز أن يكون ابن تيمية قد تعرض لذلك أيضا في ( رسالته ) ولكن كاتب تلك الصفحات اختصرها كما يدل عليه قوله في أولها عن ابن تيمية : ( وأما القول بفناء النار ) . وقول الكاتب في آخر ثلث الصفحة الثانية من الثلاث : ( انتهى ) وكذا قال في آخر الثالثة أيضا . والله أعلم .
    ولقد كان أملي كبيرا في أن أجد رسالة ابن تيمية هذه محفوظة في ( مجموع الفتاوى ) التي جمعها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم في خمس وثلاثين مجلدا ولكني - مع الأسف - لم أجد لها أثرا في شيء منها بعد تقليبي لها كلها والاستعانة على ذلك بالفهارس التفصيلية الموضوعة لها وكان أقوى ظني أن يوردها تحت عنوان ( التخليد ) الموضوع في ( الفهرس ) ( 1/139 ) ولكن دون جدوى أو في ( تفسير سورة هود ) في آيتي الاستثناء فيها لكني لم أرها مع أنه أشار إليهما في فهرس السورة ( 1/291 ) فلما رجعت إلى المكان الذي أشار إليه ( 15/104 ) لم أجد فيه سوى إشارة ابن تيمية إلى الآيتين بقوله : ( ثم ذكر حال الذين سعدوا والذين شقوا ثم قال . . . ) أو في آية ( الأنعام 128 ) من تفسير هذه السورة ولكنها مما لا وجود له فيه مطلقا . أو في تفسير ( النبأ ) آية { لابثين فيها أحقابا } والقول فيه كالقول في الذي قبله إلا أنه قد أشار في ( الفهرس ) ( 1/345 ) أنها في موضعين من ( المجموع ) الأول في ( 16/194 - 197 ) والآخر في ( 18/307 ) ومع ذلك فليس للآية ذكر فيهما مطلقا نعم في الموضع الأول ( ص 197 ) ما يدل ظاهر كلامه أنه يقول بخلود الكفار في النار . ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى في ( سورة الأعلى ) : { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } . ولكنه لا ينافي قوله بفناء النار لأن له أن يقيده بقوله : ما لم تفن كما فعل بكثير من الآيات الصريحة بالخلود بل والخلود الأبدي كما سترى ذلك مع رد المؤلف عليه في الرسالة إن شاء الله تعالى .
    لكنه في الموضع الآخر قد صرح بخلاف ذلك وأن النار لا تفنى صراحة فقد جاء في الصفحة المشار إليها منه ما نصه :
    ( وسئل عن حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء : الناس وسكانها واللوح والقلم والكرسي والعرش ) فهل هذا الحديث صحيح أم لا ؟
    فأجاب : هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام بعض العلماء . وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات مما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرض وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين . . . ) .
    قلت : والظن بمن هو دون ابن تيمية علما ودينا أن لا يخالف سلف الأمة وأئمتها ولم لا وهو حامل راية الدعوة إلى أتباعهم والسير على منهجهم والتحذير من مخالفتهم والخروج عن سبيلهم كما لا يخفى ذلك على كل من اطلع على شيء من كتبه وتغذى بطرف من علمه لا سيما والنص في معنى ما ذكره محفوظ عن الإمام أحمد إمام السنة فقد ذكر في آخر كتابه ( الرد على الزنادقة ) [22] وقد حكى عن الجهمية قولهم بفناء الجنة والنار فرده عليهم بشطريه وذكر آيات كثيرة في بقاء الجنة ودوامها . ثم قال في رد قولهم بفناء النار :
    ( وذكر الله تعالى أهل النار فقال :
    { لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها } . [ فاطر/36 ] . وقال :
    { أولئك يئسوا من رحمتي } . [ العنكبوت/23 ] . وقال :
    { ولا ينالهم الله برحمته } . [ الأعراف/ 49 ] . وقال :
    { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون } . [ الزخرف/77 ] . وقال :
    { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } . [ إبراهيم /21 ] . وقال :
    { خالدين فيها أولئك هم شر البرية } . [ البينة/6 ] . وقال :
    { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } . [ النساء/56 ] . وقال :
    { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [ السجدة/30 ] . وقال :
    { إنها عليهم مؤصدة } . [ الهمزة/8 ] ) .
    هذا كله مما احتج به الإمام أحمد رحمه الله تعالى على القائلين بفناء النار وعدم دوامه وقد نقل عنه شارح قصيدة الإمام ابن القيم : ( الكافية الشافية ) [23] ( 1/97 ) أنه قال :
    ( والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف ذلك فهو مبتدع ) .
    ونحوه قول ابن حزم في ( الملل والنحل ) ( 4/83 ) :
    ( اتفقت فرق الأمة كلها على : أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ولا للنار ولا لعذابها إلا جهم بن صفوان . . . ) .
    وفي ( العقيدة الطحاوية ) ( ص 420 - بشرحها طبع المكتب الإسلامي ) :
    ( والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ) .
    ثم رأيت ابن حزم قد أورد المسألة أيضا في كتابه ( مراتب الإجماع ) فقال ( ص 173 ) :
    ( . . . وأن النار حق وأنها دار عذاب أبدا لا تفنى ولا يفني أهلها أبدا بلا نهاية ) .
    وأقره شيخ الإسلام أحمد بن تيمية خلافا لغيرها من المسائل التي تعقبه فيها .
    ومن العجيب أن هذا القول بعدم فنائها هو مما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله كما يدل عليه ظاهر كلامه في كتابه ( الروح ) ( ص 34 - طبعة صبيح ) بل ذلك ما صرح به في بعضه كتبه .
    1 - قال في ( الكافية الشافية ) :
    ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق والباقون في حيز العدم
    هي : العرش والكرسي ونار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم [24]
    2 - وأصرح منه ما كنت نقلته عنه في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) في كتابه ( الوابل الصيب ) ( ص 26 ) قال ما نصه :
    ( وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعضه ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث . ولما كان الناس على ثلاث طبقات : طيب لا يشوبه خبث . وخبيث لا طيب فيه . وآخرون فيهم خبث وطيب . كانت دورهم ثلاثة :
    دار الطيب المحض .
    ودار الخبث المحض .
    وهاتان الداران لا تفنيان .
    ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض .
    3 - تصريحه في مقدمة كتابه العظيم : ( زاد المعاد في هدى خير العباد ) بأن المشرك لا تطهره النار ولو أخرج منها عاد خبيثا كما كان وقد حرم الله عليه الجنة .
    وسيذكر المؤلف رحمه الله نص كلامه في ذلك في أول الرسالة ( ص 63 ) .
    فإن قيل : إن بعض الآيات التي احتج بها الإمام أحمد رحمه الله هي على الأقل قطعية الدلالة في ديمومة عذاب الكفار وعدم فناء النار كقوله تعالى : { لا يخفف عنهم من عذابها } وقوله : { إنكم ماكثون } وقوله : { ما لنا من محيص } وغير ذلك من الآيات التي تأولها ابن القيم وأخرجها عن دلالتها على عدم الفناء مما سيأتي ذكره في الرسالة ورد المصنف عليه . وكذلك بعض الأحاديث الصحيحة تدل دلالة قاطعة على ذلك ولا بأس من أن أذكر الآن بعضها :
    الأول : حديث أنس الطويل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه :
    ( صحيح ) ( فأخرجهم فأدخلهم الجنة فما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن . أي وجب عليه الخلود ) . رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في ( ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم ) . ( 804 - 810 ) [25] .
    الثاني : حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس [26] أصابتهم النار بذنوبهم أو قال : بخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة . . . ) الحديث .
    أخرجه مسلم ( 1/118 ) وغيره وهو مخرج في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( 1551 ) . وفي رواية عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية : { لا يموت فيها ولا يحيى } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره نحوه إلا أنه قال : ( وأما الذين ليسوا من أهل النار فإن النار تميتهم . . . . ) . ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية من رواية أبي حاتم كما في ( مجموع الفتاوى ) ( 16/195 ) .
    ووجه دلالة الحديث أنه صرح تبعا للقرآن أن الكافر لا يموت في النار ولا يحيى فإذا قيل بأن النار تفنى فإما أن يقال : تفنى بمن فيها كما هو المتبادر إن قيل بفنائها أو تفنى لوحدها دون من فيها وكلاهما باطل لأن معنى الآية كما في ( تفسير ابن كثير ) : ( أن الكافر لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه ) . فإن فني الكافر معها فقد مات واستراح . وإن حيي دونها فقد استراح منها أيضا . وكل هذا باطل بداهة فإذا انضم إلى ذلك القول بأنه يدخل الجنة فهو أبطل .
    الثالث : حديث ذبح الموت بين الجنة والنار وقد جاء عن جمع من الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم في ( الصحيحين ) وغيرهما فلنذكر حديثين منها :
    أحدهما : عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    ( صحيح ) ( يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول : يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه ) .
    أخرجه الشيخان .
    والآخر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف على السراط فيقال : يا أهل الجنة فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه فيقال : هل تعرفون هذا ؟ قالوا : نعم هذا الموت قال : فيؤمر فيذبح على الصراط ثم يقال للفريقين كلاهما : خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدا ) .
    أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد كما قال المنذري وصححه ابن حبان ( 2614 ) وأحمد ( 2/261 ) .
    قلت : ففي الحديث دلالة قاطعة على بطلان دعوى فناء النار لأنه جعلها كالجنة من حيث خلود أهلها فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد فكما أن الجنة لا تفنى أبدا فكذلك النار لا تفنى أبدا وكل ذلك واضح بين إن شاء الله تعالى .
    بعد هذا أعود فأقول : عن ما تقدم من الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار فكيف ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وانتصر له تلميذه ابن قيم الجوزية ؟
    فأقول : إن أحسن ما أجد في نفسي من الجواب عنهما إنما هو أنه لما توهما أن بعض الصحابة قد ذهبوا إلى ذلك وهم قدوتنا جميعا لو صح ذلك عنهم رواية ودراية ولم يصح كما سيأتي بيانه عند المؤلف الصنعاني رحمه الله واقترن مع ذلك غلبة الخوف عليهما من الله { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [27] والشفقة على عباده تعالى من عذابه وغمرهما الشعور بسعة رحمته وشمولها حتى للكفار منهم وساعدهما على ذلك ظواهر بعض النصوص ومفاهيمها فأذهلهما ذلك عن تلك الدلالة القاطعة وقالا ما لم يقل أحد قبلهما وما أرى لهما شبها في هذا إلا ذلك المؤمن الذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ليضل عن ربه فلا يقدر على تعذيبه زعم كما قال صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله : إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له ) .
    أخرجه الشيخان وغيرهما عن جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وهذا لفظه عند مسلم ( 8/97 ) وسيأتي عن ابن يتيمة وغيره أنه متواتر في التعليق ( 97 ) .
    فهذا الرجل أنساه خوفه من ربه قدرته تعالى على إعادة خلقه وهي معلومة يقينا { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم . قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم } [ يس/78 79 ] .
    فما أشبه ابن تيمية به من حيث أنه غفل عن المعلوم يقينا أيضا وهو أن النار باقية لا تفنى إلا أن الحامل له على ذلك إنما كان ثقته البالغة في رحمة ربه وعوه وأنها وسعت كل شيء دون ما استثناء ووافق ذلك منه خلقا كريما وطبع رحيما جبله الله عليه عرف به بين أصحابه ولا أدل على ذلك مما كتب به إليهم من سجنه الظالم في مصر :
    ( فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسه والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي . . . أسأل الله أن يتوب عليهم وأنتم تعلمون هذا من خلقي . . . ) . انظر ( مجموع الفتاوى ) ( 28/55 - 56 ) .
    وساعده على ذلك ظواهر بعض الآيات والأحاديث التي لم يمعن النظر فيها فلم يتبين له خطأ استدلاله بها حتى استقر ذلك القول في نفسه وأخذ بمجامع لبه فصار يدافع عنه ويحتج له بكل دليل يتوهمه ويتكلف في الرد على الأدلة المخالفة له تكلفا ظاهرا خلاف المعروف عنه وتبعه في ذلك بل وزاد عليه تلميذه وماشطة كتبه - كما يقو ل البعض - ابن قيم الجوزية .
    حتى ليبدو للباحث المتجرد المنصف أنهما قد سقطا فيما ينكرانه على أهل البدع والأهواء من الغلو في التأويل والابتعاد بالنصوص عن دلالتها الصريحة وحملها على ما يؤيد ويتفق مع أهوائهم كما سترى ذلك مفصلا في ( الرسالة ) هذه ( ص 116 - 122 ) حتى بلغ الأمر بهما إلى تحكيم العقل فيما لا مجال له فيه كما يفعل المعتزلة تماما وقد تعلمنا من ابن تيمية وابن القيم - جزاهما الله خيرا - الرد عليهم في مثله فزعما أن عذاب النار سبب لإزالة آثار الخبث والنجاسة من الكفار فإذا تطهروا منها عادوا إلى فطرتهم الأولى فيزول العذاب ويبقى مقتضى الرحمة ) كما سيأتي ( ص 122 ) .
    نقلا عن ابن القيم ومضى نحوه من كلام ابن تيمية . فتأمل معي في ذلك تجده كلاما خطابيا خياليا لا حقيقة تحته فإنه يفترض ذهاب تلك الخبائث وتلاشيها وزوال العذاب عن الكفار وهم في الدار الآخرة حيث لا تكليف فيها فإن من المعلوم يقينا أننا لو تخيلنا كافرا تاب إلى ربه وأناب إليه حينما رأى العذاب بأم عينيه أنه لا يفيده ذلك شيئا بالإجماع فكيف ينفعه شيء وهو لم يتب وهو في العذاب محترق ؟ تالله إنها لإحدى الكبر أن يخفى مثل هذا على أحد من المسلمين فكيف بشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم الهمام ونحن دائما نغترف من بحر علومهما ونستضيء بنور أدلتهما في إزالة الشكوك والأوهام في كثير مما اختلف فيه الناس قديما وحديثا وعلى سبيل المثال المناسب للحال أذكر هنا ملخصا فتوى لابن تيمية جاءت في ( مجموع الفتاوى ) ( 4/324 ) :
    ( سئل الشيخ رحمه الله تعالى : هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك ؟ ) .
    فأجاب :
    ( لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث بل أهل الحديث متفقون على أن ذلك كذب مختلف وإن كان قد روي بإسناد فيه مجاهيل وأمثال هذه المواضع فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذبا كما نص عليه أهل العلم فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين :
    1 - من جهة إحياء الموتى :
    2 - ومن جهة الإيمان بعد الموت .
    ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع قال الله تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما . وليس التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار } . [ النساء/17 18 ] .
    فبين الله تعالى أنه لا توبة لمن مات كافرا . وقال تعالى : { فلم يك ينفعهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون } [ غافر/85 ] فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس فكيف بعد الموت ؟ ) .
    قلت : فمن يفتي بهذا كيف يعقل أن يقول بنقيضه لولا الذهول الذي نوهت عنه بل إنه زاد على ذلك فقال ابن تيمية فيما تقدم من رسالته ( ص 13 ) :
    ( ولو قدر عذاب لا آخر له لما يكن هناك رحمة البتة )
    ويا سبحان الله أين هو من مثل قوله تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } [ الأعراف/156 ] وقوله صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فيها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة ) . أخرجه الشيخان وكذا أحمد والحاكم وصححه من طرق عن أبي هريرة بلفظ : ( فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة ) .
    وله بعض الشواهد خرجتها معه في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) رقم 1634 ) .
    فالآية الكريمة والحديث الشريف صريحان في أن الرحمة إنما هي للذين يستحقونها من المؤمنين كلما كان المؤمن لله أتقى كلما كان بها أحظى وليس الأمر كما يرجو بعض المهابيل من الذين يترنمون بقول شاعرهم البوصيري
    لعل رحمة ربي حين يقسمها تأتي على حسب العصيان في القسم
    كيف هذا وربنا يقول : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروق وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطعيون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } [ التوبة/71 ] ويقول : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } . [ البقرة/218 ] ولذلك كان من دعاء الملائكة الذين يحملون العرش : { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } [ غافر/7 ] . فكل من وقاه الله تبارك وتعالى عذاب الجحيم فهو منغمس في رحمة الله يومئذ كما هو صريح قوله عز وجل : { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرت بعد إيمانكم فذقوا العذاب بما كنتن تكفرون . وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون } [ آل عمران /106 و107 ] .
    فكيف يقول ابن تيمية :
    ( ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة ) فكأن الرحمة عنده لا تتحقق إلا بشمولها للكفار المعاندين الطاغين أليس هذا من أكبر الأدلة على خطأ ابن تيمية وبعده هو ومن تبعه عن الصواب في هذه المسألة الخطيرة ؟ فغفرانك اللهم
    ولعل ذلك كان منه إبان طلبه للعم وقبل توسعه في دراسة الكتاب والسنة وتضلعه بمعرفة الأدلة الشرعية في الوقت الذي كان يحسن الظن بابن عربي الصوفي القائل بأن عذاب الكفار في النار لا يستمر بل ينقلب عليهم إلى عذوبته يتلذذون بها كما في ( حادي الأرواح ) ( 2/168 ) فلما تبين له حاله رجع عنه كما تحدث بذلك هو نفسه فقال كما في ( مجموع الفتاوى ) ( 2/464 - 465 ) :
    ( وإنما كنت قديما ممن يحسن الظن بابن عربي ويعظمه لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من ( الفتوحات ) ( والدرة الفاخرة ) و( مطالع النجوم ) ونحو ذلك ولم نكن بعد أطلعنا على حقيقة مقصودة ولم نطالع ( الفصوص ) ونحوه . . . ) .
    ومثله جزمه بحياة الخضر عليه الصلاة والسلام مع إبطاله لحديث ( لو كان الخضر حيا لزارني ) وقوله : بل المروي في ( مسند الشافعي وغيره أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن قال إنه لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد قال ما لا علم له ) [28] . ذكر له ذلك في فتوى له تجد نصفها في ( المجموع ) ( 4/338 - 340 ) أنظر ( 10/46 ) .
    فإن المعروف عنه رحمه الله أنه يقول بموت الخضر عليه السلام كما هو قول كثير من الأئمة كالإمام البخاري وقد صرح بذلك في كثير من رسائله وفتاويه فقال في ( زيارة بيت المقدس ) ( 27/18 ) :
    ( وكذلك الذي يرون الخضر أحيانا هو جني لبس على المسلمين الذي رأوه وإلا فالخضر الذي كان مع موسى عليه السلام مات ولو كان حيا على عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به ويجاهد معه . . . ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر ولا أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدرا من أن يلبس الشيطان عليهم ولكن لبس على كثير ممن بعدهم . . . ) .
    وقال في موضع آخر ( 27/100 ) .
    ( والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لوجب أن يؤمن به ويجاهد معه . . . وإذا كان الخضر حيا دائما فكيف لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قط ولا أخبر به أمته ولا خلفاؤه الراشدين ؟ ) .
    قلت : حتى ولا ذكر ذلك لأمين سره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فمن ذا الذي يدعي بعد ذلك أنه علمه ما لم يعلم هؤلاء الأجلة العظماء رضي الله عنهم .
    وقد صرح ابن تيمية بموت الخضر في مواطن أخرى كثيرة فانظر مثلا ( 1/249 ) من ( المجموع ) أليس في ذلك دليل واضح على أن فتواه الأولى بحياة الخضر كانت في أول أمره ولا سيما وقد احتج لها بحديث الشافعي وهو موضوع كما هو مبين في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) برقم ( 5204 ) فيه القاسم بن عبد الله العمري قال أحمد : ( كان يكذب ويضع الحديث ) .
    ومن ذلك أنه كان يفتي بنجاسة الزيت ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة مثل الفأرة الميتة كما هو مذهب الشافعي وغيره اعتمادا منه على حديث أبي داود : ( إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم وإن كان مائعا فلا تقربوه ) .
    فلما تبين له أن قوله فيه : ( وإن كان مائعا فلا تقربوه ) ضعيف رجع عنه إلى القول : بعدم التفريق بين المائع والجامد وأن العبرة في كل ذلك إنما هو التغير فقال في فتوى له :
    ( وهذا هو الذي تبين لنا ولغيرنا ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك رجعنا عن الإفتاء بها بعد أن كنا نفتي بها أولا فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ) ( مجموع الفتاوى 21/515 - 516 ) [29] .
    ونحوه رجوع عن بعض أحكام المناسك التي كان قلد فيها من قبله من العلماء كما قال في ( منسكه ) ( المجموع 26/98 ) .
    ولا غرابة في أن يكون لمثله أكثر من قول واحد في بعض المسائل وأن يخطئ في بعض آخر فإن ذلك من الأمور الطبيعية التي لا يخلو منها أحد من العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن من المعلوم أن أحدهم كلما طال به الزمن في طلب العلم وتقدم به في ذلك العمر كلما ازداد به معرفة ونضجا وهذا هو السبب في كثرة الأقوال التي تروى في المسألة الواحدة عن بعض الأئمة المتبوعين وبخاصة منهم الإمامين أحمد وأبا حنيفة وتميز الإمام الشافعي من بينهم بمذهبه القديم والجديد . وهذا أبو الحسن الأشعري - إمام الأشاعرة في العقيدة - نشأ في الاعتزال أربعين عاما يناظر عليه ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموع ) ( 4/72 ) .
    وقد صرح بهذه الحقيقة الإمام أبو حنيفة رحمه الله حين نهى أبا يوسف عن تقليده فقال له :
    ( ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد ) .
    ولذلك تتابعت أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم في النهي عن تقليدهم وجرى في ذلك على سننهم كل من جاء بعدهم من العلماء المحققين من أمثال ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى وجريت أنا على هذا الذي خططوه لنا في كل ما تبين من العلم كما تراه موضحا في مقدمة ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) .
    وهذا هو السبب الذي يحملني على أن لا أحابي في ذات الله أبا أو أداري في دين الله أحدا فترانا هنا نرد على شيخ الإسلام ابن تيمية قوله بفناء النار ولا نداريه مع عظمته في نفوسنا وجلالته في قلوبنا فضلا عن أننا لا نقلده في ديننا خلافا لما عليه عامة المقلدة الذين يحملهم إجلالهم لإمامهم على تقليده ونبذ قول كل من خالف حتى ولو كان المخالف هو النبي محمدا صلى الله عليه وسلم بديل أن يتخذوه وحده قدوة ولا يشركوا معه في ذلك أحدا كما هو الواجب [30] بل إنهم ليصرحون بخلاف ذلك كما قال أحدهم اليوم في كتيب له :
    ( أفلا يحق لنا أن نعتبر من واقع غيرنا ( يعني السلفيين ) فنثبت عند أقوال الإمام الذي يسر الله تعالى لنا الاقتداء به منذ أول نشأتنا ) [31] .
    ونحن نقول بقول رب العالمين في القرآن الكريم : { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } ؟ فأين أنت يا هذا من قوله تبارك وتعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } ؟ وغير ذلك من النصوص التي توجب على كل مسلم اتباعه صلى الله عليه وسلم دون سواه { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ولكن { من لم يجعل الله له نورا فما له من نور } .
    وإذا كان هذا موقف المقلدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا يكون موقفهم من المحبين له المخلصين في الاقتداء به لا سيما إذا كان من العلماء العاملين المعروفين بالرد على كل من خالف شرعة رب العالمين كابن عربي وابن الفارض القائلين بوحدة الوجود وأن الخالق هو عين المخلوق وعلى غيرهم من علماء الكلام والمتصوفة والمقلدة وسائر الهالكين من الأنام ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإننا نرى المقلدة في كل عصر ومصر يعادونه أشد العداء لا سيما إذا عثروا له على قول خالف فيه العلماء كمسألتنا هذه فهناك تراهم يصولون ويجولون ومن عرضه ينالون وفي دينه يطعنون بل وبالكفر والضلال يصرحون كما يفعل الكوثري والحبشي وغيرهما اليوم وهم - مع الأسف - كثيرون ولكنهم غثاء كغثاء السيل لأنهم بالقرآن لا يعملون بل هن عنه يعدلون إلى تحكيم أهوائهم وإلا فأين هم من قوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } .
    فهل من العدل في شيء أن يتخذوا شيخ الإسلام رحمه الله غرضا للتكفير والتضليل لقوله هذا ونحوه من الأقاويل ولا ينبسون ببنت شفة في حق ابن عربي مثلا الذي ملأ الدنيا بالكفريات والأضاليل وهلك بسببه الألوف المؤلفة من خاصة المسلمين فضلا عن عامتهم المهابيل فضلوا جميعا عن سواء السبيل مع البون الشاسع والفرق اللامع بين الرجلين فإن عربي ليس له ذكر ولا أثر في العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والفقه كما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه الذي شهد بفضله وغزارة علمه القريب والبعيد والحبيب والبغيض فهم جميعا يغترفون من بحر علومه بأوفى نصيب فهو بحق كما قال السيد محمد رشد رضا رحمه الله تعالى :
    ( رحم الله شيخ الإسلام وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء فوالله إنه ما وصل إلينا من علم أحد منهم ما وصل إلينا من علمه : في بيان حقيقة هذا الدين وحقيقة عقائده وموافقة العقل السليم وعلومه للنقل الصحيح من كتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل لا نعرف أحدا منهم أوتي مثل ما أوتي من الحجج بين علوم النقل وعلوم العقل بأنواعها مع الاستدلال والتحقيق دون محاكاة أو تقليد ) [32] .
    وما لنا نذهب بعيدا فهناك بعض الأئمة المتقدمين ممن يقلدهم اليوم جماهير المسلمين ممن ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص مع مخالفة ذلك لأدلة الكتاب والسنة الصريحة وأقوال سلف هذه الأمة مما هو معروف ومبسوط في محله فلماذا مع ذلك يعتذر عنه بعض المقلدين وجمهورهم له يقلدون وعن ابن تيمية يزورن بل وله يعادون والحكم واحد فهلا ساقوهما مساقا واحدا واعتذروا عنهما كليهما بجامع كونهما من أفاضل العلماء الأتقياء أم الأمر كما قال الشاعر :
    وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
    ولست بالذي يتبع عثرات العلماء وإنما هي الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون فينصفون ابن تيمية ولا يظلمون وإلا فإن من فضائل ابن تيمية التي حرمها المقلدة علما وعملا تحذيره عن تتبع زلات العلماء وعن التكلم فيهم لأن الله عفا عما أخطؤوا فيه فقال في آخر رسالته في تحريم الشطرنج في ( المجموع ) ( 32/239 ) ما نصه :
    ( وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل فإن الله تعالى عفا عن المؤمنين عما أخطؤوا كما قال تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال الله : قد فعلت [33] . وأمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا ولا نتع من دونه أولياء وأمرنا أن لا نطيع مخلوقا في معصية الخالق ونستغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان فنقول : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } . [34]
    وهذا أمر واجب على المسلمين في كل ما كان يشبه هذا من الأمور ونعظم أمره تعالى بالطاعة لله ورسوله ونرعى حقوق المسلمين لا سيما أهل العلم منهم كما أمر الله ورسوله ومن عدل عن هذه الطريقة فقد عدل عن اتباع الحجة إلى اتباع الهوى في التقليد وآذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فهو من الظالمين . ومن عظم حرمات الله وأحسن إلى عباد الله كان من أولياء الله المتقين ) .
    { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } .
    وإن مما يمنع توجيه الطعن في ابن تيمية لقوله بفناء النار علاوة على ما ذكرنا آنفا أن له قولا آخر في المسألة وهو عدم فنائها كما سبق بيانه بالنقل عنه . وإذا كنا لا نعلم أي القولين هو المتأخر فمن البدهي أن الطاعن لا بد له من الجزم بأنه هو الأول ودون هذا خرط القتاد وأما نحن فإن حسن الظن الذي أمرنا به يقتضينا بأن نقول : لعله القول الآخر لأنه موافق للإجماع الذي نقله هو نفسه فضلا عن غيره كما تقدم وقد يؤيده هذا أن ابن القيم نقله أيضا كما بق في قصيدته ( الكافية الشافية ) فالظاهر أنه مات على ذلك لأنها قرئت عليه في آخر حياته فقد ترجمه الحافظ ابن رجب الحنبلي في ( طبقاته ) وذكر في آخرها ما يشعرنا بذلك فقال : ( 2/448 ) :
    ( ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها ) .

    أقول فإذا صح ظننا هذا فالحمد لله وإلا فأسوأ ما يمكن أن يقال : إنه خطأ مغفور لهما بإذن الله تعالى لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ كما جاء في الحديث الصحيح : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) . متفق عليه .
    وقد تقرر في الأصول أن الخطأ مغفور ولو في المسائل العلمية كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه وفتاويه [35] .
    هذا بالإضافة إلى ما لهما من الجهاد والبلاء الحسن في الدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة والرد على المبتدعة والفرق الضالة وتقديم الإسلام إلى المسلمين صافيا نقيا على منهج السلف الصالح وإن ما نراه اليوم في العالم الإسلامي من نهضة فكرية وعلمية ودعوة سنية سلفية فهو ثمرة من ثمار جهادهما وصبرهما جزاهما اله تعالى عن الإسلام والمسلمين خيرا .
    ولذلك رأينا المصنف رحمه الله تعالى مع أنه لم يقصر في الرد عليهما فإنه لا يذكرهما إلا مقرونا بالإجلال والإكبار وبخاصة الشيخ ابن تيمية فإنه وصفه في أول الكتاب ب ( العلامة شيخ الإسلام ) ويذكره بهذا اللقب كثيرا ووصفه في مكان آخر ( ص 120 ) بتبحره في العلوم وسعة اطلاعه على أقوال السلف والخلف ) وصدق من قال : ( إنما يعرف الفضل لذوي الفضل أهل الفضل ) [36] . أقول هذا لأن كثيرا من المقلدة المتعصبة تقزز نفوسهم من إطلاق لقب ( شيخ الإسلام ) على ابن تيمية رحمه الله تعالى حتى أن العلاء البخاري الحنفي المتعصب كفر من يلقبه به وقد رد عليه أحسن الرد الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي في كتابه القيم ( الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية ( شيخ الإسلام ) كافر ) . ذكر فيه نحو المائة من كبار العلماء المشهورين من مختلف المذاهب وكلهم يلقب ابن تيميه يلقبه : ( شيخ الإسلام ) . وقد قام بتحقيقه والتعليق عليها أخونا الأستاذ زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي جزاه الله خير الجزاء على جهده القيم .
    أقول هذا بيانا للحقيقة وإلا فأنا أعلم أن هذا اللقب وغيره مما هو مستعمل اليوم لم يكن معروفا عند السلف فالخير كله في الاتباع ولا سيما وقد صار مبتذلا في العصور المتأخرة بحيث أنهم يطلقونه نفاقا ورياء على من لا علم عنده بل هو ممن يصدق عليه المثل الشهير : لا في العير ولا في النفير ولعل من ألطاف الله تعالى بالشيخين رحمهما الله تعالى أننا لم نر أحدا - فيما أطلعنا - تبعهما على ذلك القول بالفناء فهذا شارح العقيدة الطحاوية مثلا فإنه مع كونه لا يكاد يخرج فيه عما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه ههنا ذكر أدلة هذا القول ثم ذكر أدلة القول الآخر وهي ملخصة من كلام ابن القيم ولم يرجح شيئا منهما ذكر ذلك تحت قول الطحاوي المتقدم : ( والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ) .
    وأما العلامة السفاريني فقد رأيته تعرض للموضوع في كتابه ( شرح الدرة المضية في عقد الفرق المرضية ) ونقل فيه طرفا من بحث ابن القيم ولكنه صرح بمخالفته فإنه ذكر بعض الآيات المستلزمة لدوام العذاب وحديث ذبح الموت المتقدم ثم قال ( 2/234 - 235 ) :
    ( فثبت بما ذكرنا من الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة خلود أهل الدارين خلودا مؤبدا كل بما فيه من نعيم وعذاب أليم وعلى هذا إجماع أهل السنة والجماعة فأجمعوا أن عذاب الكفار لا ينقطع كما أن نعيم أهل الجنة لا ينقطع وقد ألف العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي رسالة سماها ( توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين ) .
    وهذا ما ذهب إليه الشيخ نعمان الآلوسي فإنه تعرض للمسألة في كتابه ( جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ) ( ص 420 - 424 ) نقل فيه الأقوال السبعة في عذاب أهل النار وقال :
    ( وأما بداية النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والأصح عدم فنائها أيضا ) .
    ثم قال في قول ابن تيمية :
    ( واعلم أن الإمام ابن القيم قدس الله تعالى روحه انتصر لهذا القول انتصارا عظيما ومال إليه ميلا جسيما وذكر خمسة وعشرين دليلا ثم رجع القهقرى وقال : إن قيل : إلى أين انتهى قدمك في هذه المسألة العظيمة ؟ قيل : إلى قوله تعالى { إن ربك فعال لما يريد } وإلى هنا انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه [37] فيها حيث ذكر دخول أهل الجنة وأهل النار وما يلقاه هؤلاء وهؤلاء قال : ثم يفعل لك بعد ذلك ما يشاء . ثم قال : وما ذكرناه في هذه المسألة من صواب فمن الله سبحانه وهو المنان وما كان من خطأ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه ) .
    قلت : وقوله في ابن القيم : ( ثم رجع القهقرى وقال . . . ) نظر عندي لأنه ليس صريحا في ذلك وغاية ما يمكن أن يؤخذ منه أنه لم يجزم بما دندن حوله من الانتصار للقول بفناء النار ومناقشة أدلة المخالفين ورده عليها مما سترى الرد عليه فيها في الكتاب أن شاء الله تعالى ولكن ذلك لا ينفي ميله إلى ترجيحه إياه وإلا كانت دندنته { كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا } وهذا مما لا يليق أن يقال في مثله كما لا يخفى ويؤيد هذا أن خاتمته للبحث في ( شفاء العليل ) التي أشرت إليها آنفا أقوى في الدلالة على ما ذكرت فإنه قال ما خلاصته ( ص 264 ) :

    ( وأنا في هذه المسألة على قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه ذكر دخول أهل الجنة . . . والقول بأن النار وعذابها دائم بدوام الله خبر عن الله بما يفعله فإن لم يكن مطابقا لخبره عن نفسه بذلك وإلا كان قولا عليه بغير علم والنصوص لا تفهم ذلك . والله أعلم ) .
    قلت : فقوله : ( والنصوص لا تفهم ذلك ) صريح منه بأنه لا يختار القول ببقاء النار فهو إذن يميل إلى القول بفنائها غير أنه لا يقطع بذلك لأنه يشعر أنه ليس لديه دليل قاطع فيه وإنما هو فهمه واستنباطه ولذلك ترك فيها مجالا للأخذ والرد كما هو شأن العلماء المنصفين الذين لا يفرضون رأيهم على الآخرين لا سيما في مثل هذا الفهم الذي أجمع العلماء على خلافه ومما يؤكد ذلك قوله في خاتمة بحثه في ( الصواعق ) :
    ( . . . فتأمل هذا الوجه حق التأمل وأعطه حقه من النظر واجمع بين ذلك وبين معاني أسمائه وصفاته وما دل عليه كلام الله وكلام رسوله وما قاله الصحابة ومن بعدهم ولا تبادر إلى القول بلا علم ولا إلى الإنكار فإن أسفر لك صبح الصواب وإلا فرد الحكم إلى ما رده الله إليه بقوله { إن ربك فعال لما يريد } وتمسك بقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وقد ذكر دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ووصف حالهما ثم قال : ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء ) .
    ولكني ألاحظ في هذا النص أنه يأمر فيه من لم يتبين الصواب أن ينهي إلى قوله تعالى : { إن ربك فعال لما يريد } وقول علي المذكور وذلك ما انتهى هو إليه في خاتمة ( الحادي ) .
    فهل يعني ذلك أن ابن القيم نفسه بعد تلك المناقشة الطويلة لم يتبين له الصواب فانتهى إلى ما أمر به من لم يتبين له الصواب أم هو التردد في مثل هذه المسألة الخطيرة التي كان الأولى به أن يقف فيها حيث وقف العلماء ولا يدخل نفسه في مضايق لا قبل للعقل البشري أن يدخلها ؟
    ويؤسفني والله جدا قوله المتقدم : ( والنصوص لا تفهم ذلك ) كيف يتجرأ على مثل هذا القول والنصوص قاطعة في ذلك من الكتاب والسنة كما تقدم فلا جرم أجمعت على مدلولها الأمة . فالحق والحق أقول : لقد أصيب ابن القيم في هذه المسألة مع الأسف الشديد بآفة التأويل التي ابتلي بها أهل البدع والأهواء في مقالتهم التي خرجوا بها عن نصوص الكتاب والسنة فرد عليهم ذلك هو وشيخه ابن تيمية أحسن الرد في كتبهما الكثيرة المعروفة فما باله وقع في مثل ما وقعوا من التأويل .
    ولقد كان أوله في تأويلهما قول عمر على انقطاعه : ( لو لبث أهل النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ) . فاستدلا به على الفناء المزعوم وهو صريح في الخروج من النار وهما لا يقولان به وهكذا تأولوا كثيرا من الآثار بالفناء وهي في الخروج كما ستراه مفصلا في الكتاب بإذن الله تعالى .
    ثم قال الشيخ نعمان الآلوسي في ( محاكمة الأحمدين ) ص ( 424 ) :
    ( ونقل الوالد قدس الله تعالى روحه في ( تفسيره ) عن الفهامة ابن الجوزي : أنه ضعف بعض الآثار الواردة في ذلك . ( ثم ذكر خبر ابن عمرو الآتي ( ص 81 ) ثم قال : وأول البعض أيضا بعضها قال :
    ( وأنت تعلم أن خلود الكفار مما أجمع عليه المسلمون لا عبرة بالمخالف والقواطع أكثر من أن تحصى ولا يقاوم واحدا منها كثير من هذه الأخبار ) .
    قلت : ولو كان العلم بالتمني لتمنيت أن يكون ما عزاه العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي لابن القيم صحيحا ولكنها من أوهام العلماء فقد قال في تفسيره ( محاسن التأويل ) ( 6/2503 - 2504 ) :
    ( وقد بسط البحث وجود الإمام ابن القيم في كتابه ( حادي الأرواح ) ومع كونه انتصر لهذا القول انتصارا عظيما وذكر له خمسة وعشرين دليلا لم يصححه حيث قال : وأما أبدية النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والأصح عدم فنائها . أيضا . انتهى ) .
    فقوله : ( وأما أبدية النار . . . ) إلخ . إنما هو من كلام الشيخ نعمان الآلوسي كما تقدم نقله عنه توهمه الشيخ القاسمي - على ما كان عليه من الوعي - أنه من كلام ابن القيم وبناء عليه قال : ( لم يصححه ) فهو وهم آخر نشأ من الوهم الأول فسبحان من لا يسهو ولا يهم .
    هذا - ثم أن ابن القيم - عفا الله عنا وعنه لم يقنع بميله إلى القول بفناء نار الكفار وتخلصهم به من العذاب الأبدي في تلك الدار حتى طمع لهم في رحمة الله أن ينزلهم منازل الأبرار جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك ما يظهر لنا من بعض الأدلة التي ساقها تأييدا للقول بفناء النار وهو مما نبه عليه المؤلف رحمه الله معقبا على قول ابن القيم : ( ثم تفنى ويزول عذابها ) فقال ( ص 64 ) :
    ( يريد : ويدخل الله من كان فيها من الكفار الجنة كما ستعرفه من الأدلة التي ذكرها ) .
    وأعاد هذا المعنى في مكان آخر ( ص 120 ) .
    وإن مما لا شك فيه أن هذا الذي استظهرناه هو في الخطورة والإغراق كقوله بالفناء أن لم يكن أخطر منه لأنه كالثمرة له ولأنه لا قائل به مطلقا من المسلمين بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة للأدلة القاطعة بأن الجنة محرمة على الكفار كقوله تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار } [ المائدة/72 ] وقوله : { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } [ الأعراف/40 ] وكقوله صلى الله عليه وسلم الذي أمر الذي أمر بالمناداة به يوم حنين : ( إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ) . أخرجه البخاري ومسلم ( 01/74 ) عن أبي هريرة وله مثله عن عمر بلفظ ( . . . إلا المؤمنون ) وله شواهد فانظر ( إرواء الغليل ) ( 963 ) أن شئت . ويكفي في ذلك قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء/48 ] .
    فإننا نعلم بالضرورة أن من دخل الجنة فقد غفر الله له وعلى العكس .
    ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث له في ( المجموع ) ( 14/476 - 477 ) .
    ( ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد وهم أهل { لا إله إلا الله } ) . ثم قال : ( ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه ) .
    قلت : ومثل هذا مما لا يخفى على ابن القيم بل هو ممن صرح بذلك في غير ما موضع من كتبه فهو يقول مثلا في ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) . ( ص 89 ) :
    ( إن الله حرم الجنة على كل مشرك ) .
    بل إنه لما حكى في ( الحادي ) ( 2/169 - 170 ) قول من يقولك أن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم آخرون أبطله بعدة آيات ساقها كلها صريحة في عدم خروج أهل النار منها وكان آخرها آية الأعراف المتقدمة : { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } . قال عقبها :
    ( وهذا أبلغ ما يكون في الإخبار عن استحالة دخولهم الجنة ) .
    وحينئذ كيف يصح ما سبق من استظهارنا أن ابن القيم يميل إلى القول بأن الكفار يدخلون الجنة بعد العذاب ؟
    والذي يدور في ذهني من الجواب على وجهين :
    الأول : إما أن يقال : أن صريح كلامه ينافي ما وصل إليه باستنباطه فهو الذي ينبغي الاعتماد عليه ونسبته إليه وهو الأحب إلي .
    والآخر : أن يجمع بين الصريح والمستنبط فيقال : الصريح يريد به دخول الكافر الجنة بعد خروجه من النار فهذا هو المستحيل وأما المستنبط فإنما يريد به دخول الجنة بعد فناء النار
    وهذا الجمع وإن بدا غريبا فليس بأغرب من تفريقه بين انتهاء عذاب الكفار بخروجهم من النار فهذا مستحيل أيضا وفقا لجميع العلماء وبين انتهاء عذابهم بفناء النار فهذا أمر جائز بل واقع عنده ويجادل فيه ويصول ويجول ويتأول النصوص الصريحة المخالفة له مما لا نعرفه عنه وإنما عن أهل البدع والأهواء الذين قضى حياته هو وشيخه في الرد عليهم والكشف عن ضلالتهم .
    وبغير هذا الجمع لا يمكن أن يفهم كلامه في رده على مخالفيه فانظر إلى قوله في ( الحادي ) ( 2/185 ) :
    ( وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها فإن في القرآن دليل واحد يدل على ذلك ؟ نعم الذي دل عليه القرآن : أن الكفار خالدين في النار إلى الأبد وأنهم غير خارجين منها و. . . و. . . و. . . وليس هذا مورد النزاع وإنما النزاع في أمر آخر وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء . قال :
    ( وأما كون الكفار لا يخرجون منها و{ لا يفتر عنهم } من عذابها { ولا يقضى عليهم فيموتوا } { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجميل في سم الخياط } فلم يختلف في ذلك الصحابة والتابعون ولا أهل السنة . . .
    فهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة ) [38]
    فتأمل نقله اتفاق الصحابة ومن بعدهم على أنهم لا يدخلون الجنة كما في الآية الكريمة فإنه لا يتفق مع ميله إلى أنهم يدخلون الجنة يوما ما إلا يحمل الدخول المنفي على دخول مقرون بخروجهم نم النار والدخول المثبت على دخولهم بعد فناء النار كما ذكرنا وهذا المعنى يكاد يكون صريحا في سياق كلامه على هذه الطريق في كتابه ( شفاء العليل ) فإنه قال بعد الآيات النافية المتقدمة بما فيها الآية النافية لدخولهم الجنة قال ( ص 260 ) :
    ( وهذه الطريق لا تدل على ما ذكروه وإنما يدل على أنها ما دامت باقية فهم فيها فأين فيها ما يدل على عدم فنائها ؟ ) .
    قلت : فكأنه يريد أن يقول : وأين الدليل أيضا في الآية المذكورة على نفي دخولهم الجنة بعد فناء النار ؟
    فيا سبحان الله ما يفعل التأويل بأهله وإلى حضيض سحيق يهوون به فيه وإلا فقل لي بربك : كيف يمكن لابن القيم أن ينكر أبدية النار ببقاء أهلها فيها وعدم دخولهم الجنة مطلقا لولا تشبثه بذاك التأويل البشع وهو المعروف بمحاربته لعلماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة لتأولهم كثيرا من آيات وأحاديث الصفات كاستواء الله على عرشه ونزوله إلى السماء ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من التأويل الذي هو أيسر من تأويله فقد قال به كثير من المتأخرين خلافا للسلف وأما تأويله فلم يقل به أحد منهم لا من السلف ولا من الخلف إلا تقليدا لشيخه ولقد كان من الواجب عليه أن يلتزم بقول إمامه الذي قال ناصحا لكل سلفي :
    ( إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ) * .
    وكان في المحنة يقول :
    ( كيف أقول ما لم يقل ؟ ) [39] .
    وإن مما يتنبه له الباحث المتأمل أن يرى موقفين متباينين أشد التباين لابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه في الوقت الذي مال إلى القول بفناء النار وانتصر وله ابن القيم ذاك الانتصار الغريب المتكلف نرى ابن القيم نفسه قد عقد في ( الحادي ) ستة أبواب في مسألة أخرى هي أهون من هذه بكثير من حيث موضوعها ومن حيث اختلاف العلماء فيها ألا وهي :
    جنة آدم عليه السلام التي أهبط منها هل هي جنة الخلد التي وعد بها المتقون أم غيرها ؟ على قولين للعلماء أطال النفس فيها جدا ( ص 43 - 80 ) وذكر حجة كل منهما وما له وما عليه وعلى الرغم من أن من القائلين بأنها ليست جنة الخلد أبا حنيفة وأصحابه وابن عيينة كما حكاه ابن القيم ومال إليه هو في آخر الباب الرابع ( ص 68 - 69 ) : على الرغم من ذلك نرى شيخ الإسلام ابن تيمية يرده بكل صراحة وشدة يقول في بعض فتاويه :
    ( والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة هي جنة الخلد ومن قال إنها في الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة أو غير ذلك فهو من المتفلسفة والملحدين أو من إخوانهم المبتدعين فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة ) .
    فأقول : أليس كان الحق بمثل هذا الرد الأشد من قال بفناء النار أيا كان القائل لأنه لم يقل به أحد حتى ولا المعتزلة ولأن أدلته وهمية لا حقيقة لها كما سيفصل المؤلف القول في ذلك تفصيلا ويبين بطلانها تبيانا بحيث لا يدع شبهة إلا أطاح بها ولا متأثرا بها إلا أعاده إلى الصراط المستقيم يمشي عليه سويا .
    غير أن هناك شبهة أخرى أوردها ابن القيم رحمه الله لم أر المؤلف جزاه الله خيرا تعرض لها فلا بد لي أن أذكرها لأرد عليها بما يبدوا لي راجيا منه تعالى أن يلهمني الصواب ويعصمني من الخطأ . قال في ( الحادي ) ( 2/221 ) :
    ( لو جاء الخبر منه سبحانه صريحا بأن عذاب النار لا انتهاء له وأنه أبدي لا انقطاع له لكان ذلك وعيدا منه سبحانه والله تعالى لا يخلف وعده وأما الوعيد فمذهب أهل السنة كلهم : أن إخلافه كرم وعفو وتجاوز بمدح الرب تبارك وتعالى عليه فإنه حق له إن شاء تركه وإن شاء استوفاه والكريم لا يستوفي حقه فيكف بأكرم الأكرمين وقد صرح سبحانه في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف وعده ولم يقل في موضع واحد لا يخلف وعيده وقد روى أبو يعلى . . . . عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار ) .
    وأقول وبالله المستعان :
    أولا : قد جاءت الأخبار كتابا وسنة بأبدية النار وعذابها كما تقدم فلا داعي لإعادة وما تشبث به ابن القيم رحمه الله في خلاف ذلك مردود بل باطل كما يأتي شرحه من المؤلف رحمه الله تعالى .
    ثانيا : ما ذكره : أن مذهب أهل السنة كلهم جواز إخلاف الله لوعيده لا أعلمه بهذا الإطلاق وقد بحث شيخ الإسلام الخلاف المعروف ين المرجئة والمعتزلة في الوعد والوعيد في مناسبات شتى فلم يذكر هذا [40] بل صرح بخلافه في بعض المواطن فإنه بعد أن ذكر حديث الشفاعة وغيره في دخول بعض الموحدين النار وخروجهم منها قال : ( 16/196 ) :
    ( وفيه رد على من يقول : ( يجوز أن لا يدخل الله من أهل التوحيد أحدا النار ) كما يقوله طائفة من المرجئة والشيعة . . . ) .
    فإذا لم يجز هذا الإخلاف في حق الموحدين فكيف يجوز الإخلاف الأكبر الذي هو في حق المشركين ؟
    ثالثا : ( ولم يقل في موضع واحد : لا يخلف وعيده ) .
    فأقول : قد فاته - عفا الله عنا وعنه - قوله تعالى في ( ق : 27 - 29 ) { قال قرينة ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد . قال لا تختصموا لذي وقد قدمت إليكم بالوعيد . ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد } .
    ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عقبه ( 14/498 ) :
    ( وهذا يقتضي أنه صادق في وعيده أيضا وأن وعيده لا يبدل وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملة لا يخرجون من النار وقد تكلمنا عليهم في غير هذا الموضع لكن هذه الآية يضعف جواب من يقول : أن إخلاف الوعيد جائز فإن قوله : { ما يبدل القول لدي } بعد قوله : { وقد قدمت إليكم بالوعيد } دليل على أن وعيده لا يبدل كما لا يبدل وعده ) .
    رابعا : حديث أنس المذكور إسناده ضعيف كما كنت بنيته في ( الأحاديث الصحيحة ) ( 2463 ) وعلى فرض ثبوته فهو بمعنى قوله تعالى : { إن الله لا يفغر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وما في معناها من الأحاديث أي أن الحديث في الموحدين وليس في المشركين فهؤلاء مستثنون من المغفرة بهذه الآية وغيرها .
    وإلى هذا أشار العلامة المرتضى اليماني بقوله في ( إيثار الحق على الخلق ) ( ص 389 ) : ( والحق أن الله لا يخلف الوعيد إلا أن يكون استثنى فيه ) . وهذا مما يشعر به قول ابن تيمية نفسه في ( مجموع الفتاوى ) ( 24/375 ) فإنه قال :
    ( وأحاديث الوعيد يذكر فيها السبب وقد يتخلف موجبه لموانع تدفع ذلك إما بتوبة مقبولة وإما بحسنات ماحية وإما بمصائب مكفرة وإما بشفاعة شفيع مطاع وإما بفضل الله ورحمته ومغفرته فإنه { لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
    فهذا منه رحمه الله كالتفصيل لكلام ابن القيم وهو يقيده ويبين أن الإخلاف للوعيد إنما يكون لمانع من تلك الموانع وليس منها الشرك بداهة فإن الله لا يغفره .
    فتأمل في هذا يتبين لك خطأ ابن القيم في بعض مما يدعيه ويعزوه لأهل السنة دون قيد أو شرط فيكون ذلك مثار شبهة عنده تحمله على أن يتأول النصوص القاطعة الدلالة فيخرج بذلك عما عليه أهل السنة والجماعة فيقع في الخطأ من حيث لا يدري ولا يشعر .
    وإن من العجيب حقا أن ينفرد بالاغترار بكلامه في هذه المسألة الخطيرة العلامة السيد محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى لما تعلم عنه من استقلاله في الفهم وبعده عن الجمود والتقليد فإنه مع ذلك تابعه عليه دون كل من وقفنا على كلامه من المحققين الذين وقفوا عليه ولم يتابعوه أمثال الآلوسي أبا وابنا وغيرهما ممن سبق ذكره فقد نقل السيد رشيد كلام ابن القيم على طوله من ( حادي الأرواح ) في تفسير سورة ( الأنعام ) ( ج 8 ص 69 - 99 ) تحت ( فصل في الخلاف في أبدية النار وعذابها ) وختمه مفصحا عن إعجابه به بقوله :
    ( وإنما أوردناه بنصه على طوله لما تضمنه من الحقائق التي نوهنا بها ولأمر آخر أهم وهو أننا نعلم أن أقوى شبهات الناس من جميع الأمم على الدين قول أهل كل دين من الأديان المشهورة أنهم هم الناجون وحدهم وأكثر البشر يعذبون عذابا شديدا دائما لا ينتهي أبدا بل تمر ألوف الألوف المكررة من الأحقاب والقرون ولا يزداد إلا شدة وقوة وامتدادا مع قولهم ولا سيما المسلمين منهم : أن الله تعالى أرحم الراحمين وإن رحمة الأم العطوف الرؤوم بولدها الوحيد ليست إلا جزاءا صغيرا من رحمة الله التي وسعت كل شيء .
    وهذا البحث جدير بأن يزيل شبهة هؤلاء فيرجع المستعدون منهم إلى دين الله تعالى مذعنين لأمره ونهيه راجين رحمته خائفين عقابه الذي تقتضيه حكمته لأنهم لا يعلمون قدره ) [41] .
    قلت هذا الكلام خيال لا حقيقة له في الواقع لأن الأصل في هذه المسألة وغيرها من المسائل الاعتقادية الغيبية إنما هو الإيمان بما جاءنا عن الرحمن الرحيم العليم الحكيم كما قال في القرآن الكريم : { هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب } .
    وهو الإيمان بكل ما غاب عن عقلك فمن لم يؤمن بما أخبر به تعالى من خلود الكافرين في النار أبد العابدين لأن عقله لم يقبله فلن يؤمن بعقاب يبلغ مئات السنين أخبر به رب العالمين في مثل آية { لابثين فيها أحقابا } ولو على افتراض أن له أمد منتهيا ( لا يعلمون قدره ) إذ أن لبثهم هذه المدة الطويلة التي تزيد على مدة عمرهم الذي قضوه كافرين أضعافا مضاعفة فلو أراد أحد أن يقنعهم بها وأنها عدل من الله فلن يصل إلى نتيجة معهم أبدا اللهم إلا من طريق الإيمان بالله ورسوله .
    وإذا كان الأمر كذلك فمن العبث بل من الضلال أن يحاول أحد إقناع المشركين في أصل الدين ببعض ما جاء فيه من العقائد من طريق العقل المجرد عن الإيمان فإن هذا مع كونه لا يثمر معهم إلا الخسران فإنه ليس من سبيل المؤمنين بل هو سبيل المتأثرين بالفلسفة وعلم الكلام الذي حملهم إلى تأول آيات وأحاديث الصفات وتفسيرها بما يتناسب مع عقولهم وأهواء أمثالهم من ضعفاء الإيمان وربما فعل ذلك بعضهم لإقناع الآخرين وإن كان هو في قرارة نفسه لا يؤمن بذلك التأويل فهل يمكن أن يكون كلام السيد رشيد رضا من هذا القبيل بغية إرشاد من ضل عن سواء السبيل ؟
    فقد كنت لقيت رجلا فاضلا في بعض أسفاري إلى المغرب منذ بعض سنين يظهر أنه سلفي العقيدة فزرته في داره .
    ودار البحث في الدعوة السلفية هناك وإذا به يصرح بأنه لا يرى مانعا في سبيل تقريب الناس إليها من تأويل آيات الصفات وأحاديثها لإقناع المخالفين
    فقلت له : عجبا كيف يمكن أن يكون هذا ؟ إذ كيف تقدم إليهم معنى للنص أنت تؤمن بخلافه أولا ثم كيف تكون قد دعوته إلى مذهبك السلفي وقد قدمت إليه المعني الخلفي ؟ أن أخشى ما أخشاه أن يكون هذا من باب قول من قال : ( وداوني بالتي كانت هي الداء وختاما أقول : لقد خرجت من دراستي لهذه الرسالة النافعة للأمير الصنعاني رحمه الله تعالى بالعبر الآتية :
    الأولى : أنني ازددت إيمانا ويقينا بالقول المأثور عن جمع من الأئمة : ( ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) [42] . فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية زلت به القدم فقال قولا لم يسبق إليه ولا قام الدليل عليه ومن هنا قالوا : ( زلة العالم زلة العالم ) فلو أننا كنا مبتلين بتقليده كما ابتلي كل مقلد بتقليد إمامه لزللنا بزلته ولذلك قالوا : ( الحق لا يعرف بالرجل اعرف الحق تعرف الرجال ) .
    فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

    الثانية : بطلان الخرافة التي يطلقها اليوم كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين وفيهم بعض من يجلون شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الخلاف في الفروع وليس في الأصول .
    وقد يسارع بعض الجاحدين لعلم شيخ الإسلام وفضله الحاقدين عليه لرده على أهل الأهواء والمبتدعة المبغضين له لإخلاصه في الدعوة لاتباع الكتاب والسنة فيقول : إنما الخلاف في الأصول من ابن تيمية وأمثاله المخالفين للجمهور والمثال أمامك .
    فأقول : كذبت والله فإن الخلاف المذموم إنما يكون من المصرين عليه بعدما تبين لهم الحق كما في قوله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .
    والشيخ رحمه الله لم يعرف يوما بالإصرار على الخطأ مهما كان نوعه بدليل رجوعه عن كثير من آرائه التي كان عليها بعدما تبين له الحق وقد ذكرنا فيما سبق نماذج منها وأما خلافه في هذه المسألة فهي زلة منه بلا شك يغفرها الله له إن شاء الله تعالى كفاه جهاده في سبيل الله إلى آخر رمق من حياته حتى توفي في سجن دمشق مظلوما بعيدا عن أهله وتلامذته وكتبه ولغير ذلك من الأسباب التي سبق التحدث عنها .
    والخلاف المذموم حقا : إنما هو من أولئك المقلدين الذين يصرون على التدين بالتقليد والإعراض عن الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة والإخلاص له في اتباعه وحده دون سواه الذي هو من لوازم الشهادة له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا بطاعته استقلالا لا يشاركه في ذلك أحد من البشر في غير ما آية من آيات الله تبارك وتعالى فأي خلاف شر من هذا الذي عليه المقلد هذا الذي يظل { يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشرها بعذاب أليم } [ الجاثية/8 ] .
    فالخلاف حقيقة واقعة - مع الأسف - أصولا وفروعا فلا يجوز تجاهلها أو الرضا بها وإنما يجب على أهل العلم أن يحاولوا في كل قطر ومصر تقليله قدر الاستطاعة ولا سبيل إلى ذلك إلا بشيء واحد وهو تحكيم الكتاب والسنة في كل خلاف كما هو صريح قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } .
    الثالثة : لقد وجدت في هذه الدراسة مثلا جديدا يضاف إلى الأمثلة العديدة التي كنت ولا أزال أشير إليها في كتابي ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها الشيء في الأمة ) نصحا وتحذيرا لأن من آثارها السيئة أنها تصرف كثيرا من العلماء والفقهاء فضلا عن غيرهم عن تبني الحكم الصحيح فيما هم فيه مختلفون من العقائد والأحكام وقد تكون معارضته لنص أو نصوص في الكتاب والسنة الصحيحة فقد وجدت أن الذي فتح لابن تيمية وابن القيم باب التورط في القول بفناء النار إنما هو بعض الآثار المروية عن بعض الصحابة والأحاديث المرفوعة جلها لا تصح أسانيدها وعمدتها منها وأبرزها أثر عمر رضي الله عنه : ( لو لبث أهل النار في النار قدر رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ) وإن حاولا تقوية إسناده بتكلف ظاهر لمخالفة ذلك المقرر في علم مصطلح الحديث وقد بينه المؤلف رحمه الله بيانا شافيا لكنه قد تابع ابن القيم في السكوت عن أسانيد سائرها فاشترك معه في إيهام القراء ثبوتها ولا سيما وفي بعضها ما هو موضوع كحديث أنس وحديث أبي أمامة ( ص 82 ) وحديث جابر ( ص 84 ) وحديث أبي أمامة الآخر ( ص 138 ) .
    إلى غير ذلك من الروايات الواهية كحديث أبي هريرة ( ص 115 ) وزاد المؤلف عليها أحاديث أخرى لكنها لم تبلغ مرتبة الوضع مع كونها لا علاقة لها مباشرة بالرد كحديث ابن مسعود وغيره ( ص 70 ) وحديث الجهني ( ص 103 ) وحديث أبي الدرداء ( ص 134 ) وغيرها مما قد يكون فيها ما هو صحيح ثابت لا يتميز عند القارئ بعضها من بعض لدخولها كلها في دائرة المسكوت عنه
    من أجل ذلك رأيت من واجبي أن أبين في التعليق مراتب تلك الأحاديث وأميز صحيحها من سقيمها وضعيفها من موضوعها ليكون القراء الكرام على هدى من أمرها راجيا أن يشاركوني في هذه العبرة وأن تكون حافزا لهم على أن يتذكروا معي حقيقة علمية منهجية هامة طالما أهمل القيام بها جماهير العلماء والكتاب قديما وحديثا ولم يقم بحقها سوى أفراد منهم قليلين جدا ألا وهي :
    أنه يجب على كل باحث أو كاتب في موضوع شرعي يقوم على الاستدلال بعض الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم .
    أن يضع تلك الأحاديث بين يديه ويجري عليها تحقيقا دقيقا لمعرفة درجتها صحة وضعفا فما كان منها صحيحا احتفظ به واعتمده .
    وما كان ضعيفا نظر فإن كان شديد الضعف أهمله مطلقا وتركه وإلا احتفظ به كشاهد مع التنبيه على ذلك ثم يتجه بعد هذه التصفية إلى البحث الذي هو في صدده فيحرره ويستدل له بما صح من الأحاديث ويتفقه فيها .
    واعلم يا أخي المسلم أن كل من لم ينهج هذا النهج العلمي الصحيح في بحثه فلن يصل إلى الصواب الذي ينشده إلا رمية من غير رام بل هو على الغالب ينتهي الأمر به إلى انحرافات خطيرة لا ينجيه من الوقوع فيها أنهم كانوا غير قاصدين لها ما دام أنهم لا يسلكوا السبيل التي تحفظهم من ذلك وقد قيل :
    ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
    ولعله مما لا خفاء به أن من لم ينهج هذا النهج العلمي وأهمله فإنه معرض لأن يؤاخذه ربه لأنه قضى ما لا علم له به وقد قال تعالى في كتابه : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } .
    وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ( قاضيان في النار ) : ( . . . ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ) .
    رواه أصحاب السنن وغيره وهو مخرج في ( إرواء الغليل ) برقم ( 2614 ) .
    وهذا بخلاف ما لو تبنى هذا المنهج في بحثه وضم إليه - طبعا - مما لا بد من المعرفة باللغة وأصول الفقه وغيره فهو مأجور ولو أخطأ لقوله صلى الله عليه وسلم :
    ( إذا حكم الحاكم ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد ) .
    أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في ( الإرواء ) برقم ( 2598 ) .
    وأنا حين أذكر بهذا الواجب أعلم _ والأسف يملأ قلبي - أنه لا يستطيع القيامة به إذا القليل جدا من العلماء المستقلين لانصراف الجماهير منهم عن دراسة أصول الحديث وتراجم رواته وتاريخهم الأمر الذي لا بد منه لكل من يريد التمكن من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف بنفسه مع التوسع في تتبع طرق الحديث وشواهده من مختلف المصادر الحديثية المطبوعة منها والمخطوطة مقرونا بالصبر والأناة وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام كما يفعل بعض الناشئة اليوم .
    غير أن هذا لا يعني إعفاءهم من واجب الاستعانة على التمييز بأهل العلم بذلك والمتخصصين فيه كما يستعين الجاهل بالفقه مثلا بالفقهاء - ولا أقول المتفقهة - فيسألهم عن كل ما نزل به أو ما كان بحاجة إلى معرفته إعمالا لقول ربه : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وتجاوبا مع حديث نبيه : ( ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال ) .
    رواه أبو داود وغيره وهو مخرج في ( صحيح أبي داود ) ( 364 ) .
    وذلك كله يكون إما بسؤالهم مباشرة وجها لوجه إن تيسر وإما بالرجوع إلى كتبهم وهو متيسر والحمد لله وقد كنت ذكرت طائفة من الكتب الحديثية التي تساعد الباحث على القيام بهذا الواجب في مقدمة ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) فليرجع إليه من شاء .
    هذا وعلاوة على تخريج أحاديث الرسالة وتمييز صحيحها من ضعيفها فقد قمت بتعليقات أخرى مفيدة إن شاء الله تعالى وترجمت لبعض الأعلام كما خرجت كل الآيات الكريمة الواردة فيها واجتهدت في تصحيح بعض الأخطاء التي وقعت فيها وإملاء الفراغات التي نتجت من تسلط الأرضة على نسختها حتى ذهب منها بعض الألفاظ إما بالرجوع إلى الأصل الذي نقل عنه المصنف وإما بالنظر في السباق والسياق ونبهت على ذلك غالبا بوضع المستدرك بين معكوفتين [ ] راجيا من الله تعالى أن ييسر لنا الوقوف على نسخة أخرى نستعين بها على تدارك ذلك على الوجه الأكمل في طبعة أخرى إن شاء الله تعالى .
    فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها واحفظها من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين .
    والله تعالى أسأل أن يتقبل مني عملي هذا وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يكشف عني ما أهمني ويرفع عن المسلمين جميعا ما هم فيه من البلاء وتسلط الأعداء إنه سميع مجيب .
    وسبحانك الله وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك .
    بيروت 21 ذي الحجة سنة 1401 ه .
    محمد ناصر الدين الألباني


    .

    [2] ( 1 ) هذا في طبعته الأولى التي صدرت بظروف قاهرة غير أننا أعدنا صفه وطبعه مجددا في طبعة متقنة مفهرسة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . - زهير - .


    [3] ( 1 ) هو رمل كثير جدا مسيرة أربع ليال بين فيد والقريات .

    [4] ( 2 ) سورة النبأ الآية ( 23 ) .

    [5] ( 1 ) الشجا : كل ما اعترض في حلق الإنسان والدابة من عظم أو عود أو غيرها وأراد هنا أنه يمنعهم عن نشر كلامهم الباطل وكثيرا ما أثنى الإمام أحمد وغيره على حماد فقد كان من الأعلام . وقال عنه القطان : إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام أنظر مسائل الإمام أحمد لابن هانئ 2/197 و207 بتحقيقي . - زهير - .

    [6] ( 2 ) سورة النبأ الآية ( 23 ) .

    [7] ( 3 ) الأصل : ( إن ) .

    [8] ( 4 ) أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( 1551 ) . وأنظر ( مختصر صحيح مسلم ) رقم ( 87 ) .

    [9] ( 5 ) سورة الرحمن الآية ( 26 ) .


    [10] ( 1 ) سورة النحل الآية ( 96 ) .

    [11] ( 2 ) سورة النبأ الآية ( 23 ) .

    [12] ( 3 ) سورة الأنعام الآية ( 128 ) .

    [13] ( 4 ) سورة هود الآية ( 107 ) .

    [14] ( 5 ) سورة الحجر الآية ( 49 - 50 )

    [15] ( 6 ) سورة المائدة الآية ( 98 ) .

    [16] ( 6 ) سورة الأعراف الآية ( 167 ) .


    [17] ( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى { وسعت رحمتي كل شيء } الأعراف الآية ( 156 ) .

    [18] ( 2 ) وانظر ( صحيح الجامع الصغير ) ( 4198 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه وانظر ( السنة ) لابن أبي عاصم بتحقيق الألباني ( 608 ) و( 609 ) وهما من طبع المكتب الإسلامي .

    [19] ( 3 ) هو الجهم بن صفوان المقتول سنة 124 ه طبع المكتب الإسلامي .

    [20] ( 4 ) رواه البخاري وغيره وهو مخرج في ( ظلال الجنة في تخريج السنة ) لابن أبي عاصم ( 857 - 858 ) .

    [21] ( 1 ) هنا انتهت الصفحات الثلاث المخطوطة .


    [22] ( 1 ) وهو من المراجع المعتمدة عند ابن تيمية وغيره فانظر مثلا ( مجموع الفتاوى ) ( 3/4 . 66/96 - 6 . 217 . 70/8 . 153/13 . 416 . 409 . 385/15 . 310 . 144/17 . 472 . 408 . 213/414 . 391 ) .


    [23] ( 1 ) هي القصيدة الطويلة في العقيدة للإمام ابن القيم وقد شرحها الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في كتاب ( توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم ) طبع المكتب الإسلامي - زهير - .

    [24] ( 1 ) ( توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم ) 1/69 .


    [25] ( 1 ) مع كتاب ( السنة لأستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني طبع المكتب الإسلامي .





    [27] ( 1 ) سورة الرحمن الآية ( 46 ) .


    [28] ( 1 ) يشير إلى حديث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واجتماع الصحابة حوله ومجيء الخضر عليه السلام وتعزيته إياهم وهو حديث موضوع خرجته في ( الضعيفة ) ( 5204 ) .


    [29] ( 1 ) وانظر ( المسائل الماردينية ) لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق زهير الشاويش ص 27 طبع المكتب الإسلامي .


    [30] ( 1 ) انظر كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي في ( صفة الصلاة ) ( ص 32 - 33 ) الطبعة العاشرة نشر المكتب الإسلامي .

    [31] ( 2 ) انظر مقدمتي للطبعة الثالثة لكتاب ( الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات ) للشيخ نعمان الآلوسي بتحقيقي ونشر المكتب الإسلامي .


    [32] ( 1 ) من مقدمة ( مجموعة الفتاوى ) .

    [33] ( 1 ) رواه مسلم .


    [34] ( 1 ) سورة الحشر الآية 10 : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } .

    [35] ( 2 ) انظر ( مجموع ( الفتاوى ) ( 19/403 و30/19 - 36 ) .


    [36] ( 1 ) وقد روى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح بل هو موضوع كما هو مبين عندي في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) ( 3227 ) .


    [37] ( 1 ) الأصل : كرم الله تعالى وجهه . والتصويب من ( حادي الأرواح ) ( 2/228 ) وقد ذكر ابن القيم نحو هذه الخاتمة وأطول في ( شفاء العليل ) ( ص 264 ) .


    [38] ( 1 ) وقد لخص المؤلف رحمه الله هذا الكلام ورد عليه في مواطن منها ( ص 118 ) .


    * ( * ) وهذاكثير في كلام الإمام أحمد . انظر ما طبعنا من مسائله وهي : مسائل ابنه عبدالله وتلميذه ابن هانئ النيسابوي والخرقي . - زهير - .

    [39] ( 1 ) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) ( 10/320 - 341 ) .


    [40] ( 1 ) انظر ( فهرس مجموع الفتاوى ) ( أحكام عصاة الموحدين - الوعد والعيد ) ( 1/137 - 138 ) .


    [41] ( 1 ) وقد أشرنا إلى الصواب في التعليق على ( مختصر تفسير المنار ) ج2/541 مع أنه السيد رشيد رضا - رحمه الله - لم يسترسل فيه وهذا يدلك على فوائد مختصر المنار وتعليقات الشيخ محمد كنعان وقد قمت بمراجعته وهو من مطبوعات المكتب الإسلامي .


    [42] ( 1 ) انظر ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) ( ص 26 - 27 - الطبعة العاشرة ) .
    التعديل الأخير تم بواسطة مختار بن عيسى المسيلي; الساعة 20-04-2014, 03:41 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أيها الباحث

    المشاركة الأصلية بواسطة مختار بن عيسى المسيلي مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أما بعد
    سؤال يطرح نفسه هل يصح الاستدلال بهذا القول الذي قاله ابن قيم رحمه الله في حادي الأرواح ص272 بعد بيان العلماء الحق من الباطل وان هذا يعد من زلاته رحمه الله فلا يصح الاستدلال به لأن ابن القيم رحمه الله أورد هذا الاستدلال به في الرد على من يقولون بعدم فناء النار

    ويرى أن الكفار تنالهم رحمته ولهذا أورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه وحديث الذي شك في قدرة الله وغيرها من الأقوال التي أوردها ابن القيم رحمه الله والسياق يبين بطلان ما ذهب إليه من استدل بهذا الاستدلال ومن أرادا المزيد فليراجع كتاب الشيخ زيد المدخلي رحمه الله الكتاب الطيب الأجوبة السديدة على الأسئلة الرشيدة تفصيل ماتع ومهم جدا وأحببت أن أترك التوجيه لهذا الكلام وبطلانه للعلماء والحمد لله رب العالمين
    قال الشيخ ربيع في مقاله الأخير أحاديث الشفاعة الصحيحة ......مستدلا بهذا القول الذي اورده ابن القيم رحمه الله
    قال –رحمه الله- في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-27
    "الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا فيقول: "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطفهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.
    ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه([1]) عقول البشر وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (يقول الله عز و جل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)
    1- الإمام ابن القيم بنى حكمه هنا على حديث أبي سعيد وأيده بحديث هذا الرجل الذي لم يعمل خيراً قط، وأمر أولاده أن يحرقوه...الحديث.
    ولا شك أنه يؤمن بأحاديث الشفاعة الأخرى والأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله وفضل التوحيد . انتهى كلامه
    قال الألباني رحمه الله في تحقيقه لرسالة رفع الأستار للصنعاني وتفنيد وبطلان الاستدلالات التي اعتمد عليها ابن القيم رحمه الله وبطلان التأويلات التي كانوا يعتمدون عليها في نصرة ذلك القول بيان واضح لمن أراد التجرد للحق
    والأن نترككم مع قول العلامة الألباني رحمه الله والصنعاني رحمه الله
    في بيان بطلان ماذهب اليه ابن القيم رحمه الله وشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وتعتبر من زلاتهم رحمهم الله ومن اراد المزيد فليراجع الرسالة رفع الأستار لابطال القائلين بفناء النار للصنعاني رحمه الله تحقيق الشيخ الألباني رحمه الله وهذا الذي ذكرته من مقدمة الشيخ الألباني رحمه الله لرفع الأستار للصنعاني رحمه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
    أما بعد : فإن الله تبارك وتعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سببا ولكل أمر سمى أجلا وقدر كل شيء تقديرا حسنا وكان من ذلك أنني هاجرت بنفسي وأهلي من دمشق الشام إلى عمان في أول شهر رمضان سنة ( 1400 ) فبادرت إلى بناء دار لي فيها آوي إليها ما دمت حيا فيسر الله لي ذلك بمنه وفضله وسكنتها بعد كثير من التعب والمرض أصابني من جراء ما بذلت من جهد في البناء والتأسيس ولا زلت أشكو منه شيئا قليلا والحمد لله على كل حال والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
    ولقد كان أمرا طبيعيا أن يصرفني ذلك عما كنت اعتدته في دمشق من الانكباب على العلم دراسة وتدريسا وتأليفا وتحقيقا لا سيما ومكتبتي الخاصة لا تزال في دمشق لم أتمكن من ترحيلها إلى عمان الصعوبات وعراقيل معروفة فكنت أعلل نفسي كل يوم وأمنيها بأن المياه عما قريب ستعود إلى مجاريها ولكن الرياح كثيرا ما تجري بخلاف ما يشتهي الملاح فإنه ما كاد بعض إخواننا في الأردن يشعرون بأنني استقررت في الدار حتى بدؤوا يطلبون مني أن أستأنف إلقاء الدروس التي كنت ألقيها عليهم في السنين الماضية قبل هجرتي إلى عمان حيث كنت أسافر إليها في كل شهر أو شهرين فألقي عليهم درسا أو درسين في كل سفرة وألحوا علي في الطلب وعلى الرغم من أنني ما كنت عازما على شيء من الإلقاء لأوفر ما بقي لي من نشاط وعمر لإتمام بعض مشاريعي العلمية - وما أكثرها - رأيت أنه لا بد من أحقق طلبتهم ورغبتهم الطيبة فوعدتهم خيرا وأعلنت لهم أنني سألقي عليهم درسا كل يوم خميس بعد صلاة المغرب في دار أحد إخواننا الطيبين هناك قريبا من داري . وتحقق ذلك بإذن الله تعالى فألقيت الدرس الأول ثم الثاني من كتاب ( رياض الصالحين ) [2] للإمام النووي بتحقيقي وأجبتهم بعد الدرس عن بعض أسئلتهم الكثيرة المتوفرة لديهم والتي تدل على تعطشهم ورغبتهم البالغة في العلم ومعرفة السنة .
    وبينما أنا أستعد لإلقاء الدرس الثالث إذا بي أفأجأ بما يضطرني اضطرارا لا خيار لي فيه مطلقا إلى الرجوع إلى دمشق حيث لم يبق لي فيها سكن وذلك أصيل نهار الأربعاء في 19 شوال سنة 1401 ه فوصلتها ليلا وفي حالة كئيبة جدا وأنا أضرع إلى الله تعالى أن يصرف عني شر القضاء وكيد الأعداء فلبثت فيها ليلتين وفي الثالثة سافرت بعد الاستشارة والاستخارة إلى بيروت مع كثير من الحذر والخوف لما هو معروف من كثرة الفتن والهرج والمرج القائم فيها والوصول إلى بيروت محفوف بالخطر ولكن الله تبارك وتعالى سلم ويسر فوصلت بيروت في الثلث الأول من الليل قاصدا دار أخ لي قديم وصديق وفي حميم فاستقبلني بلطفه وأدبه وكرمه المعروف وأنزلني عنده ضيفا معززا مكرما . جزاه الله خيرا .
    فلما استقر في منزله قراري وارتاح من وعثاء السفر بالي كان من الطبيعي جدا أن أهتبل فرصة هذه الغربة الطارئة فأتوجه بكليتي إلى الدراسة والمطالعة في مكتبته العامرة الزاخرة بالكتب المطبوعة منها والمخطوطة النادرة فرغبت منه أن يطلعني على فهرست المخطوطات والمصورات التي في حوزته مسجلة على البطاقات فاستجاب لذلك بكل نفس طيبة وأريحة إسلامية منه معروفة أحسن الله إليه وجزاه خيرا .
    فأخذت في البطاقات نظرا وتقليبا عما يكون فيها من الكنوز بحثا وتفتيشا حتى وقعت عيني على رسالة الإمام الصنعاني تحت اسم ( رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ) . في مجموع رقم الرسالة فيه ( 2619 ) فطلبته فإذا فيه عدة رسائل هذه الثالثة منها . فدرستها دراسة دقيقة واعية لأن مؤلفها الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى رد فيها على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ميلهما إلى القول بفناء النار بأسلوب علمي رصين دقيق ( من غير عصبية مذهبية . ولا متابعة أشعرية ولا معتزلية ) كما قال هو نفسه رحمه الله تعالى في آخرها . وقد كنت تعرضت لرد قولهما هذا منذ أكثر من عشرين سنة بإيجاز في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) في المجلد الثاني منه ( ص 71 - 75 ) بمناسبة تخريجي فيه بعض الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة التي احتجا ببعضها على ما ذهبا إليه من القول بفناء النار وبينت هناك وهاءها وضعفها وأن لابن القيم قولا آخر وهو أن النار لا تفنى أبدا وأن لابن تيمية قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار وكنت توهمت يومئذ أنه يلتقي فيها مع ابن القيم في قوله الآخر فإذا بالمؤلف الصنعاني يبين بما نقله عن ابن القيم أن الرد المشار إليه إنما يعني الرد على من قال بفناء الجنة فقط من الجهمية دون من قال بفناء النار وأنه هو نفسه - أعني ابن تيمية - يقول بفنائها وليس هذا فقط بل وأن أهلها يدخلون بعد ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار وذلك واضح كل الوضوح في الفصول الثلاثة التي عقدها ابن القيم لهذه المسألة الخطيرة في كتابه ( حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ) ( 2/167 - 228 ) وقد حشد فيها ( من خيل الأدلة ورجلها وكثيرها وقلها ودقها وجلها وأجرى فيها قلمه ونشر فيها علمه وأتى بكل ما قدر عليه من قال وقيل واستنفر كل قبيل وجيل ) كما قال المؤلف رحمه الله ولكنه أضفى بهذا الوصف على ابن تيمية وابن القيم أولى به وأحرى لأننا من طريقه عرفنا رأي ابن تيمية في هذه المسألة وبعض أقواله فيها وأما حشد الأدلة المزعومة وتكثيرها فهي من ابن القيم وصياغته وإن كان ذلك لا ينفي أنه تلقى ذلك كله أو جله من شيخه في بعض مجالسه فما عزاه إليه صراحة فهو الأصل في ذلك وما لم يعزه فلا ولذلك جريت فيما يأتي على التنبيه على ما لم يعزه إليه صراحة لأن من بركة العلم أن يعزى كل قول لقائله . وليس العكس كما هو معروف عند العلماء . وإن مما يؤيد هذا أن ابن القيم رحمه الله تعرض لهذا البحث مطولا أيضا في كتابه ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) بنحو ما في ( الحادي ) كما تراه في ( مختصر الصواعق ) للشيخ محمد بن الموصلي ( ص 218 - 239 ) فلم يذكر فيه ابن تيمية مطلقا وكذلك رأيته فعل في ( شفاء العليل ) ( ص 252 - 264 ) إلا أنه قال في آخرها :
    ( وكنت سألت عنها شيخ الإسلام قدس الله روحه فقال لي : هذه المسألة عظيمة كبيرة ولم يجب فيها بشيء . ومضى على ذلك زمن حتى رأيت في تفسير عبد بن حميد الكشي بعض تلك الآثار ( يعني أثر عمر الآتي في أول الكتاب ) فأرسلت إليه الكتاب وهو في مجلسه الأخير وعلمت على ذلك الموضع وقلت للرسول : قل له هذا الموضع يشكل عليه ولا يدرى ما هو ؟ فكتب فيها مصنفه المشهور رحمة الله عليه ) . فهذا مما يدل على أنه من الممكن أن يكون تلقاه كله عنه ولكن لا نقول به إلا في حدود ما نص هو عليه أنه من كلام ابن تيمية نفسه رحمهما الله تعالى في ( الحادي ) أو في غيره أن وجد .
    وقد وقفت في مخطوطات المكتب الإسلامي على ثلاث صفحات في ورقتين بخط لعله من خطوط القرن الحادي عشر نقلها كاتبها الذي لم يكشف عن هويته من رسالة ابن تيمية رحمه الله في الرد على من قال بفناء الجنة والنار .
    وهذه الورقات الثلاث جمعها أخي المحقق زهير الشاويش من دشت مخطوطات عنده . وانظر صورها في الصفحات ( 53 - 55 ) وهذا نصها :
    ( قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى - في رسالة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ما نصه :
    ( وأما القول بفناء النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والنزاع في ذلك معروف عن التابعين ومن بعدهم وهذا أحد المأخذين في دوام عذاب من يدخلها .
    فإن الذين يقولون : أن عذابهم له حد ينتهي إليه ليس بدائم كدوام نعيم الجنة قد يقولون : إنها قد تفنى وقد يقولون : إنهم يخرجون منها فلا يبقى فيها أحد .
    لكن قد يقال : إنهم لم يريدوا بذلك أنهم يخرجون مع بقاء العذاب فيها على غير أحد .
    وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهم رضي الله عنهم .
    وروى عبد بن حميد - وهو من أجل علماء الحديث - في تفسيره المشهور قال :
    ( أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن البصري قال : قال عمر : ( لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج [3] لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه ) .
    وقال : أخبرنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن : أن عمر بن الخطاب قال : ( لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ) . ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى : { لابثين فيها }[4].
    وهذا يبين أن مثل هذا الشيخ الكبير من علماء الحديث والسنة يروي عن مثل هؤلاء الأئمة في الحديث والسنة مثل سليمان بن حرب الذي هو من أجل علماء السنة والحديث ومثل حجاج بن منهال كلاهما عن حماد بن سلمة - مع جلالته في العلم والسنة والدين - يروي من وجهين من طريق ثابت ومن طريق حميد هذا عن الحسن البصري - الذي يقال : أنه أعلم من بقي من التابعين في زمانه - يروى عن عمر بن الخطاب وإنما سمعه الحسن من بعض التابعين سواء كان هذا قد حفظ هذا عن عمر أو لم يحفظه كان مثل هذا الحديث متداولا بين هؤلاء العلماء الأئمة لا ينكرونه وهؤلاء كانوا ينكرون على من خرج عن السنة من الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية وكان أحمد بن حنبل يقول : أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا [5] في حلوق المبتدعة .
    فهؤلاء من أعظم أعلام أهل السنة الذي ينكرون من البدع ما هو دون هذا لو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للكتاب والسنة والإجماع كما يظنه طائفة من الناس وعبد بن حميد ذكر هذا في تفسير قوله تعالى : { لابثين فيها أحقابا } [6] ليبين قول من قال : أن الأحقاب لها أمد تنفد ليست كالرزق الذي ما له من نفاد . ولا ريب أن من قال هذا القول : عمر ومن نقله عنه إنما [7] أراد بذاك جنس أهل النار الذين هم أهلها .
    فأما قوم أصيبوا بذنوب فأولئك قد علم هؤلاء وغيرهم بخروجهم منها وأنهم لا يلبثون فيها قدر عدد رمل عالج ولا قريبا من ذلك والحسن كان يروي حديث الشفاعة في أهل التوحيد وقد ذكره البخاري ومسلم عنه وكذلك حماد بن سلمة كان يجمعها ويحدث الناس بها وكذلك سليمان بن حرب وأمثاله فهذا عندهم لا يقال فيه مثل هذا ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ). [8]
    وقوله : ( يخرجون فيه ) أي يخرجون من جهنم بعد أن يفنى عذابها وينفد وينقطع فهم لا يخرجون منها بل هم خالدون في جهنم كما أخبر الله لكن انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا فلم يبق فيها عذاب وذلك أن العالم لا يعدم وجهنم في الأرض والأرض لا تعدم بالكلية لكن فناؤها بتغير حالها واستحالتها من حال إلى حال قال تعالى : { كل من عليها فان } [9] وهم لا يعدمون بل يموتون ويهلكون وكما قال تعالى { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } [10] فإذا أنفذه الرجل فقد نفد ما عنده وإن كان لم يعدم بل انتقل من حال إلى حال ) . انتهى .
    وقال فيها أيضا :
    ( والفرق بين بقاء الجنة والنار عقلا وشرعا أما شرعا فمن وجوه :
    أحدها : أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها وأما أهل النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها .
    الثاني : أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤبد في عدة آيات .
    الثالث : أن النار لم يذكر فيها شيء مما يدل على الدوام .
    والرابع : أن النار قيدها بقولها : { لابثين فيها أحقابا } [11] وقوله : { خالدين فيها إلا ما شاء الله } [12] وقوله : { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك } [13] فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة أو معلقة على شرط وذاك دائم مطلق ليس بمؤقت ولا معلق .
    الخامس : قد ثبت أنه يدخل الجنة من ينشئه الله لها ويدخلها من دخل النار أولا ويدخلها الأولاد بعمل الآباء . فثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيرا وأما النار فلا يعذب أحد إلا بذنوبه فلا يقاس هذه بهذه .
    السادس : أن الجنة من مقتضى رحمته ومغفرته والنار من عذابه وقد قال : { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } [14] وقال تعالى : { اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم } [15] وقال تعالى : { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } [16] .
    فالنعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب دوامه بدوام معاني أسمائه وصفاته .
    وأما العذاب فإنما هو من مخلوقاته والمخلوق قد يكون له انتهاء مثل الدنيا وغيرها لا سيما مخلوق خلق لحكمة يتعلق بغيره .
    الوجه السابع : أنه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء وأنه ( كتب على نفسه الرحمة ) [17]
    ( صحيح ) وقال : ( سبقت رحمتي غضبي ) [18]
    و( غلبت رحمتي غضبي ) وهذا عموم وإطلاق فإذا قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة .
    الثامن : أنه قد ثبت مع رحمته الواسعة أنه حكيم إنما يخلق لحكمة كما ذر حكمته في غير موضع فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكنا كما يوجد في الدنيا العقوبات الشرعية فيها حكمة وكذلك ما يقدره من المصائب فيه حكمة عظيمة فيها تطهير من الذنوب وتزكية للنفوس وزجر لها في المستقبل للفاعل ولغيره يجنبها غيره والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا قال في الحديث الصحيح : ( إنهم يحبسون بعد خلوصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ) [19] . والنفوس الشريرة الظالمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا تصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر فإذا عذبوا بالنار عذابا يخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولا في الحكمة كما يوجد في تعذيب الدنيا وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة .
    أما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا والآخرة لا يكون إلا في العذاب فهذا تناقض يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر من غيره ولهذا كان من الجهم [20] لما رأى ذلك ينكر أن يكون الله أرحم الراحمين وقال : بل يفعل ما يشاء . والذين سلكوا طريقته كالأشعري وغيره ليس عندهم في الحقيقة له حكمة ورحمة لكن له علم وقدرة وإرادة لا ترجح أحد الجانبين . ولهذا لما طلب منهم أن يقروا بكونه حكيما فرده بأنه عليم إذ قد يراد : يريد وليس من الثلاثة ما يقتضيه الحكمة وإذا ثبت أنه حكيم رحيم وعلم بطلان قول الجهم تعين إثبات ما تقتضيه الحكم والرحمة .
    وما قاله المعتزلة أيضا باطل فقول القدرية المجبرة والنفاة في حكمته ورحمته باطل ومن أعظم ما غلطهم اعتقادهم تأبيد جهنم فإن ذلك يستلزم ما قالوه وفساد اللازم يستلزم فساد الملزوم . انتهى ) [21] .
    وأنت ترى في هذه الصفحات المنقولة عن رسالة ابن تيمية شبها كبيرا فيما جاء فيها من الأمور بكلام ابن القيم في ( الحادي ) الذي نقل المؤلف خلاصات منه ورد عليها - مع فارق من حيث الإيجاز والبسط من جهة . وعدم تعرضه لكثير من المسائل والأحاديث والأدلة من جهة أخرى وإن كان من الممكن أن يقال : أن من الجائز أن يكون ابن تيمية قد تعرض لذلك أيضا في ( رسالته ) ولكن كاتب تلك الصفحات اختصرها كما يدل عليه قوله في أولها عن ابن تيمية : ( وأما القول بفناء النار ) . وقول الكاتب في آخر ثلث الصفحة الثانية من الثلاث : ( انتهى ) وكذا قال في آخر الثالثة أيضا . والله أعلم .
    ولقد كان أملي كبيرا في أن أجد رسالة ابن تيمية هذه محفوظة في ( مجموع الفتاوى ) التي جمعها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم في خمس وثلاثين مجلدا ولكني - مع الأسف - لم أجد لها أثرا في شيء منها بعد تقليبي لها كلها والاستعانة على ذلك بالفهارس التفصيلية الموضوعة لها وكان أقوى ظني أن يوردها تحت عنوان ( التخليد ) الموضوع في ( الفهرس ) ( 1/139 ) ولكن دون جدوى أو في ( تفسير سورة هود ) في آيتي الاستثناء فيها لكني لم أرها مع أنه أشار إليهما في فهرس السورة ( 1/291 ) فلما رجعت إلى المكان الذي أشار إليه ( 15/104 ) لم أجد فيه سوى إشارة ابن تيمية إلى الآيتين بقوله : ( ثم ذكر حال الذين سعدوا والذين شقوا ثم قال . . . ) أو في آية ( الأنعام 128 ) من تفسير هذه السورة ولكنها مما لا وجود له فيه مطلقا . أو في تفسير ( النبأ ) آية { لابثين فيها أحقابا } والقول فيه كالقول في الذي قبله إلا أنه قد أشار في ( الفهرس ) ( 1/345 ) أنها في موضعين من ( المجموع ) الأول في ( 16/194 - 197 ) والآخر في ( 18/307 ) ومع ذلك فليس للآية ذكر فيهما مطلقا نعم في الموضع الأول ( ص 197 ) ما يدل ظاهر كلامه أنه يقول بخلود الكفار في النار . ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى في ( سورة الأعلى ) : { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } . ولكنه لا ينافي قوله بفناء النار لأن له أن يقيده بقوله : ما لم تفن كما فعل بكثير من الآيات الصريحة بالخلود بل والخلود الأبدي كما سترى ذلك مع رد المؤلف عليه في الرسالة إن شاء الله تعالى .
    لكنه في الموضع الآخر قد صرح بخلاف ذلك وأن النار لا تفنى صراحة فقد جاء في الصفحة المشار إليها منه ما نصه :
    ( وسئل عن حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء : الناس وسكانها واللوح والقلم والكرسي والعرش ) فهل هذا الحديث صحيح أم لا ؟
    فأجاب : هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام بعض العلماء . وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات مما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرض وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين . . . ) .
    قلت : والظن بمن هو دون ابن تيمية علما ودينا أن لا يخالف سلف الأمة وأئمتها ولم لا وهو حامل راية الدعوة إلى أتباعهم والسير على منهجهم والتحذير من مخالفتهم والخروج عن سبيلهم كما لا يخفى ذلك على كل من اطلع على شيء من كتبه وتغذى بطرف من علمه لا سيما والنص في معنى ما ذكره محفوظ عن الإمام أحمد إمام السنة فقد ذكر في آخر كتابه ( الرد على الزنادقة ) [22] وقد حكى عن الجهمية قولهم بفناء الجنة والنار فرده عليهم بشطريه وذكر آيات كثيرة في بقاء الجنة ودوامها . ثم قال في رد قولهم بفناء النار :
    ( وذكر الله تعالى أهل النار فقال :
    { لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها } . [ فاطر/36 ] . وقال :
    { أولئك يئسوا من رحمتي } . [ العنكبوت/23 ] . وقال :
    { ولا ينالهم الله برحمته } . [ الأعراف/ 49 ] . وقال :
    { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون } . [ الزخرف/77 ] . وقال :
    { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } . [ إبراهيم /21 ] . وقال :
    { خالدين فيها أولئك هم شر البرية } . [ البينة/6 ] . وقال :
    { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } . [ النساء/56 ] . وقال :
    { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [ السجدة/30 ] . وقال :
    { إنها عليهم مؤصدة } . [ الهمزة/8 ] ) .
    هذا كله مما احتج به الإمام أحمد رحمه الله تعالى على القائلين بفناء النار وعدم دوامه وقد نقل عنه شارح قصيدة الإمام ابن القيم : ( الكافية الشافية ) [23] ( 1/97 ) أنه قال :
    ( والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف ذلك فهو مبتدع ) .
    ونحوه قول ابن حزم في ( الملل والنحل ) ( 4/83 ) :
    ( اتفقت فرق الأمة كلها على : أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ولا للنار ولا لعذابها إلا جهم بن صفوان . . . ) .
    وفي ( العقيدة الطحاوية ) ( ص 420 - بشرحها طبع المكتب الإسلامي ) :
    ( والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ) .
    ثم رأيت ابن حزم قد أورد المسألة أيضا في كتابه ( مراتب الإجماع ) فقال ( ص 173 ) :
    ( . . . وأن النار حق وأنها دار عذاب أبدا لا تفنى ولا يفني أهلها أبدا بلا نهاية ) .
    وأقره شيخ الإسلام أحمد بن تيمية خلافا لغيرها من المسائل التي تعقبه فيها .
    ومن العجيب أن هذا القول بعدم فنائها هو مما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله كما يدل عليه ظاهر كلامه في كتابه ( الروح ) ( ص 34 - طبعة صبيح ) بل ذلك ما صرح به في بعضه كتبه .
    1 - قال في ( الكافية الشافية ) :
    ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق والباقون في حيز العدم
    هي : العرش والكرسي ونار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم [24]
    2 - وأصرح منه ما كنت نقلته عنه في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) في كتابه ( الوابل الصيب ) ( ص 26 ) قال ما نصه :
    ( وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعضه ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث . ولما كان الناس على ثلاث طبقات : طيب لا يشوبه خبث . وخبيث لا طيب فيه . وآخرون فيهم خبث وطيب . كانت دورهم ثلاثة :
    دار الطيب المحض .
    ودار الخبث المحض .
    وهاتان الداران لا تفنيان .
    ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض .
    3 - تصريحه في مقدمة كتابه العظيم : ( زاد المعاد في هدى خير العباد ) بأن المشرك لا تطهره النار ولو أخرج منها عاد خبيثا كما كان وقد حرم الله عليه الجنة .
    وسيذكر المؤلف رحمه الله نص كلامه في ذلك في أول الرسالة ( ص 63 ) .
    فإن قيل : إن بعض الآيات التي احتج بها الإمام أحمد رحمه الله هي على الأقل قطعية الدلالة في ديمومة عذاب الكفار وعدم فناء النار كقوله تعالى : { لا يخفف عنهم من عذابها } وقوله : { إنكم ماكثون } وقوله : { ما لنا من محيص } وغير ذلك من الآيات التي تأولها ابن القيم وأخرجها عن دلالتها على عدم الفناء مما سيأتي ذكره في الرسالة ورد المصنف عليه . وكذلك بعض الأحاديث الصحيحة تدل دلالة قاطعة على ذلك ولا بأس من أن أذكر الآن بعضها :
    الأول : حديث أنس الطويل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه :
    ( صحيح ) ( فأخرجهم فأدخلهم الجنة فما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن . أي وجب عليه الخلود ) . رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في ( ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم ) . ( 804 - 810 ) [25] .
    الثاني : حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس [26] أصابتهم النار بذنوبهم أو قال : بخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة . . . ) الحديث .
    أخرجه مسلم ( 1/118 ) وغيره وهو مخرج في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( 1551 ) . وفي رواية عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية : { لا يموت فيها ولا يحيى } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره نحوه إلا أنه قال : ( وأما الذين ليسوا من أهل النار فإن النار تميتهم . . . . ) . ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية من رواية أبي حاتم كما في ( مجموع الفتاوى ) ( 16/195 ) .
    ووجه دلالة الحديث أنه صرح تبعا للقرآن أن الكافر لا يموت في النار ولا يحيى فإذا قيل بأن النار تفنى فإما أن يقال : تفنى بمن فيها كما هو المتبادر إن قيل بفنائها أو تفنى لوحدها دون من فيها وكلاهما باطل لأن معنى الآية كما في ( تفسير ابن كثير ) : ( أن الكافر لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه ) . فإن فني الكافر معها فقد مات واستراح . وإن حيي دونها فقد استراح منها أيضا . وكل هذا باطل بداهة فإذا انضم إلى ذلك القول بأنه يدخل الجنة فهو أبطل .
    الثالث : حديث ذبح الموت بين الجنة والنار وقد جاء عن جمع من الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم في ( الصحيحين ) وغيرهما فلنذكر حديثين منها :
    أحدهما : عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    ( صحيح ) ( يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول : يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه ) .
    أخرجه الشيخان .
    والآخر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف على السراط فيقال : يا أهل الجنة فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه فيقال : هل تعرفون هذا ؟ قالوا : نعم هذا الموت قال : فيؤمر فيذبح على الصراط ثم يقال للفريقين كلاهما : خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدا ) .
    أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد كما قال المنذري وصححه ابن حبان ( 2614 ) وأحمد ( 2/261 ) .
    قلت : ففي الحديث دلالة قاطعة على بطلان دعوى فناء النار لأنه جعلها كالجنة من حيث خلود أهلها فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد فكما أن الجنة لا تفنى أبدا فكذلك النار لا تفنى أبدا وكل ذلك واضح بين إن شاء الله تعالى .
    بعد هذا أعود فأقول : عن ما تقدم من الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار فكيف ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وانتصر له تلميذه ابن قيم الجوزية ؟
    فأقول : إن أحسن ما أجد في نفسي من الجواب عنهما إنما هو أنه لما توهما أن بعض الصحابة قد ذهبوا إلى ذلك وهم قدوتنا جميعا لو صح ذلك عنهم رواية ودراية ولم يصح كما سيأتي بيانه عند المؤلف الصنعاني رحمه الله واقترن مع ذلك غلبة الخوف عليهما من الله { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [27] والشفقة على عباده تعالى من عذابه وغمرهما الشعور بسعة رحمته وشمولها حتى للكفار منهم وساعدهما على ذلك ظواهر بعض النصوص ومفاهيمها فأذهلهما ذلك عن تلك الدلالة القاطعة وقالا ما لم يقل أحد قبلهما وما أرى لهما شبها في هذا إلا ذلك المؤمن الذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ليضل عن ربه فلا يقدر على تعذيبه زعم كما قال صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله : إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له ) .
    أخرجه الشيخان وغيرهما عن جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وهذا لفظه عند مسلم ( 8/97 ) وسيأتي عن ابن يتيمة وغيره أنه متواتر في التعليق ( 97 ) .
    فهذا الرجل أنساه خوفه من ربه قدرته تعالى على إعادة خلقه وهي معلومة يقينا { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم . قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم } [ يس/78 79 ] .
    فما أشبه ابن تيمية به من حيث أنه غفل عن المعلوم يقينا أيضا وهو أن النار باقية لا تفنى إلا أن الحامل له على ذلك إنما كان ثقته البالغة في رحمة ربه وعوه وأنها وسعت كل شيء دون ما استثناء ووافق ذلك منه خلقا كريما وطبع رحيما جبله الله عليه عرف به بين أصحابه ولا أدل على ذلك مما كتب به إليهم من سجنه الظالم في مصر :
    ( فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسه والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي . . . أسأل الله أن يتوب عليهم وأنتم تعلمون هذا من خلقي . . . ) . انظر ( مجموع الفتاوى ) ( 28/55 - 56 ) .
    وساعده على ذلك ظواهر بعض الآيات والأحاديث التي لم يمعن النظر فيها فلم يتبين له خطأ استدلاله بها حتى استقر ذلك القول في نفسه وأخذ بمجامع لبه فصار يدافع عنه ويحتج له بكل دليل يتوهمه ويتكلف في الرد على الأدلة المخالفة له تكلفا ظاهرا خلاف المعروف عنه وتبعه في ذلك بل وزاد عليه تلميذه وماشطة كتبه - كما يقو ل البعض - ابن قيم الجوزية .
    حتى ليبدو للباحث المتجرد المنصف أنهما قد سقطا فيما ينكرانه على أهل البدع والأهواء من الغلو في التأويل والابتعاد بالنصوص عن دلالتها الصريحة وحملها على ما يؤيد ويتفق مع أهوائهم كما سترى ذلك مفصلا في ( الرسالة ) هذه ( ص 116 - 122 ) حتى بلغ الأمر بهما إلى تحكيم العقل فيما لا مجال له فيه كما يفعل المعتزلة تماما وقد تعلمنا من ابن تيمية وابن القيم - جزاهما الله خيرا - الرد عليهم في مثله فزعما أن عذاب النار سبب لإزالة آثار الخبث والنجاسة من الكفار فإذا تطهروا منها عادوا إلى فطرتهم الأولى فيزول العذاب ويبقى مقتضى الرحمة ) كما سيأتي ( ص 122 ) .
    نقلا عن ابن القيم ومضى نحوه من كلام ابن تيمية . فتأمل معي في ذلك تجده كلاما خطابيا خياليا لا حقيقة تحته فإنه يفترض ذهاب تلك الخبائث وتلاشيها وزوال العذاب عن الكفار وهم في الدار الآخرة حيث لا تكليف فيها فإن من المعلوم يقينا أننا لو تخيلنا كافرا تاب إلى ربه وأناب إليه حينما رأى العذاب بأم عينيه أنه لا يفيده ذلك شيئا بالإجماع فكيف ينفعه شيء وهو لم يتب وهو في العذاب محترق ؟ تالله إنها لإحدى الكبر أن يخفى مثل هذا على أحد من المسلمين فكيف بشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم الهمام ونحن دائما نغترف من بحر علومهما ونستضيء بنور أدلتهما في إزالة الشكوك والأوهام في كثير مما اختلف فيه الناس قديما وحديثا وعلى سبيل المثال المناسب للحال أذكر هنا ملخصا فتوى لابن تيمية جاءت في ( مجموع الفتاوى ) ( 4/324 ) :
    ( سئل الشيخ رحمه الله تعالى : هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك ؟ ) .
    فأجاب :
    ( لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث بل أهل الحديث متفقون على أن ذلك كذب مختلف وإن كان قد روي بإسناد فيه مجاهيل وأمثال هذه المواضع فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذبا كما نص عليه أهل العلم فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين :
    1 - من جهة إحياء الموتى :
    2 - ومن جهة الإيمان بعد الموت .
    ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع قال الله تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما . وليس التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار } . [ النساء/17 18 ] .
    فبين الله تعالى أنه لا توبة لمن مات كافرا . وقال تعالى : { فلم يك ينفعهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون } [ غافر/85 ] فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس فكيف بعد الموت ؟ ) .
    قلت : فمن يفتي بهذا كيف يعقل أن يقول بنقيضه لولا الذهول الذي نوهت عنه بل إنه زاد على ذلك فقال ابن تيمية فيما تقدم من رسالته ( ص 13 ) :
    ( ولو قدر عذاب لا آخر له لما يكن هناك رحمة البتة )
    ويا سبحان الله أين هو من مثل قوله تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } [ الأعراف/156 ] وقوله صلى الله عليه وسلم :
    ( صحيح ) ( إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فيها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة ) . أخرجه الشيخان وكذا أحمد والحاكم وصححه من طرق عن أبي هريرة بلفظ : ( فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة ) .
    وله بعض الشواهد خرجتها معه في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) رقم 1634 ) .
    فالآية الكريمة والحديث الشريف صريحان في أن الرحمة إنما هي للذين يستحقونها من المؤمنين كلما كان المؤمن لله أتقى كلما كان بها أحظى وليس الأمر كما يرجو بعض المهابيل من الذين يترنمون بقول شاعرهم البوصيري
    لعل رحمة ربي حين يقسمها تأتي على حسب العصيان في القسم
    كيف هذا وربنا يقول : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروق وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطعيون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } [ التوبة/71 ] ويقول : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } . [ البقرة/218 ] ولذلك كان من دعاء الملائكة الذين يحملون العرش : { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } [ غافر/7 ] . فكل من وقاه الله تبارك وتعالى عذاب الجحيم فهو منغمس في رحمة الله يومئذ كما هو صريح قوله عز وجل : { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرت بعد إيمانكم فذقوا العذاب بما كنتن تكفرون . وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون } [ آل عمران /106 و107 ] .
    فكيف يقول ابن تيمية :
    ( ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة ) فكأن الرحمة عنده لا تتحقق إلا بشمولها للكفار المعاندين الطاغين أليس هذا من أكبر الأدلة على خطأ ابن تيمية وبعده هو ومن تبعه عن الصواب في هذه المسألة الخطيرة ؟ فغفرانك اللهم
    ولعل ذلك كان منه إبان طلبه للعم وقبل توسعه في دراسة الكتاب والسنة وتضلعه بمعرفة الأدلة الشرعية في الوقت الذي كان يحسن الظن بابن عربي الصوفي القائل بأن عذاب الكفار في النار لا يستمر بل ينقلب عليهم إلى عذوبته يتلذذون بها كما في ( حادي الأرواح ) ( 2/168 ) فلما تبين له حاله رجع عنه كما تحدث بذلك هو نفسه فقال كما في ( مجموع الفتاوى ) ( 2/464 - 465 ) :
    ( وإنما كنت قديما ممن يحسن الظن بابن عربي ويعظمه لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من ( الفتوحات ) ( والدرة الفاخرة ) و( مطالع النجوم ) ونحو ذلك ولم نكن بعد أطلعنا على حقيقة مقصودة ولم نطالع ( الفصوص ) ونحوه . . . ) .
    ومثله جزمه بحياة الخضر عليه الصلاة والسلام مع إبطاله لحديث ( لو كان الخضر حيا لزارني ) وقوله : بل المروي في ( مسند الشافعي وغيره أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن قال إنه لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد قال ما لا علم له ) [28] . ذكر له ذلك في فتوى له تجد نصفها في ( المجموع ) ( 4/338 - 340 ) أنظر ( 10/46 ) .
    فإن المعروف عنه رحمه الله أنه يقول بموت الخضر عليه السلام كما هو قول كثير من الأئمة كالإمام البخاري وقد صرح بذلك في كثير من رسائله وفتاويه فقال في ( زيارة بيت المقدس ) ( 27/18 ) :
    ( وكذلك الذي يرون الخضر أحيانا هو جني لبس على المسلمين الذي رأوه وإلا فالخضر الذي كان مع موسى عليه السلام مات ولو كان حيا على عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به ويجاهد معه . . . ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر ولا أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدرا من أن يلبس الشيطان عليهم ولكن لبس على كثير ممن بعدهم . . . ) .
    وقال في موضع آخر ( 27/100 ) .
    ( والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لوجب أن يؤمن به ويجاهد معه . . . وإذا كان الخضر حيا دائما فكيف لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قط ولا أخبر به أمته ولا خلفاؤه الراشدين ؟ ) .
    قلت : حتى ولا ذكر ذلك لأمين سره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فمن ذا الذي يدعي بعد ذلك أنه علمه ما لم يعلم هؤلاء الأجلة العظماء رضي الله عنهم .
    وقد صرح ابن تيمية بموت الخضر في مواطن أخرى كثيرة فانظر مثلا ( 1/249 ) من ( المجموع ) أليس في ذلك دليل واضح على أن فتواه الأولى بحياة الخضر كانت في أول أمره ولا سيما وقد احتج لها بحديث الشافعي وهو موضوع كما هو مبين في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) برقم ( 5204 ) فيه القاسم بن عبد الله العمري قال أحمد : ( كان يكذب ويضع الحديث ) .
    ومن ذلك أنه كان يفتي بنجاسة الزيت ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة مثل الفأرة الميتة كما هو مذهب الشافعي وغيره اعتمادا منه على حديث أبي داود : ( إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم وإن كان مائعا فلا تقربوه ) .
    فلما تبين له أن قوله فيه : ( وإن كان مائعا فلا تقربوه ) ضعيف رجع عنه إلى القول : بعدم التفريق بين المائع والجامد وأن العبرة في كل ذلك إنما هو التغير فقال في فتوى له :
    ( وهذا هو الذي تبين لنا ولغيرنا ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك رجعنا عن الإفتاء بها بعد أن كنا نفتي بها أولا فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ) ( مجموع الفتاوى 21/515 - 516 ) [29] .
    ونحوه رجوع عن بعض أحكام المناسك التي كان قلد فيها من قبله من العلماء كما قال في ( منسكه ) ( المجموع 26/98 ) .
    ولا غرابة في أن يكون لمثله أكثر من قول واحد في بعض المسائل وأن يخطئ في بعض آخر فإن ذلك من الأمور الطبيعية التي لا يخلو منها أحد من العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن من المعلوم أن أحدهم كلما طال به الزمن في طلب العلم وتقدم به في ذلك العمر كلما ازداد به معرفة ونضجا وهذا هو السبب في كثرة الأقوال التي تروى في المسألة الواحدة عن بعض الأئمة المتبوعين وبخاصة منهم الإمامين أحمد وأبا حنيفة وتميز الإمام الشافعي من بينهم بمذهبه القديم والجديد . وهذا أبو الحسن الأشعري - إمام الأشاعرة في العقيدة - نشأ في الاعتزال أربعين عاما يناظر عليه ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموع ) ( 4/72 ) .
    وقد صرح بهذه الحقيقة الإمام أبو حنيفة رحمه الله حين نهى أبا يوسف عن تقليده فقال له :
    ( ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد ) .
    ولذلك تتابعت أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم في النهي عن تقليدهم وجرى في ذلك على سننهم كل من جاء بعدهم من العلماء المحققين من أمثال ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى وجريت أنا على هذا الذي خططوه لنا في كل ما تبين من العلم كما تراه موضحا في مقدمة ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) .
    وهذا هو السبب الذي يحملني على أن لا أحابي في ذات الله أبا أو أداري في دين الله أحدا فترانا هنا نرد على شيخ الإسلام ابن تيمية قوله بفناء النار ولا نداريه مع عظمته في نفوسنا وجلالته في قلوبنا فضلا عن أننا لا نقلده في ديننا خلافا لما عليه عامة المقلدة الذين يحملهم إجلالهم لإمامهم على تقليده ونبذ قول كل من خالف حتى ولو كان المخالف هو النبي محمدا صلى الله عليه وسلم بديل أن يتخذوه وحده قدوة ولا يشركوا معه في ذلك أحدا كما هو الواجب [30] بل إنهم ليصرحون بخلاف ذلك كما قال أحدهم اليوم في كتيب له :
    ( أفلا يحق لنا أن نعتبر من واقع غيرنا ( يعني السلفيين ) فنثبت عند أقوال الإمام الذي يسر الله تعالى لنا الاقتداء به منذ أول نشأتنا ) [31] .
    ونحن نقول بقول رب العالمين في القرآن الكريم : { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } ؟ فأين أنت يا هذا من قوله تبارك وتعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } ؟ وغير ذلك من النصوص التي توجب على كل مسلم اتباعه صلى الله عليه وسلم دون سواه { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ولكن { من لم يجعل الله له نورا فما له من نور } .
    وإذا كان هذا موقف المقلدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا يكون موقفهم من المحبين له المخلصين في الاقتداء به لا سيما إذا كان من العلماء العاملين المعروفين بالرد على كل من خالف شرعة رب العالمين كابن عربي وابن الفارض القائلين بوحدة الوجود وأن الخالق هو عين المخلوق وعلى غيرهم من علماء الكلام والمتصوفة والمقلدة وسائر الهالكين من الأنام ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإننا نرى المقلدة في كل عصر ومصر يعادونه أشد العداء لا سيما إذا عثروا له على قول خالف فيه العلماء كمسألتنا هذه فهناك تراهم يصولون ويجولون ومن عرضه ينالون وفي دينه يطعنون بل وبالكفر والضلال يصرحون كما يفعل الكوثري والحبشي وغيرهما اليوم وهم - مع الأسف - كثيرون ولكنهم غثاء كغثاء السيل لأنهم بالقرآن لا يعملون بل هن عنه يعدلون إلى تحكيم أهوائهم وإلا فأين هم من قوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } .
    فهل من العدل في شيء أن يتخذوا شيخ الإسلام رحمه الله غرضا للتكفير والتضليل لقوله هذا ونحوه من الأقاويل ولا ينبسون ببنت شفة في حق ابن عربي مثلا الذي ملأ الدنيا بالكفريات والأضاليل وهلك بسببه الألوف المؤلفة من خاصة المسلمين فضلا عن عامتهم المهابيل فضلوا جميعا عن سواء السبيل مع البون الشاسع والفرق اللامع بين الرجلين فإن عربي ليس له ذكر ولا أثر في العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والفقه كما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه الذي شهد بفضله وغزارة علمه القريب والبعيد والحبيب والبغيض فهم جميعا يغترفون من بحر علومه بأوفى نصيب فهو بحق كما قال السيد محمد رشد رضا رحمه الله تعالى :
    ( رحم الله شيخ الإسلام وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء فوالله إنه ما وصل إلينا من علم أحد منهم ما وصل إلينا من علمه : في بيان حقيقة هذا الدين وحقيقة عقائده وموافقة العقل السليم وعلومه للنقل الصحيح من كتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل لا نعرف أحدا منهم أوتي مثل ما أوتي من الحجج بين علوم النقل وعلوم العقل بأنواعها مع الاستدلال والتحقيق دون محاكاة أو تقليد ) [32] .
    وما لنا نذهب بعيدا فهناك بعض الأئمة المتقدمين ممن يقلدهم اليوم جماهير المسلمين ممن ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص مع مخالفة ذلك لأدلة الكتاب والسنة الصريحة وأقوال سلف هذه الأمة مما هو معروف ومبسوط في محله فلماذا مع ذلك يعتذر عنه بعض المقلدين وجمهورهم له يقلدون وعن ابن تيمية يزورن بل وله يعادون والحكم واحد فهلا ساقوهما مساقا واحدا واعتذروا عنهما كليهما بجامع كونهما من أفاضل العلماء الأتقياء أم الأمر كما قال الشاعر :
    وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
    ولست بالذي يتبع عثرات العلماء وإنما هي الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون فينصفون ابن تيمية ولا يظلمون وإلا فإن من فضائل ابن تيمية التي حرمها المقلدة علما وعملا تحذيره عن تتبع زلات العلماء وعن التكلم فيهم لأن الله عفا عما أخطؤوا فيه فقال في آخر رسالته في تحريم الشطرنج في ( المجموع ) ( 32/239 ) ما نصه :
    ( وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل فإن الله تعالى عفا عن المؤمنين عما أخطؤوا كما قال تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال الله : قد فعلت [33] . وأمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا ولا نتع من دونه أولياء وأمرنا أن لا نطيع مخلوقا في معصية الخالق ونستغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان فنقول : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } . [34]
    وهذا أمر واجب على المسلمين في كل ما كان يشبه هذا من الأمور ونعظم أمره تعالى بالطاعة لله ورسوله ونرعى حقوق المسلمين لا سيما أهل العلم منهم كما أمر الله ورسوله ومن عدل عن هذه الطريقة فقد عدل عن اتباع الحجة إلى اتباع الهوى في التقليد وآذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فهو من الظالمين . ومن عظم حرمات الله وأحسن إلى عباد الله كان من أولياء الله المتقين ) .
    { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } .
    وإن مما يمنع توجيه الطعن في ابن تيمية لقوله بفناء النار علاوة على ما ذكرنا آنفا أن له قولا آخر في المسألة وهو عدم فنائها كما سبق بيانه بالنقل عنه . وإذا كنا لا نعلم أي القولين هو المتأخر فمن البدهي أن الطاعن لا بد له من الجزم بأنه هو الأول ودون هذا خرط القتاد وأما نحن فإن حسن الظن الذي أمرنا به يقتضينا بأن نقول : لعله القول الآخر لأنه موافق للإجماع الذي نقله هو نفسه فضلا عن غيره كما تقدم وقد يؤيده هذا أن ابن القيم نقله أيضا كما بق في قصيدته ( الكافية الشافية ) فالظاهر أنه مات على ذلك لأنها قرئت عليه في آخر حياته فقد ترجمه الحافظ ابن رجب الحنبلي في ( طبقاته ) وذكر في آخرها ما يشعرنا بذلك فقال : ( 2/448 ) :
    ( ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها ) .

    أقول فإذا صح ظننا هذا فالحمد لله وإلا فأسوأ ما يمكن أن يقال : إنه خطأ مغفور لهما بإذن الله تعالى لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ كما جاء في الحديث الصحيح : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) . متفق عليه .
    وقد تقرر في الأصول أن الخطأ مغفور ولو في المسائل العلمية كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه وفتاويه [35] .
    هذا بالإضافة إلى ما لهما من الجهاد والبلاء الحسن في الدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة والرد على المبتدعة والفرق الضالة وتقديم الإسلام إلى المسلمين صافيا نقيا على منهج السلف الصالح وإن ما نراه اليوم في العالم الإسلامي من نهضة فكرية وعلمية ودعوة سنية سلفية فهو ثمرة من ثمار جهادهما وصبرهما جزاهما اله تعالى عن الإسلام والمسلمين خيرا .
    ولذلك رأينا المصنف رحمه الله تعالى مع أنه لم يقصر في الرد عليهما فإنه لا يذكرهما إلا مقرونا بالإجلال والإكبار وبخاصة الشيخ ابن تيمية فإنه وصفه في أول الكتاب ب ( العلامة شيخ الإسلام ) ويذكره بهذا اللقب كثيرا ووصفه في مكان آخر ( ص 120 ) بتبحره في العلوم وسعة اطلاعه على أقوال السلف والخلف ) وصدق من قال : ( إنما يعرف الفضل لذوي الفضل أهل الفضل ) [36] . أقول هذا لأن كثيرا من المقلدة المتعصبة تقزز نفوسهم من إطلاق لقب ( شيخ الإسلام ) على ابن تيمية رحمه الله تعالى حتى أن العلاء البخاري الحنفي المتعصب كفر من يلقبه به وقد رد عليه أحسن الرد الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي في كتابه القيم ( الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية ( شيخ الإسلام ) كافر ) . ذكر فيه نحو المائة من كبار العلماء المشهورين من مختلف المذاهب وكلهم يلقب ابن تيميه يلقبه : ( شيخ الإسلام ) . وقد قام بتحقيقه والتعليق عليها أخونا الأستاذ زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي جزاه الله خير الجزاء على جهده القيم .
    أقول هذا بيانا للحقيقة وإلا فأنا أعلم أن هذا اللقب وغيره مما هو مستعمل اليوم لم يكن معروفا عند السلف فالخير كله في الاتباع ولا سيما وقد صار مبتذلا في العصور المتأخرة بحيث أنهم يطلقونه نفاقا ورياء على من لا علم عنده بل هو ممن يصدق عليه المثل الشهير : لا في العير ولا في النفير ولعل من ألطاف الله تعالى بالشيخين رحمهما الله تعالى أننا لم نر أحدا - فيما أطلعنا - تبعهما على ذلك القول بالفناء فهذا شارح العقيدة الطحاوية مثلا فإنه مع كونه لا يكاد يخرج فيه عما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه ههنا ذكر أدلة هذا القول ثم ذكر أدلة القول الآخر وهي ملخصة من كلام ابن القيم ولم يرجح شيئا منهما ذكر ذلك تحت قول الطحاوي المتقدم : ( والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ) .
    وأما العلامة السفاريني فقد رأيته تعرض للموضوع في كتابه ( شرح الدرة المضية في عقد الفرق المرضية ) ونقل فيه طرفا من بحث ابن القيم ولكنه صرح بمخالفته فإنه ذكر بعض الآيات المستلزمة لدوام العذاب وحديث ذبح الموت المتقدم ثم قال ( 2/234 - 235 ) :
    ( فثبت بما ذكرنا من الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة خلود أهل الدارين خلودا مؤبدا كل بما فيه من نعيم وعذاب أليم وعلى هذا إجماع أهل السنة والجماعة فأجمعوا أن عذاب الكفار لا ينقطع كما أن نعيم أهل الجنة لا ينقطع وقد ألف العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي رسالة سماها ( توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين ) .
    وهذا ما ذهب إليه الشيخ نعمان الآلوسي فإنه تعرض للمسألة في كتابه ( جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ) ( ص 420 - 424 ) نقل فيه الأقوال السبعة في عذاب أهل النار وقال :
    ( وأما بداية النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والأصح عدم فنائها أيضا ) .
    ثم قال في قول ابن تيمية :
    ( واعلم أن الإمام ابن القيم قدس الله تعالى روحه انتصر لهذا القول انتصارا عظيما ومال إليه ميلا جسيما وذكر خمسة وعشرين دليلا ثم رجع القهقرى وقال : إن قيل : إلى أين انتهى قدمك في هذه المسألة العظيمة ؟ قيل : إلى قوله تعالى { إن ربك فعال لما يريد } وإلى هنا انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه [37] فيها حيث ذكر دخول أهل الجنة وأهل النار وما يلقاه هؤلاء وهؤلاء قال : ثم يفعل لك بعد ذلك ما يشاء . ثم قال : وما ذكرناه في هذه المسألة من صواب فمن الله سبحانه وهو المنان وما كان من خطأ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه ) .
    قلت : وقوله في ابن القيم : ( ثم رجع القهقرى وقال . . . ) نظر عندي لأنه ليس صريحا في ذلك وغاية ما يمكن أن يؤخذ منه أنه لم يجزم بما دندن حوله من الانتصار للقول بفناء النار ومناقشة أدلة المخالفين ورده عليها مما سترى الرد عليه فيها في الكتاب أن شاء الله تعالى ولكن ذلك لا ينفي ميله إلى ترجيحه إياه وإلا كانت دندنته { كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا } وهذا مما لا يليق أن يقال في مثله كما لا يخفى ويؤيد هذا أن خاتمته للبحث في ( شفاء العليل ) التي أشرت إليها آنفا أقوى في الدلالة على ما ذكرت فإنه قال ما خلاصته ( ص 264 ) :

    ( وأنا في هذه المسألة على قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه ذكر دخول أهل الجنة . . . والقول بأن النار وعذابها دائم بدوام الله خبر عن الله بما يفعله فإن لم يكن مطابقا لخبره عن نفسه بذلك وإلا كان قولا عليه بغير علم والنصوص لا تفهم ذلك . والله أعلم ) .
    قلت : فقوله : ( والنصوص لا تفهم ذلك ) صريح منه بأنه لا يختار القول ببقاء النار فهو إذن يميل إلى القول بفنائها غير أنه لا يقطع بذلك لأنه يشعر أنه ليس لديه دليل قاطع فيه وإنما هو فهمه واستنباطه ولذلك ترك فيها مجالا للأخذ والرد كما هو شأن العلماء المنصفين الذين لا يفرضون رأيهم على الآخرين لا سيما في مثل هذا الفهم الذي أجمع العلماء على خلافه ومما يؤكد ذلك قوله في خاتمة بحثه في ( الصواعق ) :
    ( . . . فتأمل هذا الوجه حق التأمل وأعطه حقه من النظر واجمع بين ذلك وبين معاني أسمائه وصفاته وما دل عليه كلام الله وكلام رسوله وما قاله الصحابة ومن بعدهم ولا تبادر إلى القول بلا علم ولا إلى الإنكار فإن أسفر لك صبح الصواب وإلا فرد الحكم إلى ما رده الله إليه بقوله { إن ربك فعال لما يريد } وتمسك بقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وقد ذكر دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ووصف حالهما ثم قال : ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء ) .
    ولكني ألاحظ في هذا النص أنه يأمر فيه من لم يتبين الصواب أن ينهي إلى قوله تعالى : { إن ربك فعال لما يريد } وقول علي المذكور وذلك ما انتهى هو إليه في خاتمة ( الحادي ) .
    فهل يعني ذلك أن ابن القيم نفسه بعد تلك المناقشة الطويلة لم يتبين له الصواب فانتهى إلى ما أمر به من لم يتبين له الصواب أم هو التردد في مثل هذه المسألة الخطيرة التي كان الأولى به أن يقف فيها حيث وقف العلماء ولا يدخل نفسه في مضايق لا قبل للعقل البشري أن يدخلها ؟
    ويؤسفني والله جدا قوله المتقدم : ( والنصوص لا تفهم ذلك ) كيف يتجرأ على مثل هذا القول والنصوص قاطعة في ذلك من الكتاب والسنة كما تقدم فلا جرم أجمعت على مدلولها الأمة . فالحق والحق أقول : لقد أصيب ابن القيم في هذه المسألة مع الأسف الشديد بآفة التأويل التي ابتلي بها أهل البدع والأهواء في مقالتهم التي خرجوا بها عن نصوص الكتاب والسنة فرد عليهم ذلك هو وشيخه ابن تيمية أحسن الرد في كتبهما الكثيرة المعروفة فما باله وقع في مثل ما وقعوا من التأويل .
    ولقد كان أوله في تأويلهما قول عمر على انقطاعه : ( لو لبث أهل النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ) . فاستدلا به على الفناء المزعوم وهو صريح في الخروج من النار وهما لا يقولان به وهكذا تأولوا كثيرا من الآثار بالفناء وهي في الخروج كما ستراه مفصلا في الكتاب بإذن الله تعالى .
    ثم قال الشيخ نعمان الآلوسي في ( محاكمة الأحمدين ) ص ( 424 ) :
    ( ونقل الوالد قدس الله تعالى روحه في ( تفسيره ) عن الفهامة ابن الجوزي : أنه ضعف بعض الآثار الواردة في ذلك . ( ثم ذكر خبر ابن عمرو الآتي ( ص 81 ) ثم قال : وأول البعض أيضا بعضها قال :
    ( وأنت تعلم أن خلود الكفار مما أجمع عليه المسلمون لا عبرة بالمخالف والقواطع أكثر من أن تحصى ولا يقاوم واحدا منها كثير من هذه الأخبار ) .
    قلت : ولو كان العلم بالتمني لتمنيت أن يكون ما عزاه العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي لابن القيم صحيحا ولكنها من أوهام العلماء فقد قال في تفسيره ( محاسن التأويل ) ( 6/2503 - 2504 ) :
    ( وقد بسط البحث وجود الإمام ابن القيم في كتابه ( حادي الأرواح ) ومع كونه انتصر لهذا القول انتصارا عظيما وذكر له خمسة وعشرين دليلا لم يصححه حيث قال : وأما أبدية النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والأصح عدم فنائها . أيضا . انتهى ) .
    فقوله : ( وأما أبدية النار . . . ) إلخ . إنما هو من كلام الشيخ نعمان الآلوسي كما تقدم نقله عنه توهمه الشيخ القاسمي - على ما كان عليه من الوعي - أنه من كلام ابن القيم وبناء عليه قال : ( لم يصححه ) فهو وهم آخر نشأ من الوهم الأول فسبحان من لا يسهو ولا يهم .
    هذا - ثم أن ابن القيم - عفا الله عنا وعنه لم يقنع بميله إلى القول بفناء نار الكفار وتخلصهم به من العذاب الأبدي في تلك الدار حتى طمع لهم في رحمة الله أن ينزلهم منازل الأبرار جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك ما يظهر لنا من بعض الأدلة التي ساقها تأييدا للقول بفناء النار وهو مما نبه عليه المؤلف رحمه الله معقبا على قول ابن القيم : ( ثم تفنى ويزول عذابها ) فقال ( ص 64 ) :
    ( يريد : ويدخل الله من كان فيها من الكفار الجنة كما ستعرفه من الأدلة التي ذكرها ) .
    وأعاد هذا المعنى في مكان آخر ( ص 120 ) .
    وإن مما لا شك فيه أن هذا الذي استظهرناه هو في الخطورة والإغراق كقوله بالفناء أن لم يكن أخطر منه لأنه كالثمرة له ولأنه لا قائل به مطلقا من المسلمين بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة للأدلة القاطعة بأن الجنة محرمة على الكفار كقوله تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار } [ المائدة/72 ] وقوله : { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } [ الأعراف/40 ] وكقوله صلى الله عليه وسلم الذي أمر الذي أمر بالمناداة به يوم حنين : ( إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ) . أخرجه البخاري ومسلم ( 01/74 ) عن أبي هريرة وله مثله عن عمر بلفظ ( . . . إلا المؤمنون ) وله شواهد فانظر ( إرواء الغليل ) ( 963 ) أن شئت . ويكفي في ذلك قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء/48 ] .
    فإننا نعلم بالضرورة أن من دخل الجنة فقد غفر الله له وعلى العكس .
    ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث له في ( المجموع ) ( 14/476 - 477 ) .
    ( ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد وهم أهل { لا إله إلا الله } ) . ثم قال : ( ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه ) .
    قلت : ومثل هذا مما لا يخفى على ابن القيم بل هو ممن صرح بذلك في غير ما موضع من كتبه فهو يقول مثلا في ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) . ( ص 89 ) :
    ( إن الله حرم الجنة على كل مشرك ) .
    بل إنه لما حكى في ( الحادي ) ( 2/169 - 170 ) قول من يقولك أن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم آخرون أبطله بعدة آيات ساقها كلها صريحة في عدم خروج أهل النار منها وكان آخرها آية الأعراف المتقدمة : { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } . قال عقبها :
    ( وهذا أبلغ ما يكون في الإخبار عن استحالة دخولهم الجنة ) .
    وحينئذ كيف يصح ما سبق من استظهارنا أن ابن القيم يميل إلى القول بأن الكفار يدخلون الجنة بعد العذاب ؟
    والذي يدور في ذهني من الجواب على وجهين :
    الأول : إما أن يقال : أن صريح كلامه ينافي ما وصل إليه باستنباطه فهو الذي ينبغي الاعتماد عليه ونسبته إليه وهو الأحب إلي .
    والآخر : أن يجمع بين الصريح والمستنبط فيقال : الصريح يريد به دخول الكافر الجنة بعد خروجه من النار فهذا هو المستحيل وأما المستنبط فإنما يريد به دخول الجنة بعد فناء النار
    وهذا الجمع وإن بدا غريبا فليس بأغرب من تفريقه بين انتهاء عذاب الكفار بخروجهم من النار فهذا مستحيل أيضا وفقا لجميع العلماء وبين انتهاء عذابهم بفناء النار فهذا أمر جائز بل واقع عنده ويجادل فيه ويصول ويجول ويتأول النصوص الصريحة المخالفة له مما لا نعرفه عنه وإنما عن أهل البدع والأهواء الذين قضى حياته هو وشيخه في الرد عليهم والكشف عن ضلالتهم .
    وبغير هذا الجمع لا يمكن أن يفهم كلامه في رده على مخالفيه فانظر إلى قوله في ( الحادي ) ( 2/185 ) :
    ( وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها فإن في القرآن دليل واحد يدل على ذلك ؟ نعم الذي دل عليه القرآن : أن الكفار خالدين في النار إلى الأبد وأنهم غير خارجين منها و. . . و. . . و. . . وليس هذا مورد النزاع وإنما النزاع في أمر آخر وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء . قال :
    ( وأما كون الكفار لا يخرجون منها و{ لا يفتر عنهم } من عذابها { ولا يقضى عليهم فيموتوا } { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجميل في سم الخياط } فلم يختلف في ذلك الصحابة والتابعون ولا أهل السنة . . .
    فهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة ) [38]
    فتأمل نقله اتفاق الصحابة ومن بعدهم على أنهم لا يدخلون الجنة كما في الآية الكريمة فإنه لا يتفق مع ميله إلى أنهم يدخلون الجنة يوما ما إلا يحمل الدخول المنفي على دخول مقرون بخروجهم نم النار والدخول المثبت على دخولهم بعد فناء النار كما ذكرنا وهذا المعنى يكاد يكون صريحا في سياق كلامه على هذه الطريق في كتابه ( شفاء العليل ) فإنه قال بعد الآيات النافية المتقدمة بما فيها الآية النافية لدخولهم الجنة قال ( ص 260 ) :
    ( وهذه الطريق لا تدل على ما ذكروه وإنما يدل على أنها ما دامت باقية فهم فيها فأين فيها ما يدل على عدم فنائها ؟ ) .
    قلت : فكأنه يريد أن يقول : وأين الدليل أيضا في الآية المذكورة على نفي دخولهم الجنة بعد فناء النار ؟
    فيا سبحان الله ما يفعل التأويل بأهله وإلى حضيض سحيق يهوون به فيه وإلا فقل لي بربك : كيف يمكن لابن القيم أن ينكر أبدية النار ببقاء أهلها فيها وعدم دخولهم الجنة مطلقا لولا تشبثه بذاك التأويل البشع وهو المعروف بمحاربته لعلماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة لتأولهم كثيرا من آيات وأحاديث الصفات كاستواء الله على عرشه ونزوله إلى السماء ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من التأويل الذي هو أيسر من تأويله فقد قال به كثير من المتأخرين خلافا للسلف وأما تأويله فلم يقل به أحد منهم لا من السلف ولا من الخلف إلا تقليدا لشيخه ولقد كان من الواجب عليه أن يلتزم بقول إمامه الذي قال ناصحا لكل سلفي :
    ( إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ) * .
    وكان في المحنة يقول :
    ( كيف أقول ما لم يقل ؟ ) [39] .
    وإن مما يتنبه له الباحث المتأمل أن يرى موقفين متباينين أشد التباين لابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه في الوقت الذي مال إلى القول بفناء النار وانتصر وله ابن القيم ذاك الانتصار الغريب المتكلف نرى ابن القيم نفسه قد عقد في ( الحادي ) ستة أبواب في مسألة أخرى هي أهون من هذه بكثير من حيث موضوعها ومن حيث اختلاف العلماء فيها ألا وهي :
    جنة آدم عليه السلام التي أهبط منها هل هي جنة الخلد التي وعد بها المتقون أم غيرها ؟ على قولين للعلماء أطال النفس فيها جدا ( ص 43 - 80 ) وذكر حجة كل منهما وما له وما عليه وعلى الرغم من أن من القائلين بأنها ليست جنة الخلد أبا حنيفة وأصحابه وابن عيينة كما حكاه ابن القيم ومال إليه هو في آخر الباب الرابع ( ص 68 - 69 ) : على الرغم من ذلك نرى شيخ الإسلام ابن تيمية يرده بكل صراحة وشدة يقول في بعض فتاويه :
    ( والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة هي جنة الخلد ومن قال إنها في الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة أو غير ذلك فهو من المتفلسفة والملحدين أو من إخوانهم المبتدعين فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة ) .
    فأقول : أليس كان الحق بمثل هذا الرد الأشد من قال بفناء النار أيا كان القائل لأنه لم يقل به أحد حتى ولا المعتزلة ولأن أدلته وهمية لا حقيقة لها كما سيفصل المؤلف القول في ذلك تفصيلا ويبين بطلانها تبيانا بحيث لا يدع شبهة إلا أطاح بها ولا متأثرا بها إلا أعاده إلى الصراط المستقيم يمشي عليه سويا .
    غير أن هناك شبهة أخرى أوردها ابن القيم رحمه الله لم أر المؤلف جزاه الله خيرا تعرض لها فلا بد لي أن أذكرها لأرد عليها بما يبدوا لي راجيا منه تعالى أن يلهمني الصواب ويعصمني من الخطأ . قال في ( الحادي ) ( 2/221 ) :
    ( لو جاء الخبر منه سبحانه صريحا بأن عذاب النار لا انتهاء له وأنه أبدي لا انقطاع له لكان ذلك وعيدا منه سبحانه والله تعالى لا يخلف وعده وأما الوعيد فمذهب أهل السنة كلهم : أن إخلافه كرم وعفو وتجاوز بمدح الرب تبارك وتعالى عليه فإنه حق له إن شاء تركه وإن شاء استوفاه والكريم لا يستوفي حقه فيكف بأكرم الأكرمين وقد صرح سبحانه في كتابه في غير موضع بأنه لا يخلف وعده ولم يقل في موضع واحد لا يخلف وعيده وقد روى أبو يعلى . . . . عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار ) .
    وأقول وبالله المستعان :
    أولا : قد جاءت الأخبار كتابا وسنة بأبدية النار وعذابها كما تقدم فلا داعي لإعادة وما تشبث به ابن القيم رحمه الله في خلاف ذلك مردود بل باطل كما يأتي شرحه من المؤلف رحمه الله تعالى .
    ثانيا : ما ذكره : أن مذهب أهل السنة كلهم جواز إخلاف الله لوعيده لا أعلمه بهذا الإطلاق وقد بحث شيخ الإسلام الخلاف المعروف ين المرجئة والمعتزلة في الوعد والوعيد في مناسبات شتى فلم يذكر هذا [40] بل صرح بخلافه في بعض المواطن فإنه بعد أن ذكر حديث الشفاعة وغيره في دخول بعض الموحدين النار وخروجهم منها قال : ( 16/196 ) :
    ( وفيه رد على من يقول : ( يجوز أن لا يدخل الله من أهل التوحيد أحدا النار ) كما يقوله طائفة من المرجئة والشيعة . . . ) .
    فإذا لم يجز هذا الإخلاف في حق الموحدين فكيف يجوز الإخلاف الأكبر الذي هو في حق المشركين ؟
    ثالثا : ( ولم يقل في موضع واحد : لا يخلف وعيده ) .
    فأقول : قد فاته - عفا الله عنا وعنه - قوله تعالى في ( ق : 27 - 29 ) { قال قرينة ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد . قال لا تختصموا لذي وقد قدمت إليكم بالوعيد . ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد } .
    ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عقبه ( 14/498 ) :
    ( وهذا يقتضي أنه صادق في وعيده أيضا وأن وعيده لا يبدل وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملة لا يخرجون من النار وقد تكلمنا عليهم في غير هذا الموضع لكن هذه الآية يضعف جواب من يقول : أن إخلاف الوعيد جائز فإن قوله : { ما يبدل القول لدي } بعد قوله : { وقد قدمت إليكم بالوعيد } دليل على أن وعيده لا يبدل كما لا يبدل وعده ) .
    رابعا : حديث أنس المذكور إسناده ضعيف كما كنت بنيته في ( الأحاديث الصحيحة ) ( 2463 ) وعلى فرض ثبوته فهو بمعنى قوله تعالى : { إن الله لا يفغر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وما في معناها من الأحاديث أي أن الحديث في الموحدين وليس في المشركين فهؤلاء مستثنون من المغفرة بهذه الآية وغيرها .
    وإلى هذا أشار العلامة المرتضى اليماني بقوله في ( إيثار الحق على الخلق ) ( ص 389 ) : ( والحق أن الله لا يخلف الوعيد إلا أن يكون استثنى فيه ) . وهذا مما يشعر به قول ابن تيمية نفسه في ( مجموع الفتاوى ) ( 24/375 ) فإنه قال :
    ( وأحاديث الوعيد يذكر فيها السبب وقد يتخلف موجبه لموانع تدفع ذلك إما بتوبة مقبولة وإما بحسنات ماحية وإما بمصائب مكفرة وإما بشفاعة شفيع مطاع وإما بفضل الله ورحمته ومغفرته فإنه { لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
    فهذا منه رحمه الله كالتفصيل لكلام ابن القيم وهو يقيده ويبين أن الإخلاف للوعيد إنما يكون لمانع من تلك الموانع وليس منها الشرك بداهة فإن الله لا يغفره .
    فتأمل في هذا يتبين لك خطأ ابن القيم في بعض مما يدعيه ويعزوه لأهل السنة دون قيد أو شرط فيكون ذلك مثار شبهة عنده تحمله على أن يتأول النصوص القاطعة الدلالة فيخرج بذلك عما عليه أهل السنة والجماعة فيقع في الخطأ من حيث لا يدري ولا يشعر .
    وإن من العجيب حقا أن ينفرد بالاغترار بكلامه في هذه المسألة الخطيرة العلامة السيد محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى لما تعلم عنه من استقلاله في الفهم وبعده عن الجمود والتقليد فإنه مع ذلك تابعه عليه دون كل من وقفنا على كلامه من المحققين الذين وقفوا عليه ولم يتابعوه أمثال الآلوسي أبا وابنا وغيرهما ممن سبق ذكره فقد نقل السيد رشيد كلام ابن القيم على طوله من ( حادي الأرواح ) في تفسير سورة ( الأنعام ) ( ج 8 ص 69 - 99 ) تحت ( فصل في الخلاف في أبدية النار وعذابها ) وختمه مفصحا عن إعجابه به بقوله :
    ( وإنما أوردناه بنصه على طوله لما تضمنه من الحقائق التي نوهنا بها ولأمر آخر أهم وهو أننا نعلم أن أقوى شبهات الناس من جميع الأمم على الدين قول أهل كل دين من الأديان المشهورة أنهم هم الناجون وحدهم وأكثر البشر يعذبون عذابا شديدا دائما لا ينتهي أبدا بل تمر ألوف الألوف المكررة من الأحقاب والقرون ولا يزداد إلا شدة وقوة وامتدادا مع قولهم ولا سيما المسلمين منهم : أن الله تعالى أرحم الراحمين وإن رحمة الأم العطوف الرؤوم بولدها الوحيد ليست إلا جزاءا صغيرا من رحمة الله التي وسعت كل شيء .
    وهذا البحث جدير بأن يزيل شبهة هؤلاء فيرجع المستعدون منهم إلى دين الله تعالى مذعنين لأمره ونهيه راجين رحمته خائفين عقابه الذي تقتضيه حكمته لأنهم لا يعلمون قدره ) [41] .
    قلت هذا الكلام خيال لا حقيقة له في الواقع لأن الأصل في هذه المسألة وغيرها من المسائل الاعتقادية الغيبية إنما هو الإيمان بما جاءنا عن الرحمن الرحيم العليم الحكيم كما قال في القرآن الكريم : { هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب } .
    وهو الإيمان بكل ما غاب عن عقلك فمن لم يؤمن بما أخبر به تعالى من خلود الكافرين في النار أبد العابدين لأن عقله لم يقبله فلن يؤمن بعقاب يبلغ مئات السنين أخبر به رب العالمين في مثل آية { لابثين فيها أحقابا } ولو على افتراض أن له أمد منتهيا ( لا يعلمون قدره ) إذ أن لبثهم هذه المدة الطويلة التي تزيد على مدة عمرهم الذي قضوه كافرين أضعافا مضاعفة فلو أراد أحد أن يقنعهم بها وأنها عدل من الله فلن يصل إلى نتيجة معهم أبدا اللهم إلا من طريق الإيمان بالله ورسوله .
    وإذا كان الأمر كذلك فمن العبث بل من الضلال أن يحاول أحد إقناع المشركين في أصل الدين ببعض ما جاء فيه من العقائد من طريق العقل المجرد عن الإيمان فإن هذا مع كونه لا يثمر معهم إلا الخسران فإنه ليس من سبيل المؤمنين بل هو سبيل المتأثرين بالفلسفة وعلم الكلام الذي حملهم إلى تأول آيات وأحاديث الصفات وتفسيرها بما يتناسب مع عقولهم وأهواء أمثالهم من ضعفاء الإيمان وربما فعل ذلك بعضهم لإقناع الآخرين وإن كان هو في قرارة نفسه لا يؤمن بذلك التأويل فهل يمكن أن يكون كلام السيد رشيد رضا من هذا القبيل بغية إرشاد من ضل عن سواء السبيل ؟
    فقد كنت لقيت رجلا فاضلا في بعض أسفاري إلى المغرب منذ بعض سنين يظهر أنه سلفي العقيدة فزرته في داره .
    ودار البحث في الدعوة السلفية هناك وإذا به يصرح بأنه لا يرى مانعا في سبيل تقريب الناس إليها من تأويل آيات الصفات وأحاديثها لإقناع المخالفين
    فقلت له : عجبا كيف يمكن أن يكون هذا ؟ إذ كيف تقدم إليهم معنى للنص أنت تؤمن بخلافه أولا ثم كيف تكون قد دعوته إلى مذهبك السلفي وقد قدمت إليه المعني الخلفي ؟ أن أخشى ما أخشاه أن يكون هذا من باب قول من قال : ( وداوني بالتي كانت هي الداء وختاما أقول : لقد خرجت من دراستي لهذه الرسالة النافعة للأمير الصنعاني رحمه الله تعالى بالعبر الآتية :
    الأولى : أنني ازددت إيمانا ويقينا بالقول المأثور عن جمع من الأئمة : ( ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) [42] . فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية زلت به القدم فقال قولا لم يسبق إليه ولا قام الدليل عليه ومن هنا قالوا : ( زلة العالم زلة العالم ) فلو أننا كنا مبتلين بتقليده كما ابتلي كل مقلد بتقليد إمامه لزللنا بزلته ولذلك قالوا : ( الحق لا يعرف بالرجل اعرف الحق تعرف الرجال ) .
    فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

    الثانية : بطلان الخرافة التي يطلقها اليوم كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين وفيهم بعض من يجلون شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الخلاف في الفروع وليس في الأصول .
    وقد يسارع بعض الجاحدين لعلم شيخ الإسلام وفضله الحاقدين عليه لرده على أهل الأهواء والمبتدعة المبغضين له لإخلاصه في الدعوة لاتباع الكتاب والسنة فيقول : إنما الخلاف في الأصول من ابن تيمية وأمثاله المخالفين للجمهور والمثال أمامك .
    فأقول : كذبت والله فإن الخلاف المذموم إنما يكون من المصرين عليه بعدما تبين لهم الحق كما في قوله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .
    والشيخ رحمه الله لم يعرف يوما بالإصرار على الخطأ مهما كان نوعه بدليل رجوعه عن كثير من آرائه التي كان عليها بعدما تبين له الحق وقد ذكرنا فيما سبق نماذج منها وأما خلافه في هذه المسألة فهي زلة منه بلا شك يغفرها الله له إن شاء الله تعالى كفاه جهاده في سبيل الله إلى آخر رمق من حياته حتى توفي في سجن دمشق مظلوما بعيدا عن أهله وتلامذته وكتبه ولغير ذلك من الأسباب التي سبق التحدث عنها .
    والخلاف المذموم حقا : إنما هو من أولئك المقلدين الذين يصرون على التدين بالتقليد والإعراض عن الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة والإخلاص له في اتباعه وحده دون سواه الذي هو من لوازم الشهادة له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا بطاعته استقلالا لا يشاركه في ذلك أحد من البشر في غير ما آية من آيات الله تبارك وتعالى فأي خلاف شر من هذا الذي عليه المقلد هذا الذي يظل { يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشرها بعذاب أليم } [ الجاثية/8 ] .
    فالخلاف حقيقة واقعة - مع الأسف - أصولا وفروعا فلا يجوز تجاهلها أو الرضا بها وإنما يجب على أهل العلم أن يحاولوا في كل قطر ومصر تقليله قدر الاستطاعة ولا سبيل إلى ذلك إلا بشيء واحد وهو تحكيم الكتاب والسنة في كل خلاف كما هو صريح قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } .
    الثالثة : لقد وجدت في هذه الدراسة مثلا جديدا يضاف إلى الأمثلة العديدة التي كنت ولا أزال أشير إليها في كتابي ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها الشيء في الأمة ) نصحا وتحذيرا لأن من آثارها السيئة أنها تصرف كثيرا من العلماء والفقهاء فضلا عن غيرهم عن تبني الحكم الصحيح فيما هم فيه مختلفون من العقائد والأحكام وقد تكون معارضته لنص أو نصوص في الكتاب والسنة الصحيحة فقد وجدت أن الذي فتح لابن تيمية وابن القيم باب التورط في القول بفناء النار إنما هو بعض الآثار المروية عن بعض الصحابة والأحاديث المرفوعة جلها لا تصح أسانيدها وعمدتها منها وأبرزها أثر عمر رضي الله عنه : ( لو لبث أهل النار في النار قدر رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه ) وإن حاولا تقوية إسناده بتكلف ظاهر لمخالفة ذلك المقرر في علم مصطلح الحديث وقد بينه المؤلف رحمه الله بيانا شافيا لكنه قد تابع ابن القيم في السكوت عن أسانيد سائرها فاشترك معه في إيهام القراء ثبوتها ولا سيما وفي بعضها ما هو موضوع كحديث أنس وحديث أبي أمامة ( ص 82 ) وحديث جابر ( ص 84 ) وحديث أبي أمامة الآخر ( ص 138 ) .
    إلى غير ذلك من الروايات الواهية كحديث أبي هريرة ( ص 115 ) وزاد المؤلف عليها أحاديث أخرى لكنها لم تبلغ مرتبة الوضع مع كونها لا علاقة لها مباشرة بالرد كحديث ابن مسعود وغيره ( ص 70 ) وحديث الجهني ( ص 103 ) وحديث أبي الدرداء ( ص 134 ) وغيرها مما قد يكون فيها ما هو صحيح ثابت لا يتميز عند القارئ بعضها من بعض لدخولها كلها في دائرة المسكوت عنه
    من أجل ذلك رأيت من واجبي أن أبين في التعليق مراتب تلك الأحاديث وأميز صحيحها من سقيمها وضعيفها من موضوعها ليكون القراء الكرام على هدى من أمرها راجيا أن يشاركوني في هذه العبرة وأن تكون حافزا لهم على أن يتذكروا معي حقيقة علمية منهجية هامة طالما أهمل القيام بها جماهير العلماء والكتاب قديما وحديثا ولم يقم بحقها سوى أفراد منهم قليلين جدا ألا وهي :
    أنه يجب على كل باحث أو كاتب في موضوع شرعي يقوم على الاستدلال بعض الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم .
    أن يضع تلك الأحاديث بين يديه ويجري عليها تحقيقا دقيقا لمعرفة درجتها صحة وضعفا فما كان منها صحيحا احتفظ به واعتمده .
    وما كان ضعيفا نظر فإن كان شديد الضعف أهمله مطلقا وتركه وإلا احتفظ به كشاهد مع التنبيه على ذلك ثم يتجه بعد هذه التصفية إلى البحث الذي هو في صدده فيحرره ويستدل له بما صح من الأحاديث ويتفقه فيها .
    واعلم يا أخي المسلم أن كل من لم ينهج هذا النهج العلمي الصحيح في بحثه فلن يصل إلى الصواب الذي ينشده إلا رمية من غير رام بل هو على الغالب ينتهي الأمر به إلى انحرافات خطيرة لا ينجيه من الوقوع فيها أنهم كانوا غير قاصدين لها ما دام أنهم لا يسلكوا السبيل التي تحفظهم من ذلك وقد قيل :
    ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
    ولعله مما لا خفاء به أن من لم ينهج هذا النهج العلمي وأهمله فإنه معرض لأن يؤاخذه ربه لأنه قضى ما لا علم له به وقد قال تعالى في كتابه : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } .
    وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ( قاضيان في النار ) : ( . . . ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ) .
    رواه أصحاب السنن وغيره وهو مخرج في ( إرواء الغليل ) برقم ( 2614 ) .
    وهذا بخلاف ما لو تبنى هذا المنهج في بحثه وضم إليه - طبعا - مما لا بد من المعرفة باللغة وأصول الفقه وغيره فهو مأجور ولو أخطأ لقوله صلى الله عليه وسلم :
    ( إذا حكم الحاكم ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد ) .
    أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في ( الإرواء ) برقم ( 2598 ) .
    وأنا حين أذكر بهذا الواجب أعلم _ والأسف يملأ قلبي - أنه لا يستطيع القيامة به إذا القليل جدا من العلماء المستقلين لانصراف الجماهير منهم عن دراسة أصول الحديث وتراجم رواته وتاريخهم الأمر الذي لا بد منه لكل من يريد التمكن من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف بنفسه مع التوسع في تتبع طرق الحديث وشواهده من مختلف المصادر الحديثية المطبوعة منها والمخطوطة مقرونا بالصبر والأناة وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام كما يفعل بعض الناشئة اليوم .
    غير أن هذا لا يعني إعفاءهم من واجب الاستعانة على التمييز بأهل العلم بذلك والمتخصصين فيه كما يستعين الجاهل بالفقه مثلا بالفقهاء - ولا أقول المتفقهة - فيسألهم عن كل ما نزل به أو ما كان بحاجة إلى معرفته إعمالا لقول ربه : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وتجاوبا مع حديث نبيه : ( ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال ) .
    رواه أبو داود وغيره وهو مخرج في ( صحيح أبي داود ) ( 364 ) .
    وذلك كله يكون إما بسؤالهم مباشرة وجها لوجه إن تيسر وإما بالرجوع إلى كتبهم وهو متيسر والحمد لله وقد كنت ذكرت طائفة من الكتب الحديثية التي تساعد الباحث على القيام بهذا الواجب في مقدمة ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) فليرجع إليه من شاء .
    هذا وعلاوة على تخريج أحاديث الرسالة وتمييز صحيحها من ضعيفها فقد قمت بتعليقات أخرى مفيدة إن شاء الله تعالى وترجمت لبعض الأعلام كما خرجت كل الآيات الكريمة الواردة فيها واجتهدت في تصحيح بعض الأخطاء التي وقعت فيها وإملاء الفراغات التي نتجت من تسلط الأرضة على نسختها حتى ذهب منها بعض الألفاظ إما بالرجوع إلى الأصل الذي نقل عنه المصنف وإما بالنظر في السباق والسياق ونبهت على ذلك غالبا بوضع المستدرك بين معكوفتين [ ] راجيا من الله تعالى أن ييسر لنا الوقوف على نسخة أخرى نستعين بها على تدارك ذلك على الوجه الأكمل في طبعة أخرى إن شاء الله تعالى .
    فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها واحفظها من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين .
    والله تعالى أسأل أن يتقبل مني عملي هذا وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يكشف عني ما أهمني ويرفع عن المسلمين جميعا ما هم فيه من البلاء وتسلط الأعداء إنه سميع مجيب .
    وسبحانك الله وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك .
    بيروت 21 ذي الحجة سنة 1401 ه .
    محمد ناصر الدين الألباني


    .

    [2] ( 1 ) هذا في طبعته الأولى التي صدرت بظروف قاهرة غير أننا أعدنا صفه وطبعه مجددا في طبعة متقنة مفهرسة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . - زهير - .


    [3] ( 1 ) هو رمل كثير جدا مسيرة أربع ليال بين فيد والقريات .

    [4] ( 2 ) سورة النبأ الآية ( 23 ) .

    [5] ( 1 ) الشجا : كل ما اعترض في حلق الإنسان والدابة من عظم أو عود أو غيرها وأراد هنا أنه يمنعهم عن نشر كلامهم الباطل وكثيرا ما أثنى الإمام أحمد وغيره على حماد فقد كان من الأعلام . وقال عنه القطان : إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام أنظر مسائل الإمام أحمد لابن هانئ 2/197 و207 بتحقيقي . - زهير - .

    [6] ( 2 ) سورة النبأ الآية ( 23 ) .

    [7] ( 3 ) الأصل : ( إن ) .

    [8] ( 4 ) أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( 1551 ) . وأنظر ( مختصر صحيح مسلم ) رقم ( 87 ) .

    [9] ( 5 ) سورة الرحمن الآية ( 26 ) .


    [10] ( 1 ) سورة النحل الآية ( 96 ) .

    [11] ( 2 ) سورة النبأ الآية ( 23 ) .

    [12] ( 3 ) سورة الأنعام الآية ( 128 ) .

    [13] ( 4 ) سورة هود الآية ( 107 ) .

    [14] ( 5 ) سورة الحجر الآية ( 49 - 50 )

    [15] ( 6 ) سورة المائدة الآية ( 98 ) .

    [16] ( 6 ) سورة الأعراف الآية ( 167 ) .


    [17] ( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى { وسعت رحمتي كل شيء } الأعراف الآية ( 156 ) .

    [18] ( 2 ) وانظر ( صحيح الجامع الصغير ) ( 4198 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه وانظر ( السنة ) لابن أبي عاصم بتحقيق الألباني ( 608 ) و( 609 ) وهما من طبع المكتب الإسلامي .

    [19] ( 3 ) هو الجهم بن صفوان المقتول سنة 124 ه طبع المكتب الإسلامي .

    [20] ( 4 ) رواه البخاري وغيره وهو مخرج في ( ظلال الجنة في تخريج السنة ) لابن أبي عاصم ( 857 - 858 ) .

    [21] ( 1 ) هنا انتهت الصفحات الثلاث المخطوطة .


    [22] ( 1 ) وهو من المراجع المعتمدة عند ابن تيمية وغيره فانظر مثلا ( مجموع الفتاوى ) ( 3/4 . 66/96 - 6 . 217 . 70/8 . 153/13 . 416 . 409 . 385/15 . 310 . 144/17 . 472 . 408 . 213/414 . 391 ) .


    [23] ( 1 ) هي القصيدة الطويلة في العقيدة للإمام ابن القيم وقد شرحها الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في كتاب ( توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم ) طبع المكتب الإسلامي - زهير - .

    [24] ( 1 ) ( توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم ) 1/69 .


    [25] ( 1 ) مع كتاب ( السنة لأستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني طبع المكتب الإسلامي .





    [27] ( 1 ) سورة الرحمن الآية ( 46 ) .


    [28] ( 1 ) يشير إلى حديث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واجتماع الصحابة حوله ومجيء الخضر عليه السلام وتعزيته إياهم وهو حديث موضوع خرجته في ( الضعيفة ) ( 5204 ) .


    [29] ( 1 ) وانظر ( المسائل الماردينية ) لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق زهير الشاويش ص 27 طبع المكتب الإسلامي .


    [30] ( 1 ) انظر كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي في ( صفة الصلاة ) ( ص 32 - 33 ) الطبعة العاشرة نشر المكتب الإسلامي .

    [31] ( 2 ) انظر مقدمتي للطبعة الثالثة لكتاب ( الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات ) للشيخ نعمان الآلوسي بتحقيقي ونشر المكتب الإسلامي .


    [32] ( 1 ) من مقدمة ( مجموعة الفتاوى ) .

    [33] ( 1 ) رواه مسلم .


    [34] ( 1 ) سورة الحشر الآية 10 : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } .

    [35] ( 2 ) انظر ( مجموع ( الفتاوى ) ( 19/403 و30/19 - 36 ) .


    [36] ( 1 ) وقد روى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح بل هو موضوع كما هو مبين عندي في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) ( 3227 ) .


    [37] ( 1 ) الأصل : كرم الله تعالى وجهه . والتصويب من ( حادي الأرواح ) ( 2/228 ) وقد ذكر ابن القيم نحو هذه الخاتمة وأطول في ( شفاء العليل ) ( ص 264 ) .


    [38] ( 1 ) وقد لخص المؤلف رحمه الله هذا الكلام ورد عليه في مواطن منها ( ص 118 ) .


    * ( * ) وهذاكثير في كلام الإمام أحمد . انظر ما طبعنا من مسائله وهي : مسائل ابنه عبدالله وتلميذه ابن هانئ النيسابوي والخرقي . - زهير - .

    [39] ( 1 ) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) ( 10/320 - 341 ) .


    [40] ( 1 ) انظر ( فهرس مجموع الفتاوى ) ( أحكام عصاة الموحدين - الوعد والعيد ) ( 1/137 - 138 ) .


    [41] ( 1 ) وقد أشرنا إلى الصواب في التعليق على ( مختصر تفسير المنار ) ج2/541 مع أنه السيد رشيد رضا - رحمه الله - لم يسترسل فيه وهذا يدلك على فوائد مختصر المنار وتعليقات الشيخ محمد كنعان وقد قمت بمراجعته وهو من مطبوعات المكتب الإسلامي .


    [42] ( 1 ) انظر ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) ( ص 26 - 27 - الطبعة العاشرة ) .
    جزاك الله خيرا أيها الباحث مختار
    أرجو من الإخوة أن يرفعو بحوثك لشيخ يحي يراجعها
    فهي طيبة ومفيدة جدا جدا
    نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتك

    تعليق

    يعمل...
    X