شرح الصدور
في الردعلى من يقول
في الردعلى من يقول
بأن الشمس ثابتةوالأرض تدور
إعداد أبي عبد الرحمن موفق بن أحمدبن علي الفاضلي العودي
بسم الله الرحمن الرحيم
" وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء : 115] والسلف الصالح هم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم.
فأقول مستعينا بالله :
1ــ قال الله تعالى في كتابه الكريم :"وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) [يس : 38 - 40]
1ــ قال الله تعالى في كتابه الكريم :"وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) [يس : 38 - 40]
وإليكم أقوال المفسرين: أولا:تفسير قوله تعالى:(والشمس تجري لمستقرلها){يس 38} قال ابن كثير في تفسيره في قوله تعالى : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } ، في معنى قوله: { لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } قولان: أحدهما: أن المراد: مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع المخلوقات؛ لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون من العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام، وهو وقت نصف الليل، صارت أبعد ما تكون من العرش، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع، كما جاءت بذلك الأحاديث. قال البخاري: حدثنا أبو نُعَيْم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم [التيمي]، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تغربُ الشمس؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } . و عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } ، قال: "مستقرها تحت العرش" . وعن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: "أتدري أين هذا؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، ويقال لها: ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها، فذلك قوله: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } (أخرجه البخاري) وقيل: المراد بقوله: { لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } هو انتهاء سيرها وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها، ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض. والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو: منتهى سيرها، وهو يوم القيامة، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور، وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني. قال قتادة: { لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } أي: لوقتها ولأجل لا تعدوه. وقيل: المراد: أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها، يروى هذا عن عبد الله بن عمرو. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لا مُسْتَقَرَّ لَهَا" أي: لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلا ونهارًا، لا تفتر ولا تقف. كما قال تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ } [إبراهيم: 33] أي: لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة. { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } أي: إلى مستقر لها، أي: إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة. وقيل: إنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها، ثم ترجع فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزه. وقيل: مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مستقرها تحت العرش". قلت وهذا التفصيل لا يخرج عن كون الشمس تجري سواء كان المستقر الزماني أو المكاني. وللفلكيين شبهة وهي أن معنى :"لمستقرلها" أن الشمس تجري حول نفسها فهذا غير صحيح وليس عليه دليل بل ترده الأدلة . وقال الطبري في تفسيره لقوله تعالى :( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) يقول تعالى ذكره: والشمس تجري لموضع قرارها، بمعنى: إلى موضع قرارها؛ وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .وذكر حديث أبي ذر المتقدم .,.. وقال آخرون: معنى ذلك: تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها، بمعنى: أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع ولا تجاوزه. قالوا: وذلك أنها لا تزال تتقدم كلّ ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع. وقال السعدي في تفسيره لهذه الآية : دائما تجري لمستقر لها قدره اللّه لها، لا تتعداه، ولا تقصر عنه، وليس لها تصرف في نفسها، ولا استعصاء على قدرة اللّه. وقال الطبراني في تفسيره المنسوب إليه في قوله تعالى :{ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } أي إلى مُستَقَرٍّ لها وهو آخرُ مدَّة الدنيا ثم تجرِي بعدها ، ويقالُ : مستقرُّها منازلُها إذا انتهت الى أقصَى منازلها التي لا تجاوزُها في الصيفِ رجَعت ، ويقالُ : سمعت منازلَها مستقرَّها ، كما يقالُ في منْزِل الرجلِ : هو مُستَقَرُّهُ ، وإن تصَّرَفَ فيه وتحرَّكَ.
تفسير قوله تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ } إبراهيم: 33] قال ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى :{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ } أي: يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا، { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40]، { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54]، فالشمس والقمر يتعاقبان، ... وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) أي في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، والدءوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية. وقيل: دائبين في السير امتثالا لأمر الله، والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران، روي معناه عن ابن عباس.
أدلة ثبوت الأرض: تفسير قوله تعالى :{ أَمْ مَنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}. [النمل : 61] قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا } أي: قارة ساكنة ثابتة، لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا بساطًا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك، كما قال في الآية الأخرى: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } [غافر: 64]. ... { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } أي: جبالا شامخة ترسي الأرض وتثبتها؛ لئلا تميد بكم . وقال في تفسيره للآية الأخرى التي في سورة غافر: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا } أي: جعلها مستقرا لكم، بساطا مهادا تعيشون عليها، وتتصرفون فيها، وتمشون في مناكبها، وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم... وقال الطبري في تفسيره لهذه الآية :يقول تعالى ذكره: أعبادة ما تشركون أيها الناس بربكم خير وهو لا يضرّ ولا ينفع، أم الذي جعل الأرض لكم قرارا تستقرّون عليها لا تميد بكم(وَجَعَلَ ) لكم(خِلالَهَا أَنْهَارًا ) يقول: بينها أنهارا(وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ) وهي ثوابت الجبال، .. وقال :"جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ) التي أنتم على ظهرها سكان( قَرَارًا ) تستقرون عليها، وتسكنون فوقها. وقال الطبراني في التفسير المنسوب إليه في تفسير قوله تعالى :: { أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً } ؛ أي مستقرَّةً لا تَميلُ بأهلِها ، بل جعلَها مَسْكَناً يَسِيرُونَ فيها ويصرفون عليها ، فلا هي تضطربُ بهم ، ولا هي حَزْنَةٌ غليظةٌ مثلَ رُؤوسِ الجبالِ.
تفسير قوله تعالى:" أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا . وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [النبأ : 6 ، 7] قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا } ؟ أي: ممهدة للخلائق ذَلُولا لهم، قارّةً ساكنة ثابتة ، { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } أي: جعلها لها أوتادًا أرساها بها وثبتها وقرّرها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها. وقال الطبري في تفسير قوله تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ ) لكم( مِهادًا ) تمتدونها وتفترشونها. قلت :مضمون هذه التفاسير أن الأرض ثابتة لاتدور ولاتتحرك وإنما الشمس تدور حولها فينتج عن ذلك بإذن الله تعاقب الليل والنهار.وأما شبهة أن تعاقب الليل والنهار ناتج عن دوران الأرض حول الشمس غير صحيح وليس عليه دليل . وفي الختام أقول "فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس : 32]نسأل الله أن يبصرنا بالحق ويثبتنا عليه وأن ينفع بهذا البحث كل من قرأه وآخردعوانا أن الحمدلله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه / أبو عبد الرحمن موفق بن أحمد بن علي الفاضلي العودي 28جماد أول 1435هـ
تنبيه :اكتفيت في هذا البحث بنقل الأدلة وذكر أقوال بعض المفسرين لهذه الآيات ولم أذكر شبه المعارضين والرد عليها خشية الإطالة وهناك فهناك بحث نفيس في الشبكة للأخ الفاضل فؤاد بن نعمان بعنوان (تسليط النور على أن الأرض قارة ثابتة لا تدور) ذكر فيه شيئا من التفصيل والردود على شبه الفلكيين وذكر فيه الإجماع وبعض فتاوى أهل العلم ,فمن ا أراد المزيد من التفصيل للاستفادة فليرجع إليه.
تنبيه آخر : سيتم إرفاق هذا البحث إن شاء الله لاحقا على شكل مطوية لمن أراد النشروالتوزيع وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
تعليق