طليعة الردود السديدة
على رسالة (نصائح علماء الأمة)
لجامعها: الشيخ محمد بن عبدالوهاب الوصابي (هداه الله)
وتأصيلاته الجديدة
تأليف: أبي حمزة
محمد بن حسين بن عمر العمودي
الحضرمي نسبًا العدني منزلاً
دار الحديث العامرة بدماج
حرسها الله
****************
**حمل الرسالة من**
**الخزانة العلمية**
**لشبكة العلوم السلفية**
على رسالة (نصائح علماء الأمة)
لجامعها: الشيخ محمد بن عبدالوهاب الوصابي (هداه الله)
وتأصيلاته الجديدة
تأليف: أبي حمزة
محمد بن حسين بن عمر العمودي
الحضرمي نسبًا العدني منزلاً
دار الحديث العامرة بدماج
حرسها الله
****************
**حمل الرسالة من**
**الخزانة العلمية**
**لشبكة العلوم السلفية**
قال الحافظ بن القيم / في إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 /9،8):
وَلَمَّا كَانَتْ الدَّعْوَةُ إلَى اللَّهِ وَالتَّبْلِيغُ عَنْ رَسُولِهِ شِعَارُ حِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ ، وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ }
وَكَانَ التَّبْلِيغُ عَنْهُ مِنْ عَيْنِ تَبْلِيغِ أَلْفَاظِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ وَتَبْلِيغِ مَعَانِيهِ كَانَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ مُنْحَصِرِينَ فِي قِسْمَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : حُفَّاظُ الْحَدِيثِ ، وَجَهَابِذَتُهُ ، وَالْقَادَةُ الَّذِينَ هُمْ أَئِمَّةُ الْأَنَامِ وَزَوَامِلُ الْإِسْلَامِ ، الَّذِينَ حَفِظُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ مَعَاقِدَ الدِّينِ وَمَعَاقِلَهُ ، وَحَمَوْا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّكْدِيرِ مَوَارِدَهُ وَمَنَاهِلَهُ ، حَتَّى وَرَدَ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ الْحُسْنَى تِلْكَ الْمَنَاهِلَ صَافِيَةً مِنْ الْأَدْنَاسِ لَمْ تَشُبْهَا الْآرَاءُ تَغْيِيرًا ، وَوَرَدُوا فِيهَا { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا }، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى ، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى ، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوْتَى ، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى ، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسٍ قَدْ أَحْيَوْهُ ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ ، وَأَطْلَقُوا عَنَانَ الْفِتْنَةِ ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُجْمِعُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ ، يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمُضِلِّينَ.
****************
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين الحاقدين الحاسدين المعتدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بصدق وإخلاص وإحسان إلى يوم الدين. أما بعد...
يقول الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ_،
ويقول تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ_،
ويقول سبحانه: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ_، ويقول العزيز الحكيم: +قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ_،
ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ_).
وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ط عن رسول الله ص أنه قال:(إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ).
أيها السلفيون الغيورون النصحاء الأمناء، اعلموا أن داء الحسد داء عظيم متى ما تمكن من العبد والعياذ بالله تعالى، فإنه يفتك به ويهلكه ويورده شرّ الموارد وعظيم المهالك والمخاطر، وهذا الداء العضال كان سببًا في خروج إبليس عليه لعنة الله تعالى من الجنة وطرده من رحمة الله الغفور الرحيم.
حيث أنه عصى ربه العلي العظيم، وأبى أن يسجد لأبينا آدم عليه السلام تكبرًا وحسدًا وحقدًا وتعاظمًا وإعراضًا، فصار بسبب جرمه وعظيم ذنبه منبوذًا مدحورًا صاغرًا ذليلاً، يقول تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18))، وصار شرّ أسوة للحاقدين الحاسدين، فهو شيخهم وإمامهم والعياذ بالله تعالى.
معشر السلفيين سددكم الله تعالى، اعلموا أنه يجب على العبد أن يرضى بأمر الله تعالى ويسلم لقضائه وقدره، وواجب عليه أن يرضى بما قسم الله تعالى له، يقول تعالى: + نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ_.
ويحرم عليه أن يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ويتمنى زوال ذلك عنهم والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)).
فأنت أيها الحقود الحسود لا تستطيع أن تقدم شيئًا ولا تأخر شيئًا، وإنما تهلك نفسك وتميتها
كمدًا، بسبب لهيب قلبك وفوران دمك، حقدًا وغيظاً على غيرك، أما علمت أيها الحاقد الحسود أن الحسد يورث في قلبك الأحقاد والضغائن، بل ربما يؤدي بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله تعالى، كما هو الحال في إبليس لعنة الله عليه، بل ربما يؤدي بصاحبه إلى النفاق والعياذ بالله تعال، كما هو الشأن في عبدالله بن أبي بن سلول عليه لعنة الله تعالى.
فهذا الداء السرطاني قلّ أن يتوب منه المبتلى به إلا أن يشاء الله تعالى، لا سيما إذا تمكن منه ولم يجاهد نفسه والعياذ بالله تعالى.
من أجل هذا أحببت أن أذكر نبذة مختصرة تكشف لك بإذن الله تعالى عن أحوال الحاقدين الحاسدين وتنبيك عن بعض صفاتهم وسيماهم، تذكيرًا وتنبيهًا أولاً لنفسي ثم لإخواني السلفيين، أسأل الله تعالى أن يعافينا وإياهم من كل سوء ومكروه، ويجنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.
1- الحاسد: لا يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، يقول تعالى:(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
2- الحاسد: يتمنى زوال النعمة على المحسود، ويتمنى أن يكون معه في الشقاء والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)).
3- الحاسد: لو استطاع أن يمنع الهواء والماء والخير على المحسود لفعل، والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: +هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)_، ويقول تعالى: + مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105).
4- الحاسد: ينتقد المحسود ولو بأتفه الأسباب، يقول تعالى: +وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)).
5- الحاسد: يشكك الناس في دين الله تعالى والعياذ بالله، يقول تعالى: +وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)).
6- الحاسد: يفضل أهل الفتن والأهواء على أهل الحق، يقول تعالى: +أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)).
7- الحاسد: يغرر الناس ويلبس عليهم دينهم ويصدهم عنه ويتظاهر بالنصح ومحبة الخير ويكتم الحق، يقول تعالى: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)_، ويقول تعالى: +وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)).
8- الحاسد: لا يألوا جهدًا في محاربة المحسود وصده عن سبيل الله تعالى والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)).
9- الحاسد: خبيث النية شرّير الطوية يسعى إلى التحريش والتفريق بين الأحبة، عن جابر بن عبدالله م عن رسول الله ص قال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) رواه مسلم.
10- الحاسد: يرد الحق ويعرض عنه لا لأنه حق، ولكنه جاء من طريق فلان من الناس فيرفضه بل ربما كذّبه، يقول الله تعالى:(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)).
قال العلامة السعدي / في تفسيره (ص44): أي ولما جاءهم كتاب من عند الله على أفضل الخلق وخاتم الأنبياء المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة، وقد علموا به وتيقنوه حتى أنهم كانوا إذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب استنصروا بهذا النبي وتوعدوهم بخروجه، وأنهم يقاتلون المشركين معه، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا كفروا به بغيًا وحسدًا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فلعنهم الله وغضب عليهم غضبًا بعد غضب لكثرة كفرهم وتوالي شكهم وشركهم. اهـ
11- الحاسد: شديد الحرص على أن لا يسمع الحق من المحسود ويحاول أن يمنعه من الصدع بالحق، بل إنه يتضايق من أدنى شيء يراه على المحسود حتى من نعله وغباره وظله والعياذ بالله تعالى، اللهم سلمنا وعافنا يا كريم.
عن أسامه بن زيد م أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ حَتَّى مَرَّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ أَيْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاصْفَحْ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ وَلَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري.
قوله: شرق بذلك، بفتح المعجمة وكسر الراء، أي: غصّ به وهو كناية عن الحسد يقال: غصّ بالطعام وشجى بالعظم وشرق بالماء إذا اعترض شيء من ذلك في الحلق فمنعه الإساغة. اهـ $الفتح# (8/80-81).
قال في (النهاية): أي غصّ به وهو مجاز فيما ناله من أمر رسول الله ص وحل به، حتى كأنه شيء لم يقدر على اساغته وابتلاعه فغصّ به. اهـ
12- الحاسد: كذاب ومخادع ولبّاس ولا يؤتمن عليه لا في دين ولا دنيا، لو استطاع أن يبيعك بأرخص الأثمان لفعل، لا يتورع أن يرميك بأعظم الفرى ولا يتحاشى من ذلك، يقول تعالى:(لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21))،
وقال تعالى: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)).
13- الحاسد: قلبه ممتلئ غيظاً وحنقًا على المحسود، يتظاهر أنه معه وهو على الخلاف من ذلك، ويفرح بما يسوء المحسود والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)).
فهذه جملة من أخلاق وعلامات الحاسد الحقود، فلنكن جميعًا منها معشر السلفيين على حذر تام، ولنسأل من الله تعالى أن يعيننا لأن يعيننا على أنفسنا ويدفع عنا هذا الداء الفتاك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وإن هذه الرذائل لتظهر جليًا عند ذوي الفتن والبدع والأهواء، الذين لا يرقبون في سني إلاًّ ولا ذمة.
فهذا شيخنا الكريم الناصح الأمين عند أن أكرمه الله تعالى ومنّ عليه بريادة وقيادة دار الحديث والسنة عقر الدعوة السلفية ومنبعها الصافي، ما إن تولى هذا المقام الشريف والعبء الثقيل إلا وتكالبت عليه أهل الفتن والزيغ والهوى والحسد، وكان السبب الرئيسي لهذه الحملة الشرسة المتوالية من قبل أعداء السنة، هو ذالكم الداء الدفين والمرض المهين داء الحسد، فما إن ينتهي من فتنة إلا وأختها على الطريق، هكذا سلسلة متواصلة، بشتى الطرق وأخبث الوسائل، لا ينثنون ولا يملون ولا يخافون الله تعالى ولا يخشونه، جادين ليل نهار، يحاولون زعزعت الصف السلفي بإثارة الفتن والقلاقل بين أوساطه، ومحاولة غرس وزرع أناس يقومون بهذه الفتن وهذه الثورات، باسم السلفية،مستخدمين في ذلك التقية، والعياذ بالله تعالى.
ألا وإن هذه المحن والشدائد التي يمرّ بها شيخنا رعاه الله ورفع قدره وأعزّ شأنه، غير عابئ بها، وإنما حصل له ذلك بسبب صدقه وإخلاصه ونصحه لهذه الدعوة المباركة، فيما نحسبه والله حسيبه، فقد منحه الله تعالى حبًا وغيرة لهذه الدعوة المباركة، لا يألوا جهدًا في نصرتها والذب والذود عن حياضها.
فلله درّه من ناصح أمين، أكرمه الله الكريم بالسنة والقرآن والعمل بهما والدعوة إليهما والصبر على الأذى فيهما، (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)).
وإلى رسالة: (طليعة الردود السديدة على رسالة نصائح علماء الأمة لجامعها الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي وتأصيلاته الجديدة)
قال (ص1-2): فهذه نصائح علماء أهل السنة والجماعة في كل فتنة دهماء، جمعتها ورتبتها وهذبتها ونقحتها، عسى الله أن ينفع بها طلاب العلم وجميع إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عند حلول الفتن المدلهمة. اهـ
قلت: سيأتي من الردود على الشيخ محمد ما يدلك أيها القارئ أنه أحوج ما يكون للنصح والتنبيه على أهم شطحاته التي وجه هذا الكلام إليها، لكان أجدر به عملاً بقول الله تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)_ فهو يرمي بذنبه على كواهل غيره، ويخرج منها بريئًا، ويظهر في صورة الناصح، هذا هو نظامه المعروف، والله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)).
قال (ص11): فبين سبحانه وتعالى أن سنته في خلقه أن يبتليهم بالسراء والضراء والغنى والفقر والعسر واليسر والعزّ والذل والحياة والموت، حتى يتبين من يفتتن عند الفتن ومن ينجو.اهـ
قلت: وهذه هي الفائدة والثمرة من الفتن، تبين الصادق من الكاذب والمخلص من المنافق والثابت من المتزعزع، بل وبها يعرف منازل الناس ودرجاتهم.
قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)).
وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).
قال (ص12): فأرشد الله العباد عند وقوع الفتن أن يرجعوا إلى أهل العلم، وخاصة الراسخين منهم، فقال: سبحانه وتعالى: +وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا_.
قلت: ومعنى يستنبطونه: أي يستخرجونه من معادنه، يقال: استنبط الرجل العين إذا حفرها واستخرجها من قعورها. اهـ من (تفسير بن كثير) (1/502) /.
وقال العلامة السعدي / (ص170): أي يستخرجونه بفكرهم وأرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. اهـ
وهذا شامل لفهم الأمور على حقيقتها والرجوع إلى أصولها ومصادرها، ويؤيده قول الله تعالى: ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189))، وقد عُلِمَ من الشيخ محمد أصلح الله حاله، بعظم من التوثب وشدة التدخل فيما لا يعنيه، تارة بالطعن وأخرى بالتحريش وأخرى بمضادة الحق إلى غير ذلك.
قال (ص13): وكذا النبي ص أرشد الأمة إلى كيفية التعامل مع الفتن، فقال:(إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا).
قلت: الحديث فيه مدح لمن تجنب الفتن ومدح من ابتلي فصبر، ولا يكون ذلك إلا بالحذر والتحذير من الفتن وأهلها، ولا يعني هذا أن يغض الطرف عن الفتن ولا يحذر منها ولا من أهلها، ليس المعنى هذا ، وإنما المعنى ما تقدم، فالتحذير من الفتن ومن أهلها من ديننا، وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذان هما قوام الدين وبهما يتحقق للعبد السعادة، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)_.
قال (ص13): ودلهم عليه الصلاة والسلام على ما هو خير لهم وأنفع من الولوج في الفتن فقال:(الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم، عن معقل بن يسار .
قلت: قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: .................................. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيَّ أَنْ أَقُولَ فُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ كَذَا . فَقَالَ : إذَا سَكَتّ أَنْتَ وَسَكَتّ أَنَا فَمَتَى يُعْرَفُ الْجَاهِلُ الصَّحِيحُ مِنْ السَّقِيمِ . وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ . فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ اللَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا اسْتَوْلَوْا لَمْ يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعًا وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ ابْتِدَاءً. اهـ (مجموع فتاوى ابن تيمية) - (ج 6 / ص 362).
فالجمع بين الصلاة والصيام والقيام وبيان حال أهل الأهواء كل في موضعه، ولا ينبغي إهمال جانب على حساب آخر، هذا هو شأن أهل الهدى من الصحابة ن فما بعدهم.
قال (ص15): فأما إذا خاض العامة وطلبة العلم غمار الفتن غير مبالين بأهل العلم فإن هذا نذير شرّ على الأمة، وهذا مما يزيد الفتن اشتعالاً والشرّ انتشارًا والخلاف اتساعًا.
قلت: قد مضى أن الحذر والتحذير من الفتن من ديننا، فإذا قام عالم سلفي معتبر ذو خبرة وتجربة وبصيرة، وحذر من الفتن وأقام الأدلة والبراهين على خطورة هذه الفتنة، ثم تتابع الناس إلى قوله وأخذوا به، فهذا عين ما يدفع الله تعالى به الفتن وخلافه ضده، فهذا من ردّ الأمور إلى أوليائها الذين لهم جهاد معروف ومشهور في السنة، فالعلماء إذا لم يتصدوا للفتنة من أول أمرها ويحذروا منها، فإنها تزداد انتشارًا واتساعًا وتشتعل نارها، ومن ثمّ يصعب إخمادها والحالة هذه.
قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه: والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها. انظر (منهاج السنة).
وكون الناس يأخذون بقول عالم من العلماء الذين لهم باع في السنة ولهم صولات وجولات مع أهل البدع والأهواء والفتنة، هل معنى هذا أنهم غير مبالين بأهل العلم الأخرين؟! هذا غير صحيح، وقائل هذا هو أحد رجلين:
إما أن يكون يمجمج بهذه المجملات يريد أن يصرف الناس عن هذا العالم المعتبر ما لديه من الحق والهدى ، وإما أن يكون حسن النية والقصد، إلا أنه لم يأت البيوت من أبوابها ولم يدع السهم لراميها، فهذا عدم توفيق.
فالعلماء أفهامهم وإدراكهم في الفتن ليسوا على حدٍّ سواء، والواقع أكبر شاهد وبرهان، ومن كان هذه حاله فإن شاء الله تعالى سوف يصل إلى الحق اليوم أو غدًا أو بعد غد.
قال (ص15): وطالب العلم يقبل على شأنه ودروسه وحفظه، ويحفظ لسانه إلا من خير، وإذا سأله العامي أرشده إلى أهل العلم. اهـ
قلت: ومن الخير بل من أعظم الخير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى السنة والتحذير من البدعة والفتنة، ومن الخير مع الدلالة إلى أهل العلم الصادقين الأمناء التعاون معهم على تحذير العامي من الشر الذي علموه من أهل العلم، قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2))،
وقال النبي ص: $المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا#، ولا يزال سلفنا الصالح رحمة الله عليهم على ذلك التعاون من لدن رسول الله ص إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إنشاء الله تعالى.
قال (ص16): الجرح والتعديل من ديننا، لكن ليس لكل من هب ودب، إن الجرح والتعديل له رجاله، وهم العلماء الأتقياء المخلصون الصادقون الرحماء الحكماء والبررة الذين يضعونه في موضعه اللائق به، دون ظلم ولا اعتداء ولا انتقام للنفس ولا رياء ولا سمعة. اهـ
قلت: الأمر كما قال هداه الله أن هذا الفن العظيم له أهله المعروفون به المتخصصون فيه، وهذا العلم الجليل الذي خصّ الله به أناسًا دون آخرين لا يمكن أن ينتشر إلا إذا حمله الناس عن هذا العالم ونشروه، ولا يكون ذلك إلا بالأخذ بأقواله ونشرها بين أوساط الناس.
وهذه كتب الجرح والتعديل ذاخرة بأقوالهم، قال الإمام أحمد في فلان كذا، وقال ابن معين في فلان كذا، وقال شعبة في فلان كذا، فلا أدري كيف تناسى الشيخ محمد هداه الله أقرب مصدر يتناوله، مثل(تهذيب التهذيب) و(ميزان الاعتدال) وما فيها ممن مثل هذه النقول، وما الذي أذهب هذه الأصول الثابتة من ذهنه، وأبدلها بمقولات هزيلة، لا يؤيدها دليل ولا طريق سلف
وكما قيل الليث أفقه من مالك، إلا أن مالكًا له رجال يعني حملوا عنه العلم ونشروه حتى وصل إلى ما وصل إليه، والمتصدي لهذا الفن الجليل يشترط في حقه: العلم والتقوى والورع والصدق والأمانة والابتعاد عن التعصب ومعرفة أسباب الجرح والتزكية( ).
وأما مسالة الرحمة والعاطفة، فهل بيان حال أهل الفتن إلا من الرحمة بهم، كما في ترجمة الحسن بن صالح بن حي من (تهذيب التهذيب) ..... وقال أبو صالح الفراء ذكرت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن فقال ذاك يشبه استاذه يعني الحسن ابن حي فقال فقلت ليوسف ما تخاف أن تكون هذه غيبة فقال لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم. اهـ $تهذيب التهذيب# - (ج 2 / ص 249).
ثم إن الإنكار على أهل الأهواء والفتن، إنما هو الغيرة على الدين والذب عن سنة سيد المرسلين ص، والقائم بهذا يتطلب منه كامل التجرد لله تعالى، وأن لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم، ولا تأخذه العواطف، كما قال الله تعالى:(وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) بل إن حسن الظن ليس بمعتبر في مثل هذا المقام، لا سيما مع وجود ما يدل على خلاف هذا الأمر من الريب وغير ذلك.
قال الحافظ بن أبي حاتم رحمة الله عليهما في مقدمة $الجرح والتعديل# (2/35): نا أحمد بن سنان، سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن، الحكم والحديث، يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي. اهـ
قال صاحب دراسات في $الجرح والتعديل# (ص47): لأن حسن الظن بالراوي حمل بعض العلماء على التساهل في رواية الحديث عن مستور الحال. اهـ
قال الإمام ابن مفلح / في (الآداب الشرعية) (1/89): وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ظَنَّ الْقَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّهُ لَا حَرَجَ بِظَنِّ الْقَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ قَبِيحٌ ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ الْحَنْبَلِيُّ : لَا يَحِلُّ وَاَللَّهِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِمَنْ تَرْفُضُ وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ الشَّرْعَ فِي حَالٍ . اهـ
أخرج البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب ط أنه قال: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
قال (ص16-17): وأما الفتنة إذا كانت بين عالمين من علماء أهل السنة، فلا يخوض فيها إلا علماء أهل السنة، فهم أعلم وأعرف بما يقولون وأدرى بالمصالح والمفاسد، وبمن يستحق أن يعدّل أو يجرّح، أما العامي وطالب العلم فلا يجوز لهم الخوض في مثل هذه الفتن فضلاً عن أن يجرحوا أو يعدلوا. اهـ
قلت: ليس الكلام على حصول الخلاف بين عالم سني وآخر سني مثله، فمثل هذا الأمر ينبغي بل يجب السعي الحثيث لإخماد هذا الخلاف وإماتته مع الحفاظ على منزلة ومكانة كل واحد منهما، فهما حصل من خلاف بين سني وآخر فمآله بإذن الله تعالى إلى الوفاق والسداد والوئام، إذ أن طريقهما واحد، وهو نصر السنة وأهلها ودحض البدعة وحزبها.
وليس هذا محل النزاع يا شيخ محمد هداك الله، إذ أن هذا أمر مسلّم به ولا تنتطح فيه عنزان، ولكن الأمر الذي أحب أن ألفت نظر القراء الكرام إليه، وهو:
إذا قامت ثائرة على الدعوة السلفية، فانبرى لها عالم من علماء السنة المعتبرين وأقام الأدلة والبراهين على ضرر هذه الفتنة بعلم وخبرة ومعايشة لها، كون هذا المنحرف من بلده أو من تلاميذه، ثم تتابع الناس وأخذوا بقول هذا العالم المعتبر ونشروه بين أوساط الناس كي يحذروا مغبة هذه الفتنة ويسلم دينهم منها ومن شرها، فهذا هو عين الإنصاف وتجنب العناد والإجحاف والترفع بالنفس عن هواها وعن مجانبة قواعد السلف رحمهم الله المثبتة للحكم على من عنده في تلك القضية مزيدًا من العلم أصلح الله حالك يا شيخ محمد، فأي ضرر في مثل هذا الحق الصريح الواضح أصلح الله حالك يا شيخ محمد؟
فهل في هذا ضرر يا شيخ محمد؟
فإن قلت: نعم، فيه ضرر وخطر.
فأقول لك بين لي وجه الضرر والخطر من هذا الأمر؟
فإن قلت: الضرر أنهم لم يرجعوا إلى العلماء.
فأقول لك: هذا لفظ عام، من تعني بالعلماء؟
فإن قلت: أعني بهم علماء أهل السنة والجماعة.
فأقول لك: أولاً إن العلماء ليسوا على حدٍّ سواء فمراتبهم وأفهامهم مختلفة وكل ميسر لما خلق له( ).
ثانيًا: قدمنا لك قاعة أصلية، أن من علم حجة في تلك القضية على من لم يعلم ملابساتها.
ثالثًا: قولك هذا يشير إلى أن أي قضية لا يقل فيها أحدٌ في عالم حتى يتكلم العلماء الآخرون، هذا قول محدث لم يقل به عالم معتبر وعار على مثلك أن يلفق هذه الأقوال والتأصيلات الباردة بغير سلف وإليك نبذة من بيان بطلان هذه الدعوة.
سئل العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- في أحد أشرطته في الرد على فالح الحربي: (هل يشترط في جرح أهل الأهواء إجماع علماء العصر أم يكفي عالم واحد؟
فأجاب: هذه من القواعد المميعة الخبيثة بارك الله فيكم أي عصر اشترط هذا الإجماع؟ وما الدليل على هذا الشرط؟ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان هناك شرط فإذا جرح أحمد بن حنبل ويحيى بن معين جرح مبتدعًا أقول لا بد أن يجمع أئمة السنة في العالم كلهم على هذا المبتدع فإذا قال أحمد: هذا مبتدع انتهى كل شيء ولهذا كان إذا قال أحمد فلان مبتدع سلَّم الناس كلهم له ما ركبوا أهواءهم إذا قال ابن معين هذا مبتدع ما أحد ينازعه يشترط الإجماع هذا مستحيل في كل الأحكام الشرعية في كل الأحكام الشرعية مستحيل...(هؤلاء مميعون هؤلاء المميعون وأهل الباطل ودعاة الشر وأهل الصيد في الماء العكر كما يقال فلا تسمعوا لهذه الترَّاهات)، فإذا جرح عالم بصير شخصًا بارك الله فيكم يجب قبول هذا الجرح فإذا عارضه عالم عدل متقن حينئذٍ يدرس يعني ما قاله الطرفان وينظر هذا الجرح وهذا التعديل فإن كان الجرح مفسرًا مبينًا قدم على التعديل ولو كثر عدد المعدلين إذا جاء عالم بجرح مفسر وخالفه عشرون خمسون عالمًا ما عندهم أدلة ما عندهم إلا حسن الظن والأخذ بالظاهر وعنده الأدلة على جرح هذا الرجل عنده الأدلة على جرح هذا الرجل فإنه يقدم الجرح لأن الجارح معه حجة والحجة هي المقدمة وأحيانًا تُقَدَّم الحجة ولو خالفها أهل الأرض, ملئ الأرض خالفه والحجة معه والحق معه الجماعة من كان على الحق ولو كان وحده لو كان إنسان على السنة وخالفه أهل مدينتين ثلاث مبتدعة الحق معه ويقدم ما عنده من الحجة والحق على ما عند الآخرين من الأباطيل فيجب أن يحترم الحق أن تحترم الحجة والبرهان ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فالكثرة لا قيمة لها إذا كانت خالية عن الحجة).اهـ
وقال أيضًا -حفظه الله- جوابًا على بعض أسئلة شباب عدن في فتنة أبي الحسن: (..فإذا قدَّم الأدلة لو عارضه مئة عالم من كبار العلماء وأبرزهم لا قيمة لمعارضتهم لأنهم يعارضون الحجة والبرهان، وهم يعارضون بغير حجة ولا برهان والله يقول: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فالبرهان يسكت الألوف من الذين خلت أيديهم من الحجج ولو كانوا علماء فهذه قواعد يجب أن تعرف وعليكم بمراجعة كتب علوم الحديث، ولاسيما الموسعة منها مثل: تدريب الراوي ومثل: فتح المغيث للسخاوي شرح ألفية العراقي، وهذه أمور بدهية عند أهل العلم المنازعة فيها والكلام فيها بالباطل لا يجوز لأننا نفسد العلوم الإسلامية ونخرب القواعد و.. و.. إلى آخره بمثل هذه الأساليب، فلا يجوز لمسلم أن يطرح للناس إلا الحق إلا الحق ويبتعد عن التلبيس والحيل بارك الله فيكم).اهـ انظر (مختصر البيان) (ص74-75).
ولهذا تجد العقلاء من العلماء وحذاقهم يسندون مثل هذه الأمور إلى أهلها ويؤخذون بأقوالهم ويعتمدون عليها في معرفة الفتن وأهلها، بل ويحيلون الناس إليهم وإلى الأخذ عنهم، بسعة صدر وراحة بال.
فإن قلت: فما بال طلبة العلم يخوضون في مثل هذه الأمور؟
فأقول لك: هم لم يخوضوا في مثل هذه الأمور، وأنما أخذوا ببيان حقيقة هذه الفتنة من مصادرها الموثوقة، فهل على طلبة العلم عضاضة والحالة هذه، حسبهم أنهم امتثلوا قول الله :(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا_.
وعليه فمن الخطأ بمكان أن يصوّر للناس أن ما حصل في هذه الفتنة إنما هو خلاف دائر بين عالمين من علماء السنة، وأن السبب في ذلك أغراض وأمور في النفس وغير ذلك من الأوهام والتخيلات التي لا تنفق على من أكرم نفسه بالتجرد لأخذ العلم النافع والعلم به وتطبيق القواعد العلمية والأصول السلفية في مواضعها، ومن أجل تلك الأصول التي فيها الخير والسلامة مع قاعدة من علم حجة على من لم يعلم، حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فهذه المسألة التي تصادم من أجلها القواعد والأول بما لا نظير له في التعصب المذهبي، وهي قضية بعض طلاب الشيخ يحيى رعاه الله، والذين كانوا في داره، فبين أفكارهم السيئة وحزبيتهم المقيتة، تدخلك في مثل هذا لا مستند له من الرشد وتطبيق الحديث المذكور ونعوذ بالله من الهوى المردي.
قال (17-18): فيا طلبة العلم عليكم بالتأني وعدم العجلة، فإن النبي ص قال:(التأني من الله والعجلة من الشيطان).....، وسمعت شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى يقول: يا أهل السنة إياكم والسرعة، فإن السرعة تؤدي إلى الانقلاب. اهـ
قلت: التأني مطلوب في كل شيء، إلا في عمل الآخرة، فالواجب المسارعة والمسابقة، يقول تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) ويقول تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)، وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: (قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84).
وفي سنن أبي داود وغيره عن سعد ط عن رسول الله ص قال: $التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة # الحديث صححه العلامة الألباني رحمة الله عليه.
قوله: $التؤدة# بضم التاء الفوقية وهمزة مفتوحة ودال مهملة مفتوحة، أي: التأني.
قوله: $في كل شيء خير# أي: مستحسن محمود.
قوله: $إلا في عمل الآخرة# فإنه غير محمود فيه، بل الحزم ببذل الجهد فيه لتكثير القربات ورفع الدرجات، ذكره القاضي، وقال الطيبي: معناه: أن الأمور لا يعلم أنها محمودة العواقب حتى يتعجل فيها أو مذمومة حتى يتأخر عنها، بخلاف الأمور الأخروية، لقوله سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
كان البوشنجي في الخلاء فدعا خادمه فقال: انزع قميصي وأعطه فلانًا، فقال: هلا صبرت حتى تخرج، قال: خطر لي بذله ولا آمن على نفسي التغير. اهـ من $فيض القدير# (3/277).
ومن أعظم أعمال الآخرة: الغيرة على السنة والذب عنها، ولقد كان شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه غيورًا على السنة حريصًا على نشرها وتعليم الناس، وفي المقابل ما كان يتوان من التحذير من الفتن والبدع والأهواء، ولقد بحّ صوته رحمة الله عليه بذلك، وكم خرجت من أشرطة وكتب ورسائل وفتاوى تحذر من أهل الزيغ والفتن.
ما من مبطل يبرز قرنه، إلا وتجد شيخنا رحمة الله عليه يبين حاله ، وما من فتنة راجت بين أوساط المسلمين، إلا وتجد شيخنا رحمة الله عليه من المتسابقين إلى إخمادها ودفنها، تصدى لملل الكفر بأنواعها، من باطنية وقرامطة ورافضة وما سونية وبوذية ونصرانية وعلمانية واشتراكية وبعثية وناصرية وصوفية قبورية.
وهكذا تصدى للفرق الإسلامية المنحرفة من إخوان وسرورية وقطبية وأشاعرة وخوارج وغيرهم من ذوي الزيغ والفتن، وحذر من الحزبية بجميع أنواعها، وحذر من الديمقراطية ووليدتها الانتخابات، فطهّر الله تعالى به اليمن، وانبثق نور السنة منها وانتشر في الآفاق، وحصل الخير للأمة الإسلامية، فهل ترى هذا الخير أخي الكريم حصل عن من تقاعس وتخاذل وتكاسل؟ كلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، وإنما حصل بجهاد دووب؛ لأنه يعتبر من خير ما يتقرب به المتقربون إلى ربهم سبحانه.
ومما يدل على مسابقة شيخنا رحمه الله تعالى في الذب عن السنة والتحذير من الفتنة، أنه كان / ذات يوم مريضًا، وأراد أن يخرج شريطًا في الزنداني، فخشي أن تدركه المنية قبل إخراجه، فبادر بإخراجه وتكلم وحذر منه وهو في حالة مرض، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وأعلى درجته في المهديين وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فاحذر أخي الكريم، فهذا الحق ليس فيه خفاء، فدعني من بنيات الطريق، دعنا من المحاماة على الحزبيين يا شيخ محمد، والله ما أفلح بها من قبلك.
قال (18-19): فكم من صاحب فكرة يصيح بها بين أظهركم، فيجد له منكم أعوانًا ومناصرين ومنافحين، هلا عرضتم فكرته وقوله على أهل العلم فتعرفون حقيقة أمره، ليس كل من خصه الله بموهبة في الخطابة أو الكتابة أو البلاغة أو الحفظ، وقام يجرّح أو يعدل أو يصدر أحكامًا يكون مصيبًا، فالأولى أن يقال له: إن هذا المجال ليس مجالك، وأن هذا الأمر لا يخصك، بل هو من اختصاص أهل العلم وأنت محكوم عليك ولست بحاكم، وسنسأل عن حالك أهل العلم، هذا الذي يؤمل فيكم يا طلبة العلم، أما أنكم تنقادون خلف كل ناعق بأدنى الأفكار والحيل وربما تطاول على أهل العلم وأنتم صامتون وكنتم له مناصرين، فهذا أمر لا يبشر بخير أبدًا. اهـ
قلت: يا سبحان الله، ما العلم عند الشيخ محمد ومن هو العالم يا ترى؟ فإنه من يصف من يُعرِّض به بأن الله خصه بموهبة في عدة أمور عظيمة، وهي:
1- الخطابة. -2- الكتابة، التي يراد بها هنا، التأليف لكتب نافعة التي هي مؤيدة بموهبة من الله . -3- البلاغة. -4- الحفظ. وحسبك به كل هذه الأمور الأربعة، يعترف بها الشيخ محمد لمن يُعرِّض به.
وبعد هذه المؤهلات العظيمة التي لا أظن بعضها يتوفر عند الشيخ محمد هداه الله، ويحمله إجحافه على أنه ليس له أن يصدر أحكامًا على ضوء هذه العلوم والمؤهلات، وأظن أن الشيخ محمدًا يعني بهذا الكلام من قرنه في ما مضى، تقدم (ص17)، تقدم أن قال عنه: إذا كان الخلاف بين عالمين من علماء السنة ...... الخ، وهذا نموذج واضح على عدم انضباط الشيخ محمد هداه الله في أقواله، فتجد الخلل في كلامه بين أسطر وأخرى، تارة يثبت بمن يُعرِّض به العلم والحفظ و......الخ.
ثم إن عيئ الدفاع عن الباطل يجعله ينقض غزله أنكاثًا، فيسلبه أهلية تطبيق هذه المؤهلات، نسأل الله ستر من دفع الحقائق والأباطيل، فلا ندري على حساب ماذا هذا التكلف والتعسف كله.
ثم أي فكرة يدعوا إليها الذي تعرض به، فنحن نطالبك بذكرها وذكره حتى نحذرها ونحذره على بصيرة، إن كان الأمر كما تدعي، وإلا حار عليك إثم تغريرك بهؤلاء السامعين لهذه الاجمالات الباطلة، فإن هذا والله ضرب من التلبيس، أنت تحمل إثم من فتن به، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)_ ولن يحمل عنك هذا الذي تجرجر الفتنة والقلق عليه وعلى سامعيك من أجله، فتأمل في هذه النقطة باستحضار شيء من التفكر والورع ومحاسبة النفس + يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)_.
قال (ص33): فالله توعد المختلفين بالعذاب العظيم، لهذا لا يجوز أن يكون بين أهل السنة اختلاف ولا دعوة إلى الاختلاف، فالذين يدعون إلى الاختلاف وإلى الفرقة، فإنه ينالهم من هذا العذاب الذي توعّد الله به إن شاء: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)_. اهـ
قلت: إن الله تعالى أكرم أهل السنة ومنّ عليهم بأن هداهم إلى العلم بالحق والعمل به والاتفاق عليه، فسبقت لهم سابقة السعادة وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي، وأما من عداهم فهم مخذولون موكولون إلى أنفسهم، واقتضت حكمة الله تعالى أنهم لا يزالون مخالفين للصراط المستقيم متبعين للسبل الموصل إلى النار، كل يرى الحق فيما قاله والضلال في قول غيره( ).
فدعوة أهل السنة دعوة رحمة بالخلق، دعوة أهل السنة دعوة تبشير لا تنفير، دعوة تيسير( ) لا تنفير، دعوة الناس إلى الجماعة وتحذيرهم من الفرقة، دعوة الناس إلى مكارم الأخلاق وتحذيرهم من مساوئها، وغير ذلك من محاسن هذه الدعوة ومكارمها، وإذا حصل خلاف بينهم، فإنه دائر بين أمرين:
الأول: إما أن يكون خلاف أفهام، كل فهم حسب ما وصل إليه بعد بحث ونظر.
الثاني: إما أن يكون خلاف تنوع.
قال شيخ الإسلام بن تيمية / في $اقتضاء الصراط المستقيم# (ص33-34): أما أنواعه( ) : فهو في الأصل قسمان : اختلاف تنوع واختلاف تضاد .
واختلاف التنوع على وجوه : منه : ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا ، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة ، حتى زجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : « كلاكما محسن ».
ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان ، والإقامة ، والاستفتاح ، والتشهدات ، وصلاة الخوف ، وتكبيرات العيد ، وتكبيرات الجنازة ، إلى غير ذلك مما قد شرع جميعه ، وإن كان قد يقال إن بعض أنواعه أفضل ..... وأما اختلاف التضاد: فهو القولان المتنافيان .....
قال الإمام الشافعي ر/ في تعريف الاختلاف المحرم: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه. اهـ من $الرسالة# فقرة رقم (1674).
وقال /: من قامت عليه الحجة يعلم أن النبي نهى عما وصفنا ومن فعل ما نهي عنه وهو عالم بنهيه فهو عاص بفعله ما نهي عنه وليستغفر الله ولا يعود. اهـ المصدر السابق، فقرة رقم (952).
وعليه فإنه أحيطك علمًا أخي الكريم، أنك إذا رأيت من يرمي أهل السنة بأنهم دعاة فرقة واختلاف، فاعلم أنه يريد من وراء ذلك التغرير بالناس والتلبيس عليهم، كما هو شان من علمتم من رمي أهل الأهواء لأهل السنة بذلك، فإن وجد من يدعي السنة وهو ممن يشق عصاهم ويدعو إلى الفتنة عليهم فهو صاحب فتنة وهوى وتحزب، كما شأن من جنّد الشيخ محمد نفسه للدفاع عن حزبيتهم، فهذا الصنف نحن وكل سلفي صالح نبرأ إلى الله من تحزبه وفتنته، ونرمي بدفاع من دافع عنه بمثل هذا الباطل وراء الحائط.
قال (ص35): والحمد لله نحن جميعًا على مذهب السلف الصالح وعلى السنة، وهذا من فضل الله علينا. اهـ
قلت: يقول تعالى: +وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)، ويقول سبحانه: +وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)_، ويقول تعالى: +وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)_، ويقول تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)_.
يقول تعالى: ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)_.
عن ابن عباس م أن النبي ص قال: $لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ_ رواه مسلم.
وعن أبي قتادة ط أن رسول الله ص قال: $مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ# متفق عليه.
فأقول لك يا شيخ محمد: أعد النظر في كلامك هذا واضبطه بعلم وحقائق وتوثيق، كما هو من شان من تكلم في طلابه هؤلاء الذين تدافع بالأقاويل الهزيلة والأباطيل الكليلة عن حزبيتهم، فأقول لك والله لو ظللت على هذا الحال من هذه اللفلفة والمجمجة وتقليب الحقائق على حساب هؤلاء المذكورين، يعد ما جنوه على الدعوة السلفية ودارها وشيخ دارها عدد دهور، ما كان لك من وراء هذا الجهد المبتور إلا الضياع وذهاب الخير والأجور، فأقلل منه أو أكثر كما يسول قرينك ومجالسوك من هؤلاء المفتونين والله المستعان.
قال (ص38): ..... كيف تصغي لإنسان يشتت ويفرق ويمزق ؟ كيف تستمع له؟ اهـ
قلت: فما أحوجك إلى مثل هذا الكلام، ألا تعتبر يا شيخ محمد؟ فمن الذي يدافع عن الذين فرقوا وتفرقوا ؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله تعالى.
من الذي يأوي أهل الفتن ويصغي إليهم؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله.
من الذي صار يحاضر في مساجد الحزبيين في الحديدة وغيرها، ويضاد إخوانه أهل السنة ؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله.
من الذي يريد أن يجمع بين مفترق ويفرق بين مجتمع، فيفرق في دماج وأهلها ويحرش بينهم في زيارته الأخيرة ويحاول إشعال الفتنة فيها بشتى الوسائل، من تحريش بين العلماء والطلاب وتحريش عوام الناس على العلماء وغير ذلك ؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله.
من الذي يرمي علماء السنة في هذا العصر وغيرهم من طلبة العلم، تارة بالجوسسة، كربيع المدخلي والفوزان، وكذا الشيخ حسن بن قاسم الريمي وتارة يغمزهم بالعمالة، كالنجمي وزيد المدخلي، وتارة بالتكذيب كالحجوري؟
الجواب الشيخ محمد هداه الله.
نعوذ بالله تعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ألا يكفيك من الرمي والتهم إلى هذا الحد، أبعد هذا كله يا شيخ محمد تجسر على رمي غيرك بلا برهان، بما تقدم من تهمة التمزيق متناسيًا هذه العظائم كلها، فاتق الله يا شيخ وتحلل من هذه المظالم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات، ولا أن يكفي أن تعتذر من واحد على حساب تسويره على آخر، فإنك والحال هذه لا تزال في إطار الفتنة حتى تتوب إلى الله تعالى من هذا كله ونسأل الله تعالى التوفيق.
ثم اعلم أن رمي أهل الحق بأنهم يسمعون لمن هبّ ودبّ ولا يتحرون الصدق والصواب، هذا تشبه بالمنافقين بمن قال الله تعالى فيهم:(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)
قال الحافظ بن كثير / (ج2): يقول تعالى: ومن المنافقين قوم يُؤذون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالكلام فيه ويقولون: ( هُوَ أُذُنٌ _ أي: من قال له شيئا صدقه، ومن حدثه فينا صدقه، فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا. روي معناه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. قال الله تعالى: + قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ _ أي: هو أذن خير، يعرف الصادق من الكاذب، ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ _ أي: ويصدق المؤمنين، ( وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ _ أي: وهو حجة على الكافرين؛ ولهذا قال: +وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ _.
قال العلامة الشوكاني / (ج2): قوله :( وَمِنْهُمُ _ هذا نوع آخر بما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم ، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، على وجه الطعن والذم + هو أذن _ . قال الجوهري : يقال : رجل أذن : إذا كان يسمع مقال كل أحد ، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم ، أقمأهم الله ، أنهم إذا آذوا النبيّ وبسطوا فيه ألسنهم . وبلغه ذلك اعتذروا له ، وقبل ذلك منهم ، لأنه يسمع كل ما يقال له ، فيصدّقه ، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدّقه أنه أذن مبالغة ، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع ، حتى كأن جملته أذن سامعة ، ونظيره قولهم : للربيئة عين ، وإيذاؤهم له هو قولهم : + هُوَ أُذُنٌ_ لأنهم نسبوه إلى أنه يصدّق كل ما يقال له ، ولا يفرق بين الصحيح والباطل ، اغتراراً منهم بحلمه عنهم ، وصفحه عن جناياتهم كرماً وحلماً وتغاضياً .....الخ كلامه /.
قال المعترض (ص42): بعض الجهال ما هو عارف يطهر البراز من باب دبره إذا اكتفى بالحجارة أو المناديل؛ لأن الاستجمار بالحجارة أو المناديل يشترط أن النجاسة ما تتجاوز حلقة الدبر ولا بد، أما أن يأتي بالحجر أو المنديل ويمشيه مسافة في فخذه، فقل له: يا مسكين أنت مغفل أنت جاهل أنت ما تعرف تستجمر أنت ما يصلح لك إلا الماء، أما إذا أردت أن تكتفي بالحجر أو المنديل هذه النجاسة لا تتجاوز حلقة الدبر، أنت ما تعرف تزيل النجاسة من باب دبرك، فكيف تتكلم في مسائل العلماء. اهـ
قلت: ألست القائل يا شيخ محمد هداك الله: إن الجرح والتعديل له رجاله، وهم العلماء الأتقياء المخلصون الصادقون الرحماء الحكماء البررة الذين يضعونه في موضعه، فأين الرحمة من كلامك هذا ؟ وأين الحكمة من كلامك هذا؟ وأين التقوى والبر والصدق والإخلاص من كلامك؟ وهل جرحك لهذا الجاهل بهذه الصورة البشعة من وضع الأمور في موضعها الصحيحة؟ أبهذا بعث الله تعالى نبيه ص؟ وهو القائل ص: $إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ،فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وَلَا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ# وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ. رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة ط، وحسنه شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه.
إن الله تعالى بعث نبيه محمدًا ص معلمًا ومؤدبًا، رسولنا محمد ص دخل المسجد فرأى رجلاً لم يحسن صلاته فأمره أن يعيد صلاته، قال له ذلك ثلاث مرات حتى قال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها فعلمني، فعلّمه رسول الله ص الصلاة ورفق به، ولم يقل له: أنت جاهل أنت مغفل ولم يعنفه، وهكذا كم من قضية رفق النبي ص فيها بالجاهل وصبر عليه وعلمه الصواب برفق وحكمة.
وهذا شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه بوّب في كتابه $الجامع الصحيح# (1/62) الصبر على تفهيم الجاهل، ثم ذكر حديث أبي أمامة ط في $المسند# في ذلكم الرجل الذي أتى النبي ص يستأذنه في الزنا. الحديث.
ثم قال شيخنا رحمة الله عليه بعد تصحيحه: ويا له من موعظة وتوجيه للدعاة إلى الله.
فليس بهذا الأسلوب يا شيخ محمد هداك الله يتفقه الناس في دين الله تعالى، أيهما خير، تعلم هذا الجاهل كيفية الاستجمار وترفق به أو أنك تحول بينه وبين هذا الحكم الشرعي الذي شرعه الله تعالى لعباده، بحجة أنه جاهل.
والشيخ محمد هداه الله تعالى بهذا المثال يريد أن يحطم معنويات طلبة العلم، ويحطم غيرتهم على السنة وأهلها، بحجة أنهم طلبة علم وليسوا بعلماء، وأحدهم لا يحسن يستجمر كما يزعم.
فأقول لك: من قال لك أنهم علماء، حسبهم أنهم طلبة علم يحبون سنة رسول الله ص وأهلها، وليسوا بمعصومين فإذا صدر منهم خطأ فالواجب إصلاحه وتقويمه وإرشاد الطالب إلى الأحسن وتشجيعه، هذا الذي عهدنا عليه علمائنا رحمة الله عليهم وحفظ الأحياء منهم.
وكم من طالب نفع الله به أمة الإسلام بسبب توجيه شيخه إياه وحسن رعايته والعناية به، والطالب إذا رأى حسن العناية من شيخه يزداد نهمة في الطلب ويحرص على الاجتهاد في تحصيله، وأما والحالة هذه فهي طريقة تحبيط وتحطيم، سار عليها الشيعة القائلين في القبائل: قبيلي صبن غرارة، يعني أنه لا يصير عالمًا؛ لأن الغرارة سوداء ولو صبنتها ما تبيض، وسار عليه الصوفية الذين أنشئوا طلابهم على تقبيل الركب، فهؤلاء حقروا القبائل، أما أنت فحقرت طلبة العلم، حفاظًا لكتاب الله، وبعضهم يحفظ مع ذلك الصحيين أو أحدهما، وبعضهم له في طلب العلم عشرات السنين، وأنت تصفهم بهذه الأوصاف.
قال المعترض المتخبط (ص45-46): فكثير من الناس موقفهم عند الفتنة موقف فاشل، يتصدر ويتعصب ويدافع عن الخطأ وعن الباطل، يا أخي بعض الفتن تدع الحليم حيران، فكيف بالذي هو ليس بحليم، سيتخبط إلى أم رأسه. اهـ
قلت: هذا نصح لك، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فأنت الأن لا تكاد تفصح عمن تادفع ولا عمن تعني بغمزك هذا، كل ذلك لأن حيران حيث لو أفصحت لربما انتقدك الناس بحق، ولكن تستفيد من هذه التلويحات البعيدة الطربلة على بعض من يغتر بها.
قال (ص48): أما أنه يتصدر وهو طالب أو عامي، يا سبحان الله ما أحوجك إلى درّة عمر ط التي كان يضرب بها أمثالك ما أحوجك إلى مثلها، ضرب صبيغًا في رأسه، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الذي كنت أجده في رأسي قد ذهب. اهـ
قلت: نعلم أن عمر بن الخطاب ط ضرب بدرته صبيغًا، إذ كان مفتونًا بإلقاء الشبهات على الناس، فدرة عمر ط نحن نحتاجها في هذا العصر لأهل الفتن والشغب والقلاقل الذين أرادهم الشيطان بشهواته وشبهاته، والحمد لله وجد ما يقوم مقام درة عمر ط وربما ما هو أشدّ، وهو الصدع بالحق والتحذير من الفتن وأهلها، والله يقول: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)_.
قال (ص50): فأنت عليك أن تهدأ وإذا قيل لك يا بقرة ففعلاً أنت بقرة، وقد تكون البقرة أحسن منك هدوءًا، تناطح من؟ تناطح العلماء؟ أما تخجل ؟ ما تستحيي على نفسك، صدق رسول الله ص إذ يقول: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) رواه البخاري عن أبي مسعود ط، البقرة ما تناطح العلماء وأنت تناطح العلماء، البقرة ما تجادل ولا تخوض مثل ما تخوض فيه أنت، فأنت إذا قيل لك بقرة واسمحوا لي، فبعض الناس ما يصلح له إلا عصا عمر ط، عصا عمر بالضرب وأنا بالكلام، إذا قيل لهذا المغفل يا بقرة أو يا ثور، فالثور أحسن منه، الثور ما يخوض في هذه الأمور، الثور يعرف قدر نفسه، وهذا ما عرف قدر نفسه. اهـ
قلت: يا ويح حاضري هذه المحاضرة القيمة التي أتحفهم فيها، والله يقول: +وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا_، ويقول سبحانه: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)_، وفي الصحيحين عن أبي هريرة ط أن النبي ص قال: $مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ#.
فأين الرفق يا من تدعي الرفق وأين دندنتك على حفظ اللسان، اللسان اللسان، وأين الحكمة وأين البر والإخلاص والتقوى، وأين وضع الكلام في موضعه الصحيح الذي أنت تدندن به قولاً بلا عمل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)_ ويقول تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)_، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد ط قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: $يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ#.
قال المعترض (53): يا أخي العالم إذا قال قولاً وكان مصيبًا في ذلك فما هو محتاج للطالب أو العامي يعينه، إذا كان العالم يعرف صحة ما هو عليه، فما هو محتاج للطالب أن يعينه. اهـ
قلت: يقول تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)_، هذا أمر من الله تعالى، أن نكون مع الصادقين ومع ذلك إننا نناصرهم ونصر الحق الذي معهم.
قال العلامة السعدي / في $تفسيره# (ص332):(وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ_ في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم وأحوالهم لا تكون إلا صدقًا، خالية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة. اهـ
والأنصار سموا أنصاراً ن لأنهم ناصروا النبي ص ووقفوا معه ونصروا دينه، بل إن نبينا محمدًا ص اشترط عليهم مناصرته، فقال: $تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمْ الْجَنَّةُ# أخرجه الأمام أحمد من حديث جابر ط، وحسنه شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه.
ويقول جابر رضي الله عنه في نفس الحديث: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ مَنْ يُؤْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ. الحديث.
والمناصرة من أسباب ولاية المؤمنين بعضهم ببعض، وقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)_ وهي تعتبر دلالة على صدق الإيمان، ويقول تعال: +وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)_،
وقال سبحانه في سياق مدح أهل الكتاب الذين آمنوا بالنبي ص ونصروه: +الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)_
وأخذ ربنا سبحانه وتعالى ميثاق النبيين عليهم الصلاة والسلام على مناصرة النبي ص، يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)_،
وهذا نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام يطلب من الحواريين مناصرته، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)_.
قال العلامة السعدي / في $تفسيره# (ص823-824): ثم قال تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ _ أي بالأقوال والأفعال، وذلك بالقيام بدين الله والحرص على إقامته وتنفيذه على الغير وجهاد من عانده ونابذه بالأبدان والأموال، ومن نصر الباطل بما يزعمه من العلم وردّ الحق بدحض حجته وإقامة الحجة عليه والتحذير منه، ومن نصر دين الله تعلم كتاب الله وسنة رسوله ص والحث على ذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم هيّج الله المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين بقوله: + كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ_ أي: قال لهم عارضًا ومنهّضاً: من يعاونني ويقوم معي في نصرتي لدين الله، ويدخل مدخلي ويخرج مخرجي.
فابتدر الحواريون فقالوا: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ_ فمضى عيسى عليه السلام على أمر الله ونصر دينه هو ومن معه من الحواريين، ..... فأنتم يا أمة محمد كونوا أنصار الله ودعاة دينه ينصركم الله كما نصر من قبلكم ويظهركم على عدوكم. اهـ المراد.
وقال تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)_، ونصر الله بنصر الحق وأهله.
عن البراء بن عازب م في حديث غزوة أحد، وفيه قال أبو سفيان: اعْلُ هُبَلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوهُ قَالُوا مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوهُ قَالُوا مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. أخرجه البخاري.
عن عبدالله بن عباس م قال: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. متفق عليه.
قال الحافظ النووي /: كان ثابت ابن قيس خطيب رسول الله ص يجاوب الوفود عن خطبهم وتشدقهم. اهـ
قال الحافظ بن حجر /: ويؤخذ منه استعانة الإمام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد ونحو ذلك. اهـ
عن انس ط أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ أَنَا أَنَا قَالَ فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ. رواه مسلم.
عن جرير بن عبدالله البجلي ط قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: $أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ# وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ قَالَ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: $اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا# فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ أَوْ أَجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. متفق عليه.
وعلى هذا فصاحب الحق إذا ناصره أهل الحق على الحق، فليس في هذا شيء، ولا يدل على ضعف العالم وضعف حجته، وإنما يزداد الحق قوة إذا ازداد وكثر مناصروه، وإلا فالحق حجة بنفسه، ودين الله تعالى قام على التعاضد والتكاتف والمناصرة والتناصر، والله المستعان، وصدق ربنا تعالى إذ يقول: +وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)_.
قال (ص56): تسمع من هذا العالم وتسمع الثاني وتسمع من الثالث وتسمع من الرابع. اه
ـ
قلت: وهذا سبيل إلى محاولة إبطال القاعدة الشرعية، وجوب قبول خبر الواحد العدل الثقة، فإذا قام العالم وتكلم على قضية من القضايا وأقام على ذلك الأدلة والبراهين، فإنه يجب قبول قوله، انظر ما تقدم (ص20،19) من $مختصر البيان#.
5-قال الإمام الحاكم رحمه الله في "معرفة علوم الحديث" (1 / 5): سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول : سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول : « كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ، ذكروا لابن أبي فتيلة بمكة أصحاب الحديث ، فقال : أصحاب الحديث قوم سوء ، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه ، فقال : زنديق ، زنديق ، زنديق ، ودخل البيت».
وقال العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في "الموقف الصحيح من أهل البدع" ص(21-22): (ابن عمر لما بلغه أن قومًا يتقفرون العلم ويقولون أن لا قدر قال أبلغهم أنني منهم براء وأنهم مني براء لم يفتح ملف تحقيقات وإلى آخره كما يفعله الآن أهل البدع يقذفون الناس ظلمًا وعدوانًا فإذا ثبت لك شيء من ضلالهم وتكلمت وحذرت منهم قالوا ما يتثبت نعوذ بالله من الهوى ولو يأتي ألف شاهد على ضال من ضلالهم لا يقبلون شهادتهم بل يسقطونها، ألف شاهد على ضال من ضلالهم لا يقبلون شهادته وضيعوا الإسلام وضيعوا شباب الإسلام بهذه الأساليب الماكرة نسال الله العافية، ابن عمر لما أخبره واحد فقط صدقه لأنه مؤمن عدل وثقة, وديننا يقوم على أخبار العدول, من قواعده أخبار العدول فإذا نقل لكم الإنسان العدل كلامًا فالأصل فيه الصحة ويجب أن تبني عليه الأحكام فإذا أتى إنسان معروف بالفسق وجاءك بخبر لا تكذبه تثبت لإن هناك احتمالاً أن يكون هذا الفاسق في هذا الخبر صادقًا تثبت لا بأس أما الآن العدل تلو العدل والعدل تلو العدل يكتب ويشهد ما يقبل كلامه وينقل الكلام الضال بالحروف ما تقبل شهادته يقولون حاقد فهذا من الأساليب عند أهل البدع والفتن في هذا الوقت نسأل الله العافية لا يعرفها الخوارج ولا الروافض على أهل البدع في الأزمان الماضية وجاءوا للأمة بأساليب وقواعد ومناهج وفتن ومشاكل وأساليب إذا جمعتها والله ما يبقى من الدين شيء...وإذا أخذت بهذا المنهج صار أئمتنا كلهم فاسقين غير عدول ظالمين فجرة على هذا المنهج الخبيث). اهـ
وقال الإمام الشنقيطي -رحمه الله- في "مذكرة أصول الفقه" ص(168) ط/الجديدة: (الجائي بنبأ لو كان غير فاسق بل كان معروفًا بالعدالة والصدق فإنه لا يلزم التبين في خبره على قراءة ﴿فتبينوا﴾ ولا التثبت على قراءة ﴿فتثبتوا﴾ بل يلزم العمل به حالاً من غير تبين ولا تثبت). اهـ.
وقال الشيخ النجمي رحمه الله في "الفتاوى الجلية" (2/33): ( أما خبر العدل فإنه يؤخذ به فكيف إذا كان المخبرون جماعة ومن خيرة المجتمع وأعلاه وأفضله علمًا وعدالة فإنه يجب ويتحتم الأخذ به ومن رده فإنما يرده لهوى في نفسه لذلك فهو مدان ويعتبر حزبيًا بهذا الرد فهو يلحق بهم ويعد منهم وبالله التوفيق )اهـ. انظر $مختصر البيان# (ص71و72-73).
قال المعترض (ص56-57): مثلاً فلان حزبي وإلا ما هو حزبي، يا أخي فلان هذا ما هو عندك ولا هو شيخك ولا أنت في بلاده ولا هو في بلادك، مثل هذا انصرف عنه وانصرف عن هذه القضية إلى غيرها؛ لأنك ما أنت فيها، هذه القضية لا بأس أن يسال عنها شخص هو من بلاد فلان هذا، أما إنسان لا أنت في بلاده ولا هو في بلادك مالك منه، حزبي ما هو حزبي، هذا شيء ما يخصك، لست أنت من أهله، بعض الناس يحشر نفسه في أمور ولو كان ما هو من أهلها، فهذا النوع من الناس في جهل في عمى في تخبط. اهـ
قلت: وهذه من قواعد الشيخ محمد هداه الله وتأصيلاته الجديدة( )، وهذه القاعدة الخلفية: أن الشخص لا يتكلم على آخر إلا إذا كان عنده ومن أهل بلده، قاعدة باطلة مخالفة لجميع كتب الجرح والتعديل، وقد جرّح أهل الحديث من المنحرفين أُممًا في شتى البلدان وهي مخالفة للكتاب والسنة وعمل السلف الصالح رحمة الله عليهم قاطبة، ومآل هذه القاعدة الظالم أهلها محاولة تمييع باب الجرح ومحاولة إسقاط جهود أهل هذا الفن الجليل
.
فمن الأدلة على إبطال هذه الأدلة ما يلي:
1- يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)_،
قال العلامة السعدي / (ص143) من $تفسيره#: الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب وعلمه الله العلم أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله ولا يكتمهم ذلك ويبخل عليهم به، خصوصًا إذا سألوه أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه ويوضح الحق من الباطل، فأما الموفقون فقاموا بهذا أتم القيام وعلموا الناس مما علمهم الله ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق وخوفًا من إثم الكتمان، وأما الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ومن شابههم فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق وأظهروا الباطل، تجرئوًا على محارم الله وتهاونًا بحقوق الله وحقوق الخلق واشتروا بذلك الكتمان ثمنًا قليلاً، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات والأموال الحقيرة من سفلتهم المتبعين أهوائهم المقدمين شهواتهم على الخلق. اهـ
شاهدنا من هذه الآية الكريمة عموم وجوب تبليغ الحق، سواءً كان المسئول عنه من أهل بلده أو لم يكن من أهل بلده.
2- يقول تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)_، قال العلامة السعدي / (ص491): وهذه الآية وإن كان سببها خاصًا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين، أصوله وفروعه إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم، ولم يؤمر بسؤالهم إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه، وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهى عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهى له أن يتصدى لذلك. اهـ
3- يقول تعالى: +يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)_، قال العلامة السعدي / (ص836): يأمر الله تعالى نبيه ص بجهاد الكفار والمنافقين، والإغلاظ عليهم في ذلك، وهذا شامل لجهادهم بإقامة الحجة عليهم ودعوتهم بالموعظة الحسنة وإبطال ما هم عليه من أنواع الضلال، وجهادهم بالسلاح والقتال لمن أبى أن يجيب دعوة الله وينقاد لحكمه، فإن هذا يجاهد ويغلظ عليه. اه
ـ
الشاهد من هاتين الآيتين عموم البلاغ، والأدلة في هذا المعنى كثيرة جدًا،
وأما من السنة، فهي كثرة وشهيرة، فمن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص م عن النبي ص قال: $بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ#.
وروى الحاكم عن عبدالله بن عمرو م أن رسول الله ص قال: $من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار#.
وفي المسند وغيره عن أبي هريرة ط قال: قال رسول الله ص: $من سئل عن علم عنده فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة# والحديثان في الصحيح المسند لشيخنا الإمام المجدد الوادعي /، ومن ذلك أن النبي ص ذمّ الخوارج وحذر منهم ومن فتنتهم وقال: $إنهم كلاب أهل النار#، ولم يخرجوا في ذلك الوقت، ومن ذلك حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ولم يظهر واحد منهم في ذلك الوقت، ومن ذلك حديث القدرية مجوس هذه الأمة، الحديث، والقدرية لم تظهر في ذلك الوقت، ومن ذلك حديث: $ إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسر بعده#.
ومن ذلك أن النبي ص تكلم على القرآنيين فقال: $يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ# رواه الإمام أحمد وغيره عن المقدام ط.
ومن ذلك أن الفتن تطلع من المشرق، وقرن الشيطان هناك، ومن ذلك حديث ظهور الكذابين الثلاثين كل واحد يزعم أنه نبي، ومن ذلك أن النبي ص حذر أمته الدجال وجلّى فتنته بما لم يسبق إليه أحد من الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، ومن ذلك حديث أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا، وغير ذلك كثيرًا جدًا.
شاهدنا من هذا أن النبي ص تكلم في هؤلاء وحذر منهم، ولم يكونوا في زمنه ولا من أهل بلده وأما الأخبار عن السلف رحمة الله عليهم فلا تحصى كثرة، فهذا ابن عمر م عند أن بلغه أمر القدرية وهم في البصرة وهو كان في مكة حاجًا أومعتمرًا، فلما بلغه خبرهم تبرأ منهم مباشرة، وهكذا المتكلمون في الجرح والتعديل وكلامهم بالرواة على أحوال منها الرحلة واللقاء بهم، وإما بسبر مروياتهم ومقارنتها مع مرويات غيرهم من الثقات وفاقًا أو خلافًا، وفي هذه الحالة إما أن يكون معاصرًا لهم وإما أن يكون من بلده أو من بلاد غير بلاده، وإما أن يكون هؤلاء الرواة قد ماتوا، فيحكمون عليهم من خلال أحاديثهم، وهذا شيء معروف جرى عليه سلفنا الصالح ومن تبعهم من علمائنا المتأخرين رحمة الله عليهم أجمعين.
وفي الحديث عن النبي ص أنه قال: $مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ# رواه مسلم من حديث أبي سعيد ط.
وعلى كلام الشيخ محمد هداه الله لا نتكلم في الشيطان؛ لأنه ليس من جنسنا ولا نتكلم في فرعون وهامان وقارون وأبي جهل وعبدالله بن أُبي بن سلول وأبي بن خلف وغيرهم من صناديد الكفر؛ لأنهم ليسوا من بلادنا، فهذا باب شرّ، وهكذا زنادقة الكفر من رافضة وجهمية وصوفية قبوريه، وهكذا أئمة الزيغ ورؤوس الضلال من معتزلة وأشاعرة ومرجئة وخوارج وإخوان وسرورية وقطبية وحزبية وجمعية وتبليغ وغيرهم.
وأنت يا شيخ محمد تكلمت في محمد سرور زين العابدين بكلام شديد وصل بك الحد إلى تكفيره( ) ومحمد سرور أظنه سوري الأصل، وأنت يمني الأصل، فكيف هذا يا شيخ محمد؟ وعلى كلامك هذا لماذا تنتقد شيخنا يحيى الكريم رعاه الله في تحزيبه لعبدالرحمن العدني الحية الرقطاء وكلاهما يمني.
وأما قولك: يا أخي فلان ما هو عندك .....
تقدم بطلان ذلك.
وقولك: ولا هو شيخك.
مفهوم أن الشيخ إذا انحرف عن السنة وشرّق وغرّب وأعرض عن الحق، فلطالب أن يتكلم فيه ويحذر منه.
وقولك: ولا أنت في بلاده ولا هو في بلادك، مثل هذا انصرف عنه.
فيه تمييع وعدم السؤال عن الرجال والتفتيش عن أحوالهم.
وقولك: فهذا النوع من الناس في جهل في عمى في تخبط.
مفهوم أن البحث عن الحق وسؤال أهل العلم عنه وعن أهله وغير ذلك مما يعصم به الإنسان دينه من الفتن وأهلها، يؤيد هذا الأمر إلى الجهل والعمى والتخبط، وقول الشيخ محمد هذا هو عين الجهل وعين العمى وعين التخبط، والله المستعان.
قال (ص198): إن الله سبحانه وتعالى يقول في قصة الإفك: +لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ_ جعله الله فتنة وابتلاءً واختبارًا وتمحيصًا، وتأخر الوحي خمسون يومًا لا ينزل في أمر هذه القضية ابتلاء من الله واختبارًا وتمحيصًا للمؤمنين، وعرض الرسول عليه الصلاة والسلام ينتهك من قبل بعض المنافقين وممن اغتر بكلامهم، فالرسول ص ابتلي في هذه القصة، وكذلك عائشة ك وأبوها وأمها وأسرتها والمؤمنون والمنافقون، (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ_.
كيف نتعامل مع الفتنة إذا جاءت؟ هل تتعامل معها معاملة شرعية على ضوء الكتاب والسنة؟ أم بالهوى والجهل والعاطفة، فتأخر الوحي تلك الفترة ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى، ولو أراد الله أن ينزل براءة عائشة في لحظة لكان، لكن ما جاء إلا بعد فترة، ابتلاء للرجال وللنساء، من سيخوض فيما لا علم به، ومن لا. اهـ
قلت: وفي قصة الإفك من الفقه: أن الإنسان في وقت الفتن يبقى على الأصل الذي كان عليه قبل، وفيها أن الإنسان في الفتن يلزم أهل الخير والصلاح المعروفين بالصدق والنصح والإخلاص، وفيها أن الإنسان في الفتن ينأ ويبتعد عن أهل الفتن والشغب والتحريش، ولهذا أقيم الحدّ على بعض الصحابة الكرام ن بسبب أنهم حصل لهم اغترار بكلام المنافقين، وأما غيرهم فلم يحصل لهم شيء؛ لأنهم لم يلتفتوا إلى كلام أهل الفتن والشغب والتحريش، والحمد لله رب العالمين.
قال (ص208): يا هؤلاء فكروا في فتنة أبي الحسن، كم رحع من أناس ضاربين على رؤوسهم عاضين على أصابعهم من الندم، والسبب في ذلك التعجل والتقدم بين أهل العلم والخوض والركض. اهـ
قلت: وأنت يا شيخ محمد هداك الله من النادمين في فتنة أبي الحسن، إذ قلتَ: يا ليتنا ناصرنا الحجوري من أول يوم.
ثم إن هؤلاء النادمين ما ندموا إلا بعد أن عجزوا عن تصدير بوارهم بقوة شوكة الحق ببيان أهل السنة الصارم لبغيهم.
قال المعترض أسير الهوى (ص216): وهذا مثله كمثل شخص في شهر رمضان يوم الجمعة بعد صلاة العصر، صلى الرجل في المسجد الجمعة وارتاح إلى العصر وصلى معهم العصر وخرج وكأنه حصلت مشكلة بينه وبين بعض أولاده، فتدخل واحد من الناس ليصلح بينهم، فقتل الأب، أهذا مصلح؟! أهذا صلح؟! أهكذا يكون الصلح؟ تقتل نفسًا حرمها الله في شهر رمضان، والرجل صائم في جمعة وبعد صلاة العصر في وقت الإجابة؟! نعوذ بالله، نسأل الله العاقبة حتى وإن كان ما هو متعمد. اهـ
قلت: هذا المصلح هو أحد رجلين:
إما أن يكون دخل في الصلح وهو ليس أهلاً لذلك، فارتكب ما ارتكب، وإما أن يكون تظاهر بأنه مصلح وهو خبيث النية فاسد الطوية، تظاهر بالصلاح وأنه يريد الإصلاح وفي نفسه غيظ وحنق وحقد وحسد، استغل مثل هذا الخصام لكي يروي ويشفي غليله، فحصل منه ما حصل.
وهذا الصنف المغلوب على أمره إذا تمكن من قتل محسوده فعل، وخاصة إذا بلغ الحقد والحنق في نفسه مبلغًا عظيمًا، وصدق ربنا إذ يقول: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)_.
وإن لم يتمكن من قتله حسيًا فيحاول قتله معنويًا، وذلك بإثارة الشغب عليه وتهييج الهمج الرعاع عليه، وتنفير الناس عنه والتزهيد فيه وتشويه صورته، والتقليل منه ومن شأنه وكل ذلك يكون في قالب النصح والغيرة على السنة، وما علم هذا الجمل الأجرب أنه بفعله هذا يقتل نفسه قتلاً ذريعًا وبعد فترة يقال فلان مات، ما هو السبب في موته؟
قالوا: أنه مات كمدًا، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال المعترض (ص232-233): ودعوة أهل السنة دعوة علم، إذا كتبت ملزمة لا يكون فيها تسميه فلان ولا تسميه فلان، ولا دقدقة لفلان ولا لفلان، إنما يكون فيها علم، تتكلم بعلم وتتكلم بخير وتدافع عن العقيدة بدون دقدقة لأحد، دعوتنا أرفع من أن يكون فيها هذا يرد على هذا، وهذا يرد على هذا، وهم كلهم من أهل السنة.
دعوتنا قال الله وقال الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا ينشر البحث إلا بعد أن يعرض على أحد العلماء من أهل السنة، فإذا رآه نافعًا ومفيدًا، يدافع عن مسألة من مسائل العقيدة بدون ما يسمي أحدًا أو مسألة في التفسير أو رسالة في الفقه أو مسألة في حكم من الأحكام الشريعة بدون أن يسمي فلانًا أو فلانًا أو فلانًا، وإنما فيه قال الله وقال الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وبكظم الغيظ والعفو والتسامح ونشر الخير ونشر العلم على الناس بدون مهاترات، أبشروا بمحبة الناس لكم بعد حب الله ، وابشروا بالخير، من قرأ الملزمة ما يجد فيها إلا الخير، ما فيها اسم فلان ولا الرد على فلان، وإنما فيها قال الله كذا وقال الرسول كذا، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كذا، وقال ابن القيم كذا، وقال الشوكاني كذا، وقال الشيخ ابن باز كذا، وقال الألباني كذا، رحمة الله عليهم جميعًا( )، وهو يعالج موضوعًا معينًا.
ذكر المسألة الفلانية، ولكن لم يذكر المردود عليه؛ إلا إذا كان هذا المردود عليه من أصحاب البدع، ورأى أن من المصلحة أن يذكر اسمه أو يذكر كتاب فلا بأس، أما إذا كان هذا المردود عليه من أهل السنة، فاحترامًا لبعضنا البعض أنه لا يذكر اسمه ولا يذكر كتابه ولا شريطه، أنما تذكر المسألة العلمية، إلا إذا كان هناك مصلحة من ذكر اسمه يقدرها العالم المشرف على البحث فيذكر بالاحترام. اهـ
قلت: كلام الشيخ محمد هداه الله تضمن قواعد عرورية وأصولاً سليمانية، ولقد تحجر في كلامه واسعًا، وهو يمهد في كلامه هذا لقاعدة نصحح ولا نهدم، وبالأصح على تعبيره ننصح ولا نفضح محاولاً بذلك إلغاء قدرات الدعاة إلى الله الذين أحدهم عنده من الحصيلة العلمية من حفظ القرآن والسنة والتمكن في علومها أضعاف ما عند الشيخ محمد، وهذه الأقوال هنا لا يخرج بها الطالب باحثًا عن الدليل كما تربوا عند أهل السنة، كالشيخ مقبل / وغيره، ولكنه يخرج مقلدًا بحتًا.
فقوله: دعوة أهل السنة دعوة علم.
أقول: صدقت، دعوة أهل السنة دعوة علم ودعوة نصح ودعوة جرح وتعديل، إذ أن ذلك كله من دين الله تعالى ومن العلم الشرعي، فدعوة ليس فيها تميّز دعوة فاشلة، دعوة ليس فيها تصفية وتربية دعوة فاشلة، دعوة ليس فيها الصدع بالحق والوقوف أمام الباطل دعوة فاشلة.
فدعوة أهل السنة دعوة صافية نقية بيضاء ناصعة، ليس فيها رواسب ولا شوائب، ومن تصدى لها يفضح الله تعالى ويسقط على أم رأسه كائنًا من كان، ولهذا هابها الأعداء وقذف الله في قلوبهم الرعب، فصاروا منهزمين أمامها، فهذه الدعوة ليس فيها مداهنة ولا تصنّع ولا محاباة، وهذه الدعوة إذا حصلت الفتن لا بد أن يتميز رجاله حتى لا يختلط الحابل بالنابل، قال محمد بن سيرين /: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر على أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. أخرجه مسلم، في مقدمة الصحيح (1/84).
فهؤلاء علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم أحياءً وأمواتًا اصطفاهم الله تعالى لحفظ دينه واجتباهم لحملة دينه، فهم الوارثون حقًا لميراث النبوة، قاموا في نصرة دين الله تعالى خير قيام، طهروه من العقائد الفاسدة والأفكار الكاسدة وميزوا بين صحيح الحديث وسقيمه، وتكلموا على المبتدعة وشردوا بهم من خلفهم وألّفوا في بيان حالهم عشرات المجلدات، فذكروهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأنسابهم وألقابهم وحرفهم، وكانوا رحمة الله عليهم يتابعونهم ويفتشون عنهم ويسألون عن أحوالهم، فهذا شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث / أول من فتش( ) عن الرجال في العراق، وكان بعضهم يصرخ بهم صراخًا على رؤوس الملأ.
قال علي بن شقيق: سمعت عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت؛ فإنه كان يسب السلف. أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح (1/89).
وقال الحسن بن عيسى: ترك بن المبارك حديثه( )، وقال هناد بن السري لم يصلِ عليه بن المبارك. اهـ من $تهذيب التهذيب#.
وهذا عمرو بن دينار يقول: بينا طاووس يطوف بالبيت لقيه معبد الجهني، فقال له طاووس: أنت معبد؟ قال: نعم، قال فالتفت إليهم طاووس فقال: هذا معبد فأهينوه. رواه اللالكائي $في السنة# رقم (1141)، وسنده صحيح.
والأخبار عنهم في ذلك كثيرة مدونة في كتب السنة وتراجم الرجال، وانظر على سبيل المثال $نونية بن القيم# /، فكم سمى فيها من أهل البدع والضلال .
وكثيرًا كان شيخنا الإمام المجدد الوادعي / يكرر: أن دعوتنا ما نصرت إلا بالتميز، وهذه كتب الفقه فيها آلاف المسائل ويذكرون القول الراجح فيها، ويردون فيها على المخالف بذكر اسمه، فأي غضاضة في هذا، فليس من النصح في دين الله تعالى، وليس من هدي السلف رحمهم الله، يا شيخ محمد هداك الله، أن يتكلم مبطل من المبطلين وينخر في السنة نخرًا ويطعن في حملتها، ثم نأتي ونرد على كلامه من غير إن نسميه، ماذا استفاد القارئ من هذا، وهو وإن كان استفاد الرد على باطله، إلا أنه لم يعرف منبع هذا الباطل ومن جاء به، فهذا تغرير بالناس وغش في دين الله تعالى.
فالمبطل يحذر منه ومن كلامه، حتى يصبح الناس على بصيرة من أمرهم، فرب شخص الناس مغترين به ولم يعرفوا حقيقة أمره وهو يدس السم بالعسل والناس في غفلة من هذا بسبب جهلهم، ولا يعرف حقيقة أمره، وكم انتفع المسلمون عمومًا وأهل السنة خصوصًا من بيان شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه لكثير من المنحرفين وتسميتهم الذين التبس حالهم على كثير من الناس، بل ربما على بعض أهل العلم، أمثال محمد رشيد رضى وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده المصري وعبدالمجيدالزنداني ويوسف القرضاوي وعبدالرحيم الطحان وعبدالمجيد الريمي وعقيل المقطري ومحمد المهدي ومحمد البيضاني وغيرهم وغيرهم كثير.
والرد على المخالف يكون من جميع جوانبه، كان انحرافه في العقيدة فيرد عليه بالعقيدة، وإن كان انحرافه في بعض المسائل الفقهية كأن يكون شذّ في بعضها، فيرد عليه، ولقد شنّع العلماء على ابن حزم في عدّة مسائل، ومنها مسألة الغناء، وإن كان في التحزب والفتن والشغب، فيرد عليه ويبين حزبيته وفتنته وشغبه، وكم حصل من خير للأمة في الرد على المخالفين مع ذكر أسمائهم.
فالمبتدعة ليس لهم احترام، إذ أنه من أكرم الحق يكرم، فلم يعظموا دين الله تعالى ولم يكرموه، فجزائهم الفضح وبيان حالهم حتى يتوبوا، يقول تعالى: +وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)_، وإذا كان المخالف من أهل السنة فالأمر في ذلك يعود إلى العالم نفسه، إذا رأى أن أقوال هذا العالم قد انتشرت وخشي من الاغترار بها ورأى من المصلحة أن يسميه فله ذلك.
وقد ألف شيخنا الإمام العلامة الوادعي / رسالة سماها $تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام الشوكاني#، وهكذا العلامة المدخلي حفظه الله ومتع به، ألف كتابًا بعنوان $الحد الفاصل بين الحق والباطل حوار مع الشيخ بكر أبو زيد#.
وهكذا ألف العلامة رحمة الله عليه كتابًا سماه: $تحريم آلات الطرب أو الرد بالوحيين وأقوال أئمتنا على ابن حزم ومقلديه المبيحين للمعازف والغناء وعلى الصوفيين الذين اتخذوه قربة ودينا#.
هذا وإذا رأى عدم الفائدة في تسميته فالأمر يعود إليه، فهو أعرف وأدرى بالمصالح والمفاسد، وهذا باب واسعن وفي هذا القدر كفاية، وإلى هنا والحمد لله رب العالمين، سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
وَلَمَّا كَانَتْ الدَّعْوَةُ إلَى اللَّهِ وَالتَّبْلِيغُ عَنْ رَسُولِهِ شِعَارُ حِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ ، وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ }
وَكَانَ التَّبْلِيغُ عَنْهُ مِنْ عَيْنِ تَبْلِيغِ أَلْفَاظِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ وَتَبْلِيغِ مَعَانِيهِ كَانَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ مُنْحَصِرِينَ فِي قِسْمَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : حُفَّاظُ الْحَدِيثِ ، وَجَهَابِذَتُهُ ، وَالْقَادَةُ الَّذِينَ هُمْ أَئِمَّةُ الْأَنَامِ وَزَوَامِلُ الْإِسْلَامِ ، الَّذِينَ حَفِظُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ مَعَاقِدَ الدِّينِ وَمَعَاقِلَهُ ، وَحَمَوْا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّكْدِيرِ مَوَارِدَهُ وَمَنَاهِلَهُ ، حَتَّى وَرَدَ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ الْحُسْنَى تِلْكَ الْمَنَاهِلَ صَافِيَةً مِنْ الْأَدْنَاسِ لَمْ تَشُبْهَا الْآرَاءُ تَغْيِيرًا ، وَوَرَدُوا فِيهَا { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا }، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى ، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى ، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوْتَى ، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى ، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسٍ قَدْ أَحْيَوْهُ ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ ، وَأَطْلَقُوا عَنَانَ الْفِتْنَةِ ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُجْمِعُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ ، يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمُضِلِّينَ.
****************
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين الحاقدين الحاسدين المعتدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بصدق وإخلاص وإحسان إلى يوم الدين. أما بعد...
يقول الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ_،
ويقول تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ_،
ويقول سبحانه: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ_، ويقول العزيز الحكيم: +قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ_،
ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ_).
وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ط عن رسول الله ص أنه قال:(إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ).
أيها السلفيون الغيورون النصحاء الأمناء، اعلموا أن داء الحسد داء عظيم متى ما تمكن من العبد والعياذ بالله تعالى، فإنه يفتك به ويهلكه ويورده شرّ الموارد وعظيم المهالك والمخاطر، وهذا الداء العضال كان سببًا في خروج إبليس عليه لعنة الله تعالى من الجنة وطرده من رحمة الله الغفور الرحيم.
حيث أنه عصى ربه العلي العظيم، وأبى أن يسجد لأبينا آدم عليه السلام تكبرًا وحسدًا وحقدًا وتعاظمًا وإعراضًا، فصار بسبب جرمه وعظيم ذنبه منبوذًا مدحورًا صاغرًا ذليلاً، يقول تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18))، وصار شرّ أسوة للحاقدين الحاسدين، فهو شيخهم وإمامهم والعياذ بالله تعالى.
معشر السلفيين سددكم الله تعالى، اعلموا أنه يجب على العبد أن يرضى بأمر الله تعالى ويسلم لقضائه وقدره، وواجب عليه أن يرضى بما قسم الله تعالى له، يقول تعالى: + نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ_.
ويحرم عليه أن يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ويتمنى زوال ذلك عنهم والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)).
فأنت أيها الحقود الحسود لا تستطيع أن تقدم شيئًا ولا تأخر شيئًا، وإنما تهلك نفسك وتميتها
كمدًا، بسبب لهيب قلبك وفوران دمك، حقدًا وغيظاً على غيرك، أما علمت أيها الحاقد الحسود أن الحسد يورث في قلبك الأحقاد والضغائن، بل ربما يؤدي بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله تعالى، كما هو الحال في إبليس لعنة الله عليه، بل ربما يؤدي بصاحبه إلى النفاق والعياذ بالله تعال، كما هو الشأن في عبدالله بن أبي بن سلول عليه لعنة الله تعالى.
فهذا الداء السرطاني قلّ أن يتوب منه المبتلى به إلا أن يشاء الله تعالى، لا سيما إذا تمكن منه ولم يجاهد نفسه والعياذ بالله تعالى.
من أجل هذا أحببت أن أذكر نبذة مختصرة تكشف لك بإذن الله تعالى عن أحوال الحاقدين الحاسدين وتنبيك عن بعض صفاتهم وسيماهم، تذكيرًا وتنبيهًا أولاً لنفسي ثم لإخواني السلفيين، أسأل الله تعالى أن يعافينا وإياهم من كل سوء ومكروه، ويجنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.
1- الحاسد: لا يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، يقول تعالى:(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
2- الحاسد: يتمنى زوال النعمة على المحسود، ويتمنى أن يكون معه في الشقاء والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)).
3- الحاسد: لو استطاع أن يمنع الهواء والماء والخير على المحسود لفعل، والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: +هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)_، ويقول تعالى: + مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105).
4- الحاسد: ينتقد المحسود ولو بأتفه الأسباب، يقول تعالى: +وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)).
5- الحاسد: يشكك الناس في دين الله تعالى والعياذ بالله، يقول تعالى: +وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)).
6- الحاسد: يفضل أهل الفتن والأهواء على أهل الحق، يقول تعالى: +أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)).
7- الحاسد: يغرر الناس ويلبس عليهم دينهم ويصدهم عنه ويتظاهر بالنصح ومحبة الخير ويكتم الحق، يقول تعالى: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)_، ويقول تعالى: +وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)).
8- الحاسد: لا يألوا جهدًا في محاربة المحسود وصده عن سبيل الله تعالى والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)).
9- الحاسد: خبيث النية شرّير الطوية يسعى إلى التحريش والتفريق بين الأحبة، عن جابر بن عبدالله م عن رسول الله ص قال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) رواه مسلم.
10- الحاسد: يرد الحق ويعرض عنه لا لأنه حق، ولكنه جاء من طريق فلان من الناس فيرفضه بل ربما كذّبه، يقول الله تعالى:(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)).
قال العلامة السعدي / في تفسيره (ص44): أي ولما جاءهم كتاب من عند الله على أفضل الخلق وخاتم الأنبياء المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة، وقد علموا به وتيقنوه حتى أنهم كانوا إذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب استنصروا بهذا النبي وتوعدوهم بخروجه، وأنهم يقاتلون المشركين معه، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا كفروا به بغيًا وحسدًا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فلعنهم الله وغضب عليهم غضبًا بعد غضب لكثرة كفرهم وتوالي شكهم وشركهم. اهـ
11- الحاسد: شديد الحرص على أن لا يسمع الحق من المحسود ويحاول أن يمنعه من الصدع بالحق، بل إنه يتضايق من أدنى شيء يراه على المحسود حتى من نعله وغباره وظله والعياذ بالله تعالى، اللهم سلمنا وعافنا يا كريم.
عن أسامه بن زيد م أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ حَتَّى مَرَّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ أَيْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاصْفَحْ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ وَلَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري.
قوله: شرق بذلك، بفتح المعجمة وكسر الراء، أي: غصّ به وهو كناية عن الحسد يقال: غصّ بالطعام وشجى بالعظم وشرق بالماء إذا اعترض شيء من ذلك في الحلق فمنعه الإساغة. اهـ $الفتح# (8/80-81).
قال في (النهاية): أي غصّ به وهو مجاز فيما ناله من أمر رسول الله ص وحل به، حتى كأنه شيء لم يقدر على اساغته وابتلاعه فغصّ به. اهـ
12- الحاسد: كذاب ومخادع ولبّاس ولا يؤتمن عليه لا في دين ولا دنيا، لو استطاع أن يبيعك بأرخص الأثمان لفعل، لا يتورع أن يرميك بأعظم الفرى ولا يتحاشى من ذلك، يقول تعالى:(لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21))،
وقال تعالى: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)).
13- الحاسد: قلبه ممتلئ غيظاً وحنقًا على المحسود، يتظاهر أنه معه وهو على الخلاف من ذلك، ويفرح بما يسوء المحسود والعياذ بالله تعالى، يقول تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)).
فهذه جملة من أخلاق وعلامات الحاسد الحقود، فلنكن جميعًا منها معشر السلفيين على حذر تام، ولنسأل من الله تعالى أن يعيننا لأن يعيننا على أنفسنا ويدفع عنا هذا الداء الفتاك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وإن هذه الرذائل لتظهر جليًا عند ذوي الفتن والبدع والأهواء، الذين لا يرقبون في سني إلاًّ ولا ذمة.
فهذا شيخنا الكريم الناصح الأمين عند أن أكرمه الله تعالى ومنّ عليه بريادة وقيادة دار الحديث والسنة عقر الدعوة السلفية ومنبعها الصافي، ما إن تولى هذا المقام الشريف والعبء الثقيل إلا وتكالبت عليه أهل الفتن والزيغ والهوى والحسد، وكان السبب الرئيسي لهذه الحملة الشرسة المتوالية من قبل أعداء السنة، هو ذالكم الداء الدفين والمرض المهين داء الحسد، فما إن ينتهي من فتنة إلا وأختها على الطريق، هكذا سلسلة متواصلة، بشتى الطرق وأخبث الوسائل، لا ينثنون ولا يملون ولا يخافون الله تعالى ولا يخشونه، جادين ليل نهار، يحاولون زعزعت الصف السلفي بإثارة الفتن والقلاقل بين أوساطه، ومحاولة غرس وزرع أناس يقومون بهذه الفتن وهذه الثورات، باسم السلفية،مستخدمين في ذلك التقية، والعياذ بالله تعالى.
ألا وإن هذه المحن والشدائد التي يمرّ بها شيخنا رعاه الله ورفع قدره وأعزّ شأنه، غير عابئ بها، وإنما حصل له ذلك بسبب صدقه وإخلاصه ونصحه لهذه الدعوة المباركة، فيما نحسبه والله حسيبه، فقد منحه الله تعالى حبًا وغيرة لهذه الدعوة المباركة، لا يألوا جهدًا في نصرتها والذب والذود عن حياضها.
فلله درّه من ناصح أمين، أكرمه الله الكريم بالسنة والقرآن والعمل بهما والدعوة إليهما والصبر على الأذى فيهما، (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)).
وإلى رسالة: (طليعة الردود السديدة على رسالة نصائح علماء الأمة لجامعها الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي وتأصيلاته الجديدة)
قال (ص1-2): فهذه نصائح علماء أهل السنة والجماعة في كل فتنة دهماء، جمعتها ورتبتها وهذبتها ونقحتها، عسى الله أن ينفع بها طلاب العلم وجميع إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عند حلول الفتن المدلهمة. اهـ
قلت: سيأتي من الردود على الشيخ محمد ما يدلك أيها القارئ أنه أحوج ما يكون للنصح والتنبيه على أهم شطحاته التي وجه هذا الكلام إليها، لكان أجدر به عملاً بقول الله تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)_ فهو يرمي بذنبه على كواهل غيره، ويخرج منها بريئًا، ويظهر في صورة الناصح، هذا هو نظامه المعروف، والله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)).
قال (ص11): فبين سبحانه وتعالى أن سنته في خلقه أن يبتليهم بالسراء والضراء والغنى والفقر والعسر واليسر والعزّ والذل والحياة والموت، حتى يتبين من يفتتن عند الفتن ومن ينجو.اهـ
قلت: وهذه هي الفائدة والثمرة من الفتن، تبين الصادق من الكاذب والمخلص من المنافق والثابت من المتزعزع، بل وبها يعرف منازل الناس ودرجاتهم.
قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)).
وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).
قال (ص12): فأرشد الله العباد عند وقوع الفتن أن يرجعوا إلى أهل العلم، وخاصة الراسخين منهم، فقال: سبحانه وتعالى: +وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا_.
قلت: ومعنى يستنبطونه: أي يستخرجونه من معادنه، يقال: استنبط الرجل العين إذا حفرها واستخرجها من قعورها. اهـ من (تفسير بن كثير) (1/502) /.
وقال العلامة السعدي / (ص170): أي يستخرجونه بفكرهم وأرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. اهـ
وهذا شامل لفهم الأمور على حقيقتها والرجوع إلى أصولها ومصادرها، ويؤيده قول الله تعالى: ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189))، وقد عُلِمَ من الشيخ محمد أصلح الله حاله، بعظم من التوثب وشدة التدخل فيما لا يعنيه، تارة بالطعن وأخرى بالتحريش وأخرى بمضادة الحق إلى غير ذلك.
قال (ص13): وكذا النبي ص أرشد الأمة إلى كيفية التعامل مع الفتن، فقال:(إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا).
قلت: الحديث فيه مدح لمن تجنب الفتن ومدح من ابتلي فصبر، ولا يكون ذلك إلا بالحذر والتحذير من الفتن وأهلها، ولا يعني هذا أن يغض الطرف عن الفتن ولا يحذر منها ولا من أهلها، ليس المعنى هذا ، وإنما المعنى ما تقدم، فالتحذير من الفتن ومن أهلها من ديننا، وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذان هما قوام الدين وبهما يتحقق للعبد السعادة، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)_.
قال (ص13): ودلهم عليه الصلاة والسلام على ما هو خير لهم وأنفع من الولوج في الفتن فقال:(الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم، عن معقل بن يسار .
قلت: قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: .................................. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيَّ أَنْ أَقُولَ فُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ كَذَا . فَقَالَ : إذَا سَكَتّ أَنْتَ وَسَكَتّ أَنَا فَمَتَى يُعْرَفُ الْجَاهِلُ الصَّحِيحُ مِنْ السَّقِيمِ . وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ . فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ اللَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا اسْتَوْلَوْا لَمْ يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعًا وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ ابْتِدَاءً. اهـ (مجموع فتاوى ابن تيمية) - (ج 6 / ص 362).
فالجمع بين الصلاة والصيام والقيام وبيان حال أهل الأهواء كل في موضعه، ولا ينبغي إهمال جانب على حساب آخر، هذا هو شأن أهل الهدى من الصحابة ن فما بعدهم.
قال (ص15): فأما إذا خاض العامة وطلبة العلم غمار الفتن غير مبالين بأهل العلم فإن هذا نذير شرّ على الأمة، وهذا مما يزيد الفتن اشتعالاً والشرّ انتشارًا والخلاف اتساعًا.
قلت: قد مضى أن الحذر والتحذير من الفتن من ديننا، فإذا قام عالم سلفي معتبر ذو خبرة وتجربة وبصيرة، وحذر من الفتن وأقام الأدلة والبراهين على خطورة هذه الفتنة، ثم تتابع الناس إلى قوله وأخذوا به، فهذا عين ما يدفع الله تعالى به الفتن وخلافه ضده، فهذا من ردّ الأمور إلى أوليائها الذين لهم جهاد معروف ومشهور في السنة، فالعلماء إذا لم يتصدوا للفتنة من أول أمرها ويحذروا منها، فإنها تزداد انتشارًا واتساعًا وتشتعل نارها، ومن ثمّ يصعب إخمادها والحالة هذه.
قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه: والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها. انظر (منهاج السنة).
وكون الناس يأخذون بقول عالم من العلماء الذين لهم باع في السنة ولهم صولات وجولات مع أهل البدع والأهواء والفتنة، هل معنى هذا أنهم غير مبالين بأهل العلم الأخرين؟! هذا غير صحيح، وقائل هذا هو أحد رجلين:
إما أن يكون يمجمج بهذه المجملات يريد أن يصرف الناس عن هذا العالم المعتبر ما لديه من الحق والهدى ، وإما أن يكون حسن النية والقصد، إلا أنه لم يأت البيوت من أبوابها ولم يدع السهم لراميها، فهذا عدم توفيق.
فالعلماء أفهامهم وإدراكهم في الفتن ليسوا على حدٍّ سواء، والواقع أكبر شاهد وبرهان، ومن كان هذه حاله فإن شاء الله تعالى سوف يصل إلى الحق اليوم أو غدًا أو بعد غد.
قال (ص15): وطالب العلم يقبل على شأنه ودروسه وحفظه، ويحفظ لسانه إلا من خير، وإذا سأله العامي أرشده إلى أهل العلم. اهـ
قلت: ومن الخير بل من أعظم الخير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى السنة والتحذير من البدعة والفتنة، ومن الخير مع الدلالة إلى أهل العلم الصادقين الأمناء التعاون معهم على تحذير العامي من الشر الذي علموه من أهل العلم، قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2))،
وقال النبي ص: $المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا#، ولا يزال سلفنا الصالح رحمة الله عليهم على ذلك التعاون من لدن رسول الله ص إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إنشاء الله تعالى.
قال (ص16): الجرح والتعديل من ديننا، لكن ليس لكل من هب ودب، إن الجرح والتعديل له رجاله، وهم العلماء الأتقياء المخلصون الصادقون الرحماء الحكماء والبررة الذين يضعونه في موضعه اللائق به، دون ظلم ولا اعتداء ولا انتقام للنفس ولا رياء ولا سمعة. اهـ
قلت: الأمر كما قال هداه الله أن هذا الفن العظيم له أهله المعروفون به المتخصصون فيه، وهذا العلم الجليل الذي خصّ الله به أناسًا دون آخرين لا يمكن أن ينتشر إلا إذا حمله الناس عن هذا العالم ونشروه، ولا يكون ذلك إلا بالأخذ بأقواله ونشرها بين أوساط الناس.
وهذه كتب الجرح والتعديل ذاخرة بأقوالهم، قال الإمام أحمد في فلان كذا، وقال ابن معين في فلان كذا، وقال شعبة في فلان كذا، فلا أدري كيف تناسى الشيخ محمد هداه الله أقرب مصدر يتناوله، مثل(تهذيب التهذيب) و(ميزان الاعتدال) وما فيها ممن مثل هذه النقول، وما الذي أذهب هذه الأصول الثابتة من ذهنه، وأبدلها بمقولات هزيلة، لا يؤيدها دليل ولا طريق سلف
وكما قيل الليث أفقه من مالك، إلا أن مالكًا له رجال يعني حملوا عنه العلم ونشروه حتى وصل إلى ما وصل إليه، والمتصدي لهذا الفن الجليل يشترط في حقه: العلم والتقوى والورع والصدق والأمانة والابتعاد عن التعصب ومعرفة أسباب الجرح والتزكية( ).
وأما مسالة الرحمة والعاطفة، فهل بيان حال أهل الفتن إلا من الرحمة بهم، كما في ترجمة الحسن بن صالح بن حي من (تهذيب التهذيب) ..... وقال أبو صالح الفراء ذكرت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن فقال ذاك يشبه استاذه يعني الحسن ابن حي فقال فقلت ليوسف ما تخاف أن تكون هذه غيبة فقال لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم. اهـ $تهذيب التهذيب# - (ج 2 / ص 249).
ثم إن الإنكار على أهل الأهواء والفتن، إنما هو الغيرة على الدين والذب عن سنة سيد المرسلين ص، والقائم بهذا يتطلب منه كامل التجرد لله تعالى، وأن لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم، ولا تأخذه العواطف، كما قال الله تعالى:(وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) بل إن حسن الظن ليس بمعتبر في مثل هذا المقام، لا سيما مع وجود ما يدل على خلاف هذا الأمر من الريب وغير ذلك.
قال الحافظ بن أبي حاتم رحمة الله عليهما في مقدمة $الجرح والتعديل# (2/35): نا أحمد بن سنان، سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن، الحكم والحديث، يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي. اهـ
قال صاحب دراسات في $الجرح والتعديل# (ص47): لأن حسن الظن بالراوي حمل بعض العلماء على التساهل في رواية الحديث عن مستور الحال. اهـ
قال الإمام ابن مفلح / في (الآداب الشرعية) (1/89): وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ظَنَّ الْقَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّهُ لَا حَرَجَ بِظَنِّ الْقَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ قَبِيحٌ ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ الْحَنْبَلِيُّ : لَا يَحِلُّ وَاَللَّهِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِمَنْ تَرْفُضُ وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ الشَّرْعَ فِي حَالٍ . اهـ
أخرج البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب ط أنه قال: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
قال (ص16-17): وأما الفتنة إذا كانت بين عالمين من علماء أهل السنة، فلا يخوض فيها إلا علماء أهل السنة، فهم أعلم وأعرف بما يقولون وأدرى بالمصالح والمفاسد، وبمن يستحق أن يعدّل أو يجرّح، أما العامي وطالب العلم فلا يجوز لهم الخوض في مثل هذه الفتن فضلاً عن أن يجرحوا أو يعدلوا. اهـ
قلت: ليس الكلام على حصول الخلاف بين عالم سني وآخر سني مثله، فمثل هذا الأمر ينبغي بل يجب السعي الحثيث لإخماد هذا الخلاف وإماتته مع الحفاظ على منزلة ومكانة كل واحد منهما، فهما حصل من خلاف بين سني وآخر فمآله بإذن الله تعالى إلى الوفاق والسداد والوئام، إذ أن طريقهما واحد، وهو نصر السنة وأهلها ودحض البدعة وحزبها.
وليس هذا محل النزاع يا شيخ محمد هداك الله، إذ أن هذا أمر مسلّم به ولا تنتطح فيه عنزان، ولكن الأمر الذي أحب أن ألفت نظر القراء الكرام إليه، وهو:
إذا قامت ثائرة على الدعوة السلفية، فانبرى لها عالم من علماء السنة المعتبرين وأقام الأدلة والبراهين على ضرر هذه الفتنة بعلم وخبرة ومعايشة لها، كون هذا المنحرف من بلده أو من تلاميذه، ثم تتابع الناس وأخذوا بقول هذا العالم المعتبر ونشروه بين أوساط الناس كي يحذروا مغبة هذه الفتنة ويسلم دينهم منها ومن شرها، فهذا هو عين الإنصاف وتجنب العناد والإجحاف والترفع بالنفس عن هواها وعن مجانبة قواعد السلف رحمهم الله المثبتة للحكم على من عنده في تلك القضية مزيدًا من العلم أصلح الله حالك يا شيخ محمد، فأي ضرر في مثل هذا الحق الصريح الواضح أصلح الله حالك يا شيخ محمد؟
فهل في هذا ضرر يا شيخ محمد؟
فإن قلت: نعم، فيه ضرر وخطر.
فأقول لك بين لي وجه الضرر والخطر من هذا الأمر؟
فإن قلت: الضرر أنهم لم يرجعوا إلى العلماء.
فأقول لك: هذا لفظ عام، من تعني بالعلماء؟
فإن قلت: أعني بهم علماء أهل السنة والجماعة.
فأقول لك: أولاً إن العلماء ليسوا على حدٍّ سواء فمراتبهم وأفهامهم مختلفة وكل ميسر لما خلق له( ).
ثانيًا: قدمنا لك قاعة أصلية، أن من علم حجة في تلك القضية على من لم يعلم ملابساتها.
ثالثًا: قولك هذا يشير إلى أن أي قضية لا يقل فيها أحدٌ في عالم حتى يتكلم العلماء الآخرون، هذا قول محدث لم يقل به عالم معتبر وعار على مثلك أن يلفق هذه الأقوال والتأصيلات الباردة بغير سلف وإليك نبذة من بيان بطلان هذه الدعوة.
سئل العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- في أحد أشرطته في الرد على فالح الحربي: (هل يشترط في جرح أهل الأهواء إجماع علماء العصر أم يكفي عالم واحد؟
فأجاب: هذه من القواعد المميعة الخبيثة بارك الله فيكم أي عصر اشترط هذا الإجماع؟ وما الدليل على هذا الشرط؟ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان هناك شرط فإذا جرح أحمد بن حنبل ويحيى بن معين جرح مبتدعًا أقول لا بد أن يجمع أئمة السنة في العالم كلهم على هذا المبتدع فإذا قال أحمد: هذا مبتدع انتهى كل شيء ولهذا كان إذا قال أحمد فلان مبتدع سلَّم الناس كلهم له ما ركبوا أهواءهم إذا قال ابن معين هذا مبتدع ما أحد ينازعه يشترط الإجماع هذا مستحيل في كل الأحكام الشرعية في كل الأحكام الشرعية مستحيل...(هؤلاء مميعون هؤلاء المميعون وأهل الباطل ودعاة الشر وأهل الصيد في الماء العكر كما يقال فلا تسمعوا لهذه الترَّاهات)، فإذا جرح عالم بصير شخصًا بارك الله فيكم يجب قبول هذا الجرح فإذا عارضه عالم عدل متقن حينئذٍ يدرس يعني ما قاله الطرفان وينظر هذا الجرح وهذا التعديل فإن كان الجرح مفسرًا مبينًا قدم على التعديل ولو كثر عدد المعدلين إذا جاء عالم بجرح مفسر وخالفه عشرون خمسون عالمًا ما عندهم أدلة ما عندهم إلا حسن الظن والأخذ بالظاهر وعنده الأدلة على جرح هذا الرجل عنده الأدلة على جرح هذا الرجل فإنه يقدم الجرح لأن الجارح معه حجة والحجة هي المقدمة وأحيانًا تُقَدَّم الحجة ولو خالفها أهل الأرض, ملئ الأرض خالفه والحجة معه والحق معه الجماعة من كان على الحق ولو كان وحده لو كان إنسان على السنة وخالفه أهل مدينتين ثلاث مبتدعة الحق معه ويقدم ما عنده من الحجة والحق على ما عند الآخرين من الأباطيل فيجب أن يحترم الحق أن تحترم الحجة والبرهان ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فالكثرة لا قيمة لها إذا كانت خالية عن الحجة).اهـ
وقال أيضًا -حفظه الله- جوابًا على بعض أسئلة شباب عدن في فتنة أبي الحسن: (..فإذا قدَّم الأدلة لو عارضه مئة عالم من كبار العلماء وأبرزهم لا قيمة لمعارضتهم لأنهم يعارضون الحجة والبرهان، وهم يعارضون بغير حجة ولا برهان والله يقول: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فالبرهان يسكت الألوف من الذين خلت أيديهم من الحجج ولو كانوا علماء فهذه قواعد يجب أن تعرف وعليكم بمراجعة كتب علوم الحديث، ولاسيما الموسعة منها مثل: تدريب الراوي ومثل: فتح المغيث للسخاوي شرح ألفية العراقي، وهذه أمور بدهية عند أهل العلم المنازعة فيها والكلام فيها بالباطل لا يجوز لأننا نفسد العلوم الإسلامية ونخرب القواعد و.. و.. إلى آخره بمثل هذه الأساليب، فلا يجوز لمسلم أن يطرح للناس إلا الحق إلا الحق ويبتعد عن التلبيس والحيل بارك الله فيكم).اهـ انظر (مختصر البيان) (ص74-75).
ولهذا تجد العقلاء من العلماء وحذاقهم يسندون مثل هذه الأمور إلى أهلها ويؤخذون بأقوالهم ويعتمدون عليها في معرفة الفتن وأهلها، بل ويحيلون الناس إليهم وإلى الأخذ عنهم، بسعة صدر وراحة بال.
فإن قلت: فما بال طلبة العلم يخوضون في مثل هذه الأمور؟
فأقول لك: هم لم يخوضوا في مثل هذه الأمور، وأنما أخذوا ببيان حقيقة هذه الفتنة من مصادرها الموثوقة، فهل على طلبة العلم عضاضة والحالة هذه، حسبهم أنهم امتثلوا قول الله :(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا_.
وعليه فمن الخطأ بمكان أن يصوّر للناس أن ما حصل في هذه الفتنة إنما هو خلاف دائر بين عالمين من علماء السنة، وأن السبب في ذلك أغراض وأمور في النفس وغير ذلك من الأوهام والتخيلات التي لا تنفق على من أكرم نفسه بالتجرد لأخذ العلم النافع والعلم به وتطبيق القواعد العلمية والأصول السلفية في مواضعها، ومن أجل تلك الأصول التي فيها الخير والسلامة مع قاعدة من علم حجة على من لم يعلم، حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فهذه المسألة التي تصادم من أجلها القواعد والأول بما لا نظير له في التعصب المذهبي، وهي قضية بعض طلاب الشيخ يحيى رعاه الله، والذين كانوا في داره، فبين أفكارهم السيئة وحزبيتهم المقيتة، تدخلك في مثل هذا لا مستند له من الرشد وتطبيق الحديث المذكور ونعوذ بالله من الهوى المردي.
قال (17-18): فيا طلبة العلم عليكم بالتأني وعدم العجلة، فإن النبي ص قال:(التأني من الله والعجلة من الشيطان).....، وسمعت شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى يقول: يا أهل السنة إياكم والسرعة، فإن السرعة تؤدي إلى الانقلاب. اهـ
قلت: التأني مطلوب في كل شيء، إلا في عمل الآخرة، فالواجب المسارعة والمسابقة، يقول تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) ويقول تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)، وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: (قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84).
وفي سنن أبي داود وغيره عن سعد ط عن رسول الله ص قال: $التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة # الحديث صححه العلامة الألباني رحمة الله عليه.
قوله: $التؤدة# بضم التاء الفوقية وهمزة مفتوحة ودال مهملة مفتوحة، أي: التأني.
قوله: $في كل شيء خير# أي: مستحسن محمود.
قوله: $إلا في عمل الآخرة# فإنه غير محمود فيه، بل الحزم ببذل الجهد فيه لتكثير القربات ورفع الدرجات، ذكره القاضي، وقال الطيبي: معناه: أن الأمور لا يعلم أنها محمودة العواقب حتى يتعجل فيها أو مذمومة حتى يتأخر عنها، بخلاف الأمور الأخروية، لقوله سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
كان البوشنجي في الخلاء فدعا خادمه فقال: انزع قميصي وأعطه فلانًا، فقال: هلا صبرت حتى تخرج، قال: خطر لي بذله ولا آمن على نفسي التغير. اهـ من $فيض القدير# (3/277).
ومن أعظم أعمال الآخرة: الغيرة على السنة والذب عنها، ولقد كان شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه غيورًا على السنة حريصًا على نشرها وتعليم الناس، وفي المقابل ما كان يتوان من التحذير من الفتن والبدع والأهواء، ولقد بحّ صوته رحمة الله عليه بذلك، وكم خرجت من أشرطة وكتب ورسائل وفتاوى تحذر من أهل الزيغ والفتن.
ما من مبطل يبرز قرنه، إلا وتجد شيخنا رحمة الله عليه يبين حاله ، وما من فتنة راجت بين أوساط المسلمين، إلا وتجد شيخنا رحمة الله عليه من المتسابقين إلى إخمادها ودفنها، تصدى لملل الكفر بأنواعها، من باطنية وقرامطة ورافضة وما سونية وبوذية ونصرانية وعلمانية واشتراكية وبعثية وناصرية وصوفية قبورية.
وهكذا تصدى للفرق الإسلامية المنحرفة من إخوان وسرورية وقطبية وأشاعرة وخوارج وغيرهم من ذوي الزيغ والفتن، وحذر من الحزبية بجميع أنواعها، وحذر من الديمقراطية ووليدتها الانتخابات، فطهّر الله تعالى به اليمن، وانبثق نور السنة منها وانتشر في الآفاق، وحصل الخير للأمة الإسلامية، فهل ترى هذا الخير أخي الكريم حصل عن من تقاعس وتخاذل وتكاسل؟ كلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، وإنما حصل بجهاد دووب؛ لأنه يعتبر من خير ما يتقرب به المتقربون إلى ربهم سبحانه.
ومما يدل على مسابقة شيخنا رحمه الله تعالى في الذب عن السنة والتحذير من الفتنة، أنه كان / ذات يوم مريضًا، وأراد أن يخرج شريطًا في الزنداني، فخشي أن تدركه المنية قبل إخراجه، فبادر بإخراجه وتكلم وحذر منه وهو في حالة مرض، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وأعلى درجته في المهديين وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فاحذر أخي الكريم، فهذا الحق ليس فيه خفاء، فدعني من بنيات الطريق، دعنا من المحاماة على الحزبيين يا شيخ محمد، والله ما أفلح بها من قبلك.
قال (18-19): فكم من صاحب فكرة يصيح بها بين أظهركم، فيجد له منكم أعوانًا ومناصرين ومنافحين، هلا عرضتم فكرته وقوله على أهل العلم فتعرفون حقيقة أمره، ليس كل من خصه الله بموهبة في الخطابة أو الكتابة أو البلاغة أو الحفظ، وقام يجرّح أو يعدل أو يصدر أحكامًا يكون مصيبًا، فالأولى أن يقال له: إن هذا المجال ليس مجالك، وأن هذا الأمر لا يخصك، بل هو من اختصاص أهل العلم وأنت محكوم عليك ولست بحاكم، وسنسأل عن حالك أهل العلم، هذا الذي يؤمل فيكم يا طلبة العلم، أما أنكم تنقادون خلف كل ناعق بأدنى الأفكار والحيل وربما تطاول على أهل العلم وأنتم صامتون وكنتم له مناصرين، فهذا أمر لا يبشر بخير أبدًا. اهـ
قلت: يا سبحان الله، ما العلم عند الشيخ محمد ومن هو العالم يا ترى؟ فإنه من يصف من يُعرِّض به بأن الله خصه بموهبة في عدة أمور عظيمة، وهي:
1- الخطابة. -2- الكتابة، التي يراد بها هنا، التأليف لكتب نافعة التي هي مؤيدة بموهبة من الله . -3- البلاغة. -4- الحفظ. وحسبك به كل هذه الأمور الأربعة، يعترف بها الشيخ محمد لمن يُعرِّض به.
وبعد هذه المؤهلات العظيمة التي لا أظن بعضها يتوفر عند الشيخ محمد هداه الله، ويحمله إجحافه على أنه ليس له أن يصدر أحكامًا على ضوء هذه العلوم والمؤهلات، وأظن أن الشيخ محمدًا يعني بهذا الكلام من قرنه في ما مضى، تقدم (ص17)، تقدم أن قال عنه: إذا كان الخلاف بين عالمين من علماء السنة ...... الخ، وهذا نموذج واضح على عدم انضباط الشيخ محمد هداه الله في أقواله، فتجد الخلل في كلامه بين أسطر وأخرى، تارة يثبت بمن يُعرِّض به العلم والحفظ و......الخ.
ثم إن عيئ الدفاع عن الباطل يجعله ينقض غزله أنكاثًا، فيسلبه أهلية تطبيق هذه المؤهلات، نسأل الله ستر من دفع الحقائق والأباطيل، فلا ندري على حساب ماذا هذا التكلف والتعسف كله.
ثم أي فكرة يدعوا إليها الذي تعرض به، فنحن نطالبك بذكرها وذكره حتى نحذرها ونحذره على بصيرة، إن كان الأمر كما تدعي، وإلا حار عليك إثم تغريرك بهؤلاء السامعين لهذه الاجمالات الباطلة، فإن هذا والله ضرب من التلبيس، أنت تحمل إثم من فتن به، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)_ ولن يحمل عنك هذا الذي تجرجر الفتنة والقلق عليه وعلى سامعيك من أجله، فتأمل في هذه النقطة باستحضار شيء من التفكر والورع ومحاسبة النفس + يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)_.
قال (ص33): فالله توعد المختلفين بالعذاب العظيم، لهذا لا يجوز أن يكون بين أهل السنة اختلاف ولا دعوة إلى الاختلاف، فالذين يدعون إلى الاختلاف وإلى الفرقة، فإنه ينالهم من هذا العذاب الذي توعّد الله به إن شاء: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)_. اهـ
قلت: إن الله تعالى أكرم أهل السنة ومنّ عليهم بأن هداهم إلى العلم بالحق والعمل به والاتفاق عليه، فسبقت لهم سابقة السعادة وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي، وأما من عداهم فهم مخذولون موكولون إلى أنفسهم، واقتضت حكمة الله تعالى أنهم لا يزالون مخالفين للصراط المستقيم متبعين للسبل الموصل إلى النار، كل يرى الحق فيما قاله والضلال في قول غيره( ).
فدعوة أهل السنة دعوة رحمة بالخلق، دعوة أهل السنة دعوة تبشير لا تنفير، دعوة تيسير( ) لا تنفير، دعوة الناس إلى الجماعة وتحذيرهم من الفرقة، دعوة الناس إلى مكارم الأخلاق وتحذيرهم من مساوئها، وغير ذلك من محاسن هذه الدعوة ومكارمها، وإذا حصل خلاف بينهم، فإنه دائر بين أمرين:
الأول: إما أن يكون خلاف أفهام، كل فهم حسب ما وصل إليه بعد بحث ونظر.
الثاني: إما أن يكون خلاف تنوع.
قال شيخ الإسلام بن تيمية / في $اقتضاء الصراط المستقيم# (ص33-34): أما أنواعه( ) : فهو في الأصل قسمان : اختلاف تنوع واختلاف تضاد .
واختلاف التنوع على وجوه : منه : ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا ، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة ، حتى زجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : « كلاكما محسن ».
ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان ، والإقامة ، والاستفتاح ، والتشهدات ، وصلاة الخوف ، وتكبيرات العيد ، وتكبيرات الجنازة ، إلى غير ذلك مما قد شرع جميعه ، وإن كان قد يقال إن بعض أنواعه أفضل ..... وأما اختلاف التضاد: فهو القولان المتنافيان .....
قال الإمام الشافعي ر/ في تعريف الاختلاف المحرم: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه. اهـ من $الرسالة# فقرة رقم (1674).
وقال /: من قامت عليه الحجة يعلم أن النبي نهى عما وصفنا ومن فعل ما نهي عنه وهو عالم بنهيه فهو عاص بفعله ما نهي عنه وليستغفر الله ولا يعود. اهـ المصدر السابق، فقرة رقم (952).
وعليه فإنه أحيطك علمًا أخي الكريم، أنك إذا رأيت من يرمي أهل السنة بأنهم دعاة فرقة واختلاف، فاعلم أنه يريد من وراء ذلك التغرير بالناس والتلبيس عليهم، كما هو شان من علمتم من رمي أهل الأهواء لأهل السنة بذلك، فإن وجد من يدعي السنة وهو ممن يشق عصاهم ويدعو إلى الفتنة عليهم فهو صاحب فتنة وهوى وتحزب، كما شأن من جنّد الشيخ محمد نفسه للدفاع عن حزبيتهم، فهذا الصنف نحن وكل سلفي صالح نبرأ إلى الله من تحزبه وفتنته، ونرمي بدفاع من دافع عنه بمثل هذا الباطل وراء الحائط.
قال (ص35): والحمد لله نحن جميعًا على مذهب السلف الصالح وعلى السنة، وهذا من فضل الله علينا. اهـ
قلت: يقول تعالى: +وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)، ويقول سبحانه: +وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)_، ويقول تعالى: +وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)_، ويقول تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)_.
يقول تعالى: ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)_.
عن ابن عباس م أن النبي ص قال: $لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ_ رواه مسلم.
وعن أبي قتادة ط أن رسول الله ص قال: $مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ# متفق عليه.
فأقول لك يا شيخ محمد: أعد النظر في كلامك هذا واضبطه بعلم وحقائق وتوثيق، كما هو من شان من تكلم في طلابه هؤلاء الذين تدافع بالأقاويل الهزيلة والأباطيل الكليلة عن حزبيتهم، فأقول لك والله لو ظللت على هذا الحال من هذه اللفلفة والمجمجة وتقليب الحقائق على حساب هؤلاء المذكورين، يعد ما جنوه على الدعوة السلفية ودارها وشيخ دارها عدد دهور، ما كان لك من وراء هذا الجهد المبتور إلا الضياع وذهاب الخير والأجور، فأقلل منه أو أكثر كما يسول قرينك ومجالسوك من هؤلاء المفتونين والله المستعان.
قال (ص38): ..... كيف تصغي لإنسان يشتت ويفرق ويمزق ؟ كيف تستمع له؟ اهـ
قلت: فما أحوجك إلى مثل هذا الكلام، ألا تعتبر يا شيخ محمد؟ فمن الذي يدافع عن الذين فرقوا وتفرقوا ؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله تعالى.
من الذي يأوي أهل الفتن ويصغي إليهم؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله.
من الذي صار يحاضر في مساجد الحزبيين في الحديدة وغيرها، ويضاد إخوانه أهل السنة ؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله.
من الذي يريد أن يجمع بين مفترق ويفرق بين مجتمع، فيفرق في دماج وأهلها ويحرش بينهم في زيارته الأخيرة ويحاول إشعال الفتنة فيها بشتى الوسائل، من تحريش بين العلماء والطلاب وتحريش عوام الناس على العلماء وغير ذلك ؟
الجواب: الشيخ محمد هداه الله.
من الذي يرمي علماء السنة في هذا العصر وغيرهم من طلبة العلم، تارة بالجوسسة، كربيع المدخلي والفوزان، وكذا الشيخ حسن بن قاسم الريمي وتارة يغمزهم بالعمالة، كالنجمي وزيد المدخلي، وتارة بالتكذيب كالحجوري؟
الجواب الشيخ محمد هداه الله.
نعوذ بالله تعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ألا يكفيك من الرمي والتهم إلى هذا الحد، أبعد هذا كله يا شيخ محمد تجسر على رمي غيرك بلا برهان، بما تقدم من تهمة التمزيق متناسيًا هذه العظائم كلها، فاتق الله يا شيخ وتحلل من هذه المظالم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات، ولا أن يكفي أن تعتذر من واحد على حساب تسويره على آخر، فإنك والحال هذه لا تزال في إطار الفتنة حتى تتوب إلى الله تعالى من هذا كله ونسأل الله تعالى التوفيق.
ثم اعلم أن رمي أهل الحق بأنهم يسمعون لمن هبّ ودبّ ولا يتحرون الصدق والصواب، هذا تشبه بالمنافقين بمن قال الله تعالى فيهم:(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)
قال الحافظ بن كثير / (ج2): يقول تعالى: ومن المنافقين قوم يُؤذون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالكلام فيه ويقولون: ( هُوَ أُذُنٌ _ أي: من قال له شيئا صدقه، ومن حدثه فينا صدقه، فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا. روي معناه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. قال الله تعالى: + قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ _ أي: هو أذن خير، يعرف الصادق من الكاذب، ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ _ أي: ويصدق المؤمنين، ( وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ _ أي: وهو حجة على الكافرين؛ ولهذا قال: +وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ _.
قال العلامة الشوكاني / (ج2): قوله :( وَمِنْهُمُ _ هذا نوع آخر بما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم ، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، على وجه الطعن والذم + هو أذن _ . قال الجوهري : يقال : رجل أذن : إذا كان يسمع مقال كل أحد ، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم ، أقمأهم الله ، أنهم إذا آذوا النبيّ وبسطوا فيه ألسنهم . وبلغه ذلك اعتذروا له ، وقبل ذلك منهم ، لأنه يسمع كل ما يقال له ، فيصدّقه ، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدّقه أنه أذن مبالغة ، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع ، حتى كأن جملته أذن سامعة ، ونظيره قولهم : للربيئة عين ، وإيذاؤهم له هو قولهم : + هُوَ أُذُنٌ_ لأنهم نسبوه إلى أنه يصدّق كل ما يقال له ، ولا يفرق بين الصحيح والباطل ، اغتراراً منهم بحلمه عنهم ، وصفحه عن جناياتهم كرماً وحلماً وتغاضياً .....الخ كلامه /.
قال المعترض (ص42): بعض الجهال ما هو عارف يطهر البراز من باب دبره إذا اكتفى بالحجارة أو المناديل؛ لأن الاستجمار بالحجارة أو المناديل يشترط أن النجاسة ما تتجاوز حلقة الدبر ولا بد، أما أن يأتي بالحجر أو المنديل ويمشيه مسافة في فخذه، فقل له: يا مسكين أنت مغفل أنت جاهل أنت ما تعرف تستجمر أنت ما يصلح لك إلا الماء، أما إذا أردت أن تكتفي بالحجر أو المنديل هذه النجاسة لا تتجاوز حلقة الدبر، أنت ما تعرف تزيل النجاسة من باب دبرك، فكيف تتكلم في مسائل العلماء. اهـ
قلت: ألست القائل يا شيخ محمد هداك الله: إن الجرح والتعديل له رجاله، وهم العلماء الأتقياء المخلصون الصادقون الرحماء الحكماء البررة الذين يضعونه في موضعه، فأين الرحمة من كلامك هذا ؟ وأين الحكمة من كلامك هذا؟ وأين التقوى والبر والصدق والإخلاص من كلامك؟ وهل جرحك لهذا الجاهل بهذه الصورة البشعة من وضع الأمور في موضعها الصحيحة؟ أبهذا بعث الله تعالى نبيه ص؟ وهو القائل ص: $إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ،فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وَلَا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ# وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ. رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة ط، وحسنه شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه.
إن الله تعالى بعث نبيه محمدًا ص معلمًا ومؤدبًا، رسولنا محمد ص دخل المسجد فرأى رجلاً لم يحسن صلاته فأمره أن يعيد صلاته، قال له ذلك ثلاث مرات حتى قال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها فعلمني، فعلّمه رسول الله ص الصلاة ورفق به، ولم يقل له: أنت جاهل أنت مغفل ولم يعنفه، وهكذا كم من قضية رفق النبي ص فيها بالجاهل وصبر عليه وعلمه الصواب برفق وحكمة.
وهذا شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه بوّب في كتابه $الجامع الصحيح# (1/62) الصبر على تفهيم الجاهل، ثم ذكر حديث أبي أمامة ط في $المسند# في ذلكم الرجل الذي أتى النبي ص يستأذنه في الزنا. الحديث.
ثم قال شيخنا رحمة الله عليه بعد تصحيحه: ويا له من موعظة وتوجيه للدعاة إلى الله.
فليس بهذا الأسلوب يا شيخ محمد هداك الله يتفقه الناس في دين الله تعالى، أيهما خير، تعلم هذا الجاهل كيفية الاستجمار وترفق به أو أنك تحول بينه وبين هذا الحكم الشرعي الذي شرعه الله تعالى لعباده، بحجة أنه جاهل.
أوردها سعد وسعد مشتمل***** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
والشيخ محمد هداه الله تعالى بهذا المثال يريد أن يحطم معنويات طلبة العلم، ويحطم غيرتهم على السنة وأهلها، بحجة أنهم طلبة علم وليسوا بعلماء، وأحدهم لا يحسن يستجمر كما يزعم.
فأقول لك: من قال لك أنهم علماء، حسبهم أنهم طلبة علم يحبون سنة رسول الله ص وأهلها، وليسوا بمعصومين فإذا صدر منهم خطأ فالواجب إصلاحه وتقويمه وإرشاد الطالب إلى الأحسن وتشجيعه، هذا الذي عهدنا عليه علمائنا رحمة الله عليهم وحفظ الأحياء منهم.
وكم من طالب نفع الله به أمة الإسلام بسبب توجيه شيخه إياه وحسن رعايته والعناية به، والطالب إذا رأى حسن العناية من شيخه يزداد نهمة في الطلب ويحرص على الاجتهاد في تحصيله، وأما والحالة هذه فهي طريقة تحبيط وتحطيم، سار عليها الشيعة القائلين في القبائل: قبيلي صبن غرارة، يعني أنه لا يصير عالمًا؛ لأن الغرارة سوداء ولو صبنتها ما تبيض، وسار عليه الصوفية الذين أنشئوا طلابهم على تقبيل الركب، فهؤلاء حقروا القبائل، أما أنت فحقرت طلبة العلم، حفاظًا لكتاب الله، وبعضهم يحفظ مع ذلك الصحيين أو أحدهما، وبعضهم له في طلب العلم عشرات السنين، وأنت تصفهم بهذه الأوصاف.
قال المعترض المتخبط (ص45-46): فكثير من الناس موقفهم عند الفتنة موقف فاشل، يتصدر ويتعصب ويدافع عن الخطأ وعن الباطل، يا أخي بعض الفتن تدع الحليم حيران، فكيف بالذي هو ليس بحليم، سيتخبط إلى أم رأسه. اهـ
قلت: هذا نصح لك، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فأنت الأن لا تكاد تفصح عمن تادفع ولا عمن تعني بغمزك هذا، كل ذلك لأن حيران حيث لو أفصحت لربما انتقدك الناس بحق، ولكن تستفيد من هذه التلويحات البعيدة الطربلة على بعض من يغتر بها.
قال (ص48): أما أنه يتصدر وهو طالب أو عامي، يا سبحان الله ما أحوجك إلى درّة عمر ط التي كان يضرب بها أمثالك ما أحوجك إلى مثلها، ضرب صبيغًا في رأسه، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الذي كنت أجده في رأسي قد ذهب. اهـ
قلت: نعلم أن عمر بن الخطاب ط ضرب بدرته صبيغًا، إذ كان مفتونًا بإلقاء الشبهات على الناس، فدرة عمر ط نحن نحتاجها في هذا العصر لأهل الفتن والشغب والقلاقل الذين أرادهم الشيطان بشهواته وشبهاته، والحمد لله وجد ما يقوم مقام درة عمر ط وربما ما هو أشدّ، وهو الصدع بالحق والتحذير من الفتن وأهلها، والله يقول: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)_.
قال (ص50): فأنت عليك أن تهدأ وإذا قيل لك يا بقرة ففعلاً أنت بقرة، وقد تكون البقرة أحسن منك هدوءًا، تناطح من؟ تناطح العلماء؟ أما تخجل ؟ ما تستحيي على نفسك، صدق رسول الله ص إذ يقول: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) رواه البخاري عن أبي مسعود ط، البقرة ما تناطح العلماء وأنت تناطح العلماء، البقرة ما تجادل ولا تخوض مثل ما تخوض فيه أنت، فأنت إذا قيل لك بقرة واسمحوا لي، فبعض الناس ما يصلح له إلا عصا عمر ط، عصا عمر بالضرب وأنا بالكلام، إذا قيل لهذا المغفل يا بقرة أو يا ثور، فالثور أحسن منه، الثور ما يخوض في هذه الأمور، الثور يعرف قدر نفسه، وهذا ما عرف قدر نفسه. اهـ
قلت: يا ويح حاضري هذه المحاضرة القيمة التي أتحفهم فيها، والله يقول: +وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا_، ويقول سبحانه: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)_، وفي الصحيحين عن أبي هريرة ط أن النبي ص قال: $مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ#.
فأين الرفق يا من تدعي الرفق وأين دندنتك على حفظ اللسان، اللسان اللسان، وأين الحكمة وأين البر والإخلاص والتقوى، وأين وضع الكلام في موضعه الصحيح الذي أنت تدندن به قولاً بلا عمل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)_ ويقول تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)_، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد ط قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: $يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ#.
قال المعترض (53): يا أخي العالم إذا قال قولاً وكان مصيبًا في ذلك فما هو محتاج للطالب أو العامي يعينه، إذا كان العالم يعرف صحة ما هو عليه، فما هو محتاج للطالب أن يعينه. اهـ
قلت: يقول تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)_، هذا أمر من الله تعالى، أن نكون مع الصادقين ومع ذلك إننا نناصرهم ونصر الحق الذي معهم.
قال العلامة السعدي / في $تفسيره# (ص332):(وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ_ في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم وأحوالهم لا تكون إلا صدقًا، خالية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة. اهـ
والأنصار سموا أنصاراً ن لأنهم ناصروا النبي ص ووقفوا معه ونصروا دينه، بل إن نبينا محمدًا ص اشترط عليهم مناصرته، فقال: $تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمْ الْجَنَّةُ# أخرجه الأمام أحمد من حديث جابر ط، وحسنه شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه.
ويقول جابر رضي الله عنه في نفس الحديث: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ مَنْ يُؤْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ. الحديث.
والمناصرة من أسباب ولاية المؤمنين بعضهم ببعض، وقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)_ وهي تعتبر دلالة على صدق الإيمان، ويقول تعال: +وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)_،
وقال سبحانه في سياق مدح أهل الكتاب الذين آمنوا بالنبي ص ونصروه: +الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)_
وأخذ ربنا سبحانه وتعالى ميثاق النبيين عليهم الصلاة والسلام على مناصرة النبي ص، يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)_،
وهذا نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام يطلب من الحواريين مناصرته، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)_.
قال العلامة السعدي / في $تفسيره# (ص823-824): ثم قال تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ _ أي بالأقوال والأفعال، وذلك بالقيام بدين الله والحرص على إقامته وتنفيذه على الغير وجهاد من عانده ونابذه بالأبدان والأموال، ومن نصر الباطل بما يزعمه من العلم وردّ الحق بدحض حجته وإقامة الحجة عليه والتحذير منه، ومن نصر دين الله تعلم كتاب الله وسنة رسوله ص والحث على ذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم هيّج الله المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين بقوله: + كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ_ أي: قال لهم عارضًا ومنهّضاً: من يعاونني ويقوم معي في نصرتي لدين الله، ويدخل مدخلي ويخرج مخرجي.
فابتدر الحواريون فقالوا: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ_ فمضى عيسى عليه السلام على أمر الله ونصر دينه هو ومن معه من الحواريين، ..... فأنتم يا أمة محمد كونوا أنصار الله ودعاة دينه ينصركم الله كما نصر من قبلكم ويظهركم على عدوكم. اهـ المراد.
وقال تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)_، ونصر الله بنصر الحق وأهله.
عن البراء بن عازب م في حديث غزوة أحد، وفيه قال أبو سفيان: اعْلُ هُبَلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوهُ قَالُوا مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوهُ قَالُوا مَا نَقُولُ قَالَ قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. أخرجه البخاري.
عن عبدالله بن عباس م قال: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. متفق عليه.
قال الحافظ النووي /: كان ثابت ابن قيس خطيب رسول الله ص يجاوب الوفود عن خطبهم وتشدقهم. اهـ
قال الحافظ بن حجر /: ويؤخذ منه استعانة الإمام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد ونحو ذلك. اهـ
عن انس ط أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ أَنَا أَنَا قَالَ فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ. رواه مسلم.
عن جرير بن عبدالله البجلي ط قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: $أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ# وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ قَالَ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: $اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا# فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ أَوْ أَجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. متفق عليه.
وعلى هذا فصاحب الحق إذا ناصره أهل الحق على الحق، فليس في هذا شيء، ولا يدل على ضعف العالم وضعف حجته، وإنما يزداد الحق قوة إذا ازداد وكثر مناصروه، وإلا فالحق حجة بنفسه، ودين الله تعالى قام على التعاضد والتكاتف والمناصرة والتناصر، والله المستعان، وصدق ربنا تعالى إذ يقول: +وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)_.
قال (ص56): تسمع من هذا العالم وتسمع الثاني وتسمع من الثالث وتسمع من الرابع. اه
ـ
قلت: وهذا سبيل إلى محاولة إبطال القاعدة الشرعية، وجوب قبول خبر الواحد العدل الثقة، فإذا قام العالم وتكلم على قضية من القضايا وأقام على ذلك الأدلة والبراهين، فإنه يجب قبول قوله، انظر ما تقدم (ص20،19) من $مختصر البيان#.
5-قال الإمام الحاكم رحمه الله في "معرفة علوم الحديث" (1 / 5): سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول : سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول : « كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ، ذكروا لابن أبي فتيلة بمكة أصحاب الحديث ، فقال : أصحاب الحديث قوم سوء ، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه ، فقال : زنديق ، زنديق ، زنديق ، ودخل البيت».
وقال العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في "الموقف الصحيح من أهل البدع" ص(21-22): (ابن عمر لما بلغه أن قومًا يتقفرون العلم ويقولون أن لا قدر قال أبلغهم أنني منهم براء وأنهم مني براء لم يفتح ملف تحقيقات وإلى آخره كما يفعله الآن أهل البدع يقذفون الناس ظلمًا وعدوانًا فإذا ثبت لك شيء من ضلالهم وتكلمت وحذرت منهم قالوا ما يتثبت نعوذ بالله من الهوى ولو يأتي ألف شاهد على ضال من ضلالهم لا يقبلون شهادتهم بل يسقطونها، ألف شاهد على ضال من ضلالهم لا يقبلون شهادته وضيعوا الإسلام وضيعوا شباب الإسلام بهذه الأساليب الماكرة نسال الله العافية، ابن عمر لما أخبره واحد فقط صدقه لأنه مؤمن عدل وثقة, وديننا يقوم على أخبار العدول, من قواعده أخبار العدول فإذا نقل لكم الإنسان العدل كلامًا فالأصل فيه الصحة ويجب أن تبني عليه الأحكام فإذا أتى إنسان معروف بالفسق وجاءك بخبر لا تكذبه تثبت لإن هناك احتمالاً أن يكون هذا الفاسق في هذا الخبر صادقًا تثبت لا بأس أما الآن العدل تلو العدل والعدل تلو العدل يكتب ويشهد ما يقبل كلامه وينقل الكلام الضال بالحروف ما تقبل شهادته يقولون حاقد فهذا من الأساليب عند أهل البدع والفتن في هذا الوقت نسأل الله العافية لا يعرفها الخوارج ولا الروافض على أهل البدع في الأزمان الماضية وجاءوا للأمة بأساليب وقواعد ومناهج وفتن ومشاكل وأساليب إذا جمعتها والله ما يبقى من الدين شيء...وإذا أخذت بهذا المنهج صار أئمتنا كلهم فاسقين غير عدول ظالمين فجرة على هذا المنهج الخبيث). اهـ
وقال الإمام الشنقيطي -رحمه الله- في "مذكرة أصول الفقه" ص(168) ط/الجديدة: (الجائي بنبأ لو كان غير فاسق بل كان معروفًا بالعدالة والصدق فإنه لا يلزم التبين في خبره على قراءة ﴿فتبينوا﴾ ولا التثبت على قراءة ﴿فتثبتوا﴾ بل يلزم العمل به حالاً من غير تبين ولا تثبت). اهـ.
وقال الشيخ النجمي رحمه الله في "الفتاوى الجلية" (2/33): ( أما خبر العدل فإنه يؤخذ به فكيف إذا كان المخبرون جماعة ومن خيرة المجتمع وأعلاه وأفضله علمًا وعدالة فإنه يجب ويتحتم الأخذ به ومن رده فإنما يرده لهوى في نفسه لذلك فهو مدان ويعتبر حزبيًا بهذا الرد فهو يلحق بهم ويعد منهم وبالله التوفيق )اهـ. انظر $مختصر البيان# (ص71و72-73).
قال المعترض (ص56-57): مثلاً فلان حزبي وإلا ما هو حزبي، يا أخي فلان هذا ما هو عندك ولا هو شيخك ولا أنت في بلاده ولا هو في بلادك، مثل هذا انصرف عنه وانصرف عن هذه القضية إلى غيرها؛ لأنك ما أنت فيها، هذه القضية لا بأس أن يسال عنها شخص هو من بلاد فلان هذا، أما إنسان لا أنت في بلاده ولا هو في بلادك مالك منه، حزبي ما هو حزبي، هذا شيء ما يخصك، لست أنت من أهله، بعض الناس يحشر نفسه في أمور ولو كان ما هو من أهلها، فهذا النوع من الناس في جهل في عمى في تخبط. اهـ
قلت: وهذه من قواعد الشيخ محمد هداه الله وتأصيلاته الجديدة( )، وهذه القاعدة الخلفية: أن الشخص لا يتكلم على آخر إلا إذا كان عنده ومن أهل بلده، قاعدة باطلة مخالفة لجميع كتب الجرح والتعديل، وقد جرّح أهل الحديث من المنحرفين أُممًا في شتى البلدان وهي مخالفة للكتاب والسنة وعمل السلف الصالح رحمة الله عليهم قاطبة، ومآل هذه القاعدة الظالم أهلها محاولة تمييع باب الجرح ومحاولة إسقاط جهود أهل هذا الفن الجليل
.
فمن الأدلة على إبطال هذه الأدلة ما يلي:
1- يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)_،
قال العلامة السعدي / (ص143) من $تفسيره#: الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب وعلمه الله العلم أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله ولا يكتمهم ذلك ويبخل عليهم به، خصوصًا إذا سألوه أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه ويوضح الحق من الباطل، فأما الموفقون فقاموا بهذا أتم القيام وعلموا الناس مما علمهم الله ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق وخوفًا من إثم الكتمان، وأما الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ومن شابههم فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق وأظهروا الباطل، تجرئوًا على محارم الله وتهاونًا بحقوق الله وحقوق الخلق واشتروا بذلك الكتمان ثمنًا قليلاً، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات والأموال الحقيرة من سفلتهم المتبعين أهوائهم المقدمين شهواتهم على الخلق. اهـ
شاهدنا من هذه الآية الكريمة عموم وجوب تبليغ الحق، سواءً كان المسئول عنه من أهل بلده أو لم يكن من أهل بلده.
2- يقول تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)_، قال العلامة السعدي / (ص491): وهذه الآية وإن كان سببها خاصًا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين، أصوله وفروعه إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم، ولم يؤمر بسؤالهم إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه، وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهى عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهى له أن يتصدى لذلك. اهـ
3- يقول تعالى: +يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)_، قال العلامة السعدي / (ص836): يأمر الله تعالى نبيه ص بجهاد الكفار والمنافقين، والإغلاظ عليهم في ذلك، وهذا شامل لجهادهم بإقامة الحجة عليهم ودعوتهم بالموعظة الحسنة وإبطال ما هم عليه من أنواع الضلال، وجهادهم بالسلاح والقتال لمن أبى أن يجيب دعوة الله وينقاد لحكمه، فإن هذا يجاهد ويغلظ عليه. اه
ـ
الشاهد من هاتين الآيتين عموم البلاغ، والأدلة في هذا المعنى كثيرة جدًا،
وأما من السنة، فهي كثرة وشهيرة، فمن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص م عن النبي ص قال: $بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ#.
وروى الحاكم عن عبدالله بن عمرو م أن رسول الله ص قال: $من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار#.
وفي المسند وغيره عن أبي هريرة ط قال: قال رسول الله ص: $من سئل عن علم عنده فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة# والحديثان في الصحيح المسند لشيخنا الإمام المجدد الوادعي /، ومن ذلك أن النبي ص ذمّ الخوارج وحذر منهم ومن فتنتهم وقال: $إنهم كلاب أهل النار#، ولم يخرجوا في ذلك الوقت، ومن ذلك حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ولم يظهر واحد منهم في ذلك الوقت، ومن ذلك حديث القدرية مجوس هذه الأمة، الحديث، والقدرية لم تظهر في ذلك الوقت، ومن ذلك حديث: $ إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسر بعده#.
ومن ذلك أن النبي ص تكلم على القرآنيين فقال: $يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ# رواه الإمام أحمد وغيره عن المقدام ط.
ومن ذلك أن الفتن تطلع من المشرق، وقرن الشيطان هناك، ومن ذلك حديث ظهور الكذابين الثلاثين كل واحد يزعم أنه نبي، ومن ذلك أن النبي ص حذر أمته الدجال وجلّى فتنته بما لم يسبق إليه أحد من الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، ومن ذلك حديث أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا، وغير ذلك كثيرًا جدًا.
شاهدنا من هذا أن النبي ص تكلم في هؤلاء وحذر منهم، ولم يكونوا في زمنه ولا من أهل بلده وأما الأخبار عن السلف رحمة الله عليهم فلا تحصى كثرة، فهذا ابن عمر م عند أن بلغه أمر القدرية وهم في البصرة وهو كان في مكة حاجًا أومعتمرًا، فلما بلغه خبرهم تبرأ منهم مباشرة، وهكذا المتكلمون في الجرح والتعديل وكلامهم بالرواة على أحوال منها الرحلة واللقاء بهم، وإما بسبر مروياتهم ومقارنتها مع مرويات غيرهم من الثقات وفاقًا أو خلافًا، وفي هذه الحالة إما أن يكون معاصرًا لهم وإما أن يكون من بلده أو من بلاد غير بلاده، وإما أن يكون هؤلاء الرواة قد ماتوا، فيحكمون عليهم من خلال أحاديثهم، وهذا شيء معروف جرى عليه سلفنا الصالح ومن تبعهم من علمائنا المتأخرين رحمة الله عليهم أجمعين.
وفي الحديث عن النبي ص أنه قال: $مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ# رواه مسلم من حديث أبي سعيد ط.
وعلى كلام الشيخ محمد هداه الله لا نتكلم في الشيطان؛ لأنه ليس من جنسنا ولا نتكلم في فرعون وهامان وقارون وأبي جهل وعبدالله بن أُبي بن سلول وأبي بن خلف وغيرهم من صناديد الكفر؛ لأنهم ليسوا من بلادنا، فهذا باب شرّ، وهكذا زنادقة الكفر من رافضة وجهمية وصوفية قبوريه، وهكذا أئمة الزيغ ورؤوس الضلال من معتزلة وأشاعرة ومرجئة وخوارج وإخوان وسرورية وقطبية وحزبية وجمعية وتبليغ وغيرهم.
وأنت يا شيخ محمد تكلمت في محمد سرور زين العابدين بكلام شديد وصل بك الحد إلى تكفيره( ) ومحمد سرور أظنه سوري الأصل، وأنت يمني الأصل، فكيف هذا يا شيخ محمد؟ وعلى كلامك هذا لماذا تنتقد شيخنا يحيى الكريم رعاه الله في تحزيبه لعبدالرحمن العدني الحية الرقطاء وكلاهما يمني.
وأما قولك: يا أخي فلان ما هو عندك .....
تقدم بطلان ذلك.
وقولك: ولا هو شيخك.
مفهوم أن الشيخ إذا انحرف عن السنة وشرّق وغرّب وأعرض عن الحق، فلطالب أن يتكلم فيه ويحذر منه.
وقولك: ولا أنت في بلاده ولا هو في بلادك، مثل هذا انصرف عنه.
فيه تمييع وعدم السؤال عن الرجال والتفتيش عن أحوالهم.
وقولك: فهذا النوع من الناس في جهل في عمى في تخبط.
مفهوم أن البحث عن الحق وسؤال أهل العلم عنه وعن أهله وغير ذلك مما يعصم به الإنسان دينه من الفتن وأهلها، يؤيد هذا الأمر إلى الجهل والعمى والتخبط، وقول الشيخ محمد هذا هو عين الجهل وعين العمى وعين التخبط، والله المستعان.
قال (ص198): إن الله سبحانه وتعالى يقول في قصة الإفك: +لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ_ جعله الله فتنة وابتلاءً واختبارًا وتمحيصًا، وتأخر الوحي خمسون يومًا لا ينزل في أمر هذه القضية ابتلاء من الله واختبارًا وتمحيصًا للمؤمنين، وعرض الرسول عليه الصلاة والسلام ينتهك من قبل بعض المنافقين وممن اغتر بكلامهم، فالرسول ص ابتلي في هذه القصة، وكذلك عائشة ك وأبوها وأمها وأسرتها والمؤمنون والمنافقون، (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ_.
كيف نتعامل مع الفتنة إذا جاءت؟ هل تتعامل معها معاملة شرعية على ضوء الكتاب والسنة؟ أم بالهوى والجهل والعاطفة، فتأخر الوحي تلك الفترة ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى، ولو أراد الله أن ينزل براءة عائشة في لحظة لكان، لكن ما جاء إلا بعد فترة، ابتلاء للرجال وللنساء، من سيخوض فيما لا علم به، ومن لا. اهـ
قلت: وفي قصة الإفك من الفقه: أن الإنسان في وقت الفتن يبقى على الأصل الذي كان عليه قبل، وفيها أن الإنسان في الفتن يلزم أهل الخير والصلاح المعروفين بالصدق والنصح والإخلاص، وفيها أن الإنسان في الفتن ينأ ويبتعد عن أهل الفتن والشغب والتحريش، ولهذا أقيم الحدّ على بعض الصحابة الكرام ن بسبب أنهم حصل لهم اغترار بكلام المنافقين، وأما غيرهم فلم يحصل لهم شيء؛ لأنهم لم يلتفتوا إلى كلام أهل الفتن والشغب والتحريش، والحمد لله رب العالمين.
قال (ص208): يا هؤلاء فكروا في فتنة أبي الحسن، كم رحع من أناس ضاربين على رؤوسهم عاضين على أصابعهم من الندم، والسبب في ذلك التعجل والتقدم بين أهل العلم والخوض والركض. اهـ
قلت: وأنت يا شيخ محمد هداك الله من النادمين في فتنة أبي الحسن، إذ قلتَ: يا ليتنا ناصرنا الحجوري من أول يوم.
ثم إن هؤلاء النادمين ما ندموا إلا بعد أن عجزوا عن تصدير بوارهم بقوة شوكة الحق ببيان أهل السنة الصارم لبغيهم.
قال المعترض أسير الهوى (ص216): وهذا مثله كمثل شخص في شهر رمضان يوم الجمعة بعد صلاة العصر، صلى الرجل في المسجد الجمعة وارتاح إلى العصر وصلى معهم العصر وخرج وكأنه حصلت مشكلة بينه وبين بعض أولاده، فتدخل واحد من الناس ليصلح بينهم، فقتل الأب، أهذا مصلح؟! أهذا صلح؟! أهكذا يكون الصلح؟ تقتل نفسًا حرمها الله في شهر رمضان، والرجل صائم في جمعة وبعد صلاة العصر في وقت الإجابة؟! نعوذ بالله، نسأل الله العاقبة حتى وإن كان ما هو متعمد. اهـ
قلت: هذا المصلح هو أحد رجلين:
إما أن يكون دخل في الصلح وهو ليس أهلاً لذلك، فارتكب ما ارتكب، وإما أن يكون تظاهر بأنه مصلح وهو خبيث النية فاسد الطوية، تظاهر بالصلاح وأنه يريد الإصلاح وفي نفسه غيظ وحنق وحقد وحسد، استغل مثل هذا الخصام لكي يروي ويشفي غليله، فحصل منه ما حصل.
وهذا الصنف المغلوب على أمره إذا تمكن من قتل محسوده فعل، وخاصة إذا بلغ الحقد والحنق في نفسه مبلغًا عظيمًا، وصدق ربنا إذ يقول: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)_.
وإن لم يتمكن من قتله حسيًا فيحاول قتله معنويًا، وذلك بإثارة الشغب عليه وتهييج الهمج الرعاع عليه، وتنفير الناس عنه والتزهيد فيه وتشويه صورته، والتقليل منه ومن شأنه وكل ذلك يكون في قالب النصح والغيرة على السنة، وما علم هذا الجمل الأجرب أنه بفعله هذا يقتل نفسه قتلاً ذريعًا وبعد فترة يقال فلان مات، ما هو السبب في موته؟
قالوا: أنه مات كمدًا، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال المعترض (ص232-233): ودعوة أهل السنة دعوة علم، إذا كتبت ملزمة لا يكون فيها تسميه فلان ولا تسميه فلان، ولا دقدقة لفلان ولا لفلان، إنما يكون فيها علم، تتكلم بعلم وتتكلم بخير وتدافع عن العقيدة بدون دقدقة لأحد، دعوتنا أرفع من أن يكون فيها هذا يرد على هذا، وهذا يرد على هذا، وهم كلهم من أهل السنة.
دعوتنا قال الله وقال الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا ينشر البحث إلا بعد أن يعرض على أحد العلماء من أهل السنة، فإذا رآه نافعًا ومفيدًا، يدافع عن مسألة من مسائل العقيدة بدون ما يسمي أحدًا أو مسألة في التفسير أو رسالة في الفقه أو مسألة في حكم من الأحكام الشريعة بدون أن يسمي فلانًا أو فلانًا أو فلانًا، وإنما فيه قال الله وقال الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وبكظم الغيظ والعفو والتسامح ونشر الخير ونشر العلم على الناس بدون مهاترات، أبشروا بمحبة الناس لكم بعد حب الله ، وابشروا بالخير، من قرأ الملزمة ما يجد فيها إلا الخير، ما فيها اسم فلان ولا الرد على فلان، وإنما فيها قال الله كذا وقال الرسول كذا، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كذا، وقال ابن القيم كذا، وقال الشوكاني كذا، وقال الشيخ ابن باز كذا، وقال الألباني كذا، رحمة الله عليهم جميعًا( )، وهو يعالج موضوعًا معينًا.
ذكر المسألة الفلانية، ولكن لم يذكر المردود عليه؛ إلا إذا كان هذا المردود عليه من أصحاب البدع، ورأى أن من المصلحة أن يذكر اسمه أو يذكر كتاب فلا بأس، أما إذا كان هذا المردود عليه من أهل السنة، فاحترامًا لبعضنا البعض أنه لا يذكر اسمه ولا يذكر كتابه ولا شريطه، أنما تذكر المسألة العلمية، إلا إذا كان هناك مصلحة من ذكر اسمه يقدرها العالم المشرف على البحث فيذكر بالاحترام. اهـ
قلت: كلام الشيخ محمد هداه الله تضمن قواعد عرورية وأصولاً سليمانية، ولقد تحجر في كلامه واسعًا، وهو يمهد في كلامه هذا لقاعدة نصحح ولا نهدم، وبالأصح على تعبيره ننصح ولا نفضح محاولاً بذلك إلغاء قدرات الدعاة إلى الله الذين أحدهم عنده من الحصيلة العلمية من حفظ القرآن والسنة والتمكن في علومها أضعاف ما عند الشيخ محمد، وهذه الأقوال هنا لا يخرج بها الطالب باحثًا عن الدليل كما تربوا عند أهل السنة، كالشيخ مقبل / وغيره، ولكنه يخرج مقلدًا بحتًا.
فقوله: دعوة أهل السنة دعوة علم.
أقول: صدقت، دعوة أهل السنة دعوة علم ودعوة نصح ودعوة جرح وتعديل، إذ أن ذلك كله من دين الله تعالى ومن العلم الشرعي، فدعوة ليس فيها تميّز دعوة فاشلة، دعوة ليس فيها تصفية وتربية دعوة فاشلة، دعوة ليس فيها الصدع بالحق والوقوف أمام الباطل دعوة فاشلة.
فدعوة أهل السنة دعوة صافية نقية بيضاء ناصعة، ليس فيها رواسب ولا شوائب، ومن تصدى لها يفضح الله تعالى ويسقط على أم رأسه كائنًا من كان، ولهذا هابها الأعداء وقذف الله في قلوبهم الرعب، فصاروا منهزمين أمامها، فهذه الدعوة ليس فيها مداهنة ولا تصنّع ولا محاباة، وهذه الدعوة إذا حصلت الفتن لا بد أن يتميز رجاله حتى لا يختلط الحابل بالنابل، قال محمد بن سيرين /: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر على أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. أخرجه مسلم، في مقدمة الصحيح (1/84).
فهؤلاء علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم أحياءً وأمواتًا اصطفاهم الله تعالى لحفظ دينه واجتباهم لحملة دينه، فهم الوارثون حقًا لميراث النبوة، قاموا في نصرة دين الله تعالى خير قيام، طهروه من العقائد الفاسدة والأفكار الكاسدة وميزوا بين صحيح الحديث وسقيمه، وتكلموا على المبتدعة وشردوا بهم من خلفهم وألّفوا في بيان حالهم عشرات المجلدات، فذكروهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأنسابهم وألقابهم وحرفهم، وكانوا رحمة الله عليهم يتابعونهم ويفتشون عنهم ويسألون عن أحوالهم، فهذا شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث / أول من فتش( ) عن الرجال في العراق، وكان بعضهم يصرخ بهم صراخًا على رؤوس الملأ.
قال علي بن شقيق: سمعت عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت؛ فإنه كان يسب السلف. أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح (1/89).
وقال الحسن بن عيسى: ترك بن المبارك حديثه( )، وقال هناد بن السري لم يصلِ عليه بن المبارك. اهـ من $تهذيب التهذيب#.
وهذا عمرو بن دينار يقول: بينا طاووس يطوف بالبيت لقيه معبد الجهني، فقال له طاووس: أنت معبد؟ قال: نعم، قال فالتفت إليهم طاووس فقال: هذا معبد فأهينوه. رواه اللالكائي $في السنة# رقم (1141)، وسنده صحيح.
والأخبار عنهم في ذلك كثيرة مدونة في كتب السنة وتراجم الرجال، وانظر على سبيل المثال $نونية بن القيم# /، فكم سمى فيها من أهل البدع والضلال .
وكثيرًا كان شيخنا الإمام المجدد الوادعي / يكرر: أن دعوتنا ما نصرت إلا بالتميز، وهذه كتب الفقه فيها آلاف المسائل ويذكرون القول الراجح فيها، ويردون فيها على المخالف بذكر اسمه، فأي غضاضة في هذا، فليس من النصح في دين الله تعالى، وليس من هدي السلف رحمهم الله، يا شيخ محمد هداك الله، أن يتكلم مبطل من المبطلين وينخر في السنة نخرًا ويطعن في حملتها، ثم نأتي ونرد على كلامه من غير إن نسميه، ماذا استفاد القارئ من هذا، وهو وإن كان استفاد الرد على باطله، إلا أنه لم يعرف منبع هذا الباطل ومن جاء به، فهذا تغرير بالناس وغش في دين الله تعالى.
فالمبطل يحذر منه ومن كلامه، حتى يصبح الناس على بصيرة من أمرهم، فرب شخص الناس مغترين به ولم يعرفوا حقيقة أمره وهو يدس السم بالعسل والناس في غفلة من هذا بسبب جهلهم، ولا يعرف حقيقة أمره، وكم انتفع المسلمون عمومًا وأهل السنة خصوصًا من بيان شيخنا الإمام المجدد الوادعي رحمة الله عليه لكثير من المنحرفين وتسميتهم الذين التبس حالهم على كثير من الناس، بل ربما على بعض أهل العلم، أمثال محمد رشيد رضى وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده المصري وعبدالمجيدالزنداني ويوسف القرضاوي وعبدالرحيم الطحان وعبدالمجيد الريمي وعقيل المقطري ومحمد المهدي ومحمد البيضاني وغيرهم وغيرهم كثير.
والرد على المخالف يكون من جميع جوانبه، كان انحرافه في العقيدة فيرد عليه بالعقيدة، وإن كان انحرافه في بعض المسائل الفقهية كأن يكون شذّ في بعضها، فيرد عليه، ولقد شنّع العلماء على ابن حزم في عدّة مسائل، ومنها مسألة الغناء، وإن كان في التحزب والفتن والشغب، فيرد عليه ويبين حزبيته وفتنته وشغبه، وكم حصل من خير للأمة في الرد على المخالفين مع ذكر أسمائهم.
فالمبتدعة ليس لهم احترام، إذ أنه من أكرم الحق يكرم، فلم يعظموا دين الله تعالى ولم يكرموه، فجزائهم الفضح وبيان حالهم حتى يتوبوا، يقول تعالى: +وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)_، وإذا كان المخالف من أهل السنة فالأمر في ذلك يعود إلى العالم نفسه، إذا رأى أن أقوال هذا العالم قد انتشرت وخشي من الاغترار بها ورأى من المصلحة أن يسميه فله ذلك.
وقد ألف شيخنا الإمام العلامة الوادعي / رسالة سماها $تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام الشوكاني#، وهكذا العلامة المدخلي حفظه الله ومتع به، ألف كتابًا بعنوان $الحد الفاصل بين الحق والباطل حوار مع الشيخ بكر أبو زيد#.
وهكذا ألف العلامة رحمة الله عليه كتابًا سماه: $تحريم آلات الطرب أو الرد بالوحيين وأقوال أئمتنا على ابن حزم ومقلديه المبيحين للمعازف والغناء وعلى الصوفيين الذين اتخذوه قربة ودينا#.
هذا وإذا رأى عدم الفائدة في تسميته فالأمر يعود إليه، فهو أعرف وأدرى بالمصالح والمفاسد، وهذا باب واسعن وفي هذا القدر كفاية، وإلى هنا والحمد لله رب العالمين، سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
****************
كتبه: محمد العمودي كان الله له في الدارين
صبيحة يوم الجمعة الموافق/11/صفر/1430هـ
دماج دار الحديث والسنة العامرة رحم الله مؤسسها رحمة واسعة وحفظ خليفته القائم عليها من بعده ومتع به، ودفع عنه كيد الكائدين وشر الحاقدين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه
صبيحة يوم الجمعة الموافق/11/صفر/1430هـ
دماج دار الحديث والسنة العامرة رحم الله مؤسسها رحمة واسعة وحفظ خليفته القائم عليها من بعده ومتع به، ودفع عنه كيد الكائدين وشر الحاقدين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه
****************
تعليق