بيان الانحرافات
(في فتوى الشيخ عبيد)
ودعواه إلى الانتخابات
كتبه:
أبو إسحاق الشبامي الحضرمي
أيوب بن محفوظ الدقيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإلى أهل السنة خاصة وإلى المسلمين عامة أقدم لهم هذا التعليق الذي يتضمن الرد على (فتوى خاطئة) صدرت من الشيخ عبيد أرشده الله في الانتخابات، أبين فيه لإخواني المسلمين أوجه الانحراف التي انطوت عليها هذه الفتوى، التي أقلقت كل سلفي قد رسخت عنده ثوابت هذه الفتنة (أعني: فتنة الانتخابات) فكتبت هذا التعليق بدافع الغيرة على السنة ونصحًا للأمة، حتى لا يغتر بهذه الفتوى الباطلة مغتر؛ فيثقل عبؤها على الشيخ عبيد أرشده الله، فإن زلة العالم إن لم يبادر بالتراجع عنها لا بد أن تزل بها الأقدام -لا سيما- ممن يثق بعلمه، بل وربما وإن تراجع بعد ذلك تبقي لها آثارًا سيئة، لا يستطيع هذا العالم أن يتداركها:
إن الفقيه إذا غوى وأطاعه*** قوم غووا معه فضاع وضيع
مثل السفينة إذ هوت في لجة*** تغرق ويغرق كل من فيها معا
ثم إني أحب أن أنبه أخي القارئ على أن كلامي مرتكز على الفتوى لا على صاحب الفتوى، اللهم إلا إن كان من نصيحة أو مناقشة، ذكرت ذلك حتى لا يستغل كلامي في غير موضعه ممن ساء فهمه، أو ساء قصده، أو ممن جمع بينهما، الذين كما قيل: (لا يصطادون إلا في الماء العكر) وهم المجاهيل والمبهمون المتسترون وغيرهم، الذين يظهرون في كل فتنة والتي من آخرها: (فتنة ابني مرعي) بأسماء مستعارة، وربما كانوا متظاهرين بالسنة، بل لربما كانوا متظاهرين بالإسلام، وربما كانت حقيقتهم غير ذلك.
وجزى الله خيرًا ذلك المجاهد الذي سخر نفسه للذب عن السنة، ومنابذة الأهواء وأهلها شيخنا يحيى الحجوري –حفظه الله-، فما أن يسمع بباطل في أي قطر من أقطار الأرض –لا سيما- إذا كان من رجل ينتسب إلى السنة، إلا وينبري للرد عليه، بدافع الغيرة على السنة –كما شهد له بذلك العلماء- لا بدافع الحسد أو دافع الإطاحة بالأشخاص –كما يظنه الأوباش- فقد رد على هذه الفتوى –كتابة- برد مختصر، لكنه كافٍ شافٍ لمن كان همه الحق، وبين –حفظه الله- أنها احتوت على الباطل والانحراف، وأنها اعتمدت على التعللات والدعاوى المخترعات.
....................................
وقبل البدء في البيان، إليك نص الفتوى وتعليق شيخنا يحيى –حفظه الله- عليه:
نص السؤال
السائل: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله: شيخنا الفاضل الكريم في العراق الآن مقبلون على انتخابات محلية في المحافظات، ليس لها علاقة بالانتخابات السياسية، التي ستكون نهاية هذا العام، وإنما هذه الانتخابات هي انتخابات محلية داخل المحافظات غايتها تسيير وتمشية أمور المحافظات. فإذا دخل هؤلاء الناس في هذه الانتخابات سيكون غايتهم تسيير وتمشية طلبات وخدمات المحافظات المسائل الإنسانية والخلافية..وغيرها من الأمور فما رأيكم في الدخول في هذه الانتخابات شيخنا الفاضل الكريم؟
جواب الشيخ عبيد الجابري أرشده الله
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يجمع عامة أهل العراق وخواصهم على ما رضيه للعباد وللبلاد من الإسلام والسّنة وأن يحرسها وبلادنا وسائر بلاد أهل الإسلام من كل مكروه يقدح في الدين أو العرض أو النفس أو غير ذلك مما يلاذ بالله سبحانه تعالى أن يجير منه. الانتخابات من الأمور الوافدة على أهل الإسلام، فهي ليست من الشرع المحمدي، إنما عبرت إلينا من خلال أناس تشبَّعوا بالمبادئ الغربية أو غيرها من سبل الانحراف عن دين الله الحق أصولِه وفروعه، فأولًا: نحن نستنكرها بقلوبنا ولا نطمأن إليها لأنها بدعة دخلت على أهل الإسلام عن طريق بعض أهل الإسلام المنحرفين، مروِّجون لها عن غير أهل الإسلام فنفذت، فأصبحت لابدّ منها فإذا تقرر هذا فأقول: أولًا: لا يجوز الدخول في الانتخابات أصلا إلاّ لضرورة تعود على من تركها بالضرر عليه في دينه أو دنياه أو في كليهما. وثانيا: هذه الضرورة لها صور منها: التيقن أو غلبة الظّن أنّه لا يستوفي المسلمون عموما وأهل السنة خصوصا حقوقهم إذا لم يكن لهم من يمثّلهم سواء في المجالس المحلية أو في المناصب العامة للدولة، فلهم أعني لأهل السنة إن تمكنوا أن يرشّحوا رجلا أو رجالا منهم لهذه المناصب المحلّية أو مناصب الدولة من هو صاحب سنّة وحاذق في السياسة ويغلب على ظنهم أنه إذا ولي انتفع به أهل السنة خاصة والمسلمون عامة. الصّورة الثانية: حينما يتنافس على هذه المناصب المعروضة للانتخابات سواء كانت عامة في المحافظات و المديريات أو للانتخابات الرئاسية وكان المتنافسان أو المتنافسون على سبيل المِثال رافضي وسني، فإني أنصح أهل السنة أن يصوّتوا إلى جانب السني، لأن الرّافضي إذا وَلِيَ أفسد في العباد والبلاد، وكان ضربة قاسمة لأهل السنة، وأقل ما يكون منهم: الأثرة والاستبداد وتسخير المصالح لبني جلدته وشيعته.
ثانيا: إذا تنافس على الرّئاسة رجل كافر أصليا أو معتنقا مبادئ كفريّة توجب ردته، وهذا مقيد عندنا بعد قيام الحجة عليه، ومسلم لم يظهر منه إلا صلاح وخير، وهو معروف بالعقل وحسن السياسة فإن أهل السنة يرشّحون هذا الأخير. صورة أخرى: لو تنافس على الرئاسة رجل سنّي وآخر رافضي أو من ذوي المبادئ المنحرفة مثل أن يكون شيوعيا أو علمانيا أو بعثيا فإنهم يرشحون صاحبة السنة. والخلاصة في شيئين أولهما: لسنا داعين إلى الدخول في الانتخابات في أية دولة كانت على الإطلاق، بل الأوْلى عندنا تركها إلا في الضرورة التي لابد منها، وقد ذكرنا صورا منها، الشيء الثاني أنه إذا تيقن أهل السنة خاصة والمسلمون عامة أنهم إذا لم يدخلوا في هذه الانتخابات في أي دولة كانت تُهظم حقوقهم ولا تستوفى لأنهم لم يرشحوا أحدا فهنا نرى أن يدخلوا الانتخابات من أجله، تحقيقا لمصالحهم واستفائهم حقوقهم وتمكينهم من أخذ ما هو حق لهم. وهاهنا سؤال فهمته من بعض الإخوان وفحوى هذا السؤال أنّ فتواي هذه تعارض ما صدر مني من نصح المسلمين عامة وأهل السنة خاصة في العراق باعتزال الفرق كلها بعدا عن الفتنة، والجواب: أولا أنا لازلت على تلك، لازلت على تلك الفتوى، وفتواي كانت في نصح أبنائنا في العراق باعتزال الجماعات التنظيمية ولست بدعا من القائلين بذلك فالأئمة من أهل السنة والجماعة على هذا ومن الأدلة قوله ﷺ لحذيفة في حديث طويل: «فالزم جماعة المسلمين وإمامهم» قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها»، وتفصيل هذه الفتوى وبسطها في مجالس متعددة، والظاهر أنه منشور في بعض مواقع شبكة الإنترنت فليراجعه من شاء. وأما فتواي في الانتخابات فكل عاقل كيِّس فطن يدرك ما ترمي إليه وما تهدف إليه وهو حفظ مصالح المسلمين عامة وأهل السنة خاصة حينما يتنافس على المناصب سواء كانت المحلية أو العامة أناس مختلفون فمنهم المستقيم ومنهم المنحرف : كالرافضي والشيوعي والبعثي درءا لمفسدة هؤلاء وإبعادا لهم عن الاستيلاء التي يعبرون من خلاله إلى الإفساد في العباد و البلاد فإني أدعوا والحال هذه أهل السنة أن يرشّحوا منهم من يثقون من دينه وأمانته وحسن سياسته أو يصوّتوا إلى من يطمعون في تحقيقه المصالح وإيفاء الحقوق ودرء الشر عن البلد وأهله هذا ما توصل اجتهادي إليه والله أسال أن يحفظ العراق و يجمع خواصها وعوامها على ما رضيه للعباد والبلاد من الإسلام والسنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرره عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري المدرّس بالجامعة الإسلامية سابقا وكان بعد عشاء الاثنين 29 من محرم عام 1430هـ وبالله التوفيق
....................................
تعليق شيخنا يحيى –حفظه الله- عليها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ﴾، وقال تعالى لنبيه الكريم ﷺ: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ وما أحسن ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله: فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ، إِلَّا مَنْ سَلَّمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِرَسُولِهِ ﷺ، وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِه. اهـ
قال شارحه ابن أبي العز رحمه الله (199): أيْ: سَلَّمَ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهَا بِالشُّكُوكِ وَالشُّبَهِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَة. اهـ
لو أخذ الشيخ عبيد بهذه الأصول وأمثالها؛ لما لجأ في هذه الفتوى المنحرفة إلى هذه الدعاوى المخترعة لضرورة هذه الدعوة الحارة؛ التي نادى بها أهل السنة إلى الانتخابات، بما لا فرق بين هذه الدعوة إلى الانتخابات، وبين تعلّلات الإخوان المسلمين في دعوتهم، الواضح بطلانها بالكتاب والسنة إلى الانتخابات، التي قد بينها أهل السنة فيما قد لا يحصيه إلا الله من الكتب والأشرطة.
أملاه فضيلة الشيخ أبو عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله-
بتاريخ الأربعاء 2/صفر/1430هـ
....................................
وهذا التعليق الذي بين يديك يعد تأييدًا ومناصرة وتتميمًا، وإن شئت سمه شرحًا لما قاله شيخنا يحيى –حفظه الله-، حيث بينت فيه الانحرافات والتناقضات والمخالفات في هذه الفتوى على سبيل التفصيل، مع بيان أوجه التشابه بينها وبين فتوى الإخوان المسلمين، وجعلته على فصلين وخاتمة.
الفصل الأول: بيان عام
وفيه مناقشة فحوى هذه الفتوى من حيث العموم، وبيان حجم خطورة هذه الفتوى وانحرافها، ليحذر كل مسلم من أن يعمل بها، فهي مناقشة عامة للفتوى جعلته على نقاط:
النقطة الأولى: كان السائل محتاطًا في سؤاله، سالكًا سبيل الاحتراز، حيث حصر السؤال والأمر في: (الانتخابات المحلية) وأكد هذا الأمر، فاستثنى الانتخابات العامة السياسية -والتي هي: النيابية والرئاسية- فلعله لعلمه بالطامات العظام التي تحصل في وبعد الانتخابات النيابية والرئاسية مما هو أشد وأسوأ من الانتخابات المحلية- وهذا لا شك فيه- فلذلك احترز حتى لعله لا يفاجأ بالإنكار الشديد، والتنفير الأكيد، الذي عهد عند أهل السنة، ولكن للأسف وجد الأمر خلاف ذلك، وفوجئ بعكسه، ووجد الباب أوسع مما كان يتوقع،
فجاءت الفتوى عامة من وجهين:
أولًا: عمومها في كل انتخابات.
ثانيًا: عمومها في كل قطر، وليس في العراق فحسب؛ -كما سيأتي بيانه- وإذا قال قائل: بل مفاد هذه الفتوى أنه ولو كان في بلاد الكفار، حيث أن الشيخ أطلق ولم يقيد ما دام الباب مفتوحًا للتنافس، كان له وجهة نظر قوية.
النقطة الثانية: ليعلم الشيخ عبيد أرشده الله أنه بفتواه هذه قد صنع معروفًا للإخوان المسلمين، وقدم لهم خدمة عظيمة؛ حيث أنهم يرون حصول مثل ذلك من عالم سني حلمًا، وسيفرحون بها وسينشرونها، لأنه كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (لا فرق بين هذه الدعوة إلى الانتخابات، وبين تعللات الإخوان المسلمين في دعوتهم)، فما برح أهل السنة يردون على شبه الإخوان المسلمين التي يلبسون بها على العوام، وها هي اليوم تظهر نفس هذه الشبه، ولكن بثوب جديد، ولهجة غريبة، واضطراب وتناقض، وإسهاب في الكلام، وأيضًا من عالم جديد!!!
وهذه الشبه والتأولات التي جاءت في هذه الفتوى، فهي وإن كانت هزيلة جدًّا إلا أن صاحب الهوى كالغريق يتشبث بما يستطيع أن يتناوله ولو بالطحلب! أما أهل السنة -فبحمد الله- هم على ثبات من أمرهم، لا يتأرجحون بتأرجح الأقوال، ولا ينخدعون بزخارفها، مهما كان قدر المزخرف.
النقطة الثالثة: صدر الشيخ –أرشده الله- فتواه بذكر منهج أهل السنة وبعض قولهم في الانتخابات، ثم طفق يخالفها وينقضها ويحيد عنها، فظهرت هذه المقدمة كالمظلة للفتوى فحسب، أو كالحمية التي تستخدم للتقية فحسب، فذكره لها –والحالة هذه- لا يحتمل إلا أمرين لا ثالث لهما:
الأمر الأول: إما أنه ليأخذ لنفسه الحيطة، فإذا أنكر عليه، أجاب بما ذكره من منهج أهل السنة، فيقول: قد قلت...وقد قلت..
الأمر الثاني: وإما أنه –أرشده الله- عرف مجرد النص، ومجرد لفظ أهل السنة في موقفهم في الانتخابات فحسب، دون فهم المعاني ومعرفة الآثار السيئة، والأدلة التي استدل بها أهل السنة، وهذا يذكرني بمذهب المفوضة الذين عرفوا نصوص الصفات وأقروا بها، لكنها معرفة مجردة عن المعاني، فهي عندهم بمنزلة الحروف الأبجدية، أو بمنزلة الكلام الأعجمي عند من لا يحسنه، وهم بهذا أعظم إساءة من المعطلة، لما يلزمهم من اللوازم الفاسدة.
فكأني بالشيخ –أرشده الله- ما عرف حقيقة الديمقراطية، ووليدتها الانتخابات، وحفيدتها التعددية الحزبية، وما فيها من هدم للإسلام! فلذلك حاربها أهل السنة وقالوا فيها ما قالوا باللسان والبنان، كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (بينها أهل السنة فيما قد لا يحصيه إلا الله من الكتب والأشرطة)، فهل الشيخ –أرشده الله- رمى بذلك كله وراء ظهره، واعتمد على اجتهاده الخاطئ البعيد عن الصواب، المجرد عن الدليل، بل المخالف للدليل.
ومما يؤيد الاحتمال الثاني –أي: عدم معرفته بحقيقة الانتخابات وتوابعها- أنه لم ينبه على تبعاتها وسيئاتها والمخالفات الكثيرة، التي من أجلها قال أهل السنة فيها ما قالوا، والتي من أكبرها: الديمقراطية والتي كان يسميها الإمام الوادعي: بأم الخبائث!
فكان حسب الشيخ عبيد -أرشده الله- أن يأخذ بالأصل الذي ثبت عند أهل السنة، فيفتي به ويريح نفسه من الدعاوى المخترعة، كان ذلك أسلم له ولغيره، فلذلك أقول:
النقطة الرابعة: هل تعلم يا شيخ –أرشدك الله- أن تجويزك للانتخابات يلزم منه تجويزك للديمقراطية، والإقرار بها؟ وهكذا أيضًا تجويز التعددية الحزبية، والإقرار بها –ولابد-؟ وإن لم تكن ملتزمًا به؛ فإنه يلزم من جوزها، ولذلك؛ الإخوان المسلمون وأضرابهم –الذين يعرفون حقيقة الانتخابات- عندما ألزموا بذلك التزموا به، ثم غيروا وبدلوا، وحرفوا وتأولوا، فضاعوا ففسدوا وأفسدوا.
أتدري يا شيخ عبيد لماذا تلزم بذلك؟! الجواب: لأن الدخول في الانتخابات دخول في شباك الديمقراطية، فالمجوز لها هو أحد المروجين للديمقراطية في البلاد الإسلامية –شعر أم لم يشعر- وذلك لأمور:
أولها: أن الانتخابات -يا شيخ عبيد- الحاصلة في البلد المسلم إنما هي نتاج الديمقراطية، فهي التي حملت بها، وهي التي ولدتها، وهي الطريق الوحيد إليها، فلم تصل إليهم إلا بها، فهي سلم الوصول إليها، فالانتخابات هي العمود الأساسي التي ترتكز عليه الديمقراطية، ولا ينكر ذلك أحد ممن عرف الحقائق لا ممن جهلها، وإن كذبتني فاسأل الانتخابيين والديمقراطيين.
ثانيها: أنه لا يمكن أن يقبل المرشح لها، إلا إذا أقر وقبل بالديمقراطية نظامًا للدولة، مع الموافقة على قبول التعددية السياسية.
ثالثها: أن الديمقراطية هي التي ضمنت لذلك(السني الحاذق) –حسب زعمك- حق الترشيح وحق التنافس، وإلا لما قبل ذلك السني أصلا، فإذا لم يقبل استطاع أن يأخذ هذا الحق ولكن؛ بالديمقراطية، لا بالشريعة الإسلامية.
فعلم من ذلك: أن الانتخابات هي الديمقراطية، والديمقراطية هي الانتخابات، فهي منها بمنزلة الرأس من الجسد، فلا ديمقراطية بغير انتخابات وكذا العكس، فلا ينفك أحدهما عن الآخر لما بينهما من التلازم.
ولذلك -كما أسلفنا- لما أُلزم الإخوان المسلمون بذلك فلم يجدوا مخرجًا، ما كان منهم إلا أن قالوا: وماذا في الديمقراطية؟!! وماذا في التعددية الإسلامية؟!! الغاية تبرر الوسيلة! والمسألة فيها تفصيل! الديمقراطية قسمان! والديمقراطية هي الشورى الإسلامية!! فهي: (الشورقراطية)، إلى غير ذلك من الأقاويل التي أوحاها إليهم الشيطان وزينها لهم، كما قال تعالى: ﴿يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا﴾، فبسبب عنادهم زاغت قلوبهم ﴿فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم﴾ فعلى المسلم ألا يتجلد للباطل، فإنما هو استدراج واستطراد منه إلى غيره، فهل تنبه الشيخ –أرشده الله- لذلك؟! فإننا نخشى أن نسمع بعد أيام بمثل ذلك ممن لم نكن نتوقع!!!
النقطة الخامسة: هل تعلم يا شيخ أن الفتوى بتجويز الانتخابات تعاون على الإثم والعدوان والظلم، وإقرار للباطل، بل دعوة إليه؟! -فكيف يكون الحال إذا اقترنت هذه الفتوى بدعوة الناس إليها؟! فلا شك أن المصيبة تعظم على هذا الداعي- وذلك لأمور:
أولها: لأن الانتخابات الطريق الموصلة إلى (تأليه الأغلبية)، ثم قبول ما شرعته هذه الأغلبية.
ثانيها: لأنها الطريق الموصلة إلى جعل حكم الله بالخيار، كأنه رأي من الآراء القابلة للأخذ والرد.
ثالثها: لأنها الطريق الموصلة إلى الخضوع لغير حكم الله ووجوب قبوله واعتماده، إذا حصل الاتفاق عليه، لأن الشعب هو الذي اختارهم على أ ن يقبل ما يأتي منهم، وهذا من العبودية لغير الله.
رابعها: لأن الانتخابات طريق موصلة إلى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، أو مجلس الشورى، الذي جمع بين النطيحة والمتردية، بل وبين الذكر والأنثى، وبين الصالح والطالح، فساوى بين الجميع، وقد قال تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾، وقال جل وعلا: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾،وقال سبحانه: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾، بل وساوى بين حكم الله وبين حكم الكفار والفجار، والله عزوجل يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلهِ﴾، ويقول: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
خامسها: لأن الانتخابات مستوردة من الكفار -كما أفاد الشيخ عبيد في مقدمة فتواه- فقبولها تشبه بهم، والنبي ﷺ يقول: «ومن تشبه بقوم فهو منهم»، ويقول: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
سادسها: لأن الانتخابات من أهم ما تعتمد عليه كبيرة من كبائر الذنوب ألا وهي: التصوير، فما يحصل تصوير ولا نشر للصور أكثر مما يحصل في زمن الانتخابات.
سابعها: لأن الانتخابات أعظم اسطوانة لإبليس، جمعت أكبر عدد ممكن من المعاصي، أسرد لك بعضها على سبيل الاختصار:
1) مساواة حكم الله بحكم غيره. 2) مساواة المسلم بالكافر. 3) مساواة البر بالفاجر. 4) مساواة الرجل بالمرأة. 5) التفرق والتحزب. 6) توسيد الأمر إلى غير أهله. 7) شهادة الزور. 8) اختلاط الرجال بالنساء. 9) إخراج النساء من خدورهن. 10) تبرج النساء للتصوير. 11) تضييع للولاء والبراء الشرعي. 12) تبذير بالأموال. 13) الحسد. 14) التباغض والتنافر. 15) التهاجر. 16) الكذب. 17) الخديعة. 18) القتال. 19) تضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 20) تضييع الأوقات. 21) إدخال السرور على أعداء الإسلام من يهود ونصارى ومن شايعهم بما حصل لهم من تمكن في نشر فسادهم، ونجاح مكرهم وكيدهم بالمسلمين.
فبان بذلك: أن الدعوة إليها أو تجويزها –بتلك التعللات التي هي في الحقيقة خيالات- إساءة إلى دين الإسلام، وأنه تعاون محض على الإثم والعدوان، فلتتق الله أيها الشيخ فيما صدر منك.
النقطة السادسة: هل تعلم يا شيخ–أرشدك الله-أن الدعوة والنصح بالانتخابات خلل في العقيدة السلفية؟!! وذلك لأمور كثيرة، منها:
1) ما مضى ذكره في النقطة الخامسة عند الأمر السابع.
2) ولأنها أيضًا تثبيت للديمقراطية التي فيها تضييع الحكم بما أنزل الله، لأن معنى الديمقراطية حكم الشعب نفسه بنفسه، والله عزوجل يقول: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ﴾، ويقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلهِ﴾.
3) ولأنها تتضمن الدعوة إلى منازعة الحكام، وعدم الصبر عليهم، وشق عصا المسلمين.
ومن عقيدة السلف الصالح: نبذ الفرقة والاختلاف، والنهي عن شق العصا ومنازعة الحكام، والخروج عليهم، سواء كان بالسنان، أو باللسان والبنان، وإن كانوا ظالمين جائرين، ماداموا مسلمين، مع الصبر عليهم ومناصحتهم والدعاء لهم، قال الطحاوي –رحمه الله-: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة. اهـ
والانتخابات، والإعلام الانتخابي، والشعارات الانتخابية من أعظم وسائل الخروج، وتهييج الشعوب.
وقال ابن أبي العز: وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل، قال تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾، وقال تعالى: ﴿أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم﴾، وقال تعالى: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾، وقال تعالى: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون﴾، فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم، وعن مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله: أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم. اهـ((
فيالها من نصيحة ذهبية قيمة من سلف الأمة، مستقاة من الكتاب والسنة، تبين أن صلاح أوضاع المسلمين لا يكون إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة، والتوبة الصادقة، والصلاح والإصلاح، فهذا هو السبيل الصحيح لتصحيح وضع الأمة، وهو طريق الأنبياء –عليهم السلام-، لا سبيل الانتخابات الطاغوتية.
النقطة السابعة: بان مما مضى أن فتوى الشيخ عبيد فيها توريط أيما توريط لذلك الرجل الذي قال عنه: (صاحب سنة وحاذق في السياسة)، فيا ترى من هذا السني الذي أعزه الله بالسنة، يرضى أن يعرض نفسه للهلكة، بعد ما مضى ذكره من المساوئ والموبقات التي في الانتخابات؟! ومن هذا السني الذي قال عنه: (يثقون من دينه وأمانته)، بأن يرضى أن يجلس على مائدة واحدة فيها الأبرار والفجار، وفيها النساء المتبرجات الجريئات منزوعات الحياء، يرفعن عقيرتهن بالباطل، وفيها العبث بشريعة الإسلام، وفيها الرافضي والشيعي والصوفي، الذي يتبجح بالباطل؟!! وصاحبنا السني (الموثوق بدينه وأمانته!) ساكت عن ذلك كله، وممنوع من التحذير والإنكار، وأيضًا ومن الخروج، فيكون سببًا لإهانة نفسه كل الإهانة، وإهانة أتباعه، بل وإهانة الدعوة التي ينتسب إليها، فَلَهذا المجلس وأمثاله أحق بقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾، فيا ترى من هذا السني –المزعوم- الذي جند نفسه للإقرار والاستسلام والانقياد للقرارات المخالفة لشريعة الإسلام؟!! لكنها حازة بالأغلبية، فوالله وبالله؛ إن ذلك لمن أعظم الإساءة لذلك السني، الذي ربما كان خطيبًا، صاحب لحية كثة، فيجلس تلك المجالس المليئة بالخبائث.
وليسمح لي الشيخ أن أقول له: هل ترضى لنفسك أن تكون ذلك الرجل السني الحاذق الموثوق بدينه وأمانته! الذي يتقدم للترشيح في هذه الورطة لتكون سببًا في إسقاطه؟!!!
النقطة الثامنة: إن الرجل إذا كان يدعي السنة، ثم تقدم للترشيح في الانتخابات، فإننا لا نعده سنيًّا؛ لإخلاله بدينه وعقيدته وبالمروءة أيضًا -كما تقدم إيضاحه- وإضافة إلى ذلك أقول أيضًا: إنما حكمنا بعدم سنيته لما مضى ذكره في النقطة السادسة، ولأنه أيضًا: لا يمكن أن يقبل أي رجل أو أي جماعة للدخول في الانتخابات، إلا بشروط يوافق عليها، وهي تتضمن تنازلات عما كان عليه من الحق والسنة، وإليك بعضها ليحذر المسلم من أن يعرض دينه للهلكة، ثم إذا سلمه الله من ذلك ليحذر أيضًا من أن ينصح غيره بها:
1) الالتزام بالدستور، وقوانين مجلس النواب ولوائحه، أي ولو كانت مخالفة للحق.
2) عدم انتقاد الأفكار التي مع الأحزاب الأخرى، مع الاعتراف بها.
3) موافقته على أن يكون قوله –ولو كان من تعاليم الإسلام- كالأفكار الوضعية الأخرى قابلة للنقاش والرأي، والحكم بعد ذلك للأغلبية.
4) الموافقة على قبول التعددية السياسية العقدية.
5) الموافقة على قانون ميثاق الشرف بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية، وهو: (ألَّا يكفر ولا يفسق ولا يبدع بعضهم بعضًا).
فبان لنا من ذلك: أن من ترشح ممن زعم المزاعم الكاذبة، غايته في المآل الكراسي وليس الإسلام، ولذلك كان شيخنا مقبل –رحمه الله تعالى- يقول: (هؤلاء دجالون ما هم بعد الدين، ولكن بعد الكراسي والدرهم والدينار).
النقطة التاسعة: ليعلم الشيخ عبيد –ومن طمع في الانتخابات خيرًا- أنه لم ولن يحصل لهم بها ما يرمون إليه، -أو بصحيح العبارة ما يزعمونه- لأمور:
الأمر الأول: لما ينتهك فيه من حرمات الله، التي مضى ذكر بعضها في النقطة السابعة، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، ويقول: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ﴾، وهل من اقتحم الانتخابات بما فيها من تعدي حدود الله يعد ناصرًا لدين الله، حتى يستحق النصر من الله وهو قائم في معصية الله؟!!!
الأمر الثاني: لأنهم وإن برروا لأنفسهم التبريرات الباردة، والمزاعم الكاذبة، إلا أنهم ومع ذلك كله لا يضمنون لأنفسهم النجاح، بل هم إلى الآن باءوا بالفشل في كل مكان، فكم للإخوان المسلمين في هذا الميدان، فلماذا إلى الآن لم يتمكنوا من البلدان.
الأمر الثالث: لأنه قد حصل لبعض الجماعات الإسلامية بما يسمونه الفوز في الانتخابات، ومع هذا لم تُسَلَّم السلطة لهم، لأنه لا يمكن أن يسمح النظام الغربي الكافر أن تقوم للإسلام قائمة عن طريق الديمقراطية، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾.
الأمر الرابع: لأنهم إن مكنوا من السلطة عن طريق الانتخابات –وأنى لهم ذلك!- فلن يحصل لهم بهذه الطريقة إقامة الحكم الإسلامي الخالص وذلك لسببين:
أحدهما: أنهم معرضون بعد سنوات للإطاحة بهم عن طريق الانتخابات!
والسبب الآخر: لأن العلمانيين وغيرهم من أهل الانحراف قد ضمنوا لهم الحق بذلك، لبقاء أصولهم لوجود ثوابت في النظام الديمقراطي، تضمن لهم حرية الفكر ونشره، إذًا فالعلمانيون عندهم ثقة وتأكد أن الكفة بأيديهم، والله عزوجل يقول: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾، ويقول: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾، ويقول: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
فبان بذلك: أن هؤلاء وإن تحصلوا على مقاعد؛ فهم بين خيارين أحلاهما مُرٌّ: إما أن يستمروا في تطبيق الديمقراطية، وإما أن يخرجوا من تلك المقاعد، فإن طبقوها وقعوا في العلمنة وتعلمنوا كما تَعَلْمَنَ غيرهم، وإن تركوها ورفضوها، سحبت المقاعد من تحتهم، بل رمي بهم في الشارع، وإلا فالبحار من الدماء، ويكونون بذلك قد ضيعوا الجهود والأموال الطائلة، بل ضيعوا ما هو أعظم من ذلك؛ وهو دينهم إن لم يبادروا بالتوبة، وذلك كله؛ لأنهم سلكوا غير طريق الأنبياء وأتباعهم في إصلاح العباد والبلاد، بل الطريق التي سلكوها تخالف طريقتهم وتباينها، والله تعالى يقول: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾، ويقول: ﴿فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾.
فتحصل لنا من ذلك: أن حصولهم على المقاعد لا يعني أنهم انتصروا، بل هو الفشل المزري، وانظر مزيدًا لذلك: (تنوير الظلمات).
فهل تفطن الشيخ عبيد لهذه الأمور الخطيرة التي تحيط بفتواه؟ التي لم تلق عند أهل السنة المتبصرين قبولًا ولا مكانًا، إلا برميها وراء ظهورهم، وردها على صاحبها، كما ردوا غيرها من الأفكار المنحرفة، والآراء الباطلة، وإن صدرت من كبير، والحق أكبر من كل كبير، والحق ظاهر على كل دين، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾.
....................................
الفصل الثاني: بيان خاص
في هذا البيان نتتبع فيه ألفاظ الفتوى، ونبين أوجه الانحراف والتناقض الواقع فيها، ونتعرف من خلاله على أوجه المشابهة بين فتوى الإخوان المسلمين وهذه الفتوى، ونظهر فيه حقيقة الضرورة المخترعة الهزيلة التي ادعاها –وهي تختص به- والتي أباحت له طاغوت الانتخاب، فاعتمد على هذه الضرورة المدعاة! وعلى صورها المتشابهة، فجعلها قاعدة لهدم ما تقرر عند السلفيين بالكتاب والسنة، فإنهم لم يتكلموا فيها عن هوى، ولكن بأدلة وواقع عاشروه، لا يخفى على صغار أهل السنة فضلا عن كبارهم.
فجاءت تلك الفتوى المنحرفة لتطيح بالجهود الجبارة من كتب وأشرطة بـ (وريقة) غاية ما احتوت عليه: تعللات فاسدة، وظنون كاذبة.
فليتق الله امرؤ في نفسه؛ أن يخوض بحرًا وهو لا يحسن السباحة، فيسيء ولا يحسن، وربما غرق فهلك.
وقد جعلت ما وعدتك به في هذا الفصل على نقاط:
النقطة الأولى: قال الشيخ عبيد في المقدمة عن الانتخابات أنها: (بدعة دخلت على أهل الإسلام، عن طريق بعض أهل الإسلام المنحرفين، مروجون لها عن غير أهل الإسلام، فنفذت، فأصبحت لا بد منها) !!! فكأنها بدأت الضرورة من هاهنا عند الشيخ؛ فإننا نقول: وإن قبلها المسلمون وطبلوا عليها في كل بلد، فلن يصيرها ذلك (بدًّا) لا بد منه، ولن يغير أهل السنة موقفهم منها، وكم من بلد فيها هذا النظام الديمقراطي الطاغوتي، ومع هذا فأهل السنة المبتعدون عنها المنفرون منها يتمتعون باستقرار الأوضاع ولم يكونوا مضطرين للدخول فيها.
ثم قوله: (فأصبحت لا بد منها) ما يشعر أنها مفروضة عليهم، بحيث لا يستطيعون الخلاص منها، وليس الأمر كذلك؛ ولعل ذلك يكون من صور الضرورة عند الشيخ عبيد!!!
النقطة الثانية: ذكر الشيخ حكم الانتخابات، ثم نقض الحكم باستثناءات ساذجة من استثناءات الإخوان المسلمين، لينهدم به الحكم الذي تقرر عند أهل السنة، ويتقوى به أساس الإخوان المسلمين والملبسين فقال: (لا يجوز الدخول في الانتخابات أصلا، إلاّ لضرورة تعود على من تركها بالضرر عليه في دينه أو دنياه أو في كليهما)، فيا سبحان الله! ما هذا التوسع يا شيخ؟! من تضررت دنياه فلينتخب ليضر بدينه أيضًا، أو من حصل له ضرر وبلاء بسبب دينه فلينتهك حرمة الانتخابات، ليعظم البلاء في الدين!!
وقد عرفت أخي القارئ –رعاك الله- في الفصل الأول: حجم الضرر الديني والدنيوي في الدخول في سلك الانتخابات، فقارن بينه وبين الضرر الذي هو ضرورة عند الشيخ. ((
ثم ليعلم الشيخ أيضًا: أن الإخوان المسلمين ينصون على ما تنص عليه، ويقرون بفحش الانتخابات، ولكن يقولون نحو قولك: (ألجأنا لذلك الضرورة، أما ترون الفساد الحاصل، والتلاعب بأموال المسلمين، وتضييع الحقوق؟ أما ترون الفساد الديني الحاصل، تباع الخمور، وتدعى النساء للتبرج والسفور، وأقيمت دور للربا والزنا؟ إلى غير ذلك ...ثم قالوا: فكيف تتغير هذه الأحوال إذا لم يترشح الصلحاء؟!)، وإذا تأملت أخي القارئ هذه الفتوى؛ وجدت فيها مثل هذه الدعاوى.
فإذا قيل لهم: لكن الانتخابات حرام. قالوا: (الضرورات تبيح المحظورات)، (الغاية تبرر الوسيلة).
فعلى هذا؛ لو لم يكن من الضرر الدنيوي إلا (أخذ الضرائب والجمارك ونحوها) كان ذلك مبيحًا للانتخابات، إذا كان مقصد المرشَّح القضاء عليها، لما فيه من الاعتداء وأكل أموال الناس بالباطل، فمفاد هذه الفتوى أن يتوجه الناس إلى الانتخابات لأجل هذا الغرض!
النقطة الثالثة: ومما تدل عليه هذه الفتوى من البطلان: جواز الانتخابات مطلقًا وفي كل بلد، وفي كل زمان –قديمًا وحديثًا- يعني: إذا كان من المرشحين ممن سماه بأنه صاحب سنة، وذلك لأمرين:
أحدهما: لأنه نص على ذلك الإطلاق بقوله: (في أي دولة كانت).
والأمر الثاني: لأنه جعل للجواز شرطًا، وهذا الشرط موجود في كل بلد، وهو: التمكن من الترشيح.
فتأمل معي في قوله: (إذا تيقن أهل السنة خاصة والمسلمون عامة، أنهم إذا لم يدخلوا في هذه الانتخابات في أي دولة كانت؛ تُهظم حقوقهم ولا تستوفى، لأنهم لم يرشحوا أحدًا، فهنا نرى أن يدخلوا الانتخابات من أجله، تحقيقًا لمصالحهم، واستيفائهم حقوقهم، وتمكينهم من أخذ ما هو حق لهم).
فهل ظهر لك أخي القارئ ما ذكرته لك؟ فإن أدعياء السنة في كل مكان ما تقدموا للترشيح، إلا لضمان حقوق المسلمين واسترجاعها، فإنه ما من بلد إلا وفيه ما فيه من هظم الحقوق والجور، والشعار الانتخابي لكل مرشح: (نعم للإصلاح، لا للفساد، نعم لإقامة العدل والمساواة، ومحاربة الفساد الاقتصادي والديني، ومحاربة الظلم.....).
وبناء على ذلك فإني أقول:
أولًا: إن ما يرمي إليه الشيخ من الأهداف والمقاصد –أي من وراء الانتخابات- هو ما يرمي إليه الإخوان المسلمون ويتباكون عليه.
ثانيًا: بل أقول: إن ما يرمي إليه الإخوان المسلمون أعلى وأسمى وأشرف –وهو علو نسبي ليس حقيقيًّا- مما يرمي إليه الشيخ –كما يتضح للقارئ مما ذكره الشيخ ومما يقول الإخوان المسلمون- فكان الإخوان المسلمون أحسن حالًا منه؛ في ذكر الذرائع التي جوزوا بها الانتخابات، لأنهم زادوا عليه في المبررات بما لا تساوي مبررات الشيخ الجابري أمامها شيئًا.
فإذًا؛ هنيئًا للإخوان المسلمين هذه الفتوى ليتشبعوا بها، فهي لهم وليست لأهل السنة كما يظن الشيخ!
والذي يحيك في صدري الآن تساؤل، وهو: من متى كانت هذه الفتوى على هذا الحال؟ ولماذا لم تخرج إلا الآن؟ وأين كانت مدفونة، حيث؛ وأنها قد اقترنت بدعوات حارة للولوج في الانتخابات؟ كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (هذه الدعوة الحارة التي نادى بها أهل السنة إلى الانتخابات)، وعندما تتأمل في الفتوى؛ تجد مجموع هذه الدعوات والإباحات خمسًا!!
وهذا يذكرني بما حصل من أبي الحسن المصري من الأصول الفاسدة بعد موت العلامة الوادعي وغيره من الأعلام! ثم وضع الجواب بغير سؤال فقال: (ذهب زمن الخوف)!!!
النقطة الرابعة: ومن أعجب ما ترى في هذه الفتوى صور الضرورة، التي أسهب الكلام فيها، والتي أباحت الاعتداء على حرمات الله التي بنيت بها الانتخابات، كما ظهر لك ذلك جليًّا في الفصل الأول، وهذه الصور تتلخص في أمرين:
أحدهما: حصول ضرر ديني أو دنيوي، كأن تهظم الحقوق، أو لا يحصل استيفاء لها، يعني: إذا هظم حق فَالْجأوا للانتخابات! أو إذا حصل نقص فيه فإلى الانتخابات أيضًا استيفاء للحقوق!
والأمر الثاني: إذا حصل تنافس بين صالح وطالح –سواء كان هذا الطالح كافرًا كفرًا أصليًّا، أو كفره كفر ردة، أو كان مبتدعًا، أو مفسدًا- فمتى ما حصل هذا التنافس، فَالْجأوا إلى الانتخابات إبعادًا لهؤلاء عن الاستيلاء حتى لا يفسدوا!
وعلى ذلك من الملاحظات ما يلي:
1) لو سلمنا لك جدلًا: أن هذه الضرورة المزعومة مبيحة لهذا المنكر، فإنه يهدم ذلك: أنه قد ثبت بالنظر والتجربة أنها لم تندفع به المضرة المزعومة، بل ضاعفت الأضرار، الأمر الذي يدل على وقوع الفتنة بأصحاب الانتخابات لمخالفتهم أمر الله ورسوله، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
2) أن فيه توهم دفع مفسدة بمفاسد أعظم منها، حيث أن ما توهم اندفاعه بذلك غير صحيح أو غير متيقن، وإضافة إلى ذلك: حصول أضرار دنيوية ودينية من جراء الانتخابات -والتي قد مضى ذكر بعضها في الأمر السابع من النقطة الخامسة في الفصل الأول- فكيف يكون توهم دفع مضرة، ضرورة لارتكاب أضرار متيقنة، هي أعظم من دفع المفسدة المتوهمة؟! فهذا من دفع اليقين بالشك، بل؛ لو فرضنا أنه يقين فإنه دفع مفسدة بأعظم منها كمن يغسل البول بالحيض الأغبر! فكيف تقدر الضرورة عند الشيخ عبيد في جلب المصالح ودرء المفاسد؟ فهل تجلب مصلحة على حساب هدم مصالح أعظم منها؟ أو تدرأ مفسدة على حساب مفاسد أعظم منها؟ وهذا على تقدير أن المفسدة والمصلحة متحققة، فكيف إذا كانت معدومة أو متعذرة؟!
3) أن هذا يعد من إساءة الظن بالله أن يُجعل الحرام طريقًا لبلوغ المرام، فهذا كمن أراد أن يتخلص من حرارة النار، ولكن؛ عن طريق المشي فيها!:
رام نفعًا فضر من غير قصد*** ومن البر ما يكون عقوقا
4) أن هذه الضرورة المزعومة المبيحة عند الشيخ، كما أنها غير متيقنة، فإنها وإن حصل بها المقصود؛ فهو حصول مؤقت، يرجع مرة أخرى بالانتخابات كما ذهب بها، ويتنازل ذلك السني المزعوم عن مقعده بكل سهولة وبكل رضا ديمقراطي، ويسلم الأمر للرافضي راغمًا أنفه، بعد أن تنازل كل التنازلات على حساب دينه، لأنه صعد بدين الانتخابات والديمقراطية لا بدين الإسلام.
فبعد ذلك؛ ما ذا سيقول الشيخ؟ لا ينفع حينها ضرب الكفين أو الفخذين، أو ليت ولعل!!! وقد سبق نصح أهل السنة المستنبط من الكتاب والسنة، لكنه بسبب الإعراض والعناد يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولكن كما قيل:
يقضى على المرء في أيام محنته*** حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
5) أنه لا يخفى ما في كلامه من توسيع باب الضرورة، لتسهيل الوقوع في المحرم، والحق: أن أهل السنة في كل مكان لم يحصل لهم من الضرر ما لا يتحملونه بسبب تثبيت الله لهم على الحق وتركهم للانتخابات الدخيلة على الإسلام، بل صانوا بذلك دينهم ودنياهم، الأمر؛ الذي يدل على أن لا ضرورة في الانتخابات، إلا الضرورة المزعومة الواسعة عند الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم، ولذلك كان شيخنا مقبل –رحمه الله- يقول عنهم: (هؤلاء توسعوا في الضرورة حتى جعلوها مثل باب اليمن)!!! –وهو مدخل معروف لصنعاء القديمة- وكان يقول لهم أيضًا: (أنتم لستم مفوضين في دين الله، تبيحون للناس ما حرم عليهم) أي: عن طريق مثل هذه التأويلات الفاسدة، والتعللات الباردة، التي يخرجون بها عن تعاليم الكتاب والسنة، ومن النصائح المضيئة لسلفنا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (5/102): وجماع الأمر في ذلك: أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه. اهـ
6) أن الضرر الذي ذكرتَه لهذه الضرورة، لا تماثل، بل لا تقارب –أبدًا- الأضرار التي في الانتخابات، فهو لا يساوي منها شيئًا، فلو وَضعتَ هذا الضرر الذي ذكرتَه في كفة، ووضعت أضرار الانتخابات في كفة، لطاشت بهن أضرار الانتخابات، وعلمت حينها فساد تأصيلك يا شيخ عبيد!
ثم إن هذا الأمر –أي الضرر- في الحقيقة لا يضطرنا في إقحام أنفسنا في مخاطر الانتخابات، وإنما هي تعللات فاسدة، وظنون كاذبة، ودعاوى مخترعة، أُتي بها مقابل ما ثبت بدليله الصحيح الصريح النقلي والعقلي، والقاعدة تقول: (ما كان منافيًا لما ثبت بدليل، كان باطلًا بما ثبت به ذلك المنافي).
7) أن الطريق الشرعية الصحيحة لزوال هذا الضرر، وتحقيق المصلحة، هي طريق الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- وأتباعهم، بالرجوع إلى الله، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم، والقيام بأمر الله ظاهرًا وباطنًا، والتحذير من أهل الأهواء والضلال، وآرائهم المنحرفة، مع الصبر والصدق والإخلاص لله تعالى، فليست إلا هذه الطريق لإصلاح الحكام والمحكومين، بل لصلاح البر والبحر، وقد تقدم نحو هذا من كلام ابن أبي العز في النقطة الثالثة من الفصل الأول.
أما الانتخابات فلم ولن تكون حلًّا لتصحيح الأوضاع، كما يظنه الشيخ عبيد!! وظهر هذا الظن عندما قال: (تحقيقًا لمصالحهم واستيفائهم حقوقهم) وقوله: (وإبعادًا لهم عن الاستيلاء)، ولم ولن تكون يومًا سببًا لإبعاد أهل الزيغ والرفض عن البلاد، بل كانت هذه الانتخابات سببًا لاضطراب معايش الناس، حيث أنهم في كل فترة مع حاكم وأحكام جديدة.
النقطة الخامسة: وإذا تأملت في دعوة الشيح الحارة –التي جعلها نصحًا- عندما أوصى بالانتخابات عند حصول الضرر، وعدم استيفاء الحقوق –ولسان الحال يقول: إما أن تكفوا عنا ضرركم أيها الحكام، وتوفوا لنا حقوقنا كاملة، وإلا بيننا وبينكم الانتخابات- لوجدت في هذه الوصية مخالفة ظاهرة لقاعدتين عظيمتين من قواعد أهل السنة، التي زلت فيها أقدام أهل الأهواء، وشابهوا فيها أهل الجاهلية، وهما يتعلقان بموقف المسلم من الحاكم المسلم الجائر، الذي ألحق الضرر بالرعية ولم يوفِ لهم حقوقهم، وإنما آثر من يليه، فلعل الشيخ غفل عنهما عند ذكر هذه الفتوى، ثم لم يجد سبيلًا لذلك إلا الانتخابات.
ومِثلُ هذه القواعد لا تخفى على من عرف السنة، فضلا عمن يدعي العلم بها!!، والقاعدتان هما:
الأولى: الأمر بالسمع والطاعة للحكام، والصبر على ما يحصل منهم من ضرر، مع الدعاء لهم بالمعافاة، والنصح لهم بالتي هي أحسن.
الثانية: النهي عن منابذتهم وسبهم، والخروج عليهم ومنازعتهم الحكم، أو نزع يد الطاعة منهم، أو شق عصا المسلمين وتفريقهم.
وقد تضافرت الأدلة على ذلك من السنة، وإني أجد نفسي مضطرًا أن أُذَكِّرَ الشيخ ببعضها لعله يتذكر، فيذكر نفسه بهذه الوصايا، ويذكر غيره، ويُعرِض عن وصايا الإخوان المسلمين في هذا الجانب، الذين رفضوا منهج السلف، ورضوا بالتلف الذي في مذهب الخلف.
فإليك هذه الطائفة من الوصايا من مشكاة النبوة –على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم-:
الحديث الأول: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا»، أخرجه مسلم ونحوه من حديث عوف بن مالك.
الحديث الثاني: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصامت –رضي الله عنه- قَالَ: بَايَعَنَا رسول الله ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. متفق عليه.
الحديث الثالث: عَنْ وَائِلٍ بن حجر الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ، يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»، أخرجه مسلم.
الحديث الرابع: عن حُذَيْفَةِ بْنِ الْيَمَانِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ؛ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»، انفرد به مسلم، وأصله في الصحيحين.
فقارن أخي القارئ: بين هذا الحديث الذي أوصى فيه النبي ﷺ بالصبر، ولو أخذت الحقوق من أيديهم، بل ولو ضُربوا على ذلك! وبين هذه الفتوى التي فيها منازعة الحكام –شعر أم لم يشعر- عند حصول النقص في الحقوق!
الحديث الخامس: عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِي الله عَنْهما- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ؛ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، متفق عليه. أمر ﷺ بالصبر على المكاره، ولم يقل: فإن وجدتم حلًّا سلميًّا لإزاحته –كالانتخابات- فافعلوا.
الحديث السادس: عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، أخرجه مسلم.
الحديث السابع: عن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ –رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، أخرجه مسلم. وهل المنافس للحاكم المسلم بالانتخابات إلا منازع له يا فضيلة الشيخ!
الحديث الثامن: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا»، أخرجه مسلم.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا، التي تبين الموقف الصحيح مع الحاكم المسلم، وأما الدعوة إلى الانتخابات فإنها تخالف كل هذه الأحاديث، ومن أحسن المراجع وأمتعها في هذا الباب: كتاب الإمارة من صحيح مسلم، فيه جمٌّ غفير من الأحاديث العظيمة في هذا الباب، فما أحوج الإخوان المسلمين -ومن نحا نحوهم- أن يقرأوه، ففيه شفاء لهم بإذن الله إن استجابوا وعملوا به.
فكان الأولى بالشيخ الجابري: أن ينصح في هذا الموقف بعقيدة أهل السنة، وأن يسرد لهم مثل هذه الأحاديث.
فهل أدرك الشيخ الآن خطورة الانتخابات، وفساد فتواه التي تخالف هدي النبي ﷺ؟! والذي منه النهي عن سؤال الإمارة، والحرص عليها، وقد بَوَّب الإمام النووي في كتاب الإمارة من صحيح مسلم: (باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها)، وفيه حديث عبدالرحمن بن سمرة –رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال له: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا»، وحديث أبي موسى –رضي الله عنه- قال: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّه!ِ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّا وَاللهِ! لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ»، أما اليوم فلا يسألونها فحسب، بل يضحون بالأموال الطائلة من أجلها، بل لربما ضحوا بأنفسهم من أجلها، بل –وأعظم من ذلك- يضحون بدينهم! فإنا لله وإنا إليه راجعون، وليس العجب من ذلك فحسب؛ ولكن العجب من أدعياء العلم الذين ينسبون هذه الأفاعيل للإسلام من الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم.
النقطة السادسة: وأعدل شاهد على التناقض والاضطراب في هذه الفتوى، قوله: (والخلاصة في شيئين: أولهما: لسنا داعين إلى الدخول في الانتخابات في أية دولة كانت على الإطلاق، بل الأوْلى عندنا تركها إلا في الضرورة التي لابد منها).
لي أخي القارئ مع هذه الخلاصة أربع وقفات، أبين فيها صريح التناقض والاضطراب الذي حصل في هذه الفتوى، الأمر الذي يؤكد عدم معرفة الشيخ بحقيقة الانتخابات، وعدم فهم فتوى أهل السنة فيها، ولقائل أن يقول: إن هذا الأمر يدل على أن الشيخ الجابري لا يعرف معنى بعض كلامه الذي يتكلم به، وسيظهر لك ذلك جليًّا عند قراءة الوقفات.
الوقفة الأولى: أن هذا الكلام رجوع منه إلى الخلف بعد كلامه الطويل، الذي تكلف فيه لتجويزها، فقوله: (لسنا داعين) ينقضه قوله: (فأنصح أهل السنة أن يصوتوا لجانب السني) وقوله: (لأهل السنة إن تمكنوا أن يرشحوا رجلًا أو رجالًا) وقوله: (فهنا نرى أن يدخلوا في الانتخابات) أليست هذه الكلمات صريحة في الدعوة إلى الانتخابات؟ وأصرح منها في الدعوة عندما قال: (فإني أدعو -والحالة هذه- أن يرشحوا منهم....)، فيا سبحان الله! وهذا بعد قوله: (لسنا داعين) فما هذا التناقض الصريح؟ وأنت قد خللت فتواك بدعوة حارة، كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (دعوة حارة نادى بها أهل السنة إلى الانتخابات)، ومضى أخي القارئ الحجة الواهية التي بها تذرع لهذه الدعوة.
ثم إن قوله: (إلا في الضرورة) لا يفيد أن إباحتها ضيقة جدًّا عنده، بل هي واسعة عامة، لأنه بان -كما مضى في النقطة الرابعة من هذا الفصل- أن هذه الضرورة المدعاة، موجودة حاصلة في كل بلد ديمقراطي، فبان بذلك عموم هذه الفتوى، فإذًا لا داعي للاستثناء، فإنه في غير موضعه، لأنه تقييد لا مفهوم له.
ثم هنا لفتة لقوله: (إن تمكنوا)، فنبشر الشيخ أن أهل السنة لهم الإمكان من الترشيح في كل بلد ديمقراطي، لكن لم يأذن لهم دينهم بالدخول فيها، لأنها –كما مضى- لها شروط حقيقتها: الخروج من السنة. بل أحب أن أنبه الشيخ: أن الديمقراطيين يتمنون دخول أهل السنة فيها، ومستعدون أن يدفعوا لهم الأموال الطائلة لأجل ذلك، من أجل أن تروج بهم الديمقراطية، لأنهم –بحمد الله- قد أثَّروا على الملايين من الناس في بيان حكم الانتخابات، حتى قاطعوها، إذًا فلا داعي –أيها الشيخ- لهذا القيد وهو قولك: (إن تمكنوا)، فكأني به يظن أن من الأسباب التي من أجلها حرم أهل السنة الانتخابات: عدم تمكنهم منها، أو حيث لم يوجدوا فيها، وهذا يؤكد كما قلت سابقًا: عدم معرفة الشيخ بحقيقة الانتخابات، وأن وقوعه في مثل هذا الزلل ليعد خذيلة عن التوفيق، لأمور يعلمها الله.
الوقفة الثانية: أن قوله: (في أية دولة كانت) ينقضه قوله بعد ذلك: (أنه إذا تيقن أهل السنة خاصة والمسلمون عامة، أنهم إذا لم يدخلوا في هذه الانتخابات في أي دولة كانت تُهظم حقوقهم ولا تستوفى......) شاهدنا نفي الدعوة إليها في أي دولة كانت، ثم أجازها بقيوده الخاصة في أي دولة كانت، وحقيقة هذه القيود تؤكد جوازها في كل بلد، لأنه ما من بلد إلا وفيه ما فيه من الظلم والأثرة وهظم الحقوق، وإلا فقل لي يا شيخ؛ ما هو القطر الديمقراطي الذي لم يترشح فيه أهل السنة ومع ذلك أعطيت حقوقهم كاملة، ولم يهظم لهم حق؟ نبئنا عن هذا البلد الذي لا تجوز فيه الانتخابات؟! وأنا أضرب لك مثالًا ببلدنا الميمون اليمن، لم يشارك أهل السنة في الانتخابات ومع ذلك كم من الحقوق التي هظمت لهم ولغيرهم –كسائر البلدان-، فهل تنصح أهل السنة باليمن وغيرهم -والحالة هذه- بالدخول في الانتخابات؟ لأن صور الضرورة الخاصة بك، كلها موجودة فيها وأعظم من ذلك. فما هو الجواب؟ أفيدونا أثابكم الله.
الوقفة الثالثة: قوله: (على الإطلاق) لا فائدة فيه، فذكره هنا حشو، لأنه -كما مضى- نقض هذا الإطلاق؛ فقيده وخصصه واستثنى منه، ثم حكم عليه بالإعدام، حتى ظهر من فتواه جوازها مطلقًا، -كما قد مضى بيان ذلك في النقطة الثالثة من هذا الفصل- وهذا كله من التناقض، لأن الحامل له على الجواز موجود في كل بلد ديمقراطي، وما دخل أحد الانتخابات إلا لأجل تحقيق ما ذكره الشيخ، لكن هذا –كما تقدم- يؤكد عدم فهمه فتوى أهل السنة، بل ربما عدم فهم كلام نفسه!
الوقفة الرابعة: أن قوله: (لسنا داعين إلى الدخول في الانتخابات) تقصير في التنفير والتحذير من هذا المنكر العظيم، الذي يحتوي على كبائر من الذنوب، فكان من المناسب أن يقول عقب ذلك: بل نحذر المسلمين منها كل الحذر، أو نحو ذلك مما هو أبلغ في التنفير من كلامه هذا. لأنه لا يلزم من كون الرجل غير داع إليها، أنه يبغضها أو يحذر منها، فقد يكون لا يدعو إليها لا لأنه يرى حرمتها مطلقًا، ولكن ربما عنده تفاصيل فيها، أو يرى الوقت غير مناسب لها، أو يرى أنها خلاف الأولى لا غير، وهذا الأخير يظهر للقارئ من قول الشيخ: (بل الأولى تركها إلا في الضرورة) فهذا تهوين جدًّا لأمر هذه المصيبة العظيمة، التي احتوت على مفاسد جسيمة –مضى ذكرها في الأمر السابع من
النقطة الخامسة من الفصل الأول-فهل هذا من كمال الفقه في الدين؟! أو هل يدل هذا على الرسوخ في العلم؟! ما هكذا يا شيخ ينفر أهل السنة من العقائد المنحرفة، فكان الأولى بك أن تقول: بل الواجب تركها لما فيها من.......لكنني أقول –في الحقيقة-: أمرها هين عند الشيخ –أرشده الله- لعدم علمه بحقيقتها.
وقارن بين كلامه هذا، وبين كلام أهل السنة عندما يقولون: (إن أقرب الطوائف للحق هم أهل السنة)، وكيف أن الشيخ هجم على قائل ذلك هجومًا شرسًا! وفي الحقيقة؛ هذا الهجوم حقه أن يؤتى به هنا، وقد رد على هذه الهجمة شيخنا يحيى –حفظه الله- بِرَدٍ قَيِّمٍ أسماه: (لطف الله بالخلق من مجازفات الشيخ عبيد ورميه بالعظائم على من قال: أهل السنة أقرب الطوائف إلى الحق).
النقطة السابعة: قوله: (وأما فتواي في الانتخابات؛ فكل عاقل كيِّس فطن يدرك ما ترمي إليه وما تهدف إليه، وهو حفظ مصالح المسلمين عامة، وأهل السنة خاصة)، واعلم أيها الشيخ: أن فتوى الإخوان المسلمين –أيضًا- ترمي إلى ذلك، بل وإلى ما هو أعظم من ذلك –كما سبق بيانه في النقطة الثالثة من هذا الفصل- فما الفرق إذًا بين فتواك وفتواهم، بل استبان لنا مما مضى: أن مقاصدهم أقوى، حيث وأن من الدواعي لهم: وجود الحكم بغير ما أنزل الله، وتضييع شريعة الإسلام، بل استبدال أحكام الشريعة بالقوانين الوضعية، وهذا من أعظم الضرر على المسلمين في دينهم ودنياهم، فبان أن شبهتهم أقوى من الشبهة التي انطوت عليه هذه الفتوى.
النقطة الثامنة: قوله: (فإني أدعو -والحال هذه- أهل السنة أن يرشّحوا منهم من يثقون من دينه وأمانته وحسن سياسته)، فإننا نخشى أن يأتي زمن ترى فيه وجوب الانتخابات، ثم القول بوجوب خروج النساء لها –والحال هذه- كما أتى هذا الزمن على الإخوان المسلمين، فأفتوا بوجوب خروج الرجال والنساء لانتخاب ما تسميه بـ : (من يثقون من دينه وأمانته وحسن سياسته)، وقالوا: صوتك أمانة فلا تضيعها وإلا سئلت عنها.
وللأسف أيها الشيخ! يستطيع الإخواني أن يلزمك بذلك، لأن تحقيق مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، ودفع الضرر عنهم، ومحاربة الكفر والبدع وأهلهما، أمر واجب على من قدر عليه، وعندك أيها الشيخ! أن هذا حاصل بالانتخابات، فلهذا قالوا: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فإذا كانت الانتخابات جائزة عندك لهذا المقصد، وكان هذا المقصد واجبًا، فلا سبيل لك إلا أن تقول بوجوبها!!!!!
فالحمد لله الذي عافانا من هذه الاضطرابات والتناقضات والتقلبات، (اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور) (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك).
النقطة التاسعة -والأخيرة-: ختم الشيخ هذه الإساءة بقوله: (هذا ما توصل اجتهادي إليه) فإننا نقول: بئس هذا القصور والانحراف في هذا الاجتهاد، الذي حملك على أن تُضَمَّن فتواك دعوات سيئة للانتخابات، وازداد سوءها؛ يوم أن وجهت خاصة لأهل السنة، وليربع الشيخ على نفسه، فأهل السنة على ثبات من أمرهم، وعلى ثبات على أصولهم السلفية الثابتة، التي لا تتغير بتغير الزمان والأشخاص والأحوال، فلا يصغون إلى مثل هذه الترهات، وإن سمعوها رموا بها في الزبالات والثبات بيد الله، وصدق شيخنا الإمام الوادعي –رحمه الله- إذ يقول: (فالانتخابات مهانة مهانة، ما سلم منها إلا أهل السنة، بسبب تمسكهم بالسنة) اهـ من شريط (نتائج الانتخابات في اليمن).
....................................
خاتمة
وهي تتضمن ثلاث نصائح:
الأولى للشيخ أرشده الله، والثانية لمن يثق به، والثالثة لي ولسائر إخواني أهل السنة.
فالنصيحة الأولى للشيخ: أن يتريث في مثل هذه المسائل العظيمة، وأن يعتمد ما قاله إخوانه أهل السنة بدليله، وألا يتعجل في إطلاق الأحكام، وأن يكف عن الخوض فيما ليس له به علم، وأن يبادر بالتراجع عن هذه الفتوى، حتى لا يتحمل تبعاتها السيئة، وإلا فالمرجع لعلماء الدعوة السلفية العلماء النصحاء.
كما أنصح الشيخ أيضًا: أن يَحْذَرَ من مغبة عدائه لإخوانه أهل السنة في اليمن، -لا سيما- دار الحديث بدماج –حرسها الله- الممتلئة بالمشايخ والطلاب والدعاة والمؤلفين، وعلى رأسهم شيخنا يحيى –حفظه الله- الذين سخروا أنفسهم للدعوة والعلم، والنصح والإرشاد، فإن الله تعالى يقول كما في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة: «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب»، فبعد أن تجلد الشيخ –أرشده الله- لفتنة ابني مرعي، وتعصب لهما، وعادى لأجلهما إخوانه أهل السنة، ظهر منه ما ظهر من العجائب والمفاجآت، من الطعونات والأقاويل الباطلة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والنصيحة الثانية أوجهها إلى من يثق بالشيخ: أن يتقوا الله عزوجل، وأن يتجردوا للحق، وليكن الحق ضالتهم، متى ما وجدوه أخذوه وتمسكوا به، فلن يكون الشيخ –مهما كان علمه- أكبر وأولى من الحق، فالحق أحق أن يتبع، وإن كان للشيخ عندك منزلة، فمنزلة الحق لا تدانيها منزلة، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، ولن ينجو المسلم من فتنة العالم إلا إذا تجرد للحق، وترك التقليد، وحَذِرَ من الزلات، ورد الباطل على كل من جاء به، ولو كان حبيبًا قريبًا، وأذكرك بما قاله سليمان التيمي: لو أخذت بزلة كل عالم، لاجتمع فيك الشر كله.
والنصيحة الثالثة لي ولسائر إخواني أهل السنة: أن من وفقه الله لطلب العلم، والثبات على الحق، ومدافعة الباطل، والنشاط في الخير، والهمة في الأعمال الصالحة، أن يسأل الله المزيد من فضله، والثبات على ذلك، وإذا حصل له فتور وضعف، فليلزم ما كان يعرفه من الخير، ولا يستنكر منه شيئًا، وإياك؛ أن تتحول إلى جهة أخرى فتهلك عياذًا بالله، وكن على حذر من الحسد والغرور والعناد وأطماع الدنيا، فإن الوقوع في ذلك من أعظم الأسباب، التي تحمل المرء على أن ينكر ما كان يعرف.
وقد أخرج الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ».
ولأحمد عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَيَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ ﷺ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَوْلَاةً لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: إِنَّهَا تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَكِنِّي أَنَا أَنَامُ وَأُصَلِّي، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، فَمَنِ اقْتَدَى بِي فَهُوَ مِنِّي، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، ثُمَّ فَتْرَةً، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى بِدْعَةٍ فَقَدْ ضَلَّ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدِ اهْتَدَى». والحديثان في الصحيح المسند لشيخنا الإمام الوادعي –رحمه الله-.
و(الشرة) بكسر الشين المعجمة هي النشاط والهمة، وشرة الشباب أوله وحدته.
هذا ما أردت بيانه، فأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يغفر لي خطأي ويعفو عن زلتي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه:
أبو إسحاق الشبامي
أيوب بن محفوظ الدقيل الحضرمي
12/صفر/عام 1430هـ
يمكنكم تحميل الموضوع من المرفقات
(في فتوى الشيخ عبيد)
ودعواه إلى الانتخابات
كتبه:
أبو إسحاق الشبامي الحضرمي
أيوب بن محفوظ الدقيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإلى أهل السنة خاصة وإلى المسلمين عامة أقدم لهم هذا التعليق الذي يتضمن الرد على (فتوى خاطئة) صدرت من الشيخ عبيد أرشده الله في الانتخابات، أبين فيه لإخواني المسلمين أوجه الانحراف التي انطوت عليها هذه الفتوى، التي أقلقت كل سلفي قد رسخت عنده ثوابت هذه الفتنة (أعني: فتنة الانتخابات) فكتبت هذا التعليق بدافع الغيرة على السنة ونصحًا للأمة، حتى لا يغتر بهذه الفتوى الباطلة مغتر؛ فيثقل عبؤها على الشيخ عبيد أرشده الله، فإن زلة العالم إن لم يبادر بالتراجع عنها لا بد أن تزل بها الأقدام -لا سيما- ممن يثق بعلمه، بل وربما وإن تراجع بعد ذلك تبقي لها آثارًا سيئة، لا يستطيع هذا العالم أن يتداركها:
إن الفقيه إذا غوى وأطاعه*** قوم غووا معه فضاع وضيع
مثل السفينة إذ هوت في لجة*** تغرق ويغرق كل من فيها معا
ثم إني أحب أن أنبه أخي القارئ على أن كلامي مرتكز على الفتوى لا على صاحب الفتوى، اللهم إلا إن كان من نصيحة أو مناقشة، ذكرت ذلك حتى لا يستغل كلامي في غير موضعه ممن ساء فهمه، أو ساء قصده، أو ممن جمع بينهما، الذين كما قيل: (لا يصطادون إلا في الماء العكر) وهم المجاهيل والمبهمون المتسترون وغيرهم، الذين يظهرون في كل فتنة والتي من آخرها: (فتنة ابني مرعي) بأسماء مستعارة، وربما كانوا متظاهرين بالسنة، بل لربما كانوا متظاهرين بالإسلام، وربما كانت حقيقتهم غير ذلك.
وجزى الله خيرًا ذلك المجاهد الذي سخر نفسه للذب عن السنة، ومنابذة الأهواء وأهلها شيخنا يحيى الحجوري –حفظه الله-، فما أن يسمع بباطل في أي قطر من أقطار الأرض –لا سيما- إذا كان من رجل ينتسب إلى السنة، إلا وينبري للرد عليه، بدافع الغيرة على السنة –كما شهد له بذلك العلماء- لا بدافع الحسد أو دافع الإطاحة بالأشخاص –كما يظنه الأوباش- فقد رد على هذه الفتوى –كتابة- برد مختصر، لكنه كافٍ شافٍ لمن كان همه الحق، وبين –حفظه الله- أنها احتوت على الباطل والانحراف، وأنها اعتمدت على التعللات والدعاوى المخترعات.
....................................
وقبل البدء في البيان، إليك نص الفتوى وتعليق شيخنا يحيى –حفظه الله- عليه:
نص السؤال
السائل: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله: شيخنا الفاضل الكريم في العراق الآن مقبلون على انتخابات محلية في المحافظات، ليس لها علاقة بالانتخابات السياسية، التي ستكون نهاية هذا العام، وإنما هذه الانتخابات هي انتخابات محلية داخل المحافظات غايتها تسيير وتمشية أمور المحافظات. فإذا دخل هؤلاء الناس في هذه الانتخابات سيكون غايتهم تسيير وتمشية طلبات وخدمات المحافظات المسائل الإنسانية والخلافية..وغيرها من الأمور فما رأيكم في الدخول في هذه الانتخابات شيخنا الفاضل الكريم؟
جواب الشيخ عبيد الجابري أرشده الله
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يجمع عامة أهل العراق وخواصهم على ما رضيه للعباد وللبلاد من الإسلام والسّنة وأن يحرسها وبلادنا وسائر بلاد أهل الإسلام من كل مكروه يقدح في الدين أو العرض أو النفس أو غير ذلك مما يلاذ بالله سبحانه تعالى أن يجير منه. الانتخابات من الأمور الوافدة على أهل الإسلام، فهي ليست من الشرع المحمدي، إنما عبرت إلينا من خلال أناس تشبَّعوا بالمبادئ الغربية أو غيرها من سبل الانحراف عن دين الله الحق أصولِه وفروعه، فأولًا: نحن نستنكرها بقلوبنا ولا نطمأن إليها لأنها بدعة دخلت على أهل الإسلام عن طريق بعض أهل الإسلام المنحرفين، مروِّجون لها عن غير أهل الإسلام فنفذت، فأصبحت لابدّ منها فإذا تقرر هذا فأقول: أولًا: لا يجوز الدخول في الانتخابات أصلا إلاّ لضرورة تعود على من تركها بالضرر عليه في دينه أو دنياه أو في كليهما. وثانيا: هذه الضرورة لها صور منها: التيقن أو غلبة الظّن أنّه لا يستوفي المسلمون عموما وأهل السنة خصوصا حقوقهم إذا لم يكن لهم من يمثّلهم سواء في المجالس المحلية أو في المناصب العامة للدولة، فلهم أعني لأهل السنة إن تمكنوا أن يرشّحوا رجلا أو رجالا منهم لهذه المناصب المحلّية أو مناصب الدولة من هو صاحب سنّة وحاذق في السياسة ويغلب على ظنهم أنه إذا ولي انتفع به أهل السنة خاصة والمسلمون عامة. الصّورة الثانية: حينما يتنافس على هذه المناصب المعروضة للانتخابات سواء كانت عامة في المحافظات و المديريات أو للانتخابات الرئاسية وكان المتنافسان أو المتنافسون على سبيل المِثال رافضي وسني، فإني أنصح أهل السنة أن يصوّتوا إلى جانب السني، لأن الرّافضي إذا وَلِيَ أفسد في العباد والبلاد، وكان ضربة قاسمة لأهل السنة، وأقل ما يكون منهم: الأثرة والاستبداد وتسخير المصالح لبني جلدته وشيعته.
ثانيا: إذا تنافس على الرّئاسة رجل كافر أصليا أو معتنقا مبادئ كفريّة توجب ردته، وهذا مقيد عندنا بعد قيام الحجة عليه، ومسلم لم يظهر منه إلا صلاح وخير، وهو معروف بالعقل وحسن السياسة فإن أهل السنة يرشّحون هذا الأخير. صورة أخرى: لو تنافس على الرئاسة رجل سنّي وآخر رافضي أو من ذوي المبادئ المنحرفة مثل أن يكون شيوعيا أو علمانيا أو بعثيا فإنهم يرشحون صاحبة السنة. والخلاصة في شيئين أولهما: لسنا داعين إلى الدخول في الانتخابات في أية دولة كانت على الإطلاق، بل الأوْلى عندنا تركها إلا في الضرورة التي لابد منها، وقد ذكرنا صورا منها، الشيء الثاني أنه إذا تيقن أهل السنة خاصة والمسلمون عامة أنهم إذا لم يدخلوا في هذه الانتخابات في أي دولة كانت تُهظم حقوقهم ولا تستوفى لأنهم لم يرشحوا أحدا فهنا نرى أن يدخلوا الانتخابات من أجله، تحقيقا لمصالحهم واستفائهم حقوقهم وتمكينهم من أخذ ما هو حق لهم. وهاهنا سؤال فهمته من بعض الإخوان وفحوى هذا السؤال أنّ فتواي هذه تعارض ما صدر مني من نصح المسلمين عامة وأهل السنة خاصة في العراق باعتزال الفرق كلها بعدا عن الفتنة، والجواب: أولا أنا لازلت على تلك، لازلت على تلك الفتوى، وفتواي كانت في نصح أبنائنا في العراق باعتزال الجماعات التنظيمية ولست بدعا من القائلين بذلك فالأئمة من أهل السنة والجماعة على هذا ومن الأدلة قوله ﷺ لحذيفة في حديث طويل: «فالزم جماعة المسلمين وإمامهم» قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها»، وتفصيل هذه الفتوى وبسطها في مجالس متعددة، والظاهر أنه منشور في بعض مواقع شبكة الإنترنت فليراجعه من شاء. وأما فتواي في الانتخابات فكل عاقل كيِّس فطن يدرك ما ترمي إليه وما تهدف إليه وهو حفظ مصالح المسلمين عامة وأهل السنة خاصة حينما يتنافس على المناصب سواء كانت المحلية أو العامة أناس مختلفون فمنهم المستقيم ومنهم المنحرف : كالرافضي والشيوعي والبعثي درءا لمفسدة هؤلاء وإبعادا لهم عن الاستيلاء التي يعبرون من خلاله إلى الإفساد في العباد و البلاد فإني أدعوا والحال هذه أهل السنة أن يرشّحوا منهم من يثقون من دينه وأمانته وحسن سياسته أو يصوّتوا إلى من يطمعون في تحقيقه المصالح وإيفاء الحقوق ودرء الشر عن البلد وأهله هذا ما توصل اجتهادي إليه والله أسال أن يحفظ العراق و يجمع خواصها وعوامها على ما رضيه للعباد والبلاد من الإسلام والسنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرره عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري المدرّس بالجامعة الإسلامية سابقا وكان بعد عشاء الاثنين 29 من محرم عام 1430هـ وبالله التوفيق
....................................
تعليق شيخنا يحيى –حفظه الله- عليها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ﴾، وقال تعالى لنبيه الكريم ﷺ: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ وما أحسن ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله: فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ، إِلَّا مَنْ سَلَّمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِرَسُولِهِ ﷺ، وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِه. اهـ
قال شارحه ابن أبي العز رحمه الله (199): أيْ: سَلَّمَ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهَا بِالشُّكُوكِ وَالشُّبَهِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَة. اهـ
لو أخذ الشيخ عبيد بهذه الأصول وأمثالها؛ لما لجأ في هذه الفتوى المنحرفة إلى هذه الدعاوى المخترعة لضرورة هذه الدعوة الحارة؛ التي نادى بها أهل السنة إلى الانتخابات، بما لا فرق بين هذه الدعوة إلى الانتخابات، وبين تعلّلات الإخوان المسلمين في دعوتهم، الواضح بطلانها بالكتاب والسنة إلى الانتخابات، التي قد بينها أهل السنة فيما قد لا يحصيه إلا الله من الكتب والأشرطة.
أملاه فضيلة الشيخ أبو عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله-
بتاريخ الأربعاء 2/صفر/1430هـ
....................................
وهذا التعليق الذي بين يديك يعد تأييدًا ومناصرة وتتميمًا، وإن شئت سمه شرحًا لما قاله شيخنا يحيى –حفظه الله-، حيث بينت فيه الانحرافات والتناقضات والمخالفات في هذه الفتوى على سبيل التفصيل، مع بيان أوجه التشابه بينها وبين فتوى الإخوان المسلمين، وجعلته على فصلين وخاتمة.
الفصل الأول: بيان عام
وفيه مناقشة فحوى هذه الفتوى من حيث العموم، وبيان حجم خطورة هذه الفتوى وانحرافها، ليحذر كل مسلم من أن يعمل بها، فهي مناقشة عامة للفتوى جعلته على نقاط:
النقطة الأولى: كان السائل محتاطًا في سؤاله، سالكًا سبيل الاحتراز، حيث حصر السؤال والأمر في: (الانتخابات المحلية) وأكد هذا الأمر، فاستثنى الانتخابات العامة السياسية -والتي هي: النيابية والرئاسية- فلعله لعلمه بالطامات العظام التي تحصل في وبعد الانتخابات النيابية والرئاسية مما هو أشد وأسوأ من الانتخابات المحلية- وهذا لا شك فيه- فلذلك احترز حتى لعله لا يفاجأ بالإنكار الشديد، والتنفير الأكيد، الذي عهد عند أهل السنة، ولكن للأسف وجد الأمر خلاف ذلك، وفوجئ بعكسه، ووجد الباب أوسع مما كان يتوقع،
فجاءت الفتوى عامة من وجهين:
أولًا: عمومها في كل انتخابات.
ثانيًا: عمومها في كل قطر، وليس في العراق فحسب؛ -كما سيأتي بيانه- وإذا قال قائل: بل مفاد هذه الفتوى أنه ولو كان في بلاد الكفار، حيث أن الشيخ أطلق ولم يقيد ما دام الباب مفتوحًا للتنافس، كان له وجهة نظر قوية.
النقطة الثانية: ليعلم الشيخ عبيد أرشده الله أنه بفتواه هذه قد صنع معروفًا للإخوان المسلمين، وقدم لهم خدمة عظيمة؛ حيث أنهم يرون حصول مثل ذلك من عالم سني حلمًا، وسيفرحون بها وسينشرونها، لأنه كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (لا فرق بين هذه الدعوة إلى الانتخابات، وبين تعللات الإخوان المسلمين في دعوتهم)، فما برح أهل السنة يردون على شبه الإخوان المسلمين التي يلبسون بها على العوام، وها هي اليوم تظهر نفس هذه الشبه، ولكن بثوب جديد، ولهجة غريبة، واضطراب وتناقض، وإسهاب في الكلام، وأيضًا من عالم جديد!!!
وهذه الشبه والتأولات التي جاءت في هذه الفتوى، فهي وإن كانت هزيلة جدًّا إلا أن صاحب الهوى كالغريق يتشبث بما يستطيع أن يتناوله ولو بالطحلب! أما أهل السنة -فبحمد الله- هم على ثبات من أمرهم، لا يتأرجحون بتأرجح الأقوال، ولا ينخدعون بزخارفها، مهما كان قدر المزخرف.
النقطة الثالثة: صدر الشيخ –أرشده الله- فتواه بذكر منهج أهل السنة وبعض قولهم في الانتخابات، ثم طفق يخالفها وينقضها ويحيد عنها، فظهرت هذه المقدمة كالمظلة للفتوى فحسب، أو كالحمية التي تستخدم للتقية فحسب، فذكره لها –والحالة هذه- لا يحتمل إلا أمرين لا ثالث لهما:
الأمر الأول: إما أنه ليأخذ لنفسه الحيطة، فإذا أنكر عليه، أجاب بما ذكره من منهج أهل السنة، فيقول: قد قلت...وقد قلت..
الأمر الثاني: وإما أنه –أرشده الله- عرف مجرد النص، ومجرد لفظ أهل السنة في موقفهم في الانتخابات فحسب، دون فهم المعاني ومعرفة الآثار السيئة، والأدلة التي استدل بها أهل السنة، وهذا يذكرني بمذهب المفوضة الذين عرفوا نصوص الصفات وأقروا بها، لكنها معرفة مجردة عن المعاني، فهي عندهم بمنزلة الحروف الأبجدية، أو بمنزلة الكلام الأعجمي عند من لا يحسنه، وهم بهذا أعظم إساءة من المعطلة، لما يلزمهم من اللوازم الفاسدة.
فكأني بالشيخ –أرشده الله- ما عرف حقيقة الديمقراطية، ووليدتها الانتخابات، وحفيدتها التعددية الحزبية، وما فيها من هدم للإسلام! فلذلك حاربها أهل السنة وقالوا فيها ما قالوا باللسان والبنان، كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (بينها أهل السنة فيما قد لا يحصيه إلا الله من الكتب والأشرطة)، فهل الشيخ –أرشده الله- رمى بذلك كله وراء ظهره، واعتمد على اجتهاده الخاطئ البعيد عن الصواب، المجرد عن الدليل، بل المخالف للدليل.
ومما يؤيد الاحتمال الثاني –أي: عدم معرفته بحقيقة الانتخابات وتوابعها- أنه لم ينبه على تبعاتها وسيئاتها والمخالفات الكثيرة، التي من أجلها قال أهل السنة فيها ما قالوا، والتي من أكبرها: الديمقراطية والتي كان يسميها الإمام الوادعي: بأم الخبائث!
فكان حسب الشيخ عبيد -أرشده الله- أن يأخذ بالأصل الذي ثبت عند أهل السنة، فيفتي به ويريح نفسه من الدعاوى المخترعة، كان ذلك أسلم له ولغيره، فلذلك أقول:
النقطة الرابعة: هل تعلم يا شيخ –أرشدك الله- أن تجويزك للانتخابات يلزم منه تجويزك للديمقراطية، والإقرار بها؟ وهكذا أيضًا تجويز التعددية الحزبية، والإقرار بها –ولابد-؟ وإن لم تكن ملتزمًا به؛ فإنه يلزم من جوزها، ولذلك؛ الإخوان المسلمون وأضرابهم –الذين يعرفون حقيقة الانتخابات- عندما ألزموا بذلك التزموا به، ثم غيروا وبدلوا، وحرفوا وتأولوا، فضاعوا ففسدوا وأفسدوا.
أتدري يا شيخ عبيد لماذا تلزم بذلك؟! الجواب: لأن الدخول في الانتخابات دخول في شباك الديمقراطية، فالمجوز لها هو أحد المروجين للديمقراطية في البلاد الإسلامية –شعر أم لم يشعر- وذلك لأمور:
أولها: أن الانتخابات -يا شيخ عبيد- الحاصلة في البلد المسلم إنما هي نتاج الديمقراطية، فهي التي حملت بها، وهي التي ولدتها، وهي الطريق الوحيد إليها، فلم تصل إليهم إلا بها، فهي سلم الوصول إليها، فالانتخابات هي العمود الأساسي التي ترتكز عليه الديمقراطية، ولا ينكر ذلك أحد ممن عرف الحقائق لا ممن جهلها، وإن كذبتني فاسأل الانتخابيين والديمقراطيين.
ثانيها: أنه لا يمكن أن يقبل المرشح لها، إلا إذا أقر وقبل بالديمقراطية نظامًا للدولة، مع الموافقة على قبول التعددية السياسية.
ثالثها: أن الديمقراطية هي التي ضمنت لذلك(السني الحاذق) –حسب زعمك- حق الترشيح وحق التنافس، وإلا لما قبل ذلك السني أصلا، فإذا لم يقبل استطاع أن يأخذ هذا الحق ولكن؛ بالديمقراطية، لا بالشريعة الإسلامية.
فعلم من ذلك: أن الانتخابات هي الديمقراطية، والديمقراطية هي الانتخابات، فهي منها بمنزلة الرأس من الجسد، فلا ديمقراطية بغير انتخابات وكذا العكس، فلا ينفك أحدهما عن الآخر لما بينهما من التلازم.
ولذلك -كما أسلفنا- لما أُلزم الإخوان المسلمون بذلك فلم يجدوا مخرجًا، ما كان منهم إلا أن قالوا: وماذا في الديمقراطية؟!! وماذا في التعددية الإسلامية؟!! الغاية تبرر الوسيلة! والمسألة فيها تفصيل! الديمقراطية قسمان! والديمقراطية هي الشورى الإسلامية!! فهي: (الشورقراطية)، إلى غير ذلك من الأقاويل التي أوحاها إليهم الشيطان وزينها لهم، كما قال تعالى: ﴿يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا﴾، فبسبب عنادهم زاغت قلوبهم ﴿فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم﴾ فعلى المسلم ألا يتجلد للباطل، فإنما هو استدراج واستطراد منه إلى غيره، فهل تنبه الشيخ –أرشده الله- لذلك؟! فإننا نخشى أن نسمع بعد أيام بمثل ذلك ممن لم نكن نتوقع!!!
النقطة الخامسة: هل تعلم يا شيخ أن الفتوى بتجويز الانتخابات تعاون على الإثم والعدوان والظلم، وإقرار للباطل، بل دعوة إليه؟! -فكيف يكون الحال إذا اقترنت هذه الفتوى بدعوة الناس إليها؟! فلا شك أن المصيبة تعظم على هذا الداعي- وذلك لأمور:
أولها: لأن الانتخابات الطريق الموصلة إلى (تأليه الأغلبية)، ثم قبول ما شرعته هذه الأغلبية.
ثانيها: لأنها الطريق الموصلة إلى جعل حكم الله بالخيار، كأنه رأي من الآراء القابلة للأخذ والرد.
ثالثها: لأنها الطريق الموصلة إلى الخضوع لغير حكم الله ووجوب قبوله واعتماده، إذا حصل الاتفاق عليه، لأن الشعب هو الذي اختارهم على أ ن يقبل ما يأتي منهم، وهذا من العبودية لغير الله.
رابعها: لأن الانتخابات طريق موصلة إلى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، أو مجلس الشورى، الذي جمع بين النطيحة والمتردية، بل وبين الذكر والأنثى، وبين الصالح والطالح، فساوى بين الجميع، وقد قال تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾، وقال جل وعلا: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾،وقال سبحانه: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾، بل وساوى بين حكم الله وبين حكم الكفار والفجار، والله عزوجل يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلهِ﴾، ويقول: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
خامسها: لأن الانتخابات مستوردة من الكفار -كما أفاد الشيخ عبيد في مقدمة فتواه- فقبولها تشبه بهم، والنبي ﷺ يقول: «ومن تشبه بقوم فهو منهم»، ويقول: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
سادسها: لأن الانتخابات من أهم ما تعتمد عليه كبيرة من كبائر الذنوب ألا وهي: التصوير، فما يحصل تصوير ولا نشر للصور أكثر مما يحصل في زمن الانتخابات.
سابعها: لأن الانتخابات أعظم اسطوانة لإبليس، جمعت أكبر عدد ممكن من المعاصي، أسرد لك بعضها على سبيل الاختصار:
1) مساواة حكم الله بحكم غيره. 2) مساواة المسلم بالكافر. 3) مساواة البر بالفاجر. 4) مساواة الرجل بالمرأة. 5) التفرق والتحزب. 6) توسيد الأمر إلى غير أهله. 7) شهادة الزور. 8) اختلاط الرجال بالنساء. 9) إخراج النساء من خدورهن. 10) تبرج النساء للتصوير. 11) تضييع للولاء والبراء الشرعي. 12) تبذير بالأموال. 13) الحسد. 14) التباغض والتنافر. 15) التهاجر. 16) الكذب. 17) الخديعة. 18) القتال. 19) تضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 20) تضييع الأوقات. 21) إدخال السرور على أعداء الإسلام من يهود ونصارى ومن شايعهم بما حصل لهم من تمكن في نشر فسادهم، ونجاح مكرهم وكيدهم بالمسلمين.
فبان بذلك: أن الدعوة إليها أو تجويزها –بتلك التعللات التي هي في الحقيقة خيالات- إساءة إلى دين الإسلام، وأنه تعاون محض على الإثم والعدوان، فلتتق الله أيها الشيخ فيما صدر منك.
النقطة السادسة: هل تعلم يا شيخ–أرشدك الله-أن الدعوة والنصح بالانتخابات خلل في العقيدة السلفية؟!! وذلك لأمور كثيرة، منها:
1) ما مضى ذكره في النقطة الخامسة عند الأمر السابع.
2) ولأنها أيضًا تثبيت للديمقراطية التي فيها تضييع الحكم بما أنزل الله، لأن معنى الديمقراطية حكم الشعب نفسه بنفسه، والله عزوجل يقول: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ﴾، ويقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلهِ﴾.
3) ولأنها تتضمن الدعوة إلى منازعة الحكام، وعدم الصبر عليهم، وشق عصا المسلمين.
ومن عقيدة السلف الصالح: نبذ الفرقة والاختلاف، والنهي عن شق العصا ومنازعة الحكام، والخروج عليهم، سواء كان بالسنان، أو باللسان والبنان، وإن كانوا ظالمين جائرين، ماداموا مسلمين، مع الصبر عليهم ومناصحتهم والدعاء لهم، قال الطحاوي –رحمه الله-: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة. اهـ
والانتخابات، والإعلام الانتخابي، والشعارات الانتخابية من أعظم وسائل الخروج، وتهييج الشعوب.
وقال ابن أبي العز: وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل، قال تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾، وقال تعالى: ﴿أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم﴾، وقال تعالى: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾، وقال تعالى: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون﴾، فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم، وعن مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله: أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم. اهـ((
فيالها من نصيحة ذهبية قيمة من سلف الأمة، مستقاة من الكتاب والسنة، تبين أن صلاح أوضاع المسلمين لا يكون إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة، والتوبة الصادقة، والصلاح والإصلاح، فهذا هو السبيل الصحيح لتصحيح وضع الأمة، وهو طريق الأنبياء –عليهم السلام-، لا سبيل الانتخابات الطاغوتية.
النقطة السابعة: بان مما مضى أن فتوى الشيخ عبيد فيها توريط أيما توريط لذلك الرجل الذي قال عنه: (صاحب سنة وحاذق في السياسة)، فيا ترى من هذا السني الذي أعزه الله بالسنة، يرضى أن يعرض نفسه للهلكة، بعد ما مضى ذكره من المساوئ والموبقات التي في الانتخابات؟! ومن هذا السني الذي قال عنه: (يثقون من دينه وأمانته)، بأن يرضى أن يجلس على مائدة واحدة فيها الأبرار والفجار، وفيها النساء المتبرجات الجريئات منزوعات الحياء، يرفعن عقيرتهن بالباطل، وفيها العبث بشريعة الإسلام، وفيها الرافضي والشيعي والصوفي، الذي يتبجح بالباطل؟!! وصاحبنا السني (الموثوق بدينه وأمانته!) ساكت عن ذلك كله، وممنوع من التحذير والإنكار، وأيضًا ومن الخروج، فيكون سببًا لإهانة نفسه كل الإهانة، وإهانة أتباعه، بل وإهانة الدعوة التي ينتسب إليها، فَلَهذا المجلس وأمثاله أحق بقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾، فيا ترى من هذا السني –المزعوم- الذي جند نفسه للإقرار والاستسلام والانقياد للقرارات المخالفة لشريعة الإسلام؟!! لكنها حازة بالأغلبية، فوالله وبالله؛ إن ذلك لمن أعظم الإساءة لذلك السني، الذي ربما كان خطيبًا، صاحب لحية كثة، فيجلس تلك المجالس المليئة بالخبائث.
وليسمح لي الشيخ أن أقول له: هل ترضى لنفسك أن تكون ذلك الرجل السني الحاذق الموثوق بدينه وأمانته! الذي يتقدم للترشيح في هذه الورطة لتكون سببًا في إسقاطه؟!!!
النقطة الثامنة: إن الرجل إذا كان يدعي السنة، ثم تقدم للترشيح في الانتخابات، فإننا لا نعده سنيًّا؛ لإخلاله بدينه وعقيدته وبالمروءة أيضًا -كما تقدم إيضاحه- وإضافة إلى ذلك أقول أيضًا: إنما حكمنا بعدم سنيته لما مضى ذكره في النقطة السادسة، ولأنه أيضًا: لا يمكن أن يقبل أي رجل أو أي جماعة للدخول في الانتخابات، إلا بشروط يوافق عليها، وهي تتضمن تنازلات عما كان عليه من الحق والسنة، وإليك بعضها ليحذر المسلم من أن يعرض دينه للهلكة، ثم إذا سلمه الله من ذلك ليحذر أيضًا من أن ينصح غيره بها:
1) الالتزام بالدستور، وقوانين مجلس النواب ولوائحه، أي ولو كانت مخالفة للحق.
2) عدم انتقاد الأفكار التي مع الأحزاب الأخرى، مع الاعتراف بها.
3) موافقته على أن يكون قوله –ولو كان من تعاليم الإسلام- كالأفكار الوضعية الأخرى قابلة للنقاش والرأي، والحكم بعد ذلك للأغلبية.
4) الموافقة على قبول التعددية السياسية العقدية.
5) الموافقة على قانون ميثاق الشرف بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية، وهو: (ألَّا يكفر ولا يفسق ولا يبدع بعضهم بعضًا).
فبان لنا من ذلك: أن من ترشح ممن زعم المزاعم الكاذبة، غايته في المآل الكراسي وليس الإسلام، ولذلك كان شيخنا مقبل –رحمه الله تعالى- يقول: (هؤلاء دجالون ما هم بعد الدين، ولكن بعد الكراسي والدرهم والدينار).
النقطة التاسعة: ليعلم الشيخ عبيد –ومن طمع في الانتخابات خيرًا- أنه لم ولن يحصل لهم بها ما يرمون إليه، -أو بصحيح العبارة ما يزعمونه- لأمور:
الأمر الأول: لما ينتهك فيه من حرمات الله، التي مضى ذكر بعضها في النقطة السابعة، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، ويقول: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ﴾، وهل من اقتحم الانتخابات بما فيها من تعدي حدود الله يعد ناصرًا لدين الله، حتى يستحق النصر من الله وهو قائم في معصية الله؟!!!
الأمر الثاني: لأنهم وإن برروا لأنفسهم التبريرات الباردة، والمزاعم الكاذبة، إلا أنهم ومع ذلك كله لا يضمنون لأنفسهم النجاح، بل هم إلى الآن باءوا بالفشل في كل مكان، فكم للإخوان المسلمين في هذا الميدان، فلماذا إلى الآن لم يتمكنوا من البلدان.
الأمر الثالث: لأنه قد حصل لبعض الجماعات الإسلامية بما يسمونه الفوز في الانتخابات، ومع هذا لم تُسَلَّم السلطة لهم، لأنه لا يمكن أن يسمح النظام الغربي الكافر أن تقوم للإسلام قائمة عن طريق الديمقراطية، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾.
الأمر الرابع: لأنهم إن مكنوا من السلطة عن طريق الانتخابات –وأنى لهم ذلك!- فلن يحصل لهم بهذه الطريقة إقامة الحكم الإسلامي الخالص وذلك لسببين:
أحدهما: أنهم معرضون بعد سنوات للإطاحة بهم عن طريق الانتخابات!
والسبب الآخر: لأن العلمانيين وغيرهم من أهل الانحراف قد ضمنوا لهم الحق بذلك، لبقاء أصولهم لوجود ثوابت في النظام الديمقراطي، تضمن لهم حرية الفكر ونشره، إذًا فالعلمانيون عندهم ثقة وتأكد أن الكفة بأيديهم، والله عزوجل يقول: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾، ويقول: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾، ويقول: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
فبان بذلك: أن هؤلاء وإن تحصلوا على مقاعد؛ فهم بين خيارين أحلاهما مُرٌّ: إما أن يستمروا في تطبيق الديمقراطية، وإما أن يخرجوا من تلك المقاعد، فإن طبقوها وقعوا في العلمنة وتعلمنوا كما تَعَلْمَنَ غيرهم، وإن تركوها ورفضوها، سحبت المقاعد من تحتهم، بل رمي بهم في الشارع، وإلا فالبحار من الدماء، ويكونون بذلك قد ضيعوا الجهود والأموال الطائلة، بل ضيعوا ما هو أعظم من ذلك؛ وهو دينهم إن لم يبادروا بالتوبة، وذلك كله؛ لأنهم سلكوا غير طريق الأنبياء وأتباعهم في إصلاح العباد والبلاد، بل الطريق التي سلكوها تخالف طريقتهم وتباينها، والله تعالى يقول: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾، ويقول: ﴿فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾.
فتحصل لنا من ذلك: أن حصولهم على المقاعد لا يعني أنهم انتصروا، بل هو الفشل المزري، وانظر مزيدًا لذلك: (تنوير الظلمات).
فهل تفطن الشيخ عبيد لهذه الأمور الخطيرة التي تحيط بفتواه؟ التي لم تلق عند أهل السنة المتبصرين قبولًا ولا مكانًا، إلا برميها وراء ظهورهم، وردها على صاحبها، كما ردوا غيرها من الأفكار المنحرفة، والآراء الباطلة، وإن صدرت من كبير، والحق أكبر من كل كبير، والحق ظاهر على كل دين، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾.
....................................
الفصل الثاني: بيان خاص
في هذا البيان نتتبع فيه ألفاظ الفتوى، ونبين أوجه الانحراف والتناقض الواقع فيها، ونتعرف من خلاله على أوجه المشابهة بين فتوى الإخوان المسلمين وهذه الفتوى، ونظهر فيه حقيقة الضرورة المخترعة الهزيلة التي ادعاها –وهي تختص به- والتي أباحت له طاغوت الانتخاب، فاعتمد على هذه الضرورة المدعاة! وعلى صورها المتشابهة، فجعلها قاعدة لهدم ما تقرر عند السلفيين بالكتاب والسنة، فإنهم لم يتكلموا فيها عن هوى، ولكن بأدلة وواقع عاشروه، لا يخفى على صغار أهل السنة فضلا عن كبارهم.
فجاءت تلك الفتوى المنحرفة لتطيح بالجهود الجبارة من كتب وأشرطة بـ (وريقة) غاية ما احتوت عليه: تعللات فاسدة، وظنون كاذبة.
فليتق الله امرؤ في نفسه؛ أن يخوض بحرًا وهو لا يحسن السباحة، فيسيء ولا يحسن، وربما غرق فهلك.
وقد جعلت ما وعدتك به في هذا الفصل على نقاط:
النقطة الأولى: قال الشيخ عبيد في المقدمة عن الانتخابات أنها: (بدعة دخلت على أهل الإسلام، عن طريق بعض أهل الإسلام المنحرفين، مروجون لها عن غير أهل الإسلام، فنفذت، فأصبحت لا بد منها) !!! فكأنها بدأت الضرورة من هاهنا عند الشيخ؛ فإننا نقول: وإن قبلها المسلمون وطبلوا عليها في كل بلد، فلن يصيرها ذلك (بدًّا) لا بد منه، ولن يغير أهل السنة موقفهم منها، وكم من بلد فيها هذا النظام الديمقراطي الطاغوتي، ومع هذا فأهل السنة المبتعدون عنها المنفرون منها يتمتعون باستقرار الأوضاع ولم يكونوا مضطرين للدخول فيها.
ثم قوله: (فأصبحت لا بد منها) ما يشعر أنها مفروضة عليهم، بحيث لا يستطيعون الخلاص منها، وليس الأمر كذلك؛ ولعل ذلك يكون من صور الضرورة عند الشيخ عبيد!!!
النقطة الثانية: ذكر الشيخ حكم الانتخابات، ثم نقض الحكم باستثناءات ساذجة من استثناءات الإخوان المسلمين، لينهدم به الحكم الذي تقرر عند أهل السنة، ويتقوى به أساس الإخوان المسلمين والملبسين فقال: (لا يجوز الدخول في الانتخابات أصلا، إلاّ لضرورة تعود على من تركها بالضرر عليه في دينه أو دنياه أو في كليهما)، فيا سبحان الله! ما هذا التوسع يا شيخ؟! من تضررت دنياه فلينتخب ليضر بدينه أيضًا، أو من حصل له ضرر وبلاء بسبب دينه فلينتهك حرمة الانتخابات، ليعظم البلاء في الدين!!
وقد عرفت أخي القارئ –رعاك الله- في الفصل الأول: حجم الضرر الديني والدنيوي في الدخول في سلك الانتخابات، فقارن بينه وبين الضرر الذي هو ضرورة عند الشيخ. ((
ثم ليعلم الشيخ أيضًا: أن الإخوان المسلمين ينصون على ما تنص عليه، ويقرون بفحش الانتخابات، ولكن يقولون نحو قولك: (ألجأنا لذلك الضرورة، أما ترون الفساد الحاصل، والتلاعب بأموال المسلمين، وتضييع الحقوق؟ أما ترون الفساد الديني الحاصل، تباع الخمور، وتدعى النساء للتبرج والسفور، وأقيمت دور للربا والزنا؟ إلى غير ذلك ...ثم قالوا: فكيف تتغير هذه الأحوال إذا لم يترشح الصلحاء؟!)، وإذا تأملت أخي القارئ هذه الفتوى؛ وجدت فيها مثل هذه الدعاوى.
فإذا قيل لهم: لكن الانتخابات حرام. قالوا: (الضرورات تبيح المحظورات)، (الغاية تبرر الوسيلة).
فعلى هذا؛ لو لم يكن من الضرر الدنيوي إلا (أخذ الضرائب والجمارك ونحوها) كان ذلك مبيحًا للانتخابات، إذا كان مقصد المرشَّح القضاء عليها، لما فيه من الاعتداء وأكل أموال الناس بالباطل، فمفاد هذه الفتوى أن يتوجه الناس إلى الانتخابات لأجل هذا الغرض!
النقطة الثالثة: ومما تدل عليه هذه الفتوى من البطلان: جواز الانتخابات مطلقًا وفي كل بلد، وفي كل زمان –قديمًا وحديثًا- يعني: إذا كان من المرشحين ممن سماه بأنه صاحب سنة، وذلك لأمرين:
أحدهما: لأنه نص على ذلك الإطلاق بقوله: (في أي دولة كانت).
والأمر الثاني: لأنه جعل للجواز شرطًا، وهذا الشرط موجود في كل بلد، وهو: التمكن من الترشيح.
فتأمل معي في قوله: (إذا تيقن أهل السنة خاصة والمسلمون عامة، أنهم إذا لم يدخلوا في هذه الانتخابات في أي دولة كانت؛ تُهظم حقوقهم ولا تستوفى، لأنهم لم يرشحوا أحدًا، فهنا نرى أن يدخلوا الانتخابات من أجله، تحقيقًا لمصالحهم، واستيفائهم حقوقهم، وتمكينهم من أخذ ما هو حق لهم).
فهل ظهر لك أخي القارئ ما ذكرته لك؟ فإن أدعياء السنة في كل مكان ما تقدموا للترشيح، إلا لضمان حقوق المسلمين واسترجاعها، فإنه ما من بلد إلا وفيه ما فيه من هظم الحقوق والجور، والشعار الانتخابي لكل مرشح: (نعم للإصلاح، لا للفساد، نعم لإقامة العدل والمساواة، ومحاربة الفساد الاقتصادي والديني، ومحاربة الظلم.....).
وبناء على ذلك فإني أقول:
أولًا: إن ما يرمي إليه الشيخ من الأهداف والمقاصد –أي من وراء الانتخابات- هو ما يرمي إليه الإخوان المسلمون ويتباكون عليه.
ثانيًا: بل أقول: إن ما يرمي إليه الإخوان المسلمون أعلى وأسمى وأشرف –وهو علو نسبي ليس حقيقيًّا- مما يرمي إليه الشيخ –كما يتضح للقارئ مما ذكره الشيخ ومما يقول الإخوان المسلمون- فكان الإخوان المسلمون أحسن حالًا منه؛ في ذكر الذرائع التي جوزوا بها الانتخابات، لأنهم زادوا عليه في المبررات بما لا تساوي مبررات الشيخ الجابري أمامها شيئًا.
فإذًا؛ هنيئًا للإخوان المسلمين هذه الفتوى ليتشبعوا بها، فهي لهم وليست لأهل السنة كما يظن الشيخ!
والذي يحيك في صدري الآن تساؤل، وهو: من متى كانت هذه الفتوى على هذا الحال؟ ولماذا لم تخرج إلا الآن؟ وأين كانت مدفونة، حيث؛ وأنها قد اقترنت بدعوات حارة للولوج في الانتخابات؟ كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (هذه الدعوة الحارة التي نادى بها أهل السنة إلى الانتخابات)، وعندما تتأمل في الفتوى؛ تجد مجموع هذه الدعوات والإباحات خمسًا!!
وهذا يذكرني بما حصل من أبي الحسن المصري من الأصول الفاسدة بعد موت العلامة الوادعي وغيره من الأعلام! ثم وضع الجواب بغير سؤال فقال: (ذهب زمن الخوف)!!!
النقطة الرابعة: ومن أعجب ما ترى في هذه الفتوى صور الضرورة، التي أسهب الكلام فيها، والتي أباحت الاعتداء على حرمات الله التي بنيت بها الانتخابات، كما ظهر لك ذلك جليًّا في الفصل الأول، وهذه الصور تتلخص في أمرين:
أحدهما: حصول ضرر ديني أو دنيوي، كأن تهظم الحقوق، أو لا يحصل استيفاء لها، يعني: إذا هظم حق فَالْجأوا للانتخابات! أو إذا حصل نقص فيه فإلى الانتخابات أيضًا استيفاء للحقوق!
والأمر الثاني: إذا حصل تنافس بين صالح وطالح –سواء كان هذا الطالح كافرًا كفرًا أصليًّا، أو كفره كفر ردة، أو كان مبتدعًا، أو مفسدًا- فمتى ما حصل هذا التنافس، فَالْجأوا إلى الانتخابات إبعادًا لهؤلاء عن الاستيلاء حتى لا يفسدوا!
وعلى ذلك من الملاحظات ما يلي:
1) لو سلمنا لك جدلًا: أن هذه الضرورة المزعومة مبيحة لهذا المنكر، فإنه يهدم ذلك: أنه قد ثبت بالنظر والتجربة أنها لم تندفع به المضرة المزعومة، بل ضاعفت الأضرار، الأمر الذي يدل على وقوع الفتنة بأصحاب الانتخابات لمخالفتهم أمر الله ورسوله، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
2) أن فيه توهم دفع مفسدة بمفاسد أعظم منها، حيث أن ما توهم اندفاعه بذلك غير صحيح أو غير متيقن، وإضافة إلى ذلك: حصول أضرار دنيوية ودينية من جراء الانتخابات -والتي قد مضى ذكر بعضها في الأمر السابع من النقطة الخامسة في الفصل الأول- فكيف يكون توهم دفع مضرة، ضرورة لارتكاب أضرار متيقنة، هي أعظم من دفع المفسدة المتوهمة؟! فهذا من دفع اليقين بالشك، بل؛ لو فرضنا أنه يقين فإنه دفع مفسدة بأعظم منها كمن يغسل البول بالحيض الأغبر! فكيف تقدر الضرورة عند الشيخ عبيد في جلب المصالح ودرء المفاسد؟ فهل تجلب مصلحة على حساب هدم مصالح أعظم منها؟ أو تدرأ مفسدة على حساب مفاسد أعظم منها؟ وهذا على تقدير أن المفسدة والمصلحة متحققة، فكيف إذا كانت معدومة أو متعذرة؟!
3) أن هذا يعد من إساءة الظن بالله أن يُجعل الحرام طريقًا لبلوغ المرام، فهذا كمن أراد أن يتخلص من حرارة النار، ولكن؛ عن طريق المشي فيها!:
رام نفعًا فضر من غير قصد*** ومن البر ما يكون عقوقا
4) أن هذه الضرورة المزعومة المبيحة عند الشيخ، كما أنها غير متيقنة، فإنها وإن حصل بها المقصود؛ فهو حصول مؤقت، يرجع مرة أخرى بالانتخابات كما ذهب بها، ويتنازل ذلك السني المزعوم عن مقعده بكل سهولة وبكل رضا ديمقراطي، ويسلم الأمر للرافضي راغمًا أنفه، بعد أن تنازل كل التنازلات على حساب دينه، لأنه صعد بدين الانتخابات والديمقراطية لا بدين الإسلام.
فبعد ذلك؛ ما ذا سيقول الشيخ؟ لا ينفع حينها ضرب الكفين أو الفخذين، أو ليت ولعل!!! وقد سبق نصح أهل السنة المستنبط من الكتاب والسنة، لكنه بسبب الإعراض والعناد يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولكن كما قيل:
يقضى على المرء في أيام محنته*** حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
5) أنه لا يخفى ما في كلامه من توسيع باب الضرورة، لتسهيل الوقوع في المحرم، والحق: أن أهل السنة في كل مكان لم يحصل لهم من الضرر ما لا يتحملونه بسبب تثبيت الله لهم على الحق وتركهم للانتخابات الدخيلة على الإسلام، بل صانوا بذلك دينهم ودنياهم، الأمر؛ الذي يدل على أن لا ضرورة في الانتخابات، إلا الضرورة المزعومة الواسعة عند الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم، ولذلك كان شيخنا مقبل –رحمه الله- يقول عنهم: (هؤلاء توسعوا في الضرورة حتى جعلوها مثل باب اليمن)!!! –وهو مدخل معروف لصنعاء القديمة- وكان يقول لهم أيضًا: (أنتم لستم مفوضين في دين الله، تبيحون للناس ما حرم عليهم) أي: عن طريق مثل هذه التأويلات الفاسدة، والتعللات الباردة، التي يخرجون بها عن تعاليم الكتاب والسنة، ومن النصائح المضيئة لسلفنا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (5/102): وجماع الأمر في ذلك: أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه. اهـ
6) أن الضرر الذي ذكرتَه لهذه الضرورة، لا تماثل، بل لا تقارب –أبدًا- الأضرار التي في الانتخابات، فهو لا يساوي منها شيئًا، فلو وَضعتَ هذا الضرر الذي ذكرتَه في كفة، ووضعت أضرار الانتخابات في كفة، لطاشت بهن أضرار الانتخابات، وعلمت حينها فساد تأصيلك يا شيخ عبيد!
ثم إن هذا الأمر –أي الضرر- في الحقيقة لا يضطرنا في إقحام أنفسنا في مخاطر الانتخابات، وإنما هي تعللات فاسدة، وظنون كاذبة، ودعاوى مخترعة، أُتي بها مقابل ما ثبت بدليله الصحيح الصريح النقلي والعقلي، والقاعدة تقول: (ما كان منافيًا لما ثبت بدليل، كان باطلًا بما ثبت به ذلك المنافي).
7) أن الطريق الشرعية الصحيحة لزوال هذا الضرر، وتحقيق المصلحة، هي طريق الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- وأتباعهم، بالرجوع إلى الله، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم، والقيام بأمر الله ظاهرًا وباطنًا، والتحذير من أهل الأهواء والضلال، وآرائهم المنحرفة، مع الصبر والصدق والإخلاص لله تعالى، فليست إلا هذه الطريق لإصلاح الحكام والمحكومين، بل لصلاح البر والبحر، وقد تقدم نحو هذا من كلام ابن أبي العز في النقطة الثالثة من الفصل الأول.
أما الانتخابات فلم ولن تكون حلًّا لتصحيح الأوضاع، كما يظنه الشيخ عبيد!! وظهر هذا الظن عندما قال: (تحقيقًا لمصالحهم واستيفائهم حقوقهم) وقوله: (وإبعادًا لهم عن الاستيلاء)، ولم ولن تكون يومًا سببًا لإبعاد أهل الزيغ والرفض عن البلاد، بل كانت هذه الانتخابات سببًا لاضطراب معايش الناس، حيث أنهم في كل فترة مع حاكم وأحكام جديدة.
النقطة الخامسة: وإذا تأملت في دعوة الشيح الحارة –التي جعلها نصحًا- عندما أوصى بالانتخابات عند حصول الضرر، وعدم استيفاء الحقوق –ولسان الحال يقول: إما أن تكفوا عنا ضرركم أيها الحكام، وتوفوا لنا حقوقنا كاملة، وإلا بيننا وبينكم الانتخابات- لوجدت في هذه الوصية مخالفة ظاهرة لقاعدتين عظيمتين من قواعد أهل السنة، التي زلت فيها أقدام أهل الأهواء، وشابهوا فيها أهل الجاهلية، وهما يتعلقان بموقف المسلم من الحاكم المسلم الجائر، الذي ألحق الضرر بالرعية ولم يوفِ لهم حقوقهم، وإنما آثر من يليه، فلعل الشيخ غفل عنهما عند ذكر هذه الفتوى، ثم لم يجد سبيلًا لذلك إلا الانتخابات.
ومِثلُ هذه القواعد لا تخفى على من عرف السنة، فضلا عمن يدعي العلم بها!!، والقاعدتان هما:
الأولى: الأمر بالسمع والطاعة للحكام، والصبر على ما يحصل منهم من ضرر، مع الدعاء لهم بالمعافاة، والنصح لهم بالتي هي أحسن.
الثانية: النهي عن منابذتهم وسبهم، والخروج عليهم ومنازعتهم الحكم، أو نزع يد الطاعة منهم، أو شق عصا المسلمين وتفريقهم.
وقد تضافرت الأدلة على ذلك من السنة، وإني أجد نفسي مضطرًا أن أُذَكِّرَ الشيخ ببعضها لعله يتذكر، فيذكر نفسه بهذه الوصايا، ويذكر غيره، ويُعرِض عن وصايا الإخوان المسلمين في هذا الجانب، الذين رفضوا منهج السلف، ورضوا بالتلف الذي في مذهب الخلف.
فإليك هذه الطائفة من الوصايا من مشكاة النبوة –على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم-:
الحديث الأول: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا»، أخرجه مسلم ونحوه من حديث عوف بن مالك.
الحديث الثاني: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصامت –رضي الله عنه- قَالَ: بَايَعَنَا رسول الله ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. متفق عليه.
الحديث الثالث: عَنْ وَائِلٍ بن حجر الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ، يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»، أخرجه مسلم.
الحديث الرابع: عن حُذَيْفَةِ بْنِ الْيَمَانِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ؛ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»، انفرد به مسلم، وأصله في الصحيحين.
فقارن أخي القارئ: بين هذا الحديث الذي أوصى فيه النبي ﷺ بالصبر، ولو أخذت الحقوق من أيديهم، بل ولو ضُربوا على ذلك! وبين هذه الفتوى التي فيها منازعة الحكام –شعر أم لم يشعر- عند حصول النقص في الحقوق!
الحديث الخامس: عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِي الله عَنْهما- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ؛ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، متفق عليه. أمر ﷺ بالصبر على المكاره، ولم يقل: فإن وجدتم حلًّا سلميًّا لإزاحته –كالانتخابات- فافعلوا.
الحديث السادس: عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، أخرجه مسلم.
الحديث السابع: عن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ –رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، أخرجه مسلم. وهل المنافس للحاكم المسلم بالانتخابات إلا منازع له يا فضيلة الشيخ!
الحديث الثامن: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا»، أخرجه مسلم.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا، التي تبين الموقف الصحيح مع الحاكم المسلم، وأما الدعوة إلى الانتخابات فإنها تخالف كل هذه الأحاديث، ومن أحسن المراجع وأمتعها في هذا الباب: كتاب الإمارة من صحيح مسلم، فيه جمٌّ غفير من الأحاديث العظيمة في هذا الباب، فما أحوج الإخوان المسلمين -ومن نحا نحوهم- أن يقرأوه، ففيه شفاء لهم بإذن الله إن استجابوا وعملوا به.
فكان الأولى بالشيخ الجابري: أن ينصح في هذا الموقف بعقيدة أهل السنة، وأن يسرد لهم مثل هذه الأحاديث.
فهل أدرك الشيخ الآن خطورة الانتخابات، وفساد فتواه التي تخالف هدي النبي ﷺ؟! والذي منه النهي عن سؤال الإمارة، والحرص عليها، وقد بَوَّب الإمام النووي في كتاب الإمارة من صحيح مسلم: (باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها)، وفيه حديث عبدالرحمن بن سمرة –رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال له: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا»، وحديث أبي موسى –رضي الله عنه- قال: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّه!ِ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّا وَاللهِ! لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ»، أما اليوم فلا يسألونها فحسب، بل يضحون بالأموال الطائلة من أجلها، بل لربما ضحوا بأنفسهم من أجلها، بل –وأعظم من ذلك- يضحون بدينهم! فإنا لله وإنا إليه راجعون، وليس العجب من ذلك فحسب؛ ولكن العجب من أدعياء العلم الذين ينسبون هذه الأفاعيل للإسلام من الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم.
النقطة السادسة: وأعدل شاهد على التناقض والاضطراب في هذه الفتوى، قوله: (والخلاصة في شيئين: أولهما: لسنا داعين إلى الدخول في الانتخابات في أية دولة كانت على الإطلاق، بل الأوْلى عندنا تركها إلا في الضرورة التي لابد منها).
لي أخي القارئ مع هذه الخلاصة أربع وقفات، أبين فيها صريح التناقض والاضطراب الذي حصل في هذه الفتوى، الأمر الذي يؤكد عدم معرفة الشيخ بحقيقة الانتخابات، وعدم فهم فتوى أهل السنة فيها، ولقائل أن يقول: إن هذا الأمر يدل على أن الشيخ الجابري لا يعرف معنى بعض كلامه الذي يتكلم به، وسيظهر لك ذلك جليًّا عند قراءة الوقفات.
الوقفة الأولى: أن هذا الكلام رجوع منه إلى الخلف بعد كلامه الطويل، الذي تكلف فيه لتجويزها، فقوله: (لسنا داعين) ينقضه قوله: (فأنصح أهل السنة أن يصوتوا لجانب السني) وقوله: (لأهل السنة إن تمكنوا أن يرشحوا رجلًا أو رجالًا) وقوله: (فهنا نرى أن يدخلوا في الانتخابات) أليست هذه الكلمات صريحة في الدعوة إلى الانتخابات؟ وأصرح منها في الدعوة عندما قال: (فإني أدعو -والحالة هذه- أن يرشحوا منهم....)، فيا سبحان الله! وهذا بعد قوله: (لسنا داعين) فما هذا التناقض الصريح؟ وأنت قد خللت فتواك بدعوة حارة، كما تفضل شيخنا يحيى –حفظه الله- بقوله: (دعوة حارة نادى بها أهل السنة إلى الانتخابات)، ومضى أخي القارئ الحجة الواهية التي بها تذرع لهذه الدعوة.
ثم إن قوله: (إلا في الضرورة) لا يفيد أن إباحتها ضيقة جدًّا عنده، بل هي واسعة عامة، لأنه بان -كما مضى في النقطة الرابعة من هذا الفصل- أن هذه الضرورة المدعاة، موجودة حاصلة في كل بلد ديمقراطي، فبان بذلك عموم هذه الفتوى، فإذًا لا داعي للاستثناء، فإنه في غير موضعه، لأنه تقييد لا مفهوم له.
ثم هنا لفتة لقوله: (إن تمكنوا)، فنبشر الشيخ أن أهل السنة لهم الإمكان من الترشيح في كل بلد ديمقراطي، لكن لم يأذن لهم دينهم بالدخول فيها، لأنها –كما مضى- لها شروط حقيقتها: الخروج من السنة. بل أحب أن أنبه الشيخ: أن الديمقراطيين يتمنون دخول أهل السنة فيها، ومستعدون أن يدفعوا لهم الأموال الطائلة لأجل ذلك، من أجل أن تروج بهم الديمقراطية، لأنهم –بحمد الله- قد أثَّروا على الملايين من الناس في بيان حكم الانتخابات، حتى قاطعوها، إذًا فلا داعي –أيها الشيخ- لهذا القيد وهو قولك: (إن تمكنوا)، فكأني به يظن أن من الأسباب التي من أجلها حرم أهل السنة الانتخابات: عدم تمكنهم منها، أو حيث لم يوجدوا فيها، وهذا يؤكد كما قلت سابقًا: عدم معرفة الشيخ بحقيقة الانتخابات، وأن وقوعه في مثل هذا الزلل ليعد خذيلة عن التوفيق، لأمور يعلمها الله.
الوقفة الثانية: أن قوله: (في أية دولة كانت) ينقضه قوله بعد ذلك: (أنه إذا تيقن أهل السنة خاصة والمسلمون عامة، أنهم إذا لم يدخلوا في هذه الانتخابات في أي دولة كانت تُهظم حقوقهم ولا تستوفى......) شاهدنا نفي الدعوة إليها في أي دولة كانت، ثم أجازها بقيوده الخاصة في أي دولة كانت، وحقيقة هذه القيود تؤكد جوازها في كل بلد، لأنه ما من بلد إلا وفيه ما فيه من الظلم والأثرة وهظم الحقوق، وإلا فقل لي يا شيخ؛ ما هو القطر الديمقراطي الذي لم يترشح فيه أهل السنة ومع ذلك أعطيت حقوقهم كاملة، ولم يهظم لهم حق؟ نبئنا عن هذا البلد الذي لا تجوز فيه الانتخابات؟! وأنا أضرب لك مثالًا ببلدنا الميمون اليمن، لم يشارك أهل السنة في الانتخابات ومع ذلك كم من الحقوق التي هظمت لهم ولغيرهم –كسائر البلدان-، فهل تنصح أهل السنة باليمن وغيرهم -والحالة هذه- بالدخول في الانتخابات؟ لأن صور الضرورة الخاصة بك، كلها موجودة فيها وأعظم من ذلك. فما هو الجواب؟ أفيدونا أثابكم الله.
الوقفة الثالثة: قوله: (على الإطلاق) لا فائدة فيه، فذكره هنا حشو، لأنه -كما مضى- نقض هذا الإطلاق؛ فقيده وخصصه واستثنى منه، ثم حكم عليه بالإعدام، حتى ظهر من فتواه جوازها مطلقًا، -كما قد مضى بيان ذلك في النقطة الثالثة من هذا الفصل- وهذا كله من التناقض، لأن الحامل له على الجواز موجود في كل بلد ديمقراطي، وما دخل أحد الانتخابات إلا لأجل تحقيق ما ذكره الشيخ، لكن هذا –كما تقدم- يؤكد عدم فهمه فتوى أهل السنة، بل ربما عدم فهم كلام نفسه!
الوقفة الرابعة: أن قوله: (لسنا داعين إلى الدخول في الانتخابات) تقصير في التنفير والتحذير من هذا المنكر العظيم، الذي يحتوي على كبائر من الذنوب، فكان من المناسب أن يقول عقب ذلك: بل نحذر المسلمين منها كل الحذر، أو نحو ذلك مما هو أبلغ في التنفير من كلامه هذا. لأنه لا يلزم من كون الرجل غير داع إليها، أنه يبغضها أو يحذر منها، فقد يكون لا يدعو إليها لا لأنه يرى حرمتها مطلقًا، ولكن ربما عنده تفاصيل فيها، أو يرى الوقت غير مناسب لها، أو يرى أنها خلاف الأولى لا غير، وهذا الأخير يظهر للقارئ من قول الشيخ: (بل الأولى تركها إلا في الضرورة) فهذا تهوين جدًّا لأمر هذه المصيبة العظيمة، التي احتوت على مفاسد جسيمة –مضى ذكرها في الأمر السابع من
النقطة الخامسة من الفصل الأول-فهل هذا من كمال الفقه في الدين؟! أو هل يدل هذا على الرسوخ في العلم؟! ما هكذا يا شيخ ينفر أهل السنة من العقائد المنحرفة، فكان الأولى بك أن تقول: بل الواجب تركها لما فيها من.......لكنني أقول –في الحقيقة-: أمرها هين عند الشيخ –أرشده الله- لعدم علمه بحقيقتها.
وقارن بين كلامه هذا، وبين كلام أهل السنة عندما يقولون: (إن أقرب الطوائف للحق هم أهل السنة)، وكيف أن الشيخ هجم على قائل ذلك هجومًا شرسًا! وفي الحقيقة؛ هذا الهجوم حقه أن يؤتى به هنا، وقد رد على هذه الهجمة شيخنا يحيى –حفظه الله- بِرَدٍ قَيِّمٍ أسماه: (لطف الله بالخلق من مجازفات الشيخ عبيد ورميه بالعظائم على من قال: أهل السنة أقرب الطوائف إلى الحق).
النقطة السابعة: قوله: (وأما فتواي في الانتخابات؛ فكل عاقل كيِّس فطن يدرك ما ترمي إليه وما تهدف إليه، وهو حفظ مصالح المسلمين عامة، وأهل السنة خاصة)، واعلم أيها الشيخ: أن فتوى الإخوان المسلمين –أيضًا- ترمي إلى ذلك، بل وإلى ما هو أعظم من ذلك –كما سبق بيانه في النقطة الثالثة من هذا الفصل- فما الفرق إذًا بين فتواك وفتواهم، بل استبان لنا مما مضى: أن مقاصدهم أقوى، حيث وأن من الدواعي لهم: وجود الحكم بغير ما أنزل الله، وتضييع شريعة الإسلام، بل استبدال أحكام الشريعة بالقوانين الوضعية، وهذا من أعظم الضرر على المسلمين في دينهم ودنياهم، فبان أن شبهتهم أقوى من الشبهة التي انطوت عليه هذه الفتوى.
النقطة الثامنة: قوله: (فإني أدعو -والحال هذه- أهل السنة أن يرشّحوا منهم من يثقون من دينه وأمانته وحسن سياسته)، فإننا نخشى أن يأتي زمن ترى فيه وجوب الانتخابات، ثم القول بوجوب خروج النساء لها –والحال هذه- كما أتى هذا الزمن على الإخوان المسلمين، فأفتوا بوجوب خروج الرجال والنساء لانتخاب ما تسميه بـ : (من يثقون من دينه وأمانته وحسن سياسته)، وقالوا: صوتك أمانة فلا تضيعها وإلا سئلت عنها.
وللأسف أيها الشيخ! يستطيع الإخواني أن يلزمك بذلك، لأن تحقيق مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، ودفع الضرر عنهم، ومحاربة الكفر والبدع وأهلهما، أمر واجب على من قدر عليه، وعندك أيها الشيخ! أن هذا حاصل بالانتخابات، فلهذا قالوا: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فإذا كانت الانتخابات جائزة عندك لهذا المقصد، وكان هذا المقصد واجبًا، فلا سبيل لك إلا أن تقول بوجوبها!!!!!
فالحمد لله الذي عافانا من هذه الاضطرابات والتناقضات والتقلبات، (اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور) (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك).
النقطة التاسعة -والأخيرة-: ختم الشيخ هذه الإساءة بقوله: (هذا ما توصل اجتهادي إليه) فإننا نقول: بئس هذا القصور والانحراف في هذا الاجتهاد، الذي حملك على أن تُضَمَّن فتواك دعوات سيئة للانتخابات، وازداد سوءها؛ يوم أن وجهت خاصة لأهل السنة، وليربع الشيخ على نفسه، فأهل السنة على ثبات من أمرهم، وعلى ثبات على أصولهم السلفية الثابتة، التي لا تتغير بتغير الزمان والأشخاص والأحوال، فلا يصغون إلى مثل هذه الترهات، وإن سمعوها رموا بها في الزبالات والثبات بيد الله، وصدق شيخنا الإمام الوادعي –رحمه الله- إذ يقول: (فالانتخابات مهانة مهانة، ما سلم منها إلا أهل السنة، بسبب تمسكهم بالسنة) اهـ من شريط (نتائج الانتخابات في اليمن).
....................................
خاتمة
وهي تتضمن ثلاث نصائح:
الأولى للشيخ أرشده الله، والثانية لمن يثق به، والثالثة لي ولسائر إخواني أهل السنة.
فالنصيحة الأولى للشيخ: أن يتريث في مثل هذه المسائل العظيمة، وأن يعتمد ما قاله إخوانه أهل السنة بدليله، وألا يتعجل في إطلاق الأحكام، وأن يكف عن الخوض فيما ليس له به علم، وأن يبادر بالتراجع عن هذه الفتوى، حتى لا يتحمل تبعاتها السيئة، وإلا فالمرجع لعلماء الدعوة السلفية العلماء النصحاء.
كما أنصح الشيخ أيضًا: أن يَحْذَرَ من مغبة عدائه لإخوانه أهل السنة في اليمن، -لا سيما- دار الحديث بدماج –حرسها الله- الممتلئة بالمشايخ والطلاب والدعاة والمؤلفين، وعلى رأسهم شيخنا يحيى –حفظه الله- الذين سخروا أنفسهم للدعوة والعلم، والنصح والإرشاد، فإن الله تعالى يقول كما في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة: «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب»، فبعد أن تجلد الشيخ –أرشده الله- لفتنة ابني مرعي، وتعصب لهما، وعادى لأجلهما إخوانه أهل السنة، ظهر منه ما ظهر من العجائب والمفاجآت، من الطعونات والأقاويل الباطلة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والنصيحة الثانية أوجهها إلى من يثق بالشيخ: أن يتقوا الله عزوجل، وأن يتجردوا للحق، وليكن الحق ضالتهم، متى ما وجدوه أخذوه وتمسكوا به، فلن يكون الشيخ –مهما كان علمه- أكبر وأولى من الحق، فالحق أحق أن يتبع، وإن كان للشيخ عندك منزلة، فمنزلة الحق لا تدانيها منزلة، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، ولن ينجو المسلم من فتنة العالم إلا إذا تجرد للحق، وترك التقليد، وحَذِرَ من الزلات، ورد الباطل على كل من جاء به، ولو كان حبيبًا قريبًا، وأذكرك بما قاله سليمان التيمي: لو أخذت بزلة كل عالم، لاجتمع فيك الشر كله.
والنصيحة الثالثة لي ولسائر إخواني أهل السنة: أن من وفقه الله لطلب العلم، والثبات على الحق، ومدافعة الباطل، والنشاط في الخير، والهمة في الأعمال الصالحة، أن يسأل الله المزيد من فضله، والثبات على ذلك، وإذا حصل له فتور وضعف، فليلزم ما كان يعرفه من الخير، ولا يستنكر منه شيئًا، وإياك؛ أن تتحول إلى جهة أخرى فتهلك عياذًا بالله، وكن على حذر من الحسد والغرور والعناد وأطماع الدنيا، فإن الوقوع في ذلك من أعظم الأسباب، التي تحمل المرء على أن ينكر ما كان يعرف.
وقد أخرج الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ».
ولأحمد عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَيَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ ﷺ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَوْلَاةً لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: إِنَّهَا تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَكِنِّي أَنَا أَنَامُ وَأُصَلِّي، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، فَمَنِ اقْتَدَى بِي فَهُوَ مِنِّي، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، ثُمَّ فَتْرَةً، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى بِدْعَةٍ فَقَدْ ضَلَّ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدِ اهْتَدَى». والحديثان في الصحيح المسند لشيخنا الإمام الوادعي –رحمه الله-.
و(الشرة) بكسر الشين المعجمة هي النشاط والهمة، وشرة الشباب أوله وحدته.
هذا ما أردت بيانه، فأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يغفر لي خطأي ويعفو عن زلتي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه:
أبو إسحاق الشبامي
أيوب بن محفوظ الدقيل الحضرمي
12/صفر/عام 1430هـ
يمكنكم تحميل الموضوع من المرفقات
تعليق