الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد:
إن النفس التي تستقيم على شرع الله لن تتقبل أي خطأ أو تقصير يحيد عن هذا الشرع الذي استقامت عليه، وستغار على حرمات الله إن انتهكت، فالغيرة الصادقة هي التي تنهض بصاحبها إلى مكافحة المبطل أو المفسد وتقويم عوجه في تثبيت وحزم، وهي التي تبعث الرجل على الجهاد في الحق بأي وسيلة استطاعها.
إن الغيرة على الحق والمصلحة ما غلبت على نفوس الأمة إلا استقامت سيرتها وعلت في الأمم سمعتها وحسنت في كلا الحياتين عاقبتها، ولكن لهذه الغيرة ضوابط وآداب يجدر بالداعية الأخذ بها واتباعها؛ حتى لا تنقلب إلى شدة وغلظة تؤدي إلى نتائج عكس التي أرادها الداعية.
________________________________________
يقول الإمام عبد العزيز بن باز
- رحمه الله رحمة واسعة - :
( ولا شك أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالتحذير من الغلو بالدين ، و أمرت بالدعوة إلى سبيل الحق بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال بالتي هي أحسن ،
ولكنها لم تهمل جانب الغلظة و الشدة في محلها حيث لا ينفع اللين و الجدال بالتي هي أحسن ، كما قال سبحانه { يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم } و قال تعالى : { يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار و ليجدوا فيكم غلظة و اعلموا أن الله مع المتقين } و قال تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ...}
أما إذا لم ينفع و استمر الظلم أو الكفر أو الفسوق في عمله ولم يبال بالواعظ و الناصح ، فإن الواجب الأخذ على يديه و معاملته بالشدة و إجراء ما يستقه من إقامة حد أو تعزير أو تهديد أو توبيخ حتى يقف عند حده و ينزجر عن باطله }
ولكنها لم تهمل جانب الغلظة و الشدة في محلها حيث لا ينفع اللين و الجدال بالتي هي أحسن ، كما قال سبحانه { يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم } و قال تعالى : { يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار و ليجدوا فيكم غلظة و اعلموا أن الله مع المتقين } و قال تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ...}
أما إذا لم ينفع و استمر الظلم أو الكفر أو الفسوق في عمله ولم يبال بالواعظ و الناصح ، فإن الواجب الأخذ على يديه و معاملته بالشدة و إجراء ما يستقه من إقامة حد أو تعزير أو تهديد أو توبيخ حتى يقف عند حده و ينزجر عن باطله }
مجموع فتاوى و مقالات متنوعة ( 3/302-303 )
راجع: إرشاد البرية إلى شرعية الانتساب للسلفية و دحض الشبه البدعية
لإبي عبد السلام الريمي
قصة صبيغ العراقي
تصحيف المتن وتصحيحه
حَدَّثَني إبراهيمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سحنونٍ، عَنِ ابنِ وهبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلانٍ، عَنْ نافعٍ؛
أنَّ صَبِيغًا العِرَاقيَّ جعلَ يسألُ عن أشياءَ مِنَ القرآن في أجْنَادِ المُسلمين حتّى قَدِمَ مِصْرَ، فبعث به عمرو بنَ العاص إلى عمرَ بنَ الخطابِ، فَلمَّا أتاهُ الرَّسُول بالكتابِ فَقرأهُ قالَ: أين الرَّجُل؟ قالَ: في الرَّحْلِ. قالَ عمر: أَبْصِر أن يكونَ ذَهَبَ فَتُصيبكَ مِنِّي العُقوبةُ المُوجِعَةُ. فأتاهُ به فقالَ عمرُ: تسألُ محدثة! .
فأتاهُ به، فقالَ: عم تسألُ؟ فحدثه، فأرسلَ عمرُ إلى رطائبَ مِنَ الجريدِ فَضَربَهُ بها حتى تركَ ظهرَهُ وَبْرةً، ثُمَّ تركه حتى برئ، ثُمَّ عادَ له ثم تركه حتى برئ، فدعا به ليعود له، فقال له صَبِيغُ: إنْ كُنْتَ تُريُد قتلي فاقتلني قتلًا جميلًا، وإن كنتَ تُريدُ أن تداويني فقد - والله - بَرِئْتُ. فَأذِنَ له إلى أرضه، وكتبَ إلى أبي موسى الأشعري ألا يُجالسه أحدٌ من المسلمين. فاشتدَّ ذلك على الرَّجُلِ فكتبَ أبو موسى إلى عمرَ بنَ الخطابِ أنْ قَدْ حَسُنَتْ هيْئَتُه، فكَتَبَ عُمر أنْ يأذنَ للناسِ بمجالستِهِ. ________________________________________
نعم، هذا من التصحيف، فقال: عم تسأل؟ بدل عمر عم؛ الراء هذه زائدة، عم تسأل؟ بدال محدثة فحدثه، فأتاه به فقال: عم؟ تسأل فحدثه، نعم، عدل التصحيف هذا في النسخ عندكم، نعم.
نعم؛ هذه القصة العظيمة ذكرها ابن وضاح، وذكرها الأجري في الشريعة، وذكرها الدارمي في المقدمة، هذه تهدم المقولة السخيفة التي انتشرت، وهم يقولون:
الفكر لا يواجه إلا بفكر، وهذا خطأ محض؛
لأن الفكر هو إفراز البشر، وإفراز البشر منذ الدهر الأول لا يمكن أن يهدم إفراز بشر آخر،
الفائدة الأولى الفكر لا يذهب إلا بأحد أمرين،
الأمر الأول الوحي،
الفكر هو فضلات البشر، زبالة أذهانهم، إفرازات عقولهم، هذا اسم الفكر، مفكر يعني يفكر من فكره من رأسه، لا ينظر في الوحي.
فإذن ما الذي يذهب الفكر الوحي؛ يقول الله عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ يعني يضرب على الدماغ؛ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ولكم الويل ممن تصفون، هذا الأول، إقامة الحجج؛ ولذلك عبد الله بن عباس لما ذهب للخوارج ما قابل الفكر بالفكر، كلما أتوا بفكر رد عليه بالوحي، قالوا: نحكم الرجال، فقال في القرآن تحكيم الرجال؛ قالوا: محا اسمه، إذا كان ليس من المؤمنين فهو أمير الكافرين، فقال في السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: محا كلمة محمد رسول الله، فهل ذهبت رسالته، فهو يرد عليهم بالوحي القرآن والسنة، هذا الذي قال الله عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ يعني يضرب على الدماغ يدمغه، فإذا هو زاهق، وهذا طبيعة الباطل، وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا .
الأمر الثاني الذي يذهب الفكر هو التعزير؛
لأن المبتدع ليس عنده خوف من الله، لو كان عنده خوف من الله ما يفتري على الله، ما يأتي بشبهات القرآن ويذهب إلى أجناد المسلمين، يعني أجناد المسلمين العسكر، وهم مظنة جهل، فهذا يذهب إلى الأجناد في الثغور، وينشر عندهم متشابه القرآن، يقول كيف الله يقول كذا ويقول كذا؟ كيف يقول الله كذا ويقول كذا؟ حتى يشبه عليهم، هذا لو كان فيه خوف من الله ما فعل هذا، فإذا ما الحل عنده؟ التعزير، التعزير يبدأ بالتوبيخ، بعض المبتدعة توبخه، فربما ينتهي، إذا كان بدعته يسيرة أو قريب من الحق، أو السجن؛ يحجر عن الناس، كما فعل عمر هنا في آخر، أمر بالناس أن يكفوا عنه، لا أحد يكلمه، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كعب بن مالك، أمر المدينة كلهم أن يهجروه لا يكلموه، حتى وصفه الله عز وجل فقال: وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ولكن السجن يقول: إن العلماء يبينون للذي يعزر الوالي بأن هذا خطر على الناس، يجب أن يحمى الناس من خطئه، أو من بدعته، العلماء هم اللي يبينون أن هذا خطر يجب أن يحجر عن الناس، كما قال ابن القيم: إذا كان المفلس الذي يتلاعب في أموال الناس، يجب الحجر عليه بالشرع، والطبيب الجاهل الذي يتلاعب في أبدان الناس يجب أن يحجر عليه، لو اكتشف الناس أن فلانا يفتح عيادة وهو ليس بطبيب قاموا عليه، فما بالكم بالذي يلعب في دين الناس، يشبه عليهم، وينشر عندهم الشبهات، يحرفهم عن السنة هذا أولى بالحجر، إذا ما نفع يزاد الجلد، مثل ما فعل عمر هنا، عمر هنا جلده جلدا عظيما، قال: أتى برطائب من الجريد، تعرفون الجريد النخل إذا كان أخضر يكون شديدا مؤلما، فضربه حتى جعل ظهره وبرة، يعني بمعنى لا تسأل عن ذاك الظهر ماذا كان؟ من الانتفاخ والتمزق، ثم ترك حتى برئ، ثم أعاد عليه، ثم تركه حتى برئ، ثم أعاد عليه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد تقتلني فاقتلني قتلا جميلا، وعمر لا يريد أن يقتله، يعرف عمر لو أرد قتله في سيف، وإنما يريد أمرا آخر، والله كان أرحم به من أبيه وأمه، ماذا يريد عمر؟ هل يريد فقط؟ لأ. يريد أن هذا الرجل لما ما كان عنده خوف من الله يزعه يريد أن يعيش تجربة مرعبة، بحيث يظل طول حياته كلما تذكر البدعة تذكر الضرب والهجر، وسبق إلى ذهنه هذا الرعب، فيكف عن ذلك، وفعلا لما مات عمر ومات عثمان وأتى الخوارج، أتوا إلى صبيغ بن عسل التميمي هذا عراقي، فقالوا: يا صبيغ، هذا وقتك، الآن جاء أهل الجدل في القرآن، فقال: لا والله، شفتي موعظة العبد الصالح، نفعتني موعظة العبد الصالح، خلاص عرف الطريق، فهذا قصد عمر أن يضرب المبتدع حتى إذا أراد أن يبتدع مرة أخرى يعرف، وهذه الحكمة من الحدود، لماذا الرجم رجم الزاني بهذه الصورة المرعبة، حتى قال الله: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حتى إن كل من أراد أن يفكر في الزنا ذكر الرجم بالحجارة، وهذا صلاح للناس.
أو يكون التعزير يصل إلى القتل، وهذا إذا استمرأ المبتدع البدعة، ورفع السيف على المسلمين، واستحل دماءهم، يأتيك من يقول: الفكر لا يواجه إلا بالفكر، هذا الآن يقتل، ...يكب على أمة محمد كما قال عليه الصلاة والسلام: لا يتحاشى من مؤمنيها، ولا يفي لذي عهد بعهد، ويقتل البر الفاجر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اقتلوهم، فإن في قتلهم أجر إلى يوم القيامة وقال: طوبى لما قتلهم وقتلوه وقال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد قتل عاد ا؟ يعني قتل استئصال بالكلية، خلاص هذا وصل إلى مرحلة لا بد أن يقتل، هذا الذي يذهب الفكر، إما الوحي وإما التعزير الشديد الذي يحفظ للدين حرمته.
يوجد أهل بدع يقومون، ويستحلون الدماء الحرام، ويفتكون بالناس، ويغدرون بهم، يأتون في ظلم الليل ويقتلونهم، كلهم البر والفاجر، ثم يأتيك رجل ضعيف العقل ويقول: لأ، الفكر لا يواجه إلا بالفكر، طيب قبل أن يرفع السيف ما نخالف، نواجه بالوحي، هذا مقصود عمر، إذن الفائدة الثانية أن هذه أفضل طريقة في استتابة المبتدع، إما الوحي فإن لم يقتنع، التعزير البليغ الذي يجعله يعيش في رعب طول حياته إذا أراد أن يبتدع مرة أخرى، هذا الذي يحفظ للدين قدره، وهذا وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال في الخوارج: اقتلوهم فإن في قتلهم أجر إلى يوم القيامة ولها طرق كثيرة هذه القصة، واسم صبيغ بن عسل - رضي الله عنه - رحم وانتفع بهذه الموعظة، وأنجاه الله عز وجل؛ نعم.
وأيضا من الفوائد فيها انظروا إلى حسن الطاعة من الرعية، كتب عمر إلى أهل العراق وأهل مصر وأهل الشام: أنكم ما تجالسون هذا الرجل، انظروا كيف أمصار كاملة يهجرونه، حتى إن كان يمر على الحلق في المسجد، وكلما أراد أن يكلم حلقة قالوا: عزمة أمير المؤمنين، يعني عزم عليكم ألا تكلموه، فلا يكلمونه، حتى ضاق بالرجل كما قال تعالى: ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ رعب شديد، الناس كلهم يهجرونه، ثم حسنت توبته، واستقام، وترك البدع، وأقبل على السنة، فكتب لأبي موسى يا أمير المؤمنين، الرجل حسنت توبته، فقال: كلموه، هذا مقصود عمر، والله إنه أرحم به من أبيه وأمه، وعرف هذا الرجل غبه فيما بعد، لما قام الخوارج قال: نفعتني موعظة الرجل الصالح، بل إنه قال: الآن يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت، ذهب كل اللي في نفسي، وقال: شفيتني شفاك الله، وقال: الذي كنت أجده في رأسي ذهب مع الضرب، خلاص ذهب الشبهات، هذه الشبهات من الشيطان، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ لا بد أن تذهب هذا الوحي وحي الشياطين، نعم.
الشدة على أهل البدع منقبة وليست مذمة
لقد كان السلف الصالح يمتازون بمعاملتهم لأهل البدع بالشدّة والقسوة، وكانوا يعدون هذه الشدة على أهل الأهواء والبدع من المناقب والممادح التي يمدح بها الرجل عند ذكره، فكم من إمام في السنّة قد قيل في ترجمته مدحاً له كان شديداً في السنّة، أو كان شديداً على أهل الأهواء والبدع.وما كان باعثهم على هذه الشدّة إلا الغيرة والحميّة لهذا الدين، والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
كما قال ابن الجوزي عن الإمام أحمد –رحمه الله -:
(( وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنّة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنّة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين )) .
ولكن - والله المستعان - قد انقلبت هذه الموازين، وتغيرت هذه المفاهيم فأصبح اللين والموادعة لأهل البدع هي المطلوبة، بل هي الواجبة والممدوحة.
وأصبحت الشدّة على أهل البدع يمتاز بها أُناس معيّنون قليلون، وأهل زماننا لهم عائبون.....
...."واقرأ كذلك ما قيل في ترجمة الإمام المجاهد المحدث الفقيه شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيميّة الحراني (ت:728هـ) رحمه الله تعالى، فقد قال عنه
العلامة محمد بن أحمد بن عبد الهادي: (( قامع المبتدعين ))
وقال: (( وكان رحمه الله سيفاً مسلولاً على المخالفين، وشجىً في حلوق أهل الأهواء المبتدعين ))
وقال محمد بن إبراهيم بن الواني المؤذن:
(( قامع البدعة ناصـر السنّـة)).
وقال الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني:
(( ناصر السنّة قامع البدعة حجة الله على عباده في عصـره رادُّ أهلِ الزيـغ والعنـاد ))، وقـال أيضـاً:
(( قامع المبتدعين محيي السنّة )).
وقال أحمد بن شيخ الحزاميين
( محيي السنّة وقامع البدعة ناصر الحديث))
وقال أحمد بن فضل الله العمري:
(( وأخْمَد من أهل البدع كل حديث وقديم، ولم يكن منهم إلا من يجفل عنه إجفال الظليم ويتضاءل لديه تضاؤل الغريم ))
ويقول عبد الله بن المحب المقدسي:
(( علم الهدى، ناصر السنن، قامع البدع ))
وقال ابن اللحام البعلي: (( قامع المبتدعين )). وقال عنه الحافظ ابن حجر: (( ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض والحلوليّة والإتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة وفتاويه فيهم لا تدخل الحصر ))
وقال العلامة التفهني:
(( لا يلومه في الحق لومة لائم، قائم على أهل البدع ))
وقال بدر الدين العيني:
(( السيف الصارم على المبتدعة )) ،وقال أيضاً: (( وكان سيفاً صارماً على المبتدعة ))
واسمع لما يقوله تلميذه شيخ الإسلام المجاهد ابن القيّم(751هـ) – رحمه الله – في نونيّته: "
لأجاهدنّ عِداك ما أبقيتني ولأجعلنّ قتالهم ديداني
ولأفضحنّهمُ على روس الملا ولأفرينّ أديمهم بلساني
ولأكشفنّ سرائراً خفيت على ضعفاء خلقك منهم ببيان
ولأتْبعنّهمُ إلى حيث انتهوا حتى يقال أبعدَ عبّادان
ولأرجمنّهم بأعلام الهدى رجم المريد بثاقب الشهبان
ولأقعدنّ لهم مراصد كيدهم ولأحصرنهم بكل مكان
ولأجعلنّ لحومهم ودماءهم في يوم نصرك أعظم القربان
ولأحملنّ عليهمُ بعساكرٍ ليست تفرّ إذا التَقَى الزحفان
بعساكر الوحيين والفطرات والــمعقول والمنقول بالإحسان
حتى يبين لمن له عقل من الـأوْلى بحكم العقل والبرهان
ولأنصحنّ الله ثمّ رسوله وكتابه وشرائع الإيمان
إن شـاء ربــــي ذا يكــــون بحولـــه أو لــم يشـــأ فالأمـــــر للرحمـن
واسمع كذلك إلى ما يقوله الإمام القحطاني في نونيّته:
" يا معشر المتكلمين عدوتـمُ عُدوان أهل السبت في الحيتان
كفّـرتـمُ أهل الشريعة والهدى وطعنتمُ بالبغي والعدوان
فلأنصرنّ الحق حتى أنني أَسطوا على ساداتكم بطعان
الله صيّرني عصا موسى لكم حتّى تلقّى إفككم ثعبان
بأدلة القرآن أبطل سحركم وبه أُزلزل كل من لاقاني
هو ملجئي هو مَدْرَئي هو مُنْجني من كيد كلّ منافق خوّان
إن حَلَّ مذهبكم بأرض أَجْدَبت أو أصبحت قفراً بلا عُمران
والله صيّرني عليكم نقمةً ولِهَتْكِ ستر جميعهم أبقاني
أنا في حُلوقِ جميعهم عُودُ الحَشَا أعيى أطبّتكم غموض مكاني
أنا حيّة الـوادي أنـا أســــد الشّـــرى أنـا مرهف ماضي الغــرار يمــاني
وقال – أيضاً -:
يا أشعريّة هل شعرتـم أنني رمد العيون وحكّة الأجفان
أنا في كُبُود الأشعرية قرحةٌ أربوا فأقتل كلّ من يشناني
ولقد بَرَزتُ إلى كبار شيوخكم فصرفت منهم كلّ من ناواني
وقلبت أرض حجاجهم ونَثَرْتُها فـوجدتها قولاً بلا برهان
والله أيّدني وثبّت حجتي والله من شبهاتهم نجّاني
والحمد لله المهيمن دائماً حمداً يلقّح فطنتي وجناني
أحسبتـم يـا أشعريّة أنني ممّـن يُقعقـع خلفـه بشنـان
أفتُستر الشمس المضيئة بالسها أم هل يقاس البحر بالخلجان؟
عمري لقد فتشتكم فوجدتكم حمراً بلا عنـنٍ ولا أرســان
أحضرتكم وحشرتكم وقصدتكـــم
وكسرتكـم كسراً بـلا جُــــــبران
إلى أن قال:
أشعرتـم يا أشعريّة أنني طوفان بحر أيما طوفان
أنا همّكم أنا غمّكم أنا سقمكم أنا سمّكم في السرّ والإعلان
أذهبتمُ نور القرآن وحسنه من كلّ قلبٍ واله لهفان
فوحق جبّار على العرش استوى من غير تمثيل كقول الجاني
ووحقّ من ختم الرسالة والهدى بمحمد، فزها به الحرمان
لأقطعنّ بمعولي أعراضكم ما دام يصحب مهجتي جثماني
ولأهجونّكم وأثلب حزبكم حتى تغيّب جثّتي أكفاني
ولأهتكنّ بمنطقي أستاركم حتى أبلّغ قاصياً أو داني
ولأهجونّ صغيركم وكبيركم غيظاً لمن قد سبني وهجاني
ولأنزلن إليكمُ بصواعقي ولتحرقنّ كبودكم نيراني
ولأقطعنّ بسيف حقي زوركم وليخمدنّ شواظكم طوفان
ولأقصدنّ الله في خذلانكم وليمنعنّ جميعكم خذلاني
ولأحملنّ على عتاة طغاتكم حمل الأسود على قطيع الضان
ولأرميّنكم بصخر مجانقي حتى يهد عتوكم سلطاني
ولأكتبنّ إلى البلاد بسبّكم فيسير سير البزل بالبركان
ولأدحضنّ بحجتي شبهاتكم حتى يغطي جهلكم عِرفاني
ولأغضبن لقول ربي فيكم غضب النمور وجملة العقبان
ولأضربنّكمُ بصارم معولي ضرباً يزعزع أنفس الشجعان
ولأسعطنّ من الفضول أُنوفكـم سعطاً يعطس منه كل جبان
إلى آخر قصيدته الفذّة النافعة.
فهل بعد هذه النقول عن أئمة السلف، التي توضح وتبرز طريقة معاملة أهل السنّة لأهل البدع، وأن الشدّة في التعامل معهم ممدوحة، بل ومنقبة حميدة.
فهل بعد هذا يجوز لشخص أن يذم أحداً من أهل السنّة بهذه الخصلة السلفيّة، فإن كان فاعلاً فلا يدري المسكين أنّه يذم بذلك السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة كما أسلفنا النقل عنهم.
ألا فليتق الله أقوام يدّعون السنّة، ويخذلون أهلها والذابين عنها بحق وعلم، ويحامون عن أهل البدع ويوالون ويعادون من أجلهم.
فأفسدوا بذلك شباباً كُثر، وصدوهم عن سبيل الله ومنهج السلف بهذه الأساليب والمواقف التي يبرأ منها الإسلام وأهله من الصحابة والتابعين وأهل السنّة وأئمتهم، فجنـوا على الإسلام بذلك جناية عظيمة.
فسلوك سبيل السلف الصالح في التعامل مع هؤلاء المبتدعة هو الطريق إلى النجاة من هذه الفتن، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنّة.
ولكن ينبغي التنبيه على أن هذه الشدة على المخالفين التي كان يمتاز بها هؤلاء الأئمة، لا تعني أنهم كانوا على أخلاق سيئة أو دنيئة بل كانوا يتحلون بالأخلاق الكريمة والخصال الحميدة من الصبر والحلم والأناة والصدق والورع وغير ذلك، ولكنهم رأوا أن هذا المقام يحتاج لمثل هذه الشدة لقمع هؤلاء المبتدعة لا سيما الدعاة منهم، وصرف بدعهم عن الناس، وما ذلك إلا لعلمهم بخطر تلك البدع، وما تؤدي إليه أحياناً من الكفر والزندقة، وكل ذلك راجع إلى حكمة الداعي وفقهه في المعاملة.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
" ومن أنواع مكايده ومكره – أي الشيطان -: أن يدعو العبد بحسن خلقه وطلاقته وبشره إلى أنواع من الآثام والفجور، فيلقاه من لا يخلصه من شرّه إلا تجهمه والتعبيس في وجهه والإعراض عنه، فيحسن له العدو أن يلقاه ببشره، وطلاقة وجهه، وحسن كلامه، فيتعلق به فيروم التخلص منه فيعجز، فلا يزال العدو يسعى بينهما حتى يصيب حاجته، فيدخل على العبد بكيده من باب حسن الخلق، وطلاقة الوجه، ومن ههنا وصّى أطباء القلوب بالإعراض عن أهل البدع وأن لا يسلّم عليهم، ولا يريهم طلاقة وجهه، ولا يلقاهم إلا بالعبوس والإعراض". والله تعالى أعلم.
(من كتاب- إجمــاع العلمـاء على الهجـــر والتحذير من أهل الأهواء)
(من فصل الثاني - الشدة على أهل البدع منقبة وليست مذمة)
تعليق