الأسباب التي أدت الفراكسة
إلى ترك الحق
والتعصب للباطل
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
يقول تعالى ( ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون) [ الأنفال: 08]
ويقول تعالى :( إن الله لايغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) [ الرعد:11]
ويقول تعالى:(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف:29]
ويقول تعالى:( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم) [ الأنفال:42]
ويقول تعالى:( ذلك بما قدمت أيدكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) [ آل عمران:182]
ويقول تعالى( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)[ الشورى30]
إن من المحزن جدا هذه الحالة السيئة التي وصل إليها الفراكسة من معاندة الحق وأهله فهي حالة غريبة وعجيبة مليئة بالتخبط والتنقل من حال إلى حال عبر السنين،وإنه والله كثر التساؤل والاستفسار عن هذه الحالة وعن أسبابها وعن هذه النتيجة التي وصل إليها الفراكسة، أحببت أن أبين للقارئ بعض هذه الأسباب التي جعلت الفراكسة يصلون إلى هذه الحال.
(مقدمة من رسالة أوضح المقال في أسباب وصول المشايخ لهذا الحال للأخ أبو حمزة محمد بن محمد السوري)[ ما بعض التغير]
وإليك بعض أهم هذه الأسباب:
الجهل:
الحق واضح قال تعالى ( ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر)[القمر"17"] فيسر الله لفظه للتلاوة ومعناه للفهم،وقال النبى صلى الله عليه وسلم" الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات" [ متفق عليه من حديث النعمان بن با شير رضي الله عنه] والإجماع منعقد على هذا الأصل[توضيح الكافية الشافيةـ ص:79].
فلذلك يروج الباطل على من لا علم عنده ولا معرفة،ولا اعتناء له بنصوص الكتاب والسنة،وأقوال الصحابة والتابعين.
قال الإمام أحمد:إنما جاء خلاف من خالف،لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم[إعلام الموقعين ـ 1/44]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمة:فالحق يعرفه كل أحد،فإن الحق الذي بعث الله به الرسل لا يشتبه بغيره على العارف،كما لا يشتبه الذهب الخالص بالمغشوش على الناقد[مجموع الفتاوى].
وقال:إن الشارع ـ عليه الصلاة والسلام ـ نص على كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر.[ درء العقل والنقل ـ 1/73]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمة:وكثير ما يضيع الحق بين الجهال الأميين.[مجموع الفتاوى ـ25/129]
وقال الشوكاني:الميل إلى الأقوال الباطلة ليس من شأن أهل التحقيق الذين لهم كمال إدراك،وقوة فهم،وفضل دراية ،وصحة رواية،بل ذلك دأب من ليست له بصيره نافذة ـ ولا معرفة نافعة.
بل حتى مذهب الرافضة الذي إبتدعه عبد الله بن سبأ اليهودي هو أصل المذاهب راج على بعض المسلمين بسبب الجهل.[أدب الطلب ومنتهى الارب ـ ص40]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :إن الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقا ملحدا عدوا لدين الإسلام وأهله،ولم يكن من أهل البدع المتأولين كالخوارج والقدرية،وإذا كان قول الرافضة راج بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم. [ منهاج السنة ـ 4/363]
وقال ابن قيم: والأسباب المانعة من قبول الحق كثير جدا،فمنها الجهل به، وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس،فإن من جهل شيئا عاداه،وعادى أهله.[هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ـ ص18]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:ولا تجد أحد وقع في بدعة إلا لنقص أتباعه للسنة علما وعملا.
وإلا فمن كان بها عالما،ولها متبعا،لم يكن عنده داع إلى البدعة،فإن البدعة يقع فيها الجهال بالسنة.
ومن فرط في رفع الجهل عن نفسه،فمثل هذا لا يقبل اعتذاره بالجهل.[شرح حديث لايزنى الزاني ـ ص25]
قال شيخ الإسلام ابن تيمة:ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه،أو من قصر في طلبه حتى لم يتبين له،أوأعرض عن طلب معرفته لهوى،أو لكسل أو نحو ذلك.[ إقتضاء الصراط المستقيم ـ 2/85]
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ ومن كان منهم راضيا ببدعته،معرضا عن طلب الأدلة الشرعية،وطلب مايجب عليه من العلم الفارق بين الحق والباطل،ناصر لها،رادا ما جاء به الكتاب والسنة مع جهله وضلاله واعتقاده أنه على الحق،فهذا ظالم فاسق بحسب تركه ما أوجب الله عليه،وتجرئه على ما حرم الله تعالى. [إرشاد أولى البصائر والألباب بنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب [ص ـ300].
وقال الوالد العلامة محمد صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ قد لا يعذر الإنسان بالجهل،وذلك إذا كان بإمكانه أن يتعلم،ولم يفعل مع قيام الشبهة عنده، كرجل قيل له:هذا محرم،وكان يعتقد الحل،فسوف تكون عنده شبهة على الأقل،فعندئذا يلزمه أن يتعلم ليصل إلى الحكم بيقين.
فهذا ربما لا نعذره بجهله،لأنه فرط في التعليم،والتفريط لا يسقط العذر،لكن من كان جاهلا،ولم يكن عنده أي شبهة،ويعتقد أن ما هوعليه،أويقول هذا على أنه حق،فهذا لاشك أنه لا يريد المخالفة،ولم يرد المعصية والكفر،فلا يمكن أن نكفره حتي ولو كان جاهلا في أصل من أصول الدين.
[6/193 ـ 194] الشرح الممتع.
(الصوارف عن الحق ـ ص9ـ 12)
مجالسة أصحاب السوء و أهل الأهواء.
قال تعالى:( وإذا رأيت الذين يخوضون في أياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)[الأنعام ـ 68 ]
قال تعالى : " و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه " – الكهف 28 –
و قال تعالى :"و إن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم " – الأنعام 119-
و أخرج البخاري و مسلم في صحيحهما من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" إنما مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك و أما أن تبتاع منه و إما أن تجد منه ريحا طيبة و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك و إما أن تجد ريحا خبيثة " .
- قال الإمام النووي في شرح مسلم عند الحديث ، باب استحباب مجالسة الصالحين و مجانبة قرناء السوء ثم قال : في تمثيله صلى الله عليه و سلم الجليس الصالح بحامل المسك و جليس السوء بنافخ الكير .
و فيه فضيلة مجالسة الصالحين و أهل الخير و المروءة و مكارم الأخلاق و الورع و العلم و الأدب و النهي عن مجالسة أهل الشر و أهل البدع و من يغتاب الناس و يكثر فجره و بطالته و نحو ذلك من الأنواع المذمومة - صحيح مسلم (16/394) –
- و جاء عن السلف النهي عن مجالسة أهل الأهواء : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب"- الشريعة للآجري-
وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" المرء علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل."
- و قال الدارمي أيضا :" عن الحسن البصري و محمد بن سيرين قالا :" لا تجالسوا أصحاب الأهواء و لا تجادلوهم و لا تسمعوا إليهم ".
فبسبب هذه المجالسة وصل بهم الحال إلى هذه الحال السئ،فالمجالسة لها دور كبير في التأثير،والقلوب ضعيفة والشبه خطافة ومعرفة الباطل قليلة كما تقدم والتوفيق من الله.
الإعراض عن الحقائق العلمية والأدلة والبراهين القوية
ومعلوم لكل عاقل منصف أن الإعراض عن الهدى والنور من أعظم أسباب الانحراف، وتغير الحال من حال إلى حال.
قال تعالى:( سأصرف عن أياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل أية لايؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بأيتنا وكانوا عنها غافلين) [ الأعراف ـ 146]
وقال تعالى:( الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ـ الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) [البقرة ـ 146 ـ 147]
وأنت تلاحظ أن أي فتنة تمر بالدعوة السلفية إلا ويقوم دعاتها الناصحون بإظهار الحجج والبراهين من الكتاب والسنة وأقوال السلف على ضلال وزيغ أصحاب هذه الفتنة،كما مر في فتنة الاختلاط والانتخاب وغيرها،وكذلك هذه الفتنة فتنة عبيد الجابري،فكم وكم من أشرطة وملازم وكتب وردود قامت وظهرت مدعمة بالأدلة والبراهين على فساد أصحاب هذه الفتن قديما وحديثا،لكننا نرى ونشاهد من الفراكسة،إعراضا عجيبا عن هذه الردود والأدلة والبراهين وكأنه لم يقع شيء،ولم يقم مبطل،ولا كان حق ولا باطل،فهل بالله عليكم أليس في هذه الملازم والكتب والأشرطة حق يقال به ويدان لله به،أم أنها باطل لاحق فيها ولا حقائق ولا براهين تدين الباطل وتلزم بالرجوع إلى الحق والصواب.
فهذا إعراض عجيب جدا يتسأل عنه كل ناصح غيور على دين الله،لما هذا الإعراض عن هذه الحجج والبراهين الكثيرة،التي تدين هؤلاء بالحزبية والفرقة والاختلاف والولاء والبراء الضيق ومحاربة أهل الحق والدفاع عن الباطل،بل زادوا الطين بلة فحذروا منها ونصحوا بعدم قراءة هذه الملازم والكتب وعدم سماع الأشراطة،وأنها سبب للفرقة والشتات ،فإذا لم يكن هذا هوى فماذا يكون؟؟
( أوضح المقال في أسباب وصول المشايخ لهذا الحال ـ ص:16 ـ ما بعض التغير)
تفويض الحق إلى عالم معين
واعلم أن لتفويض معرفة الحق إلى عالم معين،والتزام قوله بلا تقدم ولا تأخر عوقب سيئة على التابع،ومن فوض الأمر إليه ـ إذا رضي بذلك وطمأنة له نفسه.
فأما التابع المفوض أمر معرفة الحق إلى عالم معين لا يقدم على رأيه ولا يأخر،فإن هذا مع مافيه مما سبق ذكره في معنى الإشراك في الرسالة وغيرها [ فليراجع رسالة تجريد الإتباع وخطر ترك الحق لاراء الخلق وما يسمى بالإشراك في الرسالة للمجاهد الشيخ أبي حاتم سعيد بن دعاس المشوشي اليافعي ـ رحمه الله ـ ص22] فإنه يفضي ـ بأهله إلى رد الحق،وعداء أهله إذا جاء من غير من فوض الأمر إليه،وهذا عاقبته وخيمة على ذويه،فإن رد الحق وعناده وعداء أهله،سبب من أسباب صرف القلوب عن الحق قال تعالى:( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون[110] ).
وقال سبحانه وتعالى:( سأصرف عن أياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل أية لايؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بأيتنا وكانوا عنها غافلين) [ الأعراف ـ 146]
فإن العالم قد لايقف على حكم المسألة وحقائقها،ولا يحيط بالأمر،فيقف موقف المسترشد،فإذا ظهر الحق أخذ به.
وأما مالا يقدم ولا يأخر على قوله،فيأخذ به،وينتصر له إنتصار أعمى،وعن هوى وعصبية،فيخشى ألا يتبين لمن فوض أمره إليه،إلا وقد ناله نصيب مما ذكره الله من صرف قلوب من لايذعن للحق من أول مرة،ويقبله ممن جاء به،وأن يحيط به حظ من تقليب الأفئدة وطمس بصائرها.
ولقد رأت الأعين،وسمعت الأذان من هذا بكثير،فكم من إنسان يعلق الحق بعالم،ويرده ممن سواه،فما يتبين الحق لمن فوض معرفة الحق إليه إلا وقد امتلأ قلبه بالهوى،وجرى منه جري الكلب بصاحبه،ورضيت نفسه بالباطل،فيرد الحق ويدفعه ولو جاء به من جاء،ولاسيما وأن النفوس البشرية مجبولة على الأنفة والكبر.
ولقد بلغ الأمر ببعض هذا الصنف أنه قال بعد أن تمكن من قلبه الهوى والباطلل ـ وقد كان يعلق أمره بعالم من العلماء ـ لو جاء جبريل ماقبلة منه؟ وعادة هذا الصنف أنه يقلب ظهر المجن لمن فوض أمره إليه يوما من الدهر،إذا خالف شيئا من هواه.
وأما من فوض معرفة الحق إليه ـ إذا أقر ذلك ورضيه،فإنه مع ما في رضاه من إقرار الباطل الذي أنزله منزلة الطاغوت، فإن هذا يجره إلى رد الحق إذا عن غير طريقه.
ويدفعه إلى أن يجعل ميزان الحب والبغض، والرضا والغضب موافقته ومخالفته،فالموفق من خضع له، وقلده أمره،وإن اقترف المخالفات، مالم يخرج عن طوعه والتزام رأيه،فإذا خرج وانفرد بشيء دونه، لم يبق له من الإعراب محل، ولا يبقى له عنده قدر، بل يرمقه بعين ساخطة، ويلقاه بوجه عبوس، ولا يجري له على لسانه ذكر بجميل ـ وإن جاء بأحسن الجميل ـ ، فالحبيب من أبدى الطواعية وتقلد رأيه، والشانئ من خرج عن الطواعية والانقياد الأعمى، وإن وافق الحق. ويجره إلى ألا يرى حقا تجب المبادرة إلى قوله وإنكار ضده إلا ماكان عنه صادرا، فإن صدر عن غيره قابله بالتململ والتواني، والتماس المخارج والمعاذير، وحسن الظن الأفيح.
وكم قد رأت العين وسمعت الأذن من ذلك، حتى إنك لتعجب من خذيلة الحق ممن أصابه هذا الداء، مع جلاءه ووضوحه وأهمية الصدع به، ورب قضية هي أخف وأغمض، وأقل شأنا منها ـ حين كانت تعينه، وهي تحت يده ـ يملاء الدنيا بها ضجيجا.
وهذا كله ناتج عن ضعف في تجريد المتابعة، وتحري الحق، وإنصاف أهله، وصادر عن حب الجاه والشرف، نسأل الله العفو والستر.
هذا ما يسر الله التذكير به في هذه المسألة العظيمة التي تزحف لاستئصاله الأفكار والأهواء المضلة، وأرجوا الله أن ينفعني به ومن يقف عليه من المسلمين.
وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان الحسنات يوم لقاءه، وأن يجعلنا به ممن يجهاد في سبيل إعلاء كلامته، إنه سبحانه جواد كريم، وهو حسبي ونعم الوكيل، يقص الحق، وهو خير الفاصلين، والحمد لله.
[ تجريد الإتباع وخطر ترك الحق لاراء الخلق وما يسمى بالاشراك في الرسالة للشيخ المجاهد أبي حاتم سعيد بن دعاس المشوشي اليافعي ـ رحمه الله ـ ص26 ـ 29]