الجابري يصرح بحمل أصول السني(!) البدعية على أصوله السلفية(!!)
بسم الله الرحمن الرحيم
بيّنّا فيه سير الجابري على سكيكة أبي الحسن وأضرابه في هذا الباب.
قال الشيخ ربيع-وفقه الله-في جناية أبي الحسن على الأصول السلفية (ص4) : (7- أبو الحسن كثير التلبيس والتأويلات الفاسدة للكلام الصريح أو الظاهر الذي يصدر منه أو ممن يتولاهم ويدافع عنهم، ومن تابع أشرطته يجد هذا المنهج واضحاً فيها، ويجد الأمثلة الكثيرة فيها، وهذه أمور خطيرة جداً على المنهج السلفي، ويخاف أن يأتي في المستقبل بما هو أدهى وأمر من هذه الدواهي، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن).اهـ
وذكرنا عدة أمثلة من تطبيقات الجابري العملية الصريحة لهذا التقعيد الهدام لمنهج النقد عند أهل السنة!
فمن ذلك :
ما جاء في تراجعه -المدعى- عن طعنه في كعب بن مالك رضي الله عنه.
وخلاصة ذلك([1])، أن الجابري إنما تراجع عن كلامٍ قال في وصفه: (فأنا راجعٌ عن مقالتي تلك الموهِمة)! ولم يتراجع عن كلامه لكونه نصا في القدح في هذا الصحابي الجليل، إذ أن قوله: (ضال مضل!) لا يحتمل منطوقه غير رمي الصحابي الجليل بالضلال في نفسه، والإضلال لغيره.
ومع وضوح الانتقاد ونصّيته في الخطإ عمد الجابري فرارا من الإقرار بشناعة قوله إلى طريقة أبي الحسن المصري وعرعور وغيرهم في حمل مجمل كلام غير المعصوم على مفصله!
حيث إن أصحاب هذا المنهج البطال يأتون إلى ما هو نص في الخطإ أو ظاهر فيه أو مجمل متضمن لباطل خطير؛ فيُلبسونه ثوب الإجمال، ويدّعون فيه الاحتمال!! ومن ثَمَّ لا بد للإجمال من تفصيل! ولا يعرف التفصيل إلا بالنظر في سيرة هذا الشخص! فإن كانت سيرته حسنة وله حسنات في طريق الدعوة؛ فإن ذلك المجمل-المزعوم والذي هو في الحقيقة خطأ ظاهر- يحمل على المفصل، ويكون هو المعتمد في الحكم على الشخص!!!
وليس هذا بالمفصل ولا المبين المعلوم عند أهل الأصول، بل هو في الحقيقة من حمل الظاهر على المؤول، لأنه تأويل لكلام ظاهر نصـي، ولا يجوز هذا في كلام غير المعصوم بالإجماع، كما نقل ذلك الشوكاني رحمه الله في كتابه «الصوارم الحداد» (ص96-97).
وهذا المسلك -حمل المجمل على المفصل في كلام غير المعصوم- أخبث من منهج الموازنات؛ ذلك أن أصحاب الموازنات يقرون بحصول الخطإ من أنفسهم أو ممن يدافعون عنه، ويذكرونه، بخلاف أصحاب المجمل والمفصل، فإنهم لا يعترفون بحصول الخطإ، ويمنعون من ذكره.
قال الشيخ ربيع -وفقه الله- في «تنبيه أبي الحسن إلى القول بالتي هي أحسن» : (هذا الأصل شر من أصل الموازنات بين الحسنات والسيئات، إذ هذا يذكر المساوئ وأما ذاك فيمنع من ذكر المساوئ بالكلية، ويتضمن إدانة السلف في نقدهم وجرحهم وتعديلهم التي اكتضت بكتبها المكتبات).اهـ
والمقصد من هذا المسلك هو حماية المجروح، وإبطال إعمال الجرح فيه، وإسقاط جهود الناصحين، وهدم قواعد الجرح من أساسها.
وهذا ما صنعه الجابري عبيد! حيث أتى إلى كلامه الذي هو نص في الخطإ؛ فألبسه ثوب الإجمال، فقال: (هي عبارة موهمة!) فادعى فيها الإيهام! والإيهام يرتفع بالتفصيل! ولا يعرف التفصيل-على هذا المنهج البطال- إلا بالنظر في سيرة هذا الشخص! فلذلك قال: (مع أني أترضَّى عنه كما هو شأن أهل السُّنة، كل ما ذُكر، وهذا دأبنا مع أصحاب النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)!
ولا يزال الجابري مع ذلك مصرا على رمي الصحابي الجليل رضي الله عنه بالضلالة إن مات مهجورا!
حيث قال: (من يقول غير هذا؟! هو خشِي أن يموت على الضَّلالة دونَ زيادة على ذلك!).
فلا تراجع إذاً ولا جديد، غير التلاعب بعقول الناس.
وقد مر بيان بطلان ذلك في أصل الرد، مع ذكر أمثلة أخرى في المبحث الرابع من الفصل الخامس من "الحجج"، و"المتساقطون في الفتنة..."، والحمد لله.
*** * ***
في مقال له بعنوان: "تنبيه الفطن الكيّس إلى كشف تعقبات أخينا الشيخ عبد العزيز الريس"، حيث قال:
(..كلام العالم السلفي له أحوالٌ:
إحداها: ما كان صحيحاً بموافقة نصٍّ أو إجماعٍ؛ فهذا مقبولٌ.
ثانيها: ما كان خطأً مخالفاً للدليل من نصٍّ أو إجماع(!) فهذا مردودٌ، مع حفظ كرامته وصيانة عرضه(!!).([3])
ثالثها: ما كان مخالفاً لما هو معلوم من أصوله في تقرير السنة ورد البدع، فيُردُّ إلى تلك الأصول(!!)
رابعها: ما كان يمكن رده إلى سباق الكلام ولحاقه، فإن استقام لذلك وإلا رُدَّ.
خامسها: أن يكون له في المسألة قولان، أخطأ في أحدهما وأصاب في الآخر؛ فيُقبلُ منهما ما كان صواباً، ويردُّ الآخر([4])).اهـ
أقول مستعينا بالله :
إن على هذا التفصيل عدة مؤاخذات تصب –أكثرها!- في مسالك أهل الموازنات(!) وحمل المجمل على المفصل(!).
وشاهدنا هنا: قوله في الحال الثالثة: (ما كان مخالفاً لما هو معلوم من أصوله في تقرير السنة ورد البدع، فيُردُّ إلى تلك الأصول).اهـ
فهذا تقرير قولي واضح لما طبقه عمليا فيما ناقشناه عليه آنفا، الأمر الذي يدل على أن ذلك التطبيق منه كان باعثه اعتقاد هذه البدعة الهدامة لقواعد الجرح والتعديل ومنهج السلف في النقد!!
حيث إن قوله: (ما كان مخالفا..) واضح فيما ظهرت مخالفته من المقالات وغيرها للسنة، وما كان كذلك؛ فإن أدلة الكتاب والسنة ومنهج السلف معلوم في الحكم على صاحب المخالفة بما تقتضيه مخالفته على ضوء القواعد والضوابط السلفية التي ذكرناها في المبحث الخامس من الفصل الثالث من كتابنا "الحجج الكاشفة".
فإن كانت المخالفة فيما كان من قطعيات المسائل وأصول الدين الواضحة ونحو ذلك من جليات الأمور، حكموا على صاحبها بما تقتضيه مخالفته من تبديع أو غيره، وإن كان عالما سلفيا! ولا يردُّون مخالفته إلى ما عُلم من أصوله السلفية(!!) كما يدّعي الجابري عبيد سيرا منه على سكيكة أبي الحسن والحلبي وأضرابهما في حمل المجملات-والتي هي في الحقيقة مخالفات ظاهرة!- على المفصلات من سيرة الشخص وأصوله السلفية(!!!) وبهذا يتلاشى الخطأ وتسقط قواعد الجرح ومنهج النقد!.
ولا يستدرك علينا متعصّب(!) بما ذكره الجابري في الحال الخامسة؛ فإن ذلك فيما كان للعالم فيه قولان([5])، وأما إذا كان له قول واحد في مسألة خالف فيها أصوله السلفية؛ فإن الجابري يردّ هذا الخطأ-سيرا على مسلك أبي الحسن!- إلى ما عُلم من أصول هذا العالم السليمة(!!) وهذا بيّن ليس به خفاء..
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
([1]) انظر مقالي: "المتساقطون في الفتنة يطبقون حمل المجمل على المفصل على طريقة أبي الحسن".
([2]) وقد حاول الحزب العدني إلصاق هذا التأصيل الباطل بشيخنا يحي -حفظه الله- في فتوى له في "الكنز الثمين" فخابوا ولم يفلحوا، وقد سمعت شيخنا -حفظه الله- وقد سئل في بعض دروسه عن تلك الفتوى، فأبان المعتقد السلفي في هذه المسألة، وبين بأنه حصل خلل في تفريغ الصوتية، وأنه سيعدلها في طبعة أخرى بإذن الله.اهـ وسياق الكلام في تلك الفتوى يبين ذلك، وأنه لا حجة لهم فيما ادّعوه.
وهذا الجابري يتفنن في تطبيق هذا التأصيل الفاسد؛ فهل فيهم رجل رشيد ينبري لإنكاره؟؟!!
([3]) وقد سبق في المبحث السادس -من تكملة الفصل الثالث- ذكر ما كان من هذا الباب من تقريرات الجابري لمنهج الموازنات.
([4]) ما ذكره في الحال الخامسة لا بد فيه من تفصيل، والإطلاق في مقام تأصيل القواعد مسلك بدعي-وخاصة ممن علم تخبطهم في هذا الباب كالجابري- إذ لا بد من التفريق في هذه الحال بين معاملة السني الحي الذي يمكن مناصحته، وبين الميت، وبين كون الخطإ مما هو في الأمور الجلية أو هو من خفي المسائل، وبين المتقدم من الكلامين والمتأخر منهما، وهل هما من قبيل ما يمكن الجمع بينه أو هو مما يحكم بتناقضه؟! وعدمُ اعتبار الجابري لهذه القيود والضوابط على ما هو معلوم عند أهل الشأن، وإطلاقُه الحكم بقبول ما كان صوابا منهما، يفضي إلى تعطيل قواعد الجرح والتعديل وتقرير مسالك التلبيس، وقد علمنا منهجه في هذا الباب؛ فيكون تأصيله في هذه الحال الخامسة من أباطيل إطلاقاته وتأصيلاته.
([5]) وقد سبق ما في تلكم الحال من الانتقاد.
تعليق