قال ابن الوزير -رحمه الله-:
"هذا؛ وإنّي لما تمسّكت بعروة السّنن الوثيقة, وسلكت سنن الطريقة العتيقة؛ تناولتني الألسنة البذيّة من أعداء السّنة النّبوية, ونسبوني إلى دعوى في العلم كبيرة, وأمور غير ذلك كثيرة. حرصاً على ألا يتّبع ما دعوت إليه من العمل بسنّة سيّد المرسلين, والخلفاء الرّاشدين, والسّلف الصّالحين, فصبرت على الأذى/, وعلمت أنّ النّاس ما زالوا هكذا.
ما سَلِمَ الله من بريَّته ... ولا نبيُّ الهدى, فكيفَ أَنَا!
إلا أنّه لما اتّسع الكلام وطال, واتّسع مجال القيل والقال, جاءتني رسالة محبّرة (1)؛ واعتراضات محرّرة, مشتملة على الزّواجر والعظات, والتنبيه بالكلم الموقظات, زعم صاحبها أنه من النّاصحين المحبين, وأنّه أدّى به ما عليه لي من حقّ الأقربين, وأهلاً بمن أهدى إليّ النصيحة, فقد جاء الترغيب إلى ذلك في الأحاديث الصحيحة, وليس بضائر إن شاء الله ما يعرض في ذلك من الجدال, مهما وزن بميزان الاعتدال, لأنه حينئذ يدخل في السّنن, ويتناوله أمر:
{وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
[النحل:125]
وقد أجاد من قال وأحسن:
وجِدَالُ أهلِ العلمِ ليس بضائرٍ ... ما بينَ غَالبهم إلى المَغلُوبِ
بيد أنّها لم تضع تاج المرح والاختيال, وتستعمل ميزان العدل في الاستدلال, بل خلطها من سيما المختالين بِشوب , ومالت من التّعنّت في الحجاج إلى صوب, فجاءتني تمشي الخطراء, وتميس في محافل الخطراء, مفضوضة لم تختم, مشهورة لم تكتم. متبرّجة قد كشفت حجابها, وطرحت نقابها, وطافت على الأكابر, وطاشت إلى الأصاغر, حتّى مضّت أيدي الابتذال نُضارتها, وافتضّت أفكار الرّجال بكارتها, وإنّ خير النَّصائح الخفيّ, وخير النُّصاح الحفيّ, وخير الكتاب المختوم, وخير العتاب المكتوم.
ثم إني تأملت فصولها وتدبّرت أصولها, فوجدتها مشتملة على
القدح تارة فيما نقل عنّي من الكلام, وتارة في كثير من قواعد العلماء الأعلام, وتارة في سنّة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام, فرأيت ما يخصّني غير جدير بصرف العناية إليه, ولا كبير يستحق الإقبال بالجواب عليه, وأما ما يختص بالسنن النبوية والقواعد الإسلامية, مثل قدحه في صحة الرّجوع إلى الآيات القرآنية, والأخبار النبوية, والآثار الصّحابية, ونحو ذلك من القواعد الأصولية, فإني رأيت القدح فيها ليس أمراً هيناً, والذّبّ عنها لازماً متعيناً, فتعرّضت لجواب ما اشتملت عليه من نقض القواعد الكبار, التي قال بها الجلّة من العلماء الأخيار, وجعلت الجواب متوسّطاً بين الإطناب والاختصار, وصدّني عن التّوسيع والتكثير, خشية التنفير والتأخير:
أمّا التنفير: فلأن التوسيع يُمل الكاتب والمكتوب إليه, والمتطلع إلى رؤية الجواب والوقوف عليه, مع أنّ القليل يكفي المنصف, والكثير لا يكفي المتعسّف, وضوء البرق المنير, يدلّ على النّوء الغزير.
وأمّا التأخير: فلأن التوسيع يحتاج إلى تمهيد عرائس الأفكار, حتّى تستكمل الزّينة, ومطالعة نفائس الأسفار, الحافلة بالآثار المتينة, والأنظار الرّصينة.
فهذا البحر وهو الزّخّار, يحتاج من السّحب إلى مَددٍ , والبدر
وهو النّوار, يفتقر من الشّمس إلى يد. ومن أين يتأتّى ذلك أو يتهيّأ لي, وأنا في بوادٍ خوالي, وجبالٍ عوالي!
فحيناً بطودٍ تُمطر السُّحب دونه ... أَشمَّ مُنيفٍ بالغمامِ مُؤَزَّرُ
وحيناً بشعب بطنِ وادٍ كأَنه ... حَشا قلم تُمسي به الطيرُ تصفر
إذا التفتَ الساري به نحو قلةٍ ... توهّمها من طولها تتأخّر
أجاور في أرجائه البومَ والقَطا ... فَجيرتها للمرءِ أولي وأَجدرُ/
هنالك يصفو لي من العيش وِرده ... وإلاّ فورد العيش رَنق مكدَّر
فإِن يبست ثَمَّ المراعي وأَجدبت ... فَرَوْضُ العُلا والعلم والدّين أخضر
ولا عارَ أن ينجو كريمٌ بنفسه ... ولكنَّ عاراً عجْزُهُ حين يُنصر
فقد هاجَر المختار قبلي وصحبُه ... وفرّ إلى أَرض النَّجاشي جعفرُ
ولما أنشأت هذا الجواب من هذه الجبال العالية, والبوادي الخالية, قصر باعي, وضاقت رباعي, فتمصّصتُ من بَلَلِ ما عندي بَرَضا , وما أكفى ذلك وأرضى, إذا كان ذلك طيباً محضاً!.
سامحاً بالقليل من غير عذر ... ربما أَقنع القليلُ وأرضى
ولكن هيهات لذلك! لا محيص لي عن أوفر نصيب من طَفِّ
الصّاع, ولا بد لي من الانخداع بداعية الطّباع. وقد قصدت وجه الله تعالى في الذّبّ عن السنن النبوية والقواعد الدينية, وليس يضرّني وقوف أهل المعرفة على مالي من التّقصير, ومعرفتهم أنّ باعي في هذا الميدان قصير, لاعترافي بأني لست من نقّاد هذا الشأن, لا من فرسان هذا الميدان. لكني لم أجد من الأصحاب من تصدّى لجواب هذه الرسالة, لما يجرّ إليه ذلك من سوء القالة, فتصديت لذلك من غير إحسان ولا إعجاب, ومن عدم الماء تيمّم بالتراب, عالماً بأني وإن كنت باري قوسها ونبالها, وعنترة فوارسِها ونِزالها, فلن يخلو كلامي من الخطأ عند الانتقاد, ولا يصفو جوابي من الكدر عند النّقاد.
فالكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو: كلام الله الحكيم, وكلام من شهد بعصمته القرآن الكريم. وكلّ كلام بعد ذلك فله خطأ وصواب,
وقشر ولباب. ولو أنّ العلماء رضي الله عنهم تركوا الذّبّ عن الحقّ خوفاً من كلام الخلق: لكانوا قد أضاعوا كثيراً, وخافوا حقيراً.
وأكثر ما يخاف الخائض في ذلك أن يكل حسامه في معترك المناظرة وينبو, ويعثر جواده في مجال المحاجة ويكبو, فالأمر في ذلك قريب:
إن أخطأ فمن الذي عُصم, وإن خُطىء فمن الذي ما وُصِم؟.
والقاصد لوجه الله تعالى لا يخاف أن يُنقد عليه خلل في كلامه,
ولا يهاب أن يُدل على بطلان قوله, بل يحبّ الحقّ من حيث أتَاه, ويقبل الهُدى ممن اهداه, بل المُخاشنة بالحقّ والنّصيحة, أحبّ إليه من المداهنة على الأقوال القبيحة, وصديقك من صَدَقك لا من صدّقك.
وفي نوابغ الحكمة: عليك بمن ينذر الإبسال والإبلاس, وإيّاك من يقول: لا باسَ ولا تاسَ.
ثمّ إن الجواب لما تمّ -بحمد الله تعالى- (2) اشتمل على علوم كثيرة, وفوائد غزيرة, أثرية ونظرية, ودقيقة وجليلة, وجدليّة وأدبية, وكلّها رياض للعارفين نضرة, وفراديس عند المحققين مزهرة, لكنّي وضعته وأنا قويّ النّشاط, متوفّر الدّاعي, ثائر الغيرة, فاستكثرت من الاحتجاج رغبة في قطع الّلجاج.
فربما كانت المسألة في كتب العلماء -رضي الله عنهم- مذكورة غير محتج عليها بأكثر من حجة واحدة, فأحتج عليها بعشر حجج, وتارة بعشرين حجة, وتارة بثلاثين حجة, وكذلك قد يتعنّت صاحب الرسالة, ويُظهر العجب بما قاله, فأحبّ أن يُظهر له ضعف اختياره, وعظيم اغتراره, فأستكثر من إيراد الإشكالات عليه, حتّى يتضح له خروج الحقّ من يديه, فربما أوردت عليه في بعض المسائل أكثر من مئتي إشكال, على مقدار نصف ورقة من كتابه.
ثم إنِّي تأمّلت الكتاب -بعد ذلك- فوجدت ما فيه من التطويل والتدقيق, يصرف الأكثرين عن التأمل له والتحقيق, لا سيمّا والباعث لداعية النشاط إلى معرفة مثل هذا إنما هو وجود من يعارض أهل السنّة, ويورد على ضعفائهم الشّبه الدّقيقة, ومن عوفي من هذا ربما نفر عن مطالعة هذه الكتب نفرة الصّحيح عن شرب الأدوية النّافعة, وألم المكاوي الموجعة. فاختصرت منه هذا الكتاب, على أني لم أطنب في ((الأصل)) كلّ الإطناب لما قدّمت من العذر عن ذلك, وتوعّر تلك المسالك.
وقد اقتصرت في هذا ((المختصر)) على نصرة السّنن النّبويّة, والذّبّ عنها وعن أهلها من حملة الأخبار المصطفوية, سالكاً من ذلك في محجّة جليّة, غير عويصة ولا خفيّة, وتركت التعمّق في الدّقائق, والتقحّم في المضايق, رجاء أن ينتفع بهذا المختصر المبتدي والمنتهي, والأثري والنّظري, وسمّيته:
((الروض الباسم, في الذّبّ عن سنّة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -)) , وجعلنا من جيران حِماه المحرّم."
{الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم}
[1/ 13- 19]
"هذا؛ وإنّي لما تمسّكت بعروة السّنن الوثيقة, وسلكت سنن الطريقة العتيقة؛ تناولتني الألسنة البذيّة من أعداء السّنة النّبوية, ونسبوني إلى دعوى في العلم كبيرة, وأمور غير ذلك كثيرة. حرصاً على ألا يتّبع ما دعوت إليه من العمل بسنّة سيّد المرسلين, والخلفاء الرّاشدين, والسّلف الصّالحين, فصبرت على الأذى/, وعلمت أنّ النّاس ما زالوا هكذا.
ما سَلِمَ الله من بريَّته ... ولا نبيُّ الهدى, فكيفَ أَنَا!
إلا أنّه لما اتّسع الكلام وطال, واتّسع مجال القيل والقال, جاءتني رسالة محبّرة (1)؛ واعتراضات محرّرة, مشتملة على الزّواجر والعظات, والتنبيه بالكلم الموقظات, زعم صاحبها أنه من النّاصحين المحبين, وأنّه أدّى به ما عليه لي من حقّ الأقربين, وأهلاً بمن أهدى إليّ النصيحة, فقد جاء الترغيب إلى ذلك في الأحاديث الصحيحة, وليس بضائر إن شاء الله ما يعرض في ذلك من الجدال, مهما وزن بميزان الاعتدال, لأنه حينئذ يدخل في السّنن, ويتناوله أمر:
{وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
[النحل:125]
وقد أجاد من قال وأحسن:
وجِدَالُ أهلِ العلمِ ليس بضائرٍ ... ما بينَ غَالبهم إلى المَغلُوبِ
بيد أنّها لم تضع تاج المرح والاختيال, وتستعمل ميزان العدل في الاستدلال, بل خلطها من سيما المختالين بِشوب , ومالت من التّعنّت في الحجاج إلى صوب, فجاءتني تمشي الخطراء, وتميس في محافل الخطراء, مفضوضة لم تختم, مشهورة لم تكتم. متبرّجة قد كشفت حجابها, وطرحت نقابها, وطافت على الأكابر, وطاشت إلى الأصاغر, حتّى مضّت أيدي الابتذال نُضارتها, وافتضّت أفكار الرّجال بكارتها, وإنّ خير النَّصائح الخفيّ, وخير النُّصاح الحفيّ, وخير الكتاب المختوم, وخير العتاب المكتوم.
ثم إني تأملت فصولها وتدبّرت أصولها, فوجدتها مشتملة على
القدح تارة فيما نقل عنّي من الكلام, وتارة في كثير من قواعد العلماء الأعلام, وتارة في سنّة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام, فرأيت ما يخصّني غير جدير بصرف العناية إليه, ولا كبير يستحق الإقبال بالجواب عليه, وأما ما يختص بالسنن النبوية والقواعد الإسلامية, مثل قدحه في صحة الرّجوع إلى الآيات القرآنية, والأخبار النبوية, والآثار الصّحابية, ونحو ذلك من القواعد الأصولية, فإني رأيت القدح فيها ليس أمراً هيناً, والذّبّ عنها لازماً متعيناً, فتعرّضت لجواب ما اشتملت عليه من نقض القواعد الكبار, التي قال بها الجلّة من العلماء الأخيار, وجعلت الجواب متوسّطاً بين الإطناب والاختصار, وصدّني عن التّوسيع والتكثير, خشية التنفير والتأخير:
أمّا التنفير: فلأن التوسيع يُمل الكاتب والمكتوب إليه, والمتطلع إلى رؤية الجواب والوقوف عليه, مع أنّ القليل يكفي المنصف, والكثير لا يكفي المتعسّف, وضوء البرق المنير, يدلّ على النّوء الغزير.
وأمّا التأخير: فلأن التوسيع يحتاج إلى تمهيد عرائس الأفكار, حتّى تستكمل الزّينة, ومطالعة نفائس الأسفار, الحافلة بالآثار المتينة, والأنظار الرّصينة.
فهذا البحر وهو الزّخّار, يحتاج من السّحب إلى مَددٍ , والبدر
وهو النّوار, يفتقر من الشّمس إلى يد. ومن أين يتأتّى ذلك أو يتهيّأ لي, وأنا في بوادٍ خوالي, وجبالٍ عوالي!
فحيناً بطودٍ تُمطر السُّحب دونه ... أَشمَّ مُنيفٍ بالغمامِ مُؤَزَّرُ
وحيناً بشعب بطنِ وادٍ كأَنه ... حَشا قلم تُمسي به الطيرُ تصفر
إذا التفتَ الساري به نحو قلةٍ ... توهّمها من طولها تتأخّر
أجاور في أرجائه البومَ والقَطا ... فَجيرتها للمرءِ أولي وأَجدرُ/
هنالك يصفو لي من العيش وِرده ... وإلاّ فورد العيش رَنق مكدَّر
فإِن يبست ثَمَّ المراعي وأَجدبت ... فَرَوْضُ العُلا والعلم والدّين أخضر
ولا عارَ أن ينجو كريمٌ بنفسه ... ولكنَّ عاراً عجْزُهُ حين يُنصر
فقد هاجَر المختار قبلي وصحبُه ... وفرّ إلى أَرض النَّجاشي جعفرُ
ولما أنشأت هذا الجواب من هذه الجبال العالية, والبوادي الخالية, قصر باعي, وضاقت رباعي, فتمصّصتُ من بَلَلِ ما عندي بَرَضا , وما أكفى ذلك وأرضى, إذا كان ذلك طيباً محضاً!.
سامحاً بالقليل من غير عذر ... ربما أَقنع القليلُ وأرضى
ولكن هيهات لذلك! لا محيص لي عن أوفر نصيب من طَفِّ
الصّاع, ولا بد لي من الانخداع بداعية الطّباع. وقد قصدت وجه الله تعالى في الذّبّ عن السنن النبوية والقواعد الدينية, وليس يضرّني وقوف أهل المعرفة على مالي من التّقصير, ومعرفتهم أنّ باعي في هذا الميدان قصير, لاعترافي بأني لست من نقّاد هذا الشأن, لا من فرسان هذا الميدان. لكني لم أجد من الأصحاب من تصدّى لجواب هذه الرسالة, لما يجرّ إليه ذلك من سوء القالة, فتصديت لذلك من غير إحسان ولا إعجاب, ومن عدم الماء تيمّم بالتراب, عالماً بأني وإن كنت باري قوسها ونبالها, وعنترة فوارسِها ونِزالها, فلن يخلو كلامي من الخطأ عند الانتقاد, ولا يصفو جوابي من الكدر عند النّقاد.
فالكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو: كلام الله الحكيم, وكلام من شهد بعصمته القرآن الكريم. وكلّ كلام بعد ذلك فله خطأ وصواب,
وقشر ولباب. ولو أنّ العلماء رضي الله عنهم تركوا الذّبّ عن الحقّ خوفاً من كلام الخلق: لكانوا قد أضاعوا كثيراً, وخافوا حقيراً.
وأكثر ما يخاف الخائض في ذلك أن يكل حسامه في معترك المناظرة وينبو, ويعثر جواده في مجال المحاجة ويكبو, فالأمر في ذلك قريب:
إن أخطأ فمن الذي عُصم, وإن خُطىء فمن الذي ما وُصِم؟.
والقاصد لوجه الله تعالى لا يخاف أن يُنقد عليه خلل في كلامه,
ولا يهاب أن يُدل على بطلان قوله, بل يحبّ الحقّ من حيث أتَاه, ويقبل الهُدى ممن اهداه, بل المُخاشنة بالحقّ والنّصيحة, أحبّ إليه من المداهنة على الأقوال القبيحة, وصديقك من صَدَقك لا من صدّقك.
وفي نوابغ الحكمة: عليك بمن ينذر الإبسال والإبلاس, وإيّاك من يقول: لا باسَ ولا تاسَ.
ثمّ إن الجواب لما تمّ -بحمد الله تعالى- (2) اشتمل على علوم كثيرة, وفوائد غزيرة, أثرية ونظرية, ودقيقة وجليلة, وجدليّة وأدبية, وكلّها رياض للعارفين نضرة, وفراديس عند المحققين مزهرة, لكنّي وضعته وأنا قويّ النّشاط, متوفّر الدّاعي, ثائر الغيرة, فاستكثرت من الاحتجاج رغبة في قطع الّلجاج.
فربما كانت المسألة في كتب العلماء -رضي الله عنهم- مذكورة غير محتج عليها بأكثر من حجة واحدة, فأحتج عليها بعشر حجج, وتارة بعشرين حجة, وتارة بثلاثين حجة, وكذلك قد يتعنّت صاحب الرسالة, ويُظهر العجب بما قاله, فأحبّ أن يُظهر له ضعف اختياره, وعظيم اغتراره, فأستكثر من إيراد الإشكالات عليه, حتّى يتضح له خروج الحقّ من يديه, فربما أوردت عليه في بعض المسائل أكثر من مئتي إشكال, على مقدار نصف ورقة من كتابه.
ثم إنِّي تأمّلت الكتاب -بعد ذلك- فوجدت ما فيه من التطويل والتدقيق, يصرف الأكثرين عن التأمل له والتحقيق, لا سيمّا والباعث لداعية النشاط إلى معرفة مثل هذا إنما هو وجود من يعارض أهل السنّة, ويورد على ضعفائهم الشّبه الدّقيقة, ومن عوفي من هذا ربما نفر عن مطالعة هذه الكتب نفرة الصّحيح عن شرب الأدوية النّافعة, وألم المكاوي الموجعة. فاختصرت منه هذا الكتاب, على أني لم أطنب في ((الأصل)) كلّ الإطناب لما قدّمت من العذر عن ذلك, وتوعّر تلك المسالك.
وقد اقتصرت في هذا ((المختصر)) على نصرة السّنن النّبويّة, والذّبّ عنها وعن أهلها من حملة الأخبار المصطفوية, سالكاً من ذلك في محجّة جليّة, غير عويصة ولا خفيّة, وتركت التعمّق في الدّقائق, والتقحّم في المضايق, رجاء أن ينتفع بهذا المختصر المبتدي والمنتهي, والأثري والنّظري, وسمّيته:
((الروض الباسم, في الذّبّ عن سنّة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -)) , وجعلنا من جيران حِماه المحرّم."
{الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم}
[1/ 13- 19]
(1) وصاحبها هو: جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم, أحد شيوخ ابن الوزير ت (837هـ).
قال الشوكاني في وصف رسالته هذه: (( ... وترسّل عليه برسالة تدلّ على عدم إنصافه, ومزيد تعصّبه, سامحه الله)) اهـ.
((البدر الطالع)): (1/ 485).
(2) يقصد (الأصل) واسمه:(العواصم والقواصم في الذّبّ عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -) ,طبع في تسع مجلدات
قال الشوكاني في وصف رسالته هذه: (( ... وترسّل عليه برسالة تدلّ على عدم إنصافه, ومزيد تعصّبه, سامحه الله)) اهـ.
((البدر الطالع)): (1/ 485).
(2) يقصد (الأصل) واسمه:(العواصم والقواصم في الذّبّ عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -) ,طبع في تسع مجلدات
تعليق