نقد تعليقات الدكتور عبد الله البخاري
على كتاب التوضيح الأبهر للعلامة السخاوي
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
على كتاب التوضيح الأبهر للعلامة السخاوي
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فإن الدكتور عبد الله البخاري صاحب دعاوي عريضة حارة يكثر فيها من الهدار الطويل، وله قدرة على الثرثرة والتشبع بالكلام الزائف المُزَوَّر ،فيلبس نفسه لباس أهل العلم المصلحين ولباس أهل التقوى الورعين، ويلبس الأبرياء لباس الفجار الهدامين المفسدين الظالمين.
وهو واحد من الذين يبثون الجواسيس ومتتبعي العثرات على الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج، وقد نشروا جواسيسهم في عدة أماكن يُفَتِّشُونَ كتب الشيخ الفاضل العلامة يحيى بن علي الحجوري-حفظه الله-، ليتصيدوا الزلات والْفَلَتَات
فلم يجدوا إلا الملازم والكتابات التي كتبها المندسون والحزبيون في فتنة أبي الحسن المصري مع ما فيها من الخيانة والبتر والكذب، ويتحمس الدكتور للرد على هذه الزلات والعثرات أشدَّ التحمسِ لمحاربة السلفيين ويجعلُها من المنكرات الكبرى والبدع العظمى.
وقد دلت مواقفه في القديم موقف الحذر الذي يترقب الفرص لينقض على أهل الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج، ويتلقف الأكاذيب والشائعات لإيذائهم وتشويههم والشغب عليهم، وتشويه منهجهم السلفي، ولذلك لما سنحت له الفرصة اليوم وتم له إفساح المجال وضع نفسه في غير محلها، وأدخلها غلطا ومُغالَطَة في أوساط أهل العلم،
وانتصب حاكما على الدعوة السلفية في اليمن بالأقوال الجزافية التي لا تستند إلى علم ولا تدل على عقل، بل تدل على أنه مصاب بلوثة خفيفة بفرقة الحدادية تميل به نحو حب التسلط على كلام العلماء، والبتر والتقطيع في إصدار الأحكام أشبه بجزاري اللحوم، ولو أنه تعلم الجزارة لغدا من كبار الجزارين.
فالدكتور عبد الله البخاري ليس له سابقة في العلم ولا هو من المتمرسين فيه ولا له جهاد للبدع وأهلها، وإنما أفعاله فيها ارتياب، وشبهه حيث إن ردوده لا تصب في كشف أهل البدع البعيدين عنه أو الأقربين منه ممن هم موجودون بجانبه، ولهم باع كبير في تخريب السلفية والسلفيين، وإنما ردوده هو غيره ممن نصبوا العداء اليوم للدعوة السلفية في دار الحديث بدماج تنصب على أهل السنة يطاردونهم مطاردة، ويجري تطويقهم، ويتظاهرون بإصلاح ذات البين، وبمحاربة عدوهم كما يفعلون ذلك حينما يردوا على ممن هو قريب منهم ؛فهم يردون على الغرباء ومن يعتبرونهم أجانب، ولا يلتفتون لخصوم الدعوة السلفية الحقيقيين الأقربين لهم من الدين غزو الدعوة السلفية في عقر دارها وخربوها وعاثوا فسادا فيها حتى أصبحت بلادهم أكثر البلاد سقوطا بيد حزب الإخوان المسلمين.
ولو كان هؤلاء يريدون بيان الحق والدفاع عن الدعوة السلفية فعندهم ما يغنيهم عن الكلام في الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج مما يدل على أن في الأمر مؤامرة كبيرة.
فهل رأيتم هؤلاء يواجهون قادة الإخوان المسلمين في بلادهم ويقفون ضد مؤسستهم وهجومهم الواسع على دولة التوحيد والسلفية أو يكشفون نشاطاتهم العلنية والسرية؟؟.
إن الذي حصل لدار الحديث بدماج من الحصار والقتل والقنص والتجويع إنما هو بسبب تحذيرات هؤلاء المتتالية على هذه الدار جرأت الرافضة الحوثيين عليهم وشجعتم مما يدل على أن أيديهم ملطخة بالمؤامرة وأنهم اليوم بموقف لا يحسدون عليه متورطون تورطا عظيما في مصادمة الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج، وقد كانوا يحسبون أهل الدعوة السلفية في اليمن رعاعا أيَّ ناعق يجرهم.
اليمن وصفت بالإيمان وهذا وحي من السماء وليست حكايات تحكى فالدعوة السلفية في اليمن محصنة من فضل الله تعالى وأهلها عُرفوا بالإيمان والشجاعة وعندهم العزيمة لحماية دينهم من غارات أهل التحزب وأهل البدع ، والقدرة العالية لكشف مخططاتهم.
فلو كانت هذه الطعون التي وجهوها إلى الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج منذ نحو أكثر من ثمان سنوات منصبة على حزب الإخوان المسلمين وخلاياهم المنتشرة في بلاد الخليج وبيان أن أخطر ما يقوم به الإخوان المسلمون وفصائلهم الحربُ الضروس على السلفية والسلفيين، وأنهم يريدون تفريغ دولة التوحيد والدعوة التجديدية من محتواها السلفي ويسعون لضربها ومحقها ومسحها من على الأرض لكان للدكتور البخاري ولغيره ما يكيفهم ويكفهم.
ولكن الدكتور والجماعة الذين معه قفزوا لليمن متذرعين بحزب عبد الرحمن العدني تنفيذا للمؤامرة مما يدلك أنهم يعملون حسب مخطط خارجي وينفذون مؤامرة مرسومة لا يمكن لهم أن ينصاعوا لأي صوت غير صوت التحذير والإسقاط لدار الحديث بدماج.
وللأسف الشديد تركوا الإخوان المسلمين يعبثون في البلاد وميليشياتهم وخلاياهم التكفيرية كل يوم تتمدد وتنتشر كالسرطان في المجتمع واستعانتهم بالمال والإعلام واستغلالهم نفوذ الدولة وقدراتها على إسكات من عارضهم وقاموا بإهانة العلماء وتخويفهم وجرجرتهم والتحريض عليهم لا يخفى على أحد.
والدكتور ومن معه من أنصار حزب عبد الرحمن العدني تركوا ذلك كله وغضوا الطرف وذهبوا يحاربون الدعوة السلفية في البلاد اليمنية ؛فالحوادث القائمة اليوم مرتبة ومخطط لها يخططون لتدمير السلفية بعلم وإصرار.
وهذا الكلام ليس جزافا ولا ادعاءا بل هو ثابت موجود والواقع يشهد به ؛فالحزبية قائمة على تضليل المسلمين وخداعهم ويلبسون مسوح الضأن لخداع المسلمين وقلوبهم قلوب الذئاب الضواري وتقيتهم أشد تقية وتفوق تقية الرافضة، ويجهل ذلك من يجهله بسبب التلون والتقية والمكر العظيم.
لقد قام الدكتور عبد الله البخاري بأفاعيل يظهر نفسه من خلالها المحقق المدقق في العلم وهو أشبه بالمقلدين من العوام وأقرب إلى أهل الجهل عميان البصر والبصيرة، وهذا ظاهر في كلامه وفي مواقفه، ومن يستمع إلى أشرطته ويقرأ شيئاً من كتاباته يجد ذلك جلياً.
فكم من مسألة تلقفها من عرفات البرمكي الخايب وصاح بها وصرخ بأن قائل هذا الكلام جاهل ولا يعرف العلم، وأصدر عليها أحكامه المتسمة بطابع الجرأة والوحشية.
وعند الحقائق العلمية والنقول المصدقة الموثقة فإذا به هو الجاهل والذي لا يدرى من أين سقط على العلم .والذي جهل به قائله هو كلام أهل العلم وكلام المحققين المتخصصين في العلم.
ومن تلكم المسائل التي نسب بها إلى غيره الجهل تعبير فضيلة الشيخ العلامة يحيى الحجوري –حفظه الله- بقوله:((الطائفة المنصورة أقرب الطوائف إلى الحق)).
فقد بدع الدكتور من قال هذه المقولة وشنع بها هو غيره على الشيخ الفاضل يحيى الحجوري وهي مقولة العلماء وواردة في تعابيرهم وفي كلامهم .
والدكتور يتلقن من الجهال ويندفع في التبديع والتجهيل، وإصدار الحكام الغليظة ثم يتبخر فيما يتكلم به في أدنى الأمور.
وهكذا تلقف وتقلن من الجهال التعبير في قول الشيخ يحيى الحجوري ((أخرجه عبد الرحمن ابن حسن في فتح المجيد أخرجه ابن كثير)).
الدكتور جعل من هذا التعبير محلا للجهل والتجهيل لقائل هذا الكلام وهو تعبير كبار أهل العلم وثابت في اصطلاحهم.
قال العلامة السخاوي في "مفتح المغيث"(2/372): "التخريج: إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه أو أقرانه، أو نحو ذلك، والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين مع بيان البدل والموافقة ونحوهما مما سيأتي تعريفه. وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج، والتصنيف، والعزو وجعل كل صنف على حده".
ولذلك نجد العلامة المحدث الألباني-رحمه الله- يقول في "الصحيحة"(2/215) رقم:(716): أخرجه ابن الجوزي في " صفوة الصفوة ".
وقال رحمه الله أيضاً في "الصحيحة"(4/59): "أخرجه الحافظ بن كثير في "البداية" (2 / 275).
والدكتور البخاري أخرج رداً يذكر أن من الأصول والبدع التي خالف فيها الشيخ يحيى الحجوري أنه لا يعرف اصطلاح المحدثين في هذه المسألة !!
والحاصل إن الدكتور عبد الله البخاري يتعمد تعظيم الزلات المكذوبة والتهم المدسوسة على الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج، ويتحامل عليهم ويكيل لهم التهم والعظائم والسخرية والاستهزاء يُذِيعُ فيها ما شَاء من التُّهَمِ الباطلة وَالْإِفْكِ الْمُفْتَرَى.
وإذا جاء للدكتور، ومن معه البيان الشافي الكافي في مخالفتهم للحق فيما تكلموا به فإذا بهم يتمسكون بما نقل لهم الجهال من حزب عبد الرحمن العدني من الباطل والنقول المكذوبة والمقطوعة والمبتورة، ويرفضون كل حجة ويهدمون كل حق يمس عبد الرحمن العدني وحزبه، مما يدل على أنهم أنذروا أنفسهم لجهاد السلفيين وشن الحملات المتواصلة عليهم انتصارا لعبد الرحمن العدني وحزبه وذيادا عن حزبيتهم المقيتة.
فمن كان حاله هكذا ويجهل الناس بهذا التقليد الأعمى ويعادي العلماء في كلامهم وتعابيرهم ويحكم عليهم بالجهل والضلال فإنه يكون أسوء طلبة العلم حالا وأكثرهم جهلا وابتعادا عن الحق.
لقد عمل الدكتور البخاري، ومن معه كل هذه الأعمال ظانين أنهم يسقطون فضيلة الشيخ العلامة يحيى الحجوري ويغضون من مكانته، ويذيعون وينشرون الشبهات والأكاذيب من خلال تتبعهم الزلات والبحث عن العثرات لطعن في الدعوة السلفية في دار الحديث بدماج وتشويهها. وإنما هم بهذا أعلوا شأن فضيلة الشيخ العلامة يحيى الحجوري، ورفعوا مكانته، وعرفت الناس حقيقة الدعوة السلفية الصافية النقية في دار الحديث بدماج.
وأَيَّامٌ لَكُمْ طالَتْ سَناءً ... فلَيْسَ لِعائِبٍ فِيها مَعابُ
يَغُضُّونَ الجفُونَ قِلىً ومَقْتاً ... ويَظْهَر مِنْهم الحَسَد العُجابُ
يَغُضُّونَ الجفُونَ قِلىً ومَقْتاً ... ويَظْهَر مِنْهم الحَسَد العُجابُ
وفي هذا المقال أردت أن أبين عبث الدكتور عبد الله البخاري في بعض ما قام به من التحقيق والتعليق لكتاب((التوضيح الأبهر لتذكرة ابن الملقن في علم الأثر))تأليف الحافظ العلامة المؤرخ شمس الدين أبي خير محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي -رحمه الله-،طبعة/أضواء السلف، ط/1 1418هـ/1998م.
وأبين من خلال تعليقاته على هذا الكتاب أن الدكتور ملأ الكتاب بالجهل، وحشاه بالحواشي الخاطئة التي لا فائدة منها تارة بالحكم على عبارات السخاوي بعدم الاستقامة، وتارة بالتخطئة في أمور لا يعلمها الدكتور وليس له دراية بها .
وفي كثير من الأحيان يقوم بالأخذ بالأقوال المرجوحة دون الراجحة عند أهل العلم، وهذا من قصوره في فهم مصطلح علم الحديث.
وبسبب هذا القصور عبث بالكتاب، وترك لنفسه العبث بالمخطوطة وإظهار فهمه السيئ لمقاصد المؤلف حتى يعود على أصل المخطوط بالتغيير لما أراده الشارح من بيان العلم لطالبه وتحميل كلام الشارح ما لا يتحمل مع تهويل الأمور وتكبيرها مما يستوجب القيام بالرد عليه وبيان عبثه وتلاعبه بواحد من كتب مصطلح الحديث الذي يعد ويعتبر في الأهمية بمكان.
(1)- جاء في المقدمة:والمنفرد في سائر الأقطار بالإجماع شمس الدين أبو الخير محمد بن الشيخ المقري ((المرحوم)).
علق الدكتور عبد الله البخاري على قوله:((المرحوم))الأولى والأصوب ترك مثل هذا التعبير إذ لا نعلم هل هو من المرحومين أولا؟ ، وإن كنا نسأل الله له ذلك ،فالواجب أن نقيد القول بالمشيئة.والله أعلم.
أقول : هكذا قال الدكتور عبد الله البخاري في وصف((المرحوم))الأولى والأصوب ترك مثل هذا التعبير، إذ لا نعلم هل هو من المرحومين أولا؟.
ثم قال فالواجب أن نقيد القول بالمشيئة.
أليس هذا التعليق أشبه بكلام العوام، وأن الدكتور يلقي الأحكام جزافا من دون علم ولا حلم.
فإن هذا أسلوب عربي معروف الاستعمال عند العلماء، والوصف بالمرحوم خبر بمعنى الإنشاء أي أنه أراد الإخبار عن قصده يا رب ارحمه، وإن كان ظاهره المغفرة والرحمة قد تمت ولكن يريد اغفر له وارحمه.
والدكتور البخاري يخطىء الكلام الصحيح ويصوب كلامه الذي يجهل فيه أسلوب أهل اللغة وتعبير العلماء له.
وهذا أسلوب معروف عند كثيرين من العلماء، وهم يذكرون مثل هذه العبارات للدعاء، والتفاؤل.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن العثيمين-رحمه الله-:عن قول:(فلان المرحوم)، و(تغمده الله برحمته) و(انتقل إلى رحمه الله)؟. فأجاب بقوله: قول (فلان المرحوم) أو (تغمده الله برحمته) لا بأس بها، لأن قولهم (المرحوم) من باب التفاؤل والرجاء، وليس من باب الخبر، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء فلا بأس به. انظر: المناهي اللفظية للشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين(ص: 32). جمع وإعداد: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان ،دار الثريا للنشر والتوزيع ط1، 1415 هـ.
(2)قال السخاوي: ص(29): ((أقسامه))أي الحديث المضاف إلى النبي قولا له أو فعلا أو تقريرا أو وصفا حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام )).
علق الدكتور عبد الله البخاري(ص28):قلت: وهذا تعريف علم الحديث رواية. وانظر التدريب"1/ 40-41" وقواعد التحديث القاسمي"ص75" وقواعد في علوم الحديث -التهانوي "ص23".وما ذكره الإمام السخاوي هنا هو عين ما في فتح المغيث "1/ 8" من تعريفه للحديث دون الإشارة إلى أنه حد لعلم الحديث رواية.
أقول: لو سلمنا أن العلامة السخاوي لم يشير إلى تعريف علم الرواية فإن هذا محمول على أن معرفة مثل هذا لا يخفى على المبتدئين في معرفة علم الحديث وفن مصطلح الحديث.
فالطالب أول ما يبتدئ في دراسة علم الحديث وفن مصطلح الحديث يقف على تعريف كل من القسمين لتعريف علم الحديث ولا يصعب عليه بعدها التمييز بين التعريفين.
وما قاله الدكتور عبد الله البخاري أن تعريف السخاوي هنا هو عين ما في فتح المغيث "1/ 8" من تعريفه للحديث دون الإشارة إلى أنه حد لعلم الحديث رواية. هذا دليل التخبط وعدم الإدراك إلى أن عبارة علم الحديث تنقسم إلى علم دراية وعلم رواية فإن السخاوي عرف في "فتح المغيث "علم مصطلح الحديث دراية عند قول الحافظ العراقي:
فهذِهِ المَقَاصدُ المهمَّة == تُوضِحُ مِنْ عِلْمِ الحديثِ رَسْمَهْ
فعرف قول الناظم((من عِلم الحديث))الذي لا يكون عند الإطلاق إلا والمراد به مصطلح الحديث علم الحديث دراية بقوله: "الذي هو: معرفة القواعد المعرِّفة بحال الراوي والمَروي"، وهذا هو الذي عرفه في كتابه التوضيح الأبهر في المقدمة.
ثم عرف الحديث الشريف الذي هو علم الحديث رواية بما عرفه هنا فقال في "فتح المغيث"(1/10):((والحديث:لغة ضد القديم. واصطلاحا:ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا له أو فعلا أو تقريرا أو صفة حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام فهو أعم من السنة الآتية قريبا)).
وما ادّعاه من أن السخاوي عرفه بتعريفه للحديث دون الإشارة إلى أنه حد لعلم حديث رواية يعتبر هذا من الجهل إذ أن الدكتور لا يميز ولا يدرك الفرق بين علم الدراية والرواية.
ثم أن السخاوي قام بتعريف الحديث لغة واصطلاحا فلا ينسب إليه ما ينسبه الدكتور، ولا يوجد إشكال.
وكلام الدكتور هذا يدل على أنه يجهل أن التعريف للحديث الذي هو تعريف علم الرواية فإن لفظة الحديث في نفسه هو الرواية فقولهم علم الرواية يقصدون الحديث الشريف وهو تعريف له بعلم الرواية وليس هناك غير علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية الذي هو علم مصطلح الحديث.
وهذا الصنيع من الدكتور يجعل تعريف الحديث مغايرا لتعريف علم الرواية وهما شيء واحد وإلا كيف يقول عن السخاوي أنه عرف علم الحديث دون الإشارة إلى أنه حد لعلم الحديث رواية.وهو قام بتعريفه بما هو حده في علم الرواية والذي يتميز به عن تعريفهم لعلم مصطلح الحديث دراية.ألا يدل هذا أن الدكتور عنده غبط في التفريق بين التعريف علم مصطلح الحديث دراية ولعلم الحديث رواية.
فإن العلماء في هذا الشأن قسموا علم الحديث إلى قسمين علم رواية وعلم دراية وخصوا علم الدراية بكتب مصطلح الحديث، وهو المراد عند الإطلاق.
ولذلك كان علم مصطلح الحديث يعد علم الدراية الذي هو موضوع هذا الكتاب:(التوضيح الأبهر لتذكر ابن ملقن في علم الأثر)،كما هو موضوع(فتح المغيث بشرح ألفية الحديث).
ولما كان علم مصطلح الحديث يعتبر علم دراية الحديث احتاجوا إلى تميزه وبيان حده عن ثاني قسميه علم الرواية ؛فبدؤوا بتعريف علم الحديث الدراية المتعلق بهذا الفن، كما بينوا تعريف علم الحديث رواية، وكان الفرق بينهم واضحا جدا لا يحتاج إلى إشارة إلا عند من يجهل الواضحات بمبادئ علم مصطلح الحديث، وإليك تعاريفهم: قال السخاوي-رحمه الله- في"التوضيح الأبهر لتذكرة ابن ملقن في علم الأثر":((فهذه تذكرة في علوم الحديث:التي هي قواعد المُعْرِّفة بحال الرَّاوي والمروي)).
وقال ابن جماعة :"علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن، لمعرفة الصحيح من غيره" (التدريب: 1/41).
وقيل: هو علم يعرف منه حقيقة الرواية، وشروطها، وأنواعها، وأحكامها، وحال الرواة، وشروطهم، وأصناف المرويات، وما يتعلق بها.
وقيل: هو علم يعرف به حال الراوى والمروى، من جهة القبول والرد (توضيح الأفكار: 1/6)
وقال ابن حجر: أولى التعاريف له أن يقال: هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوى والمروى (التدريب: 1/41).
ومن هنا يتبين غلط الدكتور عبد الله البخاري لأن الفرق بينهما واضح جدا فموضوع علم الحديث متعلق بالسماع للحديث والنقل للرواية عمن سمعه.
وقد قالوا في تعريف علم الرواية: هو علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية وخُلقية، وكذا ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم". وعرفه الكرماني في"شرح البخاري للكرماني(1/12):"بأنه:علم يعرف به أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-في"مجموع الفتاوى"(18/6-7):"الحديث النبوي عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به عنه صلى الله عليه وسلم بعد النبوة من قوله وفعله وإقراره".
وقد أشار إلى ما ذكرته الحافظ السيوطي في تدريب الراوي في مقدمته عند الكلام على حد علم الحديث وما يتبعه حيث قال: " وهذه مقدمة فيها فوائد :
الأولى:في حد علم الحديث وما يتبعه:قال ابن الأكفاني في كتاب إرشاد القاصد الذي تكلم فيه على أنواع العلوم :علم الحديث الخاص بالرواية:"علم يشتمل على نقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلمن وروايتها، وضبطها، وتحرير ألفاظها".
وعلم الحديث الخاص بالدراية:"علم يعرف منه حقيقية الرواية، وشروطها، وأنواعها، وأحكامه وحال الرواة، وشروطهم وأصناف المرويات، وما يتعلق بها"انتهى.
ثم قال السيوطي رحمه الله: "فحقيقة الرواية: نقل السنة ونحوها وإسناد ذلك إلى من عُزِيَ إليه بتحديث أو إخبار أو غير ذلك".اهـ
فسموه نقلا لأن موضوع الرواية نقل المأثور عن غيره.والحديث اسم من التحديث الذي هو الإخبار ،ثم سمي به قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره وصفته.
والحديث النبوي عند الإطلاق ينصرف إلى علم الرواية، وعلماء الحديث يطلقون اسم علم الرواية على جميع كتب الحديث وكتب السنة.
لذلك كان لفظ السنة مرادف للحديث، وقد عرفها الحافظ ابن حجر في"فتح الباري(13/245):"بأنها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريره وما هم بفعله".
أما علم مصطلح الحديث هذا فيطلقون عليه علم الحديث دراية، وعلم مصطلح الحديث ، أو علوم الحديث ، أو أصول الحديث، وهو المراد عند الإطلاق في قوله: "علم الحديث".
فلإشارة إلى توضيح الواضحات من المشكلات، وتعريف علم مصطلح الحديث وعلم الحديث والفرق بينهما لا يجهله المبتدئ في هذا الفن فضلا على من يدعي التخصص فيه.
(3)قال السخاوي-رحمه الله-(ص:29):"(أقسامه.....ثلاثة)بالنظر لما استقر الأمر عليه؛ إذ جمهور المتقدمين لم يذكروا الثاني)).
علق الدكتور بقوله:"يقصد الحسن، إلا أن بعض الأئمة المتقدمين استخدم وأطلق هذا اللفظ على أن مراده الحسن اللغوي، وبعضهم مراده بالحسن الحديث الصحيح الغريب، والصحيح مطلقا، وليس المعنى الاصطلاحي.
أقول: كلام الدكتور هنا من الحشو الذي لا حاجة له في هذا الموضع فإن السخاوي يشير إلى أن الذي استقر عليه العمل، أن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:1- الصحيح .2- الحسن.3- الضعيف.
وقد كان أكثر المتقدمين على تقسيم الحديث إلى قسمين فقط، وهما:الصحيح والضعيف.
ولكن الترمذي-رحمه الله- أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر من غيره، وكان قبله قليلاً ما يُطلق.
وقد سبق الترمذي البخاري وأبو حاتم الرازي إلى هذا الاصطلاح وغيرهما، ولكنه انتشر واشتهر في كتب الترمذي .
كما وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم منهما كالشافعي ومالك ،بل من هو أقدم كإبراهيم النخعي وشعبة وعلي بن المديني ، وغيرهم .
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في"النكت على كتاب ابن الصلاح"(1/144):"أقول وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي" وذكر إبراهيم النخعي وشعبة ثم قال:"ووجد هذا من أحسن الأحاديث إسنادا في كلام ابن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة وجماعة، ولكن منهم من يريد المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده".
وقال السخاوي في فتح المغيث(1/14)"عند قول العراقي :
وأهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن
قال: "وأهل هذا الشأن الحديث قسموا بالتشديد السنن المضافة للنبي صلى الله عليه وسلم قولا له أو فعلا أو تقريرا إلى صحيح وضعيف وحسن وذلك بالنظر لما استقر اتفاقهم بعد الاختلاف عليه وإلا فمنهمكما سيأتي في الحسن بما حكاة ابن الصلاح في غير هذا الموضوع من علومه منيُدرج الحسن في الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج بل نقل ابنُ تيمية إجماعهم إلا الترمذي خاصة عليه.أو بالنظر لأنه لم يقع في مجموع كلامهم التقسيمُ لأكثرَ من الثلاثة وإن اختلفوا في بعضهما كما في رَكِبَ القومُ دوابَّهم .وخصت الثلاثة بالتقسيم لشمولها لما عداها وبعدها مما سيذكر".اهـ
فقول السخاوي"لما استقر الأمر عليه؛ إذ جمهور المتقدمين لم يذكروا الثاني".يبين أنه لا يريد الكلام على الاصطلاح الغوي الذي أشار إليه الدكتور عبد الله البخاري.بل يشير السخاوي إلى أن الحديث في اصطلاح المتقدمين من أهل الحديث كان ينقسم إلى قسمين:صحيح وضعيف.
وأما الحسن فكان بعضهم يدرجه في نوع الصحيح وبعضهم في الضعيف قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"منهاج السنة النبوية"(4/341):"وأما نحن فقولنا : إن الحديث الضعيف خير من الرأي ،ليس المراد به الضعيف المتروك لكن المراد به الحسن ،كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث إبراهيم الهجري، وأمثالهما ممن يحسِّن الترمذي حديثه أو يصححه وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي: إما صحيح وإما ضعيف.والضعيف نوعان:ضعيف متروك، وضعيف ليس بمتروك.فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لم يعرف إلا اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض الأئمة:الحديث الضعيف أحب إلى من القياس ،فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعّفه مثل الترمذي وأخذ يرجِّح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح، وهو في ذلك من المتناقضين الذين يرجّحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه إن لم يكن دونه ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في "مجموع الفتاوى"(18/25-26):"والضعيف عندهم نوعان:ضعيف لا يمتنع العمل به وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي وضعيف ضعفا يوجب تركه وهو الواهي".
ثم إن الإمام الترمذي هو الذي عثر عنه استعمال هذه التقسيم وبيّن مراده بذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"مجموع الفتاوى"(18/23):"وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف ،فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسى الترمذي، ولم يكن تعرف هذه القسمة عن أحد قبله، وقد بين أبو عيسى مراده بذلك.
فذكر أن الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن فيهم متهم بالكذب، ولم يكن شاذا وهو دون الصحيح الذي عرفت عدالة ناقليه وضبطهم.
وقال:الضعيف الذي عرف أن ناقله متهم بالكذب ردئ الحفظ ؛فإنه إذا رواه المجهول خيف أن يكون كاذبا أو سيء الحفظ ،فإذا وافقه آخر لم يأخذ عنه عرف أنه لم يتعمد كذبه...".
وقال السخاوي في"فتح المغيث"(1/129):" وبالجملة فالترمذي هو الذي أكثر من التعبير بالحسن ونوه بذكره كما قاله ابن الصلاح ولكن حيث ثبت اختلاف صنيع الأئمة في إطلاقه فلا يسوغ إطلاق القول بالاحتجاج به بل لابد من النظر في ذلك. فما كان منه منطبقا على الحسن لذاته فهو حجة أو الحسن لغيره فيفضل بين ما تكثر طرقه فيحتج ومالا فلا وهذه أمور جملية تدرك تفاصيلها بالمباشرة ".
ويشير أيضا السخاوي –رحمه الله-أن من العلماء من لا يحتج بالحسن، ولذلك أشار إلى قول ابن الصلاح في النوع الثاني:الحسن:"وهو في الاحتجاج به كالصحيح عند الجمهور".
وهذا فيه إشارة أن هناك من يخالف في ذلك كأبي حاتم في"العلل لابن أبي حاتم"(1/132) فإنه لا يرى حجية الحديث الحسن، وكذلك البخاري لا يرى حجية الحديث الحسن كما في توضيح الأفكار للصنعاني(1/180)، واختاره ابن العربي في عارضة الأحوذي شرح الترمذي(2/232).
(4)قال السخاوي:(30):"(فالصحيح):لذاته وكذا لغيره،(ما سلم من الطعن في إسناده ومتنه) إذ هو المتصل السند بالعدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتُضد من غير شذوذ ولا علة)).
علق الدكتور عبد الله البخاري:((نعم هذا التعريف جمع بين تعريف الحديث الصحيح لذاته وكذا تعريف الحديث الحسن لذاته؛ إذ الصحيح لغيره الذي أشار إليه المصنف إنما هو الحديث الحسن المعتضد بمثله، إذ صحح لأمر أجنبي عنه، فالاشتراك بين الصحيح والحسن في جميع الصفات العليا للقبول، والافتراق في صفة واحدة منها وهي الضبط، فالصحيح تام الضبط، والحسن قصر عن تمام الضبط)).
أقول: كلام السخاوي واضح في أنه أراد تعريف الحديث الصحيح لذاته وتعريف الحديث الصحيح لغيره الذي هو يقابله في القسمة بدليل أنه عرف الحسن لذاته استقلالا وذكر ما يقابله من الحسن لغيرهالذي ينتج من تقوية الحديث الضعيف بالشواهد والطرق، ولا يريد أن يجمع بين تعريف الصحيح لذاته وبين الحسن لذاته.
وما ذكره من القيد ((إذا اعتضد))يخرج الحسن لذاته لأن الحسن لذاته أحط بالصحة من الصحيح لغيره، وإن كان الحسن لذاتهِ إذا اعتضد صار صحيحاً، وهذا هوَ الصحيحُ لغيرهِ إلا أن التعريف المذكور إنما هو للصحيح لذاته وما يقابله الصحيح لغيره إذا اعتضد الذي هو القسم الثاني من قسم ما يسمى بالصحة مقابلة للصحيح لذاته اصطلاحا.
قال العلامة الألباني-رحمه الله-في"الصحيحة"(6 / 499):"ألا ترى أن الحديث الحسن لغيره أحط في الثبوت من الحسن لذاته، وهذا أحط في الصحة من الصحيح لغيره، وهذا أحط من الصحيح لذاته، وهكذا يقال في المشهور والمستفيض مع المتواتر كما هو ظاهر".
ولذلك أطبق العلماء في مبحث الحديث الصحيح أن يذكروا الحديث الصحيح بشموله للقسمين: الصحيح لذاته والصحيح لغيره بأنه: "هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل تام الضبط، أو القاصر...، ولا يريدون تعريف الحديث الحسن لذاته.وهذا مما راعوه أهل هذا الفن وراعوا القسمة في التعاريف فلو جعلوا الحسن لذاته يدخل في تعريف الصحيح لذاته والصحيح لغيره لكان الحسن لغيره يدخل في قسمة الضعيف، وهذا شيء لم يفعله السخاوي في شرحه هذا.
وهذا الذي انتقده العلماء في مصطلح الحديث على ابن الصلاح وألزموه بإدخال الحسن لغيره في قسم الضعيف قال السيوطي-رحمه الله-في"تدريب الراوي"(1/ 68):"قال ابن حجر قد اعتنى ابن الصلاح والمصنف بجعل الحسن قسمين أحدهما لذاته والآخر باعتضاده فكان ينبغي أن يعتني بالصحيح أيضا وينبه على أن له قسمين كذلك وإلا فإن اقتصر على تعريف الصحيح لغيره في نوع الحسن لأنه أصله فكان ينبغي أن يقتصر على تعريف الحسن لذاته في بابه ويذكر الحسن لغيره في نوع الضعيف.اهـ
(5)قال السخاوي:(ص:31):"(ومنه) أي من الصحيح لذاته مما هو أعلى مراتبه، (المتفق عليه: وهو ما أودعه الشيخان) البخاري ومسلم(في صحيحهما) الذي أولهما أصحهما لا [عند] كل الأمة، وإن تضمن اتفاقها لتلقيها لهما إلا ما علل مما أجيب عن بالقبول".
علق الدكتور:"ما بين المعقوفتين من عندي وهو غير موجود في النسختين ولا في المطبوعة؛ إذ أرى أنه بدون إضافة توضيحية بمثل هذا لا يستقيم المعنى، فيكون المعنى بعد إضافة كلمة[عند]، أن صحيح البخاري -المسند منه دون التعاليق وأقوال الصحابة والتابعين- مقدم على صحيح مسلم لدى جمهور المحدثين لا عند كلهم؛ إذ خالف في ذلك جماعة من الأئمة من أهل المغرب كأبي محمد بن حزم وغيره".
أقول: المعنى واضح ومستقيم من دون الزيادة، ولم يأت الدكتور بجديد في توضيحه، وإنما كلام الدكتور من تهويل الأمور وتكبيرها على نحو قول القائل:((أسمع جعجعة ولا أرى طحنا)).وقد اعتبر هذه العبارة بنصها الملا نور الدين أبو الحسن القاري في"شرح نخبة الفكر "(1/266):"أودعه الشيخان البخاري ومسلم ،في صحيحيهما -الذي أولهما أصحهما- لا كل الأمة ، وإن تضمن اتفاقهما لتلقِّيها لهما إلا ما عُلِّلَ مما أجيب عنه بالقَبول".
(6)قال السخاوي(33):"وإن أريد تعريفه لذاته ولغيره فهو:ما اتصل سنده بالعدل القاصر في الضبط أو بالمضعف بما عدا الكذاب ،إذا اعتُضد من غير شذوذ ولا علة".
علق الدكتور عبد الله البخاري عند قول السخاوي:((أو بالمضّعف بما عدا الكذب))وهو ما عبر عنه الترمذي في"العلل الصغير"الملحق آخر(الجامع)(5/758)بقوله:"وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب .....".
أقول: الذي يبدو لي أن العلامة السخاوي لا يريد أن يعرّف الحسن بما هو عند الترمذي، والدكتور عبد الله البخاري فيما علق به أبعد جدا وخاصة أن تعليقه جاء عند قول السخاوي(بالمضعف بما عدا الكذب)وهذا يخالف نص كلام الترمذي فإنه قال((كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب...)).والعلامة السخاوي أراد تعريف الحسن لغيره بما هو معروف عند العلماء حيث قال((بالمضعف بما عدا الكذب)وهذا هو الذي يجري عليه تعريف الحسن لغيره، وهو الذي نقله الدكتور في استدراك العلامة أحمد شاكر على الحافظ السيوطي.وتعريف الإمام الترمذي الذي نقله الدكتور عبد الله البخاري، إنما هو اصطلاح جرى عليه في كتابه هذا خاصة ولذلك ستشكله كثير من أهل العلم أن يكون تعريفا للحسن لذاته أو الحسن لغيره.قال في"فتح المغيث":"وسبقه ابن الموّاق فقال:لم يختص الترمذي -يعني في تعريفه السابق- الحسن بصفة تُميِّزه عن الصحيح ،فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ولا يكون صحيحا حتى يكون رواته غير متهمين ،بل ثقات. قال: فظهر من هذا أن الحسن عنده صفة لا تخص هذا القسم ،بل قد يشركه فيها الصحيح، فكل صحيح عنده حسن، و لا ينعكس، ويشهد لهذا أنه لا يكاد يقول في حديث يصححه إلا حسن صحيح".
وقال العلامة أحمد شاكر في "الباعث الحثيث":"وقال العرقي بعد نقل عبارة الترمذي:"فقيّد الترمذي تفسير الحسن بما ذكره في كتابه"الجامع"فلذلك قال أبو الفتح اليعمري في"شرح الترمذي":إنه لو قال قائل:إن هذا إنما اصطلح عليه الترمذي في كتابه هذا، ولم يقله اصطلاحا عاماً، كان ذلك ؛فعلى هذا لا يُنْقلُ عن الترمذي حدُّ الحديث الحسن بذلك مطلقا في الاصطلاح العام".
وقال ابن الملقن في "المقنع"(1/84):"وفيه نظر أيضا لأن الصحيح شرطه:أن لا يكون شاذا، وأن لا يكون في رجاله من يتهم بالكذب نعم فيه من لا يعرف إلا من وجه واحد خلافا لما ادعاه الحاكم.ويشكل على هذا أيضا ما يقال فيه:إنه حديث حسن مع أنه ليس له مخرج إلا من وجه واحد".
وقال ابن الصلاح في"مقدمة علوم الحديث"(ص:15):"كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح".
وقال العلامة احمد شاكر في شرح الباعث الحثيث عند الكلام على قول الترمذي حسن صحيح:"وقال الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة هنا معلقاً:أوقعهم في الحيرة جعلهم الحسن قسم الصحيح ،فورد عليهم وصف الترمذي لحديث واحد بأنه حسن صحيح ،فأجاب كلٌ بما ظهر له.والذي يظهر أن الحسن في نظر الترمذي أعم من الصحيح ،فيجامعه وينفرد عنه وأنه في معنى المقبول المعمول به ،الذي يقول مالك مثله:"وعليه العمل ببلدنا"وما كان صحيحا ولم يعمل به لسبب يسميه الترمذي "صحيحاً"فقط وهو مثل ما يرويه مالك في"موطأه"ويقول عقبه:"وليس عليه العمل".
وكأن غرض الترمذي أن يجمع في كتابه بين الأحاديث وما أيدها من عمل القرون الفاضلة من الصحابة ومن بعدهم ،فيسمي هذه الأحاديث المؤيدة بالعمل حسانا سواء صحّت أو نزلت عن درجة الصّحة، وما لم تتأيّد بعمل لا يصفها بالحسن وإن صحت .هذا الذي يظهر قد استفدناه من مذاكرة بعض شوخنا ومجالستهم".
(7)قال الشارح السخاوي:فاختص من المعضل والمنقطع بكونه من مصنِّفٍ [ومما بعد الحصر فيه ].
علق الدكتور: ما بين المعقوفتين من"ب"وكذا في المطبوعة، والجملة في "أ"((والآخران مما يقع فعل الآخر))،هكذا رسمها، والمعنى غير واضح، وعلى كل فما أثبته يستقيم به المعنى؛ إذ بين المعضل والمعلق عموم وخصوص، ذلك أن المعضل ما سقط منه اثنان فأكثر بشرط التوالي فهو بهذا يجتمع مع المعلق في بعض الصور، وأما المعلق فهو مقيد بأنه من تصرف مصنف من مبادئ الإسناد يفترق منه؛ إذ هو أعم من ذلك. بتصرف من النزهة "ص 100- مع النكت".
أقول: إن ما ذكره الدكتور في قوله" إذ بين المعضل والمعلق عموم وخصوص"لا يفهم من خلال العبارة التي أتبثها من نسخة (ب)،كما أن المعنى مستقيم من دون الزيادة التي ادّعا في إثباتها استقامة المعنى .وكان على الدكتور بدلا من أن يدعي فساد المعنى أن يسعى إلى توضيح عبارة المؤلف ويثبت أقرب العبارات التي تدل على مراده لا أن يدعي أنه لو حذف هذه العبارات فإن المعنى لا يستقيم كما هو واضح من خلال ما فسر به استقامة المعنى حيث قال الدكتور((إذ بين المعضل والمعلق عموم وخصوص، ذلك أن المعضل ما سقط منه اثنان فأكثر بشرط على التوالي))هذا الكلام لا علقه له بالمعنى ولا علقه له بالعبارة التي من نسخة(ب).ثم إن العبارات التي جعلها في الحاشية من نسخة "أ"((والآخران مما يقع فعل الآخر))،هي أقرب لسياق الكلام وسباقه وعبارته حيث إن سياق كلام السخاوي وعبارته يدلان على أنه يريد أن يبين أن المعلق اختص وانفرد عن الأخريين من المعضل والمنقطع بكونه خص بالانفراد من مبدأ السند من مصنف وهذه هي نص عبارته قال:((فاختص من المعضل والمنقطع بكونه من مصنِّفٍ)).فإذا كان المعلق اختص من مصنف فالآخران يقع فعلهما من غير مصنف كما هو الحال في المعضل الذي يكون السقط به من غير المصنف وإنما من بعد المصنف، وكما هو أيضاً واضح في المنقطع.
(8)قال الشارح السخاوي(ص:24):((الشاذ: وهو ما روى الثقة)) أو الصدوق (مخالفًا لرواية الناس).
علق الدكتور عبد الله البخاري هذا تعريف الإمام الشافعي وهو المعتمد- انظر"معرفة علوم الحديث" للحاكم "ص119"، وقال في(ص:47):"والصواب والمختار تعريف الشافعي كما تقدم".وهكذا قال الدكتور في مقدمة الكتاب((7- المقارن بين شرح الإمام السخاوي هنا وبين ما سطره في كتابه النافع"فتح المغيث"يجد توافقًا في الشرح والتعليق، وعلى سبيل المثال تعريفه للمقطوع والشاذ، وترجيحه في الكتابين لمذهب الشافعي في تعريف الشاذ)).
أقول: إن ما ذكرته بأن هذا التعريف هو تعريف الإمام الشافعي ليس كذلك بل هذا اختيار السخاوي تبعا لشيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله-، ولذلك قال السخاوي هنا((الشاذ: وهو ما روى الثقة أو الصدوق))، وهذا يخالف تعريف الإمام الشافعي-رحمه الله-فالشافعي يقصر الشذوذ على مخالفة الثقة.
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:"هو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يروه غيره". وهذا يلزم عليه تفرد غير الثقة وهو المقبول أو الصدوق الضابط غير الثقة ففي قيد مخالفة الثقة يخرج المقبول فيكون التعريف غير الجامع. والذي اعتمده الحافظ السخاوي هنا وفي "فتح المغيث" ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في "شرح نزهة النظر "في تعريف الشاذ حيث قال: "وعُرِفَ مِن هذا التقريرِ أن الشاذ: ما رواهُ المقْبولُ مُخالِفاً لِمَنْ هُو أَوْلَى مِنهُ، وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح"قال القاري في"شرح نخبة الفكر"(1/253):"والمقبول أعم من أن يكون ثقة، أو صدوقاً وهو دون الثقة".فالمقبول يشمل الثقة والصدوق، يعني راوي الحديث الصحيح وراوي الحديث الحسن، كلهم يشملهم وصف القبول.
قال السخاوي في فتح المغيث"(2/8):"وأخصه منه كلام الحاكم لأنه تفرد غير الثقة".ثم قال على تعريف الشافعي:"وأخص منه كلام الشافعي لتقييده بالمخالفة مع كونه يلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم".وقال أيضا في"فتح المغيث"(2/12)في الكلام على المنكر:"وقد حقق شيخنا التمييز بجهة اختلافهما في مراتب الرواة ،فالصدوق إذا تفرّد بما لا متابع له فيه ولا شاهد، ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في المقبول ،فهذا أحد قسمي الشاذ ،فإن خولف من هذه صفته مع ذلك كان أشد في شذوذه، وربما سماه بعضهم منكرا، وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط ،لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط ،فهذا القسم الثاني من الشاذ، وهو المعتمد كما قدمنا في تسميته....فهذا القسم الثاني من الشاذ وهو المعتمد كما قدمناه في تسميته وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه خاصة أو نحوهم ممن لا حكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد إطلاق المنكر عليه من المحدثين كأحمد والنسائي وإن خولف مع ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين في تسميته فبان بهذا فضل المنكرين الشاذ وأن كلا منهما قسمان يجتمعان في مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق غير ضابط والمنكر راويه ضعيف بسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك وكذا فرق في شرح النخبة بينهما لكن مقتصرا في كل منهما على قسم المخالفة فقال في الشاذ إنه ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه ".وهذا هو المعتمد في تعريف (الشاذ) بحسب الاصطلاح ؛كما قال الحافظ انظر "نزهة النظر شرح النخبة"(ص 9 ، 14).ونقله السيوطي في "تدريب الراوي"(1/270)فقال: "وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه قال وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح".
والحاصل:
أن الرجل قليل البضاعة وأتى بأمور عجيبة بسبب فقدان إحساسه العلمي وضعف اليقظة لديه فإنه مجرد شخص متعالم من طلبة الدكتوراه من الذين يريدون الظهور بها أمام الناس دون احترام العلم ورعاية الأمانة العلمية والموضوعية، والتجرد لخدمة هذا العلم الشريف.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه: أبو مصعب
علي بن ناصر بن محمد العـدني
حمل المقال من الخزانة العلمية
تعليق