بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله, والصّلاة والسّلام على رسول الله و على آله وأصحابه الأخيار إلى يوم الدّين.
أمّابعد:
أردت أن انشر هذا الموضوع بسبب ما انتشر في هذه الآونة الأخيرة من الوقيعة في أعراض الصّحابة رضوان الله عليهم لما حصل من الإختلاف والإقتتال فيما بينهم,حيث استغلّ هذا بعض دعاة الضّلالة كالإخوان المسلمين و الرافضة وغيرهم,ومن ضعاف النّفوس,وبعض الجهلة,لينفذوا بالتّالي إلى الطّعن في الإسلام والمسلمين,وليقذفوا في قلوب النّاس كره الصّحابة وبغضهم لتشتيت كلمة المسلمين,وبثّ الفرقة بينهم,والواجب علينا الدّفاع عنهم و السّكوت على ما وقع بينهم,وهذا لسبقهم واختصاصهم بصحبة النّبي صلّى الله عليهم وسلّم,والجهاد معه,وتحمل الشريعة عنه,وتبليغها لمن بعدهم ,وقد أثنى الله عليهم في كتابه الكريم:{والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار و الذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّلهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداًَ*ذلك الفوز العظيم}سورة التوبة(100).
مذهب أهل السنّة و الجماعة فيما حدث بين الصّحابة من القتال و الفتنة:
سبب الفتنة:تآمر اليهود على الإسلام وأهله,فدسوا ماكرا خبيثا تظاهر بالإسلام كذبا وزورا هو:عبد الله بن سبأ,من يهود اليمن,فأخذ هذا اليهودي ينفث حقده وسمومه ضد الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين:عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه-ويختلق التّهم ضده,فالتف حوله من انخدع به من قاصري النّظر وضعاف الإيمان ومحبي الفتنة,وانتهت المؤامرة بقتل الخليفة الرّاشد عثمان رضي الله عنه مظلوما,وعلى أثر مقتله حصل الإختلاف بين المسلمين,وشبّت الفتنة بتحريض من هذا اليهودي وأتباعه,وحصل لقتال بين الصّحابة عن اجتهاد عنهم.
قال شارح الطّحاوية(إنّ أصل الرّفض إنّما أحدثه منافق زنديق,قصده إبطال دين الإسلام,والقدح في الرسول صلى الله عليه وسلّم كما ذكر ذلك العلماء,فإنّ عبدالله بن سبأ,لمّا أظهر الإسلام,أراد أن يفسد دين الإسلام بمكره وخبثه_ كما فعل بولس بدين النّصرانية-فأظهر التنسك,ثمّ أظهر الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر,حتّى سعى في فتنة عثمان وقتله,ثمّ لمّا قدم على الكوفة أظهر الغلوّ في علي رضي الله عنه,والنّصر له,ليتمكن بذلك من أغراضه,وبلغ ذلك علياً فطلب قتله,فهرب منه إلى قرقيس,وخبره معروف في التّاريخ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(فلمّا قتل عثمان رضي الله عنه,تفرّقت القلوب وعظمت الكروب,وظهرت الأشرار وذلّ الأخيار,وسعى في الفتنة من كان عاجزاً عنها,وعجز عن الخير والصلاح من كان يحب إقامته,فبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه_هو أحق النّاس بالخلافة حينئذ,وأفضل من بقي,لكن كانت القلوب متفرّقة,ونار الفتنة متوقدة,فلم تتفق الكلمة,ولم تنتظم الجماعة,ولم يتمكن الخليفة و خيار الأمّة من كلّ ما يريدونه من الخير,ودخل في الفرقة و الفتنة أقوام,وكان ما كان)
من مجموع الفتاوى(25|305.304).
وقال أيضا: مبينا عذر المتقاتلين من الصّحابة,في قتال علي و معاوية:( ومعاوية لم يدّع الخلافة,ولم يبايع له بها حين قاتل علياً,ولم يقاتل على أنّه خليفة,ولا أنّه يستحق الخلافة,وكان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه,ولا كان معاوية وأصحابه يَرَونَ أن يبتدؤا علياً وأصحابه بالقتل,بل لمّا رأى علي رضي الله عنه وأصحابه أنّه يجب عليهم طاعته و مبايعته,إذ لا يكون للمسلمينإلاّ خليفة واحد,وأنّهم خارجون عن طاعته,يمتنعون هذا الواجب, وهم أهل شوكة,رأى أن يقاتلهم حتّى يؤدّوا هذا الواجب,فتحصل الطاعة و الجماعة,وهم(أي معاوية ومن معه)قالوا:إنّ ذلك لايجب عليهم,وأنّهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين,قالوا:لأنّ عثمان قُتِلَ مظلوماً باتفاق المسلمين,وقتلته في عسكر علي,وهم غالبون لهم شوكة,فإذا امتنعنا ظلمونا واعتدوا علينا,وعلي لا يمكنه دفعهم كما لم يمكنه الدفع عن عثمان,وإنما علينا أن نبايع خليفة يقدر على أن ينصفنا ويبذل لنا الإنصاف.
ومذهب أهل السنة والجماعة في الإختلاف الذي حصل,والفتنة التي وقعت من جرائها الحروب بين الصحابة,يتلخص في أمرين:
الأمر الأول:أنّهم يمسكون عن الكلام فيما حصل بينهم,ويكفون عن البحث قيه,لأن طريق السلامة هم السكون عن مثل هذا,ويقولون:{ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين ءامنوا ربّنا إنّك رءوفٌ رّحيم}الحشر:10.
الأمر الثّاني:الإجابة عن الآثار المروية في مساويهم,وذلك من وجوه:
الوجه الأوّل:أنّ هذه الآثار منها ما هو كذب,قد افتراه أعداؤهم ليشوّهوا سمعتهم.
الوجه الثاني:أنّ هذه الآثار منها ما قد زيد و نقص فيه,وغُيِِّرَ عن وجه الصحيح ,ودخله الكذب,فهو محرّف لا يلتفت إليه.
الوجه الثالث:أنّ ما صح من هذه الآثار_وهو القليل_هم فيه معذورون,لأنّهم إمّا مجتهدون مصيبون,وإمّا مجتهدون مخطئون,فهو من موارد الإجتهاد الذي إن أصاب فيه فله أجران,وإن أخطأ فله أجر واحد,والخطأ مغفور,لما في الحديث:أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران,وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد"في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
الوجه الرابع:أنّهم بشر يجوز على إفرادهم الخطأ,فهم ليسوا معصومين من الذنوب بالنسبة للأفراد,لكن ما يقع منهم فله مكفرات عديدة منها:
*-أن يكون قد تاب منه,والتوبة تمحو السيئة مهما كانت,كما جاءت بهالأدلة.
*-أنّ لهم من السوابق و الفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم,إن صدر,قال تعالى:{إنّ الحسنات يذهبن السّيّئات}هود:114
ولهم من الصّحبة و الجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يغمر الخطأ الجزئي.
*-أنّهم تضاعف لهم الحسنات أكثر من غيرهم,ولا يساوي أحد في الفضل,وقد ثبت بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّمأنّهم خير القرون,وأنّ المُدّ من أحدهم إذا تصدق به,أفضل من جبل أُحد ذهباً إذا تصدق به غيرهم (في الحديث المتفق عليه)_رضي الله عنهم وأرضاهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(وسائر أهل السنة و الجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة,ولا القرابة ولا السابقين ولا غيرهم,بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم,و الله تعالى يغفر لهم بالتوبة, ويرفع لها درجاتهم,و يغفر لهم بحسنات ماحية,أو بغير ذلك من الأسباب,و قال تعالى:{و الذي جاء بالصّدق و صدّق به أولئك هم المتّقون 0 لهم مّا يشاءون عند ربهم*ذالك جزاء المحسنين 0 ليكفّر الله عنهم أسوأ الذي عملوا و يجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون}الزمر:32-35.
وقال تعالى:{حتّى إذا بلغ أشدّه و بلغ أربعين سنة قال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ و على والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذرّيّتي*إنّي تبت إليك وإنّي من المسلمين0أولئك الذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيّئاتهم في أصحاب الجنّة}الأحقاف:15.16.انتهى من مجموع الفتاوى(35\69)).
وقداتخذ أعداء الله ما وقع بين الصّحابة وقت الفتنة من الإختلاف و الإقتتال سببا للوقيعة بهم,و النيل من كرامتهم,وقد جرى على هذا المخطط الخبيث بعض الكتّاب المعاصرين,الذين يهربون بما لا يعرفون,فجعلوا أنفسهم حكما بين أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم,يصوّبون بعضهم,ويخطئون بعضهم,بلا دليل,بل الجهل واتباع الهوى,وترديد ما يقوله المغرضون و الحاقدون من المستشرقين و أذنابهم,حتّى شككوا بعض ناشئة المسلمين_ممن ثقافتهم ضحلة_بتاريخ أمتهم المجيد,وسلفهم الصالح الذين هم خير القرون,لينفذوا بالتّالي إلى الطعن في الإسلام,وتفريف كلمة المسلمين,وإلقاء البغضَ في قلوب آخر هذه الأمّة لأوّلها,بدلاً من الإقتداء بالسلف الصالح,والعمل بقولهتعالى:{والذين جآءو من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين ءامنوا ربّنا إنّك رءوف رّحيم}الحشر:.10
منقول من كتاب عقيدة التوحيد للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله.
تعليق