بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد؛ فقد اطلعت على ما نشر في صحيفة الوئام الالكترونية بتاريخ 29/5/1434هـ من تعقيب على كلمتي التي نشرت بتاريخ 5/5/1434هـ بعنوان: «أشكال التغريب الطارئ أخيراً على بلاد الحرمين في الوزارات والإدارات الحكومية وغيرها»، وكان التعقيب تحت عنوان: «حقوقي: رسالة عبدالمحسن العباد حملت تهماً لجهات حكومية بالتغريب»، وأُسند التعقيب مرة إلى مصدر حقوقي ومرة إلى مصادر حقوقية خاصة ومرة إلى مصادر حقوقية شرعية، مما يفيد أن التعقيب اشترك فيه أكثر من مصدر، وأيضاً فإن هذا التعقيب لم يتجاوز الدفاع بغير حق عن وزارة العدل ومجلس الشورى مما يفيد أن تلك المصادر الحقوقية لم تخرج عن هاتين الجهتين، وقد ذكرني هذا المصدر الحقوقي المجهول ومن شاركوه المثل الذي يقال لمن لا يعرف: (هيّان بن بيّان)، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (1/91): «والعرب إذا ذكرت من لا يعرف قالوا: هيّان بن بيّان»، وانظر فتح الباري لابن حجر (7/490)، وأنبه حول هذا التعقيب ببعض التنبيهات:الأول: ما جاء في العنوان من أن ما كتبته فيه اتهام لجهات حكومية بالتغريب، أقول: الذي يطلع على كلمتي يعلم أن ما جاء فيها مبني على ما نشر في بعض الصحف من أشكال التغريب، فإذا لم يكن ما في تلك الصحف حقيقة عند تلك الجهات الحكومية فإن اللوم في ذلك يكون لتلك الصحف، وإذا كان حقيقة فلا وجه للوم والعتاب.الثاني: جاء في التعقيب: «وكان اللافت في قراءة مصادر حقوقية شرعية ما حمله فضيلته على معالي رئيس مجلس الشورى ومعالي وزير العدل، امتداداً لما كان في السابق من استنكار إصدار البطاقة المدنية للمرأة بصورتها الشخصية، وما تلاه من دخول المرأة مجلس الشورى، إلى جانب استنكاره حضور عدد من المشايخ لمسيرة عضوات الشورى أثناء أداء القسم»، وجاء في التعقيب أيضاً: «وتابع المصدر: وأن اجتماع عضوات الشورى في جلسات المباحثات في البرلمان البريطاني بحضور معالي رئيس المجلس وبعض أعضاء المجلس كان عارضاً ولهدف سياسي تنغمر مفسدته إن وجدت في المصالح الكبيرة المتحققة من ورائه، والتي نقطع بأن الشيخ هداه الله لا يدرك أبعادها على الدولة وسمعتها بل وسمعتها في النظرة للإسلام نحو المرأة في مفاهيم أولئك، مع حفظ حكم الشرع فيما يتعلق بخصوصية المرأة في الإسلام، وهو ما يجب عدم المساس به رضي من رضي وسخط من سخط»، وأعقب على ذلك بما يلي:1. الذي جاء في الكلمة عن رئيس مجلس الشورى هو خبر الرحلة إلى بريطانيا إذ قلت: «وأول رحلة للخارج بعد تشكيل المجلس كانت إلى بريطانيا برئاسة رئيس المجلس وعدد من الأعضاء فيهم امرأتان، وهو شيء غريب على هذه البلاد!»، وهذا كلام لا حمل فيه على رئيس مجلس الشورى خصوصاً كما زعمت المصادر الحقوقية الشرعية، بل فيه خبر الرحلة التي سرّت الغربيين والتغريبيين الماكرين بهذه البلاد حكومةً وشعباً وساءت أكثر الشعب السعودي المحافظ الذي يحب لهذه البلاد حكومةً وشعباً السلامة من الوقوع في هذه الفتن الطارئة على بلاد الحرمين.2. أما تحبيذ المصدر الحقوقي اجتماع عضوات مجلس الشورى في جلسات المباحثات في البرلمان البريطاني بحضور معالي رئيس المجلس وبعض أعضاء المجلس فهو مذمة لا مدح فيه، وهو من مكر التغريبيين الذين يريدون أن تميل هذه البلاد ميلاً عظيماً، وليس من المصلحة أن تذوب هذه البلاد أمام مكر الغربيين، والتصحيح المزعوم لسمعة هذه البلاد في النظرة للإسلام نحو المرأة في مفاهيم الغربيين يوضح مدى الهزائم النفسية للتغريبيين في هذه البلاد أمام الغربيين، ومهما تُنُوزِل للغربيين تحت ذريعة تسامح الإسلام فهو وإن أعجبهم فإنه لا يكفيهم، ولا يرضيهم إلا اتباع ملتهم كما قال الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}، وليس من حفظ حكم الشرع المزعوم فيما يتعلق بخصوصية المرأة في الإسلام هذا السفر من بعض النساء لبريطانيا وحضورهن اجتماعات مجلس برلمانها لاسيما إن كان سفرهن بدون محارم وكل ذلك مخالف للشرع.3. أما ما زعمه المصدر الحقوقي من استنكاري حضور عدد من المشايخ لمسيرة عضوات مجلس الشورى أثناء أداء القسم، فلم يسبق مني كتابةٌ في ذلك، وقد أسفت لحصوله وتمنيت أنه لم يحصل لما فيه من قرة عيون التغريبيين واتكائهم عليه في تأييد ما قد حصل، وأما ما أشار إليه المصدر من إصدار البطاقة المدنية للمرأة بصورتها الشخصية فقد استنكرت ذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بيان صدر منها قبل وفاة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بيومين فقط، فقد توفي رحمه الله في يوم الخميس 27/1/1420هـ والبيان صدر في يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ، فهو نصيحة مودع، والبيان مشتمل أيضاً على استنكار ما يطالب به التغريبيون من السفور وترك الحجاب وقيادة المرأة للسيارة واختلاط النساء بالرجال، وقد أوردت بيان اللجنة في رسالة: «لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية؟!» المطبوعة في عامي 1427هـ و1428هـ، وقد جاء في أول بيان اللجنة: «فمما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، ما تعيشه المرأة المسلمة تحت ظلال الإسلام، وفي هذه البلاد خصوصاً، من كرامة وحشمة وعمل لائق بها، ونيل لحقوقها الشرعية التي أوجبها الله لها، خلافاً لما كانت تعيشه في الجاهلية، وتعيشه الآن في بعض المجتمعات المخالفة لآداب الإسلام، من تسيب وضياع وظلم، وهذه نعمة نشكر الله عليها، ويجب علينا المحافظة عليها، إلاَّ أن هناك فئات من الناس، ممن تلوثت ثقافتهم بأفكار الغرب، لا يرضيهم هذا الوضع المشرِّف، الذي تعيشه المرأة في بلادنا من حياء، وستر، وصيانة، ويريدون أن تكون مثل المرأة في البلاد الكافرة والبلاد العلمانية، فصاروا يكتبون في الصحف، ويطالبون باسم المرأة بأشياء تتلخص فيما يلي» ثم ذكروا الأشياء الأربعة التي تقدمت الإشارة إليها.وأما دخول المرأة في مجلس الشورى فقد كتبت فيه كلمة بعنوان: «ما للنساء في بلاد الحرمين وعضوية مجلس الشورى والترشح والتصويت في المجالس البلدية» نشرت في 5/11/1432هـ، وإن دخول النساء في مجلس الشورى وأداءهن القسم وكذا سفر بعضهن لبريطانيا وحضورهن جلسات البرلمان فيها، وكذا سفر أربع نسوة ضمن وفد إلى أمريكا برئاسة وزير العدل وحضورهن الجلسات مع بعض المسؤولين عن القضاء هناك لهو شيء لم يسبق له مثيل في تاريخ الدولة السعودية بل ولا في تاريخ الإسلام فيما أعلم، فإن بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة ثم في المسجد كانت من الرجال وليس فيهم امرأة واحدة، وأما مشورة أم سلمة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية التي يدندن حولها التغريبيون فلا علاقة لها بدخول النساء في مجلس الشورى، وقد أوضحت ذلك في الكلمة التي كتبتها حول دخول النساء في مجلس الشورى المشار إليها قريباً.الثالث: جاء في تعقيب المصدر الحقوقي: «وأكد المصدر الحقوقي، أن دخول المرأة الشورى يمثل استقطابا لخبرة المرأة بأسلوب يحفظ لها خصوصيتها، وأنها تحت القبة في مجلس الشورى خصص لها مكان منفصل تماماً عن الرجال، وهو أشبه بصلاتهن منذ زمن الرعيل الأول في مكان مخصص لهن في نهاية الصفوف في المسجد دون حائل ولا ساتر يعزلهن عن الرجال لكن بفصل تام عنهم، وذلك في اليوم والليلة خمس مرات»، أقول: إن تشبيه جلوس النساء مقابلات للرجال في اجتماعات مجلس الشورى بحضور النساء المساجد وصلاتهن خلف الرجال بلا حاجز لهو من أعجب العجائب؛ فإن حضور النساء في المساجد وصلاتهن خلف الرجال لا يحصل فيه رؤية الرجال للنساء وهم في الصلاة والنساء يرين ظهور الرجال وينصرفن قبلهم ومع ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» رواه مسلم (985)، فإذا كان آخر صفوف الرجال وأول صفوف النساء مذمومين لتقاربهما، فكيف يقال: إن جلوس النساء في مجلس الشورى سافرات يقابلهن الرجال يشبه ما يحصل في المساجد؟ مع عناية الصحفيين بأخذ صور النساء عند اجتماعات المجلس ونشرها في الصحف، إن هذا لشيء عجاب!الرابع: أما ما أشار إليه المصدر الحقوقي من أن: «الوزير العيسى يؤكد دوماً بأن الإفادة من الآخرين تنصب على الجوانب الإجرائية فحسب»، ثم قال بعد ذكر مجموعة من الأنظمة اشتملت على الإفادة في الأمور الإجرائية: «ومجمل مواد هذه الأنظمة مستقاة من تجارب الآخرين من غير المسلمين، وهي تجارب إجرائية بحتة موجودة بنصوصها في تنظيمات عموم الدول الأجنبية»، فجوابه: أن ما نشر في صحيفة الرياض في 25/2/1433هـ عن خبر الرحلة لم يكن مقتصراً على الأمور الإجرائية دون الأمور الموضوعية، مثل ما أوضحه الوزير العيسى في محادثاته مع رئيس المحكمة الفيدرالية العليا بواشنطن: «بأن قضاء المملكة يتمتع بالحياد والاستقلال وكافة ضمانات العدالة، وأنه يلتقي مع القضاء الأمريكي في العديد من الجوانب الإجرائية، كما يلتقي معه في العديد من المشتركات الموضوعية مشيراً إلى أن قيم العدالة تحمل في طياتها معالم رئيسية يتفق عليها الجميع»، وفي الصحيفة أيضاً: «وقال وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى بأن هذه الزيارة تأتي في إطار تبادل الآراء وطرح الموضوعات ذات الصلة بجوانب العدالة والحقوق ... وأكد وزير العدل الدكتور محمد العيسى أهمية الزيارة في تبادل الآراء والتفاهم والتعاون في مختلف الجوانب وخاصة الحقوقية ذات الصلة بالجوانب العدلية».فأي عدالة يُقرّ بها الوزير العيسى للقضاء الأمريكي المبني على القوانين الوضعية الوضيعة؟! وأي تلاق يكون بين شرع الله وبين القوانين التي هي من وضع خلق الله؟! وقد كتبت رسالة بعنوان: «العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة» طبعت مفردة في عام 1426هـ ثم طبعت ضمن مجموع كتبي ورسائلي في عام 1428هـ.وجاء في الصحيفة في أول لقاء الوزير العيسى بالمسؤول الأمريكي: «وشرح وزير العدل لرئيس المحكمة مسيرة التحديث والتطوير القضائي للمملكة في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء»، وأما ما جاء في صحيفة الرياض في 5/3/1433هـ عن وزير العدل أنه قال: «القضاء السعودي مستقل ولا تتدخل أي جهة حكومية في عمله، وينهل من جميع المدارس القانونية!!» وأن المصدر الحقوقي عتب علي في نسبة ذلك إلى الوزير، فمستندي فيه ما نشرته الصحيفة، وإذا كان الوزير تبرأ منه فليت المصدر الحقوقي زوَّدني بما يفيد براءته منه.الخامس: جاء في التعقيب: « وتساءل المصدر: هل يستطيع صاحب الرسالة أن يأتي بدليل واحد من التنازلات التي ترضي الغربيين حسب مزاعم سياقها؟»، أقول: إن كل ما حصل أخيراً في بلاد الحرمين في السنوات القليلة الماضية من انفلات النساء في سفورهن واختلاطهن بالرجال وكذا افتتاح كليات الحقوق والانشغال بتدريس القوانين الوضعية كل ذلك من التنازلات التي تعجب الغربيين وهذه ثلاثة نماذج من التنازلات الخاصة بوزارة العدل ومجلس الشورى:1. حضور امرأتين من عضوات مجلس الشورى بعض جلسات البرلمان البريطاني مع رئيس مجلس الشورى وبعض الأعضاء، وحضور أربع نسوة ضمن وفد برئاسة وزير العدل جلسات بعض المحادثات مع بعض المسؤولين عن القضاء في أمريكا هو من التنازل للغربيين وإعطائهم الدليل الحسي على ترك احتشام بعض النساء في بلاد الحرمين؛ لأنهم يرون أن ما كانت عليه النساء في هذه البلاد من الحشمة وعدم الاختلاط بالرجال تخلفٌ وأن التخلص من ذلك تقدمٌ، والحقيقة في ذلك أنه تخلفٌ عن الوقوع في الشرور وتقدمٌ إلى الوقوع في الهاوية.2. ما تقدم من ذكر المصدر الحقوقي أن في حضور النساء بعض جلسات البرلمان البريطاني فيه تصحيح سمعة المملكة لدى الغربيين بل وسمعتها في النظرة للإسلام نحو المرأة في مفاهيم أولئك، فهل هناك تنازل أوضح من هذا التنازل؟!3. التنازلات التي حصلت من وزير العدل في مباحثاته مع بعض المسؤولين في أمريكا التي أشرت إليها في التنبيه الرابع من هذه التنبيهات.وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين في كل مكان للفقه في الدين والثبات على الحق، وأن يحفظ هذه البلاد حكومةً وشعباً من مكر التغريبيين والغربيين، وأن يوفق ولاة الأمر فيها للأخذ بنصح الناصحين من أصدقائهم الذين يدعونهم إلى الجنة، وأن يخلصهم بما يشاء من ألد أعدائهم بطانة السوء الماكرة التي تدعوهم إلى النار، إنه سميع مجيب.وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
من موقع الشيخ
تعليق