نماذج من عفو وصفح شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري
أما بعد ؛
فإن فضل العفو والصفح معلوم في القرآن ومبثوث في ثنايا الكتاب والسنة فمن ذلك قول ربنا عز وجل وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور/22] وقوله سبحانه وتعالى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى/43] وقوله جل في علاه { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران/134]فالصفح والعفو مطلوب لا سيما عند المقدرة وعن الفضل والمكانة.
قال الإمام ابن قيم الجوزية _ رحمه الله _ : وفضله وحلاوته وعزته : لم يعدل عنه إلا لعشي في بصيرته فإنه ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا كما صح عن النبي وعلم بالتجربة والوجود وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل هذا وفي الصفح والعفو والحلم : من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام : ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام"([1])
قال سبحانه وتعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر/85]
قال السفاريني _ رحمه الله _ وَالصَّفْحُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لا عِتَابَ مَعَهُ([2]) اهـ : .
ولله در القائل :
إذا اعتذر الصديق إليك يوما *** من التقصير عذر أخ مقر
فصنه عن عتابك واعف عنه *** فإن الصفح شيمة كل حر
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة _ رضي الله _عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ ».فصنه عن عتابك واعف عنه *** فإن الصفح شيمة كل حر
قال الإمام النووي _ رحمه الله _ :فيه وجهان أحدهما أنه على ظاهره وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاد عزه واكرامه والثاني أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك اهـ المراد([3])
قال أبو عيسى _ وفقه الله _ : ولا مانع من حمل الحديث على المعنيين وليس المقصود ذكر أصول هذه الفضيلة والاستدلال لها وإنما المقصود ذكر شيء مما من الله به على شيخنا من الامتثال لما دلت عليه هذه الأدلة وما في بابها وسأذكر نماذج من عفوه وصفحه عن بعض المشايخ ممن تجاوز في حقه رداً على ذلك الأفاك المدعو أحمد بازمول _ هداه الله _ الذي زعم ظلماً وجوراً وفجوراً بأن هذا الشيخ الجليل والعالم النبيل هو من يشق الدعوة ويفرق الشمل ويدعوا إلى الفرق إلى آخر هذيانه وسفهه وإلى ما قصدته.
صفحه وعفوه عن عبيد الجابري في بداية تسلله إلى فتنة العدني التي وسع رقعتها
ولقد تدرع الشيخ عبيد في بداية تسلله إلى فتنة المرعي لا رعاه الله بقضية الجامعة الإسلامية بأسلوب ماكر تفطن له شيخنا العلامة يحيى الحجوري فخاطبه خطاباً جميلاً فكان مما قاله:
وأنبه فضيلته وفقه الله أن لا يثق بما قد ينقله إليه بعض المفتونين، الذين صاروا حاقدين علينا؛ بسبب ما بيناه من فتنتهم على الدعوة السلفية في اليمن كعبد الرحمن العدني وأخيه عبد الله بن مرعي وهاني بريك وعرفات وأضرابهم.فقد عرفنا منهم شدة الحرص على السعي بالفتنة بيني وبين إخواني أهل السنة.نسأل الله أن يسلمنا وإياكم من معرّة جلساء السوء، ولست أقول هذا تهيبًا.
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ** فكل رداء يرتديه جميل
ولكن أقوله نصحًا وحبًا وحرصًا على دوام إخوتنا ومحبتنا في الله وبالله التوفيق. اهـ المقصود.قال أبو عيسى _ وفقه الله _ : انظر أيها السلفي المنصف هذا الخطاب الجميل الذي ينشد فيه شيخنا يحيى بقاء الأخوة وصفاء المودة لكن بما أن دفاع الجابري عن الجامعة الإسلامية كان عبارة عن تدرع قابل شيخنا يحيى بوصفه بخمس أوصاف قبيحة وبألفاظ نابية ومما قاله: المعروف عن الشيخ يحيى -هداه الله- أنه يحمل على من خالفه في موارد الاجتهاد ويشنع عليه ويمقته ويسيء القول فيه وهذا هو نهج من حُرِمَ الحلم والحكمة وخالف دعاة الحق على بصيرة.اهـ المراد
فما كان من شيخنا يحيى _ حفظه الله _ إلا أن قابله بالصفح والعفو وكان مما قاله _ حفظه الله ورفع قدره _ : فهذا الكلام لو شئتُ لأبقيته ليوم أنا أحوج ما يكون لأخذه، حسنات، وبما أنه يتعلق بعرضي خاصة، فأقول: عفا الله عنا وعنك يا شيخ عبيد.اهـ
ولم يكتف الشيخ عبيد بهذا بل لج في الفتنة وما زاده حلم شيخنا يحيى وصفحه عنه إلا غياً ولجوجاً وكان مما قاله على إثر اتصال غليم من غلمان فتنة المرعي بأن شيخنا يحيى سليط اللسان فاحش القول وأنه لا يراعي حرمة أحد إلا آخر ما قاله، فعفى عنه الشيخ حفظه الله، ورد عليه ومن اطلع عليه يعلم مدى ظلم هذا الرجل لشيخنا وتجاوزه في عرضه.
وكان مما قاله شيخنا يحيى _ حفظه الله ورفع قدره _ والله عز وجل يقول: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى:41] ويقول: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً [النساء:148] ومع ذلك قابلت ما جاء من قبلك كله بالصبر والعفو والصفح؛ فإن كان هذا القدر كافيًا فأرجوا ذلك، وإلا فلتكن أنت في هذه الدنيا ويوم القيامة تحمل وزر ما قد يكلف إلى رد السيئة بمثلها، للأدلة المذكورة.اهـ المراد
وفعلاً تمادى الجابري وتجاوز حده وأتى بالعجائب والغرائب فما كان من شيخنا إلا أن قشر له العصا وعلا بها من رأسه مفرقاً فأرداه وقد أصبح عبرة لذوي الرجاحة والحجا
عفوه وصفحه عن الوصابي
ومعروف دور الشيخ الوصابي في إذكاء الفتنة من أول يوم وكأنها حبيبةٌ جاءت على فاقة، فوسعها بدوره وامتاز بالتحريش وأخذ لواء المضادة للشيخ من أول يوم فصرح بأنه ضد الشيخ هو والمشايخ، وقد تنصل المشايخ حينها عن هذه المضادة !، وقد تجاوز حدّه في شريطه نصيحة تاسوعاء الذي رمى شيخنا يحيى _ حفظه الله ورفع قدره _، وكان مما قاله بعد قراءة شهادة العالم الزاهد أبي عبد الرحمن جميل الصلوي في أن الوصابي قال: إذا حاضر الدويش عندي فلا تتعجلوا علي أو فلا تستغربوا.
قال الشيخ يحيى في تكذيب الشيخ محمد له: وهذا ما أظن أحداً من المشايخ مم كان حاضراً ينكره وإنما عفا الله عن الشيخ محمد في تكذيبه لي ..اهـ إلى آخره
وقال في نفس الشريط دفع الارتياب بعدما فنّد ما زعمه الشيخ محمد بأن شيخنا كذب على الشيخ ربيع في وصفه لأؤلئك الذين سببوا الفتنة والقلقلة في دار الحديث بدماج بأنهم فجرة أو ما يقاربه قال الشيخ بعدها: فأين الكذب في هذا يا شيخ محمد _ هداك الله _ والله إنه من الرمي علينا بغير حق عفا الله عنك أيضاً في هذه، اهـ.
ولشيخنا يحيى _ حفظه الله _ أسوة حسنة بمن سبقة فلا يضره هذا الجفاء والافتراء والبهتان العظيم قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام/34]وقال جل في علاه ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر 97ـ99].
وقد زار المشايخ شيخنا يحيى حفظه الله يلتمسون العفو عن الوصابي فعفا عنه على أن يسكت لكن الوصابي أبى إلا الفتنة والسعي في رد الحجج والتهجين لشيخنا والتشنيع عليه فما كان م على شيخنا إلا أن يبين للناس فتنته ومكره فنفع الله بذلك.
عفوه وصفحه عن الشيخ ربيع _ وفقه الله _
فقد نقل الوصابي كلام الشيخ ربيع وصبر على مرارته شيخنا حرصاً منه على جمع الكلمة وبعد نصح الكذاب أبي مالك الرياشي و اعتذاره المشهور زار الشيخ الوصابي شيخنا يحيى ومعه المشايخ فكان مما قاله: جلست مع أبي مالك الرياشي وإذا به قال له الشيخ كما قال لي - أي الشيخ ربيع- : (اسحبوه من على الكرسي)
قال شيخنا يحيى : قلت له : سأتصل على الشيخ ربيع - نحن نعتبره أباً، المؤمن للمؤمن كالبنيان وهو يحفر لنا !!- قال : لا , لا , لا تتصل سيقول : والله والله والله ما قلت هذا. هكذا قال، ولعنة الله على الكاذبين . وانتشر الخبر حتى بلغ الشيخ ربيعاًحفظه الله .
قال شيخنا يحيى: فبعد ذلك اتصل الشيخ ربيع حفظه الله و يقول : يا بني أتصدق فيَّ والله والله ما قلت هذا الكلام أقول هذا في كذا وكذا !! وأثنى خيراً - في ذلك المجلس - ويحلف بالله العظيم : أنه ما قال هذا . ويقول: تصدق فيَّ أبا مالك وأنت طردته من أجل أنه ليس بعدل عندك ثم بعد ذلك تصدق فيّ , قلت يا شيخ :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ٍ *** جاءت محاسنه بألف شفيع
حتى ولو قلتها فأنت في حِلٍّ، أهم شيء لا يعملون بيننا حرشة .اهـ قال أبو عيسى _ وفقه الله _ : الله أكبر ما أعظمه من موقف فلله درك شيخنا يحيى فلو كنت كما يقولون : لاستغليتها من أول يوم ولكنك صبرت و صفحت وللشيخ ربيع أجللت بل وجاوزت ذلك بقولك : حتى ولو قلتها فأنت في حل أهم شيء لا يعملون بيننا شرحة اهـ وكان تمام نصحه وعفوه وصفحه وحرصه على جمع الكلمة أن كتم عن المخبر الثاني الذي هو الوصابي فلم يقل للشيخ ربيع بأن أبا أبالك لم يكن هو الوحيد الذي نقل هذا الخبر فعليه لا بد أن تعترف لا بل عفا وصفح وقال : وإن قلتها فأنت في حل.
وكذلك عفا عنه كما في نصحه الرفيع الجزء الأول.
وكذلك في الجزء الثاني لما قال الشيخ ربيع اجبروه كان مما قاله شيخنا يحيى _ حفظه الله _ بعد كلام جميل وتقرير متين : أما الإجبار هذا كلام صدر عن انفعال عفى الله عنك يا شيخ
فنسأل التوفيق والسداد للشيخ ربيع.
عفوه وصفحه عن البرعي
سئل شيخنا يحيى عن قول الشيخ البرعي عند الشيخ ربيع بأن الشيخ يحيى لا يعرف له تحذير من الرافضة وليس عنده مؤلف فيهم أو بنحو هذا فقال الشيخ _ حفظه الله _ متمثلاً بقول ابن الوردي في لاميته([4]) :
وتغافـــل عن أمور إنه *** لم يفز بالحمد إلا من غفل
ثم ذكر شيئاً عن فضل العفو والصفح وأنه لا بد من الصبر وقد كنت حاضراً.فهذه نماذج من عفو وصفح شيخنا العلامة النبيل الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري _ حفظه الله ورفع قدره _ ولم أذكر شيئاً عن صفحه وعفوه عن طلبته فإن هذا مما لا تنطح فيه عنزان ولا يختلف فيه مشاكسان وإنما كتبتها رداً على ما تفوه به ذلك الغلام أحيمد بازمول الذي طلع علينا بذلك المقال المضحك الذي يستهجنه كل عاقل سلفي منصف ولا يفرح به إلا من كان خباً لئيماً وليعرف عميان البصيرة من هو الذي صبر وغفر وعفا وصفح رجاء جمع الكلمة ووصل أواسر المحبة وشد حبل المودة وأنما تفوه به ذلكم السخيف لا ينفق إلا على من عمي بصره وقل فقهه والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
كتبه أبو عيسى علي بن رشيد العفري
[1] مدارج السالكين - (ج 2 / ص 319)
[2] غذاء الألباب شرح منظومة الآداب ص205
[3] شرحه على صحيح مسلم - ج 16 / ص 141
[4] ولشيخنا عليه شرح ممتع لا تكاد تمل من القراءة فيه لما فيه من الفوائد الفرائد ومما علق به على هذا البيت الذي تمثل به في شرحه المذكور :وتكلم عن العفو والصفح والحزم ومواضعهما ومما قاله : ما يتعلق بالستر على بعض الناس ممن يستحق التغاضي عنه ، وأيضاً يحصل عليك خطأ وزلل منهم تغاضى عن هذا قال الله تعالى { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } الآية [البقرة/109]وقال تعالى : {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} الآية [آل عمران/134]التدقيق والمحاسبة في كل شيء تعب ؛ عليك وعليهم فقد ثبت من حديث معاوية رضي الله عنه عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم " ولا يفهم من ذلك التغاضي عن البدع والتميع هذا فهم خاطئ نعوذ بالله من التغاضي عن أمور لا يصلح التغاضي عنها قال الله تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم/9]إلى آخر ما قاله في شرحه الماتع ص 127_
تعليق