• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة: [أصول الوصابي التي خالف فيها أهل السنّة] (2): التوحيد والشرك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة: [أصول الوصابي التي خالف فيها أهل السنّة] (2): التوحيد والشرك

    أصول الوصابي التي خالف فيها أهل السنّة 2
    التوحيد والشرك
    حمل من هنا


    بسم الله الرحمن الرحيم

    هذا الجزء الثاني من "أصول الوصابي التي خالف فيها أهل السنّة" نسأل الله التوفيق والإخلاص

    فصل
    في مخالفة الوصابي لأهل السنّة في تقسيم التوحيد



    مما استقرّ عليه أهل السنّة والجماعة: أنّ التوحيد ثلاثة أقسام، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، فأمّا توحيد الربوبية فهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير، والتدبير منه الكوني ومنه الشرعي، والشرعي هو أحكام الله الشرعية من حلال وحرام ومباح . . .إلخ ، ومنها أحكام القضاء من حددو وديات وقصاص وتعزير ونحوها، وقد أفرد بعض أهل البدع هذه الأحكام بقسم رابع هو "توحيد الحاكمية" وفضلا عن كون هذا الإفراد منتقدا من حيث الاصطلاح والتقسيم لورود التكرار فيه، فإنّ صاحبه مخالفٌ لما ثبت باستقراء أهل السنّة، مواقعٌ لما حذّروا منه وبدّعوا قائله وشنّعوا عليه.

    قال الوصابي: ((توحيد الحاكمية من أهل العلم من أهل السنة من أنكره ومنهم من أقر به ومنهم من قال بأنه داخل في توحيد الربوبية، ومنهم من قال بأنه داخل في توحيد الألوهية، ولا مشاحة في الاصطلاح.
    فمن ذكره من أقسام التوحيد لا حرج ومن ذكره من توحيد الربوبية لا حرج أو من ضمن توحيد الألوهية أيضا لا حرج ، الأمر واسع إن شاء الله.
    والذي ينكر على الحزبيين الدندنة به دون الكلام عن بقية التوحيد ، أما إذا كان إنسان من أهل العلم ومن أهل السنة والجماعة وهو لا يدعو إلى الخروج الحكام المسلمين وذكر توحيد الحاكمية في حدود الكتاب والسنة وذكر أيضا بقية التوحيد وأعطى كل قسم حقه فمثل هذا ، هذا هو الصواب فيما يظهر لي والله الموفق.))[1]

    قلت: لا أحد من علماء أهل السنّة قال بأنّ توحيد الحاكمية قسم رابع من أقسام التوحيد ، بل الذي قالوه رحمهم الله أنّ التوحيد أقسام ثلاثة ، وقد اشتد نكيرهم على من أضاف هذا القسم الرابع ، ولم يذكر هذا القسم إلاّ المبتدعة والتكفيريون ، ولم ينكر عليهم أمر الدندنة به فقط بل أنكر عليهم مجرّد إضافته كقسم رابع ، ولا تسعفه هنا قاعدة "لامشاحة في الإصطلاح" لأنّها ليست على إطلاقها بل مقيّدة بعدم وجود مفسدة في الإصطلاح كمخالفة الوضع العام المتعارف عليه الذي أستقر عليه لسان أهل الفنّ ، راجع لذلك "مدارج السالكين" (3/306)

    سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-: ما تقول عفا الله عنك في من أضاف للتوحيد قسما رابعا، سماه توحيد الحاكمية؟
    فأجاب –رحمه الله-: ((نقول: إنه ضال، وجاهل؛ لأن توحيد الحاكمية هو توحيد الله -عز وجل-، فالحاكم هو الله -عز وجل-؛ فإذا قلت: التوحيد ثلاثة أنواع، كما قاله العلماء، توحيد الربوبية، فإن توحيد الحاكمية داخل في الربوبية، لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله -عز وجل-
    وهذا قول محدث منكر؛ وكيف توحيد الحاكمية؟! ما يمكن أن توَحّد الحاكمية، المعنى أن يكون حاكم الدنيا واحداً؟!! أم ماذا؟
    فهذا قول محدث مبتدَع منكر، ينكَر على صاحبه، ويقال له: إن أردت الحكمَ فالحكمُ لله وحده، وهو داخل في توحيد الربوبية، لأن الرب هو الخالق المالك المدبر للأمور كلها؛ فهذه بدعة وضلالة، نعم.)) أهـ

    قلت: في هذا الكلام الواضح الصريح من فضيلة العلامة العثيمين رحمه الله، بيان وإدانة لمن قال بهذا القول –ومنهم الوصابي- فقد وصف العلامة ابن عثيمين رحمه الله هذا القول بأنّه منكر و محدث ومبتدع ، ووصف صاحبه بأنّه ضال وجاهل ، فننصح الوصابي هداه الله بالإقلاع عن هذا القول المنكر المحدث المبتدع ، وأن يرجع إلى قول أهل السنّة ويتكلم بكلامهم ، ولا يتابع أهل التحزب والردى الذين ميّعوا الدين وهدموا قواعده وربّوا الناس على فكر التكفير والتفجير والتثوير.

    سئل الشيخ الألباني رحمه الله: شيخنا بارك الله فيك ذكر علماء السلف رحمة الله عليهم أن التوحيد أنواع ثلاثة:
    1) توحيد الألوهية . 2) توحيد الربوبية .3) توحيد الأسماء والصفات ، فهل يصح أن نقول بأن هناك توحيداً رابعاً هو توحيد الحاكمية أو توحيد الحكم ؟ .

    فأجاب رحمه الله : ((لا يصح..لا يصح ولكن الرد ما يكون بهذا الجواب ! الحاكمية فرع من فروع توحيد الألوهية، والذين يدندنون بهذه الكلمة المحدثة في العصر الحاضر يتخذون سلاحاً ليس لتعليم المسلمين التوحيد الذي جاء به الأنبياء والرسل كلهم، وإنما هو سلاح سياسي، وأنا من أجل هذا إن شئت أن أثبت لكم ما قلت آنفاً مع أن هذا سؤال تكرر مني الجواب مراراً وتكراراً عنه، وإن شئت مضينا في ما نحن فيه .
    أنا قلت في مثل هذه المناسبة تأييدا لما قلت آنفاً: إن استعمال كلمة الحاكمية هو من تمام الدعوة السياسية التي يختص بها بعض الأحزاب القائمة اليوم .))أهـ

    قال الشيخ العلامة محمد ابن عثيمين رحمه الله تعالى : ((من يدعي أن هناك قسماً رابعاً للتوحيد تحت مسمى (توحيد الحاكمية) يعد مبتدعاً، فهذا تقسيم مبتدع صادر من جاهل لا يفقه من أمر العقيدة والدين شيئاً، وذلك لأن الحاكمية تدخل في توحيد الربوبية من جهة: أن الله يحكم بما شاء، وتدخل في توحيد الإلوهية : أن العبد عليه أن يتعبد الله بما حكم ، فهو ليس خارجاً عن أنواع التوحيد الثلاثة :توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات .)) أهـ

    و قال رحمه الله: ((زاد بعض الناس فقال التوحيد أربعة أقسام: توحيد الربوبية و توحيد الألوهية و توحيد الأسماء و الصفات، و توحيد الحاكمية! وهذه الزيادة تعتبر قصورا؛ فانظر كيف زاد و لكنه نقص! كيف زاد و نقص؟ نقول: الحاكمية باعتبار الحكم من الخالق من قسم توحيد الربوبية وباعتبار التزامها من المخلوق من توحيد الألوهية، إذن ما خرجت عن الأقسام الثلاثة فلماذا ننص عليها؟! قد يكون الذي وضعها له هدف ما نحب أن نتكلم بالنيات، النيات علمها عند الله، قد يكون له هدف آخر وهو منازعة الحكام في حكمهم لأن الحكم يجب أن يكون لله الواحد القهار. . ونحن نقول نعم يجب أن يكون الحكم لله الواحد القهار لكن هذا داخل باعتباره من الخالق في توحيد الربوبية و باعتباره من المخلوق الذي يجب أن يخضع لله في توحيد الألوهية، إذن لا حاجة لأن ننص عليه.
    قال آخر: هناك قسم رابع! ما هو؟ قال توحيد المتابعة بأن لا نتبع إلا محمدا صلى الله عليه و سلم، نقول نعم و الله هذا على العين و الرأس، هذا توحيد المتابعة لا بد منه لكن هذا باعتبار الخالق أو باعتبار الرسول؟ باعتبار الرسول ، هذا قسم مستقل)) أهـ

    قلت: الله أكبر كأن أئمة العصر يردون على الوصابي ، بل كأنّهم يعرفونه ويعرفون مكره ، فمن غريب الموافقة أنّ الوصابي ذكر عبارة "وحكمه" في تعريف التوحيد ، لكنّه لما فصّل أقسام التوحيد لم يذكر توحيد الحاكمية حتّى لا تظهر إدانته ، وإنّما ذكر توحيد المتابعة وحشره بين أقسام توحيد الله عزّ وجلّ ، مع أنّ توحيد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلّم ، وهذا من الجهل الشنيع بأمور الشرع ، وسترى إن شاء الله في هذا الكتاب أمثلة كثيرة على الجهل المركب عند الوصابي لا سيما في أمور العقيدة.

    قال الشيخ ربيع الدخلي حفظه الله: ((جهلة ما عرفوا توحيد الله ولا عرفوا دعوة الأنبياء . . . . (لا إله إلا الله): لا حاكم إلا الله عندهم ، أخص خصائص الألوهية (لا حاكم إلا الله) !! هذا التفسير يجعلك ترى الشرك أمامك كأنك لم ترَ شيئاً ، الشرك الذي يحاربه الأنبياء لا تراه شيئاً ، هذا التفسير تحريف لمعنى (لا إله إلا الله) ثم جعلوه نوعاً رابعاً من أقسام التوحيد حيلة ثم بعد أيام يُسَرِِّبون المعاني الأساسية لـ(لا إله إلا الله) وتبقى الحاكمية ، افهموا المكايد السياسية.)) أهـ

    وسئل الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله: السائل يسأل عما يسمى بتوحيد الحاكمية , و هل له حظ من النظر و الاعتبار في أقسام التوحيد؟
    فأجاب: ((إن الله سبحانه وتعالى مُتَوَحِّدٌ في ربوبيته , متوحد في أسمائه و صفاته , متوحد في ألوهيته ؛ هذه هي أقسام التوحيد التي جرى عليها السلف رضي الله عنهم و أرضاهم ؛ و توحيد الحاكمية داخل في طاعة الله عز و جل و عبادته وحده لا شريك له ؛ كما أنه أيضا يدخل في ربوبية الله عز وجل ﴿ألا له الخلق و الأمر﴾ ﴿ إن الحكم إلا لله﴾ بمعنى أن القضاء لله سبحانه و تعالى وحده لا شريك له ؛ و يدخل في ذلك القضاء الكوني , و يدخل في ذلك القضاء الشرعي , كما حرره جماعة من المفسرين , كالعلامة الشنقيطي و غيره ؛ و دخوله في توحيد الإلهية واضح , أن الله عز وجل تعبّدنا بالقرآن , تعبّدنا بالسنة , فلا عبادة في غير هذين المصدرين ؛ فاتباعهما هو تحقيق لتوحيد الألوهية .
    فَمِنْ ثَمَّ: وضعُ توحيد الحاكمية قسيما لأقسام التوحيد المعروفة الثلاثة , هو من الأمور التي أدخلها بعض من انحرف في مسائل التكفير في هذا العصر كجماعة الإخوان المسلمين و غيرهم و هو ليس في شيئ , إذ أقسام التوحيد الثلاثة كافية ؛ و أما إفراد الله عز وجل بالحكم و إفراد نبيه صلى الله عليه و سلم بالحكم فذلك معروف من كتاب الله و من سنة النبي صلى الله عليه و سلم و هو داخل في عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.)) أهـ

    قلتُ: وقد زاد الوصابي الطين بلّة ، والبلاء بلاء ، بأن نسب هذا القول المبتدع للشيخ عبد العزيز ابن باز –رحمه الله- في كتابه (القول المفيد)!! بطريقة موهمة حيث قال: ((وشرعا هو إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وحكمه. انظر مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 1/34 ))أهـ
    وهذا كذب على الإمام ابن باز ، فقد سئل –رحمه الله-: سماحة الوالد الآن هناك من يقول أن أقسام التوحيد أربعة ويقول أن القسم الرابع هو توحيد الحاكمية فهل هذا صحيح؟
    الجواب: ((ليست أقسام التوحيد أربعة وإنما هي ثلاثة كما قال أهل العلم وتوحيد الحاكمية داخل في توحيد العبادة. فمن توحيد العبادة الحكم بما شرع الله، والصلاة والصيام والزكاة والحج والحكم بالشرع كل هذا داخل في توحيد العبادة.)) أهـ

    وليس في الموضع الذي أحال عليه الوصابي من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" أي ذكر لما أورده من وجود قسم رابع لأقسام التوحيد ، وإنما ذكر رحمه الله ما يذكر سائر علماء أهل السنّة من تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام.

    وقد نوصح الوصابي في هذه المسألة كثيرا إلاّ أنه أبى إلاّ التكبر والعناد والطعن فيمن نصحه بحقّ ، قال أخونا أبو الربيع محسن القليصي: ((فعندما صدر هذا الكتاب بعد تنقيح الشيخ له مع الزياده فيه في عام (1422هـ) قمت بتصفح هذ الكتاب، لأن الشيخ أمر بذلك حيث قال في درس من دروسه:(إذا رأيتم أي خطأ في الكتاب فنبهوني به فستجدون الدعاء مني) وكرر ذلك أكثر من مرة.
    فشجعت نفسي على ذلك وقمت بتصفح الكتاب، وكأن الشيخ كان يلمح بأن في الكتاب بعض الأشياء التي اجتهد فيها من عند نفسه، فوقع بصري على عدة أمور مخالفة لما عليه علماؤنا في تصنيفهم لكتب العقيدة والتوحيد، ومن أهم هذه الأمور نسبة هذه المقالة الزائدة: (وحكمه) للإمام ابن باز – رحمه الله – حتى أنني ظننت أن هذا القول يقول به الإمام ابن باز – رحمه الله – حتى أنه داخلني الشك والريب مع أننا على يقين من عقيدة الإمام -رحمه الله – فما كان مني إلا أن قمت في الحال ومددت يدي إلى كتب الإمام ابن باز رحمه الله وأخذت المجلد المشار إليه في كتابه وهو(1/34)من مجموع الفتاوى، ثم فتحت على الصفحة المشار إليها وأخذت أقرأها فلم أجد نسبة هذه المقالة للإمام ابن باز - رحمه الله - ،فتعجبت غاية التعجب من هذه التصرفات ومن هذه الجرأة، إذ كيف يحق له أن يقوم بتلك التصرفات من تلقاء نفسه.

    وإليك كلام الإمام ابن باز -رحمه الله- برمّته: قال رحمه الله(1/34)
    (والتوحيد : مصدر وحد يوحد توحيدا, يعني: وحد الله أي اعتقده واحدا لا شريك له في ربوبيته, ولا في أسمائه وصفاته, ولا في ألوهيته وعبادته, سبحانه وتعالى .......وعند التفصيل تكون أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية , وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء الصفات , فتوحيد الربوبية أقرّ به المشركون ولم ينكروه, لكنهم لم يدخلوا به في الإسلام..... ) .

    فلما تأكدت من أن هذه النسبة مدرجة من قبل الشيخ الوصابي : اجتمعت أنا وبعض الإخوة من طلاب العلم ، والشيخ الوصابي يعرفهم ، وقلت لهم نذهب إلى الشيخ ونتبين ونتثبت ماذا يريد بنسبة هذه المقالة للإمام ابن باز - رحمه الله - .

    وقلت لإخواني الطلاب ربما حصل منه ذلك سبق قلم ، أو حصل منه نتيجة اجتهاد ، مع أن الاجتهاد في مثل هذه الحالات لا يجوز شرعاً، لاسيما نسبة مقالات محدثة إلى أئمة أجلاء لهم قدم صدق في العلم .
    فاجتمعنا بالشيخ في الغرفة التي بجوار المحراب بعد صلاة العصر في شهر ربيع ثاني عام 1422هـ
    وقلنا له: يا شيخ أنت طلبت من طلابك الوقوف على هذا الكتاب وتصفحه، ومن له أي تنبيه فلينبهك عليه ،
    فقال : هل وجدتم شيئا ؟
    فقلت له : نعم يا شيخ وجدنا أشياء كثيرة .
    فقال: ما هي هذه الأشياء ؟ .
    فقلت له : هناك أمور مخالفة لما عليه العلماء، فبينت له بعض هذه المخالفات،حتى وصلنا إلى تعريفه للتوحيد،وإلى نسبة هذه المقالة الزائدة للشيخ ابن باز رحمه الله ،فقلت له: إن الشيخ ابن باز رحمه الله لم يقل هذه المقالة المشار إليها آنفاً.
    فقال لي: ومن الذي أخبرك بذلك؟.
    فقلت له: أنا وقفت بنفسي على كلام الشيخ ابن باز رحمه الله ولم أجد ذلك!!
    فقال لي:وهل تأكدت من ذلك؟ .
    فقلت له: نعم،وهذا الكتاب في يدي وسأقرأ عليك كلام الشيخ ابن باز ، ثم قرأت عليه كلام الشيخ ابن باز حتى انتهيت من الصفحة المشار إليها ،فقلت له : أين يا شيخ موضع هذه الكلمة من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله ؟
    فسكت !!!،
    ثم قلت له من باب التأكيد : هل أنت يا شيخ تقول بتوحيد الحاكمية ؟
    فقال : نعم.
    فقلت له : من قال به من العلماء يا شيخ ؟ .
    فسكت !!!.

    وكنت أعلم أن الشيخ يقول به من قبل خروج كتابه، فقد كان يدندن مرة في أحد دروسه بعد المغرب حول (الحاكمية) ثم عرج حول (توحيد الحاكمية) وكأنه يقول به على حسب ما فهمت من كلامه ثم بعد أن انتهى من كلامه،سألته: هل (توحيد الحاكمية) يعد توحيداً مستقلاً بذاته.؟!
    فقال لي: نعم يستحق أن يتفرد بذاته.
    وكان هذا في ليلة الأربعاء:6/11/1421 هـ .

    ثم في نهاية الجلسة مع الشيخ قلت له: أنا يا شيخ سألت شيخنا صالح السحيمي - حفظه الله - في أحد دروسه في الحرم عن توحيد الحاكمية ،
    فقال لي:توحيد الحاكمية: توحيد محدث، وأول من جاء به الإخوان المسلمون، وما جاءوا به إلا لأجل تكفير الحكام والخروج عليهم.
    ونقلت له كلام اللجنة الدائمة حفظهم الله في توحيد الحاكمية، ونقل له أيضاً الإخوة بعض كلام العلماء في توحيد الحاكمية.
    ثم بينت له أيضاً بعض الملاحظات الموجودة في ثنايا الكتاب، ثم انتهت الجلسة بعد ذلك قبيل المغرب،على أن أكتب هذه الملاحظات في ورقة وأعطيه إياها.

    ومن المؤسف!! أنه في درس تلك الليلة ظننت أنه سيثني على طلابه الذين أعانوه على الخير، ولكن أخذ يتكلم على الخوارج في الدرس، وأخذ يبين أوصافهم وكيف يخرجون على العلماء وأخذ يشبهنا بهم، بل لقد جعل درس تلك الليلة كله حول الخوارج وهذا هو الدعاء الذي وعدنا به!!! ولا حول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾.
    حتى أن أحد أصدقائي كان ينظر في وجهي ويبتسم ويشير برأسه تأسفا من تصرف الشيخ وبعد أن انتهى الدرس أخذت أهدئ صديقي وأمتص غضبه رويداً رويداً ، وقلت له : لعل الشيخ اجتهد في حكمه علينا، وتواصينا بالصبر فيما بيننا، مع أنني على علم بأنه رجل متكبر لا يحب الحق.
    ثم كتبت الملاحظات التي طلبها مني وأعطيته إياها بعد أربعة أيام وفيها الأخطاء الموجودة في الكتاب.
    وبعد أسبوع جاءت للشيخ أسئلة من بريطانيا، وكان من ضمن هذه الأسئلة : سؤال يتعلق بتوحيد الحاكمية ، فأجاب الشيخ بأن توحيد الحاكمية يعد نوعاً مستقلاً بذاته، والأدهى من ذلك: أنه نسب هذا القول إلى العلامة محمد بن أمان الجامي رحمه الله وأنه يقول به أيضاً .
    فأخبرت في اليوم الثاني بهذا الأمر، وأن الشيخ أفتى بأن (توحيد الحاكمية يعد نوعاً مستقلاً بذاته) فتعجبت غاية التعجب من هذا الرجل إذ كيف يفتي على رؤوس الملأ، وقد بينا له أن هذا القول هو قول أهل البدع من إخوانية وسرورية وقطبية، وكانت إجابته على الأسئلة البريطانية في درس الظهر، حيث كان في غالب الأوقات يجيب على الأسئلة في ذلك الوقت، فحضرت اليوم الثاني درس الظهر وكأن الشيخ شعر بسبب حضوري، لأنني لم أكن مواظباً على درس الظهر،ثم في نهاية الدرس سأل طالبًا من الطلاب وقال له : هل توحيد الحاكمية يعد توحيداً مستقلا بذاته ؟ وما سأله والله إلا لأجلي وأنا أعلم ذلك ،فقال الطالب: نعم .
    فقال له الشيخ : مَن مِن العلماء قال بذلك ؟ .
    فقال الطالب : الشيخ محمد بن أمان الجامي .
    فغضبت من هذا الأمر كثيراً، وكأن الشيخ أصبح يجاهر بهذه البدعة مجاهرة بل ويدعو إليها، بل ويلقنها طلابه ويتقول على العلماء ، تارة على الإمام ابن باز بالكتابة ، وتارة على العلامة محمد الجامي بالتلقين الشفهي، ولم أستطع أن أتمالك نفسي من الغضب،
    فما كان مني إلا أن رفعت يدي وقلت للشيخ : إن توحيد الحاكمية لا يعد توحيداً مستقلاً بذاته،
    فقال لي: إن الشيخ محمد أمان الجامي يقول بذلك .
    فقلت له: أين قال ذلك ؟.
    فقال لي : في كتاب (حقيقة الشورى في الإسلام (صـ 11) .
    فقلت : يا شيخ إن الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله يرد في هذا الكتاب على الحركيين الذين يدندنون حول توحيد الحاكمية، ويبين لهم أن الحاكمية لا بد أن تكون في جميع مجالات الحياة الدينية والدنيوية .
    فقال لي : بل هو يقول بذلك وراجع الكتاب .
    فلما عدت إلى البيت وكان الكتاب معي ولله الحمد والمنة- فقد حصلت عليه هدية من علي بن الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله ، ثم تصفحت الكتاب والصفحة المشار إليها بلسانه ووجدت الكلام خلاف ما ادعاه الشيخ الوصابي حيث قال الشيخ العلامة الجامي- رحمه الله - :
    ((إن الحاكمية في الإسلام لله وحده ، وهذا ما يؤمن به كل مسلم واع لم تتغير فطرته بالأفكار الغربية والشرقية ، لأن توحيد الحاكمية هو توحيد التشريع نفسه ، وهو نوع من توحيد العبادة ، فلا عبادة إلا لله ، إذن فلا حاكمية إلا لله وحده ، لا لفرد أو حزب ، أو شعب)).

    فهذا العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله يرد على الحركيين الذين يدندنون حول الحاكمية ويبين لهم أن توحيد الحاكمية الذي أحدثوه إنما يدخل تحت توحيد الألوهية وهو جزء منه وليس مستقلاً بذاته وهذا هو الحق وهو كلام جميع علمائنا بالإجماع.

    فأين فهم الشيخ الوصابي لكلام العلامة محمد الجامي - رحمه الله - حتى ينسب له هذا القول المحدث، بل وينشره بين الطلاب!!! بل وعلى مستوى العالم كما في شريط الأسئلة البريطانية!!! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
    سارت مشرقة وسرت مغربا *** شتان ما بين مشرق ومغرب


    ثم مكثت ما يقارب من سنة ونصف وأنا مكمم الفاه، ومنتظر أن الشيخ سيصرح في يوم من الأيام برجوعه وعدوله عن هذا القول الذي ليس عليه أهل السنة ، ثم شاء الله تعالى وأنا في المدينة النبوية أن أذهب إلى مكتبة ابن رجب ، فوقعت عيني على كتاب يعالج هذه القضية، وعلم الله أني فرحت بذلك غاية الفرح لأجل أن أبين للشيخ أقوال علمائنا في هذه المسألة، وأن هذا القول هو قول أهل البدع، أصحاب المناهج السياسية التكفيرية المنحرفة.
    ثم بعد ذلك بفترة وجيزة نزلت اليمن في شهر ربيع الأول في عام 1424هـ فجئت بالكتاب إلى الشيخ الوصابي، وقلت له وبكل أدب وحشمة واحترام وكان هذا الكلام بيني وبينه : هل قرأت هذا الكتاب يا شيخ ؟ .

    فنظر في الكتاب وقال لي: لا .
    فقلت له :إذن اقرأ هذا الكتاب فستجد فيه أقوال العلماء في مسألة توحيد الحاكمية واسم هذا الكتاب : ((العلماء يتولون تفنيد الدعاوي السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق خاصة تقسيمه التوحيد إلى أربعة أقسام )) .
    وكم كنت متفائلا بأن الشيخ سيصرح بتراجعه عندما يقف على كلام علمائنا الكبار، ولكن للأسف مكث الكتاب معه ما يقارب من أسبوعين ، ثم أعطى صديقي يعطيني إياه ، ولم يتفوه بكلمة واحدة حول هذا الموضوع.
    بل الأدهى والأمر من ذلك: أن الكتاب طبع طبعة بعد هذه الطبعة و لا يزال مصراً على نسبة هذه المقالة (وحكمه) للإمام ابن باز رحمه الله ولا يخفى ما في التقول على العلماء ونسبة أقوال لهم محدثة من المفاسد العظيمة ، فإن التقول عليهم مطية للمهالك، فلربما زاغت أمة بسبب هذا التقول، ولربما فتح الباب لأهل البدع بأن يروجوا لباطلهم وخرافاتهم، ولو لم يكن من ذلك كله إلا أن أهل البدع يستدلون على ذلك بأن المسألة اجتهادية، ولا تسل عما سيقع من التلبيس على الجهال ، بل وحتى على بعض أهل العلم بسبب ذلك.
    فانظروا إلى هذا الرجل الذي أراد أن يكحل عقيدة أهل السنة بعمى أهل البدع.
    فإذا كان الشيخ الوصابي يتجرأ هذه الجرأة التي ما سبق إليها فأين ادعاؤه لاتباع منهج السلف؟
    وإذا كان متبعا للسنة فلماذا لم يمنعه اتباعه من التقول على أمثال هؤلاء العلماء الجبال الذين وقفوا كالطود الشامخ أمام فتن كادت أن تعصف بالأمة؟.
    فكم جرت من مقالات كاذبة بكثير من أهل العلم إلى الانحراف ولاسيما إذا كانت هذه المقالة المفتراة والمختلقة لمن له قدم صدق بين الأمة كالإمام ابن باز رحمه الله .
    ألا فليتق الله الشيخ الوصابي وليجعل نصب عينيه قول الله تعالى ﴿ستكتب شهادتهم ويسألون﴾ ويتذكر أيضا قوله تعالى ﴿ألم يعلم بأن الله يرى﴾ .
    وما من كاتب إلا سيلقى *** غداة الحشر ما كتبت يداهُ
    فلا تكتب بكفك غير شيءٍ***يسرُّك في القيامة أن تراهُ.)) أهـ


    قلـت: يظهر من هذا عناد الوصابي وردّه للحقّ بعدما تبيّن له ، وهذا لا يبقي له عذرا أمام أهل السنّة ، قد قرأ كلام العلماء السلفيين ، وعلم مخالفة كلامه للحق المبين ، ولا يزال مصرا على المخالفة للحق ، مجابها لأهل السنة والجماعة ، نزّاعا إلى أهل البدع ومنحازا إليهم.
    فصل
    في خلط الوصابي في مسائل الشرك والكفر


    الإيمان عند أهل السنّة والجماعة: قول باللّسان وعمل بالجوارح واعتقاد بالقلب، وضدّه الكفر ويكون أيضا بالقلب أو باللسان أو بالجوارح، وصغار طلاب العلم من أهل السنّة يقدرون على تمييز هذه الأقسام والاستدلال عليها والتمثيل لها بأمثلة صحيحة، بينما الوصابي لا يحسن تعريفها ولا يحسن التمثيل لها، لأنّه لم يأخذ علم التوحيد من مصادره الموثوقة بل كانت جلّ دراسته عند الصوفية ، مع ما سأبيّنه لاحقا إن شاء الله من تأثره بالحزبيين والتكفيريين لاختلاطه بهم و "من جالس جانس" والله المستعان.

    قال الوصابي: ((شرك اعتقادي:وهو الشرك الأكبر المخرج من الملة والعياذ بالله , وهو: أن يعتقد إنسان أن غير الله يخلق أو يرزق أو يحيي أو يميت أو يعلم الغيب, أو يتصرف في الكون, أو أن يصرف إنسان نوعاً من أنواع العبادة لغير الله, كالركوع والسجود والذبح والنذر والدعاء, إلى غير ذلك!)) [2]

    قلت: هذا ليس تعريفا لأنّ التعريف يشترط فيه الاطّراد والانعكاس[3]، أي: يشترط فيه أن يكون لفظه جامعا لكل أفراده، وألاّ يدخل لفظه في ماهيته شيئا ليس من أفراده، وتعريف الوصابي لم يجمع أفراد الشرك الاعتقادي فلا يدخل فيه من اعتقد أن غير الله يشفي ويمرض مثلا ، أو أن غير قول غير الله مساوٍ لقول الله، وقد كان الصواب أن يعرّف الشرك الاعتقادي بأنّه اعتقاد مساواة مخلوق لله.
    كما أن تعريفه غير مانع لدخول غير أفراد الشرك الاعتقادي، وذلك في قوله: ((أو أن يصرف إنسان نوعاً من أنواع العبادة لغير الله, كالركوع والسجود والذبح والنذر والدعاء, إلى غير ذلك)) وهذا من الشرك العملي لا الاعتقادي، ولكنّه لجهله وضعف مستواه العلمي بل والعقلي لم يستطع التفريق بين العمل والاعتقاد!! وهذا من أقبح الجهل الصادر من متصدّر ينسب نفسه للعلم، ولو صدر هذا من أحد صغار طلبة العلم لعدّ عيبا كبيرا جدا، فكيف إذا صدر ممن يعدّه أتباعه إماما لأهل السنّة في اليمن؟!
    ومن أقسامه الجديدة للشرك : شرك التشريع والحاكمية , وعرفه بقوله: ((هو أن ينبذ الإنسان الكتاب والسنة أو بعض أحكامهما, ويأخذ بآراء الرجال وقوانين البشر.)) [4]

    قلت: لا يذكر علماء أهل السنّة هذا القسم ضمن أقسام الشرك، وإنّما ذكره سفر الحوالي في كتابه "ظاهرة الإرجاء" ومحمد قطب في كتابه "كيف ندعو الناس" وإبراهيم بن عبد العزيز في "الرد على مرجئة السلفية" ومن سار على منوالهم من القطبيين، وما قد يصدر في كلام بعض أهل السنّة من ذكر هذه اللفظة فإنّها لا تجري على نسق ما ذكر الوصابي من جعلها من أقسام الشرك مما يفيد أنّها مكفرة مطلقا دون تقييد باقتران الاعتقاد بها، بينما قد يذكرها بعض العلماء ضمن الشرك الاعتقادي لا في قسم مستقل، وينصون على كفر من حكّم غير شرع الله مستحلاّ أو معتقدا مساواته أو تفضيله على شرع الله، أمّا الوصابي فنصّ على أنّ مجرد نبذ الكتاب والسنّة أو بعض أحكامهما والأخذ بآراء الرجال وقوانين البشر يعدّ من الشرك، وعلى هذا فكل حكام المسلمين مشركون فقد نبذ بعضهم جلّ أحكام الشرع ونبذ بعضهم بعض أحكام الشرع وأخذوا بالقوانين الوضعيّة التي سنّها الكفار، ولا شكّ أن هذا من كبير الذنوب والمعاصي التي تدخل صاحبها في الوعيد الشديد، ولا شكّ أنّه من أسباب قتل المسلمين لبعضهم، لكنّ لا يكون شركا بالله حتى يعتقد الفاعل له حلّه أو مساواته أو تفضيله على حكم الله تعالى.
    فماذا يريد الوصابي بإفراده لهذه المسألة بقسم مستقل من أقسام الشرك، وماذا يريد بإفراده الحاكمية بقسم من أقسام التوحيد، وماذا يريد بإحالته لطلاب العلم على "التبيان بشرح نواقض الإسلام" للتكفيري الهالك سليمان بن ناصر العلوان[5]؟! وماذا يريد الوصابي بما سيأتي ذكره من إلقاء المحاضرات عند القطبيين في مجالسهم ومساجدهم ؟!

    بل ماذا يريد الوصابي بذكره من أقسام الكفر الأكبر: الموالاة لأعداء الإسلام! في "القول المفيد ص:102" وأهل السنّة يعتقدون أنّ الموالاة منها ما هو شرك أكبر ومنها ما هو من كبائر الذنوب ، فالذي يكون شركا أكبرا هو موالاتهم محبّة لدينهم، ويسمّى "التولّي" قال الله عزّ وجلّ: ﴿ومن يتولّهم منكم فإنه منهم﴾ وأمّا ما يكون من كبائر الذنوب فهو موالاتهم من أجل الدنيا، وهذا لا يكون كفرا بل هو ذنب، ودليل أهل السنّة على هذا ما رواه الشيخان عن عليّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود، قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها)) فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب؛ فقالت: ما معي من كتاب؛ فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقينّ الثياب؛ فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا حاطب ما هذا)) قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد صدقكم)) قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق؛ قال: ((إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))
    وجاء في رواية أخرى للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((ما حملك على ما صنعت)) ويستفاد منها اعتبار قصد من حصلت منه معاونة للمشركين على المسلمين، فما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن القصد إلاّ لكونه معتبرا وبه يفرّق بين من أذنب ومن كفر.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة، فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرا كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾[6] وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبيّ في قصة الإفك فقال لسعد بن معاذ: "كذبت والله ؛ لا تقتله ولا تقدر على قتله" ؛ قالت عائشة: "وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية." ولهذه الشبهة سمى عمر حاطبا منافقا، فقال: "دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق" فقال: ((إنه شهد بدرا)) فكان عمر متأولا في تسميته منافقا للشبهة التي فعلها.))[7]

    روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ إلى قوله ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ قال: ((نزل في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم.)) وهو في "الصحيح المسند من أسباب النزول" للإمام مقبل الوادعي رحمه الله.
    قلت: وفي مخاطبتهم باسم الإيمان دليل على عدم وقوع الكفر الأكبر منهم.

    وقد سئل شيخ الإسلام عن أهل ماردين الذين قاتلوا المسلمين مع التتار فلم يكفّرهم رحمه الله، بل قال: ((ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم , ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم, من تغيب أو تعريض أو مصانعة, فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعينت، ولا يحل سبهم عموما ورميهم بالنفاق, بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة فى الكتاب والسنة فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم.))[8] أهـ

    وقال رحمه الله عن التتار: ((فإنه لا ينضم إليهم طوعا من المظهرين للإسلام إلا منافق أو زنديق أو فاسق فاجر.))[9] أهـ
    قلت: يستفاد منه أنّ الذي ينضم طوعا إلى عسكر التتار ويقاتل من أجل مُلك جنكس خان، قد يكون منافقا زنديقا وقد يكون فاسقا فاجرا، فإن فعلها محبة لدينهم أو كرها للإسلام فهو كافر، وإن فعلها حبا للدنيا واغترارا بما في أيديهم منها وخوفا من زوال ما في يده فهو فاسق فاجر غير خارج عن الإسلام.

    يتضح بهذا جهل الوصابي بأمور العقيدة البسيطة التي يدركها أصغر أهل السنّة، ويتضح أيضا قصده إدخال آراء الخوارج على أهل السنّة، وذلك بدسّه لهذه الدسائس التكفيرية في وسط كتاب يستهدف به صغار الطلاب لترسخ في أذهانهم هذه الأفكار القطبية وتعمل عملها بعد ذلك، فعلى الوصابي أم يعلن توبته من هذه الأقوال المخالفة لكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وأن يسارع إلى البراءة منها وحذفها من كتابه.



    [1] منشور بصوته في شبكة العلوم السلفية

    [2] القول المفيد (ص:96)

    [3] راجع" شرح الكوكب المنير (ص:27)

    [4] القول المفيد (ص:97)

    [5] تكفيري جلد، وقد صرّح بتكفير الحكام في الكتاب الذي أحال عليه الوصابي.، وقد أحال عليه في "القول المفيد" (ص:54)

    [6] تأمل قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ حيث خاطبه باسم الإيمان.

    [7] "مجموع الفتاوى" (7/523)

    [8] "مجموع الفتاوى" (28/240)

    [9] "مجموع الفتاوى" (28/535)

  • #2
    ما شاء الله رد طيب نسأل الله أن يعينك ويسددك

    تعليق


    • #3
      شكر

      جزاك الله خيرا يا أخانا ياسر على هذا الرد الطيب, فأسأل الله أن يرزقك علما نافعا....

      تعليق

      يعمل...
      X