دفاع عن الحديث النبوي و السيرة
و الرد على جهالات الدكتور البوطي في فقه السيرة
تأليف الشيخ المحدّث العلامة
محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة بين يدي الرسالة (ملاحظة)
الحمد لله رب العالمين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين، و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فبين يديك أيها القارئ الكريم بحوث علمية حديثية، في نقد كتاب ((فقه السيرة)) للدكتور محمد سعيد البوطي الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كان وضعه لطلاب السنة الثانية في الكلية، و كنت نشرت هذا النقد في مجلة التمدن الإسلامي الغراء بحوثاً متتابعة، رجوت منها أن يجد الطلاب و غيرهم فيها ((نموذجا صالحاً للنقد العلمي النزيه، القائم على البحث و الالتزام للقواعد العلمية الصحيحة، عسى أن يزيدهم ذلك عناية بدراسة الحديث الشريف دراسة علمية، و بذلك يحيون ما كاد يندرس من هذا العلم العظيم، بسبب اقتصار المدرسين و الأساتذة على تدريسه دراسة نظرية محضة، و إصدارهم على أساسها تأليفاتـهم التي يؤلفونَها لطلابهم أو لغيرهم، غير مراعين فيها أبسط تلك القواعد العلمية، من اختيار النصوص الصحيحة، و الأحاديث الثابتة، من المصادر الموثوقة و المراجع المعتمدة، مع العزو إليها، و تخريجها تخريجاً علمياً دقيقاً، فترى أحدهم – و هو أستاذ هذه المادة: الحديث – يورد حديثاً نبوياً، أو خبراً متعلقاً بسيرته عليه الصلاة و السلام أو أخلاقه؛ يقول في تخريجه: ((رواه أبو داود)) أو ((رواه ابن هشام في (السيرة)))!! و هو يظن أنه بذلك قد أدى الأمانة العلمية المطوقة في عنقه، و أنه نصح لطلابه! هيهات هيهات! فإن التزام المنهج العلمي المشار إليه في الدراسة الحديثية يوجب عليه قبل هذا التخريج المقتضب أن يدرس إسناد ذلك الحديث أو الخبر، و يتتبع رجاله، و يتعرف علله، و أقوال أهل الاختصاص فيه ثم يحكم عليه بما تقتضيه هذه الدراسة من صحة أو ضعف، ثم يقدم خلاصتها إلى طلابه مع التخريج المذكور، و إلا فمثل هذا التخريج المبتور الذي جرى عليه الأستاذ المشار إليه؛ مما لا يعجز عنه أحد من الطلاب أنفسهم إن شاء الله تعالى)).
ذلك ما كنت كتبته في مقدمة رسالتي ((نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة))(1) للشيخ محمد منتصر الكتاني، و هو ينطبق على الدكتور البوطي تمام الانطباق بل إن هذا زاد على الشيخ فادعى لكتابه ((فقه السيرة)) من الصحة ما ليس له كما كنت أشرت إلى ذلك في التعليق على المقدمة المذكورة فقلت ما نصه: ((ثم وقفت على كتاب ((فقه السيرة)) للأستاذ الفاضل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فرأيته نحا فيه نحو الأستاذ الكتاني، فأورد فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة و المنكرة، بل و ما لا أصل له البتة، و لكنه زاد عليه فنص في المقدمة أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار! و لكن دراستي للكتاب بينت أنـها دعوى مجردة، و أن جل اعتماده كان على كتاب فضيلة الشيخ محمد الغزالي: ((فقه السيرة)) الذي لم يقتصر الدكتور على أن يأخذ اسمه فقط، بل زاد عليه فاستفاد منه كثيرا من بحوثه و نصوصه، بل و عناوينه! كما استفاد من تخريجي إياه المطبوع معه، مع اختصار له مخل، ليستر بذلك ما قد فعل، و قد انتقدني في ثلاث مواطن منه تمنيت – يشهد الله – أن يكون مصيباً و لو في واحد منها، و لكنه على العكس من ذلك، فقد كشف بذلك كله أن هذه الشهادات العالية، و ما يسمونه بـ (الدكتوراه) لا تعطي لصاحبها علماً و تحقيقاً و أدباً، و إني لأرجو أن تتاح لي الفرصة، لأتمكن من بيان هذا الإجمال و الله المستعان. ثم أتيحت لي الفرصة، فبينت الإجمال المشار إليه في هذه الرسالة، التي يعود الفضل الأول في نشرها للسادة القائمين على مجلة التمدن الإسلامي الغراء، و بخاصة منهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة شفاه الله و قواه، فقد نشرت فيها تباعاً في مقالات متسلسلة من العدد (7 – مجلد 42 – 2 – مجلد 44)، ثم أفردتـها في هذه الرسالة ليعم النفع بـها، و يطلع عليها من لم يتمكن من متابعتها في المجلة الغراء.
هذا و قد نمي إلي أن بعض الأساتذة رأى في ردي هذا على الدكتور شيئاً من الشدة و القسوة في بعض الأحيان، مما لا يعهدون مثله في سائر كتاباتي و ردودي العلمية، و تمنوا أنه لو كان رداً علمياً محضاً.
فأقول: إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنني لم أفعل إلا ما يجوز لي شرعاً، و أنه لا سبيل لمنصف إلى انتقادنا، كيف و الله عز و جل يقول في كتابه الكريم في وصف عباده المؤمنين: {و الذين إذا أصابـهم البغي هم ينتصرون * و جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * و لمن صبر و غفر إن ذلك من عزم الأمور}، فإن كل من يتتبع ما يكتبه الدكتور البوطي في كتبه و رسائله و يتحدث به في خطبه و مجالسه يجده لا يفتأ يتهجم فيها على السلفيين عامة، و علي من دونـهم خاصة، و يشهر بـهم بين العامة و الغوغاء، و يرميهم بالجهل و الضلال، و بالتبله و الجنون، و يلقبهم بـ (السلفيين)(2) و (السخفيين)!! و ليس هذا فقط، بل هو يحاول أن يثير الحكام ضدهم برميه إياهم بأنـهم عملاء للاستعمار. إلى غير ذلك من الأكاذيب و الترهات التي سجلها عليه الأستاذ محمد عيد عباسي في كتابه القيم ((بدعة التعصب المذهبي)) (ص 274 – 300) و غيرها، داعماً ذلك بذكر الكتاب و الصفحة التي جاءت فيها هذه الأكاذيب.
و من طاماته و افتراءاته قوله في ((فقه السيرة)) (ص 354 – الطبعة الثالثة) بعد أن نبزهم بلقب الوهابية: ((ضل أقوام لم تشعر أفئدتـهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و راحوا يستنكرون التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم بعد وفاته)). و هذا كأنه اجترار من الدكتور لفرية ذلك المتعصب الجائر: ((إن هؤلاء الوهابيين تتقزز نفوسهم أو تشمئز حينما يذكر اسم محمد صلى الله عليه و سلم))(3). و الدكتور حين يلفظ هذه الفرية يتذكر أن الواقع - الذي هو على علم به – يكذبـها فإن السلفيين و أمثالهم بفضل الله تعالى – من بين المسلمين جميعاً – شعارهم اتباعهم للنبي صلى الله عليه و سلم وحده دون سواه؛ و هو الدليل القاطع على حبهم الخالص له الذي لازمه حبهم لله عز و جل، كما قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. و لعلم الدكتور بـهذا الفضل الإلهي على السلفيين حمله حقده عليهم أن يحاول إبطال دلالة الآية المذكورة على ما سلف، بل و على تضليل السلفيين مجدداً لفهمهم إياها هذا الفهم الواضح و أنـها تعني أن الاتباع دليل المحبة و أنـها لا تنفك عنه فقال (ص 195 – الطبعة الثالثة): ((و لقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس لها معنى إلا الاتباع و الاقتداء، و فاتـهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع و دافع، و لن تجد من وازع يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية …)).
و أقول: إن الذي ضل إنما هو الذي يناقض نفسه بنفسه من جهة، فأول كلامه ينقض آخره لأنه إذا كان لا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية، و هو كذلك و هو الذي نعتقده و نعمل به فكيف يتفق هذا مع أول كلامه الصريح في أن المحبة لها معنى غير الاتباع؟! و لو كان الأمر كذلك و ثبت الدكتور عليه لأبطل دلالة الآية و العياذ بالله تعالى.
و من جهة أخرى فقد افترى علينا بقوله: ((و فاتـهم أن الاقتداء …)) الخ. فلم يفتنا ذلك مطلقاً بحمد الله بل نعلم علم اليقين أنه كلما ازداد المسلم اتباعاً للنبي صلى الله عليه و سلم ازداد حباً له، و أنه كلما ازداد حباً له ازداد اتباعاً له صلى الله عليه و سلم، فهما أمران متلازمان كالإيمان و العمل الصالح تماماً. فهذا الحب الصادق المقرون بالاتباع الخالص للنبي صلى الله عليه و سلم، هو الذي أراد الدكتور أن ينفيه عن السلفيين بفريته السابقة، فالله تعالى حسيبه، {و كفى بالله حسيبا}. ذلك قليل من كثير من افتراءات الدكتور البوطي و ترهاته، الذي أشفق عليه ذلك البعض، أن قسونا عليه أحياناً في الرد، و لعله قد تبين لهم أننا كنا معذورين في ذلك، و أننا لم نستوف حقنا منه بعد،{و جزاء سيئة سيئة مثلها} و لكن لن نستطيع الاستيفاء، لأن الافتراء لا يجوز مقابلته بمثله؛ و كل الذي صنعته أنني بينت جهله في هذا العلم و تطفله عليه و مخالفته للعلماء، و افتراءه عليهم و على الأبرياء، بصورة رهيبة لا تكاد تصدق، فمن شاء أن يأخذ فكرة سريعة عن ذلك، فليرجع إلى فهرس الرسالة هذه ير العجب العجاب. هذا، و هناك سبب أقوى استوجب القسوة المذكورة في الرد ينبغي على ذلك البعض المشفق على الدكتور أن يدركه، ألا و هو جلالة الموضوع و خطورته الذي خاض فيه الدكتور بغير علم، مع التبجح و الادعاء الفارغ الذي لم يسبق إليه، فصحح أحاديث و أخباراً كثيرة لم يقل بصحتها أحد، و ضعف أحاديث أخرى تعصباً للمذهب، و هي ثابتة عند أهل العلم بـهذا الفن و المشرب، مع جهله التام بمصطلح الحديث و تراجم رواته، و إعراضه عن الاستفادة من أهل العلم العارفين به، ففتح بذلك بابا خطيراً أمام الجهال و أهل الأهواء أن يصححوا من الأحاديث ما شاءوا، و يضعفوا ما أرادوا، ((و من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بـها إلى يوم القيامة)).
و سبحان الله العظيم، إن الدكتور ما يفتأ يتهم السلفيين في جملة ما يتهمهم به بأنـهم يجتهدون في الفقه و إن لم يكونوا أهلا لذلك، فإذا به يقع فيما هو شر مما اتـهمهم به تحقيقاً منه للأثر السائر: ((من حفر بئراً لأخيه وقع فيه))! أم أن الدكتور يرى أن الاجتهاد في علم الحديث من غير المجتهد بل من جاهل يجوز، و إن كان هذا العلم يقوم عليه الفقه كله أو جله!!. من أجل ذلك فإني أرى من الواجب على أولئك المشفقين على الدكتور أن ينصحوه (و الدين النصيحة) بأن يتراجع عن كل جهالاته و افتراءاته، و أن يمسك قلمه و لسانه عن الخوض في مثلها مرة أخرى، عملا بقول نبينا محمد صلى الله عليه و سلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قيل: كيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره)). أخرجه البخاري من حديث أنس، و مسلم من حديث جابر، و هو مخرج في ((الإرواء)) (2515).
فإن استجاب الدكتور فذلك ما نرجو، و (عفا الله عما سلف)، و إن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه، و العاقبة للمتقين، و صدق الله العظيم إذ يقول: {إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتـهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار}.
و صلى الله على محمد النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم.
(ملاحظة) في حواشي الكتاب، عند ذكر "قال راقمه" أو "قال مراد"، فالكلام الذي يليه هو لمعيد تنسيق الكتاب و ليس للشيخ رحمه الله!
(1)نشرت أولاً في مجلة التمدن الإسلامي الغراء (مجلد 33 و 34) ثم أفردت في رسالة، و ذلك قبل عشر سنين.
(2)قال راقمه: لعلها ((السفليين)).
(3)انظر مقدمتي لشرح العقيدة الطحاوية (ص 44 – الطبعة الرابعة).
و الرد على جهالات الدكتور البوطي في فقه السيرة
تأليف الشيخ المحدّث العلامة
محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة بين يدي الرسالة (ملاحظة)
الحمد لله رب العالمين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين، و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فبين يديك أيها القارئ الكريم بحوث علمية حديثية، في نقد كتاب ((فقه السيرة)) للدكتور محمد سعيد البوطي الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كان وضعه لطلاب السنة الثانية في الكلية، و كنت نشرت هذا النقد في مجلة التمدن الإسلامي الغراء بحوثاً متتابعة، رجوت منها أن يجد الطلاب و غيرهم فيها ((نموذجا صالحاً للنقد العلمي النزيه، القائم على البحث و الالتزام للقواعد العلمية الصحيحة، عسى أن يزيدهم ذلك عناية بدراسة الحديث الشريف دراسة علمية، و بذلك يحيون ما كاد يندرس من هذا العلم العظيم، بسبب اقتصار المدرسين و الأساتذة على تدريسه دراسة نظرية محضة، و إصدارهم على أساسها تأليفاتـهم التي يؤلفونَها لطلابهم أو لغيرهم، غير مراعين فيها أبسط تلك القواعد العلمية، من اختيار النصوص الصحيحة، و الأحاديث الثابتة، من المصادر الموثوقة و المراجع المعتمدة، مع العزو إليها، و تخريجها تخريجاً علمياً دقيقاً، فترى أحدهم – و هو أستاذ هذه المادة: الحديث – يورد حديثاً نبوياً، أو خبراً متعلقاً بسيرته عليه الصلاة و السلام أو أخلاقه؛ يقول في تخريجه: ((رواه أبو داود)) أو ((رواه ابن هشام في (السيرة)))!! و هو يظن أنه بذلك قد أدى الأمانة العلمية المطوقة في عنقه، و أنه نصح لطلابه! هيهات هيهات! فإن التزام المنهج العلمي المشار إليه في الدراسة الحديثية يوجب عليه قبل هذا التخريج المقتضب أن يدرس إسناد ذلك الحديث أو الخبر، و يتتبع رجاله، و يتعرف علله، و أقوال أهل الاختصاص فيه ثم يحكم عليه بما تقتضيه هذه الدراسة من صحة أو ضعف، ثم يقدم خلاصتها إلى طلابه مع التخريج المذكور، و إلا فمثل هذا التخريج المبتور الذي جرى عليه الأستاذ المشار إليه؛ مما لا يعجز عنه أحد من الطلاب أنفسهم إن شاء الله تعالى)).
ذلك ما كنت كتبته في مقدمة رسالتي ((نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة))(1) للشيخ محمد منتصر الكتاني، و هو ينطبق على الدكتور البوطي تمام الانطباق بل إن هذا زاد على الشيخ فادعى لكتابه ((فقه السيرة)) من الصحة ما ليس له كما كنت أشرت إلى ذلك في التعليق على المقدمة المذكورة فقلت ما نصه: ((ثم وقفت على كتاب ((فقه السيرة)) للأستاذ الفاضل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فرأيته نحا فيه نحو الأستاذ الكتاني، فأورد فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة و المنكرة، بل و ما لا أصل له البتة، و لكنه زاد عليه فنص في المقدمة أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار! و لكن دراستي للكتاب بينت أنـها دعوى مجردة، و أن جل اعتماده كان على كتاب فضيلة الشيخ محمد الغزالي: ((فقه السيرة)) الذي لم يقتصر الدكتور على أن يأخذ اسمه فقط، بل زاد عليه فاستفاد منه كثيرا من بحوثه و نصوصه، بل و عناوينه! كما استفاد من تخريجي إياه المطبوع معه، مع اختصار له مخل، ليستر بذلك ما قد فعل، و قد انتقدني في ثلاث مواطن منه تمنيت – يشهد الله – أن يكون مصيباً و لو في واحد منها، و لكنه على العكس من ذلك، فقد كشف بذلك كله أن هذه الشهادات العالية، و ما يسمونه بـ (الدكتوراه) لا تعطي لصاحبها علماً و تحقيقاً و أدباً، و إني لأرجو أن تتاح لي الفرصة، لأتمكن من بيان هذا الإجمال و الله المستعان. ثم أتيحت لي الفرصة، فبينت الإجمال المشار إليه في هذه الرسالة، التي يعود الفضل الأول في نشرها للسادة القائمين على مجلة التمدن الإسلامي الغراء، و بخاصة منهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة شفاه الله و قواه، فقد نشرت فيها تباعاً في مقالات متسلسلة من العدد (7 – مجلد 42 – 2 – مجلد 44)، ثم أفردتـها في هذه الرسالة ليعم النفع بـها، و يطلع عليها من لم يتمكن من متابعتها في المجلة الغراء.
هذا و قد نمي إلي أن بعض الأساتذة رأى في ردي هذا على الدكتور شيئاً من الشدة و القسوة في بعض الأحيان، مما لا يعهدون مثله في سائر كتاباتي و ردودي العلمية، و تمنوا أنه لو كان رداً علمياً محضاً.
فأقول: إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنني لم أفعل إلا ما يجوز لي شرعاً، و أنه لا سبيل لمنصف إلى انتقادنا، كيف و الله عز و جل يقول في كتابه الكريم في وصف عباده المؤمنين: {و الذين إذا أصابـهم البغي هم ينتصرون * و جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * و لمن صبر و غفر إن ذلك من عزم الأمور}، فإن كل من يتتبع ما يكتبه الدكتور البوطي في كتبه و رسائله و يتحدث به في خطبه و مجالسه يجده لا يفتأ يتهجم فيها على السلفيين عامة، و علي من دونـهم خاصة، و يشهر بـهم بين العامة و الغوغاء، و يرميهم بالجهل و الضلال، و بالتبله و الجنون، و يلقبهم بـ (السلفيين)(2) و (السخفيين)!! و ليس هذا فقط، بل هو يحاول أن يثير الحكام ضدهم برميه إياهم بأنـهم عملاء للاستعمار. إلى غير ذلك من الأكاذيب و الترهات التي سجلها عليه الأستاذ محمد عيد عباسي في كتابه القيم ((بدعة التعصب المذهبي)) (ص 274 – 300) و غيرها، داعماً ذلك بذكر الكتاب و الصفحة التي جاءت فيها هذه الأكاذيب.
و من طاماته و افتراءاته قوله في ((فقه السيرة)) (ص 354 – الطبعة الثالثة) بعد أن نبزهم بلقب الوهابية: ((ضل أقوام لم تشعر أفئدتـهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و راحوا يستنكرون التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم بعد وفاته)). و هذا كأنه اجترار من الدكتور لفرية ذلك المتعصب الجائر: ((إن هؤلاء الوهابيين تتقزز نفوسهم أو تشمئز حينما يذكر اسم محمد صلى الله عليه و سلم))(3). و الدكتور حين يلفظ هذه الفرية يتذكر أن الواقع - الذي هو على علم به – يكذبـها فإن السلفيين و أمثالهم بفضل الله تعالى – من بين المسلمين جميعاً – شعارهم اتباعهم للنبي صلى الله عليه و سلم وحده دون سواه؛ و هو الدليل القاطع على حبهم الخالص له الذي لازمه حبهم لله عز و جل، كما قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. و لعلم الدكتور بـهذا الفضل الإلهي على السلفيين حمله حقده عليهم أن يحاول إبطال دلالة الآية المذكورة على ما سلف، بل و على تضليل السلفيين مجدداً لفهمهم إياها هذا الفهم الواضح و أنـها تعني أن الاتباع دليل المحبة و أنـها لا تنفك عنه فقال (ص 195 – الطبعة الثالثة): ((و لقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس لها معنى إلا الاتباع و الاقتداء، و فاتـهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع و دافع، و لن تجد من وازع يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية …)).
و أقول: إن الذي ضل إنما هو الذي يناقض نفسه بنفسه من جهة، فأول كلامه ينقض آخره لأنه إذا كان لا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية، و هو كذلك و هو الذي نعتقده و نعمل به فكيف يتفق هذا مع أول كلامه الصريح في أن المحبة لها معنى غير الاتباع؟! و لو كان الأمر كذلك و ثبت الدكتور عليه لأبطل دلالة الآية و العياذ بالله تعالى.
و من جهة أخرى فقد افترى علينا بقوله: ((و فاتـهم أن الاقتداء …)) الخ. فلم يفتنا ذلك مطلقاً بحمد الله بل نعلم علم اليقين أنه كلما ازداد المسلم اتباعاً للنبي صلى الله عليه و سلم ازداد حباً له، و أنه كلما ازداد حباً له ازداد اتباعاً له صلى الله عليه و سلم، فهما أمران متلازمان كالإيمان و العمل الصالح تماماً. فهذا الحب الصادق المقرون بالاتباع الخالص للنبي صلى الله عليه و سلم، هو الذي أراد الدكتور أن ينفيه عن السلفيين بفريته السابقة، فالله تعالى حسيبه، {و كفى بالله حسيبا}. ذلك قليل من كثير من افتراءات الدكتور البوطي و ترهاته، الذي أشفق عليه ذلك البعض، أن قسونا عليه أحياناً في الرد، و لعله قد تبين لهم أننا كنا معذورين في ذلك، و أننا لم نستوف حقنا منه بعد،{و جزاء سيئة سيئة مثلها} و لكن لن نستطيع الاستيفاء، لأن الافتراء لا يجوز مقابلته بمثله؛ و كل الذي صنعته أنني بينت جهله في هذا العلم و تطفله عليه و مخالفته للعلماء، و افتراءه عليهم و على الأبرياء، بصورة رهيبة لا تكاد تصدق، فمن شاء أن يأخذ فكرة سريعة عن ذلك، فليرجع إلى فهرس الرسالة هذه ير العجب العجاب. هذا، و هناك سبب أقوى استوجب القسوة المذكورة في الرد ينبغي على ذلك البعض المشفق على الدكتور أن يدركه، ألا و هو جلالة الموضوع و خطورته الذي خاض فيه الدكتور بغير علم، مع التبجح و الادعاء الفارغ الذي لم يسبق إليه، فصحح أحاديث و أخباراً كثيرة لم يقل بصحتها أحد، و ضعف أحاديث أخرى تعصباً للمذهب، و هي ثابتة عند أهل العلم بـهذا الفن و المشرب، مع جهله التام بمصطلح الحديث و تراجم رواته، و إعراضه عن الاستفادة من أهل العلم العارفين به، ففتح بذلك بابا خطيراً أمام الجهال و أهل الأهواء أن يصححوا من الأحاديث ما شاءوا، و يضعفوا ما أرادوا، ((و من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بـها إلى يوم القيامة)).
و سبحان الله العظيم، إن الدكتور ما يفتأ يتهم السلفيين في جملة ما يتهمهم به بأنـهم يجتهدون في الفقه و إن لم يكونوا أهلا لذلك، فإذا به يقع فيما هو شر مما اتـهمهم به تحقيقاً منه للأثر السائر: ((من حفر بئراً لأخيه وقع فيه))! أم أن الدكتور يرى أن الاجتهاد في علم الحديث من غير المجتهد بل من جاهل يجوز، و إن كان هذا العلم يقوم عليه الفقه كله أو جله!!. من أجل ذلك فإني أرى من الواجب على أولئك المشفقين على الدكتور أن ينصحوه (و الدين النصيحة) بأن يتراجع عن كل جهالاته و افتراءاته، و أن يمسك قلمه و لسانه عن الخوض في مثلها مرة أخرى، عملا بقول نبينا محمد صلى الله عليه و سلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قيل: كيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره)). أخرجه البخاري من حديث أنس، و مسلم من حديث جابر، و هو مخرج في ((الإرواء)) (2515).
فإن استجاب الدكتور فذلك ما نرجو، و (عفا الله عما سلف)، و إن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه، و العاقبة للمتقين، و صدق الله العظيم إذ يقول: {إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتـهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار}.
و صلى الله على محمد النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم.
دمشق في 27 جمادى الآخرة سنة 1397 هـ
محمد ناصر الدين الألباني
رد العلامة الفوزان على البوطي في كتابه( السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..
/ تعْقـِـيبـــــــــــــَات علَى كِتَاب السَّلفيَّة ليسَتْ مَذهَباً
بقلم د.صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفىبالله شهيدا ، وأشهد أن ى إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداًعبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وبعد: فقد اطلعت علىكتاب من تأليف الدكتور/محمد سعيد رمضان البوطي بعنوان: (السلفية مرحلةزمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..
فاستغربت هذا العنوان لما يوحي به من إنكار أن يكون للسلف مذهب ومنهج تجبعلينا معرفته والتمسك به ، وترك المذاهب المخالفة له ، ولما قرأت الكتابوجدت مضمونه أغرب من عنوانه حيث وجدته يقول فيه: إن التمذهب بالسلفية بدعة ،ويشن حملة على السلفيين. ونحن نتساءل: هل الذي حمله على أن يشن هذه الحملةالشعواء على السلفية والسلفيين –الحملة التي تناولت حتى القدامى منهم كشيخالإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – هل الذي حمله علىذلك كراهيته للبدع فظن أن التمذهب بالسلفية بدعة فكرهه لذلك؟ كلا ، ليسالحامل له كراهية البدع ، لأننا رأيناه يؤيد في هذا الكتاب كثيرا من البدع: يؤيد الأذكار الصوفية المبتدعة ، ويؤيد الدعاء الجماعي بعد صلاة الفريضةوهو بدعة ، ويؤيد السفر لزيارة قبر الرسول وهو بدعة..
فاتضح لنا – والله أعلم – أن الحامل له على شن هذه الحملة هو التضايق منالآراء السلفية التي تناهض البدع والأفكار التي يعيشها كثير من العالمالإسلامي اليوم وهي لا تتلاءم مع منهج السلف ، وقد ناقشت في هذه العجالةالآراء التي أبداها في كتابه المذكور حول السلفية والسلفيين.
وذلك من خلال التعقيبات التالية ، وهي تعقيبات مختصرة تضع تصوراً لمايحتويه كتابه من آراء هي محل نظر ، وإذا كان الدكتور يعني بحملته هذه جماعةمعينة فلماذا لا يخصها ببيان أخطائها دون أن يعمم الحكم على جميع السلفيينالمعاصرين ، وحتى بعض السابقين منهم ، والآن التعقيبات..
التعقــيب الأول
قوله في العنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي) اهـ.
هذا العنوان معناه أن السلف ليس لهم مذهب يعرفون به وكأنهم في نظره عوام عاشوا في فترة من الزمن بلا مذهب..
وأن تفريق العلماء بين مذهب السلف ومذهب الخلف تفريق خاطئ ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، وعلى هذا لا معنى لقول الرسول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..) ، وقوله لما سئل عن الفرقة الناجيةمن هي؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) لا معنى لهذاكله ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، ولعل قصد الدكتور من ذلك هو الرد على الذينيتمسكون بمذهب السلف في هذا الزمان ويخالفون المبتدعة والخرافيين.
التعقــيب الثــاني:
قوله في صفحة (5): (هذا الكتاب لا يتضمن أي مناقشة لآراء السلفية وأفكارهمالتي يعرفون بها ، كما لا يتضمن تصويبا ولا تخطئة لها) اهـ.
ومعنى هذا أن الآراء السلفية قابلة للمناقشة والتخطئة ، وهذا فيه إجمال ؛لأن السلفية بعناها الصحيح المعروف لا تخالف الكتاب والسنة فلا تقبلالمناقشة والتخطئة ، وأما السلفية المدعاة فهي محل نظر ، وهو لم يحددالمراد بالسلفية ، فكان كلامه موهماً عاماً يتناول السلفية الصحيحةالمستقيمة.
التعقــيب الثــالـث:
في صفحة (12) المقطع الأول يعلل فيه وجوب اتباع السلف بكونهم أفهم للنصوص لسلامة لغتهم ولمخالطتهم لرسول الله، وهذا فيه نقص كبير ، لأنه أهمل قضية تلقيهم عن رسول الله]وتعلمهم منه وسؤالهم إياه ، ومشاهدتهم للتنزيل على رسول الله ، وتلقيهم التأويل عنه، وهذه مرتبة من العلم لم يبلغها غيرهم ، وقد أهمل ذكرها وتناسها تماما ،كما أنه في آخر هذه الصفحة يقرر أن اتباع السلف لا يعني أخذ أقوالهموالاستدلال بمواقفهم من الوقائع وإنما يعني الرجوع إلى القواعد التي كانوايحتكمون إليها.
ومعنى هذا الكلام أن أقوال السلف وأفعالهم ليست حجة وإنما الحجة هي القواعدالتي كانوا يسيرون عليها وهذا الكلام فيه تناقض ؛ لأن معناه أننا نلغيأقوالهم ونأخذ قواعدها فقط ، ونستنبط بها من النصوص غير استنباطهم ، وهذاإهدار لكلام السلف ودعوة لاجتهاد جديد وفهم جديد يدعي فيه أنه على قواعدالسلف.
التعقــيب الرابــع:
في صفحة (13-14) ينكر أن تتميز طائفة من المسلمين من بين الفرق – المختلفةالمفترقة – وتسمى بالسلفية ، ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولا حواجزبينهم ولا انقسام. وهذا الكلام فيه إنكار بقول الرسول صلى الله عليه ويلم : {لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم).
وقوله: {وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قيل منهي يا رسول الله؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} فهذان الحديثان يدلان على وجود الافتراق والانقسام والتميز بين السلفوأتباعهم وبين غيرهم.
والسلف ومن سار على نهجهم ما زالوا يميزون أتباع السنة عن غيرهم منالمبتدعة والفرق الضالة ويسمونهم (أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح) ومؤلفاتهم مملوءة بذلك. حيث يردون على الفرق المخالفة لفرقة أهل السنةوأتباع السلف. والدكتور يجحد هذا ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولاحواجز بينهم ولا انقسام اهـ. وهذا إنكار للواقع مخالف لما أخبر به النبيمن وجود الانقسام والافتراق في هذه الأمة وأنه لا يبقى على الحق منها إلا فرقة واحدة.
التعقــيب الخــامس:
من صفحة 14 – 17 يحاول أن يبرر قوله بعدم وجوب الأخذ بأقوال السلف وأعمالهموتصرفاتهم ؛ بأن السلف أنفسهم لم يدعوا الناس إلى ذلك وبأن العادات تختفوتتطور في اللباس والمباني والأواني......الخ ما ذكره....
وهذا الكلام فيه جهل وخلط وتلبيس من وجهين:
الوجه الأول: قوله: إن السلف لم يدعوا إلى الأخذ بأقوال السابقين اهـ.
وهذا كذب عليهم ، فإن السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين يحثون علىامتثال ما أمر الله ورسوله به من الاقتداء بالسلف الصالح ، والأخذبأقوالهم ، والله قد أثنى على الذين يتبعونهم ، فقال تعالى :{والسابقونالأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضواعنه وأعد لهم جنات} الآية ، وقال]عن الفرقة الناجية: { هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}..
وقال: { عليكم بسنتي وستة الخلفاء الراشدين من بعدي} ، وقال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئكأصحاب رسول الله أبر الناس قلوبا وأغزرهم علماً وأقلهم تكلفاً..
وقال الإمام مالك بن أنس: { لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أو لها} إلىغير ذلك مما تضمنته الكتب المؤلفة في عقائد السلف والمسماة بكتب السنة ،ككتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ، وكتاب السنة للآجري ، وكتاب السنةلابن أبي عاصم وغيرهت تذكر أقوال السلف وتحث على الأخذ بها.
الوجه الثاني: أنه جعل مسائل العادات كالمباني والأواني والملابس كمسائلالعلم والعقائد والعبادات تختلف باختلاف الأزمنة والأعراف وهذا منه جهل أوتلبيس ، فإن الفرق في ذلك معروف لأقل الناس ثقافة وعلماً ، كل يعرف أنالعادات تختلف وأما العبادات وأحكام الشريعة فهي ثابتة.
التعقــيب الســادس:
في صفحة 18 المقطع الأخير يقول: إن السلف لم يجمدوا عند حرفية أقوال صدرتعنهم اهـ. ومراده أن السلف لا يبقون على أقوالهم بل يتحولون عناه ومن ثم لايجب علينا الأخذ بأقوالهم.. وهذا فيه إجمال ، فإن كان مراده أقوالهم فيالعقيدة فهو كذب عليهم ؛ لأنهم ثبتوا على قولهم في العقيدة ولم يتحولوا عنه، وإن كان مراده أقوالهم في المسائل الاجتهادية فهم لا يجمدون على القولالذي ظهر لهم أنه خطأ بل يتركونه إلى الصواب.
التعقــيب الســابع
قوله: فكل من التزم بالمتفق عليه من تلك القواعد ( ) والأصول وبنى اجتهادهوتفسيره وتأويلاته للنصوص على أساسها فهو مسلم ملتزم بكتاب الله وسنةرسوله...اهـ.
نقول: ضابط الإسلام قد بينه الرسولفي حديث جبريل وهو: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول اللهوتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليهسبيلاً ( ). فالمسلم هو الملتزم بالإسلام المقيم لأركانه ، فلا حاجة إلىهذا التعريف الذي ذكره مع تعريف رسول الله، ثم إن تعريفه فيه إجمال وعدم وضوح فهو يتيح لكل أحد أن يفسر الإسلام بمايريد ، يدل على ذلك قوله فيما بعد: نعم إن من قواعد هذا المنهج ما قد يخضعفهمه للاجتهاد ومن ثم فقد وقع الخلاف الخ....
فهل الإسلام قابل للاختلاف؟ كلا بل إن أصول الإسلام والعقيدة ليست مجالاًللاجتهاد والاختلاف ، وإنما هذا في المسائل الفرعية ، فمن خالف في أصولالدين وعقيدته فإنه يكفر أو يضلل بحسب مخالفته ؛ لأن مدارها على النصوالتوقيف ولا مسرح للاجتهاد فيها.
التعقـــيب الثـــامن
قوله في ص 23: إن السلفية لا تعني مرحلة زمنية ، قصارى ما في الأمر أن الرسولوصفها بالخيرية كما وصف كل من عصر آت من بعدُ بأنه خير من الذي يليه ، فإنقصدت بها جماعة إسلامية ذات منهج معين خاص بها ، فتلك إذن إحدى البدع اهـ.
ونقول: هذا التفسير منه للسلفية بأنها مرحلة زمنية وليست جماعة تفسير غريبوباطل ، فهل يقال للمرحلة الزمنية بأنها سلفية؟ هذا لم يقل به أحد من البشر، وإنما تطلق السلفية على الجماعة المؤمنة الذين عاشوا في العصر الأول منعصور الإسلام ، والتزموا بكتاب الله وسنة رسوله من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ووصفهم الرسولبقوله: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث..
فهذا وصف لجماعة وليس لمرحلة زمنية ، ولما ذكر افتراق الأمة فيما بعد قال عن الفرق كلها: "إنها في النار إلا واحدة" ووصفهذه الواحدة بأنها هي التي تتبع منهج السلف وتسير عليه فقال: "هم من كانعلى مثل ما أن عليه اليوم وأصحابي"..
فدل على أن هناك جماعة سلفية سابقة وجماعة متأخرة تتبعها في نهجها ، وهناكجماعات مخالفة لها متوعدة بالنار ، وما ذاك إلا لضلال هذه الفرق المخالفةللفرقة الناجية ، لا كما يقول فيما سبق في صفحة 20-21: ومن حق صاحب أحدالرأيين أو الآراء في تلك المسائل الاجتهادية أن يطمئن إلى أن ما ذهب إليههو الصواب ، ولكن ليس من حقه أن يجزم بأن الذين خالفوه إلى الآراء الأخرىضالون خارجون عن حظيرة الهدى اهـ.
ونقول له: ليس هذا على إطلاقه ، إنما هو في المسائل الفروعية التي هي مسرحللاجتهاد ، أما مسائل العقيدة فلا مجال للاجتهاد فيها وإنما مدارها علىالتوقيف ومن خالف فيها ضُلِّل أو كُفِّر بحسب مخالفته ، وقد ضَلَّل السلفالقدرية والخوارج والجهمية وحكموا على بعضهم بالكفر لمخالفتهم منهج السلف.
التعقـــيب التـــاسع
زعم في صفحة 27-31 أن الصحابة لم يكن بهم حاجة إلى تحكيم ميزان علمي فيالاستنباط. وهذا فيه إجمال ، فإن أراد بالميزان العلمي فهم النصوص ومعرفةمعانيها وما يراد بها فهم أغزر الناس علماً في ذلك وأقلهم تكلفاً ، وإنأراد بالميزان العلمي منهج الجدل وعلم الكلام فهذا ميزان جهلي لا ميزانعلمي ، وهم أغنى الناس عنه ، وقد تركوه وحذروا منه وضللوا أصحابه لأنه لايوصل إلى حقيقة ولا يهدي إلى صواب ، وإنما آل بأصحابه إلى الشك ، وإن زعممن ابتلي به أنه ميزان علمي ووصفوا أنفسهم بأن طريقتهم أعلم وأحكم وأنطريقة السلف أسلم ويوصفون بأنهم ظاهريون كما وصفهم الدكتور بذلك في هذاالكتاب في صفحة 31 فقال: (ومن ثم فإن الشأن فيما ذكرناه عنهم من ابتعادهمعن ساحة الرأي وعدم الخوض فيما تلقوه أنباء الغيب وغوامض المعاني ، ووقوفهمفي ذلك مع ظاهر النصوص دون تعطيل ولا تشبيه) – فهذا معناه: أن طريقة السلفطريقة بدائية تقف عند ظاهر النصوص وليست طريقة علمية تنفذ إلى غور النصوصومقاصدها ، ومعناه أيضاً: أن للنصوص باطناً وظاهراً يختلفان كما يقوله أهلالضلال.
التعقــيب العــاشر
من صفحة 32 إلى صفحة 47 يحاول أن يبرر مخالفة بعض الخلف لمنهج السلف باتساعبلاد الإسلام ودخول أجناس من البشر في دين الإسلام وهم يحملون ثقافاتأجنبية وبتوسع مجالات الحياة المعيشية باختلاف الملابس والمباني والأوانيوالصناعات والأطعمة إلى غير ذلك مما ذكره من الكلام الطويل إلى أن قال فيالنهاية: فلو كانت اتجاهات السلف واجتهادهم هذه حجة لذاتها لا تحتاج هيبدورها إلى برهان أو مستند يدعماه لأنها برهان نفسها إذل لوجب أن تكون تلكالنظرات (يعني نظرات السلف) المتباعدة المتناقضة كلها حقاً وصواباً ولوجبالمصير ودون أي تردد إلى رأي المصوبة( ) ولما احتاج أولئك السلف رضوان اللهعليهم أن يلجئوا أخيرا من مشكلة هذا التناقض والاضطراب إلى منهج علمي يضبطحدود المصالح... الخ ما قال....
ونحن نجيبه عن ذلك:
الجواب الأول: أن السلف لم يختلفوا في مسائل العقائد والإيمان ، وإنمااختلفوا في مسائل الاجتهاد الفرعية وليس ذلك اضطراباً وتناقضاً كما يقول ،وإنما هو اجتهاد يؤجرون عليه.
الجواب الثاني: أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا باتباعهم بقوله: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} ، وقال عن الفرقةالناجية: {هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} ، وأثنى الله علىمن اتبعهم ورضي عنه معهم فقال سبحانه: {والسابقون الأولون من المهاجرينوالأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جناتتجري تحتها الأنهار}.
والإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلحأولها..) فيجب اتباعهم والأخذ بأقوالهم لا سيما في العقيدة ؛ لأن قولهم حجةكما هو مقرر في الأصول.
التعقـــيب الحادي عشـــر
في صفحة 53-54 وصف الكوثري بأنه محقق ونقل كلاما له ذكر فيه أن عدة منأحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس بثوا بين أعراب الرواة منالمسلمين أساطير وأخبارا في جانب الله فيها تجسيم وتشبيه وأن المهدي أمرعلماء الجدل من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين والزنادقة ( ) وأقاموا البراهين وأزالوا الشبه وخدموا الدين. هكذا وصف الكوثري رواةالإسلام بأنهم أعراب راجت عليهم أساطير اليهود والنصارى والمجوس ، وهذهالأساطير بزعمه هي الأخبار المتضمنة لأسماء الله وصفاته ؛ لأنها تفيدالتشبيه والتجسيم عنده ؛ وأثنى على علماء الكلام الذين ردوا هذه الرواياتووصفهم بالدفاع عن الإسلام والرد على الملحدين والزنادقة ، وأما علماءالكتاب والسنة فليس لهم دور عند الكوثري في الذب عن الإسلام والرد علىالملاحدة والزنادقة ، وقد نقل الدكتور كلامه هذا مترضيا له ووصفه بالمحقق –والله المستعان.
التعقــيب الثاني عشــر
في صفحة 63 يرى في فقرة (1) أنه يجب التأكد من صحة النصوص الواردةوالمنقولة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قرآنا كانت هذه النصوص أوسنة . ونقول له: أولاً: هل القرآن يحتاج إلى تأكد من صحته ، أليس هو متواترتوترا قطعيا. وإذا كان يريد بعض القراءات فلماذا لم يبين ويقيد كلامهبذلك.
ثانياً: هل القرآن من فم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كالسنة ، أو هو وحيكله لفظه ومعناه من الله تعالى والرسول مبلغ فقط ، إن كلامه هذا يوهم أنالقرآن من كلام الرسول كالسنة وليس هو كلام الله تعالى.
التعقــيب الثالث عشــر قال في صفحة 63 فقرة (ج): إنه يجب على الباحث عرضحصيلة تلك المعاني ( أي معاني النصوص الصحيحة) التي وقف عليها وتأكد منهاعلى موازين المنطق والعقل لتمحيصها ومعرفة موقف العقل منها اهـ.
ونقول: هل للعقل موقف وسلطة مع النصوص الصحيحة ، هذا لم يقل به إلاالمعتزلة ومن وافقهم ، أما أهل السنة فيسلمون لما صح عن الله ورسوله سواءأدركته عقولهم أم لا ، ولا سيما في نصوص الأسماء والصفات وقضايا العقيدة ،فإن العقول لا مجال لها في ذلك ؛ لأنه من أمور الغيب... مع العلم أن الشرعلا يأتي بما تحيله العقول ، لكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول ولا تدرككنهه.
التعقــيب الرابع عشــر
في صفحة 64 المقطع الثالث يستنكر تقسيم المسلمين إلى سلفيين وبدعيين ، وهذارد للنصوص التي أخبرت عن افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها فيالنار إلا واحدة ، والتي أخبرت عن حدوث الاختلاف الكثير وحثت على التمسكبسنة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وسنة الخلفاء الراشدين عند ذلك ،وكتابه كله يدور حول هذه النقطة وهو إنكار لما هو واقع من الانقساموالافتراق في هذه الأمة ، فهو إنكار للواقع المحسوس. وكان الأجدر به أن يحثالمختلفين والمفترقين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة بدلاً من أن يطمئنهمعلى ما هم عليه من فرقة ومخالفة وبأنهم على الحق..
التعقــيب الخامس عشــر
في صفحة 65-67 يشكك في صحة الاستدلال بالخبر الصحيح الذي لم يبلغ حدالتواتر في الاعتقاد. فيقول: هذا القسم لا تتكون منه حجة ملزمة في نطاقالاعتقاد بحيث يقع الانسان في طائلة الكفر إن هو لم يجزم بمضمون خبر صحيحلم يرق إلى درجة المتواتر اهـ. ونقول: هذا كلام غير سليم ولا سديد ، فإنخبر الآحاد إذا صح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجب تصديقهوالتسليم له والجزم بمضمونه في العقائد وغيرها ، وهذا القول الذي ذكره قولمبتدع في الإسلام. فإن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يرسل رسله آحاداًويقبل المرسل إليه خبرهم من غير توقف ولا تشكك في صحة ما جاؤا به وكذلكالصحابة وأتباعهم كانوا يتقبلون الأحاديث الصحيحة ويحتجون بها ولا يشكون فيمضامينها في العقائد وغيرها ولا يوجد هذا التفريق في كلام السلف ، وإنماوجد في كلام بعض الخلف فهو مبتدع.
التعقــيب السادس عشــر
في صفحة 99 ذكر الدكتور البوطي: الأصول والأحكام التي لا مجال للاختلاففيها ، وذكر منها اليقين بأن الله عز وجل واحد في ذاته وصفاته وأفعاله ،وهذا الذي ذكره لا يزيد على توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون وجمهورالأمم ، فالإقرار واليقين به وحده لا يكفي حتى ينضاف إليه توحيد الألوهيةوهو إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه ، وهذا أيضاً أصل لا مجالللاختلاف فيه ، وقوله في هذه الصفحة في الفقرة رقم (4) عن صفات الله إنهاقديمة قدم ذاته – هذا ليس على إطلاقه إنما يقال في صفات الذات ، أما صفاتالأفعال كالاستواء والنزول والخلق والرزق فهي قديمة النوع حادثة الآحادوكذا قوله عن كلام الله ، فهو قديم ليس على إطلاقه ، لأنه من صفات الأفعالفهو قديم النوع حادث الآحاد كغيره من صفات الأفعال ، وهذا التفصيل معروفعند أهل السنة والجماعة.
التعقـيب السابـع عشــر
قوله في صفحة 99: وكل ما قد وصف الله به ذاته أو أخبر به عنها مما يستلزمظاهره التجسيد والتشبيه نثبته له كما قد أثبت ذلك لنفسه وننزهه عن التشبيهوالنظير والتميز والتجسيد....
نقول: ليس في صفات الله ما يستلزم ظاهره التجسيد والتشبيه ، وإنما ذلك فهمفهمه بعض الجهال أو الضلال و لا ينسب ذلك إلى النصوص ؛ لأن لله صفات تخصهوتليق به لا تشبهها صفات خلقه ، ولا يدور هذا في ذهن المؤمن الصادق الإيمان، وكلام الله وكلام رسوله ينزه عن أن يكون لازمه بطلاً.
التعقـيب الثــامن عشر
قوله في صفحة 101 في الفقرة (8): إن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة لا تستلزم تحيزا في جهة معينة اهـ.
وأقول: نفي الجهة عن الله مطلقاً غير صحيح.. فإنه سبحانه في جهة العلو كماتواترت الأدلة على علوه على خلقه ، وإنما ينزه عن جهة غير العلو ، هذا مذهبأهل السنة والجماعة ، بخلاف الجهمية ومن سار على منهجهم في ذلك وغيره.
التعقيـب التـاسع عشـر
قوله في صفحة 101 ، 102 إن الشفاعة في حق كثير من العصاة والمذنبين ميزة ميز الله بها نبيه عن سائر الرسل..اهـ.
هذا كلام غير صحيح فإن الشفاعة في عصاة الموحدين ليست خاصة بنبينا صلَّىالله عليه وسلَّم ، بل ليست خاصة بالأنبياء ، وإنما الخاص به : (الشفاعة العظمى التي هي المقام المحمود).
التعقـيب العشــرون
قوله في صفحة 104 في المقطع الأخير: والإسلام يستتبع آثاره مستقلاً ومنفصلاً عن الإيمان في الدنيا اهـ.
هذا الكلام فيه نظر: فإن الإسلام الصحيح لا ينفصل عن الإيمان لا في الدنياولا في الآخرة ، فإن انفصل عنه فليس إسلاماً صحيحاً ، وإنما هو نفاقوالمنافق لا يسمى مسلماً ، وإنما يسمى منافقاً كما سماه الله ورسوله ، ولايلزم من معاملته معاملة المسلم في الدنيا أنه مسلم حقيقة لا في الدنيا ولافي الآخرة.
التعقــيب الحادي والعشــرون
قوله في صفحة 107: والقول بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه وهو مذهب المعتزلة ليس مكفراً.
أقول: في نفي تكفيره نظر ؛ لأن من قال ذلك إن كان مع هذا ينكر علم الله فيقول غلاة القدرية فهو كافر ، وإن كان لا ينكره وهو مقلد لغيره فهذا يضللوإن كان غير مقلد ، فقد أنكر أحد أركان الإيمان وهو القدر على علم ، فكيفلا يكفر من هذه حاله ، وأيضاً هو قد أثبت لله شريكاً في خلقه وقد قال السلفعن هذا الصنف إنهم مجوس هذه الأمة.
التعقـيب الثـاني والعشــرون
ما ذكره في صفحة 111-112 من أن من أضفى صفات النبوة على علي بن أبي طالبوما يعتقده بعض المريدين في أشياخهم من العصمة وما قاله الإمام الخميني منأن لأئمتهم ما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، أن هذه الأمور تعتبرشذوذات لا تستوجب كفر أصحابها وخروجهم من الملة وكرر ذلك أيضاً في أول صفحة 110 ، وقال في هامش صفحة 112 تعليقة رقم (1) سألت بعض الاخوة علماء الشيعةالإيرانيين الخ...
نقول: إن عدم تكفير من يقول هذه المقالات واعتباره أخاً خطأ واضح ؛ لأنها من أسباب الردة الواضحة فكيف لا يكفرون بذلك.
التعقــيب الثـالث والعشرون
قوله في صفحة 114: ويقابل التعطيل التجسيم أو التشبيه وهو أن تترك هذهالآيات (أي آيات الصفات) على ظاهرها ويفهم منها المألوف في حياة المخلوقينوالمحدثين ، فيفهم من اليد الجارحة التي خلقها الله فينا ، ويفهم منالإستواء معناه المتمثل في جلوس أحدنا على كرسيه أو سريره ، ويفهم منالمجيء الحركة التي تتخطى حيزاً إلى غيره وهكذا. اهـ.
والجواب عن ذلك أن نقول:
أولاً: لا بد من ترك الآيات على ظاهرها فإنه حق مراد لله سبحانه ، وكون بعضالناس يفهم منها فهما سيئاً آفته من فهمه الخاطئ وليس ما فهمه هو ظاهرالآيات: وكم من عائب قولا صحيحا ***وآفته من الفهم السقيم
ثانياً: الآيات تدل على صفات حقيقية لله ، فله يد حقيقية تليق به ولا تشبهيد المخلوق ، والاستواء له معنى حقيقي فسره به السلف وأئمة السنة واللغةوهو العلو والارتفاع والاستقرار والصعود ، وكل هذه المعاني على ما يليقبالله لا كعلو المخلوق وارتفاعه واستقراره وصعوده ، تعالى الله عن ذلك ،وكذلك المجيء هو مجيء حقيقي على معناه في اللغة العربية ، وكذا الإتيان كماجاء الآيات الأخرى ، ولا يلزم منه مشابهة مجيء المخلوق وإتيانه ، والجارحةوالحيز ألفاظ مجملة لم يرد نفيها ولا إثباتها في حق الله تعالى.
التعقـيب الرابع والعشــرون
في صفحة 118-119 ، أثنى على بعض المتصوفة وبعض مؤلفاتهم كالقشيري ، وهذاالثناء في غير محله ؛ لأن التصوف أصله مبتدع في الإسلام ودخيل عليه وقدتطور إلى أفكار إلحادية ، وما زال العلماء المحققون يحذرون منه ومن أصحابهوبالخصوص القشيري ، فإن لشيخ الإسلام ابن تيمية رد مفصل على رسالته ومافيها من مخالفات وشطحات ، وفي الثناء عليه وعلى أمثاله تغرير بمن لا يعرفحقيقتهم.
التعقيب الخـامس والعشرون
تكلم عن صفات الله عز وجل من صفحة 132 حتى صفحة 144 ، وقد حصل في كلامه أخطاء كثيرة من أهمها:
1-اعتباره آيات الصفات من المتشابه ، هذا خطأ ؛ لأن آيات الصفات عند سلفالأمة وأئمتها من المحكم ولم يقل إنها من المتشابه إلا بعض المتأخرين الذينلا يحتج بقولهم ، ولا يعتبر بخلافهم.
2-ذكر أن آيات الصفات لها محملان:
المحمل الأول: أن تجري على ظهرها مع تنزيه الله عز وجل عن الشبيه والشريك ،وقال إن هذا تأويل إجمالي ؛ لأن ظاهرها ما هو من صفات المخلوقين..
والجواب: نقول له: ليس الأمر كما ذكرت فليس ظاهرها يدل على مشابهة صفاتالمخلوقين ، وإنما هذا وهم توهمته أنت وتوهمه غيرك وليس هو ظاهرها ؛ لأنظاهرها هو ما يليق بجلال الله ، وصفات الخالق تختص به ، وصفات المخلوق تختصبه .
ثم قال: والمحمل الثاني: حملها على المعنى المجازي بأن يفسر الاستواء بالاستيلاء والتسلط ، واليد بالقوة .. انتهى كلامه.
الجواب : نقول له: لا يجوز حمل صفات الله عز وجل على المعنى المجازي ؛ لأنهذا تعطيل لها عن مدلولها ، بل يجب حملها على المعنى الحقيقي اللائق بالله ؛لأن الأصل في الكلام الحقيقة ولا سيما كلام الله عز وجل ، ولا سيما مايتعلق به وبأسمائه وصفاته ، ولا يجوز حمل الكلام على المجاز ، إلا عند تعذرحمله على الحقيقة ، وهذا ما لم يحصل في نصوص الصفات ، فليس هناك ما يوجبحملها على المجاز ، وكتبرير منه لهذا الباطل الذي ذكره نسب إلى بعض السلفتأويل بعض الصفات ، فنسب إلى الإمام أحمد تأويل {وجاء ربك} بمعنى جاء أمرربك ، ونسب إلى الإمام البخاري تأويل الضحك بالرحمة ، ونسب إلى الإمام حمادبن زيد تأويل نزول الله إلى السماء الدنيا بإقباله جل جلاله إلى عباده:
والجواب أن نقول: أولاً: ما نسبه إلى الإمام أحمد لم يثبت عنه ولم يوثقه منكتبه أو كتب أصحابه ، وذكر البيهقي لذلك لا يعتمد ؛ لأن البيهقي رحمه اللهعنده شيء من تأويل الصفات فلا يوثق بنقله في هذا الباب ؛ لأنه ربما يتساهلفي النقل. والثابت المتيقن عن الإمام أحمد إثبات الصفات على حقيقتها وعدمتأويلها فلا يترك المعروف المتيقن عنه لشيء مظنون ونقل لم يثبت عنه ، ولهرحمه الله رد على الجهمية والزنادقة في هذا الباب المشهور ومطبوع ومتداول.
ثانياً: وما نسبه إلى البخاري غير صحيح ، فقد راجعت صحيح البخاري فوجدته قدذكر الحديث الذي أشار إليه الدكتور ( ) تحت الترجمة: {ويؤثرون على أنفسهم} ، ولم يذكر تأويل الضحك بالرحمة ، وإنما الذي أوله بالرضا هو الحافظ ابنحجر في الفتح ، والحافظ رحمه الله متأثر بمذهب الأشاعرة فلا عبرة بقوله فيهذا.
ثالثاً: من نسبه إلى حماد بن زيد من تأويل النزول بالإقبال يجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا لم يثبت عنه ؛ لأنه من رواية البيهقي ، والبيهقي رحمهالله يتأول بعض الصفات فربما تساهل في النقل ولو ثبت عن حماد هذا التأويلفهو مردود بما أجمع عليه السلف من إثبات النزول على حقيقته.
الوجه الثاني: أنه لا تنافي بين إثبات النزول على حقيقته وإقبال الله عزوجل على عباده فيقال ينزل ويقبل على عباده وليس في هذا حمل على المجاز كمايظن الدكتور.
3-نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أنهم قد يفسرون الوجه بالجهة أوالقبلة أو الذات ، وظن أن هذا تأويل للوجه الذي هو صفة من صفات الله عز وجلالذاتية، وهذا الظن منه خطأ واضح فهؤلاء الأئمة لم يقصدوا ما توهمه ؛ لأنالوجه لفظ مشترك ، تارة يراد به الوجه الذي هو الصفة الذاتية ، وتارة يرادبه الدين والقصد ، وتارة يراد به الجهة والوجهة ، وسياق الكلام هو الذييحدد المقصود في كل مكان بحسبه ، فإذا فسر الوجه في موضع بأحد هذه المعانيلدليل اقتضى ذلك من دلالة السياق أو غيره ، صح ذلك ولم يكن تأويلاً ، بل هوتفسير لذلك النص وبيان للمراد به ، وبما ذكرنا يتبين أن ما ذكره الدكتورمن جواز حمل آيات الصفات وأحاديثها على المعنى المجازي وصرفها عن ظاهرهاأنه قول غير صحيح وأنه لا مستند له فيما ذكره عن بعض السلف ، إما لأنه لميصح عنهم أو لأنهم لم يقصدوا ما توهمه.
-3اعتمد على تأويلات الخطابي لبعض الصفات وأشاد به ومدحه من أجل ذلك. والجواب عن ذلك: أن الخطابي رحمه الله ممن يتأولون الصفات فلا اعتبار بقولهولا حجة برأيه وله تأويلات كثيرة والله يعفو عنا وعنه.
ثم العجيب في الأمر أن الدكتور تناقض مع نفسه حيث ذكر فيما سبق أنه يجبإثبات صفات الله كما جاءت مع تنزيه الله عن التشبيه والتمثيل كما في صفحة 99 ، 101 ، 113 ، 115 ، بينما نراه هنا يجيز تأويلها وحملها على المجاز.. هل هذا تراجع عما سبق أو هو التناقض؟
التعقــيب السادس والعشـرون
أنه في صفحة 138 ، يجيز مخالفة السلف في إثبات الصفات على حقيقتها فيقول: بل نفرض أن أحدا من رجال السلف رضوان الله عليهم لم يجز لنفسه أكثر من أنيثبت ما أثبته الله لذاته مع تفويض ما وراء ذلك من العلم والتفاصيل إلىالله عز وجل ، فإن ذلك لا يقوم حجة على حرمة مخالفتهم في موقفهم هذا حرمةمطلقة. انتهى كلامه.
ونقول يا سبحان الله ألا يسعنا ما وسع السلف ، أليست مخالفتهم وفيهمالمهاجرون والأنصار والخلفاء الراشدون وبقية الصحابة رضي الله عنهم والقرونالمفضلة أليست مخالفتهم لا سيما في العقيدة بدعة وكل بدعة ضلالة ، بدليلقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعةوكل بدعة ضلالة} والله تعالى يقول: {والسابقون الأولون من المهاجرينوالأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}. فشرط سبحانه فيرضاه عمن جاء بعدهم اتباعهم للمهاجرين والأنصار بإحسان ، والدكتور يقول: لاتحرم مخالفتهم في صفات الله عز وجل ، ألم يخبر النبي صلَّى الله عليهوسلَّم أنهم خير القرون؟ ومعنى هذا الحث على الاقتداء بهم والنهي عنمخالفتهم لا سيما في أصول الدين ، ثم هل تجوز المخالفة في أمور العقيدة؟أليست العقيدة توقيفية لا مجال للاجتهاد والاختلاف فيها؟
التعقــيب السابـع والعشرون
في صفحة 146 المقطع الأخير ذكر أن من البدع القول بفناء النار وأن ذلك داخل بإجماع المسلمين في معنى البدعة.
وتعقيبنا عليه من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يحصل إجماع على تخطئة القول بفناء النار وعده من البدعكما زعم ، فالمسألة خلافية ، وإن كان الجمهور لا يرون القول بذلك ، لكنهلم يتم إجماع على إنكاره ، وإنما هو من المسائل الخلافية التي لا يبدعفيها.
الوجه الثاني: أن الذين قالوا بفنائها استدلوا بأدلة من القرآن والسنة ،وبقطع النظر عن صحة استدلالهم بها أو عدم صحته ، فإن هذا القول لا يعتبر منالبدع ما دام أن أصحابه يستدلون له ؛ لأن البدع ما ليس لها دليل أصلاً ،غاية ما يقال أنه قول خطأ أو رأي غير صواب ، ولا يقال بدعة ، وليس قصديالدفاع عن هذا القول ، ولكن قصدي بيان أنه ليس بدعة ، ولا ينطبق عليه ضابطالبدعة ، وهو من المسائل الخلافية.
التعقــيب الثـامن والعشــرون
في صفحة 149 ، قال: وتفريق الباحث في مسألة القرآن بين ما فيه من المعانيالنفسية والألفاظ المنطوق بها مع ما يلحق بها من حبر وورق وغلاف ، ليقول أنالأول (يعني المعاني النفسية) قديم غير مخلوق ، والثاني حادث مخلوق ، أيعدبدعة محظورة ؛ لأن هذا التفريق لم يعلم على عهد رسول الله صلَّى الله عليهوسلَّم ، ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق دون تفصيل ولاتفريق أم لا يعد بدعة ، وإنما هو شرح وبيان لما علمه الصحبة من قبل علىوجه الإجمال ، ومن ثم فلا مانع لا سيما في مجال التعليم من هذا التفريقوالتفصيل اهـ.
وتعقيبا عليه أقول كلامه هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة الذين يفرقون في كلامالله بين المعنى واللفظ ، فيقولون المعنى قائم بالنفس وهو قديم غير مخلوقوهذا هو كلام الله عندهم.
وأما اللفظ فهو عندهم تعبير عن هذا المعنى من قبل جبريل أو النبي صلَّىالله عليه وسلَّم وهو مخلوق ، وهذا تفريق باطل ( ) ، ومذهب أهل السنة سلفاًوخلفاً أن كلام الله تعالى هو اللفظ والمعنى وكلاهما غير مخلوق لأنه كلامالله تعالى وصفة من صفاته وغير مخلوقة ، وقوله: (إن الصحابة علموا هذاالتفريق بين اللفظ والمعنى في كلام الله) هو تقوُّل على الصحابة ونسبةإليهم ما هم منه برءاء.
التعقــيب التــاسع والعشــرون
في صفحة 149 تساءل عن التوسل بجاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعدوفاته أو بجاه من عرفوا بالصلاح والاستقامة بعد وفاتهم هل هو بدعة أو يقاسعلى التوسل به صلَّى الله عليه وسلَّم حال حياته وهو شيء ثابت دلت عليهالأحاديث الصحيحة ومن ثم فهو ليس من البدعة في شيء ولم يجب عن ذلك التساؤلبل ترك القارئ في حيرة والتباس.
وأقول: أولاً: التوسل بالجاه ليس عليه دليل أصلاً لا في حياته ولا بعد موته ، فهو بدعة بلا شك.
ثانياً: أما التوسل بدعائه صلَّى الله عليه وسلَّم فهو جائز في حياته ؛لأنه يتمكن من الدعاء فيهل ، أما بعد وفاته فطلب الدعاء منه بدعة ولا يجوز ؛لأنه لا يقدر على الدعاء ؛ ولأن الصحابة لم يفعلوا هذا معه بعد وفاتهوإنما كانوا يفعلونه في حال حياته ولا تقاس حالة الحياة على حالة الموتلوجود الفوارق العظيمة بينهما عند جميع العقلاء ، وإنما يقيس هذا القياسالمخرفون.
وإن كان هو يزعم في صفحة 155 أن هذا التفريق لم يعرف إلا عن ابن تيمية وأنالسلف لم يفرقوا ولم تفرق الأدلة بينهما وكأنه لم يقرأ ما ذكره العلماء فيهذا الموضوع وما ذكره ابن تيمية في كتاب (التوسل والوسيلة) عن السلفوالأئمة في ذلك ، أو أن تحامله عليه أنساه ذلك. ثم إنه نسب إلى السلف ما لميقولوه وحمل الأدلة ما لا تتحمله ، ولم يأت بدليل واحد على ما قال وأنى لهذلك. والواجب أن الباحثأمثال الدكتور البوطي لا يخطئ شخصا ويتحامل عليهحتى يقرأ كلامه وينظر في مستنداته حتى يعرف هل هو مخطئ أو مصيب ،هذا هوالإنصاف والعدل ، ولا ننسى أن الدكتور البوطي له هنات في غير هذا الكتابحول هذه المسألة قد قام بالرد عليها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظهالله. ثم إنه في صفحة 156 يهون من شأن هذه المسألة ويقول هي أقل من أن تصدعالمسلمين أو تجعل منهم مذهبين.
وأقول: كلا والله إنها لمسألة خطيرة تمس صميم العقيدة وتجر إلى الشرك فكيف تكون هينة.
التعقــيب الثلاثــون
في صفحة 150 ، 157 أدخل تحت بدعة التزيد في العبادة الأذان الأول ليومالجمعة الذي أمر به عثمان رضي الله عنه لما دعت الحاجة إليه ، وهذا منه خطأواضح فإن عثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين ، وقد قال النبي صلَّىالله عليه وسلَّم : {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين} ففعله هذا يعتبرسنة لا بدعة وتزيد ، حاشاه من ذلك رضي الله عنه وأرضاه..
وهذا ينسينا ما قاله في حق شيخ الإسلام ابن تيمية أنه ابتدع التفريق بينحالة الحياة والموت ، إذ أن الخليفة الراشد عنده قد ابتدع وتزيد في الدين.
التعقــيب الواحد والثلاثــون
في صفحة 160 خلط بين علم الكلام والفلسفة وانتقد شيخ الإسلام ابن تيمية حيثأجاز مناظرة المتكلمين بمثل مصطلحاتهم مع أنه ينكر على الغزالي انشغالهبالفلسفة ، وكأنه لا يدري أن علم الكلام غير الفلسفة وأن بينهما فرقاًواضحاً ( ) ، وقد انتقد شيخ الإسلام أيضاً في صفحة 162 ، ذ63 من ناحية أنهيحذر من الإقبال على علم الكلام والمنطق وهو قد تضلع فيهما وناظر بهما...
والجواب عن ذلك: أنه رحمه الله يحذر من الاشتغال بذلك من هم على غير مستوىعلمي جيد يمكنهم من التخلص من أضرار علم الكلام ؛ ولأن ذلك يشغل عن تعلمالكتاب والسنة ، فأي انتقاد يوجه إليه في ذلك إلا من صاحب هوى وحقد ، ثم إنالشيخ رحمه الله لا ينكر على من تعلم علم الكلام والمنطق من أجل الرد علىالمضللين وقتلهم بسلاحهم وإنما ينكر على من تعلمها بغير هذا القصد.
التعقــيب الثـاني والثلاثــون
من صفحة 164 حتى صفحة 188 شن هجوماً مسلحاً على شيخ الإسلام ابن تيميةواتهمه أنه قال بقول الفلاسفة حينما قال: إن الحوادث قديمة النوع حادثةالآحاد.
وهذه المسألة قد شنع بها خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه قديماً وحديثاًوقالوا: إنه يقول بحوادث لا أول لها ، والدكتور في هذا الكتاب اتخذ من هذهالمسألة متنفساً ينفث من خلاله ما في صدره من حقد على شيخ الإسلام ابنتيمية ؛ لأنه شيخ السلفيين الذين يضايقونه في هذا الزمان ، ولكن والحمد للهليس له في هذه المسألة ولا للذين سبقوه أي مدخل على الشيخ وسيرده اللهبغيظه لم ينل خيراً كما رد الذين من قبله ، فإن مراد الشيخ رحمه الله أنأفعال الله سبحانه ليس لها بداية ؛ لأنه الأول الذي ليس قبله شيء ، قالرحمه الله: والتسلسل الواجب ما دل عليه الشرع من دوام أفعال الرب تعالى فيالأبد فكل فعل مسبوق بفعل آخر فهذا واجب في كلامه فإنه لم يزل متكلماً إذاشاء ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، وهكذا أفعاله هي من لوازم حياته فإنكل حي فَعَّال ، والفرق بين الحي والميت الفعل ، ولم يكن ربنا تعالى قط فيوقت من الأوقات معطلاً عن كماله من الكلام والإرادة والفعل.... إلى أن قال : ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه فإنه سبحانه متقدم على كل فرد منمخلوقاته تقدماً لا أول له ، فلكل مخلوق أول والخالق سبحانه لا أول له فهووحده الخالق وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.... إلى أن قال: والمقصود أن الذي دل عليه لشرع والعقل أن كل ما سوى الله تعالى محدث كائنبعد أن لم يكن.
أما كون الرب تعالى لم يزل معطلا عن الفعل ثم فعل فليس في الشرع ولا في العقل ما يثبته بل كلاهما يدل على نقيضه.
هذه خلاصة ما يراه الشيخ في هذه المسألة وهل في ذلك ما يشنع به عليه كمايظنه الدكتور وأضرابه. لولا أنه الهوى والحقد أو الجهل والغفلة ، فإن بينما قاله الشيخ في هذه المسألة وبين قول الفلاسفة – فروقاً واضحة هي الفروقبين الحق والباطل والكفر والإيمان.
التعقــيب الثالـث والثلاثــون
في صفحة 191- 192 يؤيد عقد حلقات الصوفية التي يسمونها (حلق الذكر) ويزعمأنه ليس هناك ما يمنع من إقامتها ويقول: إن الذكر مشروع.. ، ونحن نجيبه عنذلك ونقول له: الذكر لا شك أنه مشروع لكن على الصفة الواردة في الكتابوالسنة ، أما إحداث هيئة للذكر لا دليل عليها كالذكر الجماعي أو الأورادالصوفية التي ليس عليها دليل أو ربما يشوبها شيء من الألفاظ الشركية فهذهلا شك أنها بدعة ، وأن الذين يقيمونها مبتدعة داخلون في قوله صلَّى اللهعليه وسلَّم : {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} والشيء قد يكون مشروعافي أصله لكن الصفة التي يؤدى بها إذا لم يكن عليها دليل فهي بدعة ، وقدأنكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين يجتمعون في مسجد الكوفةوفيهم رجل يقول: سبحوا مائة كبروا مائة هللوا مائة ؛ لأن هذه الصفة ليست منسنة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.
التعقــيب الرابـع والثلاثــون
في صفحة 193 –195 ، شنع على الذين ينكرون ذكر الله بالاسم المفرد (الله) ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، فإنه وجه إليه قذائف غضبه ولم يصغ إلى حججالمذكورين ومنها أن ذكر الله بالاسم المفرد لم يرد في الكتاب ولا في السنةولا في هدي السلف الصالح علاوة على أنه لا يفيد شيئاً ، لأن الاسم المفردلا يأتي بفائدة حتى يتركب مع جملة مفيدة ، وما يزعمه الدكتور أن ذكر اللهبالاسم المفرد يدخل في قوله تعالى: { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا} فنحننسأله ونريد منه الصدق في الجواب دون مرواغة: هل ورد في سنة من أمره اللهبهذا الأمر وهو الرسول صلّى الله عليه وسلَّم أنه ذكر الله بالاسم المفردإذ لا شك أن سنته تفسر القرآن ، أو أن هذا من محدثات الصوفية وفهمهم السقيم، وكثيرا ما يكرر الدكتور أن المخالف في هذه المسألة وغيرها لا يضلل ،ونحن نقول له: إن المخالف لا يضلل إذا كان لمخالفته مأخذ من النصوص الشرعية، أما إذا كانت مخالفته ليس لها مأخذ من الكتاب والسنة فإنه يضلل ؛ لأنالله تعالى يقول: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} وما دل عليه كتاب الله حقوما خالفه فهو ضلال يضلل من قال به.
التعقــيب الخامس والثلاثــون
في صفحة 196-197 يبرر اصطلاحات الصوفية التي منها تفريقهم بين الشريعةوالحقيقة ، ولم يجد دليلا – والحمد لله –لهذا التبرير إلا أن ذلك قول كبارالصوفية كسهل التستري والحارث المحاسبي والجنيد – وهذا لا أظنه معهم وإنحشر معهم – ومعروف الكرخي ، فهو بهذا الاستدلال كمن فسر الماء بعد الجهدبالماء ( ) ، ثم هل هناك حقيقة تخالف الشريعة حتى يقال الحقيقة والشريعةإلا في اصطلاح الصوفية أن الشريعة للعوام والحقيقة للخواص ، وهذا إلحادواضح ، وليت الدكتور لم يدخل هذه المجاهل المخيفة.
التعقــيب الســادس والثلاثــون
في صفحة 201 حتى 212 تحدث عن الصوفية وأحوالهم وأقوالهم وحاول الدفاع عنهمبكل ما أوتي من قوة والاعتذار لهم بكل ما استطاع من عبارة حتى عمن قال منهم : (ما في الجبة إلا الله) وعمن قال منهم: (ما عبدتك خوفاً من نارك ولاطمعاً في جنتك) ورغم ما تحمله هاتان العبارتان من كفر وضلال حاول تأويلهمابها لا داعي للإطالة بذكره ؛ لأن هاتين العبارتين تنبئان عن نفسهما ولاتقبلان التأويل ؛ فإن قول القائل: (ما في الجبة إلا الله) صريح في الحلولأو الاتحاد ، وقوله: (ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك) مخالفلهدي الأنبياء جميعاً حيث وصفهم الله بأنهم يدعونه رغباً ورهباً ، ومخالفلصفة المؤمنين الذين يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ، ولا يعني هذا أنهم لايعبدونه إلا من أجل الخوف والطمع فقط ، بل هم مع ذلك يحبونه حباً شديداًويذلون له كما قال تعالى : { والذين آمنوا أشد حباً لله} ، وقال تعالى {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ولا تصح العبادة إلا باستكمال هذهالأركان: المحبة والذل والخوف ، والرجاء.
ثم حاول الدفاع عن ابن عربي وما في كتبه من القول بوحدة الوجود ، ففي هامشصفحة 104 – 105 قال: إنه لا يجوز تكفيره بموجب كلامه الذي فيه الإلحادالصريح حتى يعلم ما في قلبه هل يعتقد ما يقول أولاً اهـ.
ولو صح قول الدكتور هذا ما كفر أحد بأي قول أو فعل مهما بلغ من القبحوالشناعة والكفر والإلحاد حتى يشق عن قلبه ويعلم ما فيه من اعتقاد ، وعلىهذا فعمل المسلمين على قتال الكفرة وقتل المرتدين خطأ على لازم قول الدكتور؛ لأنهم لم يعلموا ما في قلوبهم وهل هم يعتقدون ما يقولون وما يفعلون منالكفر أولاً..
واسمع عبارته في ذلك حيث يقول: وخلاصة المشكلة أنه (يعني شيخ الإسلام ابنتيمية) ومن يقلده في نهجه يظلون يآخذون ابن عربي وأمثاله بلازم أقوالهم دونأن يحملوا أنفسهم على التأكد من أنهم يعتقدون ( ) فعلاً ذلك اللازم الذيتصوره.... ثم قال: أما أن يكون في كتب ابن عربي كلام كثير يخالف العقيدةالصحيحة ويوجب الكفر فهذا ما لا ريبة فيه ولا نقاش فيه ، وأما أن يدل ذلكدلالة قاطعة على أن ابن عربي كافر وأنه ينطلق في فهم الشهود الذاتي من أصلكفري هو نظرية الفيض ، فهذا ما لا يملك ابن تيمية ولا غيره أي دليل قاطععليه. انتهى.
وإنما سقت هذا المقطع من كلامه لإطلاع القارئ على ما فيه من تخبط وتناقضومناقضة لأدلة الكتاب والسنة وعمل المسلمين على كفر من قال كلمة الكفر غيرمكره قال تعالى : {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} ويلزم من هذاأيضاً أنه لا يحكم بإسلام كافر ، إذا نطق بالشهادتين حتى يعلم ما في قلبههل يعتقدها أو لا ولوازم هذا كثيرة ، ويلزم عليه أن من دعا غير الله لايكفر حتى يعلم ما في قلبه ، ثم اعتذر عن ابن عربي بأن في كتبه كلاماً آخريناقض كلامه الكفري ، ونحن نقول له إجابة عن ذلك: هل ثبت لديك أنه رجع عنكلامه الكفري وأنه كتب هذا الكلام الذي يناقضه بعد ما تاب أو أنه كتبه منباب التغطية والتلبيس ، ثم أنت لم تأت بشاهد على ما قلت من كلامه.
ثم قال: وإذا أبى ابن تيمية رحمه الله إلا أن يحملنا على تكفير ابن عربياستدلالاً بالكفريات الموجودة في كلامه والإعراض عن الصفحات الطوال التيتناقضها وترد عليها في مختلف كتبه وأقواله فإنها لدعوة منه بلا ريب إلى أننكفره هو الآخر استدلالاً بالضلالات الفلسفية التي انزلق فيها ، ويعني بذلكالمسألة التي سبق ذكرها وهي قول الشيخ: إن أفعال الله سبحانه ليس لهابداية .
ونقول: يا سبحان الله هل وصف الرب بما يستحقه من الكمال بدوام أفعالهوكماله أزلا وأبدا وتنزيهه عن التعطيل الذي وصفه به أهل الضلال من قولهم: (إنه – تعالى الله عما يقولون –مضى عليه وقت لم يفعل شيئاً ثم حدث له الفعلبعد ذلك) هل هذا هو قول الفلاسفة الذين يقولون بقدم العالم وإنكار الخالق؟إن الضلال هو قول من يعطل الله من أفعاله ويضرب له مدة لا يفعل فيها شيئاًكما هو قول علماء الكلام.
وإن قول ابن تيمية هو الحق وقول أهل الحق ، وأين خطؤه – لو كان خطأ على فرض – من كفريات ابن عربي وقوله بوحدة الوجود وأن من عبد الأصنام ما عبد إلاالله ، ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينفرد بتكفير ابن عربي بلقد كفره كثير من العلماء حتى من الصوفية ، واقرأ مؤلفاتهم في ذلك منهاكتاب: (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي) للبقاعي وغيره من الكتب ، وللشيختقي الدين الفاسي رسالة مستقلة في تكفير ابن عربي وذكر من قال بذلك منالعلماء وهي مطبوعة ومتداولة ، فإذا كان بإمكان البوطي أن يكفرهم فليفعل.
التعقــيب الســابع والثلاثــون
في صفحة 236 كتب عنوانا بلفظ: (التمذهب بالسلفية بدعة) وهذا الكلام يثيرالدهشة والاستغراب ، كيف يكون التمذهب بالسلفية بدعة والبدعة ضلالة؟ وكيفيكون بدعة وهو اتباع لمذهب السلف ، واتباع مذهبهم واجب بالكتاب والسنة وحقوهدى؟ قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهمبإحسان رضي الله عنهم} الآية..
وقال النبي صلّى الله عليه وسلَّم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين} الحديث ، فالتمذهب بمذهب السلف سنة وليس بدعة ، وإنما البدعة التمذهب بغيرمذهبهم.
وإذا كان قصده أن التسمي بهذا الاسم حادث كما يظهر من كلامه ولم يكنمعروفاً من قبل فهو بدعة بهذا الاعتبار فمسألة الأسماء أمرها سهل والخطأفيها لا يصل إلى حد البدعة ، وإن كان قصده أن في الذين تسموا بهذا الاسم منصدرت عنهم أخطاء تخالف مذهب السلف فعليه أن يبين هذا دون أن يتناولالسلفية نفسها ، فالتسمي بالسلفية إذا كان يعني التمسك بمذهب السلف ونبذالبدع والخرافات فهذا شيء محمود وطيب كما قرر هذا هو في صفحة 233 حيث قالعن حركة جمال الدين الأفغاني وحمد عبده وتسميتها بالسلفية: فقد كان الشعارالذي رفعه أقطاب هذه الحركة الإصلاحية هو السلفية وكان يعني الدعوة إلى نبذكل هذه الرواسب التي عكرت على الإسلام طهره وصفاءه.
هذا ما قاله عن تلك الحركة وتسميها بالسلفية ولم يعب عليها هذا التسمي نظرالسلامة أهدافها ، فنقول له: وهل السلفية اليوم تعني غير ذلك؟
التعقــيب الثــامن والثلاثــون
وفي صفحة 236 – 237 عبر عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللهبالمذهب الوهابي وقال إن الوهابية تبرموا من هذه الكلمة ؛ لأنها توحي بأنينبوع هذا المذهب بكل ما تضمنه من مزايا وخصائص يقف عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، فدعاهم ذلك إلى أن يستبدلوا بكلمة الوهابية هذه كلمةالسلفية...الخ ما قال..
والجواب أن نقول: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس له مذهب خاص به يدعىبالوهابية ؛ لأنه في العقيدة على منهج السلف وفي الفروع على مذهب الإمامأحمد بن حنبل الذي كان عليه علماء نجد من قبله وفي عصره ومن بعده ، وأتباعهلم يتسموا بالسلفية وإنما يدعون إلى التمسك بمذهب السف ويسيرون عليه بدونتسمية ؛ لأن العبرة بالحقائق لا بالأسماء ؛ ولأن التسمي بذلك فيه تزكيةللنفس وهم لا يزكون أنفسهم ، وأنا أطلب من الدكتور البوطي أن يأتي بما يدلعلى ما ادَّعاه عليهم من كتبهم ومقالاتهم أنهم سموا أنفسهم بالسلفية ، كماأطالبه أن يأتي بما يثبت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أتى بمذهبه جديد ينسبإليه ، وإذا لم يأت – ولن يأتي بذلك – فإنه مفتر على الشيخ وعلى اتباعهوالله يجزي المفترين.
التعقــيب التــاسع والثلاثــون
في صفحة 239-240 تكلم عن زيارة القبر النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلامفقال: ولكم اتهمنا واتهم كثير من المسلمين من أهل السنة والجماعةبالابتداع والمروق لأننا ذهبنا إلى ما ذهب إليه الجمهور من علماء السلفوغيرهم من أنه لا ضير في أن يعزم الرجل على زيارة كل من قبر النبيومسجده-كذا قال-،والجواب أن نقول:إن زيارة قبر النبيمن غير سفر سنة وليست بدعة، ولم يقل أحد إنها كانت على هذه الصفة بدعة ومروق، أما السفر لزيارة قبره فهو بدعة، لأنه لا يجوز السفر لأجل زيارة القبور لا قبر النبي ولا قبر غيره من الأولياء والصالحين أو الأقارب،لقوله {لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجدالأقصى}، وعملاً بهذا الحديث لم يكن السلف والأئمة الأربعة وغيرهم منالأئمة المقتدى بهم يسافرون من أجل زيارة القبور، وقد أوغل الدكتور فيالخطأ حين ادعى أن مذهب الجمهور من علماء السلف وغيرهم أنه لا ضير في أنيعزم الرجل على هذا ، فإن كان قصده العزم على السفر لزيارة قبر النبيفعلماء السلف ينهون عما نهى عنه الرسول من السفر لزيارة القبور عموماً ، قبر النبي وغيره ، ثم إن الدكتور خطَّأ شيخ الإسلام ابن تيمية في استدلاله بالحديثالمذكور على منع السفر لزيارة القبور وسماه غلطاً عجيباً انزلق فيه الشيخحيث قال: ويترتب على هذا الغلط العجيب الذي انزلق فيه ابن تيمية رحمه اللهأن الإنسان لا يجوز له أن يشد الرحل إلى زيارة رحم أو إلى طلب علم أوانتجاع رزق ؛ لأن هذه الأشياء كلها خارج المساجد الثلاثة ، ونحن نقول له : بل الغلط العجيب ما انزلق إليه فهم الدكتور ؛ لأن الحديث الشريف يعني منعالسفر إلى بقاع مخصوصة لأجل التعبد فيها أو عندها غير المساجد الثلاثة ،سواء كانت هذه البقاع مساجد أو قبور أو غيرها.
أما السفر لزيارة الرحم أو طلب العلم أو طلب الرزق فلم يدخل في مدلول الحديث أصلاً.
التعقــيب الأربعــون
في صفحة 241 قال عن سبب صبر الإمام على تحمل محنة القول بخلق القرآن: (وإنما كان سبب المحنة التي تعرض لها الإمام دون غيره هو ورعه الشديد الذيمنعه أن يفصل ويفرق بين اللفظ والمعنى)..
والجواب نقول له: أولاً:لم يكن الإمام أحمد وحده الذي تعرض لهذه المحنة بلشاركه في ذلك خلق كثير من العلماء منهم من قتل في ذلك ومنهم من عذب وأوذي ،لكن يظهر أن الدكتور لم يقرأ التاريخ.
ثانياً: ليس هناك تفريق بين معنى القرآن ولفظه ، وكلاهما كلام الله منزلغير مخلوق ، والتفريق بينهما بأن يقال المعنى غير مخلوق واللفظ مخلوق: هذاقول المبتدعة لا قول أهل السنة فالإمام أحمد لم يفرق بينهما ؛ لأنه كغيرهمن الأئمة لا يرى فرقاً بينهما ولا يعتقد عقيدة الأشاعرة.
التعقــيب الواحـد و الأربعـون وهو الأخير
في صفحة256 - 257 استنكر الرد على كتاب الذخائر المحمدية لمحمد علوي مالكيما فيه من الضلالات ، وقال: إن محمد علوي من أهل السنة والجماعة ولم يقرأالناس في تآليفه وكتاباته ولم يروا من واقع حاله إلا ما يزيدهم ثقةباستقامة دينه وصلاح حاله وسلامة عقيدته.
والجواب أن نقول له: الواجب عليك أن تنظر محتويات كتب هذا الرجل وتعرضهاعلى الكتاب والسنة وعلى عقيدة السلف لتعرف مدى مطابقتها أو مخالفتها لهذهالأصول ولا تعتمد على قراءة الناس وإنما تنظر أنت هل المعترض عليه مصيب أومخطئ ، هذا ما يتطلبه الباحث المنصف الذي يحترم ما يقول ويكتب ، دون التهجمعلى من اعترض على علوي قبل معرفة وجهة اعتراضه ، ثم كون الرجل من أهلالسنة والجماعة ومن أهل الاستقامة هل ذلك يمنع من الاعتراض عليه إذا أخطأ؟.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
/ تعْقـِـيبـــــــــــــَات علَى كِتَاب السَّلفيَّة ليسَتْ مَذهَباً
بقلم د.صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفىبالله شهيدا ، وأشهد أن ى إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداًعبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وبعد: فقد اطلعت علىكتاب من تأليف الدكتور/محمد سعيد رمضان البوطي بعنوان: (السلفية مرحلةزمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..
فاستغربت هذا العنوان لما يوحي به من إنكار أن يكون للسلف مذهب ومنهج تجبعلينا معرفته والتمسك به ، وترك المذاهب المخالفة له ، ولما قرأت الكتابوجدت مضمونه أغرب من عنوانه حيث وجدته يقول فيه: إن التمذهب بالسلفية بدعة ،ويشن حملة على السلفيين. ونحن نتساءل: هل الذي حمله على أن يشن هذه الحملةالشعواء على السلفية والسلفيين –الحملة التي تناولت حتى القدامى منهم كشيخالإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – هل الذي حمله علىذلك كراهيته للبدع فظن أن التمذهب بالسلفية بدعة فكرهه لذلك؟ كلا ، ليسالحامل له كراهية البدع ، لأننا رأيناه يؤيد في هذا الكتاب كثيرا من البدع: يؤيد الأذكار الصوفية المبتدعة ، ويؤيد الدعاء الجماعي بعد صلاة الفريضةوهو بدعة ، ويؤيد السفر لزيارة قبر الرسول وهو بدعة..
فاتضح لنا – والله أعلم – أن الحامل له على شن هذه الحملة هو التضايق منالآراء السلفية التي تناهض البدع والأفكار التي يعيشها كثير من العالمالإسلامي اليوم وهي لا تتلاءم مع منهج السلف ، وقد ناقشت في هذه العجالةالآراء التي أبداها في كتابه المذكور حول السلفية والسلفيين.
وذلك من خلال التعقيبات التالية ، وهي تعقيبات مختصرة تضع تصوراً لمايحتويه كتابه من آراء هي محل نظر ، وإذا كان الدكتور يعني بحملته هذه جماعةمعينة فلماذا لا يخصها ببيان أخطائها دون أن يعمم الحكم على جميع السلفيينالمعاصرين ، وحتى بعض السابقين منهم ، والآن التعقيبات..
التعقــيب الأول
قوله في العنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي) اهـ.
هذا العنوان معناه أن السلف ليس لهم مذهب يعرفون به وكأنهم في نظره عوام عاشوا في فترة من الزمن بلا مذهب..
وأن تفريق العلماء بين مذهب السلف ومذهب الخلف تفريق خاطئ ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، وعلى هذا لا معنى لقول الرسول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..) ، وقوله لما سئل عن الفرقة الناجيةمن هي؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) لا معنى لهذاكله ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، ولعل قصد الدكتور من ذلك هو الرد على الذينيتمسكون بمذهب السلف في هذا الزمان ويخالفون المبتدعة والخرافيين.
التعقــيب الثــاني:
قوله في صفحة (5): (هذا الكتاب لا يتضمن أي مناقشة لآراء السلفية وأفكارهمالتي يعرفون بها ، كما لا يتضمن تصويبا ولا تخطئة لها) اهـ.
ومعنى هذا أن الآراء السلفية قابلة للمناقشة والتخطئة ، وهذا فيه إجمال ؛لأن السلفية بعناها الصحيح المعروف لا تخالف الكتاب والسنة فلا تقبلالمناقشة والتخطئة ، وأما السلفية المدعاة فهي محل نظر ، وهو لم يحددالمراد بالسلفية ، فكان كلامه موهماً عاماً يتناول السلفية الصحيحةالمستقيمة.
التعقــيب الثــالـث:
في صفحة (12) المقطع الأول يعلل فيه وجوب اتباع السلف بكونهم أفهم للنصوص لسلامة لغتهم ولمخالطتهم لرسول الله، وهذا فيه نقص كبير ، لأنه أهمل قضية تلقيهم عن رسول الله]وتعلمهم منه وسؤالهم إياه ، ومشاهدتهم للتنزيل على رسول الله ، وتلقيهم التأويل عنه، وهذه مرتبة من العلم لم يبلغها غيرهم ، وقد أهمل ذكرها وتناسها تماما ،كما أنه في آخر هذه الصفحة يقرر أن اتباع السلف لا يعني أخذ أقوالهموالاستدلال بمواقفهم من الوقائع وإنما يعني الرجوع إلى القواعد التي كانوايحتكمون إليها.
ومعنى هذا الكلام أن أقوال السلف وأفعالهم ليست حجة وإنما الحجة هي القواعدالتي كانوا يسيرون عليها وهذا الكلام فيه تناقض ؛ لأن معناه أننا نلغيأقوالهم ونأخذ قواعدها فقط ، ونستنبط بها من النصوص غير استنباطهم ، وهذاإهدار لكلام السلف ودعوة لاجتهاد جديد وفهم جديد يدعي فيه أنه على قواعدالسلف.
التعقــيب الرابــع:
في صفحة (13-14) ينكر أن تتميز طائفة من المسلمين من بين الفرق – المختلفةالمفترقة – وتسمى بالسلفية ، ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولا حواجزبينهم ولا انقسام. وهذا الكلام فيه إنكار بقول الرسول صلى الله عليه ويلم : {لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم).
وقوله: {وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قيل منهي يا رسول الله؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} فهذان الحديثان يدلان على وجود الافتراق والانقسام والتميز بين السلفوأتباعهم وبين غيرهم.
والسلف ومن سار على نهجهم ما زالوا يميزون أتباع السنة عن غيرهم منالمبتدعة والفرق الضالة ويسمونهم (أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح) ومؤلفاتهم مملوءة بذلك. حيث يردون على الفرق المخالفة لفرقة أهل السنةوأتباع السلف. والدكتور يجحد هذا ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولاحواجز بينهم ولا انقسام اهـ. وهذا إنكار للواقع مخالف لما أخبر به النبيمن وجود الانقسام والافتراق في هذه الأمة وأنه لا يبقى على الحق منها إلا فرقة واحدة.
التعقــيب الخــامس:
من صفحة 14 – 17 يحاول أن يبرر قوله بعدم وجوب الأخذ بأقوال السلف وأعمالهموتصرفاتهم ؛ بأن السلف أنفسهم لم يدعوا الناس إلى ذلك وبأن العادات تختفوتتطور في اللباس والمباني والأواني......الخ ما ذكره....
وهذا الكلام فيه جهل وخلط وتلبيس من وجهين:
الوجه الأول: قوله: إن السلف لم يدعوا إلى الأخذ بأقوال السابقين اهـ.
وهذا كذب عليهم ، فإن السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين يحثون علىامتثال ما أمر الله ورسوله به من الاقتداء بالسلف الصالح ، والأخذبأقوالهم ، والله قد أثنى على الذين يتبعونهم ، فقال تعالى :{والسابقونالأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضواعنه وأعد لهم جنات} الآية ، وقال]عن الفرقة الناجية: { هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}..
وقال: { عليكم بسنتي وستة الخلفاء الراشدين من بعدي} ، وقال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئكأصحاب رسول الله أبر الناس قلوبا وأغزرهم علماً وأقلهم تكلفاً..
وقال الإمام مالك بن أنس: { لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أو لها} إلىغير ذلك مما تضمنته الكتب المؤلفة في عقائد السلف والمسماة بكتب السنة ،ككتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ، وكتاب السنة للآجري ، وكتاب السنةلابن أبي عاصم وغيرهت تذكر أقوال السلف وتحث على الأخذ بها.
الوجه الثاني: أنه جعل مسائل العادات كالمباني والأواني والملابس كمسائلالعلم والعقائد والعبادات تختلف باختلاف الأزمنة والأعراف وهذا منه جهل أوتلبيس ، فإن الفرق في ذلك معروف لأقل الناس ثقافة وعلماً ، كل يعرف أنالعادات تختلف وأما العبادات وأحكام الشريعة فهي ثابتة.
التعقــيب الســادس:
في صفحة 18 المقطع الأخير يقول: إن السلف لم يجمدوا عند حرفية أقوال صدرتعنهم اهـ. ومراده أن السلف لا يبقون على أقوالهم بل يتحولون عناه ومن ثم لايجب علينا الأخذ بأقوالهم.. وهذا فيه إجمال ، فإن كان مراده أقوالهم فيالعقيدة فهو كذب عليهم ؛ لأنهم ثبتوا على قولهم في العقيدة ولم يتحولوا عنه، وإن كان مراده أقوالهم في المسائل الاجتهادية فهم لا يجمدون على القولالذي ظهر لهم أنه خطأ بل يتركونه إلى الصواب.
التعقــيب الســابع
قوله: فكل من التزم بالمتفق عليه من تلك القواعد ( ) والأصول وبنى اجتهادهوتفسيره وتأويلاته للنصوص على أساسها فهو مسلم ملتزم بكتاب الله وسنةرسوله...اهـ.
نقول: ضابط الإسلام قد بينه الرسولفي حديث جبريل وهو: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول اللهوتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليهسبيلاً ( ). فالمسلم هو الملتزم بالإسلام المقيم لأركانه ، فلا حاجة إلىهذا التعريف الذي ذكره مع تعريف رسول الله، ثم إن تعريفه فيه إجمال وعدم وضوح فهو يتيح لكل أحد أن يفسر الإسلام بمايريد ، يدل على ذلك قوله فيما بعد: نعم إن من قواعد هذا المنهج ما قد يخضعفهمه للاجتهاد ومن ثم فقد وقع الخلاف الخ....
فهل الإسلام قابل للاختلاف؟ كلا بل إن أصول الإسلام والعقيدة ليست مجالاًللاجتهاد والاختلاف ، وإنما هذا في المسائل الفرعية ، فمن خالف في أصولالدين وعقيدته فإنه يكفر أو يضلل بحسب مخالفته ؛ لأن مدارها على النصوالتوقيف ولا مسرح للاجتهاد فيها.
التعقـــيب الثـــامن
قوله في ص 23: إن السلفية لا تعني مرحلة زمنية ، قصارى ما في الأمر أن الرسولوصفها بالخيرية كما وصف كل من عصر آت من بعدُ بأنه خير من الذي يليه ، فإنقصدت بها جماعة إسلامية ذات منهج معين خاص بها ، فتلك إذن إحدى البدع اهـ.
ونقول: هذا التفسير منه للسلفية بأنها مرحلة زمنية وليست جماعة تفسير غريبوباطل ، فهل يقال للمرحلة الزمنية بأنها سلفية؟ هذا لم يقل به أحد من البشر، وإنما تطلق السلفية على الجماعة المؤمنة الذين عاشوا في العصر الأول منعصور الإسلام ، والتزموا بكتاب الله وسنة رسوله من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ووصفهم الرسولبقوله: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث..
فهذا وصف لجماعة وليس لمرحلة زمنية ، ولما ذكر افتراق الأمة فيما بعد قال عن الفرق كلها: "إنها في النار إلا واحدة" ووصفهذه الواحدة بأنها هي التي تتبع منهج السلف وتسير عليه فقال: "هم من كانعلى مثل ما أن عليه اليوم وأصحابي"..
فدل على أن هناك جماعة سلفية سابقة وجماعة متأخرة تتبعها في نهجها ، وهناكجماعات مخالفة لها متوعدة بالنار ، وما ذاك إلا لضلال هذه الفرق المخالفةللفرقة الناجية ، لا كما يقول فيما سبق في صفحة 20-21: ومن حق صاحب أحدالرأيين أو الآراء في تلك المسائل الاجتهادية أن يطمئن إلى أن ما ذهب إليههو الصواب ، ولكن ليس من حقه أن يجزم بأن الذين خالفوه إلى الآراء الأخرىضالون خارجون عن حظيرة الهدى اهـ.
ونقول له: ليس هذا على إطلاقه ، إنما هو في المسائل الفروعية التي هي مسرحللاجتهاد ، أما مسائل العقيدة فلا مجال للاجتهاد فيها وإنما مدارها علىالتوقيف ومن خالف فيها ضُلِّل أو كُفِّر بحسب مخالفته ، وقد ضَلَّل السلفالقدرية والخوارج والجهمية وحكموا على بعضهم بالكفر لمخالفتهم منهج السلف.
التعقـــيب التـــاسع
زعم في صفحة 27-31 أن الصحابة لم يكن بهم حاجة إلى تحكيم ميزان علمي فيالاستنباط. وهذا فيه إجمال ، فإن أراد بالميزان العلمي فهم النصوص ومعرفةمعانيها وما يراد بها فهم أغزر الناس علماً في ذلك وأقلهم تكلفاً ، وإنأراد بالميزان العلمي منهج الجدل وعلم الكلام فهذا ميزان جهلي لا ميزانعلمي ، وهم أغنى الناس عنه ، وقد تركوه وحذروا منه وضللوا أصحابه لأنه لايوصل إلى حقيقة ولا يهدي إلى صواب ، وإنما آل بأصحابه إلى الشك ، وإن زعممن ابتلي به أنه ميزان علمي ووصفوا أنفسهم بأن طريقتهم أعلم وأحكم وأنطريقة السلف أسلم ويوصفون بأنهم ظاهريون كما وصفهم الدكتور بذلك في هذاالكتاب في صفحة 31 فقال: (ومن ثم فإن الشأن فيما ذكرناه عنهم من ابتعادهمعن ساحة الرأي وعدم الخوض فيما تلقوه أنباء الغيب وغوامض المعاني ، ووقوفهمفي ذلك مع ظاهر النصوص دون تعطيل ولا تشبيه) – فهذا معناه: أن طريقة السلفطريقة بدائية تقف عند ظاهر النصوص وليست طريقة علمية تنفذ إلى غور النصوصومقاصدها ، ومعناه أيضاً: أن للنصوص باطناً وظاهراً يختلفان كما يقوله أهلالضلال.
التعقــيب العــاشر
من صفحة 32 إلى صفحة 47 يحاول أن يبرر مخالفة بعض الخلف لمنهج السلف باتساعبلاد الإسلام ودخول أجناس من البشر في دين الإسلام وهم يحملون ثقافاتأجنبية وبتوسع مجالات الحياة المعيشية باختلاف الملابس والمباني والأوانيوالصناعات والأطعمة إلى غير ذلك مما ذكره من الكلام الطويل إلى أن قال فيالنهاية: فلو كانت اتجاهات السلف واجتهادهم هذه حجة لذاتها لا تحتاج هيبدورها إلى برهان أو مستند يدعماه لأنها برهان نفسها إذل لوجب أن تكون تلكالنظرات (يعني نظرات السلف) المتباعدة المتناقضة كلها حقاً وصواباً ولوجبالمصير ودون أي تردد إلى رأي المصوبة( ) ولما احتاج أولئك السلف رضوان اللهعليهم أن يلجئوا أخيرا من مشكلة هذا التناقض والاضطراب إلى منهج علمي يضبطحدود المصالح... الخ ما قال....
ونحن نجيبه عن ذلك:
الجواب الأول: أن السلف لم يختلفوا في مسائل العقائد والإيمان ، وإنمااختلفوا في مسائل الاجتهاد الفرعية وليس ذلك اضطراباً وتناقضاً كما يقول ،وإنما هو اجتهاد يؤجرون عليه.
الجواب الثاني: أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا باتباعهم بقوله: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} ، وقال عن الفرقةالناجية: {هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} ، وأثنى الله علىمن اتبعهم ورضي عنه معهم فقال سبحانه: {والسابقون الأولون من المهاجرينوالأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جناتتجري تحتها الأنهار}.
والإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلحأولها..) فيجب اتباعهم والأخذ بأقوالهم لا سيما في العقيدة ؛ لأن قولهم حجةكما هو مقرر في الأصول.
التعقـــيب الحادي عشـــر
في صفحة 53-54 وصف الكوثري بأنه محقق ونقل كلاما له ذكر فيه أن عدة منأحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس بثوا بين أعراب الرواة منالمسلمين أساطير وأخبارا في جانب الله فيها تجسيم وتشبيه وأن المهدي أمرعلماء الجدل من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين والزنادقة ( ) وأقاموا البراهين وأزالوا الشبه وخدموا الدين. هكذا وصف الكوثري رواةالإسلام بأنهم أعراب راجت عليهم أساطير اليهود والنصارى والمجوس ، وهذهالأساطير بزعمه هي الأخبار المتضمنة لأسماء الله وصفاته ؛ لأنها تفيدالتشبيه والتجسيم عنده ؛ وأثنى على علماء الكلام الذين ردوا هذه الرواياتووصفهم بالدفاع عن الإسلام والرد على الملحدين والزنادقة ، وأما علماءالكتاب والسنة فليس لهم دور عند الكوثري في الذب عن الإسلام والرد علىالملاحدة والزنادقة ، وقد نقل الدكتور كلامه هذا مترضيا له ووصفه بالمحقق –والله المستعان.
التعقــيب الثاني عشــر
في صفحة 63 يرى في فقرة (1) أنه يجب التأكد من صحة النصوص الواردةوالمنقولة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قرآنا كانت هذه النصوص أوسنة . ونقول له: أولاً: هل القرآن يحتاج إلى تأكد من صحته ، أليس هو متواترتوترا قطعيا. وإذا كان يريد بعض القراءات فلماذا لم يبين ويقيد كلامهبذلك.
ثانياً: هل القرآن من فم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كالسنة ، أو هو وحيكله لفظه ومعناه من الله تعالى والرسول مبلغ فقط ، إن كلامه هذا يوهم أنالقرآن من كلام الرسول كالسنة وليس هو كلام الله تعالى.
التعقــيب الثالث عشــر قال في صفحة 63 فقرة (ج): إنه يجب على الباحث عرضحصيلة تلك المعاني ( أي معاني النصوص الصحيحة) التي وقف عليها وتأكد منهاعلى موازين المنطق والعقل لتمحيصها ومعرفة موقف العقل منها اهـ.
ونقول: هل للعقل موقف وسلطة مع النصوص الصحيحة ، هذا لم يقل به إلاالمعتزلة ومن وافقهم ، أما أهل السنة فيسلمون لما صح عن الله ورسوله سواءأدركته عقولهم أم لا ، ولا سيما في نصوص الأسماء والصفات وقضايا العقيدة ،فإن العقول لا مجال لها في ذلك ؛ لأنه من أمور الغيب... مع العلم أن الشرعلا يأتي بما تحيله العقول ، لكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول ولا تدرككنهه.
التعقــيب الرابع عشــر
في صفحة 64 المقطع الثالث يستنكر تقسيم المسلمين إلى سلفيين وبدعيين ، وهذارد للنصوص التي أخبرت عن افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها فيالنار إلا واحدة ، والتي أخبرت عن حدوث الاختلاف الكثير وحثت على التمسكبسنة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وسنة الخلفاء الراشدين عند ذلك ،وكتابه كله يدور حول هذه النقطة وهو إنكار لما هو واقع من الانقساموالافتراق في هذه الأمة ، فهو إنكار للواقع المحسوس. وكان الأجدر به أن يحثالمختلفين والمفترقين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة بدلاً من أن يطمئنهمعلى ما هم عليه من فرقة ومخالفة وبأنهم على الحق..
التعقــيب الخامس عشــر
في صفحة 65-67 يشكك في صحة الاستدلال بالخبر الصحيح الذي لم يبلغ حدالتواتر في الاعتقاد. فيقول: هذا القسم لا تتكون منه حجة ملزمة في نطاقالاعتقاد بحيث يقع الانسان في طائلة الكفر إن هو لم يجزم بمضمون خبر صحيحلم يرق إلى درجة المتواتر اهـ. ونقول: هذا كلام غير سليم ولا سديد ، فإنخبر الآحاد إذا صح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجب تصديقهوالتسليم له والجزم بمضمونه في العقائد وغيرها ، وهذا القول الذي ذكره قولمبتدع في الإسلام. فإن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يرسل رسله آحاداًويقبل المرسل إليه خبرهم من غير توقف ولا تشكك في صحة ما جاؤا به وكذلكالصحابة وأتباعهم كانوا يتقبلون الأحاديث الصحيحة ويحتجون بها ولا يشكون فيمضامينها في العقائد وغيرها ولا يوجد هذا التفريق في كلام السلف ، وإنماوجد في كلام بعض الخلف فهو مبتدع.
التعقــيب السادس عشــر
في صفحة 99 ذكر الدكتور البوطي: الأصول والأحكام التي لا مجال للاختلاففيها ، وذكر منها اليقين بأن الله عز وجل واحد في ذاته وصفاته وأفعاله ،وهذا الذي ذكره لا يزيد على توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون وجمهورالأمم ، فالإقرار واليقين به وحده لا يكفي حتى ينضاف إليه توحيد الألوهيةوهو إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه ، وهذا أيضاً أصل لا مجالللاختلاف فيه ، وقوله في هذه الصفحة في الفقرة رقم (4) عن صفات الله إنهاقديمة قدم ذاته – هذا ليس على إطلاقه إنما يقال في صفات الذات ، أما صفاتالأفعال كالاستواء والنزول والخلق والرزق فهي قديمة النوع حادثة الآحادوكذا قوله عن كلام الله ، فهو قديم ليس على إطلاقه ، لأنه من صفات الأفعالفهو قديم النوع حادث الآحاد كغيره من صفات الأفعال ، وهذا التفصيل معروفعند أهل السنة والجماعة.
التعقـيب السابـع عشــر
قوله في صفحة 99: وكل ما قد وصف الله به ذاته أو أخبر به عنها مما يستلزمظاهره التجسيد والتشبيه نثبته له كما قد أثبت ذلك لنفسه وننزهه عن التشبيهوالنظير والتميز والتجسيد....
نقول: ليس في صفات الله ما يستلزم ظاهره التجسيد والتشبيه ، وإنما ذلك فهمفهمه بعض الجهال أو الضلال و لا ينسب ذلك إلى النصوص ؛ لأن لله صفات تخصهوتليق به لا تشبهها صفات خلقه ، ولا يدور هذا في ذهن المؤمن الصادق الإيمان، وكلام الله وكلام رسوله ينزه عن أن يكون لازمه بطلاً.
التعقـيب الثــامن عشر
قوله في صفحة 101 في الفقرة (8): إن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة لا تستلزم تحيزا في جهة معينة اهـ.
وأقول: نفي الجهة عن الله مطلقاً غير صحيح.. فإنه سبحانه في جهة العلو كماتواترت الأدلة على علوه على خلقه ، وإنما ينزه عن جهة غير العلو ، هذا مذهبأهل السنة والجماعة ، بخلاف الجهمية ومن سار على منهجهم في ذلك وغيره.
التعقيـب التـاسع عشـر
قوله في صفحة 101 ، 102 إن الشفاعة في حق كثير من العصاة والمذنبين ميزة ميز الله بها نبيه عن سائر الرسل..اهـ.
هذا كلام غير صحيح فإن الشفاعة في عصاة الموحدين ليست خاصة بنبينا صلَّىالله عليه وسلَّم ، بل ليست خاصة بالأنبياء ، وإنما الخاص به : (الشفاعة العظمى التي هي المقام المحمود).
التعقـيب العشــرون
قوله في صفحة 104 في المقطع الأخير: والإسلام يستتبع آثاره مستقلاً ومنفصلاً عن الإيمان في الدنيا اهـ.
هذا الكلام فيه نظر: فإن الإسلام الصحيح لا ينفصل عن الإيمان لا في الدنياولا في الآخرة ، فإن انفصل عنه فليس إسلاماً صحيحاً ، وإنما هو نفاقوالمنافق لا يسمى مسلماً ، وإنما يسمى منافقاً كما سماه الله ورسوله ، ولايلزم من معاملته معاملة المسلم في الدنيا أنه مسلم حقيقة لا في الدنيا ولافي الآخرة.
التعقــيب الحادي والعشــرون
قوله في صفحة 107: والقول بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه وهو مذهب المعتزلة ليس مكفراً.
أقول: في نفي تكفيره نظر ؛ لأن من قال ذلك إن كان مع هذا ينكر علم الله فيقول غلاة القدرية فهو كافر ، وإن كان لا ينكره وهو مقلد لغيره فهذا يضللوإن كان غير مقلد ، فقد أنكر أحد أركان الإيمان وهو القدر على علم ، فكيفلا يكفر من هذه حاله ، وأيضاً هو قد أثبت لله شريكاً في خلقه وقد قال السلفعن هذا الصنف إنهم مجوس هذه الأمة.
التعقـيب الثـاني والعشــرون
ما ذكره في صفحة 111-112 من أن من أضفى صفات النبوة على علي بن أبي طالبوما يعتقده بعض المريدين في أشياخهم من العصمة وما قاله الإمام الخميني منأن لأئمتهم ما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، أن هذه الأمور تعتبرشذوذات لا تستوجب كفر أصحابها وخروجهم من الملة وكرر ذلك أيضاً في أول صفحة 110 ، وقال في هامش صفحة 112 تعليقة رقم (1) سألت بعض الاخوة علماء الشيعةالإيرانيين الخ...
نقول: إن عدم تكفير من يقول هذه المقالات واعتباره أخاً خطأ واضح ؛ لأنها من أسباب الردة الواضحة فكيف لا يكفرون بذلك.
التعقــيب الثـالث والعشرون
قوله في صفحة 114: ويقابل التعطيل التجسيم أو التشبيه وهو أن تترك هذهالآيات (أي آيات الصفات) على ظاهرها ويفهم منها المألوف في حياة المخلوقينوالمحدثين ، فيفهم من اليد الجارحة التي خلقها الله فينا ، ويفهم منالإستواء معناه المتمثل في جلوس أحدنا على كرسيه أو سريره ، ويفهم منالمجيء الحركة التي تتخطى حيزاً إلى غيره وهكذا. اهـ.
والجواب عن ذلك أن نقول:
أولاً: لا بد من ترك الآيات على ظاهرها فإنه حق مراد لله سبحانه ، وكون بعضالناس يفهم منها فهما سيئاً آفته من فهمه الخاطئ وليس ما فهمه هو ظاهرالآيات: وكم من عائب قولا صحيحا ***وآفته من الفهم السقيم
ثانياً: الآيات تدل على صفات حقيقية لله ، فله يد حقيقية تليق به ولا تشبهيد المخلوق ، والاستواء له معنى حقيقي فسره به السلف وأئمة السنة واللغةوهو العلو والارتفاع والاستقرار والصعود ، وكل هذه المعاني على ما يليقبالله لا كعلو المخلوق وارتفاعه واستقراره وصعوده ، تعالى الله عن ذلك ،وكذلك المجيء هو مجيء حقيقي على معناه في اللغة العربية ، وكذا الإتيان كماجاء الآيات الأخرى ، ولا يلزم منه مشابهة مجيء المخلوق وإتيانه ، والجارحةوالحيز ألفاظ مجملة لم يرد نفيها ولا إثباتها في حق الله تعالى.
التعقـيب الرابع والعشــرون
في صفحة 118-119 ، أثنى على بعض المتصوفة وبعض مؤلفاتهم كالقشيري ، وهذاالثناء في غير محله ؛ لأن التصوف أصله مبتدع في الإسلام ودخيل عليه وقدتطور إلى أفكار إلحادية ، وما زال العلماء المحققون يحذرون منه ومن أصحابهوبالخصوص القشيري ، فإن لشيخ الإسلام ابن تيمية رد مفصل على رسالته ومافيها من مخالفات وشطحات ، وفي الثناء عليه وعلى أمثاله تغرير بمن لا يعرفحقيقتهم.
التعقيب الخـامس والعشرون
تكلم عن صفات الله عز وجل من صفحة 132 حتى صفحة 144 ، وقد حصل في كلامه أخطاء كثيرة من أهمها:
1-اعتباره آيات الصفات من المتشابه ، هذا خطأ ؛ لأن آيات الصفات عند سلفالأمة وأئمتها من المحكم ولم يقل إنها من المتشابه إلا بعض المتأخرين الذينلا يحتج بقولهم ، ولا يعتبر بخلافهم.
2-ذكر أن آيات الصفات لها محملان:
المحمل الأول: أن تجري على ظهرها مع تنزيه الله عز وجل عن الشبيه والشريك ،وقال إن هذا تأويل إجمالي ؛ لأن ظاهرها ما هو من صفات المخلوقين..
والجواب: نقول له: ليس الأمر كما ذكرت فليس ظاهرها يدل على مشابهة صفاتالمخلوقين ، وإنما هذا وهم توهمته أنت وتوهمه غيرك وليس هو ظاهرها ؛ لأنظاهرها هو ما يليق بجلال الله ، وصفات الخالق تختص به ، وصفات المخلوق تختصبه .
ثم قال: والمحمل الثاني: حملها على المعنى المجازي بأن يفسر الاستواء بالاستيلاء والتسلط ، واليد بالقوة .. انتهى كلامه.
الجواب : نقول له: لا يجوز حمل صفات الله عز وجل على المعنى المجازي ؛ لأنهذا تعطيل لها عن مدلولها ، بل يجب حملها على المعنى الحقيقي اللائق بالله ؛لأن الأصل في الكلام الحقيقة ولا سيما كلام الله عز وجل ، ولا سيما مايتعلق به وبأسمائه وصفاته ، ولا يجوز حمل الكلام على المجاز ، إلا عند تعذرحمله على الحقيقة ، وهذا ما لم يحصل في نصوص الصفات ، فليس هناك ما يوجبحملها على المجاز ، وكتبرير منه لهذا الباطل الذي ذكره نسب إلى بعض السلفتأويل بعض الصفات ، فنسب إلى الإمام أحمد تأويل {وجاء ربك} بمعنى جاء أمرربك ، ونسب إلى الإمام البخاري تأويل الضحك بالرحمة ، ونسب إلى الإمام حمادبن زيد تأويل نزول الله إلى السماء الدنيا بإقباله جل جلاله إلى عباده:
والجواب أن نقول: أولاً: ما نسبه إلى الإمام أحمد لم يثبت عنه ولم يوثقه منكتبه أو كتب أصحابه ، وذكر البيهقي لذلك لا يعتمد ؛ لأن البيهقي رحمه اللهعنده شيء من تأويل الصفات فلا يوثق بنقله في هذا الباب ؛ لأنه ربما يتساهلفي النقل. والثابت المتيقن عن الإمام أحمد إثبات الصفات على حقيقتها وعدمتأويلها فلا يترك المعروف المتيقن عنه لشيء مظنون ونقل لم يثبت عنه ، ولهرحمه الله رد على الجهمية والزنادقة في هذا الباب المشهور ومطبوع ومتداول.
ثانياً: وما نسبه إلى البخاري غير صحيح ، فقد راجعت صحيح البخاري فوجدته قدذكر الحديث الذي أشار إليه الدكتور ( ) تحت الترجمة: {ويؤثرون على أنفسهم} ، ولم يذكر تأويل الضحك بالرحمة ، وإنما الذي أوله بالرضا هو الحافظ ابنحجر في الفتح ، والحافظ رحمه الله متأثر بمذهب الأشاعرة فلا عبرة بقوله فيهذا.
ثالثاً: من نسبه إلى حماد بن زيد من تأويل النزول بالإقبال يجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا لم يثبت عنه ؛ لأنه من رواية البيهقي ، والبيهقي رحمهالله يتأول بعض الصفات فربما تساهل في النقل ولو ثبت عن حماد هذا التأويلفهو مردود بما أجمع عليه السلف من إثبات النزول على حقيقته.
الوجه الثاني: أنه لا تنافي بين إثبات النزول على حقيقته وإقبال الله عزوجل على عباده فيقال ينزل ويقبل على عباده وليس في هذا حمل على المجاز كمايظن الدكتور.
3-نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أنهم قد يفسرون الوجه بالجهة أوالقبلة أو الذات ، وظن أن هذا تأويل للوجه الذي هو صفة من صفات الله عز وجلالذاتية، وهذا الظن منه خطأ واضح فهؤلاء الأئمة لم يقصدوا ما توهمه ؛ لأنالوجه لفظ مشترك ، تارة يراد به الوجه الذي هو الصفة الذاتية ، وتارة يرادبه الدين والقصد ، وتارة يراد به الجهة والوجهة ، وسياق الكلام هو الذييحدد المقصود في كل مكان بحسبه ، فإذا فسر الوجه في موضع بأحد هذه المعانيلدليل اقتضى ذلك من دلالة السياق أو غيره ، صح ذلك ولم يكن تأويلاً ، بل هوتفسير لذلك النص وبيان للمراد به ، وبما ذكرنا يتبين أن ما ذكره الدكتورمن جواز حمل آيات الصفات وأحاديثها على المعنى المجازي وصرفها عن ظاهرهاأنه قول غير صحيح وأنه لا مستند له فيما ذكره عن بعض السلف ، إما لأنه لميصح عنهم أو لأنهم لم يقصدوا ما توهمه.
-3اعتمد على تأويلات الخطابي لبعض الصفات وأشاد به ومدحه من أجل ذلك. والجواب عن ذلك: أن الخطابي رحمه الله ممن يتأولون الصفات فلا اعتبار بقولهولا حجة برأيه وله تأويلات كثيرة والله يعفو عنا وعنه.
ثم العجيب في الأمر أن الدكتور تناقض مع نفسه حيث ذكر فيما سبق أنه يجبإثبات صفات الله كما جاءت مع تنزيه الله عن التشبيه والتمثيل كما في صفحة 99 ، 101 ، 113 ، 115 ، بينما نراه هنا يجيز تأويلها وحملها على المجاز.. هل هذا تراجع عما سبق أو هو التناقض؟
التعقــيب السادس والعشـرون
أنه في صفحة 138 ، يجيز مخالفة السلف في إثبات الصفات على حقيقتها فيقول: بل نفرض أن أحدا من رجال السلف رضوان الله عليهم لم يجز لنفسه أكثر من أنيثبت ما أثبته الله لذاته مع تفويض ما وراء ذلك من العلم والتفاصيل إلىالله عز وجل ، فإن ذلك لا يقوم حجة على حرمة مخالفتهم في موقفهم هذا حرمةمطلقة. انتهى كلامه.
ونقول يا سبحان الله ألا يسعنا ما وسع السلف ، أليست مخالفتهم وفيهمالمهاجرون والأنصار والخلفاء الراشدون وبقية الصحابة رضي الله عنهم والقرونالمفضلة أليست مخالفتهم لا سيما في العقيدة بدعة وكل بدعة ضلالة ، بدليلقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعةوكل بدعة ضلالة} والله تعالى يقول: {والسابقون الأولون من المهاجرينوالأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}. فشرط سبحانه فيرضاه عمن جاء بعدهم اتباعهم للمهاجرين والأنصار بإحسان ، والدكتور يقول: لاتحرم مخالفتهم في صفات الله عز وجل ، ألم يخبر النبي صلَّى الله عليهوسلَّم أنهم خير القرون؟ ومعنى هذا الحث على الاقتداء بهم والنهي عنمخالفتهم لا سيما في أصول الدين ، ثم هل تجوز المخالفة في أمور العقيدة؟أليست العقيدة توقيفية لا مجال للاجتهاد والاختلاف فيها؟
التعقــيب السابـع والعشرون
في صفحة 146 المقطع الأخير ذكر أن من البدع القول بفناء النار وأن ذلك داخل بإجماع المسلمين في معنى البدعة.
وتعقيبنا عليه من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يحصل إجماع على تخطئة القول بفناء النار وعده من البدعكما زعم ، فالمسألة خلافية ، وإن كان الجمهور لا يرون القول بذلك ، لكنهلم يتم إجماع على إنكاره ، وإنما هو من المسائل الخلافية التي لا يبدعفيها.
الوجه الثاني: أن الذين قالوا بفنائها استدلوا بأدلة من القرآن والسنة ،وبقطع النظر عن صحة استدلالهم بها أو عدم صحته ، فإن هذا القول لا يعتبر منالبدع ما دام أن أصحابه يستدلون له ؛ لأن البدع ما ليس لها دليل أصلاً ،غاية ما يقال أنه قول خطأ أو رأي غير صواب ، ولا يقال بدعة ، وليس قصديالدفاع عن هذا القول ، ولكن قصدي بيان أنه ليس بدعة ، ولا ينطبق عليه ضابطالبدعة ، وهو من المسائل الخلافية.
التعقــيب الثـامن والعشــرون
في صفحة 149 ، قال: وتفريق الباحث في مسألة القرآن بين ما فيه من المعانيالنفسية والألفاظ المنطوق بها مع ما يلحق بها من حبر وورق وغلاف ، ليقول أنالأول (يعني المعاني النفسية) قديم غير مخلوق ، والثاني حادث مخلوق ، أيعدبدعة محظورة ؛ لأن هذا التفريق لم يعلم على عهد رسول الله صلَّى الله عليهوسلَّم ، ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق دون تفصيل ولاتفريق أم لا يعد بدعة ، وإنما هو شرح وبيان لما علمه الصحبة من قبل علىوجه الإجمال ، ومن ثم فلا مانع لا سيما في مجال التعليم من هذا التفريقوالتفصيل اهـ.
وتعقيبا عليه أقول كلامه هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة الذين يفرقون في كلامالله بين المعنى واللفظ ، فيقولون المعنى قائم بالنفس وهو قديم غير مخلوقوهذا هو كلام الله عندهم.
وأما اللفظ فهو عندهم تعبير عن هذا المعنى من قبل جبريل أو النبي صلَّىالله عليه وسلَّم وهو مخلوق ، وهذا تفريق باطل ( ) ، ومذهب أهل السنة سلفاًوخلفاً أن كلام الله تعالى هو اللفظ والمعنى وكلاهما غير مخلوق لأنه كلامالله تعالى وصفة من صفاته وغير مخلوقة ، وقوله: (إن الصحابة علموا هذاالتفريق بين اللفظ والمعنى في كلام الله) هو تقوُّل على الصحابة ونسبةإليهم ما هم منه برءاء.
التعقــيب التــاسع والعشــرون
في صفحة 149 تساءل عن التوسل بجاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعدوفاته أو بجاه من عرفوا بالصلاح والاستقامة بعد وفاتهم هل هو بدعة أو يقاسعلى التوسل به صلَّى الله عليه وسلَّم حال حياته وهو شيء ثابت دلت عليهالأحاديث الصحيحة ومن ثم فهو ليس من البدعة في شيء ولم يجب عن ذلك التساؤلبل ترك القارئ في حيرة والتباس.
وأقول: أولاً: التوسل بالجاه ليس عليه دليل أصلاً لا في حياته ولا بعد موته ، فهو بدعة بلا شك.
ثانياً: أما التوسل بدعائه صلَّى الله عليه وسلَّم فهو جائز في حياته ؛لأنه يتمكن من الدعاء فيهل ، أما بعد وفاته فطلب الدعاء منه بدعة ولا يجوز ؛لأنه لا يقدر على الدعاء ؛ ولأن الصحابة لم يفعلوا هذا معه بعد وفاتهوإنما كانوا يفعلونه في حال حياته ولا تقاس حالة الحياة على حالة الموتلوجود الفوارق العظيمة بينهما عند جميع العقلاء ، وإنما يقيس هذا القياسالمخرفون.
وإن كان هو يزعم في صفحة 155 أن هذا التفريق لم يعرف إلا عن ابن تيمية وأنالسلف لم يفرقوا ولم تفرق الأدلة بينهما وكأنه لم يقرأ ما ذكره العلماء فيهذا الموضوع وما ذكره ابن تيمية في كتاب (التوسل والوسيلة) عن السلفوالأئمة في ذلك ، أو أن تحامله عليه أنساه ذلك. ثم إنه نسب إلى السلف ما لميقولوه وحمل الأدلة ما لا تتحمله ، ولم يأت بدليل واحد على ما قال وأنى لهذلك. والواجب أن الباحثأمثال الدكتور البوطي لا يخطئ شخصا ويتحامل عليهحتى يقرأ كلامه وينظر في مستنداته حتى يعرف هل هو مخطئ أو مصيب ،هذا هوالإنصاف والعدل ، ولا ننسى أن الدكتور البوطي له هنات في غير هذا الكتابحول هذه المسألة قد قام بالرد عليها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظهالله. ثم إنه في صفحة 156 يهون من شأن هذه المسألة ويقول هي أقل من أن تصدعالمسلمين أو تجعل منهم مذهبين.
وأقول: كلا والله إنها لمسألة خطيرة تمس صميم العقيدة وتجر إلى الشرك فكيف تكون هينة.
التعقــيب الثلاثــون
في صفحة 150 ، 157 أدخل تحت بدعة التزيد في العبادة الأذان الأول ليومالجمعة الذي أمر به عثمان رضي الله عنه لما دعت الحاجة إليه ، وهذا منه خطأواضح فإن عثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين ، وقد قال النبي صلَّىالله عليه وسلَّم : {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين} ففعله هذا يعتبرسنة لا بدعة وتزيد ، حاشاه من ذلك رضي الله عنه وأرضاه..
وهذا ينسينا ما قاله في حق شيخ الإسلام ابن تيمية أنه ابتدع التفريق بينحالة الحياة والموت ، إذ أن الخليفة الراشد عنده قد ابتدع وتزيد في الدين.
التعقــيب الواحد والثلاثــون
في صفحة 160 خلط بين علم الكلام والفلسفة وانتقد شيخ الإسلام ابن تيمية حيثأجاز مناظرة المتكلمين بمثل مصطلحاتهم مع أنه ينكر على الغزالي انشغالهبالفلسفة ، وكأنه لا يدري أن علم الكلام غير الفلسفة وأن بينهما فرقاًواضحاً ( ) ، وقد انتقد شيخ الإسلام أيضاً في صفحة 162 ، ذ63 من ناحية أنهيحذر من الإقبال على علم الكلام والمنطق وهو قد تضلع فيهما وناظر بهما...
والجواب عن ذلك: أنه رحمه الله يحذر من الاشتغال بذلك من هم على غير مستوىعلمي جيد يمكنهم من التخلص من أضرار علم الكلام ؛ ولأن ذلك يشغل عن تعلمالكتاب والسنة ، فأي انتقاد يوجه إليه في ذلك إلا من صاحب هوى وحقد ، ثم إنالشيخ رحمه الله لا ينكر على من تعلم علم الكلام والمنطق من أجل الرد علىالمضللين وقتلهم بسلاحهم وإنما ينكر على من تعلمها بغير هذا القصد.
التعقــيب الثـاني والثلاثــون
من صفحة 164 حتى صفحة 188 شن هجوماً مسلحاً على شيخ الإسلام ابن تيميةواتهمه أنه قال بقول الفلاسفة حينما قال: إن الحوادث قديمة النوع حادثةالآحاد.
وهذه المسألة قد شنع بها خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه قديماً وحديثاًوقالوا: إنه يقول بحوادث لا أول لها ، والدكتور في هذا الكتاب اتخذ من هذهالمسألة متنفساً ينفث من خلاله ما في صدره من حقد على شيخ الإسلام ابنتيمية ؛ لأنه شيخ السلفيين الذين يضايقونه في هذا الزمان ، ولكن والحمد للهليس له في هذه المسألة ولا للذين سبقوه أي مدخل على الشيخ وسيرده اللهبغيظه لم ينل خيراً كما رد الذين من قبله ، فإن مراد الشيخ رحمه الله أنأفعال الله سبحانه ليس لها بداية ؛ لأنه الأول الذي ليس قبله شيء ، قالرحمه الله: والتسلسل الواجب ما دل عليه الشرع من دوام أفعال الرب تعالى فيالأبد فكل فعل مسبوق بفعل آخر فهذا واجب في كلامه فإنه لم يزل متكلماً إذاشاء ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، وهكذا أفعاله هي من لوازم حياته فإنكل حي فَعَّال ، والفرق بين الحي والميت الفعل ، ولم يكن ربنا تعالى قط فيوقت من الأوقات معطلاً عن كماله من الكلام والإرادة والفعل.... إلى أن قال : ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه فإنه سبحانه متقدم على كل فرد منمخلوقاته تقدماً لا أول له ، فلكل مخلوق أول والخالق سبحانه لا أول له فهووحده الخالق وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.... إلى أن قال: والمقصود أن الذي دل عليه لشرع والعقل أن كل ما سوى الله تعالى محدث كائنبعد أن لم يكن.
أما كون الرب تعالى لم يزل معطلا عن الفعل ثم فعل فليس في الشرع ولا في العقل ما يثبته بل كلاهما يدل على نقيضه.
هذه خلاصة ما يراه الشيخ في هذه المسألة وهل في ذلك ما يشنع به عليه كمايظنه الدكتور وأضرابه. لولا أنه الهوى والحقد أو الجهل والغفلة ، فإن بينما قاله الشيخ في هذه المسألة وبين قول الفلاسفة – فروقاً واضحة هي الفروقبين الحق والباطل والكفر والإيمان.
التعقــيب الثالـث والثلاثــون
في صفحة 191- 192 يؤيد عقد حلقات الصوفية التي يسمونها (حلق الذكر) ويزعمأنه ليس هناك ما يمنع من إقامتها ويقول: إن الذكر مشروع.. ، ونحن نجيبه عنذلك ونقول له: الذكر لا شك أنه مشروع لكن على الصفة الواردة في الكتابوالسنة ، أما إحداث هيئة للذكر لا دليل عليها كالذكر الجماعي أو الأورادالصوفية التي ليس عليها دليل أو ربما يشوبها شيء من الألفاظ الشركية فهذهلا شك أنها بدعة ، وأن الذين يقيمونها مبتدعة داخلون في قوله صلَّى اللهعليه وسلَّم : {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} والشيء قد يكون مشروعافي أصله لكن الصفة التي يؤدى بها إذا لم يكن عليها دليل فهي بدعة ، وقدأنكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين يجتمعون في مسجد الكوفةوفيهم رجل يقول: سبحوا مائة كبروا مائة هللوا مائة ؛ لأن هذه الصفة ليست منسنة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.
التعقــيب الرابـع والثلاثــون
في صفحة 193 –195 ، شنع على الذين ينكرون ذكر الله بالاسم المفرد (الله) ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، فإنه وجه إليه قذائف غضبه ولم يصغ إلى حججالمذكورين ومنها أن ذكر الله بالاسم المفرد لم يرد في الكتاب ولا في السنةولا في هدي السلف الصالح علاوة على أنه لا يفيد شيئاً ، لأن الاسم المفردلا يأتي بفائدة حتى يتركب مع جملة مفيدة ، وما يزعمه الدكتور أن ذكر اللهبالاسم المفرد يدخل في قوله تعالى: { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا} فنحننسأله ونريد منه الصدق في الجواب دون مرواغة: هل ورد في سنة من أمره اللهبهذا الأمر وهو الرسول صلّى الله عليه وسلَّم أنه ذكر الله بالاسم المفردإذ لا شك أن سنته تفسر القرآن ، أو أن هذا من محدثات الصوفية وفهمهم السقيم، وكثيرا ما يكرر الدكتور أن المخالف في هذه المسألة وغيرها لا يضلل ،ونحن نقول له: إن المخالف لا يضلل إذا كان لمخالفته مأخذ من النصوص الشرعية، أما إذا كانت مخالفته ليس لها مأخذ من الكتاب والسنة فإنه يضلل ؛ لأنالله تعالى يقول: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} وما دل عليه كتاب الله حقوما خالفه فهو ضلال يضلل من قال به.
التعقــيب الخامس والثلاثــون
في صفحة 196-197 يبرر اصطلاحات الصوفية التي منها تفريقهم بين الشريعةوالحقيقة ، ولم يجد دليلا – والحمد لله –لهذا التبرير إلا أن ذلك قول كبارالصوفية كسهل التستري والحارث المحاسبي والجنيد – وهذا لا أظنه معهم وإنحشر معهم – ومعروف الكرخي ، فهو بهذا الاستدلال كمن فسر الماء بعد الجهدبالماء ( ) ، ثم هل هناك حقيقة تخالف الشريعة حتى يقال الحقيقة والشريعةإلا في اصطلاح الصوفية أن الشريعة للعوام والحقيقة للخواص ، وهذا إلحادواضح ، وليت الدكتور لم يدخل هذه المجاهل المخيفة.
التعقــيب الســادس والثلاثــون
في صفحة 201 حتى 212 تحدث عن الصوفية وأحوالهم وأقوالهم وحاول الدفاع عنهمبكل ما أوتي من قوة والاعتذار لهم بكل ما استطاع من عبارة حتى عمن قال منهم : (ما في الجبة إلا الله) وعمن قال منهم: (ما عبدتك خوفاً من نارك ولاطمعاً في جنتك) ورغم ما تحمله هاتان العبارتان من كفر وضلال حاول تأويلهمابها لا داعي للإطالة بذكره ؛ لأن هاتين العبارتين تنبئان عن نفسهما ولاتقبلان التأويل ؛ فإن قول القائل: (ما في الجبة إلا الله) صريح في الحلولأو الاتحاد ، وقوله: (ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك) مخالفلهدي الأنبياء جميعاً حيث وصفهم الله بأنهم يدعونه رغباً ورهباً ، ومخالفلصفة المؤمنين الذين يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ، ولا يعني هذا أنهم لايعبدونه إلا من أجل الخوف والطمع فقط ، بل هم مع ذلك يحبونه حباً شديداًويذلون له كما قال تعالى : { والذين آمنوا أشد حباً لله} ، وقال تعالى {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ولا تصح العبادة إلا باستكمال هذهالأركان: المحبة والذل والخوف ، والرجاء.
ثم حاول الدفاع عن ابن عربي وما في كتبه من القول بوحدة الوجود ، ففي هامشصفحة 104 – 105 قال: إنه لا يجوز تكفيره بموجب كلامه الذي فيه الإلحادالصريح حتى يعلم ما في قلبه هل يعتقد ما يقول أولاً اهـ.
ولو صح قول الدكتور هذا ما كفر أحد بأي قول أو فعل مهما بلغ من القبحوالشناعة والكفر والإلحاد حتى يشق عن قلبه ويعلم ما فيه من اعتقاد ، وعلىهذا فعمل المسلمين على قتال الكفرة وقتل المرتدين خطأ على لازم قول الدكتور؛ لأنهم لم يعلموا ما في قلوبهم وهل هم يعتقدون ما يقولون وما يفعلون منالكفر أولاً..
واسمع عبارته في ذلك حيث يقول: وخلاصة المشكلة أنه (يعني شيخ الإسلام ابنتيمية) ومن يقلده في نهجه يظلون يآخذون ابن عربي وأمثاله بلازم أقوالهم دونأن يحملوا أنفسهم على التأكد من أنهم يعتقدون ( ) فعلاً ذلك اللازم الذيتصوره.... ثم قال: أما أن يكون في كتب ابن عربي كلام كثير يخالف العقيدةالصحيحة ويوجب الكفر فهذا ما لا ريبة فيه ولا نقاش فيه ، وأما أن يدل ذلكدلالة قاطعة على أن ابن عربي كافر وأنه ينطلق في فهم الشهود الذاتي من أصلكفري هو نظرية الفيض ، فهذا ما لا يملك ابن تيمية ولا غيره أي دليل قاطععليه. انتهى.
وإنما سقت هذا المقطع من كلامه لإطلاع القارئ على ما فيه من تخبط وتناقضومناقضة لأدلة الكتاب والسنة وعمل المسلمين على كفر من قال كلمة الكفر غيرمكره قال تعالى : {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} ويلزم من هذاأيضاً أنه لا يحكم بإسلام كافر ، إذا نطق بالشهادتين حتى يعلم ما في قلبههل يعتقدها أو لا ولوازم هذا كثيرة ، ويلزم عليه أن من دعا غير الله لايكفر حتى يعلم ما في قلبه ، ثم اعتذر عن ابن عربي بأن في كتبه كلاماً آخريناقض كلامه الكفري ، ونحن نقول له إجابة عن ذلك: هل ثبت لديك أنه رجع عنكلامه الكفري وأنه كتب هذا الكلام الذي يناقضه بعد ما تاب أو أنه كتبه منباب التغطية والتلبيس ، ثم أنت لم تأت بشاهد على ما قلت من كلامه.
ثم قال: وإذا أبى ابن تيمية رحمه الله إلا أن يحملنا على تكفير ابن عربياستدلالاً بالكفريات الموجودة في كلامه والإعراض عن الصفحات الطوال التيتناقضها وترد عليها في مختلف كتبه وأقواله فإنها لدعوة منه بلا ريب إلى أننكفره هو الآخر استدلالاً بالضلالات الفلسفية التي انزلق فيها ، ويعني بذلكالمسألة التي سبق ذكرها وهي قول الشيخ: إن أفعال الله سبحانه ليس لهابداية .
ونقول: يا سبحان الله هل وصف الرب بما يستحقه من الكمال بدوام أفعالهوكماله أزلا وأبدا وتنزيهه عن التعطيل الذي وصفه به أهل الضلال من قولهم: (إنه – تعالى الله عما يقولون –مضى عليه وقت لم يفعل شيئاً ثم حدث له الفعلبعد ذلك) هل هذا هو قول الفلاسفة الذين يقولون بقدم العالم وإنكار الخالق؟إن الضلال هو قول من يعطل الله من أفعاله ويضرب له مدة لا يفعل فيها شيئاًكما هو قول علماء الكلام.
وإن قول ابن تيمية هو الحق وقول أهل الحق ، وأين خطؤه – لو كان خطأ على فرض – من كفريات ابن عربي وقوله بوحدة الوجود وأن من عبد الأصنام ما عبد إلاالله ، ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينفرد بتكفير ابن عربي بلقد كفره كثير من العلماء حتى من الصوفية ، واقرأ مؤلفاتهم في ذلك منهاكتاب: (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي) للبقاعي وغيره من الكتب ، وللشيختقي الدين الفاسي رسالة مستقلة في تكفير ابن عربي وذكر من قال بذلك منالعلماء وهي مطبوعة ومتداولة ، فإذا كان بإمكان البوطي أن يكفرهم فليفعل.
التعقــيب الســابع والثلاثــون
في صفحة 236 كتب عنوانا بلفظ: (التمذهب بالسلفية بدعة) وهذا الكلام يثيرالدهشة والاستغراب ، كيف يكون التمذهب بالسلفية بدعة والبدعة ضلالة؟ وكيفيكون بدعة وهو اتباع لمذهب السلف ، واتباع مذهبهم واجب بالكتاب والسنة وحقوهدى؟ قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهمبإحسان رضي الله عنهم} الآية..
وقال النبي صلّى الله عليه وسلَّم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين} الحديث ، فالتمذهب بمذهب السلف سنة وليس بدعة ، وإنما البدعة التمذهب بغيرمذهبهم.
وإذا كان قصده أن التسمي بهذا الاسم حادث كما يظهر من كلامه ولم يكنمعروفاً من قبل فهو بدعة بهذا الاعتبار فمسألة الأسماء أمرها سهل والخطأفيها لا يصل إلى حد البدعة ، وإن كان قصده أن في الذين تسموا بهذا الاسم منصدرت عنهم أخطاء تخالف مذهب السلف فعليه أن يبين هذا دون أن يتناولالسلفية نفسها ، فالتسمي بالسلفية إذا كان يعني التمسك بمذهب السلف ونبذالبدع والخرافات فهذا شيء محمود وطيب كما قرر هذا هو في صفحة 233 حيث قالعن حركة جمال الدين الأفغاني وحمد عبده وتسميتها بالسلفية: فقد كان الشعارالذي رفعه أقطاب هذه الحركة الإصلاحية هو السلفية وكان يعني الدعوة إلى نبذكل هذه الرواسب التي عكرت على الإسلام طهره وصفاءه.
هذا ما قاله عن تلك الحركة وتسميها بالسلفية ولم يعب عليها هذا التسمي نظرالسلامة أهدافها ، فنقول له: وهل السلفية اليوم تعني غير ذلك؟
التعقــيب الثــامن والثلاثــون
وفي صفحة 236 – 237 عبر عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللهبالمذهب الوهابي وقال إن الوهابية تبرموا من هذه الكلمة ؛ لأنها توحي بأنينبوع هذا المذهب بكل ما تضمنه من مزايا وخصائص يقف عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، فدعاهم ذلك إلى أن يستبدلوا بكلمة الوهابية هذه كلمةالسلفية...الخ ما قال..
والجواب أن نقول: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس له مذهب خاص به يدعىبالوهابية ؛ لأنه في العقيدة على منهج السلف وفي الفروع على مذهب الإمامأحمد بن حنبل الذي كان عليه علماء نجد من قبله وفي عصره ومن بعده ، وأتباعهلم يتسموا بالسلفية وإنما يدعون إلى التمسك بمذهب السف ويسيرون عليه بدونتسمية ؛ لأن العبرة بالحقائق لا بالأسماء ؛ ولأن التسمي بذلك فيه تزكيةللنفس وهم لا يزكون أنفسهم ، وأنا أطلب من الدكتور البوطي أن يأتي بما يدلعلى ما ادَّعاه عليهم من كتبهم ومقالاتهم أنهم سموا أنفسهم بالسلفية ، كماأطالبه أن يأتي بما يثبت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أتى بمذهبه جديد ينسبإليه ، وإذا لم يأت – ولن يأتي بذلك – فإنه مفتر على الشيخ وعلى اتباعهوالله يجزي المفترين.
التعقــيب التــاسع والثلاثــون
في صفحة 239-240 تكلم عن زيارة القبر النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلامفقال: ولكم اتهمنا واتهم كثير من المسلمين من أهل السنة والجماعةبالابتداع والمروق لأننا ذهبنا إلى ما ذهب إليه الجمهور من علماء السلفوغيرهم من أنه لا ضير في أن يعزم الرجل على زيارة كل من قبر النبيومسجده-كذا قال-،والجواب أن نقول:إن زيارة قبر النبيمن غير سفر سنة وليست بدعة، ولم يقل أحد إنها كانت على هذه الصفة بدعة ومروق، أما السفر لزيارة قبره فهو بدعة، لأنه لا يجوز السفر لأجل زيارة القبور لا قبر النبي ولا قبر غيره من الأولياء والصالحين أو الأقارب،لقوله {لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجدالأقصى}، وعملاً بهذا الحديث لم يكن السلف والأئمة الأربعة وغيرهم منالأئمة المقتدى بهم يسافرون من أجل زيارة القبور، وقد أوغل الدكتور فيالخطأ حين ادعى أن مذهب الجمهور من علماء السلف وغيرهم أنه لا ضير في أنيعزم الرجل على هذا ، فإن كان قصده العزم على السفر لزيارة قبر النبيفعلماء السلف ينهون عما نهى عنه الرسول من السفر لزيارة القبور عموماً ، قبر النبي وغيره ، ثم إن الدكتور خطَّأ شيخ الإسلام ابن تيمية في استدلاله بالحديثالمذكور على منع السفر لزيارة القبور وسماه غلطاً عجيباً انزلق فيه الشيخحيث قال: ويترتب على هذا الغلط العجيب الذي انزلق فيه ابن تيمية رحمه اللهأن الإنسان لا يجوز له أن يشد الرحل إلى زيارة رحم أو إلى طلب علم أوانتجاع رزق ؛ لأن هذه الأشياء كلها خارج المساجد الثلاثة ، ونحن نقول له : بل الغلط العجيب ما انزلق إليه فهم الدكتور ؛ لأن الحديث الشريف يعني منعالسفر إلى بقاع مخصوصة لأجل التعبد فيها أو عندها غير المساجد الثلاثة ،سواء كانت هذه البقاع مساجد أو قبور أو غيرها.
أما السفر لزيارة الرحم أو طلب العلم أو طلب الرزق فلم يدخل في مدلول الحديث أصلاً.
التعقــيب الأربعــون
في صفحة 241 قال عن سبب صبر الإمام على تحمل محنة القول بخلق القرآن: (وإنما كان سبب المحنة التي تعرض لها الإمام دون غيره هو ورعه الشديد الذيمنعه أن يفصل ويفرق بين اللفظ والمعنى)..
والجواب نقول له: أولاً:لم يكن الإمام أحمد وحده الذي تعرض لهذه المحنة بلشاركه في ذلك خلق كثير من العلماء منهم من قتل في ذلك ومنهم من عذب وأوذي ،لكن يظهر أن الدكتور لم يقرأ التاريخ.
ثانياً: ليس هناك تفريق بين معنى القرآن ولفظه ، وكلاهما كلام الله منزلغير مخلوق ، والتفريق بينهما بأن يقال المعنى غير مخلوق واللفظ مخلوق: هذاقول المبتدعة لا قول أهل السنة فالإمام أحمد لم يفرق بينهما ؛ لأنه كغيرهمن الأئمة لا يرى فرقاً بينهما ولا يعتقد عقيدة الأشاعرة.
التعقــيب الواحـد و الأربعـون وهو الأخير
في صفحة256 - 257 استنكر الرد على كتاب الذخائر المحمدية لمحمد علوي مالكيما فيه من الضلالات ، وقال: إن محمد علوي من أهل السنة والجماعة ولم يقرأالناس في تآليفه وكتاباته ولم يروا من واقع حاله إلا ما يزيدهم ثقةباستقامة دينه وصلاح حاله وسلامة عقيدته.
والجواب أن نقول له: الواجب عليك أن تنظر محتويات كتب هذا الرجل وتعرضهاعلى الكتاب والسنة وعلى عقيدة السلف لتعرف مدى مطابقتها أو مخالفتها لهذهالأصول ولا تعتمد على قراءة الناس وإنما تنظر أنت هل المعترض عليه مصيب أومخطئ ، هذا ما يتطلبه الباحث المنصف الذي يحترم ما يقول ويكتب ، دون التهجمعلى من اعترض على علوي قبل معرفة وجهة اعتراضه ، ثم كون الرجل من أهلالسنة والجماعة ومن أهل الاستقامة هل ذلك يمنع من الاعتراض عليه إذا أخطأ؟.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
(ملاحظة) في حواشي الكتاب، عند ذكر "قال راقمه" أو "قال مراد"، فالكلام الذي يليه هو لمعيد تنسيق الكتاب و ليس للشيخ رحمه الله!
(1)نشرت أولاً في مجلة التمدن الإسلامي الغراء (مجلد 33 و 34) ثم أفردت في رسالة، و ذلك قبل عشر سنين.
(2)قال راقمه: لعلها ((السفليين)).
(3)انظر مقدمتي لشرح العقيدة الطحاوية (ص 44 – الطبعة الرابعة).