بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفي والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى أما بعد :
فإن أعداء التوحيد يتواجدون بين الفينة والأخرى وهم كُثر لا كثرهم الله ، ومن ذلك صبية لم تتجاوز الثامنة من عمرها تلبس بها شيطان مارد وادعت أنها تعالج الناس من الأمراض ، في محافظة تعز منطقةالنشمة ، فتوافد لها الجهلة من الناس الذين لا يهتمون غالباً بأمور دينهم أو ممن لُبّس عليهم من الرعاع السذج ، والله المستعان ، فكتبتُ هذا المقال لبيان حال تلكم الصبية الأفاكة ، دفاعاً عن عقيدة التوحيد وإبطالاً للشرك وأضرابه ، وتبصرة لمن خُدع بها ، والله من وراء القصد ، فأقول والله المعين :
فإن الله تعالى خلق الخلق لعبادته وتوحيده كما قال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
ولذلك فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وشرّع الشرائع لتحقيق العبوديه لله تعالى ، وبيان أن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره تعالى يعتبر ذلك من الإشراك الذي لا يغفره تعالى لصاحبه إلا بالتوبة النصوحة قبل الممات ، قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }
وبين تعالى حرمان دخول الجنة لمن مات مشركا به تعالى ، قال تعالى { إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }
وعليه فإن دعوة جميع الأنبياء والرسل كانت في التوحيد والتحذير من الشرك وإن اختلفت شرائعهم ، قال تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }
فكان الواجب على جميع الأمة أن تعرف ما هو التوحيد حتى تعمل به وتعرف الشرك حتى تتجنبه ، خصوصا في هذا الزمان الذي قلّ فيه العلماء الناصحون من علماء الحق وكثُر فيه أرباب البدع والخرافة والشرك ، حتى أصبح أهل الحق في غربة مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام (بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ».رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وفي لفظ { الذين يصلحون إذا فسد الناس " وهو في السلسلة الصحيحة لشيخنا الألباني رحمه الله ،
فالتوحيد هو إفراده تعالى بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات ،
والنوع الأول هو خلاصة دعوة الأنبياء والرسل وبه حصلت الخصومة بين الأنبياء مع أقوامهم ، ولذا كان لزاماً على الأمة أن تفهم هذا التوحيد فهما جيداً لكي تعمل به وفق الشرع وتحذر ما يناقضه من الشرك الأكبر المخرج من الملة وما يُذهب بكماله الواجب من الشرك الأصغر ، وما يُنقصه من البدع المفسقة و المعاصي والمخالفات الشرعية،
إن الشرك قد خافه إبراهيم عليه السلام على نفسه وعلى ذريته وهو من قال الله فيه { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } فكان من دعاء إبراهيم عليه السلام { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ...}
وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد خاف على أصحابه الشرك الأصغر وهم خيرة هذه الأمة ، فقال عليه الصلاة والسلام ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء ) رواه أحمد من حديث محمود ابن لبيد رضي الله عنه ،
ثم كيف لا يخاف من الشرك وأكثر الناس اليوم لا يدري ما هو الشرك ووسائله ،ولذا تراهم يهرولون عند المشعوذين والدجالين والكهان والعرافين بمجرد أدنى سبب إما من مال ضاع أو سُرق عليهم أو من مرض ألمّ بهم أو نحو ذلك من مصائب الدنيا ، ومن هنا فإني أهيب بالدعاة إلى الله أن يكرسوا الجهود في دعوة الناس إلى التوحيد وتحذيرهم من نقيضه ألا وهو الشرك والذي هو :عبادة غير الله معه ، قال تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا }
ألا فاعلموا أيها الناس أن من أنواع البلايا التي ابتلينا بها في هذا الزمن كثرة الجهل بعقيدة التوحيد ، وعدم معرفة نقيضه للحذر منه ،
ولقد أحسن من قال :
بل الأدهى والأمر أن يتصدر لتعليم الناس وإفتائهم مَن جهله جهل مركب من دعاة الشرك والخرافة الذين يصدق عليهم قول القائل :
فهؤلاء وأضرابهم يُعتبرون من أبواق وأفراخ الشيطان الرجيم الذين يزينون الشرك للناس ويجعلونه في قالب الحق ومحبة الأولياء والصالحين ،
ولقد أحسن من قال :
فنقول لهؤلاء ما قاله ربنا تبارك وتعالى:{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون } ، وقوله { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
فالحمد لله أن هيا الله تعالى من يرفع راية التوحيد في هذا الزمان وهم علماء ودعاة أهل السنة الذين حفظ الله تعالى بهم الدين من عبث العابثين ودجل الدجالين فقاموا لله تعالى خير قيام فبددوا أباطيل أهل الضلال بأنوار الكتاب والسنة ، وكل هذا من تمام مدلول قوله تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ،
ومما أبانه وحذر منه أهل العلم مسألة الذهاب إلى الكهان والمشعوذين والدجالين مستندين في ذلك إلى نصوص الشرع المحرمة من ذلك ، كونهم - الكهان والمشعوذين والدجالين ونحوهم - يستعينون بالجن في تحقيق مآربهم والجن لا يحققون لهم ذلك إلا إذا كفروا بالله تعالى والعياذ بالله ،
قال تعالى {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ* ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } .
قال العلامة السعدي رحمه الله :" يقول تعالى { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا } أي: جميع الثقلين، من الإنس والجن، من ضل منهم، ومن أضل غيره، فيقول موبخا للجن الذين أضلوا الإنس، وزينوا لهم الشر، وأزُّوهم إلى المعاصي: { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ } أي: من إضلالهم، وصدهم عن سبيل الله، فكيف أقدمتم على محارمي، وتجرأتم على معاندة رسلي؟ وقمتم محاربين لله، ساعين في صد عباد الله عن سبيله إلى سبيل الجحيم؟
فاليوم حقت عليكم لعنتي، ووجبت لكم نقمتي وسنزيدكم من العذاب بحسب كفركم، وإضلالكم لغيركم. وليس لكم عذر به تعتذرون، ولا ملجأ إليه تلجأون، ولا شافع يشفع ولا دعاء يسمع، فلا تسأل حينئذ عما يحل بهم من النكال، والخزي والوبال، ولهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا، وأما أولياؤهم من الإنس، فأبدوا عذرا غير مقبول فقالوا: { رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي: تمتع كل من الجِنّي والإنسي بصاحبه، وانتفع به.
فالجنّي يستمتع بطاعة الإنسي له وعبادته، وتعظيمه، واستعاذته به. والإنسي يستمتع بنيل أغراضه، وبلوغه بسبب خدمة الجِنّي له بعض شهواته، فإن الإنسي يعبد الجِنّي، فيخدمه الجِنّي، ويحصل له منه بعض الحوائج الدنيوية،أي: حصل منا من الذنوب ما حصل، ولا يمكن رد ذلك، { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } أي: وقد وصلنا المحل الذي نجازي فيه بالأعمال، فافعل بنا الآن ما تشاء، واحكم فينا بما تريد، فقد انقطعت حجتنا ولم يبق لنا عذر، والأمر أمرك، والحكم حكمك. وكأن في هذا الكلام منهم نوع تضرع وترقق، ولكن في غير أوانه. ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل، الذي لا جور فيه، فقال: { النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا } .
ولما كان هذا الحكم من مقتضى حكمته وعلمه، ختم الآية بقوله: { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فكما أن علمه وسع الأشياء كلها وعمّها، فحكمته الغائية شملت الأشياء وعمتها ووسعتها...."اهـ تفسير السعدي (ص 144).
ألا وإن من هذا الاستمتاع الذي ذكره الله تعالى ما ظهر مؤخراً في بعض ضواحي تعز في منطقة تسمى (النَّشمة ) حيث ظهرت تلكم البنت الدجالة التي قد تلبّس بها الشيطان الرجيم فأصبح يتكلم عياذا بالله على لسانها ، وتزعم أنها تعالج المرضى ، وفي حقيقة الأمر ما هي إلا حيل إبليسية شيطانية وإن حصل شيء من النفع ظاهراً فهو كما يقال:من باب ذرّ الرماد على العيون ، كما هو حال مسترقي السمع مع الكاهن حيث تلقى عليه الكلمة منهم فيزيد عليها مائة كذبة ،
فقد جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسة على صفوان - قال علي وقال غيره صفوان ينفذهم ذلك - فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا واحد فوق الآخر - ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان حتى تنتهي إلى الأرض - فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدنا حقا ؟ للكلمة التي سمعت من السماء ) .
وإلا فقولوا لي بربكم أين درست هذه الفتاة بل الطفلة التي قد لا تَعرف أن تُطهر نفسها من النجاسات ، فضلاً عن أن تتكلّم وتعالج أصحاب الأدواء ،
وفي حقيقة الأمر إن أمرها ظاهر بيّن لأصحاب العقائد السليمة ، ولكن المصيبة أن يُخدع بها كثير من الناس رجالاً ونساءً فيأتونها من أماكن شتى بل حتى من خارج البلاد ، ويُزال الاستغراب عن ذلك عند أن يُعلم بأن هؤلاء قد لبّس عليهم الشيطان الرجيم وزين لهم هذا الصنيع بسبب الابتعاد عن دراسة العقيدة الصحيحة ، وإن كان أغلبهم قد يتلفظ بلا إله إلا الله ولكنه لا يعرف معنى هذه الكلمة ولا مقتضاها ، فلو علم هؤلاء معناها وأنه لا معبود حق إلأ الله وأن مقتضاها هو إفراد الله تعالى بالعبودية ونفيها عما سواه، لو علموا ذلك لعملوا به ولم يأتوها ولكن الجاهل عدو نفسه ، والله المستعان .
أليس الله تعالى هو القائل { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } ، فمن الذي شفا أيوب عليه السلام أليس هو الله تعالى قال تعالى { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }، ومن الذي أنجا يونس من بطن الحوت ، أليس هو الله ، قال تعالى {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ }
ثم مما ينبغي أن يُعلم أن الله تعالى قد يبتلي الشخص ببعض الأمراض سواء أكانت حسية أم معنوية ، فما على الإنسان إلا أن يسلك الطريق القويم والسبب الصحيح للعلاج ،فقد قال عليه الصلاة والسلام ( ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنها ،
وقال أيضاً (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه و جهله من جهله إلا السام و هو الموت ) رواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، وهو في صحيح الجامع لشيخنا رحمه الله ،
وأسباب الشفاء الصحيحة على قسمين لا ثالث لهما ، إما أسباب كونية قدرية وإما أسباب شرعية،
فالأسباب القدرية هي ما ثبت بالتجربة نفعها بإذن الله كالعلاجات الموجودة الآن في الصيدليات والجبيرة ونحو ذلك .
والأسباب الشرعية هي ما ورد ذكرها في الكتاب والسنة كالقرآن والحبة السوداء والعسل ونحو ذلك ، وما عدا ذلك فهو من الشرك والعياذ بالله ،
قال العلامة العثيمين رحمه الله :" كل من أثبت سبباً لم يجعله الله سبباً شرعياً ولا قدرياً، فقد جعل نفسه شريكاً مع الله.
فمثلاً: قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء، وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري، لأنه يعلم بالتجارب والناس في الأسباب طرفان ووسط:
الأول: من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله، كالجبرية، والأشعرية.
الثاني: من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سبباً، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم.
الثالثة: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سبباً شرعياً أو كونياً.
ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيماناً حقيقياً، وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة "القول المفيد على كتاب التوحيد(1/116).
فكل ما تقدم من باب العلم بالأسباب الصحيحة للشفاء بإذن الله تعالى ، أما هذه الصبية فمما لا شك فيه أنها تستخدم الجن إن لم يكن الجن فيها ويسيرونها على ما يشتهون ، لأن الوحي قد انقطع بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمن أين لها هذا العلم وهي لم تعمل بالأسباب ، ومع ذلك تدعي بفعلها علم الغيب ،
وقد يقول متحذلق إن هذا كرامة مما يدل على الولاية ،
نقول : بل هذا من الشعوذة وهي من أولياء الشيطان لا الرحمن ، لأن أولياء الرحمن
يقول الله فيهم {ألَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } فهل هذان الشرطان منطبقان فيها ؟!!
ولقد أحسن الإمام الشافعي حين أن قال :"إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تصدقوه ولا تغتروا به حتى تعلموا متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم " .انظر أعلام السنة المنشورة ص304،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" فكيف إذا لم يكن كذلك وتجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت ؛ أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها أو يمشي على الماء أحيانا ؛ أو يملأ إبريقا من الهواء ؛ أو ينفق بعض الأوقات من الغيب أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس ؛ أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته ؛ أو يخبر الناس بما سرق لهم ؛ أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور ؛ وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله ؛ بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه . وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور ؛ وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله فقد يكون عدوا لله ؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله ؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة . مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ؛ ولا يصلي الصلوات المكتوبة ؛ بل يكون ملابسا للنجاسات معاشرا للكلاب ؛ يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل ؛ رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ؛ ولا يتنظف ...." ؛ انظر الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص42.
قلت : تأمل قوله رحمه الله " أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس" أليست هذه الصبية تختفي كل خميس وجمعة ؟ فأين تذهب ؟
ثم أليست تخبر بمرض الإنسان ؟ فمن الذي أخبرها ؟
ألم يقل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو الذي يُوحى إليه { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فهل بالله عليكم بلغت هذه الصبية مبلغاً هي أعظم عندكم من الرسول الكريم ؟!!!
أين عقولكم أيها الناس ؟
وإن مما ينبغي أيضاً أن يُعلم أن الذهاب إلى هذه الصبية هو من جنس الذهاب إلى مدعي الغيب من الكهان والمشعوذين والدجالين وأضرابهم إذ لا فرق في
حقيقة الأمر بين هؤلاء وبينها ، وقد رُتب الوعيد الشديد على من ذهب إليهم وسألهم فكيف إذا صدقهم ، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ».
وهذا الإتيان لمجرد السؤال لا لأجل امتحانه أو إظهار عجزه ، فرُتب هذا الوعيد لذلك ، وهو عدم إثابته على هذه الصلوات مع إجزائها عنه ،
وثبت في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
وهذا الوعيد بسبب أنه صدقه في علم الغيب وهو يعلم أن الله هو المنفرد بعلمه ، قال تعالى { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} أما إن كان جاهلاً ولا يعتقد أن القرآن فيه كذب، فكفره كفر دون كفر ،انظر القول المفيد للعلامة العثيمين (1/401).
فعلى الإنسان أن يستقيم في عقيدته وفق الكتاب والسنة وعلى منهج السلف رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ،فإذا أصابه شيء من الأمراض فعليه أن يسلك المسلك الشرعي في طلب الشفاء باستخدام أسبابه الصحيحة كونية كانت أو شرعية ، مع الإكثار من الدعاء وتحري أوقات الإجابة والابتعاد عن موانع الإجابة ، والتي منها الذهاب إلى السحرة والكهان والمشعوذين والدجالين المدعين لعلم الغيب وتصديقهم والعمل بما يقولونه لهم ، وعلى الإنسان الصبر على أقدار الله المؤلمة ، قال تعالى { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} ، وقال تعالى { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
قال العلامة السعدي رحمه الله :" وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه، وأنه معين على كل الأمور" تفسير السعدي ص144.
وجاء في الصحيحين من طريق عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال ( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها ).
فخلاصة الكلام :
أولاً: أنه لا يجوز الذهاب إلى هذه الصبية التي في النشمة لأجل العلاج لأنه من جنس الذهاب إلى الكهان والمشعوذين ،
ثانياً: من ابتلي بمرض (ما) فعليه أن يستعين بالله في تحصيل الشفاء بالأسباب الصحيحة ، مع الإكثار من الدعاء .
ثالثاً : على الناس هدانا الله وإياهم أن يتعلموا أمور دينهم خصوصاً ما يتعلق بالعقيدة .
رابعاً :على ولي الأمر وفقه الله أن يُزيل هذه الظاهرة الشركية لأنها سبب في إفساد عقائد الرعية .
خامساً :على من يقوم وراء هذه البنت أن يتوبوا إلى الله ويكفوا شرهم عن المجتمع بابتزاز أموالهم والضحك على عقولهم .
سادساً :على دعاة السنة الإكثار من التحذير من هذه البنت ومن يقوم وراءها من دعاة الشرك والوثنية خاصة ومن الشركيات بصفة عامة ويكون ذلك من خلال الخطب والمحاضرات والرسائل والمطويات ونحوها .
سابعاً : على دعاة الحزبية الاهتمام بتعليم أنفسهم وغيرهم التوحيد والعقيدة الصحيحة ، فماذا جنيتم وجنى المجتمع اليمني من الثورات والانقلابات ووو من أساليب الغرب إلا الويلات والمصائب وانتشار الجهل بعقيدة التوحيد حتى نتج عن ذلك شيء من مظاهر الشرك والوثنية من ذهاب الناس إلى هذه الصبية المشعوذة أو المتلبس بها الشيطان ، وكذا ما ظهر في الحديدة من تلكم الشجرة التي خرج منها شيء من الزيت أو نحوه فقال الجهلة إنها شجرة تبكي وتخرج الدموع ونحو ذلك من هذه الخزعبلات والخرافات ،
وبعد : فهذه هي الحلقة الثانية وتتلوها الحلقة الثالثة بمشيئة الله تعالى ،،
واللهَ أسألُ أن يهدي ضال المسلمين وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،،،،،،،،،
الحمد لله وكفي والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى أما بعد :
فإن أعداء التوحيد يتواجدون بين الفينة والأخرى وهم كُثر لا كثرهم الله ، ومن ذلك صبية لم تتجاوز الثامنة من عمرها تلبس بها شيطان مارد وادعت أنها تعالج الناس من الأمراض ، في محافظة تعز منطقةالنشمة ، فتوافد لها الجهلة من الناس الذين لا يهتمون غالباً بأمور دينهم أو ممن لُبّس عليهم من الرعاع السذج ، والله المستعان ، فكتبتُ هذا المقال لبيان حال تلكم الصبية الأفاكة ، دفاعاً عن عقيدة التوحيد وإبطالاً للشرك وأضرابه ، وتبصرة لمن خُدع بها ، والله من وراء القصد ، فأقول والله المعين :
- بسم الله الرحمن الرحيم
فإن الله تعالى خلق الخلق لعبادته وتوحيده كما قال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
ولذلك فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وشرّع الشرائع لتحقيق العبوديه لله تعالى ، وبيان أن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره تعالى يعتبر ذلك من الإشراك الذي لا يغفره تعالى لصاحبه إلا بالتوبة النصوحة قبل الممات ، قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }
وبين تعالى حرمان دخول الجنة لمن مات مشركا به تعالى ، قال تعالى { إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }
وعليه فإن دعوة جميع الأنبياء والرسل كانت في التوحيد والتحذير من الشرك وإن اختلفت شرائعهم ، قال تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }
فكان الواجب على جميع الأمة أن تعرف ما هو التوحيد حتى تعمل به وتعرف الشرك حتى تتجنبه ، خصوصا في هذا الزمان الذي قلّ فيه العلماء الناصحون من علماء الحق وكثُر فيه أرباب البدع والخرافة والشرك ، حتى أصبح أهل الحق في غربة مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام (بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ».رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وفي لفظ { الذين يصلحون إذا فسد الناس " وهو في السلسلة الصحيحة لشيخنا الألباني رحمه الله ،
فالتوحيد هو إفراده تعالى بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات ،
والنوع الأول هو خلاصة دعوة الأنبياء والرسل وبه حصلت الخصومة بين الأنبياء مع أقوامهم ، ولذا كان لزاماً على الأمة أن تفهم هذا التوحيد فهما جيداً لكي تعمل به وفق الشرع وتحذر ما يناقضه من الشرك الأكبر المخرج من الملة وما يُذهب بكماله الواجب من الشرك الأصغر ، وما يُنقصه من البدع المفسقة و المعاصي والمخالفات الشرعية،
إن الشرك قد خافه إبراهيم عليه السلام على نفسه وعلى ذريته وهو من قال الله فيه { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } فكان من دعاء إبراهيم عليه السلام { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ...}
وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد خاف على أصحابه الشرك الأصغر وهم خيرة هذه الأمة ، فقال عليه الصلاة والسلام ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء ) رواه أحمد من حديث محمود ابن لبيد رضي الله عنه ،
ثم كيف لا يخاف من الشرك وأكثر الناس اليوم لا يدري ما هو الشرك ووسائله ،ولذا تراهم يهرولون عند المشعوذين والدجالين والكهان والعرافين بمجرد أدنى سبب إما من مال ضاع أو سُرق عليهم أو من مرض ألمّ بهم أو نحو ذلك من مصائب الدنيا ، ومن هنا فإني أهيب بالدعاة إلى الله أن يكرسوا الجهود في دعوة الناس إلى التوحيد وتحذيرهم من نقيضه ألا وهو الشرك والذي هو :عبادة غير الله معه ، قال تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا }
ألا فاعلموا أيها الناس أن من أنواع البلايا التي ابتلينا بها في هذا الزمن كثرة الجهل بعقيدة التوحيد ، وعدم معرفة نقيضه للحذر منه ،
ولقد أحسن من قال :
فعار على المرء الذي تم عقله *** وقد أملت فيه المروءة والحزم
إذا قيل ماذا أوجب الله يا فتى*** أجاب بلا أدري وأنى لي العلم
إذا قيل ماذا أوجب الله يا فتى*** أجاب بلا أدري وأنى لي العلم
بل الأدهى والأمر أن يتصدر لتعليم الناس وإفتائهم مَن جهله جهل مركب من دعاة الشرك والخرافة الذين يصدق عليهم قول القائل :
تصدر للتدريس كل مهوس *** بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا *** ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزُلت حتى بدا من هزالها *** كلاها وحتى سامها كل مفلس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا *** ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزُلت حتى بدا من هزالها *** كلاها وحتى سامها كل مفلس
فهؤلاء وأضرابهم يُعتبرون من أبواق وأفراخ الشيطان الرجيم الذين يزينون الشرك للناس ويجعلونه في قالب الحق ومحبة الأولياء والصالحين ،
ولقد أحسن من قال :
قد صادهم إبليس في فخاخه *** بل بعضهم قد صار من أفراخه
يدعــــوا إلى عبادة الأوثان *** بالنفــــــــس والمـــــال وباللســـــان
يدعــــوا إلى عبادة الأوثان *** بالنفــــــــس والمـــــال وباللســـــان
فنقول لهؤلاء ما قاله ربنا تبارك وتعالى:{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون } ، وقوله { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
فالحمد لله أن هيا الله تعالى من يرفع راية التوحيد في هذا الزمان وهم علماء ودعاة أهل السنة الذين حفظ الله تعالى بهم الدين من عبث العابثين ودجل الدجالين فقاموا لله تعالى خير قيام فبددوا أباطيل أهل الضلال بأنوار الكتاب والسنة ، وكل هذا من تمام مدلول قوله تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ،
ومما أبانه وحذر منه أهل العلم مسألة الذهاب إلى الكهان والمشعوذين والدجالين مستندين في ذلك إلى نصوص الشرع المحرمة من ذلك ، كونهم - الكهان والمشعوذين والدجالين ونحوهم - يستعينون بالجن في تحقيق مآربهم والجن لا يحققون لهم ذلك إلا إذا كفروا بالله تعالى والعياذ بالله ،
قال تعالى {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ* ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } .
قال العلامة السعدي رحمه الله :" يقول تعالى { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا } أي: جميع الثقلين، من الإنس والجن، من ضل منهم، ومن أضل غيره، فيقول موبخا للجن الذين أضلوا الإنس، وزينوا لهم الشر، وأزُّوهم إلى المعاصي: { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ } أي: من إضلالهم، وصدهم عن سبيل الله، فكيف أقدمتم على محارمي، وتجرأتم على معاندة رسلي؟ وقمتم محاربين لله، ساعين في صد عباد الله عن سبيله إلى سبيل الجحيم؟
فاليوم حقت عليكم لعنتي، ووجبت لكم نقمتي وسنزيدكم من العذاب بحسب كفركم، وإضلالكم لغيركم. وليس لكم عذر به تعتذرون، ولا ملجأ إليه تلجأون، ولا شافع يشفع ولا دعاء يسمع، فلا تسأل حينئذ عما يحل بهم من النكال، والخزي والوبال، ولهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا، وأما أولياؤهم من الإنس، فأبدوا عذرا غير مقبول فقالوا: { رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي: تمتع كل من الجِنّي والإنسي بصاحبه، وانتفع به.
فالجنّي يستمتع بطاعة الإنسي له وعبادته، وتعظيمه، واستعاذته به. والإنسي يستمتع بنيل أغراضه، وبلوغه بسبب خدمة الجِنّي له بعض شهواته، فإن الإنسي يعبد الجِنّي، فيخدمه الجِنّي، ويحصل له منه بعض الحوائج الدنيوية،أي: حصل منا من الذنوب ما حصل، ولا يمكن رد ذلك، { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } أي: وقد وصلنا المحل الذي نجازي فيه بالأعمال، فافعل بنا الآن ما تشاء، واحكم فينا بما تريد، فقد انقطعت حجتنا ولم يبق لنا عذر، والأمر أمرك، والحكم حكمك. وكأن في هذا الكلام منهم نوع تضرع وترقق، ولكن في غير أوانه. ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل، الذي لا جور فيه، فقال: { النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا } .
ولما كان هذا الحكم من مقتضى حكمته وعلمه، ختم الآية بقوله: { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فكما أن علمه وسع الأشياء كلها وعمّها، فحكمته الغائية شملت الأشياء وعمتها ووسعتها...."اهـ تفسير السعدي (ص 144).
ألا وإن من هذا الاستمتاع الذي ذكره الله تعالى ما ظهر مؤخراً في بعض ضواحي تعز في منطقة تسمى (النَّشمة ) حيث ظهرت تلكم البنت الدجالة التي قد تلبّس بها الشيطان الرجيم فأصبح يتكلم عياذا بالله على لسانها ، وتزعم أنها تعالج المرضى ، وفي حقيقة الأمر ما هي إلا حيل إبليسية شيطانية وإن حصل شيء من النفع ظاهراً فهو كما يقال:من باب ذرّ الرماد على العيون ، كما هو حال مسترقي السمع مع الكاهن حيث تلقى عليه الكلمة منهم فيزيد عليها مائة كذبة ،
فقد جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسة على صفوان - قال علي وقال غيره صفوان ينفذهم ذلك - فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا واحد فوق الآخر - ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان حتى تنتهي إلى الأرض - فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدنا حقا ؟ للكلمة التي سمعت من السماء ) .
وإلا فقولوا لي بربكم أين درست هذه الفتاة بل الطفلة التي قد لا تَعرف أن تُطهر نفسها من النجاسات ، فضلاً عن أن تتكلّم وتعالج أصحاب الأدواء ،
وفي حقيقة الأمر إن أمرها ظاهر بيّن لأصحاب العقائد السليمة ، ولكن المصيبة أن يُخدع بها كثير من الناس رجالاً ونساءً فيأتونها من أماكن شتى بل حتى من خارج البلاد ، ويُزال الاستغراب عن ذلك عند أن يُعلم بأن هؤلاء قد لبّس عليهم الشيطان الرجيم وزين لهم هذا الصنيع بسبب الابتعاد عن دراسة العقيدة الصحيحة ، وإن كان أغلبهم قد يتلفظ بلا إله إلا الله ولكنه لا يعرف معنى هذه الكلمة ولا مقتضاها ، فلو علم هؤلاء معناها وأنه لا معبود حق إلأ الله وأن مقتضاها هو إفراد الله تعالى بالعبودية ونفيها عما سواه، لو علموا ذلك لعملوا به ولم يأتوها ولكن الجاهل عدو نفسه ، والله المستعان .
أليس الله تعالى هو القائل { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } ، فمن الذي شفا أيوب عليه السلام أليس هو الله تعالى قال تعالى { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }، ومن الذي أنجا يونس من بطن الحوت ، أليس هو الله ، قال تعالى {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ }
ثم مما ينبغي أن يُعلم أن الله تعالى قد يبتلي الشخص ببعض الأمراض سواء أكانت حسية أم معنوية ، فما على الإنسان إلا أن يسلك الطريق القويم والسبب الصحيح للعلاج ،فقد قال عليه الصلاة والسلام ( ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنها ،
وقال أيضاً (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه و جهله من جهله إلا السام و هو الموت ) رواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، وهو في صحيح الجامع لشيخنا رحمه الله ،
وأسباب الشفاء الصحيحة على قسمين لا ثالث لهما ، إما أسباب كونية قدرية وإما أسباب شرعية،
فالأسباب القدرية هي ما ثبت بالتجربة نفعها بإذن الله كالعلاجات الموجودة الآن في الصيدليات والجبيرة ونحو ذلك .
والأسباب الشرعية هي ما ورد ذكرها في الكتاب والسنة كالقرآن والحبة السوداء والعسل ونحو ذلك ، وما عدا ذلك فهو من الشرك والعياذ بالله ،
قال العلامة العثيمين رحمه الله :" كل من أثبت سبباً لم يجعله الله سبباً شرعياً ولا قدرياً، فقد جعل نفسه شريكاً مع الله.
فمثلاً: قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء، وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري، لأنه يعلم بالتجارب والناس في الأسباب طرفان ووسط:
الأول: من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله، كالجبرية، والأشعرية.
الثاني: من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سبباً، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم.
الثالثة: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سبباً شرعياً أو كونياً.
ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيماناً حقيقياً، وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة "القول المفيد على كتاب التوحيد(1/116).
فكل ما تقدم من باب العلم بالأسباب الصحيحة للشفاء بإذن الله تعالى ، أما هذه الصبية فمما لا شك فيه أنها تستخدم الجن إن لم يكن الجن فيها ويسيرونها على ما يشتهون ، لأن الوحي قد انقطع بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمن أين لها هذا العلم وهي لم تعمل بالأسباب ، ومع ذلك تدعي بفعلها علم الغيب ،
وقد يقول متحذلق إن هذا كرامة مما يدل على الولاية ،
نقول : بل هذا من الشعوذة وهي من أولياء الشيطان لا الرحمن ، لأن أولياء الرحمن
يقول الله فيهم {ألَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } فهل هذان الشرطان منطبقان فيها ؟!!
ولقد أحسن الإمام الشافعي حين أن قال :"إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تصدقوه ولا تغتروا به حتى تعلموا متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم " .انظر أعلام السنة المنشورة ص304،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" فكيف إذا لم يكن كذلك وتجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت ؛ أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها أو يمشي على الماء أحيانا ؛ أو يملأ إبريقا من الهواء ؛ أو ينفق بعض الأوقات من الغيب أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس ؛ أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته ؛ أو يخبر الناس بما سرق لهم ؛ أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور ؛ وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله ؛ بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه . وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور ؛ وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله فقد يكون عدوا لله ؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله ؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة . مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ؛ ولا يصلي الصلوات المكتوبة ؛ بل يكون ملابسا للنجاسات معاشرا للكلاب ؛ يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل ؛ رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ؛ ولا يتنظف ...." ؛ انظر الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص42.
قلت : تأمل قوله رحمه الله " أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس" أليست هذه الصبية تختفي كل خميس وجمعة ؟ فأين تذهب ؟
ثم أليست تخبر بمرض الإنسان ؟ فمن الذي أخبرها ؟
ألم يقل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو الذي يُوحى إليه { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فهل بالله عليكم بلغت هذه الصبية مبلغاً هي أعظم عندكم من الرسول الكريم ؟!!!
أين عقولكم أيها الناس ؟
وإن مما ينبغي أيضاً أن يُعلم أن الذهاب إلى هذه الصبية هو من جنس الذهاب إلى مدعي الغيب من الكهان والمشعوذين والدجالين وأضرابهم إذ لا فرق في
حقيقة الأمر بين هؤلاء وبينها ، وقد رُتب الوعيد الشديد على من ذهب إليهم وسألهم فكيف إذا صدقهم ، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ».
وهذا الإتيان لمجرد السؤال لا لأجل امتحانه أو إظهار عجزه ، فرُتب هذا الوعيد لذلك ، وهو عدم إثابته على هذه الصلوات مع إجزائها عنه ،
وثبت في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
وهذا الوعيد بسبب أنه صدقه في علم الغيب وهو يعلم أن الله هو المنفرد بعلمه ، قال تعالى { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} أما إن كان جاهلاً ولا يعتقد أن القرآن فيه كذب، فكفره كفر دون كفر ،انظر القول المفيد للعلامة العثيمين (1/401).
فعلى الإنسان أن يستقيم في عقيدته وفق الكتاب والسنة وعلى منهج السلف رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ،فإذا أصابه شيء من الأمراض فعليه أن يسلك المسلك الشرعي في طلب الشفاء باستخدام أسبابه الصحيحة كونية كانت أو شرعية ، مع الإكثار من الدعاء وتحري أوقات الإجابة والابتعاد عن موانع الإجابة ، والتي منها الذهاب إلى السحرة والكهان والمشعوذين والدجالين المدعين لعلم الغيب وتصديقهم والعمل بما يقولونه لهم ، وعلى الإنسان الصبر على أقدار الله المؤلمة ، قال تعالى { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} ، وقال تعالى { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
قال العلامة السعدي رحمه الله :" وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه، وأنه معين على كل الأمور" تفسير السعدي ص144.
وجاء في الصحيحين من طريق عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال ( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها ).
فخلاصة الكلام :
أولاً: أنه لا يجوز الذهاب إلى هذه الصبية التي في النشمة لأجل العلاج لأنه من جنس الذهاب إلى الكهان والمشعوذين ،
ثانياً: من ابتلي بمرض (ما) فعليه أن يستعين بالله في تحصيل الشفاء بالأسباب الصحيحة ، مع الإكثار من الدعاء .
ثالثاً : على الناس هدانا الله وإياهم أن يتعلموا أمور دينهم خصوصاً ما يتعلق بالعقيدة .
رابعاً :على ولي الأمر وفقه الله أن يُزيل هذه الظاهرة الشركية لأنها سبب في إفساد عقائد الرعية .
خامساً :على من يقوم وراء هذه البنت أن يتوبوا إلى الله ويكفوا شرهم عن المجتمع بابتزاز أموالهم والضحك على عقولهم .
سادساً :على دعاة السنة الإكثار من التحذير من هذه البنت ومن يقوم وراءها من دعاة الشرك والوثنية خاصة ومن الشركيات بصفة عامة ويكون ذلك من خلال الخطب والمحاضرات والرسائل والمطويات ونحوها .
سابعاً : على دعاة الحزبية الاهتمام بتعليم أنفسهم وغيرهم التوحيد والعقيدة الصحيحة ، فماذا جنيتم وجنى المجتمع اليمني من الثورات والانقلابات ووو من أساليب الغرب إلا الويلات والمصائب وانتشار الجهل بعقيدة التوحيد حتى نتج عن ذلك شيء من مظاهر الشرك والوثنية من ذهاب الناس إلى هذه الصبية المشعوذة أو المتلبس بها الشيطان ، وكذا ما ظهر في الحديدة من تلكم الشجرة التي خرج منها شيء من الزيت أو نحوه فقال الجهلة إنها شجرة تبكي وتخرج الدموع ونحو ذلك من هذه الخزعبلات والخرافات ،
وبعد : فهذه هي الحلقة الثانية وتتلوها الحلقة الثالثة بمشيئة الله تعالى ،،
واللهَ أسألُ أن يهدي ضال المسلمين وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،،،،،،،،،
وكتب /
أبو عبد السلام حسن بن قاسم الريمي الحسني
إمام وخطيب مسجد الإمام الوادعي رحمه الله تعالى
7/ربيع الآخر/ 1434ه
أبو عبد السلام حسن بن قاسم الريمي الحسني
إمام وخطيب مسجد الإمام الوادعي رحمه الله تعالى
7/ربيع الآخر/ 1434ه
تعليق