بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه وذريته الغر الميامين.
وبعد:
ففي عصر يوم الأحد 22/ ربيع الأول لعام 1434هـ قرأت قصيدة لأخينا المفضال الشاعر المغوار أبي عمر عبدالكريم الجعمي حفظه الله تكلم فيها على المدعو علي الرازحي فبدا في خلدي أن أكتب هذه الوريقات المختصرة في بيان ما علمته من حاله في تأصيله العلمي في التلقي والأداء وتشبعه بما لم يعط وقد أسميتها (التجلية والبيان لتعالم الرازحي علي شعطان).
عليٌ هداه الله لم يوفق في طلبه للعلم على الطريقة الصحيحة وذلك لأمور كثيرة، من أعظمها أن همّه الأكبر فيما يتضح ويظهر المسابقة والمنافسة والتطلع للمكان الذي ترمقه فيه الأعين ويتجلى ذلك فيما يأتي:
جاء إلى دار الحديث بدماج وبقي فيها فترة، وكان يوجد في تلك الأيام بعض الليبين يُعلِّمون مصطلح الحديث، وكانت تحضر لهم جموع كثيرة لما يُرى عندهم من الفائدة فحضر عليٌ عند أحدهم آنذاك في البيقونية، ثم مختصر علوم الحديث، ثم حاول صعود المكتبة للبحث والتنقيب زعم.
فكان إذا رآه أبوحذيفة المصراتي غضب عليه ونصحه بالإقبال على طلب العلم وتحصيله، فكان يرتقب غيابه عن المكتبة ويدخلها، ودرس عنده ضوابط الجرح والتعديل ولعله زاد غيرها أو اكتفى بذلك ثم فرغ وقته للمكتبة، وإذا به فجأة يفتح درسا وهكذا، وغالب الفوائد كانت لأبي حذيفة لأنه بالحقيقة ( أعني المصراتي)كان مدققا في الفن مجيدا فيه.
فربما وجد عليٌ في حلقته بعض الطلاب أذكياء فيناقشونه وربما صححوا له بعض المسائل فيؤدي إلى الخلاف بينهم، وربما إلى ترك حلقته، واستمر على هذا الحال فترة، حتى ذات مرة درّس كتاب ضوابط الجرح والتعديل وكان ينقل الفوائد برمتها من ملزمة جيدة وكبيرة الحجم لأبي حذيفة، وكانت غير منتشرة في دار الحديث بدماج، وكانت موجودة عند أفراد هو أحدهم، فذات مرة أملى فائدة للطلاب وعزاها إلى كتاب، فجاءه طالب إلى المكتبة، فقال أريد الكتاب فدُلني عليه، فجعل عليٌ ينظر يمينا وشمالا في مظانه فلم يدرِ أين مكانه، فسأله الطالب عن المؤلف فلم يحر جوابا.
وكان بعض الطلاب البادئين يفرحون بتلك الفوائد فوقف أحدهم بعد زمن على تلك الملزمة فتعجب وجاء يخبرني بذلك.
فما هي إلا أيام فإذا به قد تصدر للتأليف وكان كثير من أهل بلده يبغضونه بسبب ذلك.
وخرجت له رسائل كثيرة فيها ما قد علمتم.
فربما احتال على بعض الإخوة وجعلهم يبحثون له مسائل وأحاديث، وهذا حصل منه كثيرا، فكان ينظر لبعض من درس عنده وقد استفاد فيأتيه ويقول له أنت تبحث في موضوع كذا فلو تعرفت على الكتب في فن كذا ولن تستطع التعرف عليها إلا بالبحث فخذ هذه المسألة أو هذه الأحاديث فابحثها واعرضها عليّ فيفعل الطالب ويعطيه وهو يلخصها في موضوعه.
وأذكر أنه مرة قال لي: حديث كفارة المجلس يحتاج إلى جمع الطرق وتحقيقها برسالة وأنت لذلك أهل، فلو فعلتَ ذلك، فقمتُ بذلك البحث فحاول أن اعطيه بطرق كثيرة حتى عجز ولم يره.
وأحيانا يأتيه طالب مثلا يستشيره في موضوع أو يعلم هو بذلك فيقول له عندي بحث في هذا أعطني أراجعه لك فربما غاب عن المكتبة اليوم واليومين أو يُرى في صعدة فإذا به قد لخصه أو صوّرة والله المستعان.
وحصل هذا لإخوة كثير، منهم أبو أشرف الحجي، كان له بحث جيد واسع ولعلي الرازحي بحث في فصل من فصوله فحاول علي على الأخ أن يترك الكتاب بحجة أن علياً كتب فيه، مع أن الأخ قد انتهى من عمله قبل علي، فلما عجز أحرجه وأخذ الكتاب فجاءني الأخ حزينا فعاتبته على ذلك.
وقد حاول معي كثيرا أن اعطيه التحقيق والتعليق على الدر النضيد للإمام الشوكاني فضحكت منه وأشعرته أني فاهم مقصوده.
فحرص عليٌ أن لا أخرجه، وشكاني إلى كثير من الباحثين لماذا أصررت على إخراجه وهو قد حققه، فبينوا له أن عمله جزء من عملي وأن عملي في الكتاب أوسع فما قبل وقال لي قد قابلت الكتاب ودفعته للدار لطباعته.
وتبين لي أنه كاذب في ذلك بدليل خروج كتابي بعد ذلك بعام وقد نفدت الطبعة قبل ثمانية أشهر وكتابه إلى الآن لم يخرج.
ولما كان هذا سيره في الطلب كان يحضر له عدد من الطلاب فأخذته الأنفة عن تعلم الفنون الأخرى كالنحو والفقه والعقيدة والأصول وغيرها.
فمرت الأيام وعرف ضعفه في ذلك، فنُصح بالإقبال على الفنون لأنه لا يليق بمن كانت هذه مرتبته في نظر الناس أن يكون مستواه كذلك، فنصحه كثير من إخواننا بدراسة الفنون فنًا فنًا، ولكن فات في نظره زمن التلقي فعمد يسمع أشرطة في الفنون ويعلمها الناس ويطالع في شروح ما يدرسه ففتح درسا في التحفة السنية ثم في متممة الآجرومية ثم قطر الندى وكان عدد الطلاب قليل جدا بالنسبه لمن يحضر له في المصطلح، ففي القطر كانوا مجموعة يزيدون على خمسة عشر ثم نقص عددهم حتى كانوا ثلاثة، ثم تناقصوا لعدم وجود الفائدة حتى ما بقي إلا واحد من تعز كان صديقا له، فقال: هذا الأخ والله أني بقيت على إحراج فما استطعت أن أترك الدرس بسبب ذلك.
وذات مرة فتح مراجعة لا أذكر الآن في القطر أم في المتممة، فكانت تكثر عليه الإشكالات والطلاب يقلِّون فيسر الله له بسفر إلى الحبشة فيما يغلب على ظني ففرح بذلك وترك الدرس ولما رجع لم يواصله، اللهم لا شماتة.
وعدل إلى التدريس في أصول الفقه فدرّس منظومة العمريطي والأصول من علم الأصول، وكان الإخوة يعجبون منه، يدرس المتن ثم يدرس شرح أو ثلاثة لذلك المتن ودرس شرح الأصول من علم الأصول للعثيمين وتعلمون جميعا أنه لا يحتاج الشرح إلى شرح لمن هذا مستواهم.
ونُصح بالدراسة في الفقه والمطالعة فيه لأنه هزيل جدا في أسهل المسائل، فعمد للدراري المضية للإمام الشوكاني فجعل يشرحها ويحققها بزعمه.
فأخذ تحقيق حسن بن نور وتحقيق آخر واعتمدهما، فمر أخ من خلفه فجعل ينظر متعجبا من صنيعه ثم قال لي: الرجل يلخص تحقيق الإخوة، قلت: كيف ذاك قال ينظر الحواشي ويكتب والكتب التي بين يديه غير الموضوع الذي يكتب فيه إلا شيئا يسيرا ولم يظهر من حاله كحال المحقق بنفسه من تقليب الكتب وأخذ هذا ووضع ذاك.
فبلغه أن أخاً حضرميا شرحها شرحا مختصر فطلب منه أن يعطيه شرحه لينظر فيه فأعطاه الأخ وهكذا حال علي في طلبه للعلم وتعليمه وتأليفه الكتب والله المستعان ونعوذ به من الخذلان[1].
وعدد من الكتب التي أخرجها مسروقة من كتب غيره من ذلك كتابه في حكم العمل بالحديث الضعيف وهكذا كتاب في علوم القرآن أو نحوه
وكان يضيق ممن يعرف حاله ومستواه الحقيقي وأوضح له ذلك نصحا، مثال ذلك: جاءني مرة وقال يا أخي والله أنك إذا دخلت المكتبة يتكدر بالي ويضيق صدري وتضيع المعلومة من بين يدي، وإذا أتيتُ المكتبة وأنت فيها تكدر خاطري.
وهذه الطريقة التي ذكرتها عنه يعلمها جميع الباحثين في دار الحديث بدماج، ولو سألتم ياسين العدني وناصر الزيدي وغيرهم من أصحاب عبدالرحمن العدني الذين كانوا في دماج لقالوا ذلك وزيادة، فقد كان مسخرة عندهم في المكتبة إلا أن يحابوه الآن .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه أبومحمد عبدالكريم بن غالب الحسني
كان الفراغ منه بعون الله وتوفيقه الساعة العاشرة من ليلة الاثنين 23ربيع أول لعام/1434هـ
مسجد الألباني – دارالسلام - تنزانيا
[1] وقد كتب إخوة فيه وذكروا جملة من الكتب التي لخصها وزاد وأنقص فيها.
تعليق