الكهنة والمشعوذون يغزون الإعلام
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع نهجهم إلى يوم الدين
أما بعد:
فيقول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]
ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71]
وروى الإمام مسلم عن أبي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» .
فهذه أدلة تأمر بإنكار المنكر، وتحث عليه، وأن هذا من أعظم الأمور، وأرفعها درجة عند الله، وأن هذا من أسباب صلاح الأمور وتقويمها
وقد لفت نظري ما كثر في الآونة الأخيرة وتنشره بعض الصحف والجرائد والمجلات والمواقع الإخبارية الاكترونية التي لا هم لها إلا نشر الفوضى والفتن والضلال، لفت نظري نشر أقوال المشعوذين والسحرة، وما يتوقعونه من أحداث في الأمة العربية والإسلامية وغيرها، وهم يسمونها توقعات فلكي دولة كذا وكذا!!!، فقد نشروا شعوذات وتكهنات فلكي "مشعوذ" اليمن وفلكي لبنان وسوريا ووووو، وهؤلاء الناشرون لاهم لهم سوى نشر الأخبار الكاذبة وهؤلاء الفلكيون المقصودون هم عبارة عن سحرة ومشعوذين وكهنة.
وأقول: إن هذا من الأمور المنكرة الخبيثة التي تشيع الكهانة والسحر وتعلق قلوب الناس بمثل هؤلاء الفجرة، ويترقب الناس لأخبارهم وحديثهم، وكل ما ينشر لهم بين الحين والآخر، وطريقة فعل هؤلاء الكهنة
كما قال تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [البقرة: 102]
وروى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: إِنَّ نَبِيَّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَضَى الله الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ - وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا، وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ "
فهذه هي طريقة هؤلاء العرافين والسحر المشعوذين كما في هذا الحديث، وتتبع هؤلاء وأخبارهم خطر عظيم، فكيف بمن يصدقهم، وينشر أخبارهم وأقوالهم على أنه سيكون ويكون.
قال الإمام البغوي في شرح السنة(12/182): (والعراف: هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق من الذي سرقها، ومعرفة مكان الضالة، وتتهم المرأة بالزنى، فيقول: من صاحبها؟ ونحو ذلك من الأمور. ومنهم من يسمي المنجم كاهنا).اهــ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"(35/173):(والعراف: اسْم للكاهن والمنجم والرمال وَنَحْوهم مِمَّن يتَكَلَّم فِي تقدمة الْمعرفَة بِهَذِهِ الطّرق) اهــ
روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»
وروى الإمام الترمذي وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فصدقه بما يقول، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»
قال العلامة العثيمين في القول المفيد (1/533) :
قوله: " فسأله; عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما " ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوما، ولكنه ليس على إطلاقه; فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا; فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى عرافا "؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه; إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله; فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى:{ قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ الله }
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله; فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد; فقال: " ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ. فقال: اخسأ; فلن تعدو قدرك "فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له; لأجل أن يختبره، فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور يتبين بها كذبه وعجزه، وهذا مطلوب، وقد يكون واجبا. وإبطال قول الكهنة لا شك أنه أمر مطلوب، وقد يكود واجبا، فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى.
وقد ذكر شيخ الإسلام أن الجن يخدمون الإنس في أمور، والكهان يستخدمون الجن ليأتوهم بخبر السماء، فيضيفون إليه من الكذب ما يضيفون، وخدمة الجن للإنس ليست محرمة على كل حال، بل هي على حسب الحال.
فالجني يخدم الإنس في أمور لمصلحة الإنس وقد يكون للجن فيها مصلحة، وقد لا يكون له فيها مصلحة، بل لأنه يحبه في الله ولله، ولا شك أن من الجن مؤمنين يحبون المؤمنين من الإنس; لأنه يجمعهم الإيمان بالله.
وقد يخدمونهم لطاعة الإنس لهم فيما لا يرضي الله عز وجل إما في الذبح لهم، أو في عبادتهم، أو ما أشبه ذلك.
والأغرب من ذلك أنهم ربما يخدمون الإنس لأمر محرم من زنا أو لواط; لأن الجنية قد تستمتع بالإنسي بالعشق والتلذذ بالاتصال به، أو بالعكس، وهذا أمر معلوم مشهود، حتى ربما كان الجني الذي في الإنسان ينطق بذلك، كما يعلم من الذين يقرؤون على المصابين بالجن.اهـــ
وقال صاحب فتح المجيد (482): ( والمقصود من هذا: معرفة أن من يدعي معرفة علم الشيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به. وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف. ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة والسحر، ونحو هذا من علوم الجاهلية، ونعني بالجاهلية كل من ليس من أتباع الرسل -عليهم السلام-، كالفلاسفة والكهان والمنجمين، وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلي الله عليه وسلم؛ فإن هذه علوم لقوم ليس لهم علم بما جاءت به الرسل صلي الله عليه وسلم، وكل هذه الأمور يسمى صاحبها كاهنا أو عرافا أو في معناهما، فمن أتاهم فصدقهم يما يقولون لحقه الوعيد. وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وادعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة)اهـ
فمما سبق دل على خط هذا الأمر الذي تتداوله المواقع الإخبارية والصحف والجرائد، فإن هذا خطره عظيم على فاعله وعلى من صدقه واقتنع به، وكان في هذا أثم أكبر على من نشره قال تعالى: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]
وروى الشيخان عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، رضي الله عنه قَالَ قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»
فنسأل الله أن يكفي المسلمين شر هؤلاء الفجرة الخبثاء ومن يتعاون معهم وينشر باطلهم