السَّيْلُ الجرَّار
عَلَى مَن سَعَى لِنَسْفِ جُهُود طُلَّاب العِلْم الأخْيَارِ
تَحتَ غِطَاءِ
((لا يَجُوزُ لِطُلَّاب العِلم الرد على العُلُماء الكبار))
بسم الله الرحمن الرحيم
إِن الْحَمد لله نحمده، ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:01] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فلما كان سبيل إنكار الحجة و السعي في إفسدها أسهل عند أهل الباطل من سبيل المعارضة والرد بمثلها ؛ ألزم الله –عزَّ وجلَّ- كل مشكك في هذا القرآن وجاحد له يأتي بمثله ، فلا سبيل لهم ولا لغيرهم إلى ذلك إلا السعي في إفساده- وأنَّى لهم ذلك- بضربٍ من الشُّبه المزخرفة ؛ قال سبحانه : {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:23].
و قال سبحانه أيضاً :{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [ هود:13 ].
وقال تعالى : {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص:49-50].
و قال الله سبحانه مخبراً عن إبراهيم-صلَّى الله عليه وسلَّم- حين ناظره مدَّعي الربوبية:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}[البقرة:258] .(([1]
وعلى هذا النحو سعى كثير من أهل الباطل في هذا الزمان-الذي قلَّ في النَّاصحون وكثر فيه الغاشُّون- إلى هدم جهود طلاب العلم في ردهم على مسالك المبطلين،و تحقيرهم والتقليل من شأنهم ، و ذلك بوضع بعض القواعد التي ظاهرها الرحمة و باطنها من قبلها العذاب.
فمن تلك اللهجات التمييعية المبهرجة التي ملؤوا بها الدنيا صراخاً قولهم بأنه ((لا يجوز لطالب العلم أن يرد على العالم!!!)) على اختلاف لفظي بينهم في تقرير هذه القاعدة التمييعية ،و العبرة عند المحققين-كا هو معلوم- بالمعاني لا بالأسماء والمباني فتدبَّر.
قال الشيخ المجاهد سعيد بن دعاس-رحمه الله- : ((و تختلف مشارب هذه الأصناف وتختلف عباراتهم في تقرير هذه المسائل فمنهم من يقول(الإنسان يبقى مع شيخه لا يخالف شيخه) ومنهم من يقول(هذه المسائل تترك للعلماء)..
و منهم من يقول(لا يصلح الخوض في الفتن)إلى غير ذلك من العبارات))"شرح القواعد الجامعة" للعلامة السعدي(الدرس/12).
و لا ضَيْرَ –إن شاء الله- على طلاب العلم المحققين الورعين من إرجافات هؤلاء المخذولين المثبطين ، ولهم أسوة بمن مضى من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- و من بعدهم من أهل العلم والهدى.
وما أحسن ما قيل:
قدمت لله ما قدمت من عمل ... وما عليك بهم ذموك أو شكروا
عليك في البحث أن تبدي غوامضه ... وما عليك إذا لم تفهم البقر!!.
أما هؤلاء المرجفون المميعون فلهم أسوة-بناء على هذه الأفكار الخبيثة- بأهل الجاهلية-عياذاً بالله- في رد الحق ووَسْمِ أهله بقلَّة الفهمِ و عدم الحذقِ، والإستدلال بالمتقدم سنًا وشرفًا ، أو بمن أعطي فَضْلَ فَهمٍ و ملكٍ وجاهٍ من غير نظرٍ في الحججِ والبراهين.
يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب النجدي-رحمه الله- في المسألة السابعة من كتابه "مسائل الجاهلية" : ((الاستدلال بقوم أعطوا قوى في الأفهام والأعمال، وفي الملك والمال والجاه، فرد الله ذلك بقوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف:26] ، وقوله:{َكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}[البقرة: 89] ، وقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146].)).
قال العلامة صالح الفوزان-حفظه الله- عقب هذا الكلام: (أنهم يستدلون أنَّ ما كان عليه الأقوياء من الناس وأصحاب الجاه وأصحاب الذكاء، أنه هو الحق. فهذا هو الضابط عندهم لمعرفة الحق؛ أنهم ينظرون في الناس، فما كان عليه أهل القوة والمال والترف والجاه اعتبروه هو الحق، وما كان عليه الضعفاء والفقراء يعتبرونه باطلاً. هذه حالة أهل الجاهلية. وهذا الضابط باطل...[ثم ساق –حفظه الله- من أخبار الأمم السابقة الكافرة أنها كانت على قوة، وأنها كانت على ثروة، في آيات كثيرة، وأنهم أهل جاه، وعندهم ذكاء وأفهام، لكن ما نفعهم ذلك، بل كانوا على الباطل] ثم قال : ... أما أهل البصيرة فإنهم ينظرون إلى ما عليه الأمم، فإن كان حقاً قبلوه وإن كانوا فقراء. وإن كان باطلاً ردُّوه وإن كانوا أغنياء.))"شرح مسائل الجاهلية"(ص/66-71).
و كفى بوضوح هذا الدليل على بطلان هذا الفكر الدخيل على منهج السلف الكرام-رضوان الله عليهم-.
ألا و إن من أبرز روَّاد و مروِّجي هذه الفكرة الخلفية في هذا العصر (أصحاب سياسة التعاون والمعذرة)!!![2] وأعني بذلك كلاّ من أبي الحسن المأربي-عامله الله بعدله- حيث قال في "السراج الوهاج"(ص/81-الفقرة201) : ((فلا يشنع على أهل الحق في ذلك ، لكن يجب أن يكون التجريح من أهل العلم والحلم ، والتجرد لرب العالمين ، لا لكل من هبَّ ودبَّ...))اهـ
فتعقبه العلامة ربيع المدخلي بقوله: ((ثم إذا كان طلاب العلم من أهل السنة قد تلقوا النقد الصحيح من العلماء الناصحين ، فحذروا من أهل البدع ؛ فلا ضير عليهم.))اهـ."مجموع الكتب و الرسائل و الفتاوى"(13/274). و له -أبو الحسن- من الشطحات في هذا كثير، من نبز طلاب العلم من أهل السنة بالألقاب القبيحة والطعونة الشديدة المبثوثة في مقالاته وكلماته ، فتارة يلقبهم بالأقزام؟!! ، وتارة بأنهم قواط صلصة؟!! وتارة...و تارة.. والله المستعان.
و منهم الحلبي -أيضاً-في كتابه المسمى-كذباً وزوراً- "منهج السلف" حيث نزَل على طلاب العلم بالسِّباب و الشتائم و نعتهم بأقبح الأوصاف بل و شبههم بأقبح البهائهم فتارة يقول بأنهم "مصاصو دماء"؟!! و تارة يشبهم بالذباب؟!! و الخنزير؟!! و غير ذلك و ما ذنبهم عنده إلا أنهم ردوا على أهل الأهواء والبدع الذين ما زال-إلى اليوم- ينافح عنهم بكل ما أوتي من قوة وكتابه هذا أعظم شاهد على ذلك .
و القصد من وارء هذا كله أن يخرس ألسنة طلاب العلم المتبصرين بحبائله وفتنته وانحرافاته ولا حول ولاقوة إلا بالله العظيم.
و من الذين يحقرون جهود طلاب العلم-أيضاً- الضال المنحرف مشهور حسن آل سلمان، حيث قال عن أخينا الفاضل أبي عبد الرحمن بن حسن الكردي -حفظه الله- الذي رد عليه في "صعقة المنصور" (ص/05) ؛ قال مشهور: ((أريت في الدنيا أن تضرب بعوضة؟!! بصاروخ!!)).
و قال أيضا المنحرف الضال مشهور: ((إن صاحب الكتاب-صعقة المنصور- أخذ كتابه إلى ما يقارب ثلاثين شيخاً ، كلهم طردوه ، ولم يقبلوا أن يقدموا له ، وأمَّا النجمي فيقدم لكل واحد، تحمس فقدم له، كما قدَّم سابقاً لطفل آخر !!لما ردَّ على العبَّاد))اهـ.
ومن هؤلاء العصابة-أيضاً-محمد بن عبد الله الريمي الملقب بالإمام؟!!! حيث أصل في كتابه" الإبانة"هذا الأصل الخلفي ؛ قال في( ص/194): ((لايقبل جرح المجرح الصغير غالباً في العالم الكبير))اهـ وقبله قال –أصلحه الله- : (( وأما إذا جاء الرد على العالم من قبل طلاب العلم ، فالغالب عليهم أنهم ليسوا أهلاً للرد ، ولهذا تجد في ردودهم تجاوزات ومجازفات وتعديات..)).
و منهم محمد بن عبد الوهاب الوصابي-عليه من الله ما يستحق- حيث قال في شريطه الذي كَـذَّبَ فيه الشيخ يحيى -حفظه الله- : ((وأيضًا لا أنسى أوجه نصيحتي للجميع... فنصيحتي لطلاب العلم أقول لهم أنتم طلاب علم اشتغلوا بالعلم، سواء كنتم في دماج...
اشتغلوا بالعلم يا طلاب العلم ... فنقول مسألة الدعوة ليست على كواهلكم يا طلاب العلم، ويا أيها العامة المحبون للسنة، وإنما هي على كواهل العلماء... ورحمة الله على شيخنا مقبل رحمه الله حين كان يقيم الدعوة ويقيم الدروس.
فإن شاء الله تكون دماج كما كانت من حيث العلم والقراءة والحفظ والفهم والحفظ لا ينشغلون بالزوابع، سواء كان كمال العدني، الطالب كمال أو الطالب العمودي فمن كان، الكل يقال له قف عند حدك، أنت طالب، اعرف قدر نفسك، لست محملًا مسؤلية الدعوة والدعوة ليست على كاهلك.
وقال في "نصائح الأمة" (ص/52) وكان في الديس الشرقية: ((يا أخي هذه المسائل ليست عليك هذه المسائل على العلماء، أما أنت فأنت طالب أو عامي فاعرف قدر نفسك، تفقه في الدين وتعلم، ومن جاء يجرجرك فقل له: اتق الله.))اهـ.
وقال في (ص/16): ((فيا طلبة العلم: الجرح والتعديل من ديننا ليس لكل من هبَّ ودبَّ، إن الجرح والتعديل له رجاله وهم العلماء الأتقياء...))
وقال أيضًا (ص/16-17): ((وأما الفتنة إذا كانت بين عالمين من علماء أهل السنة فلا يخوض فيها إلا علماء أهل السنة، فهم أعلم وأعرف بالمصالح والمفاسد وبمن يستحق أن يعدل أو يجرح، أما العامي وطالب العلم فلا يجوز لهم الخوض في مثل هذه الفتن فضلاً عن أن يجرحوا أو يعدلوا.
وقال (ص212) في نفس المحاضرة-في مسجد الخير يوم الجمعة /2/11/1429هـ-: (( احفظ لسانك من قولك الشيخ فلان قال في فلان كذا وكذا، هذا راجع إلى العلماء... أما أنت فطالب أو عامي وهذا شيء لا يعنيك.))اهـ.من كتاب"الحقائق المفصلة"(ص/6-7) للأخينا الفاضل أبي عمار ياسر الحديدي-وفقه الله-.
و من هؤلاء العصابة –أيضاً- الملبِّس محمد علي فركوس-أصلحه الله- حيث أطلق عنان قلمه بكلمات نابية -ينبل عنها من يدعي الإنصاف- على الشيخ الفاضل المجاهد سعيد بن دعاس –رحمه الله رحمة الأبرار- كما في رده الهزيل المسمى بـ"تقويم الصراط"؛ فقال في (ص/11): (اعتراض فيه تقول): (ليس في فتوى حكم الاختلاط أدنى تقرير على إباحة الاختلاط مطلقاً, كما ورد في عنوان بعض المعترضين على الفتوى, وإنما هو تعسفٌ في التقوُّل, وضعفٌ في الفهم, وتقاعسٌ عن الاستفسار عن مواضع الشبهة,تحلياً بمنهج السلف, في تحقيق عموم النصيحة الواجبة قبل ركوب نزوات النفس, ومحبة التصدر بالرد, ولا شكَّ أن هذا الأمر يعكس بوضوح, عن نوعية أخلاقيةٍ متدنية!!, دون المستوى المطلوب, تضربُ الأمةَ بضرب رجالها الدعاة إلى الله بسهم الاستئصال والتفرقة, من حيث تشعر أو لا تشعر, لتحصيل شماتة الأعداء, تحت غطاء "درء البلاء"[3]))اهـ.
واحتقاره-أيضاً- لأخينا الفاضل الشيخ أبي حاتم يوسف بن العيد الجزائري-حفظه الله- الذي بين ضلالاته وبوائقه في سلسلة من الردود العلمية المفيدة المجموعة في كتاب اسمه" بيان الدليل على ما في منهج فركوس من التلبيس والفكر الدخيل" و الله المستعان.
فبعد هذا العرض الموجز لما عند هؤلاء القوم-والذي يعتبر قطرة من مطرة وغيضا من فيض-من الإزدراء والتحقير لجهود طلاب العلم في الذب عن المنهج السلفي المبارك ، يتبين لكل ذي لب سليم ومنهج مستقيم أن هذه الهجومات المتتالية والمستمرة على طلاب العلم السلفيين تدل على أن نوايا هؤلاء غير سليمة وقلوبهم مريضة و يصدق فيهم المثل الشعبي(قطع ذَنَبُ الثعلب فقطع أذناب الأخرين!! ) و ما ذَنْبُ طلاب العلم الدعاة إلى الله تعالى عندهم إلا أنهم فضحوهم و بينوا عوارهم و خلطوا عليهم الأوراق و عاد عليهم ما بيَّتُوه في الظلام الحالك بالبوار والمهالك ، و إلا فهي "شنشنة نعرفها من أخزم" و لاداعي أن يهوِّلوا عليهم بما أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (61) وعنه أبو عمرو الداني في " الفتن "(62 / 2) واللالكائي في " شرح أصول السنة " (230 / 1 - كواكب 576) وكذا الطبراني في " الكبير" وصححه الإمام الألباني في"الصحيحة"(برقم695) عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر).
فقد فسر ابن المبارك"الأصاغر" بأنهم أهل البدع كما ذكر ذلك ابن عبد البر في"جامع بيان العلم وفضله" (يرقم1052)؛حيث قال-رحمه الله- :((قَالَ نُعَيْمٌ: قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: مَنِ الْأَصَاغِرُ؟ قَالَ: ((الَّذِينَ يَقُولُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَأَمَّا صَغِيرٌ يَرْوِي عَنْ كَبِيرٍ فَلَيْسَ بِصَغِيرٍ)) وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ بِالْأَصَاغِرِ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَا يَذْهَبُ إِلَى السِّنِّ)).اهـ
و لا بما أخرجه عبد الرزاق في المصنف (رقم 2044) و( 20483) ، و البيهقي في "المدخل"(رقم275) ، وابن المبارك في "الزهد"(1/281) و غيرهم من من طريقين عن شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- قال: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَتَاهُمُ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ أَكَابِرِهِمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ مِنْ قِبَلِ أَصَاغِرِهِمْ هَلَكُوا).
قال ابن عبد البر في"جامعه"(1/617-618) عقب إخراجه لهذا الأثر: ((قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي عُبَيْدٍ لِمَعْنَى الْأَصَاغِرِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَأَيْتَ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الصَّغِيرَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الَّذِي يُسْتَفْتَى وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَأَنَّ الْكَبِيرَ هُوَ الْعَالِمُ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ.
وَقَالُوا: الْجَاهِلُ صَغِيرٌ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ حَدَثًا،
وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ:[الطويل]
تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا ... وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ ... صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ.
و قال أيضاً-رحمه الله-عقب أثر زيد بن أسلم في تفسيره لقوله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] قَالَ: (( بِالْعِلْمِ يَرْفَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يَشَاءُ فِي الدُّنْيَا))، فقال رحمه الله- : (( وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ "الْأَصَاغِرَ" مَا لَا عِلْمَ عِنْدَهُ))
ثم ساق مَا رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مَجْلِسُ عُمَرَ مُغْتَصًّا مِنَ الْقُرَّاءِ شَبَابًا وَكُهُولًا فَرُبَّمَا اسْتَشَارَهُمْ وَيَقُولُ: ((لَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ حَدَاثَةُ سِنِّهِ أَنْ يُشِيرَ بِرَأْيِهِ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ عَلَى حَدَاثَةِ السِّنِّ وَقِدَمِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ)).
فلا ضير-إن شاء الله- على طلاب العلم ، و ما أصَّله هؤلاء الحزبيون من أن طالب العلم لا يجوز له أن يرد على العالم إذا أخطئ و لا أن يتكلم بما يعلم مع مراعاة الضوابط الشرعية و القواعد السلفية والتحلي بالآداب الجلية، فإنه أصل باطل مردود محجوج بما سبق ذكره وبما سيأتي بيانه .
يقول الله سبحانه: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104].
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : ((وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ فرْقَة مِنَ الأمَّة مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ([4])قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ)). وَفِي رِوَايَةٍ:(وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)([5]).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ)).
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ([6]) وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَعَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي أَمَاكِنِهَا.))اهـ
و في الصحيحين عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه- قال:(بايعنارسول الله-صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.)).
و عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : ((ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه)) [أخرجه الترمذي (2 / 30) وابن ماجه (4007) و صححه الإمام الألباني في"الصحيحة" (رقم168)].
و بناء على هذه الأدلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- :(وَلِهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الرَّأْيِ وَالْفُتْيَا وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُخْطِئُ الْمُجْتَهِدُ مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ. فَبَيَانُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاجِبٌ؛ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ.)اهـ."مجموع الفتاوى" (28/233).
وقال الإمام المحقق ابن القيم – رحمه الله -: ( وها هنا أصل يجب اعتماده ، وهو أن الله سبحانه عصم هذه الأمة ، أن تجتمع على ضلالة ولم يعصم آحادها من الخطأ لا صديقا ولا غيره لكن إذا وقع في بعضها خطأ فلا بد أن يقيم الله فيها من يكون على الصواب ؛ لأن هذه الأمة شهداء الله في الأرض ، وهم شهداء على الناس يوم القيامة ، وهم خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ؛ فلابد أن تأمر بكل معروف وتنهى عن كل منكر ؛ فإذا كان فيها من يأمر بمنكر متأولاً فلابد أن يقيم الله فيها من يأمر بذلك المعروف.)اهـ"كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء (ص/210)".
و من الحجج الداحضة و البراهين الدامغة على أن التفاوت في السنّ أو العلم و التقدم في الزمن ليس هو ميزان التمييز بين الحق والباطل ، بل أمر محدث لم يكن معروفاً عند الصحابة-رضوان الله عليهم- و من تبعهم بإحسان بل هو مما قرره أهل الأهواء والشبهات لإقصاء رد الصغير على الكبير ، و نسف جهود طلاب العلم و الدعاة إلى الله الذين جرَّدوا أقلامهم للذب عن الحق وأهله ، وكشف الباطل وجزبه.
و كما قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: ((ولولا أن حق الحق أوجب من حق الخلق لكان في الإمساك فُسْحَةٌ ومُتَّسَعٌ.))اهـ." مدارج السالكين ( 2/ 44)".
الدليل الأول:
قال الله تعالى مخبراً عن الهدهد الموحِّد و كيف صال بحجته على سليمان-عليه السلام- بما علمه و خفي على نبي الله سليمان و جنوده فقال: {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل:22].
قال البقاعي-رحمه الله- : ((وفي هذه المكافحة التنبيه على أن أضعف الخلق قد يؤتي ما لا يصل إليه أقواهم([7]) لتتحاقر إلى العلماء علومهم ويردوا العلم في كل شيء إلى الله ))اهـ . "نظم الدرر" (14/150).
و قال القرطبي –رحمه الله-: ((وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يَقُولُ لِلْكَبِيرِ وَالْمُتَعَلِّمَ لِلْعَالِمِ عِنْدِي مَا لَيْسَ عِنْدَكَ إِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَهُ.))اهـ."الجامع لأحكام القرآن" له.
قلت : فكم بين الهدهد وبين نبي الله سليمان-عليه السلام-؟ و هو يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}، فليس العالم الذي بَيَّن خطأه هذا الطَّالب بأعَلَمَ من نبيّ الله سليمان ،ولا المعترض عليه(طالب العلم) بأجهل من الهدهد!!.وفي هذا يذكر الإمام ابن القيم –رحمه الله – حكاية مشهورة ، وهي((أن بعض أهل الْعلم سُئِلَ عَن مسألة فَقَالَ : لَا اعلمها، فَقَالَ أحدُ تلامذته: أنا أعْلَم هَذِه الْمَسْأَلَة ، فَغَضب الأستاذ وهمَّ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ: أيها الأستاد لست أعْلَم من سُلَيْمَان بن دَاوُد وَلَو بلغت فِي الْعلم مَا بلغت ، وَلستُ أنا أجهل من الهدهد وَقد قَالَ لِسُلَيْمَان: { أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} فَلم يعتب عَلَيْهِ وَلم يعنفه))اهـ."مفتاح دار السعادة"(1/173)
و لا يفهم من هذا أن طالب العلم يكون أفضل من العالم مطلقاً إذا رد عليه و بيَّن وجه خطئه في بعض المسائل ؛ إنما غاية ما في الأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- : ((ليس من شرط الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يُنَبِّهَهُ الْمَفْضُولُ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ))اهـ."منهاج السنة"(6/77).
و عملاً-أيضاً- بما قرره أهل العلم من أن((الحق لا يعلق بالرجال ؛(ولكن)اعرف الحق تعرف أهله)).
الدليل الثاني:
وجاء في "صحيح البخاري " برقم(4970)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: ((مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ)).
قال ريحانة الأندلس وعالمها ابن عبد البر –رحمه الله-: ((وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُسْتَفْتَى وَهُوَ صَغِيرٌ، وَأَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَعَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ كَانَا يُفْتِيَانِ وَهُمَا صَغِيرَا السِّنِّ، وَوَلَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِلَايَاتِ مَعَ صِغَرِ أَسْنَانِهِمَا، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ.))اهـ."جامع بيان العلم وفضله"(1/618).
الدليل الرابع:
و قال رحمه الله -أيضاً- بعد ذكر قصة ابن عباس مع أبي سلمة ابن عبد الرحمن في اخْتَلَافَهِماَ فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ؛ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ:(( إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، فَقَدْ حَلَّتْ))، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ: ((أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ)) فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: ولدت سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ)).
قال ابن عبد البر: ((فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَتَنَاظَرُونَ وَلَمْ يَزَلْ مِنْهُمُ الْكَبِيرُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُونَ الصَّغِيرَ إِذَا عَلِمَ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا عَلِمَ وَرُبَّ صَغِيرٍ فِي السِّنِّ كَبِيرٌ فِي عِلْمِهِ وَاللَّهُ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ.))اهـ. "التمهيد" (23/151).
الدليل الخامس:
و في"صحيح البخاري" (برقم4538) أيضًا أن عمراً –رضي الله عنه- قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ:{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}[البقرة: 266] ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: «قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ» ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: «يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: «أَيُّ عَمَلٍ؟» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: «لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ».
قال الحافظ-رحمه الله-: (وَفِي الحَدِيث قُوَّة فهم ابن عَبَّاسٍ وَقُرْبِ مَنْزِلَتِهِ مِنْ عُمَرَ وَتَقْدِيمُهُ لَهُ مِع صِغَرِهِ وَتَحْرِيضُ الْعَالِمِ تِلْمِيذَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ إِذَا عَرَفَ فِيهِ الْأَهْلِيَّةَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْشِيطِهِ وَبَسْطِ نَفسه وترغيبه فِي الْعلم.)اهـ. "الفتح "(8/202).
الدليل السادس :
و في صحيح البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: ((...كَانَ القُرَّاءُ أصْحابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولاً كانُوا أوْ شَبَاباً وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتابِ الله عَزَّ وجَلَّ.))اهـ.
قال العيني-رحمه الله- : ( (وَكَانَ الْقُرَّاء أَي الْعلمَاء)، وَكَانَ اصْطِلَاح الصَّدْر الأول أَنهم كَانُوا يطلقون الْقُرَّاء على الْعلمَاء. قَوْله: (كهولاً كَانُوا أَو شبَابًا) يَعْنِي: كَانَ يعْتَبر الْعلم لَا السن والشباب.)اهـ. "عمدة القاري" (25/80).
قلت: بل و ربما من الصحابة من أنكر صغيرهم على كبيرهم إذا علم مخالفته للدليل.
ففي الصحيحين عَن عبيد بن عُمَيْر: أَن أَبَا مُوسَى اسْتَأْذن على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثَلَاثًا، فَكَأَنَّهُ وجده مَشْغُولًا فَرجع، فَقَالَ عمر: ألم تسمع صَوت عبد الله بن قيس؟ أيذنوا لَهُ، فدعي فَقَالَ: مَا حملك على مَا صنعت؟ قَالَ: إِنَّا كُنَّا نؤمر بِهَذَا، قَالَ: لتقيمن على هَذَا بَيِّنَة أَو لَأَفْعَلَنَّ. فَخرج فَانْطَلق إِلَى مجْلِس من الْأَنْصَار، فَقَالُوا: لَا يشْهد لَك على هَذَا إلاَّ أصغرنا. فَقَامَ أَبُو سعيد، فَقَالَ: كُنَّا نؤمر بِهَذَا. فَقَالَ عمر: أُخْفِي عَليّ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ألهاني عَنهُ الصفق بالأسواق).
فقبول قول طالب العلم المؤهل و الأخذ عنه و الرجوع إلى قوله إذا أقام الأدلة والبراهين عليه هو المعتبر عند سلفنا الصالح-رضوان الله عليهم- ، وليست العبرة بالسن!! والتقدم في الزمن!!.و لكن العبرة عندهم إقامة حجة الله على الخلق .
قال الإمام أبو محمد بن تميم الحنبلي – رحمه الله – وهو يصف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله -: ( وكان يأمر بإظهار العلم . وقال في الحبس ، وهو مهدد بالضرب والقتل : إذا سكت الجاهل لجهله ، وأمسك العالم تَقيَّة ، فمتى تقوم لله حُجَّة ؟ )اهـ.
(عقيدة الإمام أحمد بن حنبل لأبي محمد بن تميم الحنبلي – الملحق بـ"طبقات الحنابلة"(2/279) لابن أبي يعلى-) .
كلام أهل العلم و الفضل في قبول الحق من كل من قام به صغيراً كان أو كبيراً وترغيبهم في الذب عن حياض الدين :
قال ابن رجب –رحمه الله- : ((وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق صغيراً كان أو كبيراً وينقادون لقوله.))اهـ "الحِكَم الجديرة بالإذاعة" (ص/126).
و قال رحمه الله-أيضاً- و هو يحكي طريقة السلف-رحمهم الله تعالى- : ((وقد بالغ الأئمة الوَرِعون في إنكار مقالات ضعيفة لبعض العلماء وردِّها أبلغ الردِّ كما كان الإمام أحمد ينكر على أبي ثور وغيره مقالات ضعيفة تفردوا بها ويبالغ في ردها عليهم هذا كله حكم الظاهر.
وأما في باطن الأمر: فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبيين الحق ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته فلا ريب أنه مثاب على قصده ودخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم.
وسواء كان الذي بين الخطأ صغيراً أو كبيراً فله أسوة بمن رد من العلماء مقالات ابن عباس التي يشذ بها وأُنكرت عليه من العلماء مثل المتعة والصرف والعمرتين وغير ذلك...))اهـ."الفرق بين النصيحة و التعيير-مجموع رسائله (2/406)-".
و قال -أيضاً- : ((فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم.))اهـ.
* * * *
قال الشيخ إسحاق ابن غاثم العلثي-رحمه الله- في نصيحته لابن الجوزي: ((ولو كَانَ لا ينكر من قل علمه عَلَى من كثر علمه إِذَا لتعطل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل حيث قَالَ تَعَالَى:{كانوُا لاَ يَتَنَاهُوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ}.؟[المائدة: 134]، بَل ينكر المفضول عَلَى الفاضل ...))اهـ."ذيل طبقات الحنابلة"لابن رجب(4/206).
* * * *
و قال ابن مفلح-رحمه الله- : ((فصل:في أخذ العلم من أهله وإن كانوا صغاراً))"الآداب الشرعية" (ص/364).
* * * *
و قال العلامة أبو الطيّب صديق بن حسن خان-رحمه الله-: ((قلت : وَأما الشَّيْخ فَقَالَ الرَّاغِب أَصله من طعن فِي السن ثمَّ عبروا بِهِ عَن كل أستاذ كَامِل وَلَو كَانَ شَابًّا لِأَن شَأْن الشَّيْخ أَن تكْثر معارفه وتجاربه وَمن زعم أَن المُرَاد هُنَا من هُوَ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ من نَحْو خمسين إِلَى ثَمَانِينَ فقد أبعد وتكلف وَالْتزم الْمَشْي على القَوْل المزيف لِأَن الصَّحِيح أَن مدَار التحديث على تأهل الْمُحدث.
حدث البُخَارِيّ وَمَا فِي وَجهه شعر([8]) حَتَّى أَنه رد على بعض مشايخه غَلطاً وَقع لَهُ فِي سَنَده وَقد حدث مَالك وَهُوَ ابْن سَبْعَة عشر وَالشَّافِعِيّ وَهُوَ فِي حَدَاثَة السن وَالْحق أَن الْكَرَامَة والفضيلة إِنَّمَا هِيَ بِالْعلمِ وَالْعقل دون الْعُمر وَالْكبر فكم من شيخ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَمْيِيز الطّيب من الْخَبيث([9]) .
(وَعند الشَّيْخ أَجزَاء كبار ... مجلدة وَلَكِن مَا قراها)
وَكم من طِفْل صَغِير يفوق الشَّيْخ الْكَبِير فِي الدِّرَايَة وملكة التَّحْرِير وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء.))اهـ. "الحطَّة في ذكر الصحاح الستة"(ص/253-254).
* * * *
قال الإمام ابن باز -رحمه الله تعالى-: ((ثم طالب العلم بعد ذلك حريص جداً على أن لا يكتم شيئاً مما علم حريص على بيان الحق و الرد على الخصوم لدين الإسلام و لا يتساهل و لا ينزوي فهو بارز في الميدان دائماً حسب طاقته.
ولا يتساهل و لا يقول هذه لها غيري بل يقول أنا لها أنا لها ولو كان هناك أئمة آخرون.
يخشى أن تفُوت المسألة فهو بارز أبداً لا ينزوي بل يبرز في الوقت المناسب لنصرة الحق و الرد على خصوم الإسلام وهو أيضاً لا يكتم ما عنده من العلم بل يكتب و يخطب و يتكلم و يرد على أهل البدع و على غيرهم من خصوم الإسلام..))اهـ."مسؤولية طالب العلم في المجتمع" (ص/13).
* * * *
قال الإمام ابن عثيمين –رحمه الله- :(واجب على طلاب العلم أن يبيِّنُوا هذا المنهج الخبيث ، منهج الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وكفُّوا عن دماء المشركين ، وأن هؤلاء إمَّا جاهلون وإمَّا سفهاء وإمَّا حاقدون؛ فهم جاهلون لأنهم لا يعرفون الشرع لأن الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى ديناً بالعهد هو دين الإسلام و هم سفهاء-أيضاً- لأنه يترتب عن هذه الحادثة ما لا يعلمه إلا الله -عزَّ و جلَّ- فهذه ليست وسيلة إصلاح حتى يقولوا نحن مصلحون، بل هم المفسدون في الواقع، أو حادقدون على هذه البلاد وأهلاها ...))اهـ. "شريط بعنوان "الحادث العجيب في البلد الحبيب" .
و حين سئل رحمه الله أيضا عمن يقول((إذا حَكمتَ حُكمتَ!!وإذا دعوة أجرْتَ ))
فقال : "إذا دعوت أجرت" هذا صحيح لكن ما ذا يريد بإذا حَكمت حُكمت .
السائل: هو ربما يقصد في هذا أنك إذاحكمت على أشخاص فسوف تُحكم هذا ربما قصده من هذا الكلام.
الشيخ: إذا كان يريد أن يخوفكم من الرد على أهل البدع فلا يهمنَّكم.)).
* * * *
و قال الإمام مقبل الوادعي-رحمه الله تعالى- : ((و الذي أنصح به طلاب العلم أن لا يصغوا إلى كلام أولئك المفتونين الزائغين و أن يقبلوا على تعلم الكتاب و السنَّة و أن يبيِّنوا لنَّاس أحوال أولئك الزائغين و يحذروهم منهم و من كتبهم ومجلاتهم وندواتهم.))اهـ."ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر" (ص/03).
و قال –رحمه الله- في "إجابة السائل" (ص396): ((اكتبوا يا طلبة العلم، وبينوا ضرر هذه القوانين وأنها غزت بلاد المسلمين.))اهـ
وقال أيضًا (ص397): (( وأنا أناشد طلبة العلم أن يبينوا المفاسد الموجودة في المجتمع، فإن استطاعوا أن يبينوها بأنفسهم، ويبرزوا أنفسهم على صفحات الكتاب حتى ولو هرب إلى أمريكا، وإن كان يمكن أن يلحقوه، ويغتالوه، فأنت شهيد يا أخي:(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).
وقال أيضًا: (( ... العاطل عن العمل هو الذي لا يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بعمل، أما طالب العلم فهو بحمد الله في خدمة الدين والإسلام.)) اهـ."قمع المعاند" (ص/590).
* * * *
وسئل العلامة زيد المدخلي –حفظه الله ورعاه- : هل لطلبة العلم بيان حال المنحرفين إذا اقتضى الحال البيان أم هو مختص بالعلماء؟.
فأجاب: ((من عرف الحق وجب عليه بيانه عند اقتضاء الحال لذلك و عند لزوم الأمر وعند التقيد بمنهج الدعوة الصحيح، و من عرف الباطل كذلك وجب بيانه ولكن بالضوابط الشرعية وبآداب الدعوة السلفية))اهـ."العقد المنضد الجديد في الإجابة عن مسائل الفقه والمناهج والتوحيد" (1/154).
و قد سئل العلامة ربيع ابن هادي المدخلي –حفظه الله- : الجرح و التعديل في الأشخاص هل هو خاص بالعلماء فقط أو حتى الشباب عندهم معرفة و ماذا يشترط في المعرفة؟.
فأجاب : الجرح والتعديل، لابد فيه من صحة العقيدة كما أشار إلى ذلك الخطيب البغدادي ، و لابد فيه من العلم بأسباب الجرح ، لابد أن يعلم ، ولابد فيه من التقوى و الورع.
فإذا كان هذا الذي ينتقد عنده علم بالجرح والتعديل ، وعنده ورع وتقوى ؛ فله أن يجرح.))اهـ. "مجموع الكتب والرسائل و الفتاوى" (14/262-263).
و سئل حفظه الله ورعاه –أيضاً- :إن كان المخالف للمنهج السلفي كبيراً في السنّ وله سبق علم ، و المنتقد له أصغرمنه سناً ولكن تبيَّنت له الحجَّة و قال بها ، هل عليه ملامة؟.
فأجاب-حفظه الله- : ((نعم ينصح هذا الكبير بأدبٍ، وإن كان يدعو إلى الضلال يحذر منه، يعني الأخذ والدعوة إلى الحق و إنقاد الخلق من الباطل والضلال ، الحق أكبر من هذا الإنسان، وعُمُر الحق هذا منذ خلق آدم إلى اليوم و عمر الحق هذا آلاف السنين ، فكم عمر هذا الانسان الذي يضيع الحق أو يمنمعه من الأخذ منه.))اهـ."مجموع الكتب و الرسائل والفتاوى" (14/268-269).
و أجاب –كان الله له- عن سؤال نصه : يظن كثير من الناس أن الردَّ على أهل البدع والأهواء قاضٍ على المسلك العلمي الذي اختطّه الطالب في سيره إلى الله، فهل هذا مفهوم صحيح؟.
فكان من جوابه : هذا مفهوم باطل ، وهذه أساليب أهل الباطل و أهل البدع ليخرسوا ألسنة أهل السنَّة ... [ثم ذكر-حفظه الله- بعض الآيات التي تحث على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه من العمل بالعلم ، وذكر ما يترب على تارك ذلك من الوعيد الشديد.] ثم قال-حفظه الله- : ... إذا كان يرى أن البدعة تنتشر ولها دعاتها و لها الذابون عنها ولها المحاربون لأهل السنَّة فكيف يسكت؟؟!! وقولهم : إن هذا يقضي على العلم : هذا كذب ، هذا من العلم والتطبيق للعلم.
و على كل حال ؛ فطالب العلم لا بد ان يخصص أوقاتاً للتحصيل ، ولابد أن يكون جاداً في التحصيل ، ولا يستطيع أن يواجه المنكرات إلا بالعلم ، فعلى كل حال يحصل العلم و في نفس الوقت يطبّق ، والله تعالى يبارك لهذا المتعلم العامل في علمه.
و قد تنزع البركة لما يرى المنكرات قدامه يقول: لا،لا ،لما أطلب العلم !! يرى الضلالات و اهل الباطل يرفعون شعارات الباطل ، ويدعون الناس إليها و يضلون الناس فيقول : لا، لا ما أشتغل بهذه الأشياء ، أنا سأشتغل بالعلم!!! يعني يتدرب على المداهنة.))اهـ"أجوبة على أسئلة أبي رواحة المنهجية"(ص/34-35).
بل ذكر حفظه الله و رعاه عم الذين يسعون في إسكات طلاب العلم و تخذيلهم وإلقام الحجر في أفواههم ،أن فعلهم يعتبر إرهاباً.
فقد سئل عن (بعض الناس يبالغون في إسكات المحذرين من المبتدعة ويقولون أن هذا عمل العلماء؟ .
فأجاب-حفظه الله- : ((على كل حال هؤلاء بالغوا في إسكات طالب العلم غلوا جداً، كلام فيه إرهاب ، و إلقام الشباب أحجار في أفواههم ليمنعوهم من قول الحق في أهل البدع ، بالغوا في هذه الأشياء .
ثم قال : أقول إن هؤلاء يريدون أن يسكتوا الشباب السلفي خاصة لأن أكثر الناس إنكاراً للمنكر ووقوفاً في وجه الباطل هم الشباب السلفي رأيتم السياسيون يتعاطفون مع الروافض مع الخوارج مع أهل البدع كلهم لا يريدون أن تجرح مشاعرهم قيأتون يمثل هذا الكلام يقولون(ما يتكلم به إلاَّ العلماء)، حتى الأطفال يتكلمون حتى الذي ما يحسن الفاتحة يتكلم و يبالغون في تشويه الشباب السلفي ، كل هذه محاماة على أهل البدع و صد عن سبيل الله و إرهاب الشباب السلفي الذي يتصدى للدعوة إلى الله و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.))اهـ."عون الباري ببيان ما تضمنته شرح السنة للإمام البربهاري"(1/423-424).
* * * *
و سئل العلامة الناصح الأمين يحي بن علي الحجوري-حفظه الله- : (هل لطالب العلم إذا رأى صاحب هوى في قريته أن يقول عليه صاحب هوى؟
فأجاب –وفقه الله- : (( إذا رأى طالب العلم صاحب الهوى في قريته و هو ممن يميِّز بين صاحب الهوى من غيره وعلم انه صاحب هوى له أن يحذِّر منه ولا يُنكَر عليه ، فطلاَّب العلم يعرفون الصوفية و الحزبيين.))اهـ.نقلاً من "ضوابط الحكم بالإبتداع"(ص/165)للشيخ أبي حاتم سعيد بن دعاس-رحمه الله تعالى-.
* * * *
و مما سبق يعلم بطلان تلك اللهجة التمييعية التي يدندن حولها "أصحاب سياسة التعاون و المعذرة" لما فيها من المفاسد الكثيرة ، والتي منها:
1- هضم جهود طلاب العلم في حفظ السنة و الذب عنها وعن أهلها، وتضييعا لها.
2- إقصاء القواعد السلفية التي يرد بها طلاب العلم على المخالفين للمنهج السلفي، فكل من أراد إسقاط القواعد السلفية أتى بمثل هذه الدعوى (لا يرد على العالم إلا عالم!!).
3- تعويد طلاب العلم على المداهنة كما ذكر الشيخ ربيع ، بحيث يرى الرجل فلانا يأتي بالمنكرات و البدع والضلالات، ولا ينكرها بحجة (هذا الأمر يحسنه العلماء!!) وغيرها من اللهجات التمييعية التي تخرج من مشكاة واحدة (لا يرد على عالم إلا عالم!!).
4- لمز علماء السنة –حفظهم الله- واتهامهم بالتحمس!!و العجلة!!و عدم التأنِّي!! والتثبت!! بحيث أنهم يقومون بمراجعة ردود طلابهم و التقديم لها ، وقد مر معنا –آنفاً-كلام مشهور حسن التراثي في لمزه للعلامة النجمي-رحمه الله- بأنه يقدم لكل متحمس!!! بل وللأطفال!!! بل للبعوض!! و هكذا أبو الحسن و الحلبي و الوصابي و الريمي وفركوس .و الله المستعان.
5- السير على هذا القول العاطل قاضٍ على المنهج التطبيقي ، والنقد العلمي لدى طلاب العلم ، مع قدرتهم على القيام بهذا الأمر.
6- إنتشار آفة التقليد بين طلاب العلم ، بل ويزيد انتشاراً بين عامَّة المسلمين.
7- إنتشار التعصبات و الحزبيات.
فهذا ما أحببت أن أنوِّه عليه لأن الخرق اتسع في هذا الباب ، و أصبح منفذا لكل من أراد أن يرد الحق و يزدري أهله و مرتعاً لكل من أراد أن يتفلَّت عن الحق الذي أقيم عليه وما ذلك إلا لمخالفته لهواه و في هذا يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله- محذراً من هذا المزلق الخطير؛ قال : ((حذار حذار من رد الحق لمخالفته هواك ، فإنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأساً ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك.
قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام:110]. فعاقبهم على رد الحق أوَّل مرَّةٍ بأن قلَّب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.))اهـ"بدائع الفوائد"(3/699).
فهذا ما أردت بيانه و تدوينه ، و الله حافظ دينه و ناصر أولياءه .
فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، ولا تزغها بعد إذ هديتنا إنك أنت الوهاب.
و الحمد لله ربِّ العالمين و صلَّى الله وسلَّم على نبنا محمد المرسل رحمة للعالمين.
وكتبه:
أبو عبد الله الحسين بن مسعود الجيجلي
يوم الخميس: 29/محرَّم/1434ه
عَلَى مَن سَعَى لِنَسْفِ جُهُود طُلَّاب العِلْم الأخْيَارِ
تَحتَ غِطَاءِ
((لا يَجُوزُ لِطُلَّاب العِلم الرد على العُلُماء الكبار))
بسم الله الرحمن الرحيم
إِن الْحَمد لله نحمده، ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:01] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فلما كان سبيل إنكار الحجة و السعي في إفسدها أسهل عند أهل الباطل من سبيل المعارضة والرد بمثلها ؛ ألزم الله –عزَّ وجلَّ- كل مشكك في هذا القرآن وجاحد له يأتي بمثله ، فلا سبيل لهم ولا لغيرهم إلى ذلك إلا السعي في إفساده- وأنَّى لهم ذلك- بضربٍ من الشُّبه المزخرفة ؛ قال سبحانه : {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:23].
و قال سبحانه أيضاً :{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [ هود:13 ].
وقال تعالى : {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص:49-50].
و قال الله سبحانه مخبراً عن إبراهيم-صلَّى الله عليه وسلَّم- حين ناظره مدَّعي الربوبية:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}[البقرة:258] .(([1]
وعلى هذا النحو سعى كثير من أهل الباطل في هذا الزمان-الذي قلَّ في النَّاصحون وكثر فيه الغاشُّون- إلى هدم جهود طلاب العلم في ردهم على مسالك المبطلين،و تحقيرهم والتقليل من شأنهم ، و ذلك بوضع بعض القواعد التي ظاهرها الرحمة و باطنها من قبلها العذاب.
فمن تلك اللهجات التمييعية المبهرجة التي ملؤوا بها الدنيا صراخاً قولهم بأنه ((لا يجوز لطالب العلم أن يرد على العالم!!!)) على اختلاف لفظي بينهم في تقرير هذه القاعدة التمييعية ،و العبرة عند المحققين-كا هو معلوم- بالمعاني لا بالأسماء والمباني فتدبَّر.
قال الشيخ المجاهد سعيد بن دعاس-رحمه الله- : ((و تختلف مشارب هذه الأصناف وتختلف عباراتهم في تقرير هذه المسائل فمنهم من يقول(الإنسان يبقى مع شيخه لا يخالف شيخه) ومنهم من يقول(هذه المسائل تترك للعلماء)..
و منهم من يقول(لا يصلح الخوض في الفتن)إلى غير ذلك من العبارات))"شرح القواعد الجامعة" للعلامة السعدي(الدرس/12).
و لا ضَيْرَ –إن شاء الله- على طلاب العلم المحققين الورعين من إرجافات هؤلاء المخذولين المثبطين ، ولهم أسوة بمن مضى من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- و من بعدهم من أهل العلم والهدى.
وما أحسن ما قيل:
قدمت لله ما قدمت من عمل ... وما عليك بهم ذموك أو شكروا
عليك في البحث أن تبدي غوامضه ... وما عليك إذا لم تفهم البقر!!.
أما هؤلاء المرجفون المميعون فلهم أسوة-بناء على هذه الأفكار الخبيثة- بأهل الجاهلية-عياذاً بالله- في رد الحق ووَسْمِ أهله بقلَّة الفهمِ و عدم الحذقِ، والإستدلال بالمتقدم سنًا وشرفًا ، أو بمن أعطي فَضْلَ فَهمٍ و ملكٍ وجاهٍ من غير نظرٍ في الحججِ والبراهين.
يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب النجدي-رحمه الله- في المسألة السابعة من كتابه "مسائل الجاهلية" : ((الاستدلال بقوم أعطوا قوى في الأفهام والأعمال، وفي الملك والمال والجاه، فرد الله ذلك بقوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف:26] ، وقوله:{َكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}[البقرة: 89] ، وقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146].)).
قال العلامة صالح الفوزان-حفظه الله- عقب هذا الكلام: (أنهم يستدلون أنَّ ما كان عليه الأقوياء من الناس وأصحاب الجاه وأصحاب الذكاء، أنه هو الحق. فهذا هو الضابط عندهم لمعرفة الحق؛ أنهم ينظرون في الناس، فما كان عليه أهل القوة والمال والترف والجاه اعتبروه هو الحق، وما كان عليه الضعفاء والفقراء يعتبرونه باطلاً. هذه حالة أهل الجاهلية. وهذا الضابط باطل...[ثم ساق –حفظه الله- من أخبار الأمم السابقة الكافرة أنها كانت على قوة، وأنها كانت على ثروة، في آيات كثيرة، وأنهم أهل جاه، وعندهم ذكاء وأفهام، لكن ما نفعهم ذلك، بل كانوا على الباطل] ثم قال : ... أما أهل البصيرة فإنهم ينظرون إلى ما عليه الأمم، فإن كان حقاً قبلوه وإن كانوا فقراء. وإن كان باطلاً ردُّوه وإن كانوا أغنياء.))"شرح مسائل الجاهلية"(ص/66-71).
و كفى بوضوح هذا الدليل على بطلان هذا الفكر الدخيل على منهج السلف الكرام-رضوان الله عليهم-.
ألا و إن من أبرز روَّاد و مروِّجي هذه الفكرة الخلفية في هذا العصر (أصحاب سياسة التعاون والمعذرة)!!![2] وأعني بذلك كلاّ من أبي الحسن المأربي-عامله الله بعدله- حيث قال في "السراج الوهاج"(ص/81-الفقرة201) : ((فلا يشنع على أهل الحق في ذلك ، لكن يجب أن يكون التجريح من أهل العلم والحلم ، والتجرد لرب العالمين ، لا لكل من هبَّ ودبَّ...))اهـ
فتعقبه العلامة ربيع المدخلي بقوله: ((ثم إذا كان طلاب العلم من أهل السنة قد تلقوا النقد الصحيح من العلماء الناصحين ، فحذروا من أهل البدع ؛ فلا ضير عليهم.))اهـ."مجموع الكتب و الرسائل و الفتاوى"(13/274). و له -أبو الحسن- من الشطحات في هذا كثير، من نبز طلاب العلم من أهل السنة بالألقاب القبيحة والطعونة الشديدة المبثوثة في مقالاته وكلماته ، فتارة يلقبهم بالأقزام؟!! ، وتارة بأنهم قواط صلصة؟!! وتارة...و تارة.. والله المستعان.
و منهم الحلبي -أيضاً-في كتابه المسمى-كذباً وزوراً- "منهج السلف" حيث نزَل على طلاب العلم بالسِّباب و الشتائم و نعتهم بأقبح الأوصاف بل و شبههم بأقبح البهائهم فتارة يقول بأنهم "مصاصو دماء"؟!! و تارة يشبهم بالذباب؟!! و الخنزير؟!! و غير ذلك و ما ذنبهم عنده إلا أنهم ردوا على أهل الأهواء والبدع الذين ما زال-إلى اليوم- ينافح عنهم بكل ما أوتي من قوة وكتابه هذا أعظم شاهد على ذلك .
و القصد من وارء هذا كله أن يخرس ألسنة طلاب العلم المتبصرين بحبائله وفتنته وانحرافاته ولا حول ولاقوة إلا بالله العظيم.
و من الذين يحقرون جهود طلاب العلم-أيضاً- الضال المنحرف مشهور حسن آل سلمان، حيث قال عن أخينا الفاضل أبي عبد الرحمن بن حسن الكردي -حفظه الله- الذي رد عليه في "صعقة المنصور" (ص/05) ؛ قال مشهور: ((أريت في الدنيا أن تضرب بعوضة؟!! بصاروخ!!)).
و قال أيضا المنحرف الضال مشهور: ((إن صاحب الكتاب-صعقة المنصور- أخذ كتابه إلى ما يقارب ثلاثين شيخاً ، كلهم طردوه ، ولم يقبلوا أن يقدموا له ، وأمَّا النجمي فيقدم لكل واحد، تحمس فقدم له، كما قدَّم سابقاً لطفل آخر !!لما ردَّ على العبَّاد))اهـ.
ومن هؤلاء العصابة-أيضاً-محمد بن عبد الله الريمي الملقب بالإمام؟!!! حيث أصل في كتابه" الإبانة"هذا الأصل الخلفي ؛ قال في( ص/194): ((لايقبل جرح المجرح الصغير غالباً في العالم الكبير))اهـ وقبله قال –أصلحه الله- : (( وأما إذا جاء الرد على العالم من قبل طلاب العلم ، فالغالب عليهم أنهم ليسوا أهلاً للرد ، ولهذا تجد في ردودهم تجاوزات ومجازفات وتعديات..)).
و منهم محمد بن عبد الوهاب الوصابي-عليه من الله ما يستحق- حيث قال في شريطه الذي كَـذَّبَ فيه الشيخ يحيى -حفظه الله- : ((وأيضًا لا أنسى أوجه نصيحتي للجميع... فنصيحتي لطلاب العلم أقول لهم أنتم طلاب علم اشتغلوا بالعلم، سواء كنتم في دماج...
اشتغلوا بالعلم يا طلاب العلم ... فنقول مسألة الدعوة ليست على كواهلكم يا طلاب العلم، ويا أيها العامة المحبون للسنة، وإنما هي على كواهل العلماء... ورحمة الله على شيخنا مقبل رحمه الله حين كان يقيم الدعوة ويقيم الدروس.
فإن شاء الله تكون دماج كما كانت من حيث العلم والقراءة والحفظ والفهم والحفظ لا ينشغلون بالزوابع، سواء كان كمال العدني، الطالب كمال أو الطالب العمودي فمن كان، الكل يقال له قف عند حدك، أنت طالب، اعرف قدر نفسك، لست محملًا مسؤلية الدعوة والدعوة ليست على كاهلك.
وقال في "نصائح الأمة" (ص/52) وكان في الديس الشرقية: ((يا أخي هذه المسائل ليست عليك هذه المسائل على العلماء، أما أنت فأنت طالب أو عامي فاعرف قدر نفسك، تفقه في الدين وتعلم، ومن جاء يجرجرك فقل له: اتق الله.))اهـ.
وقال في (ص/16): ((فيا طلبة العلم: الجرح والتعديل من ديننا ليس لكل من هبَّ ودبَّ، إن الجرح والتعديل له رجاله وهم العلماء الأتقياء...))
وقال أيضًا (ص/16-17): ((وأما الفتنة إذا كانت بين عالمين من علماء أهل السنة فلا يخوض فيها إلا علماء أهل السنة، فهم أعلم وأعرف بالمصالح والمفاسد وبمن يستحق أن يعدل أو يجرح، أما العامي وطالب العلم فلا يجوز لهم الخوض في مثل هذه الفتن فضلاً عن أن يجرحوا أو يعدلوا.
وقال (ص212) في نفس المحاضرة-في مسجد الخير يوم الجمعة /2/11/1429هـ-: (( احفظ لسانك من قولك الشيخ فلان قال في فلان كذا وكذا، هذا راجع إلى العلماء... أما أنت فطالب أو عامي وهذا شيء لا يعنيك.))اهـ.من كتاب"الحقائق المفصلة"(ص/6-7) للأخينا الفاضل أبي عمار ياسر الحديدي-وفقه الله-.
و من هؤلاء العصابة –أيضاً- الملبِّس محمد علي فركوس-أصلحه الله- حيث أطلق عنان قلمه بكلمات نابية -ينبل عنها من يدعي الإنصاف- على الشيخ الفاضل المجاهد سعيد بن دعاس –رحمه الله رحمة الأبرار- كما في رده الهزيل المسمى بـ"تقويم الصراط"؛ فقال في (ص/11): (اعتراض فيه تقول): (ليس في فتوى حكم الاختلاط أدنى تقرير على إباحة الاختلاط مطلقاً, كما ورد في عنوان بعض المعترضين على الفتوى, وإنما هو تعسفٌ في التقوُّل, وضعفٌ في الفهم, وتقاعسٌ عن الاستفسار عن مواضع الشبهة,تحلياً بمنهج السلف, في تحقيق عموم النصيحة الواجبة قبل ركوب نزوات النفس, ومحبة التصدر بالرد, ولا شكَّ أن هذا الأمر يعكس بوضوح, عن نوعية أخلاقيةٍ متدنية!!, دون المستوى المطلوب, تضربُ الأمةَ بضرب رجالها الدعاة إلى الله بسهم الاستئصال والتفرقة, من حيث تشعر أو لا تشعر, لتحصيل شماتة الأعداء, تحت غطاء "درء البلاء"[3]))اهـ.
واحتقاره-أيضاً- لأخينا الفاضل الشيخ أبي حاتم يوسف بن العيد الجزائري-حفظه الله- الذي بين ضلالاته وبوائقه في سلسلة من الردود العلمية المفيدة المجموعة في كتاب اسمه" بيان الدليل على ما في منهج فركوس من التلبيس والفكر الدخيل" و الله المستعان.
فبعد هذا العرض الموجز لما عند هؤلاء القوم-والذي يعتبر قطرة من مطرة وغيضا من فيض-من الإزدراء والتحقير لجهود طلاب العلم في الذب عن المنهج السلفي المبارك ، يتبين لكل ذي لب سليم ومنهج مستقيم أن هذه الهجومات المتتالية والمستمرة على طلاب العلم السلفيين تدل على أن نوايا هؤلاء غير سليمة وقلوبهم مريضة و يصدق فيهم المثل الشعبي(قطع ذَنَبُ الثعلب فقطع أذناب الأخرين!! ) و ما ذَنْبُ طلاب العلم الدعاة إلى الله تعالى عندهم إلا أنهم فضحوهم و بينوا عوارهم و خلطوا عليهم الأوراق و عاد عليهم ما بيَّتُوه في الظلام الحالك بالبوار والمهالك ، و إلا فهي "شنشنة نعرفها من أخزم" و لاداعي أن يهوِّلوا عليهم بما أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (61) وعنه أبو عمرو الداني في " الفتن "(62 / 2) واللالكائي في " شرح أصول السنة " (230 / 1 - كواكب 576) وكذا الطبراني في " الكبير" وصححه الإمام الألباني في"الصحيحة"(برقم695) عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر).
فقد فسر ابن المبارك"الأصاغر" بأنهم أهل البدع كما ذكر ذلك ابن عبد البر في"جامع بيان العلم وفضله" (يرقم1052)؛حيث قال-رحمه الله- :((قَالَ نُعَيْمٌ: قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: مَنِ الْأَصَاغِرُ؟ قَالَ: ((الَّذِينَ يَقُولُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَأَمَّا صَغِيرٌ يَرْوِي عَنْ كَبِيرٍ فَلَيْسَ بِصَغِيرٍ)) وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ بِالْأَصَاغِرِ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَا يَذْهَبُ إِلَى السِّنِّ)).اهـ
و لا بما أخرجه عبد الرزاق في المصنف (رقم 2044) و( 20483) ، و البيهقي في "المدخل"(رقم275) ، وابن المبارك في "الزهد"(1/281) و غيرهم من من طريقين عن شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- قال: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَتَاهُمُ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ أَكَابِرِهِمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ مِنْ قِبَلِ أَصَاغِرِهِمْ هَلَكُوا).
قال ابن عبد البر في"جامعه"(1/617-618) عقب إخراجه لهذا الأثر: ((قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي عُبَيْدٍ لِمَعْنَى الْأَصَاغِرِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَأَيْتَ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الصَّغِيرَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الَّذِي يُسْتَفْتَى وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَأَنَّ الْكَبِيرَ هُوَ الْعَالِمُ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ.
وَقَالُوا: الْجَاهِلُ صَغِيرٌ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ حَدَثًا،
وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ:[الطويل]
تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا ... وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ ... صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ.
و قال أيضاً-رحمه الله-عقب أثر زيد بن أسلم في تفسيره لقوله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] قَالَ: (( بِالْعِلْمِ يَرْفَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يَشَاءُ فِي الدُّنْيَا))، فقال رحمه الله- : (( وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ "الْأَصَاغِرَ" مَا لَا عِلْمَ عِنْدَهُ))
ثم ساق مَا رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مَجْلِسُ عُمَرَ مُغْتَصًّا مِنَ الْقُرَّاءِ شَبَابًا وَكُهُولًا فَرُبَّمَا اسْتَشَارَهُمْ وَيَقُولُ: ((لَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ حَدَاثَةُ سِنِّهِ أَنْ يُشِيرَ بِرَأْيِهِ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ عَلَى حَدَاثَةِ السِّنِّ وَقِدَمِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ)).
فلا ضير-إن شاء الله- على طلاب العلم ، و ما أصَّله هؤلاء الحزبيون من أن طالب العلم لا يجوز له أن يرد على العالم إذا أخطئ و لا أن يتكلم بما يعلم مع مراعاة الضوابط الشرعية و القواعد السلفية والتحلي بالآداب الجلية، فإنه أصل باطل مردود محجوج بما سبق ذكره وبما سيأتي بيانه .
يقول الله سبحانه: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104].
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : ((وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ فرْقَة مِنَ الأمَّة مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ([4])قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ)). وَفِي رِوَايَةٍ:(وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)([5]).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ)).
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ([6]) وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَعَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي أَمَاكِنِهَا.))اهـ
و في الصحيحين عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه- قال:(بايعنارسول الله-صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.)).
و عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : ((ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه)) [أخرجه الترمذي (2 / 30) وابن ماجه (4007) و صححه الإمام الألباني في"الصحيحة" (رقم168)].
و بناء على هذه الأدلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- :(وَلِهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الرَّأْيِ وَالْفُتْيَا وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُخْطِئُ الْمُجْتَهِدُ مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ. فَبَيَانُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاجِبٌ؛ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ.)اهـ."مجموع الفتاوى" (28/233).
وقال الإمام المحقق ابن القيم – رحمه الله -: ( وها هنا أصل يجب اعتماده ، وهو أن الله سبحانه عصم هذه الأمة ، أن تجتمع على ضلالة ولم يعصم آحادها من الخطأ لا صديقا ولا غيره لكن إذا وقع في بعضها خطأ فلا بد أن يقيم الله فيها من يكون على الصواب ؛ لأن هذه الأمة شهداء الله في الأرض ، وهم شهداء على الناس يوم القيامة ، وهم خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ؛ فلابد أن تأمر بكل معروف وتنهى عن كل منكر ؛ فإذا كان فيها من يأمر بمنكر متأولاً فلابد أن يقيم الله فيها من يأمر بذلك المعروف.)اهـ"كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء (ص/210)".
و من الحجج الداحضة و البراهين الدامغة على أن التفاوت في السنّ أو العلم و التقدم في الزمن ليس هو ميزان التمييز بين الحق والباطل ، بل أمر محدث لم يكن معروفاً عند الصحابة-رضوان الله عليهم- و من تبعهم بإحسان بل هو مما قرره أهل الأهواء والشبهات لإقصاء رد الصغير على الكبير ، و نسف جهود طلاب العلم و الدعاة إلى الله الذين جرَّدوا أقلامهم للذب عن الحق وأهله ، وكشف الباطل وجزبه.
و كما قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: ((ولولا أن حق الحق أوجب من حق الخلق لكان في الإمساك فُسْحَةٌ ومُتَّسَعٌ.))اهـ." مدارج السالكين ( 2/ 44)".
الدليل الأول:
قال الله تعالى مخبراً عن الهدهد الموحِّد و كيف صال بحجته على سليمان-عليه السلام- بما علمه و خفي على نبي الله سليمان و جنوده فقال: {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل:22].
قال البقاعي-رحمه الله- : ((وفي هذه المكافحة التنبيه على أن أضعف الخلق قد يؤتي ما لا يصل إليه أقواهم([7]) لتتحاقر إلى العلماء علومهم ويردوا العلم في كل شيء إلى الله ))اهـ . "نظم الدرر" (14/150).
و قال القرطبي –رحمه الله-: ((وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يَقُولُ لِلْكَبِيرِ وَالْمُتَعَلِّمَ لِلْعَالِمِ عِنْدِي مَا لَيْسَ عِنْدَكَ إِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَهُ.))اهـ."الجامع لأحكام القرآن" له.
قلت : فكم بين الهدهد وبين نبي الله سليمان-عليه السلام-؟ و هو يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}، فليس العالم الذي بَيَّن خطأه هذا الطَّالب بأعَلَمَ من نبيّ الله سليمان ،ولا المعترض عليه(طالب العلم) بأجهل من الهدهد!!.وفي هذا يذكر الإمام ابن القيم –رحمه الله – حكاية مشهورة ، وهي((أن بعض أهل الْعلم سُئِلَ عَن مسألة فَقَالَ : لَا اعلمها، فَقَالَ أحدُ تلامذته: أنا أعْلَم هَذِه الْمَسْأَلَة ، فَغَضب الأستاذ وهمَّ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ: أيها الأستاد لست أعْلَم من سُلَيْمَان بن دَاوُد وَلَو بلغت فِي الْعلم مَا بلغت ، وَلستُ أنا أجهل من الهدهد وَقد قَالَ لِسُلَيْمَان: { أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} فَلم يعتب عَلَيْهِ وَلم يعنفه))اهـ."مفتاح دار السعادة"(1/173)
و لا يفهم من هذا أن طالب العلم يكون أفضل من العالم مطلقاً إذا رد عليه و بيَّن وجه خطئه في بعض المسائل ؛ إنما غاية ما في الأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- : ((ليس من شرط الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يُنَبِّهَهُ الْمَفْضُولُ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ))اهـ."منهاج السنة"(6/77).
و عملاً-أيضاً- بما قرره أهل العلم من أن((الحق لا يعلق بالرجال ؛(ولكن)اعرف الحق تعرف أهله)).
الدليل الثاني:
وجاء في "صحيح البخاري " برقم(4970)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: ((مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ)).
قال ريحانة الأندلس وعالمها ابن عبد البر –رحمه الله-: ((وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُسْتَفْتَى وَهُوَ صَغِيرٌ، وَأَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَعَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ كَانَا يُفْتِيَانِ وَهُمَا صَغِيرَا السِّنِّ، وَوَلَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِلَايَاتِ مَعَ صِغَرِ أَسْنَانِهِمَا، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ.))اهـ."جامع بيان العلم وفضله"(1/618).
الدليل الرابع:
و قال رحمه الله -أيضاً- بعد ذكر قصة ابن عباس مع أبي سلمة ابن عبد الرحمن في اخْتَلَافَهِماَ فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ؛ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ:(( إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، فَقَدْ حَلَّتْ))، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ: ((أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ)) فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: ولدت سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ)).
قال ابن عبد البر: ((فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَتَنَاظَرُونَ وَلَمْ يَزَلْ مِنْهُمُ الْكَبِيرُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُونَ الصَّغِيرَ إِذَا عَلِمَ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا عَلِمَ وَرُبَّ صَغِيرٍ فِي السِّنِّ كَبِيرٌ فِي عِلْمِهِ وَاللَّهُ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ.))اهـ. "التمهيد" (23/151).
الدليل الخامس:
و في"صحيح البخاري" (برقم4538) أيضًا أن عمراً –رضي الله عنه- قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ:{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}[البقرة: 266] ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: «قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ» ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: «يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: «أَيُّ عَمَلٍ؟» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: «لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ».
قال الحافظ-رحمه الله-: (وَفِي الحَدِيث قُوَّة فهم ابن عَبَّاسٍ وَقُرْبِ مَنْزِلَتِهِ مِنْ عُمَرَ وَتَقْدِيمُهُ لَهُ مِع صِغَرِهِ وَتَحْرِيضُ الْعَالِمِ تِلْمِيذَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ إِذَا عَرَفَ فِيهِ الْأَهْلِيَّةَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْشِيطِهِ وَبَسْطِ نَفسه وترغيبه فِي الْعلم.)اهـ. "الفتح "(8/202).
الدليل السادس :
و في صحيح البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: ((...كَانَ القُرَّاءُ أصْحابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولاً كانُوا أوْ شَبَاباً وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتابِ الله عَزَّ وجَلَّ.))اهـ.
قال العيني-رحمه الله- : ( (وَكَانَ الْقُرَّاء أَي الْعلمَاء)، وَكَانَ اصْطِلَاح الصَّدْر الأول أَنهم كَانُوا يطلقون الْقُرَّاء على الْعلمَاء. قَوْله: (كهولاً كَانُوا أَو شبَابًا) يَعْنِي: كَانَ يعْتَبر الْعلم لَا السن والشباب.)اهـ. "عمدة القاري" (25/80).
قلت: بل و ربما من الصحابة من أنكر صغيرهم على كبيرهم إذا علم مخالفته للدليل.
ففي الصحيحين عَن عبيد بن عُمَيْر: أَن أَبَا مُوسَى اسْتَأْذن على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثَلَاثًا، فَكَأَنَّهُ وجده مَشْغُولًا فَرجع، فَقَالَ عمر: ألم تسمع صَوت عبد الله بن قيس؟ أيذنوا لَهُ، فدعي فَقَالَ: مَا حملك على مَا صنعت؟ قَالَ: إِنَّا كُنَّا نؤمر بِهَذَا، قَالَ: لتقيمن على هَذَا بَيِّنَة أَو لَأَفْعَلَنَّ. فَخرج فَانْطَلق إِلَى مجْلِس من الْأَنْصَار، فَقَالُوا: لَا يشْهد لَك على هَذَا إلاَّ أصغرنا. فَقَامَ أَبُو سعيد، فَقَالَ: كُنَّا نؤمر بِهَذَا. فَقَالَ عمر: أُخْفِي عَليّ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ألهاني عَنهُ الصفق بالأسواق).
فقبول قول طالب العلم المؤهل و الأخذ عنه و الرجوع إلى قوله إذا أقام الأدلة والبراهين عليه هو المعتبر عند سلفنا الصالح-رضوان الله عليهم- ، وليست العبرة بالسن!! والتقدم في الزمن!!.و لكن العبرة عندهم إقامة حجة الله على الخلق .
قال الإمام أبو محمد بن تميم الحنبلي – رحمه الله – وهو يصف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله -: ( وكان يأمر بإظهار العلم . وقال في الحبس ، وهو مهدد بالضرب والقتل : إذا سكت الجاهل لجهله ، وأمسك العالم تَقيَّة ، فمتى تقوم لله حُجَّة ؟ )اهـ.
(عقيدة الإمام أحمد بن حنبل لأبي محمد بن تميم الحنبلي – الملحق بـ"طبقات الحنابلة"(2/279) لابن أبي يعلى-) .
كلام أهل العلم و الفضل في قبول الحق من كل من قام به صغيراً كان أو كبيراً وترغيبهم في الذب عن حياض الدين :
قال ابن رجب –رحمه الله- : ((وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق صغيراً كان أو كبيراً وينقادون لقوله.))اهـ "الحِكَم الجديرة بالإذاعة" (ص/126).
و قال رحمه الله-أيضاً- و هو يحكي طريقة السلف-رحمهم الله تعالى- : ((وقد بالغ الأئمة الوَرِعون في إنكار مقالات ضعيفة لبعض العلماء وردِّها أبلغ الردِّ كما كان الإمام أحمد ينكر على أبي ثور وغيره مقالات ضعيفة تفردوا بها ويبالغ في ردها عليهم هذا كله حكم الظاهر.
وأما في باطن الأمر: فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبيين الحق ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته فلا ريب أنه مثاب على قصده ودخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم.
وسواء كان الذي بين الخطأ صغيراً أو كبيراً فله أسوة بمن رد من العلماء مقالات ابن عباس التي يشذ بها وأُنكرت عليه من العلماء مثل المتعة والصرف والعمرتين وغير ذلك...))اهـ."الفرق بين النصيحة و التعيير-مجموع رسائله (2/406)-".
و قال -أيضاً- : ((فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم.))اهـ.
* * * *
قال الشيخ إسحاق ابن غاثم العلثي-رحمه الله- في نصيحته لابن الجوزي: ((ولو كَانَ لا ينكر من قل علمه عَلَى من كثر علمه إِذَا لتعطل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل حيث قَالَ تَعَالَى:{كانوُا لاَ يَتَنَاهُوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ}.؟[المائدة: 134]، بَل ينكر المفضول عَلَى الفاضل ...))اهـ."ذيل طبقات الحنابلة"لابن رجب(4/206).
* * * *
و قال ابن مفلح-رحمه الله- : ((فصل:في أخذ العلم من أهله وإن كانوا صغاراً))"الآداب الشرعية" (ص/364).
* * * *
و قال العلامة أبو الطيّب صديق بن حسن خان-رحمه الله-: ((قلت : وَأما الشَّيْخ فَقَالَ الرَّاغِب أَصله من طعن فِي السن ثمَّ عبروا بِهِ عَن كل أستاذ كَامِل وَلَو كَانَ شَابًّا لِأَن شَأْن الشَّيْخ أَن تكْثر معارفه وتجاربه وَمن زعم أَن المُرَاد هُنَا من هُوَ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ من نَحْو خمسين إِلَى ثَمَانِينَ فقد أبعد وتكلف وَالْتزم الْمَشْي على القَوْل المزيف لِأَن الصَّحِيح أَن مدَار التحديث على تأهل الْمُحدث.
حدث البُخَارِيّ وَمَا فِي وَجهه شعر([8]) حَتَّى أَنه رد على بعض مشايخه غَلطاً وَقع لَهُ فِي سَنَده وَقد حدث مَالك وَهُوَ ابْن سَبْعَة عشر وَالشَّافِعِيّ وَهُوَ فِي حَدَاثَة السن وَالْحق أَن الْكَرَامَة والفضيلة إِنَّمَا هِيَ بِالْعلمِ وَالْعقل دون الْعُمر وَالْكبر فكم من شيخ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَمْيِيز الطّيب من الْخَبيث([9]) .
(وَعند الشَّيْخ أَجزَاء كبار ... مجلدة وَلَكِن مَا قراها)
وَكم من طِفْل صَغِير يفوق الشَّيْخ الْكَبِير فِي الدِّرَايَة وملكة التَّحْرِير وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء.))اهـ. "الحطَّة في ذكر الصحاح الستة"(ص/253-254).
* * * *
قال الإمام ابن باز -رحمه الله تعالى-: ((ثم طالب العلم بعد ذلك حريص جداً على أن لا يكتم شيئاً مما علم حريص على بيان الحق و الرد على الخصوم لدين الإسلام و لا يتساهل و لا ينزوي فهو بارز في الميدان دائماً حسب طاقته.
ولا يتساهل و لا يقول هذه لها غيري بل يقول أنا لها أنا لها ولو كان هناك أئمة آخرون.
يخشى أن تفُوت المسألة فهو بارز أبداً لا ينزوي بل يبرز في الوقت المناسب لنصرة الحق و الرد على خصوم الإسلام وهو أيضاً لا يكتم ما عنده من العلم بل يكتب و يخطب و يتكلم و يرد على أهل البدع و على غيرهم من خصوم الإسلام..))اهـ."مسؤولية طالب العلم في المجتمع" (ص/13).
* * * *
قال الإمام ابن عثيمين –رحمه الله- :(واجب على طلاب العلم أن يبيِّنُوا هذا المنهج الخبيث ، منهج الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وكفُّوا عن دماء المشركين ، وأن هؤلاء إمَّا جاهلون وإمَّا سفهاء وإمَّا حاقدون؛ فهم جاهلون لأنهم لا يعرفون الشرع لأن الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى ديناً بالعهد هو دين الإسلام و هم سفهاء-أيضاً- لأنه يترتب عن هذه الحادثة ما لا يعلمه إلا الله -عزَّ و جلَّ- فهذه ليست وسيلة إصلاح حتى يقولوا نحن مصلحون، بل هم المفسدون في الواقع، أو حادقدون على هذه البلاد وأهلاها ...))اهـ. "شريط بعنوان "الحادث العجيب في البلد الحبيب" .
و حين سئل رحمه الله أيضا عمن يقول((إذا حَكمتَ حُكمتَ!!وإذا دعوة أجرْتَ ))
فقال : "إذا دعوت أجرت" هذا صحيح لكن ما ذا يريد بإذا حَكمت حُكمت .
السائل: هو ربما يقصد في هذا أنك إذاحكمت على أشخاص فسوف تُحكم هذا ربما قصده من هذا الكلام.
الشيخ: إذا كان يريد أن يخوفكم من الرد على أهل البدع فلا يهمنَّكم.)).
* * * *
و قال الإمام مقبل الوادعي-رحمه الله تعالى- : ((و الذي أنصح به طلاب العلم أن لا يصغوا إلى كلام أولئك المفتونين الزائغين و أن يقبلوا على تعلم الكتاب و السنَّة و أن يبيِّنوا لنَّاس أحوال أولئك الزائغين و يحذروهم منهم و من كتبهم ومجلاتهم وندواتهم.))اهـ."ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر" (ص/03).
و قال –رحمه الله- في "إجابة السائل" (ص396): ((اكتبوا يا طلبة العلم، وبينوا ضرر هذه القوانين وأنها غزت بلاد المسلمين.))اهـ
وقال أيضًا (ص397): (( وأنا أناشد طلبة العلم أن يبينوا المفاسد الموجودة في المجتمع، فإن استطاعوا أن يبينوها بأنفسهم، ويبرزوا أنفسهم على صفحات الكتاب حتى ولو هرب إلى أمريكا، وإن كان يمكن أن يلحقوه، ويغتالوه، فأنت شهيد يا أخي:(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).
وقال أيضًا: (( ... العاطل عن العمل هو الذي لا يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بعمل، أما طالب العلم فهو بحمد الله في خدمة الدين والإسلام.)) اهـ."قمع المعاند" (ص/590).
* * * *
وسئل العلامة زيد المدخلي –حفظه الله ورعاه- : هل لطلبة العلم بيان حال المنحرفين إذا اقتضى الحال البيان أم هو مختص بالعلماء؟.
فأجاب: ((من عرف الحق وجب عليه بيانه عند اقتضاء الحال لذلك و عند لزوم الأمر وعند التقيد بمنهج الدعوة الصحيح، و من عرف الباطل كذلك وجب بيانه ولكن بالضوابط الشرعية وبآداب الدعوة السلفية))اهـ."العقد المنضد الجديد في الإجابة عن مسائل الفقه والمناهج والتوحيد" (1/154).
و قد سئل العلامة ربيع ابن هادي المدخلي –حفظه الله- : الجرح و التعديل في الأشخاص هل هو خاص بالعلماء فقط أو حتى الشباب عندهم معرفة و ماذا يشترط في المعرفة؟.
فأجاب : الجرح والتعديل، لابد فيه من صحة العقيدة كما أشار إلى ذلك الخطيب البغدادي ، و لابد فيه من العلم بأسباب الجرح ، لابد أن يعلم ، ولابد فيه من التقوى و الورع.
فإذا كان هذا الذي ينتقد عنده علم بالجرح والتعديل ، وعنده ورع وتقوى ؛ فله أن يجرح.))اهـ. "مجموع الكتب والرسائل و الفتاوى" (14/262-263).
و سئل حفظه الله ورعاه –أيضاً- :إن كان المخالف للمنهج السلفي كبيراً في السنّ وله سبق علم ، و المنتقد له أصغرمنه سناً ولكن تبيَّنت له الحجَّة و قال بها ، هل عليه ملامة؟.
فأجاب-حفظه الله- : ((نعم ينصح هذا الكبير بأدبٍ، وإن كان يدعو إلى الضلال يحذر منه، يعني الأخذ والدعوة إلى الحق و إنقاد الخلق من الباطل والضلال ، الحق أكبر من هذا الإنسان، وعُمُر الحق هذا منذ خلق آدم إلى اليوم و عمر الحق هذا آلاف السنين ، فكم عمر هذا الانسان الذي يضيع الحق أو يمنمعه من الأخذ منه.))اهـ."مجموع الكتب و الرسائل والفتاوى" (14/268-269).
و أجاب –كان الله له- عن سؤال نصه : يظن كثير من الناس أن الردَّ على أهل البدع والأهواء قاضٍ على المسلك العلمي الذي اختطّه الطالب في سيره إلى الله، فهل هذا مفهوم صحيح؟.
فكان من جوابه : هذا مفهوم باطل ، وهذه أساليب أهل الباطل و أهل البدع ليخرسوا ألسنة أهل السنَّة ... [ثم ذكر-حفظه الله- بعض الآيات التي تحث على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه من العمل بالعلم ، وذكر ما يترب على تارك ذلك من الوعيد الشديد.] ثم قال-حفظه الله- : ... إذا كان يرى أن البدعة تنتشر ولها دعاتها و لها الذابون عنها ولها المحاربون لأهل السنَّة فكيف يسكت؟؟!! وقولهم : إن هذا يقضي على العلم : هذا كذب ، هذا من العلم والتطبيق للعلم.
و على كل حال ؛ فطالب العلم لا بد ان يخصص أوقاتاً للتحصيل ، ولابد أن يكون جاداً في التحصيل ، ولا يستطيع أن يواجه المنكرات إلا بالعلم ، فعلى كل حال يحصل العلم و في نفس الوقت يطبّق ، والله تعالى يبارك لهذا المتعلم العامل في علمه.
و قد تنزع البركة لما يرى المنكرات قدامه يقول: لا،لا ،لما أطلب العلم !! يرى الضلالات و اهل الباطل يرفعون شعارات الباطل ، ويدعون الناس إليها و يضلون الناس فيقول : لا، لا ما أشتغل بهذه الأشياء ، أنا سأشتغل بالعلم!!! يعني يتدرب على المداهنة.))اهـ"أجوبة على أسئلة أبي رواحة المنهجية"(ص/34-35).
بل ذكر حفظه الله و رعاه عم الذين يسعون في إسكات طلاب العلم و تخذيلهم وإلقام الحجر في أفواههم ،أن فعلهم يعتبر إرهاباً.
فقد سئل عن (بعض الناس يبالغون في إسكات المحذرين من المبتدعة ويقولون أن هذا عمل العلماء؟ .
فأجاب-حفظه الله- : ((على كل حال هؤلاء بالغوا في إسكات طالب العلم غلوا جداً، كلام فيه إرهاب ، و إلقام الشباب أحجار في أفواههم ليمنعوهم من قول الحق في أهل البدع ، بالغوا في هذه الأشياء .
ثم قال : أقول إن هؤلاء يريدون أن يسكتوا الشباب السلفي خاصة لأن أكثر الناس إنكاراً للمنكر ووقوفاً في وجه الباطل هم الشباب السلفي رأيتم السياسيون يتعاطفون مع الروافض مع الخوارج مع أهل البدع كلهم لا يريدون أن تجرح مشاعرهم قيأتون يمثل هذا الكلام يقولون(ما يتكلم به إلاَّ العلماء)، حتى الأطفال يتكلمون حتى الذي ما يحسن الفاتحة يتكلم و يبالغون في تشويه الشباب السلفي ، كل هذه محاماة على أهل البدع و صد عن سبيل الله و إرهاب الشباب السلفي الذي يتصدى للدعوة إلى الله و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.))اهـ."عون الباري ببيان ما تضمنته شرح السنة للإمام البربهاري"(1/423-424).
* * * *
و سئل العلامة الناصح الأمين يحي بن علي الحجوري-حفظه الله- : (هل لطالب العلم إذا رأى صاحب هوى في قريته أن يقول عليه صاحب هوى؟
فأجاب –وفقه الله- : (( إذا رأى طالب العلم صاحب الهوى في قريته و هو ممن يميِّز بين صاحب الهوى من غيره وعلم انه صاحب هوى له أن يحذِّر منه ولا يُنكَر عليه ، فطلاَّب العلم يعرفون الصوفية و الحزبيين.))اهـ.نقلاً من "ضوابط الحكم بالإبتداع"(ص/165)للشيخ أبي حاتم سعيد بن دعاس-رحمه الله تعالى-.
* * * *
و مما سبق يعلم بطلان تلك اللهجة التمييعية التي يدندن حولها "أصحاب سياسة التعاون و المعذرة" لما فيها من المفاسد الكثيرة ، والتي منها:
1- هضم جهود طلاب العلم في حفظ السنة و الذب عنها وعن أهلها، وتضييعا لها.
2- إقصاء القواعد السلفية التي يرد بها طلاب العلم على المخالفين للمنهج السلفي، فكل من أراد إسقاط القواعد السلفية أتى بمثل هذه الدعوى (لا يرد على العالم إلا عالم!!).
3- تعويد طلاب العلم على المداهنة كما ذكر الشيخ ربيع ، بحيث يرى الرجل فلانا يأتي بالمنكرات و البدع والضلالات، ولا ينكرها بحجة (هذا الأمر يحسنه العلماء!!) وغيرها من اللهجات التمييعية التي تخرج من مشكاة واحدة (لا يرد على عالم إلا عالم!!).
4- لمز علماء السنة –حفظهم الله- واتهامهم بالتحمس!!و العجلة!!و عدم التأنِّي!! والتثبت!! بحيث أنهم يقومون بمراجعة ردود طلابهم و التقديم لها ، وقد مر معنا –آنفاً-كلام مشهور حسن التراثي في لمزه للعلامة النجمي-رحمه الله- بأنه يقدم لكل متحمس!!! بل وللأطفال!!! بل للبعوض!! و هكذا أبو الحسن و الحلبي و الوصابي و الريمي وفركوس .و الله المستعان.
5- السير على هذا القول العاطل قاضٍ على المنهج التطبيقي ، والنقد العلمي لدى طلاب العلم ، مع قدرتهم على القيام بهذا الأمر.
6- إنتشار آفة التقليد بين طلاب العلم ، بل ويزيد انتشاراً بين عامَّة المسلمين.
7- إنتشار التعصبات و الحزبيات.
فهذا ما أحببت أن أنوِّه عليه لأن الخرق اتسع في هذا الباب ، و أصبح منفذا لكل من أراد أن يرد الحق و يزدري أهله و مرتعاً لكل من أراد أن يتفلَّت عن الحق الذي أقيم عليه وما ذلك إلا لمخالفته لهواه و في هذا يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله- محذراً من هذا المزلق الخطير؛ قال : ((حذار حذار من رد الحق لمخالفته هواك ، فإنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأساً ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك.
قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام:110]. فعاقبهم على رد الحق أوَّل مرَّةٍ بأن قلَّب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.))اهـ"بدائع الفوائد"(3/699).
فهذا ما أردت بيانه و تدوينه ، و الله حافظ دينه و ناصر أولياءه .
فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، ولا تزغها بعد إذ هديتنا إنك أنت الوهاب.
و الحمد لله ربِّ العالمين و صلَّى الله وسلَّم على نبنا محمد المرسل رحمة للعالمين.
وكتبه:
أبو عبد الله الحسين بن مسعود الجيجلي
يوم الخميس: 29/محرَّم/1434ه
1- انظر " الذريعة في مكار الشريعة"(ص/188) للراغب الأصفهاني .
2- وهذا أمر لا يشك فيه من تتبع سيرة وأقوال هؤلاء القوم ، وأنهم يسيرون على المبدأ البنائي الإخواني"نتعاون فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
فأما أبو الفتن المأربي-عامله الله بعدله- فتقريره لهذه المسألة بدعوته الواسعة إلى المنهج الأفيح الذي يسع الأمة!! (إلا أهل السنة)
قال العلامة ربيع المدخلي-حفظه الله- بعد أن ذكر قوله هذا في مقاله المسمى بـ"جناية أبي الحسن على الأصول السلفية" ؛ قال –حفظه الله- : ((و هو يريد القاعدة المشهور: ((نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)) وكنت في مناقشة سابقة قلت : ((يحتمل كذا ، ويحتمل أنه يريد ما يريده الإخوان المسلمون)). ثم بعد دراستي لمشاكله و أقواله ؛ اتضح لي أنه يريد هذه القاعدة التي وسَّعت الأمة.))اهـ.
وقال أبو الحسن المنحرف-أيضاً- في(الشريط/3-وجه(01)-) من أشرطته المسماة بالقول المين: ((ثم في النهاية نفترض أننا اختلفنا في أمر الشيخ المغراوي ، وأن المغراوي مخطئ ، وأنا قلت مصيب، وأخطأت في تصويبي إياه، هل هذا معناه أن الدعوة تفترق ، وأنني لست سلفياً، وأنني سروري ، وانني حزبي، و أنني كذا وكذا ، كما يقول الجهلة الذين يقولون ما لا يعرفون ، ويهرفون بما لا يعرفون.
هب أني خالفت في شخص من الأشخاص ، وأنا و أنت نقصد الدفاع عن السنَّة ، فأنت جرحت ، وأنا مدحت ، وأنت مصيب في تجريحك ، وأنا مخطئ في هذه الحالة يقال فلان أخطأ في هذا)!!.
و أما الحلبي علي حسن-عامله الله بعدله- فكان تقريره لهذه القاعدة البنائية بعبارة أوضح من عبارة خلِّه حيث قال في "منهج السلف!!"(ص/57 حاشية رقم3) : (( الإختلاف في التبديع في إطار أهل السنة اختلاف سائغ ، لا يوجب هجراً، ولا إسقاطاً ولا تبديعاً..)!!.و قال أيضاً في (ص/197-الحاشية4) : ((و هذا عين ما اكرّره –دائماً- وقد انتقده عليَّ(بعض الناس!)-بغير الحق- : ((لانجعل اختلافنا في غيرنا سبباً للخلاف بيننا)).
أما المبتدع الضال مشهور حسن آل سلمان-عامله الله بعده- فقد قرر هذه القاعدة التمييعية بقوله: و ما انصح إخواني يعني الفتش والبحث والتنقير-كذا- على المؤاخذات في هذا الباب عما يقع... ويعذرون و لا يتعجلون و لا يتهمون، ويلقون التهم هكذا)"صعقة المنصور"(ص/374) لأخينا أبي عبد الرحمن الكردي-وفقه الله-.
أما محمد بن عبد الله الريمي الملقب بالإمام!! فقد قرر هذه القاعد البنائية الإخوانية في شريط (جلسة أصحاب الخيسة)-بتاريخ 14/شوال/1428هـ - عند الكلام على هذه الفتنة الحاصلة فكان مما أجاب به قوله : ((إذا اختلفنا في شخص لا يعني الاختلاف في الدعوة ، ولا في الاختلاف في الدفاع عنها، ولا في تسييرها، وهذا لا يفهمه إلا من لم يكن مدركاً لأمور بحقائقها وعمقها،يفهم له هذا ،فالاختلاف في شخص هذا يحصل ،... فالاختلاف في شخص ليس اختلافا في الدعوة...))اهـ
و صدق الشيخ الفاضل أبو حاتم يوسف بن العيد الجزائري حيث قال معلقاً على كلامه هذا بقوله: ((و هذا من الأدلة الكثيرة على توافق ما في الكتابين"الإبانة" للشيخ محمد الإمام، و"منهج السلف" للحلبي، إذ الكل خرج من "مشكاة!"واحدة!
(لانجعل خلافنا في غيرنا) = (لانجعل اختلافنا في الإشخاص)
(سببا للخلاف بيننا) = (اختلافا في الدعوة). ))"مصباح الظلام"(ص/207).
وأما محمد بن عبد الوهاب الوصابي –عامله الله بما يستحق- فتقريره لهذه القاعدة أصبح عنده من أصول اهل السنة ، بل ويصيح به صياحًا ، حيث قال في تخريفاته الأخيرة بأن ((الخلاف الذي بيني وبينك يسعني ويسعك، أنت سلفي تدعو إلى التوحيد وتدعو إلى السنة وأنا كذلك...... وقبله قال : ((كان يحصل خلاف بين يحيى بن معين وعلي بن المديني هذا وثق هذا وهذا يضعفه، ما كان يحصل على هذا ولاء وبراء، وتشهير، وملازم، توزع، وسباب ، وشتائم، وهجر ، ومقاطعة لا يوجد له مثيل في التاريخ قط.؟!!!.
و في الحقيقة: إن الوصابي المخذول هذا هو مهنجه من قديم فقد قال في اجتماع المشايخ لعام(1428هـ): (( وقد يحصل بين علي بن المديني وأحمد بن حنبل أو يحي بن معين في بعض الرواة ؛ هذا يوثق و هذا يضعف ، اختلاف أفهام و اختلاف اجتهاد !! فلا يعنف هذا على هذا ، ولا هذا على هذا ، فوسعوا بالكم –يا رحمكم الله- فوسعوا بالكم ، فكون فلان يرى فلان أن فلان مجروح وغيره لا يراه مجروح فهذا أقل شيء أن يكون مما يسوغ فيه الاختلاف و انه من الأمور الاجتهادية فلا ينبغي أن يجر هذا على هذا ، ولا هذا على هذا ، والقلوب صافية و القلوب متآلفة و القلوب متحابة ، ولا يمتحن هذا بهذا و لا هذا بهذا ، كونوا أرفع من ذلك ترفعوا!!!)اهـ.
وأما فركوس الإختلاطي فكان تقريره لهذه القاعدة في رسالته"عدة الداعية!!"(ص/102-103) حيث أجاز التعاون الشرعي الأخوي!!-على حد قوله- مع الجمعيات مع تصريحه بأنها جماعات حزبية مستدلاً على ذلك بعمومات الأدلة، فهذا التقعيد!! إن دلَّ على شيء فإنما يدل على"قاعدة التعاون والمعذرة" و لكن من زاوية أخرى!! و بطريقته السياسية الملتوية؟!!.و قوله-أيضاً- بأن أقوال علماء الجرح والتعديل أو في كلام بعضهم البعض أمر اجتهادي يقبل الإصابة و الخطأ... ثم قال: ويترتب على ذلك –أي على هذا القول-كما ورد في السؤال من سعة الصدر ،و عدم التشنيع على المخالف، وحمله على أحسن المحامل...))انظر"جناية فركوس وشلته على المنهج السلفي"(ص/188-190-بيان الدليل-)للشيخ أبي حاتم يوسف بن العيد الجزائري-كان الله له-.
فلاحظ هذا التلبيس العجيب في قوله((كما ورد في السؤال من سعة الصدر ،و عدم التشنيع على المخالف، وحمله على أحسن المحامل) و سؤال السائل : ((هل المسائل الخلافية الواقعة بين العلماء في جرح و تعديل الأشخاص أو في كلام بعضهم في بعض لها أحكام المسائل الفقهية الإجتهادية من حيث ما يترتب عليها من سعة الصدر وعدم التشنيع على المخالف و حمله على أحسن المحامل و النظر في قوله تصويباً و تخطيئاً لا قدحاً وتبديعاً؟ وجزاكم الله خيراً.أهـ
فنزَّل هذا الرجل الملبِّس أحكام المسائل الفقهية الإجتهادية التي ذُكِرت في السؤال على مسائل الجرح والتعديل على طريقة أبي الحسن والحلبي و محمد الريمي الملقب بالإمام!!و محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من دعاة التمييع والتجميع و لا حول ولا قوة إلا بالله .نسأل الله تعالى أن يكفي الدعوة السلفية شر هؤلاء.
3- وهذا هو عنوان رسالة الشيخ رحمه الله و التي عناها فركوس بقوله"عنوان بعض المعترضين".
4- و هذا وهم من الإمام ابن كثير –رحمه الله- فإنه من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- برقم(49).
5- من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- عند "مسلم".
6- ووافقه الإمام الألباني-رحمه الله- كما في"صحيح الجامع"(2/1189).
7- قلت: وهذه الآيةمما يرد بها-أيضاً- على أصحاب المقدمات العاطفية لكتاب "الإبانة" وأنهم لم يستطيعوا-إلى الآن- أن يستخرجوا ولو خطأ واحداً من هذا المرجع الخلفي بحيث استطاع طلاب العلم بدار الحديث بدمَّاج –الذين يحتقرونهم ويقللون من شأنهم- أن يستخرجوا أكثر من خمسين قاعدة خلفية أصلها الملقب بالإمام!! و نسبها للمنهج السلفي وما ذلك إلا لأنهم أحاطوا بما لم يحط به هؤلاء و الفضل في ذلك لله سبحانه يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم . و للإستفادة راجع الردود العلمية على كتاب الإبانة والتي منها "مصباح الظلام" لأخينا الشيخ أبي حاتم يوسف بن العيد الجزائري-وفقه الله- ، وكذا "تنزيه السلفية" و "الرد على مقدمة الإبانة في طبعته الثانية" كلاهما للشيخ أبي حاتم سعيد بن دعاس-رحمه الله – وغيرها من الردود العلمية الطيبة ، وهي منشورة على شبكة العلوم السلفية-حفظ الله القائمين عليها-.
8- قال السبكي: (( حدَّث البخاري بالحجاز والعراق وخراسان و ما وراء النهر وكَتَبَ عنه المحدثون وما في وجهه شعرة.))اهـ. "طبقات الشافعية الكبرى" (2/215).
9- وفي زماننا كم من فتنة ظهرت قرنها فانبرى لها طلاب العلم بالردود العلميةو القصائد النقدية - بتوجيهات من علماء الدعوة السلفية - حتى كسروا قرنها ووَجِبَ جنبها واستراح كثير من الناس من شرارها، و في المقابل تجد كثير ممن يدعي العلم و المشيخة!! مازال يتخبط فيها خبط عشواء بلا برهان ولا نور فاللهم رحماك رحماك.
2- وهذا أمر لا يشك فيه من تتبع سيرة وأقوال هؤلاء القوم ، وأنهم يسيرون على المبدأ البنائي الإخواني"نتعاون فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
فأما أبو الفتن المأربي-عامله الله بعدله- فتقريره لهذه المسألة بدعوته الواسعة إلى المنهج الأفيح الذي يسع الأمة!! (إلا أهل السنة)
قال العلامة ربيع المدخلي-حفظه الله- بعد أن ذكر قوله هذا في مقاله المسمى بـ"جناية أبي الحسن على الأصول السلفية" ؛ قال –حفظه الله- : ((و هو يريد القاعدة المشهور: ((نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)) وكنت في مناقشة سابقة قلت : ((يحتمل كذا ، ويحتمل أنه يريد ما يريده الإخوان المسلمون)). ثم بعد دراستي لمشاكله و أقواله ؛ اتضح لي أنه يريد هذه القاعدة التي وسَّعت الأمة.))اهـ.
وقال أبو الحسن المنحرف-أيضاً- في(الشريط/3-وجه(01)-) من أشرطته المسماة بالقول المين: ((ثم في النهاية نفترض أننا اختلفنا في أمر الشيخ المغراوي ، وأن المغراوي مخطئ ، وأنا قلت مصيب، وأخطأت في تصويبي إياه، هل هذا معناه أن الدعوة تفترق ، وأنني لست سلفياً، وأنني سروري ، وانني حزبي، و أنني كذا وكذا ، كما يقول الجهلة الذين يقولون ما لا يعرفون ، ويهرفون بما لا يعرفون.
هب أني خالفت في شخص من الأشخاص ، وأنا و أنت نقصد الدفاع عن السنَّة ، فأنت جرحت ، وأنا مدحت ، وأنت مصيب في تجريحك ، وأنا مخطئ في هذه الحالة يقال فلان أخطأ في هذا)!!.
و أما الحلبي علي حسن-عامله الله بعدله- فكان تقريره لهذه القاعدة البنائية بعبارة أوضح من عبارة خلِّه حيث قال في "منهج السلف!!"(ص/57 حاشية رقم3) : (( الإختلاف في التبديع في إطار أهل السنة اختلاف سائغ ، لا يوجب هجراً، ولا إسقاطاً ولا تبديعاً..)!!.و قال أيضاً في (ص/197-الحاشية4) : ((و هذا عين ما اكرّره –دائماً- وقد انتقده عليَّ(بعض الناس!)-بغير الحق- : ((لانجعل اختلافنا في غيرنا سبباً للخلاف بيننا)).
أما المبتدع الضال مشهور حسن آل سلمان-عامله الله بعده- فقد قرر هذه القاعدة التمييعية بقوله: و ما انصح إخواني يعني الفتش والبحث والتنقير-كذا- على المؤاخذات في هذا الباب عما يقع... ويعذرون و لا يتعجلون و لا يتهمون، ويلقون التهم هكذا)"صعقة المنصور"(ص/374) لأخينا أبي عبد الرحمن الكردي-وفقه الله-.
أما محمد بن عبد الله الريمي الملقب بالإمام!! فقد قرر هذه القاعد البنائية الإخوانية في شريط (جلسة أصحاب الخيسة)-بتاريخ 14/شوال/1428هـ - عند الكلام على هذه الفتنة الحاصلة فكان مما أجاب به قوله : ((إذا اختلفنا في شخص لا يعني الاختلاف في الدعوة ، ولا في الاختلاف في الدفاع عنها، ولا في تسييرها، وهذا لا يفهمه إلا من لم يكن مدركاً لأمور بحقائقها وعمقها،يفهم له هذا ،فالاختلاف في شخص هذا يحصل ،... فالاختلاف في شخص ليس اختلافا في الدعوة...))اهـ
و صدق الشيخ الفاضل أبو حاتم يوسف بن العيد الجزائري حيث قال معلقاً على كلامه هذا بقوله: ((و هذا من الأدلة الكثيرة على توافق ما في الكتابين"الإبانة" للشيخ محمد الإمام، و"منهج السلف" للحلبي، إذ الكل خرج من "مشكاة!"واحدة!
(لانجعل خلافنا في غيرنا) = (لانجعل اختلافنا في الإشخاص)
(سببا للخلاف بيننا) = (اختلافا في الدعوة). ))"مصباح الظلام"(ص/207).
وأما محمد بن عبد الوهاب الوصابي –عامله الله بما يستحق- فتقريره لهذه القاعدة أصبح عنده من أصول اهل السنة ، بل ويصيح به صياحًا ، حيث قال في تخريفاته الأخيرة بأن ((الخلاف الذي بيني وبينك يسعني ويسعك، أنت سلفي تدعو إلى التوحيد وتدعو إلى السنة وأنا كذلك...... وقبله قال : ((كان يحصل خلاف بين يحيى بن معين وعلي بن المديني هذا وثق هذا وهذا يضعفه، ما كان يحصل على هذا ولاء وبراء، وتشهير، وملازم، توزع، وسباب ، وشتائم، وهجر ، ومقاطعة لا يوجد له مثيل في التاريخ قط.؟!!!.
و في الحقيقة: إن الوصابي المخذول هذا هو مهنجه من قديم فقد قال في اجتماع المشايخ لعام(1428هـ): (( وقد يحصل بين علي بن المديني وأحمد بن حنبل أو يحي بن معين في بعض الرواة ؛ هذا يوثق و هذا يضعف ، اختلاف أفهام و اختلاف اجتهاد !! فلا يعنف هذا على هذا ، ولا هذا على هذا ، فوسعوا بالكم –يا رحمكم الله- فوسعوا بالكم ، فكون فلان يرى فلان أن فلان مجروح وغيره لا يراه مجروح فهذا أقل شيء أن يكون مما يسوغ فيه الاختلاف و انه من الأمور الاجتهادية فلا ينبغي أن يجر هذا على هذا ، ولا هذا على هذا ، والقلوب صافية و القلوب متآلفة و القلوب متحابة ، ولا يمتحن هذا بهذا و لا هذا بهذا ، كونوا أرفع من ذلك ترفعوا!!!)اهـ.
وأما فركوس الإختلاطي فكان تقريره لهذه القاعدة في رسالته"عدة الداعية!!"(ص/102-103) حيث أجاز التعاون الشرعي الأخوي!!-على حد قوله- مع الجمعيات مع تصريحه بأنها جماعات حزبية مستدلاً على ذلك بعمومات الأدلة، فهذا التقعيد!! إن دلَّ على شيء فإنما يدل على"قاعدة التعاون والمعذرة" و لكن من زاوية أخرى!! و بطريقته السياسية الملتوية؟!!.و قوله-أيضاً- بأن أقوال علماء الجرح والتعديل أو في كلام بعضهم البعض أمر اجتهادي يقبل الإصابة و الخطأ... ثم قال: ويترتب على ذلك –أي على هذا القول-كما ورد في السؤال من سعة الصدر ،و عدم التشنيع على المخالف، وحمله على أحسن المحامل...))انظر"جناية فركوس وشلته على المنهج السلفي"(ص/188-190-بيان الدليل-)للشيخ أبي حاتم يوسف بن العيد الجزائري-كان الله له-.
فلاحظ هذا التلبيس العجيب في قوله((كما ورد في السؤال من سعة الصدر ،و عدم التشنيع على المخالف، وحمله على أحسن المحامل) و سؤال السائل : ((هل المسائل الخلافية الواقعة بين العلماء في جرح و تعديل الأشخاص أو في كلام بعضهم في بعض لها أحكام المسائل الفقهية الإجتهادية من حيث ما يترتب عليها من سعة الصدر وعدم التشنيع على المخالف و حمله على أحسن المحامل و النظر في قوله تصويباً و تخطيئاً لا قدحاً وتبديعاً؟ وجزاكم الله خيراً.أهـ
فنزَّل هذا الرجل الملبِّس أحكام المسائل الفقهية الإجتهادية التي ذُكِرت في السؤال على مسائل الجرح والتعديل على طريقة أبي الحسن والحلبي و محمد الريمي الملقب بالإمام!!و محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من دعاة التمييع والتجميع و لا حول ولا قوة إلا بالله .نسأل الله تعالى أن يكفي الدعوة السلفية شر هؤلاء.
3- وهذا هو عنوان رسالة الشيخ رحمه الله و التي عناها فركوس بقوله"عنوان بعض المعترضين".
4- و هذا وهم من الإمام ابن كثير –رحمه الله- فإنه من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- برقم(49).
5- من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- عند "مسلم".
6- ووافقه الإمام الألباني-رحمه الله- كما في"صحيح الجامع"(2/1189).
7- قلت: وهذه الآيةمما يرد بها-أيضاً- على أصحاب المقدمات العاطفية لكتاب "الإبانة" وأنهم لم يستطيعوا-إلى الآن- أن يستخرجوا ولو خطأ واحداً من هذا المرجع الخلفي بحيث استطاع طلاب العلم بدار الحديث بدمَّاج –الذين يحتقرونهم ويقللون من شأنهم- أن يستخرجوا أكثر من خمسين قاعدة خلفية أصلها الملقب بالإمام!! و نسبها للمنهج السلفي وما ذلك إلا لأنهم أحاطوا بما لم يحط به هؤلاء و الفضل في ذلك لله سبحانه يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم . و للإستفادة راجع الردود العلمية على كتاب الإبانة والتي منها "مصباح الظلام" لأخينا الشيخ أبي حاتم يوسف بن العيد الجزائري-وفقه الله- ، وكذا "تنزيه السلفية" و "الرد على مقدمة الإبانة في طبعته الثانية" كلاهما للشيخ أبي حاتم سعيد بن دعاس-رحمه الله – وغيرها من الردود العلمية الطيبة ، وهي منشورة على شبكة العلوم السلفية-حفظ الله القائمين عليها-.
8- قال السبكي: (( حدَّث البخاري بالحجاز والعراق وخراسان و ما وراء النهر وكَتَبَ عنه المحدثون وما في وجهه شعرة.))اهـ. "طبقات الشافعية الكبرى" (2/215).
9- وفي زماننا كم من فتنة ظهرت قرنها فانبرى لها طلاب العلم بالردود العلميةو القصائد النقدية - بتوجيهات من علماء الدعوة السلفية - حتى كسروا قرنها ووَجِبَ جنبها واستراح كثير من الناس من شرارها، و في المقابل تجد كثير ممن يدعي العلم و المشيخة!! مازال يتخبط فيها خبط عشواء بلا برهان ولا نور فاللهم رحماك رحماك.
تعليق