سُئلَ شَيخُ الإسْلام رحمهُ اللَّهُ تَعَالَى عن رجل متمسك بالسنة ويحصل له ريبة في تفضيل الثلاثة على عليّ ، لقوله عليه السلام له : ( أنت مني وأنا منك ) ؟
سُئلَ شَيخُ الإسْلام رحمهُ اللَّهُ تَعَالَى عن رجل متمسك بالسنة ويحصل له ريبة في تفضيل الثلاثة على
عليّ ، لقوله عليه السلام له : ( أنت مني وأنا منك ) ، وقوله : ( أنت مني بمنزلة هارون من
موسى ) ، وقوله : ( لأعطين الراية رجلا يحب اللّه ورسوله . . . إلخ ) وقوله : ( من كنت
مولاه فعليّ مولاه ) ، ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . . . إلخ ) ، وقوله : ( أذكِّركُم اللّه
في أهل بيتي ) ، وقوله سبحانه : { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ } الآية [ آل عمران : 61
] وقوله تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ } الآية [ الإنسان : 1 ] ، وقوله : { هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } الآية [ الحج : 19 ] .
فَأجَابَ :
يجب أن يعلم أولًا : أن التفضيل إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد مثله للمفضول ، فإذا
استويا وانفرد أحدهما بخصائص كان أفضل ، وأما الأمور المشتركة فلا توجب تفضيله على غيره .
وإذا كان كذلك ، ففضائل الصديق رضي اللّه عنه التي تميز بها لم يشركه فيها غيره ، وفضائل عليّ
مشتركة ، وذلك أن قوله : ( لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) ، وقوله
: ( لا يبقى في المسجد خَوْخَة إلا سُدَّتْ ، إلا خَوْخَة أبي بكر ) وقوله : ( إن أمَنَّ الناس على في
صحبته وذات يده أبو بكر ) وهذا فيه ثلاث خصائص لم يشركه فيها أحد :
الأولى : أنه ليس لأحد منهم عليه في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر .
الثانية : قوله : ( لا يبقى في المسجد . . . إلخ ) ، وهذا تخصيص له دون سائرهم ، وأراد بعض
الكذابين أن يروي لعلي مثل ذلك ، والصحيح لا يعارضه الموضوع .
الثالثة : قوله : ( لو كنت متخذًا خليلًا ) نص في أنه لا أحد من البشر استحق الخُلَّة لو أمكنت إلا
هو ، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بها لو تقع .
وكذلك أمره له أن يصلي بالناس مدة مرضه من الخصائص ، وكذلك تأميره له في المدينة على الحج
؛ ليقيم السنة ويمحق آثار الجاهلية فإنه من خصائصه ، وكذلك قوله في الحديث الصحيح : ( ادع
أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابًا ) وأمثال هذه الأحاديث كثيرة تبين أنه لم يكن في الصحابة من
يساويه . وأما قوله :( أنت مني وأنا منك ) ، فقد قالها لغيره وقالها لسلمان والأشعريين . وقال
تعالى : { وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ } [ التوبة : 56 ] ، وقوله صلى الله عليه
وسلم : ( من غَشَّنَا فليس منا ، ومن حمل علينا السلاح فليس منا ) ، يقتضي أن من يترك هذه
الكبائر يكون منا ، فكل مؤمن كامل الإيمان فهو من النبي والنبي منه ، وقوله في ابنة حمزة : (
أنت مني وأنا منك ) وقوله لزيد : ( أنت أخونا ومولانا ) لا يختص بزيد ، بل كل مواليه كذلك .
وكذلك قوله : ( لأعطين الراية . . . إلخ ) . هو أصح حديث يروى في فضله ، وزاد فيه بعض
الكذابين : أنه أخذها أبو بكر وعمر فهربا ، وفي الصحيح أن عمر قال : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ
، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في على ، وليس هذا من خصائصه ، بل كل مؤمن كامل
الإيمان يحب اللّه ورسوله ، ويحبه اللّه ورسوله ، قال تعالى : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، وهم الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر ، وفي الصحيح : أنه
سأله : أي الناس أحب إليك؟ قال : ( عائشة ) . قال : فمن الرجال؟ قال : ( أبوها ) ، وهذا من
خصائصه .
وأما قوله : ( أما تَرْضَى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) قاله في غزوة تبوك لما
استخلفه على المدينة ، فقيل : استخلفه لبغضه إياه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا
استخلف رجلًًًًا من أمته ، وكان بالمدينة رجال من المؤمنين القادرين ، وفي غزوة تبوك لم يأذن لأحد
فلم يتخلف أحد إلا لعذر ، أو عاص . فكان ذلك الاستخلاف ضعيفا فطعن به المنافقون بهذا السبب ،
فبين له : أني لم أستخلفك لنقص عندي ، فإن موسى استخلف هارون وهو شريكه في الرسالة ،
أفما ترضى بذلك؟ ومعلوم أنه استخلف غيره قبله وكانوا منه بهذه المنزلة ، فلم يكن هذا من
خصائصه ، ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف على عليٍّ ولحقه يبكي .
ومما بين ذلك : أنه بعد هذا أمَّر عليه أبا بكر سنة تسع ، وكونه بعثه لنبذ العهود ليس من خصائصه
؛ لأن العادة لما جرت أنه لا ينبذ العهود ولا يعقدها إلا رجل من أهل بيته ، فأي شخص من عترته
نبذها حصل المقصود،ولكنه أفضل بني هاشم بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكان أحق الناس
بالتقدم من سائرهم ، فلما أمَّر أبا بكر بعد قوله : ( أما ترضى . . . إلخ ) ، علمنا أنه لا دلالة فيه
على أنه بمنزلة هارون من كل وجه ، وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصة ، وذلك ليس من
خصائصه .
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإبراهيم وعيسى ، وشبه عمر بنوح وموسى عليهم
الصلاة والسلام لما أشارا في الأسرى ، وهذا أعظم من تشبيه على بهارون ، ولم يوجب ذلك أن
يكونا بمنزلة أولئك الرسل ، وتشبيه الشىء بالشىء لمشابهته في بعض الوجوه كثير في الكتاب
والسنة وكلام العرب .
وأما قوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه . . . إلخ ) فهذا ليس في شىء من
الأمهات ؛ إلا في الترمذي ، وليس فيه إلا : ( من كنت مولاه فعلى مولاه ) ، وأما الزيادة فليست
في الحديث . وسئل عنها الإمام أحمد فقال : زيادة كوفية ، ولا ريب أنها كذب لوجوه :
أحدها : أن الحق لا يدور مع مُعَيَّن إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لو كان كذلك لوجب اتباعه
في كل ما قال ، ومعلوم أن عليًا ينازعه الصحابة وأتباعه في مسائل وجد فيها النص يوافق من
نازعه ؛ كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل
وقوله : ( اللهم انصر من نصره . . . إلخ ) ، خلاف الواقع ، قاتل معه أقوام يوم [ صِفِّين ] فما
انتصروا ، وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا [ كسعد ] الذي فتح العراق لم يقاتل معه ، وكذلك أصحاب
معاوية ، وبني أمية الذين قاتلوه ، فتحوا كثيرًا من بلاد الكفار ونصرهم اللّه .
وكذلك قوله : ( اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ) مخالف لأصل الإسلام ؛ فإن القرآن قد بين أن
المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على بعض . وقوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فمن
أهل الحديث من طعن فيه كالبخاري وغيره ، ومنهم من حسنه ، فإن كان قاله فلم يرد به ولاية
مختصًا بها ، بل ولاية مشتركة ، وهي ولاية الإيمان التي للمؤمنين ، والموالاة ضد المعاداة ، ولا
ريب أنه يجب موالاة المؤمنين على سواهم ، ففيه رد على النواصب .
وحديث ( التصدق بالخاتم في الصلاة ) كذب باتفاق أهل المعرفة ، وذلك مبين بوجوه كثيرة مبسوطة
في غير هذا الموضع .
وأما قوله : يوم غَدِيرَخُمٍّ : ( أذكركم اللّه في أهل بيتي ) ، فليس من الخصائص بل هو مساو لجميع
أهل البيت ، وأبعد الناس عن هذه الوصية الرافضة ، فإنهم يعادون العباس وذريته ؛ بل يعادون
جمهور أهل البيت ويعينون الكفار عليهم .
وأما آية [ المباهلة ] فليست من الخصائص ، بل دعا عليًا وفاطمة وابنيهما ، ولم يكن ذلك لأنهم
أفضل الأمة ، بل لأنهم أخص أهل بيته ، كما في حديث الكساء : ( اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب
عنهم الرِّجْسَ وطهرهم تطهيرًا ) .
فدعا لهم وخصهم . و [ الأنفس ] يعبر عنها بالنوع الواحد ، كقوله : { ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا } [ النور : 12 ] ، وقال : { فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] أي : يقتل
بعضكم بعضًا ، وقوله : ( أنت مِنِّي وأنا منك ) ليس المراد أنه من ذاته ،ولاريب أنه أعظم الناس
قدرًا من الأقارب ، فله من مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد لبقية القرابة فدخل في ذلك المباهلة ،
وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه ؛ لأن المباهلة وقعت في الأقارب ، وقوله
: { هَذَانِ خَصْمَانِ . . . } الآية [ الحج : 19 ] ، فهي مشتركة بين علي ، وحمزة ، وعبيدة ،
بل وسائر البدريين يشاركونهم فيها .
وأما سورة : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ } [ سورة الإنسان ] فمن قال : إنها نزلت فيه وفي فاطمة
وابنيهما فهذا كذب ؛ لأنها مكية والحسن والحسين إنما ولدا في المدينة ، وبتقدير صحته فليس فيه
أنه من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرًا أفضل الصحابة ، بل الآية عامة مشتركة فيمن فعل هذا ، وتدل
على استحقاقه للثواب على هذا العمل ، مع أن غيره من الأعمال من الإيمان باللّه والصلاة في وقتها
والجهاد أفضل منه .
عليّ ، لقوله عليه السلام له : ( أنت مني وأنا منك ) ، وقوله : ( أنت مني بمنزلة هارون من
موسى ) ، وقوله : ( لأعطين الراية رجلا يحب اللّه ورسوله . . . إلخ ) وقوله : ( من كنت
مولاه فعليّ مولاه ) ، ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . . . إلخ ) ، وقوله : ( أذكِّركُم اللّه
في أهل بيتي ) ، وقوله سبحانه : { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ } الآية [ آل عمران : 61
] وقوله تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ } الآية [ الإنسان : 1 ] ، وقوله : { هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } الآية [ الحج : 19 ] .
فَأجَابَ :
يجب أن يعلم أولًا : أن التفضيل إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد مثله للمفضول ، فإذا
استويا وانفرد أحدهما بخصائص كان أفضل ، وأما الأمور المشتركة فلا توجب تفضيله على غيره .
وإذا كان كذلك ، ففضائل الصديق رضي اللّه عنه التي تميز بها لم يشركه فيها غيره ، وفضائل عليّ
مشتركة ، وذلك أن قوله : ( لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) ، وقوله
: ( لا يبقى في المسجد خَوْخَة إلا سُدَّتْ ، إلا خَوْخَة أبي بكر ) وقوله : ( إن أمَنَّ الناس على في
صحبته وذات يده أبو بكر ) وهذا فيه ثلاث خصائص لم يشركه فيها أحد :
الأولى : أنه ليس لأحد منهم عليه في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر .
الثانية : قوله : ( لا يبقى في المسجد . . . إلخ ) ، وهذا تخصيص له دون سائرهم ، وأراد بعض
الكذابين أن يروي لعلي مثل ذلك ، والصحيح لا يعارضه الموضوع .
الثالثة : قوله : ( لو كنت متخذًا خليلًا ) نص في أنه لا أحد من البشر استحق الخُلَّة لو أمكنت إلا
هو ، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بها لو تقع .
وكذلك أمره له أن يصلي بالناس مدة مرضه من الخصائص ، وكذلك تأميره له في المدينة على الحج
؛ ليقيم السنة ويمحق آثار الجاهلية فإنه من خصائصه ، وكذلك قوله في الحديث الصحيح : ( ادع
أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابًا ) وأمثال هذه الأحاديث كثيرة تبين أنه لم يكن في الصحابة من
يساويه . وأما قوله :( أنت مني وأنا منك ) ، فقد قالها لغيره وقالها لسلمان والأشعريين . وقال
تعالى : { وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ } [ التوبة : 56 ] ، وقوله صلى الله عليه
وسلم : ( من غَشَّنَا فليس منا ، ومن حمل علينا السلاح فليس منا ) ، يقتضي أن من يترك هذه
الكبائر يكون منا ، فكل مؤمن كامل الإيمان فهو من النبي والنبي منه ، وقوله في ابنة حمزة : (
أنت مني وأنا منك ) وقوله لزيد : ( أنت أخونا ومولانا ) لا يختص بزيد ، بل كل مواليه كذلك .
وكذلك قوله : ( لأعطين الراية . . . إلخ ) . هو أصح حديث يروى في فضله ، وزاد فيه بعض
الكذابين : أنه أخذها أبو بكر وعمر فهربا ، وفي الصحيح أن عمر قال : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ
، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في على ، وليس هذا من خصائصه ، بل كل مؤمن كامل
الإيمان يحب اللّه ورسوله ، ويحبه اللّه ورسوله ، قال تعالى : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، وهم الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر ، وفي الصحيح : أنه
سأله : أي الناس أحب إليك؟ قال : ( عائشة ) . قال : فمن الرجال؟ قال : ( أبوها ) ، وهذا من
خصائصه .
وأما قوله : ( أما تَرْضَى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) قاله في غزوة تبوك لما
استخلفه على المدينة ، فقيل : استخلفه لبغضه إياه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا
استخلف رجلًًًًا من أمته ، وكان بالمدينة رجال من المؤمنين القادرين ، وفي غزوة تبوك لم يأذن لأحد
فلم يتخلف أحد إلا لعذر ، أو عاص . فكان ذلك الاستخلاف ضعيفا فطعن به المنافقون بهذا السبب ،
فبين له : أني لم أستخلفك لنقص عندي ، فإن موسى استخلف هارون وهو شريكه في الرسالة ،
أفما ترضى بذلك؟ ومعلوم أنه استخلف غيره قبله وكانوا منه بهذه المنزلة ، فلم يكن هذا من
خصائصه ، ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف على عليٍّ ولحقه يبكي .
ومما بين ذلك : أنه بعد هذا أمَّر عليه أبا بكر سنة تسع ، وكونه بعثه لنبذ العهود ليس من خصائصه
؛ لأن العادة لما جرت أنه لا ينبذ العهود ولا يعقدها إلا رجل من أهل بيته ، فأي شخص من عترته
نبذها حصل المقصود،ولكنه أفضل بني هاشم بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكان أحق الناس
بالتقدم من سائرهم ، فلما أمَّر أبا بكر بعد قوله : ( أما ترضى . . . إلخ ) ، علمنا أنه لا دلالة فيه
على أنه بمنزلة هارون من كل وجه ، وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصة ، وذلك ليس من
خصائصه .
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإبراهيم وعيسى ، وشبه عمر بنوح وموسى عليهم
الصلاة والسلام لما أشارا في الأسرى ، وهذا أعظم من تشبيه على بهارون ، ولم يوجب ذلك أن
يكونا بمنزلة أولئك الرسل ، وتشبيه الشىء بالشىء لمشابهته في بعض الوجوه كثير في الكتاب
والسنة وكلام العرب .
وأما قوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه . . . إلخ ) فهذا ليس في شىء من
الأمهات ؛ إلا في الترمذي ، وليس فيه إلا : ( من كنت مولاه فعلى مولاه ) ، وأما الزيادة فليست
في الحديث . وسئل عنها الإمام أحمد فقال : زيادة كوفية ، ولا ريب أنها كذب لوجوه :
أحدها : أن الحق لا يدور مع مُعَيَّن إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لو كان كذلك لوجب اتباعه
في كل ما قال ، ومعلوم أن عليًا ينازعه الصحابة وأتباعه في مسائل وجد فيها النص يوافق من
نازعه ؛ كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل
وقوله : ( اللهم انصر من نصره . . . إلخ ) ، خلاف الواقع ، قاتل معه أقوام يوم [ صِفِّين ] فما
انتصروا ، وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا [ كسعد ] الذي فتح العراق لم يقاتل معه ، وكذلك أصحاب
معاوية ، وبني أمية الذين قاتلوه ، فتحوا كثيرًا من بلاد الكفار ونصرهم اللّه .
وكذلك قوله : ( اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ) مخالف لأصل الإسلام ؛ فإن القرآن قد بين أن
المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على بعض . وقوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) فمن
أهل الحديث من طعن فيه كالبخاري وغيره ، ومنهم من حسنه ، فإن كان قاله فلم يرد به ولاية
مختصًا بها ، بل ولاية مشتركة ، وهي ولاية الإيمان التي للمؤمنين ، والموالاة ضد المعاداة ، ولا
ريب أنه يجب موالاة المؤمنين على سواهم ، ففيه رد على النواصب .
وحديث ( التصدق بالخاتم في الصلاة ) كذب باتفاق أهل المعرفة ، وذلك مبين بوجوه كثيرة مبسوطة
في غير هذا الموضع .
وأما قوله : يوم غَدِيرَخُمٍّ : ( أذكركم اللّه في أهل بيتي ) ، فليس من الخصائص بل هو مساو لجميع
أهل البيت ، وأبعد الناس عن هذه الوصية الرافضة ، فإنهم يعادون العباس وذريته ؛ بل يعادون
جمهور أهل البيت ويعينون الكفار عليهم .
وأما آية [ المباهلة ] فليست من الخصائص ، بل دعا عليًا وفاطمة وابنيهما ، ولم يكن ذلك لأنهم
أفضل الأمة ، بل لأنهم أخص أهل بيته ، كما في حديث الكساء : ( اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب
عنهم الرِّجْسَ وطهرهم تطهيرًا ) .
فدعا لهم وخصهم . و [ الأنفس ] يعبر عنها بالنوع الواحد ، كقوله : { ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا } [ النور : 12 ] ، وقال : { فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] أي : يقتل
بعضكم بعضًا ، وقوله : ( أنت مِنِّي وأنا منك ) ليس المراد أنه من ذاته ،ولاريب أنه أعظم الناس
قدرًا من الأقارب ، فله من مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد لبقية القرابة فدخل في ذلك المباهلة ،
وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه ؛ لأن المباهلة وقعت في الأقارب ، وقوله
: { هَذَانِ خَصْمَانِ . . . } الآية [ الحج : 19 ] ، فهي مشتركة بين علي ، وحمزة ، وعبيدة ،
بل وسائر البدريين يشاركونهم فيها .
وأما سورة : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ } [ سورة الإنسان ] فمن قال : إنها نزلت فيه وفي فاطمة
وابنيهما فهذا كذب ؛ لأنها مكية والحسن والحسين إنما ولدا في المدينة ، وبتقدير صحته فليس فيه
أنه من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرًا أفضل الصحابة ، بل الآية عامة مشتركة فيمن فعل هذا ، وتدل
على استحقاقه للثواب على هذا العمل ، مع أن غيره من الأعمال من الإيمان باللّه والصلاة في وقتها
والجهاد أفضل منه .
مجموع فتاوي ابن تيمية