• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تحذير المسلمين من الجدال عن المبطلين (2)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تحذير المسلمين من الجدال عن المبطلين (2)

    تحذير المسلمين


    من الجدال عن المبطلين


    (2)







    بسم الله الرحمن الرحيم


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إلهٰ إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
    ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70،71].

    أما بعد:

    فيقول الله تعالى في محكم كتابه ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران:178].
    ففي هذه الآية بيان بليغ من الله عز وجل؛ لسنته مع أهل الباطل، وأعداء أولياءه، أنه يملي لهم، ويتركهم يستمرون في باطلهم وظلمهم، ومحاربتهم لأوليائه، ويكثُر أتباعهم وأنصارهم على الباطل، لا لكون ما هم عليه هو الحق، وأن غيرهم على الباطل! ولكن ليزيد من أوزارهم، ويكون ذلك وبالاً عليهم، وليبتلي بهم أهلَ الحق فيزيد من أجورهم، ويمحص عباده ليعلم منهم الصادق ممن يعبده على حرف.
    ويقول الله عز وجل﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحدِيثِ * سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ[الأعراف: 181-183].
    ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾: أي: أُمهِلُهُم وأطيل لهم المدة حتى يظنوا أنهم أمنوا من العقاب، فيزدادون شرا إلى شرهم، وتزيد عقوبتهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون، ويخربون بيوتهم بأيديهم، ولهذا قال تعالى بعد ذلك مبينا مكره بهم﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾.
    وبين ذلك أيضا ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في «صحيحه» عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِى لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.
    ألا وإن من أعظم الأمور الجالبة لذلك: الجدال عن الباطل وأهله.
    وقد أصبح هذا الداء مرض كثير من المنتسبين إلى السنة، من المجادلين عن أهل الانحراف، وهم كثير، من أمثال الحلبي، والعدني، وفركوس، وغيرهم.

    (ذم الخصومة والجدال بالباطل)


    فقد ذم الله تعالى هذا المسلك في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحذر عباده من الوقوع في مغبته، لضرره العظيم، وشره المستطير.
    وذلك أن الجدال نوعان:
    1- جدال في تقرير الحق وإظهاره، وهو حرفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن قَبِلَه نجح وأفلح، ومن رده خاب وخسر، قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ﴾ [النمل:125]، وذكر عن الكفار قولهم لنوح عليه الصلاة والسلام (يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) [هود:32].
    2- وجدال في تقرير الباطل حتى يظهر في صورة الحق فمذموم، وصاحبه في الدارين ملوم، وهو المراد بقوله تعالى (مَا يجادل فِى ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ) وقال (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [الزخرف: 58]، وقوله تعالى (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيَدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ)، وقال تعالى (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ).
    * وقد ذم الله تعالى المجادلين بالباطل في غير آية من كتابه فقال عز وجل (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) [غافر:35].
    وقال (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) [غافر:56]. وقال (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم إلى قوله فبئس مثوى المتكبرين) [غافر:76–69].
    وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل»، ثم تلا هذه الآية (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً). أخرجه أبوداود وهو في «الصحيح المسند». * وذم الخصومة في الباطل والفجور فيها، وبيّن بأنها من صفات أهل النفاق. قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: 204-206].
    وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا» وذكر منها «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» متفق عليه. ويعني بالفجور- كما ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في «جامع العلوم والحكم»-: ( أنْ يخرج عن الحقِّ عمداً حتى يصير الحقُّ باطلاً والباطلُ حقاً، وهذا مما يدعو إليه الكذبُ، كما قال صلى الله عليه وسلم : «إيَّاكم والكَذِبَ، فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفُجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النارِ»..).
    * وصاحبها من أبغض الناس إلى الله تعالى، ففي «الصحيحين» من حديث رضي الله عنه أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال «إنَّ أبغضَ الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِمُ».
    * ولا يزال صاحبها في سخط الله حتى يئوب ويتوب، ففي «سنن أبي داود » عن ابن عمر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ خَاصَمَ في باطلٍ وهو يعلَمُهُ لم يَزَلْ في سَخَطِ الله حتى يَنزِعَ».
    * ألا وإن من أقبح أنواع الجدال الباطل:
    الجدال عن أهل الباطل والتُّهم والرِّيَب؛ فقد حذر الله تعالى في كتابه من ذلك أشدّ التحذير، لما فيه من المفاسد والعواقب الوخيمة.
    خاصة وخصمُهم مِن أهل الحق يبيّن حالهم ويقيم الأدلةَ على باطلهم، ويذب عن الشريعة أغلاطهم، وهناك من يحاجّ عنهم!!
    * وعلى أي صورة كان خصامه وجداله؛ فهو باطل وبالباطل!
    قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).
    قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في «تفسيره» : (..فالخصيم هو المجادل، وجمع الخصيم خصماء..، فنهى الله عز وجل رسولَه عن عضد أهل التُّهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة. وفي هذا دليل على أن النيابة عن المبطل والمتهم في الخصومة لا تجوز، فلا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق).
    * والدفاع عن أهل التهم والثناء عليهم من الركون إليهم، ويترتب عليه العذاب من الله تعالى وسخطه، وقد توعد الله تعالى المحامين عن أهل الباطل بالعذاب.
    قال تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ). قال القرطبي رحمه الله تعالى: ( (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) أي تحرقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم). * وقد بيّن الله عز وجل عاقبة هذه المحاماة الباطلة في الدنيا، وأنها لا تجدي أصحابها من عذابه شيئا، وأنها تكون يوم القيامة هباء منثورا، ولن يجد أهل الباطل حينئذ من يجادل اللهَ عنهم ويكون عليهم وكيلا.
    قال تعالى (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا).
    * ذلك اليوم الذي يحشر فيه الظالم، ومعه أنصاره المجادلون عنه بالباطل.
    قال النبي صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحبّ» أخرجه البخاري ومسلم، من حديث أبي موسى الأشعري وابن مسعود رضي الله عنهما.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» رواه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد حسن.
    وقال صلى الله عليه وسلم «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعن عائشة رضي الله عنها عند البخاري معلقا، ووصله في «الأدب المفرد».
    * ذلك اليوم العظيم، الذي يتبرأ فيه المجادلون بالباطل عمن يجادلون ويحامون عنه، ويعضون على أيديهم من الندم والحسرة.
    يقول جل وعلا: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: ٢٧ – ٢٩]، ويقول: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) [الصافات:٥٠–٦١].

    (أحوال المخاصمين والمجادلين بالباطل في القرآن)

    والمخاصمون والمجادلون عن أهل الباطل، حالهم لا يخرج عن ثلاث مآثم، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «درء التعارض»، بيّنها الله تعالى في كتابه المبين:
    1- أن يكونوا من أصحاب المجادلة بالباطل ليُدحَض به الحق، قال تعالى (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) [غافر:5].
    2 – أن تكون مجادلتهم في الحق بعد ما تبين، وقال تعالى (يجادلونك في الحق بعد ما تبين) [الأنفال:6].
    3- أن تكون المحاجة فيما لا يعلم المحاج، فقال (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) [آل عمران:66].
    ثم اعلم أن كل مجادل بالباطل فهو مجادل بغير علم، يقول الله تعالى (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم..) الآية.
    إذ من المحال -كما ذكر العلامة السعدي- أن يجادل بسلطان، لأن الحق لا يعارضه معارض، فلا يمكن أن يعارض بدليل شرعي أو عقلي أصلا) «تيسير الكريم الرحمن».

    (مفاسد المحاماة عن أهل الباطل)


    واعلم أن الجدال عن أهل الباطل باب عظيم للشرور والأضرار على الدين والفرد والمجتمع، ويتبين ذلك فيما يلي:
    1- أن المخاصمة عن أهل الباطل سعي في مضادة الحق وإطفاء نوره.
    قال تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون) [الصف:8].
    قال الإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى في «أضواء البيان» : (وإرادتهم إطفاء نور الله بأفواههم، إنما هي بخصامهم وجدالهم بالباطل).
    2- أن المخاصم عن أهل الباطل والمجادل عنهم وارث-في ذلك- إبليس صاحب الخصام والجدل الباطل.
    فكل من خاصم عن نفسه أو عن غيره في معصية الله فهو وارث إبليس، وعنه أخذ هذه الخصومة. كما ذكر العلامة السعدي رحمه الله تعالى في «الدرة البهية شرح القصيدة التائية».
    3- أن الجدال والمحاماة عن أهل الباطل: تعظيم وتوقير لهم! وتوقير أهل الباطل والتّهم عواقبه وخيمة.
    ويمكن إرجاعها إلى جهتين :
    4- جهة ينظر فيها إلى الضرر القاصر الناشئ عن المخاصمة والمجادلة عن أهل الباطل؛ بأن يعظم شر صاحب الباطل المجادَل عنه، وظلمُه لنفسه، وتتقوى بدعته ويَغتر بفتنته فيكون ذلك محفزا ودافعا له على الاستمرار في باطله، بما يكون ضرره أعظم من ضرر ضلال من خاصم عنه.
    5- وجِهة ينظر فيها إلى الضرر المتعدي الناشئ عن الجدال والمحاماة عن صاحب الباطل؛ بتكثير سواده وباطله، واغترار الناس به والدلالة عليه.
    كما ذكر ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في «الاعتصام».
    6- والمحاماة عن أهل الباطل والمجادلة عنهم ليست من صفات المؤمنين، الذين جعلوا ولاءهم وبراءهم لله ولدينه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان مع أقرب قريب.
    قال جل وعلا (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: ٢٢].
    7- والجدال عن أهل التهم من إلقاء المودة إلى أهل الباطل المشاقين لله ورسوله.
    يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة: ١].
    8- والجدال عن أهل التهم والمحاماة عنهم، تسوية بين الحق والباطل، والمحق والمبطل.
    وقد قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم: ٣٥-36]، وقال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص: ٢٨].
    قيل للأوزاعي : إن رجلا يقول : أنا أجالس أهل السنة وأجالس أهل البدع، فقال الأوزاعي: هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل.اهـ «الإبانة الكبرى لابن بطة».
    9- وفي الخصام عن أصحاب الباطل تشبه بهم، وقد قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: ٣١ – ٣٢]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم».
    10- والخصام عن الظالمين المعادين لدعوة أهل الحق، مناف لأصل من أصول أهل السنة الذين بذلوا الغالي والرخيص من أجل تحقيقه، ألا وهو التميز عن الباطل وأهله.
    إلى غير ذلك من الأخطار والأضرار.

    (حال المحامين عن أهل الباطل وحكمهم)

    وحال المحامي والمجادل عن أهل الباطل دائر بين أمور :
    أولها: اعتقاد ما تضمنه ما صدر منه من الباطل قولا كان أو فعلا.
    الثاني: أو الرضى به، وهذا فسق موجب للعقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة.
    ومن المعلوم المقرر في أحكام الشريعة أن من رضي بالفعل صحت نسبته إليه وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، قال الله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:78، 79]، وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس14،15]، مع أن الذي عقر الناقة رجل واحد عارم منيع في قومه كما في «الصحيحين» من حديث عبدالله بن زمعة رضي الله عنه والله عز وجل قال: ﴿فعقروها﴾ ولم يقل فعقرها، وقوله تعالى: ﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ [آل عمران:181]، قال القرطبي رحمه الله تعالى في «الجامع لأحكام القرآن» عند الآية: أي ونكتب قتلهم الأنبياء، أي رضاهم بالقتل والمراد قتل أسلافهم لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم.
    الثالث: وبين الذب عن صاحب الباطل مع الجهل لما صدر منه من الباطل، وذلك موجب لموادة من حادّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الموجب لعداوتهما الجارّة إلى كل شقاء.
    فندعوا أهل الإنصاف والبصيرة إلى التمعّن في هذا الأصل مع النظر في حال أولئك القوم وهذا كاف في إدانتهم وإدانة من وافقهم.

    (
    عقوبة المخاصم والمجادل عن أهل الباطل)


    أما عن عقوبة المخاصم والمجادل عن أهل الباطل؛ فيقول جل وعلا (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: ٢٧ – ٢٩].وفي «الصحيحين» حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة».
    والأدلة على ذلك كثيرة.
    ومعلوم كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في وجوب عقوبة كل من انتسب إلى أهل الباطل أو ذبّ عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم أو كره الكلام فيهم أو أخذ يعتذر لهم بأن: هذا الكلام لا يدرى ما هو؟ أو: من قال إنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان، وهم يسعون في الأرض فسادا ويصدون عن سبيل الله...أو كما قال رحمه الله.
    وقال الإمام ابن باز رحمه الله تعالى في شرحه على «فضل الإسلام» وقد سئل عمن يثني على أهل البدع ويمدحهم هل يلحق بهم؟
    فأجاب رحمه الله: (نعم؛ ما فيه شك، من أثنى عليهم ومدحهم هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافية).
    ولا يتمسك بما صدر من فركوس وغيره بعدما تبين له حاله وما عنده من الانحرافات وما عنده من الطعون في أهل السنة بدماج وغيرهم إلا من كان على شاكلته، أو من هو مخطئ في ذلك.
    ** * **


    ونقول لهؤلاء وغيرهم من الطاعنين بغير حق: إن دعوة أهل السنة سواء بالقلعة السلفية الشامخة بدماج، دعوة شيخها الناصح الأمين، ودعوة طلابه ودعوة غيرهم من أهل السنة الناصحين قد أقبل الناس عليها لصفائها وقوة حجتها، والناس ولله الحمد يرحلون إلى شيخ تلكم الدار السلفية العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله من جميع بقاع الأرض ينهلون من علومه، ويرجعون إلى بلدانهم دعاة إلى السنة والتميز عن البدعة، ولا يعرف عالم في هذه الساعة فيما نعلم يُرحل إليه كما يرحل إليه!
    هذه القلعة التي وقفت وتقف في وجه كل باطل ومبطل، قبل ظهوره وبعد ظهوره بإذن الله، لا يتهيبون من أحد غير الله تعالى، وأهل السنة وحملة لواء المنهج السلفي بدار الحديث بدماج وغيرهم معلنون للحرب على الباطل وأهله حيثما كانوا وأينما حلوا وارتحلوا، في شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، يصولون بالحق ويجولون، بحمد الله وتوفيقه لهم.
    أما هؤلاء وكأن الدعوة السلفية حكر عليهم! من كان موافقا لهم انهالوا عليه بالثناء والألقاب!
    ومن لم يوافقهم طعنوا وحذّروا وانهالوا عليه بالألقاب الشنيعة! كما هو حالهم مع حملة لواء السنة بدار الحديث بدماج.
    وليس ذلك بضارهم شيئا إلا أذى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذى) [آل عمران:111].
    هذا، وسبحانك اللهم وبحمده أستغفرك وأتوب إليك.

    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن العيد الجزائري; الساعة 30-11-2012, 10:52 AM.

  • #2
    لو كانت في رسالة pdf لتنسخ كان أفضل
    لأنها تحوي كلاما ثمينا غاليا
    بوركتم و جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عبد الله بن أحمد الحسني مشاهدة المشاركة
      لو كانت في رسالة pdf لتنسخ كان أفضل
      لأنها تحوي كلاما ثمينا غاليا
      بوركتم و جزاك الله خيرا
      أنا أنسّق فيه pdf و word ثم أرفقه في التحميلات إن شاء الله

      تعليق


      • #4
        جزاك‏ ‏الله‏ ‏خيرا‏ ‏

        جزاك‏ ‏الله‏ ‏خيرآ‏ ‏ياشيخ‏ ‏يوسف‏ ‏ورفع‏ ‏قدرك‏ ‏وثبتك‏ ‏بيان‏ ‏طيب‏ ‏مدعم‏ ‏بالأدله‏ ‏

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرًا
          لا فض فوك يا شيخ يوسف الجزائري
          وهكذا هُو الداعي السلفي المتميز حين يكتب يتقن وحين يَنْصَح يُحسِن النُصح

          لله درك مِنْ شيخ فاضل
          جعل الله ذلك في ميزان حسناتك وصرف الله عنا وعنك الفتن ماظهر منها وما بطن وثبتنا الله وإياك على هذا الخير والحق حتى نلقاه .

          تعليق


          • #6







            للتحميل : اضغط على صورة الملف



            أو



            تعليق


            • #7
              صورة الغلاف للطباعة
              الملفات المرفقة

              تعليق


              • #8

                حفظك الله شيخنا و دفع عنك كل سوءٍ ومكروهٍ .

                كما نشكر الأخوين الجليلين عبد الحكيم وياسر على نشاطهما الدعوي و نأمل منهما المزيد من النشاط-إن شاء الله- في سبيل نصرة المنهج السلفي المبارك .

                تعليق


                • #9
                  جزى الله خيراً الشيخ يوسف وبارك في علمه ووقته

                  تعليق

                  يعمل...
                  X