حرز القلب من طعم التعصب
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .{ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً * واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم ورقيباً } {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم * ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .،
أما بعد
فهذه الرسالة قصدت فيها بيان خطورة التعصب والعصبية وأنه داء أصيب على كثير من الصوماليين إلا ما رحم ربك يتعصبون ممن انحرف عن السنة وابتدع في دين الله واستحق التحذير والعقوبة , وردوا قبول الحق إلا بما جاء عن هؤلاء الذين انحرفوا عن السنة وابتعدوا عن الصواب وهم كما قيل إذا قالت حذام فصدِّقوها...فإنَّ القولَ ما قالَتْ حذام . وسميتها { حرز القلب عن طعم التعصب }وهي نصحية لنفسي أولاً ولإخواني ثانياً أنصحهم أن يبتعدوا عن العصبية والتعصب وجميع أشكالهما وأن يبنوا للناس خطورة هذا الداء وأن يردوا على من وقع في هذا المرض الفتاك الخطير .لذلك قال الإمام الشوكاني رحمة الله عليه: فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف أن تورد عليهم حجج الله وتقيم عليهم براهينه فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد فى قلبه وأما من قد استحكم فى قلبه هذا الداء فلو أوردت عليه كل حجة وأقمت عليه كل برهان لما أعارك إلا أذناً صماء وعيناً عمياء ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن والهداية بيد الخلاق العليم { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}. فتح القدير - (4 / 104)
وهذه النصيحة لا يقبلها إلا من تلقى بما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بقلب سليم. وعقل واع ، ونفس خالية من التعصب للأشخاص والمذاهب والطوائف والأحزاب والحقد والعكوف على العصبية .ولكن من صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق والمجادلة بالباطل والانحراف عن الصواب والبعد عن الحق والإصرار على المخالفة لا يقبل من هذه النصيحة .كالصوماليين إلا من رحمه الله فهم الذين ظلموا أنفسهم بذلك,ولقد رأيت من الصوماليين من ينتصر ويتعصب لعلماء بلده ، ويقدح في علماء البلاد الأخرى،كالشيخ يحيى حفظه الله!! سبحان الله ! أليست علماء المسلمين واحدة ! أليس هذا من التعصب المذموم ! أليس من الشطط أن يتعصب أهل الشرق لعلماء الشرق ، وأهل الغرب لعلماء الغرب ، وأهل الوسط لعلماء الوسط ! . وأن هذا التعصب الذي ارتكب هؤلاء مخالف للكتاب والسنة الصحيحة، بل يجب عليهم أن يأخذوا ويقبلوا الحق مهما كان قائله ، إنْ كان ثابتاً على الحق ومستقيماً عليه ولهذا قال أبو حامد الغزالي في ذم التعصب:( وهذه عادة ضعفاء العقول ؛ يعرفون الحق بالرجال،لا الرجال بالحق ).
وهذه العصبية المنتنة ما يفعله أهل الدّين والإنصاف ومن عصمه اللّه من التّعصّب .
وأن التعصب على نوعين ، أولهما الانتصار للحق وأهله وهو ممدوح ، وثانيهما الانتصار للباطل وأهله وهو مذموم . وهو موضوع رسالتنا هذه ، وهو التعصب للباطل لا للحق وأهله .
ونعوذ بالله من التعصب للرجال. واتباع الهوى اللذين يصدان عن اتباع الحق، ويحملان على كتمان الحق، ولبسه بالباطل؛ وقد نهى الله -سبحانه- في كتابه عن هاتين الخصلتين، فقال -تعالى-: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} .
ولكن {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً }, فأنا أبرأ إلى الله من التّعصّب والحميّة ، وجعل سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم تابعةً لأراء الرّجال ، منزّلة عليها ، مسوقة إليها .
تعريف التعصب : هي الدّعوة إلى نصرة العشيرة أو القبيلة أو البلد أو الوطن أوالتعصب الأسري ، أو التعصب العرقي ، أو الطائفة أو الجماعة أو الجنسية أو الحزبية على المخالفات الشرعية ، فقد نهى القرآن الكريم عن التّعاون على الإثم والعدوان ، وأمر بالتّعاون على البرّ والتّقوى فقال عزّ من قائلٍ :{ وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }،
وعصبة الرجل أقاربه من جهة الأب سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه وقبيلته وحزبه ولهواه كما يقاتل أهل الجاهلية لمحض العصبية والرياسة، لا في سبيل الله كأهل الأهواء. أفليس لكم أيها الناس عقول تدلكم على خطورة التعصب.
وقد جاءت آيات كثيرة تدل على حرمة التعصب والعصبية منها: قول الله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } قال تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }{ وأما الذين ابيضت وجوهم ففي رحمة الله هم فيها خالدون . تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } قال تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } قال تعالى { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم } قال تعالى {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} وقال تعالى } وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون}وقال تعالى { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين }قال تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } قال تعالى{ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ولكن وصاكم به لعلكم تتقون } قال تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء } قال تعالى { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} قال تعالى { وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق } وقال تعالى { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون }قال تعالى { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون }قال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } قال تعالى { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين }قال تعالى { ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون} قال تعالى { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} وقال تعالى { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } قال تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } هذه الآيات وإن كانت في تحذير البدع ولكن لها صلة قوية في تحذير التعصب والعصبية .
ومن أسباب التعصب كثيرة منها:- الحسد يعمي ويصمّ . والهوى.
وإن الذين يأكلون لحوم العلماء لم يتجردوا لله تعالى عن هذا الداء وإنما دفعهم الهوى والتعصب والحسد، للوقوع في أعراض علماء الأمة .
واتباع الهوى لا يؤدي إلى خير ، قال - تعالى- : { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } . وقال - سبحانه - :{ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم }.
وقد تواترت الأحاديث على النّهي عن العصبيّة بكل أشكالها وصورها : العصبيّة للقبيلة أو للجنس أو للأرض.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. قال: كنّا في غزاةٍ، فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار! فقال الأنصاريّ: يا للأنصار! وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين! فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما بال دعوى جاهليّةٍ؟» قالوا: يا رسول الله! كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال: «دعوها، فإنّها منتنةٌ». فسمع بذلك عبد الله بن أبيّ، فقال: فعلوها؟ أما والله! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ, فبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فقام عمر، فقال يا رسول الله! دعني أضرب عنق هاذا المنافق. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «دعه. لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه».متفق عليه
وكان التعصب للقبيلة ونصرتها ظالمةً كانت أو مظلومةً سائدةً في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام ، فأبطلها الإسلام ، وحرّم العصبيّة ،والتعصب والتّناصر على الظّلم .
وقد جاء في الصحيحين أنّه قال : انصر أخاك ظالمًاً أو مظلومًا ، فقال رجل : يا رسول اللّه أنصره إذا كان مظلومًا ، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟ فقال : تحجزه أو تمنعه من الظّلم فإنّ ذلك نصره . من حديث أنس بن مالك .
وجعل المناصرة بين المؤمنين على الحقّ ، قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } وعدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : ميتة المتعصّب ميتةً جاهليّةً ، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال قال : النّبىّ -صلى الله عليه وسلم- « من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليّةً ومن قاتل تحت رايةٍ عمّيّةٍ يغضب لعصبةٍ أو يدعو إلى عصبةٍ أو ينصر عصبةً فقتل فقتلةٌ جاهليّةٌ ومن خرج على أمّتى يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفى لذى عهدٍ عهده فليس منّى ولست منه ».رواه مسلم
كما أبطل الإسلام التّفاخر بالآباء ومآثر الأجداد ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا ، إنّما هم فحم جهنّم ، أو ليكوننّ أهون على اللّه من الجعل الّذي يدهده الخرء بأنفه ، إنّ اللّه قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهليّة ، إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ ، النّاس كلّهم بنو آدم وآدم خلق من ترابٍ .رواه الترمذي قال وفي الباب عن ابن عمر و ابن عباس وأبي هريرة .
قال الشيخ الألباني صحيح كما في الجامع الصغير وزيادته - (1 / 962) ورواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن تيمية وغيره وهو مخرج في غاية المرام 312 وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - (1 / 299) وصحيح الترغيب والترهيب - (3 / 69) و أخرجه أبو داود والترمذي والطحاوي والبيهقي وأحمد وابن وهب والن منده وأبو نعيم غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام - (1 / 190)
وجعل الإسلام أساس التّفاضل التّقوى والعمل الصّالح والإستقامة على دين الله وشرعه قال الله : { يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم } . بيّن اللّه في الآية الغاية من جعل النّاس شعوبًا وقبائل ، وهي التّعارف والتّعاون على الكتاب والسنة ، فالعصبيّة بأشكالها للقبيلة أو للجنس أو للّون أو للوطن أو حزبي تتنافى مع الإسلام .
عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا . رواه أحمد وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة - (1 / 537) وصحيح الأدب المفرد - (1 / 376) .
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر بالاحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب . رواه مسلم
وقال النبي صلى الله عليه و سلم وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام ؟ قال وإن صلى وصام فدعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله . رواه الترمذي من حديث الحارث الأشعري وقال الشيخ الألباني :صحيح
وعن جابر بن عبد اللّه فخطب رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- النّاس وقال « إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ألا كلّ شىءٍ من أمر الجاهليّة تحت قدمىّ موضوع ودماء الجاهليّة موضوعة .رواه مسلم
وعن عائشة، أنّ قريشًا أهمّهم شأن المرأة المخزوميّة الّتي سرقت، فقال: ومن يكلّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ومن يجترى عليه إلاّ أسامة بن زيدٍ، حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حدٍّ من حدود الله ثمّ قام فاختطب، ثمّ قال: إنّما أهلك الّذين قبلكم أنّهم كانوا، إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ؛ وايم الله لو أنّ فاطمة ابنة محمّدٍ سرقت، لقطعت يدها . متفق عليه
وعنها رضي الله عنها قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبيٍّ، وهو على المنبر، فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجلٍ قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلاّ خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً وما يدخل على أهلي إلاّ معي قالت: فقام سعد بن معاذٍ، أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا، يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحميّة فقال كذبت لعمر اللّه ، لا تقتله ولا تقدر على ذلك ، فقام أسيد بن الحضير فقال كذبت لعمر اللّه ، واللّه لنقتلنّه ، فإنّك منافقٌ تجادل عن المنافقين .متفق عليه
قال ابن حجر: وفيه أن التعصب لأهل الباطل يخرج عن اسم الصلاح وجواز سب من يتعرض للباطل ونسبته إلى ما يسوءه وإن لم يكن ذلك في الحقيقة فيه لكن إذا وقع منه ما يشبه ذلك جاز إطلاق ذلك عليه تغليظا له,وإطلاق الكذب على الخطأ والقسم بلفظ لعمر الله وفيه الندب إلى قطع الخصومة وتسكين ثائرة الفتنة وسد ذريعة ذلك واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما وفضل احتمال الأذى وفيه مباعدة من خالف الرسول ولو كان قريباً حميماً وفيه أن من آذى النبي صلى الله عليه و سلم بقول أو فعل يقتل لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك ولم ينكره النبي عليه وسلم. فتح الباري - ابن حجر - (8 / 480)
وقال أبو الفرج ابن الجوزي : وقولها احتملته الحمية أي أغضبته الأنفة والتعصب .كشف المشكل من حديث الصحيحين - (1 / 1209)
عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني والوادعي
وقال المناوي :أي ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل يعني من ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة والمراد لم يمش حاله إلا بالجدل أي الخصومة بالباطل .
وقال القاضي : المراد التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة لا المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلوماً عنده أو تعليم غيره ما عنده لأنه فرض كفاية خارج عما نطق به الحديث. فيض القدير - (5 / 579)
وقال سيف الدين الآمدى : قلما تنفك عن التعصب والأهواء وإثارة الفتن والشحناء والرجم بالغيب فى حق الائمة والسلف بالإزراء , غاية المرام في علم الكلام - (1 / 363)
ومن عادة أهل الجهل والمخالفات كالبربراوي حزبه ينسبون أهل العلم والإيمان والحق إلى السفه والجهالة وسوء الأخلاق وكل ذلك لأجل التعصب والعصبية التي أصابتهم,كما قال تعالى عن المنافقين: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء ألا إنّهم هم السّفهاء}.وقال فرعون لقومه:{أم أنا خير من هذا الّذي هو مهين ولا يكاد يبين}.
فهذه سنّة معروفة لأهل الكفر والنفاق والبدع والمخالفات، يستجهلون أهل الإيمان، ويزدرونهم، ويرونهم بالسفه، وعدم العلم،
وقال صالح الفوزان :والحرمان له أسباب:ومنها: التعصّب للباطل، وحميّة الجاهلية تسبّبان أن الإنسان لا يوفّقه الله جل وعلا، فمن تبيّن له الحق ولم يقبله فإنه يعاقب بالحرمان -والعياذ بالله-، يعاقب بالزّيغ والضلال، ولا يقبل الحق بعد ذلك، فهذا فيه الحثّ على أن من بلغه الحق وجب عليه أن يقبله مباشرة، ولا يتلكّأ ولا يتأخر، لأنه إن تأخر فحريّ أن يحرم منه: {فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ، {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} . وفيه التحذير من التعصّب لدين الآباء والأجداد إذا كان يخالف ما جاءت به الرسل، فإن الذي حمل أبا طالب على ما وقع فيه هو التعصّب لدين عبد المطّلب، وأنه سبب لسوء الخاتمة- والعياذ بالله-، فليحذر المسلم من هذا. الواجب على المسلم أن يقبل الحق ولو خالف ما عليه آباؤه وأجداده، أما إذا كان آباؤه وأجداده على حق، فأتباعهم حق، ويوسف عليه السلام يقول: {واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيءٍ ذلك من فضل الله علينا وعلى النّاس} .فإتباع الآباء والأجداد على الحق مشروع. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (1 / 258)
وقال أيضاً :وكذا إثارة العصبيات والقوميات والحزبيات، وما إلى ذلك. كل ذلك من دعوى الجاهلية. وكذا التعصب للأقوال والمذاهب التي لا دليل عليها. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (2 / 84)
وقال ابن القيّم رحمه الله: الدعاء بدعوى الجاهلية، والتّعزّى بعزائهم، كالدّعاء إلى القبائل والعصبيّة لها وللأنساب، ومثله التعصب للمذاهب، والطرائق، والمشايخ، وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويوالى عليه، ويعادى عليه، ويزن الناس به، كلّ هذا من دعوى الجاهلية. زاد المعاد في هدي خير العباد - (2 / 471)
وقال أيضاً : وهذا دليل قاطع على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله إلى الله ورسوله لا إلى أحد غير الله ورسوله فمن أحال الرد على غيرهما فقد ضاد أمر الله ومن دعا عند النزاع إلى حكم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله. زاد المهاجر - (42)
قلت الصحيح أن دعوى الجاهلية يعم ذلك كله تيسير العزيز الحميد - (456)
وكل من تعصّب إلى مذهب، أو تعصّب إلى قبيلة أو إلى وطن أو إلى حزبية كلّه يدخل في دعوى الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أن يتعصّب لأحد العلماء أو لأحد المذاهب ولا يقبل غير هذا المذهب أو لا يقبل غير هذا الرجل من العلماء، فهذه عصبية جاهلية. أو يتعصّب لقبيلته إذا كانت على خطأ، كما يقول الشاعر:
وهل أنا إلاّ من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد
والواجب على المسلم: أن يتبع الحق سواء كان مع إمامه أو مع غيره، وسواء كان مع قبيلته أو مع غيرها، والله سبحانه وتعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} .
وكم رأيت هذا من الصوماليين إلا من رحمه الله يتعصبون لأجل ذلك ويردون الحق وأهله ولا يقبلونها لأن الحق ما جاء من طريق قومهم.
قال صالح الفوزان :فلا تجوز العصبية للمذاهب، ولا تجوز العصبية للأشخاص، ولا تجوز العصبية للقبائل، وإنما المسلم يتبع الحق مع من كان، ولا يتعصّب، ولا يترك الحق الذي مع خصمه. فالمسلم يدور مع الحق أينما كان، سواءً كان في مذهبه، أو مع إمامه، أو مع قبيلته، أو حتى مع عدوه. والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والله تعالى يقول: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} ، والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " قل الحق ولو كان مرًّا " . إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (2 / 85)
وقال أيضاً : فمن تعصّب لم يكن متحاكماً إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول، وإنما تحاكم إلى هذا الشخص الذي تعصّب له وجمد على رأيه، مع مخالفته، وهو اجتهاد اجتهد فيه، لكن إذا خالف الدليل فلا يجوز لنا أن نتعصّب لرأي إمام أو لرأي عالم أو لرأي مفت من المفتين، ونحن نعلم أنّه مخالف للدّليل، لكن ذلك العالم معذور لأنّه مجتهد، ولكنّه لم يصادف الدّليل، فهو معذور له أجر على ذلك، لأنّ هذا منتهى اجتهاده، أما من تبيّن له أن هذا الاجتهاد غير مطابق للدّليل فلا يسعه أن يأخذ بهذا الاجتهاد، ولا يجوز له. والأئمّة ينهون عن ذلك، ينهوننا أن نأخذ بآرائهم دون نظرٍ إلى مستندها من كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، وإلاّ كنا- كما سبق في الباب الذي قبل هذا- أطعنا العلماء والأمراء في تحريم ما أحلّ الله وتحليل ما حرّم الله.
وكذلك التحاكم في المناهج التي يسمّونها الآن: مناهج الدّعوة، ومناهج الجماعات هي من هذا الباب، يجب أن نحكّم فيها كتاب الله وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فما كان منها متمشّياً مع الكتاب والسنّة فهو منهج صحيح يجب السّير عليه، وما كان مخالفاً لكتاب الله وسنّة رسوله يجب أن نرفضه وأن نبتعد عنه.
ولا نتعصّب لجماعة أو لحزب أو لمنهج دعويّ ونحن نرى أنه مخالف لكتاب الله وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فالدعاة منهم من هو داعية ضلال.
فالذي يقصر هذا التحاكم إلى الكتاب والسنّة على المحاكم الشرعيّة فقط غالط، لأن المراد: التحاكم في جميع الأمور وجميع المنازعات: في الخصومات وفي الحقوق المالية، وغيرها، وفي أقوال المجتهدين، وأقوال الفقهاء، وفي المناهج الدّعويّة، والمناهج الجماعيّة، لأن الله تعالى يقول: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ} و{شيءٍ} نكرة في سياق الشرط، فتعتمّ كل نزاع وكل خلاف في شيء، سواءً في الخصومات، أو في المذاهب، أو في المناهج. وفي أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية.
يجب أنّنا نعرف هذا، لأن بعض الناس وبعض المنتسبين للدّعوة يقصر هذا على وجوب التحاكم في المنازعات والخصومات إلى المحاكم الشرعية، ويقول: يجب تحكيم الشريعة ونبذ القوانين، نعم، يجب هذا، ولكن لا يجوز الاقتصار عليه، بل لابدّ أن يتعدّى إلى الأمور الأخرى، إلى تحكيم الشريعة في كلّ ما فيه نزاع، سواءً كان هذا النّزاع بين دول، أو كان هذا النّزاع بين جماعات، أو كان هذا النزاع بين أفراد، أو كان هذا النّزاع بين مذاهب واتّجاهات، لابدّ من تحكيم الكتاب والسنّة. نحن نطالب بهذا في كلّ هذه الأمور.
أما أن نقصره على ناحية ونسكت عن النّاحية الأخرى، فنقول: النواحي الأخرى دعوا الناس إلى رغباتهم، دعوا كلاًّ يختار له مذهباً، وكلاًّ يختار له منهجاً. نقول: هذا قصور عظيم، لأنه يجب أن نحكّم الشريعة في المحاكم، ونحكّمها في المذاهب الفقهيّة، ونحكّمها في المناهج الدّعويّة، لابد من هذا، فلا يجوز لنا أن نقصر كلام الله وكلام رسوله على ناحية ونترك النواحي الأخرى، لأنّ هذا إمّا جهل وإمّا هوى.
كثير من النّاس اليوم ينادون بتحكيم الشريعة في المحاكم وهذا حق؛ لكن هم متنازعون ومختلفون في مناهجهم وفي مذاهبهم، ولا يريدون أن يحكّموا الشّريعة في هذه الأمور، بل يقولون: اتركوا الناس على ما هم عليه، لا تتعرّضوا لعقائدهم، لا تتعرضوا لمصطلحاتهم، لا تتعرّضوا لمناهجهم، اتركوهم على ما هم عليه، وهذا ضلال، بل هذا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر، مثل قوله تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب} .
فهذا أمر يجب التنبّه له، لأنّ هذه مسألة عظيمة غفل عنها الآن الأكثرون.
فالذين ينادون بتحكيم الشريعة إنما يريدون تحكيمها في المخاصمات، في الأموال، والأعراض، والخلافات بين الناس، والأمور الدّنيوية دون العقائد والمذاهب. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (2 / 119)
فليتأمل اللبيب الخالي من التعصب والهوى، الذي يعرف أن وراءه جنة وناراً، الذي يعلم أن الله يطلع على خفيات الضمير، هذه النصوص، ويفهمها فهماً جيداً، ثم ينزلها على مسألة وقف الجنف والإثم، ثم يتبين له الحق إن شاء الله.وأن الحق إذا لاح واتضح، لم يضره كثرة المخالف . الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (7 / 48)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المضرة التي ذكرها نوعان أحدهما يتعلق بالعلم وهو التنبيه على شبه الباطل التي تضعف اعتقاد الحق وتفضي إلى الباطل والثاني يتعلق بالقصد وهو إثارة الهوى والحمية والعصبية التي تدعو إلى الإصرار ولو على الباطل لئلا يغلب الشيطان .درء تعارض العقل والنقل - (7 / 163)
قال أيضاً : وأما التعصب لأمر من الأمور بلا هدًى من الله فهو من عمل الجاهلية . { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدًى من الله }
فمن تعصّب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهليّة حتّى يكون المؤمنون كما أمرهم اللّه تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنّة رسوله . مجموع الفتاوى 11 / 28- 28 / 422
وقال أيضاً : وكلّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن : من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة : فهو من عزاء الجاهليّة ؛ مجموع الفتاوى 28 / 328
وقال أيضاً رحمه الله : من تبين له فى مسألة من مسائل الحق الذي بعث الله به رسوله ثم عدل عنه الى عادته فهو من أهل الذم والعقاب . مجموع الفتاوى . 20 / 225
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز لأحد أن يرجح قولاً على قول بغير دليل ولا يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة . مجموع الفتاوى . 35 / 233
وقال أيضاً رحمه الله: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة وهو الحق وهو الدين فإذا قدر أن الذي معه هوالحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعة وطبعا أو لغرض من الدنيا لم يكن لله ولم يكن مجاهدا في سبيل الله فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وكفر بعضهم بعضاً وفسق بعضهم بعضاً ولهذا قال تعالى فيهم وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة سورة البينة وقال تعالى كان الناس أمة واحدة. منهاج السنة النبوية - (5 / 176)
وكان السلف يقولون: ( احذروا من الناس صنفين، صاحب هوى قد فتنه هواه ، وصاحب دنيا أعمته دنياه ). اقتضاء الصراط - (1 / 25)
وقال أيضاً رحمه الله: عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله وتعاون على البر والتقوى ولا تعاون على الإثم والعدوان وإذا كان الحق معي نصرت الحق وإن كنت على الباطل لم تنصر الباطل . فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا . وفي الصحيحين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميةً ويقاتل رياءً فأي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله } . فإذا كان المجاهد الذي يقاتل حميةً للمسلمين ؛ أو يقاتل رياءً للناس ليمدحوه ؛ أو يقاتل لما فيه من الشجاعة : لا يكون قتاله في سبيل الله عز وجل حتى يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فكيف من يكون أفضل تعلمه صناعة القتال مبنياً على أساس فاسد ليعاون شخصًا مخلوقًا على شخص مخلوق فمن فعل ذلك كان من أهل الجاهلية الجهلاء . مجموع الفتاوى 28 / 21
وقال ابن باز رحمه الله: فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره; وإن عظمه المشار إليهم من أهل الجهل، أو التقليد الأعمى، والتعصب.
فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى، ولا بأهل التعصب، ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل واحتج بالدليل، وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. فتاوى نور على الدرب
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز أبداً التعصب لزيد أو عمرو , ولا لرأي فلان أو علان , ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية , أو الجماعة الفلانية , كل هذا من الأخطاء الجديدة , التي وقع فيها كثير من الناس.
فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد , وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأحوال , في الشدة والرخاء , في العسر واليسر , في السفر والإقامة , وفي جميع الأحوال , وعند اختلاف أهل العلم ينطر في أقوالهم , ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس . مجموع فتاوى (2 / 311)
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز التعصب لأي جمعية أو أي حزب فيما يخالف الشرع المطهر . مجموع فتاوى (7 / 178)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لا يجوز لأحد أن يعارض كتاب الله بغير كتاب فمن عارض كتاب الله وجادل فيه بما يسميه معقولات وبراهين وأقيسة أو ما يسميه مكاشفات ومواجيد وأذواق من غير أن يأتي على ما يقوله بكتاب منزل فقد جادل في آيات الله بغير سلطان هذه حال الكفار الذين قال فيهم {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا }فهذه حال من يجادل في آيات الله مطلقاً , ومن المعلوم أن الذي يجادل في جميع آيات الله لا يجادل بسلطان .الاستقامة - (1 / 22)
وقال أيضاً رحمه الله : فكل ما عارض قول النبي المعصوم فهو باطل .الجواب الصحيح - (2 / 22)
وقال الشيخ ربيع حفظه الله: وحذر صلى الله عليه وسلم من التعصب والعصبية العمياء , ... عصبية مذهبية أو قبلية أو غيرها من العصبيات التى تنافي المبدأ الإسلامي الذي يدعو للأخوة في الله ، ونبذ هذه العصبيات على مختلف أشكالها وألوانها فهذا تحذير من العصبية المقيتة وتنفير منها .
والرسول الكريم يحذر يا أخوتاه، يحذر من التعصب للقبائل أو للعشائر قال رجل: يا للأنصار قال آخر: يا للمهاجرين، الأنصار لفظ شريف ورد في كتاب الله وفي سنة الرسول والمهاجرون كذلك، لكن لما استغلت هاتين اللفظتين في الدعوة إلى الهوى والباطل فقال الرسول : ادعوى الجاهلية وأنا بين اظهركم، دعوها فإنها منتنه.
فهذا النتن الآن يفوح من التعصبات الموجودة في الساحة بدل أن يعتصم الشباب بهذا المنهج الحق الواضح تتجاذبهم الأهواء وتتجاذبهم الفرق والعياذ بالله.التعصب الذميم فهي رسالة نافعة إلى الغاية فراجعها
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد .
وما يفعله بعض الصوماليين من التعصب لمن ينتسبون إليه فهذا مخالف لهدي السلف ومخالف لما عليه أئمة المذاهب فإنهم متفقون على ذم التقليد وذم التعصب فالواجب على المسلم أن ينصر الدليل وأن يأخذ به فلم يحصر الله تعالى الحق في أقوال العلماء قال الإمام الشافعي رحمه الله : ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم - وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - خلاف ما قلت فالقول ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قولي " .
قال ابن القيم رحمه الله: ومن له قدم راسخ في الشريعة ومعرفة بمصادرها ومواردها وكان الإنصاف أحب إليه من التعصب والهوى والعلم والحجة آثر عنده من التقليد لم يكد يخفى عليه وجه الصواب والله الموفق. إعلام الموقعين عن رب العالمين - (4 / 33)
أسباب النجاة من التعصب
قال الإمام محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي اليماني رحمه الله: واعلم أنه لا يكاد يسلم من هذه الأغلاط إلا أحد رجلين إما رجل ترك البدعة كلها والتمذهب والتقاليد والاعتزاء إلى المذاهب والأخذ من التعصب بنصيب وبقي مع الكتاب والسنة كرجل نشأ قبل حدوث المذاهب ولم يعبر عن الكتاب والسنة بعبارة منه مبتدعة واستعان الله وأنصف ووقف في مواضع التعارض والاشتباه ولم يدع علم ما لم يعلم ولا تكلف ما لا يحسن وهذا هو مسلك البخاري وأئمة السنة غالباً في ترجمة تصدير الأبواب وفي العقائد بالآيت القرآنية والاخبار النبوية كما صنع في أبواب القدر وكتاب التوحيد والرد على الجهمية وأبواب المشيئة ورجل أتقن العلمين العقلي والسمعي وكان من أئمتهما معا بحيث يرجع اليه أئمتهما في وقائعهما ومشكلاتهما مع حسن قصد وورع وانصاف ونحر للحق فهذا لا تخلف عنه هداية الله واعانته وأما من عادى أحد هذين العلمين وعادى أهله ولم يكن على الصفة الأولى من لزوم ما يعرف وترك ما لا يعرف فانه لابد أن تدخل عليه البدع والأغلاط والشناعات . إيثار الحق على الخلق - (122)
وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله:ومن أكبر أسباب شرح الصدر للنصائح والمواعظ وقبولها، ما يعلمه الله من حرص العبد على الخير والهدى، والتجرد من ثوبي التعصب والهوى، والبعد عن الإعجاب بالنفس، وإيثار الشهوات الدنيوية؛ فالقلب إذا سلم من هذا، وابتهل إلى الله بالأدعية المأثورة، كدعاء الاستفتاح: " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ..." الحديث، لا سيما في أوقات الإجابة، فإن هذا لا تكاد تسقط له دعوة، والتوفيق له أقرب من حبل الوريد. قال الله تعالى: {ولو علم اللّه فيهم خيراً لأسمعهم} [سورة الأنفال آية: 23]. الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (8 / 319)
فيجب على الإنسان الالتفات إلى كتاب الله، وسنة نبيه، وطريقة أصحابه والتابعين، وأئمة الإسلام، ولا يعبأ بكثرة المخالفين بعدهم ; فإذا علم الله من العبد الصدق في طلب الحق، وترك التعصب، ورغب إلى الله في سؤال هدايته الصراط المستقيم، فهو جدير بالتوفيق ; فإن على الحق نوراً، لا سيما التوحيد الذي هو أصل الأصول، الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو توحيد الإلهية؛ فإن أدلته وبراهينه في القرآن ظاهرة، وعامته إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم.
ولا يتوحش الإنسان لقلة الموافقين، وكثرة المخالفين، فإن أهل الحق أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، لا سيما في هذه الأزمنة المتأخرة، التي صار الإسلام فيها غريباً.
والحق لا يعرف بالرجال، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمن قال له: أترى أنا نرى الزبير وطلحة مخطئين، وأنت المصيب ؟ فقال له علي: "ويحك يا فلان! إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله" وأيضاً قال: "الحق ضالة المؤمن".
وليحذر العاقل من شبهة الذين قال الله عنهم: {لو كان خيراً ما سبقونا إليه} [سورة الأحقاف آية: 11]، {أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا} [سورة الأنعام آية: 53]. وقد قال بعض السلف: "ما ترك أحد حقاً إلا لكبر في نفسه" ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر " ، ثم فسر الكبر: بأنه "بطر الحق" أي: رده، " وغمط الناس " أي: احتقارهم وازدراؤهم . الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (12 / 107)
فيا أيها اللبيب العاقل ، اترك التعصب والهوى ، واختر لنفسك الدين الذي رضيه الله تعالى للناس كافة { إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب }. وقال الله {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} . وقال تعالى {اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} .
شهادة المتعصب ترد ولا تقبل
قال الشّافعىّ رحمه اللّه : من أظهر العصبيّة بالكلام وتألّف عليها ودعا إليها فهو مردود الشّهادة لأنّه أتى محرّمًا لا اختلاف فيه بين علماء المسلمين علمته واحتجّ بقول اللّه تعالى (إنّما المؤمنون إخوةٌ) وبقول رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- :« وكونوا عباد اللّه إخوانًا ». السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (10 / 231)
وقال عبد الحليم في حاشية الدرر ولا يذهب عليك أن أكثر طائفة القضاة بل الموالي في عصرنا بينهم تعصب ظاهر لأجل المناصب والرتب فينبغي أن لا تقبل شهادة بعضهم على بعض ما لم يتبين عدالته كما لا يخفى. حاشية ابن عابدين - (7 / 147)
وقال الشّافعي : فالمكروه فى محبّة الرّجل من هو منه أن يحمل على غيره ما حرّم اللّه عليه من البغى والطّعن فى النّسب والعصبيّة والبغضة على النّسب لا على معصية اللّه ولا على جنايةٍ من المبغض على المبغض ولكن يقول أبغضه لأنّه من بنى فلانٍ فهذه العصبيّة المحضة الّتى تردّ بها الشّهادة. السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (10 / 233)
وعلماء السلف من المتقدمين والمتأخرين وطلابهم بعيدون كل بعد عن التعصب وأشكاله وقد كثر تحذيرهم منها في كتبهم ونذكر هنا بعضاً منها :
سئل الإمام الشيخ العلامة ناصر الكتاب والسنة , ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله : هل تنصحون بما يفعله بعض طلبة العلم في تجرّدهم لنقد كتب بعض علمائنا صحّة وضعفًا، كالنظرات في السلسلة والنظرات في صفة الصلاة؟
الجواب: باب النقد للألباني ولأمثاله مفتوح ـ والله ـ، ولا يغضب من ذلك لا الألباني ولا أمثاله من حملة السنّة، النقد المؤدّب الذي يحترم العلماء، وليس له هدف إلاّ بيان الحقّ، فهذا بدأ من عهد الصحابة ولا ينتهي.
فقد انتقد الشافعي مالكًا، وانتقد أصحاب أبي حنيفة وانتقد أحمد ـ بارك الله فيك ـ كلّ هذه المذاهب واستمر هذا النقد إلى يومنا هذا في شتى العلوم.
فالنقد ـ يا إخوان ـ لا يجوز سدّ هذا الباب، لأنّنا نقول بسدّ باب الاجتهاد ـ بارك الله فيكم ـ.
ولا نعطي قداسة لأفكار أحد أبدًا كائنًا من كان. فالخطأ يردّ من أيّ شخص كان، سلفيًّا كان أو غير سلفي.
ولكنّ التعامل مع أهل الحقّ والسنّة الذين عرفنا إخلاصهم واجتهادهم ونصحهم لله ولكتابه ورسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم التعامل معهم غير التعامل مع أهل البدع والضلال.
إذ تكلّم وبيّن فقال: بيان الهدى وبيان الحقّ لابدّ منه وقد انتقد سعيد بن المسيب وابن عباس وطاووس وأصحاب ابن عباس وانتقدوا وانتقدوا، وما قال أحد: إنّ هذا طعن، ما يقول بهذا إلاّ أهل الأهواء، فنحن إذا انتقدنا الألباني ما نسلك مسلك أهل الأهواء فنقول: لا لا تنتقدوا الألباني، طيّب أخطاؤه تنتشر باسم الدين، وإلاّ أخطاء ابن باز، وإلاّ أخطاء ابن تيمية وإلاّ أخطاء أيّ واحد.
أيّ خطأ يجب أن يبيّن للناس أنّ هذا خطأ، مهما علت منزلة هذا الشخص الذي صدر منه هذا الخطأ. لأنّنا كما قلنا غير مرّة بأنّ خطأه ينسب إلى دين الله.
لكن نميّز ـ كما قلت ـ بين أهل السنّة وأهل البدعة، وكما قال ابن حجر وقال غيره: المبتدع يهان ولا كرامة . يهان لأنّ قصده سيئ، المبتدع صاحب هوى كما قال الله تبارك وتعالى: { هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله }.قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: فإذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم. متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
فالله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم يتقصّدون الفتنة، يتّبعون المتشابه ويتركون المحكم الواضح البيّن ويذهبون إلى المتشابه يتعلّقون به ويحتجّون به، ولا يسلكون مسالك أهل الهدى وأهل الحقّ من الصحابة والتابعين بإحالة المتشابه إلى المحكم، فيصير المتشابه محكمًا بإعادته إلى المحكم يصير محكمًا.
وهؤلاء يستغلّون المتشابه قصدًا واتباعًا للهوى ليضلّوا أنفسهم ويضلّوا الناس فماذا يستحقّون؟ يستحقّون الإهانة والتشريد إلى درجة أنّ هذا الذي يتّبع المتشابه إذا أصبح داعيًا يقتل أو يضرب على حسب فتنته، فضلاً أن ينتقد ويقسى عليه في النقد عند الحاجة والضرورة.
فأحمد بن حنبل مثلاً يقول:إذا رأيت الرجل ينتقّص حمّاد بن سلمة فاتّهمه على الإسلام، لماذا؟ لأنّه كان شديدًا على أهل البدع .
فهذه محمدة لا تصير الشدّة على أهل البدع مذمّة ـ على أنّنا لا ننصح بالشدّة ـ لكن لو حصلت فلتة من ناصح ما تتّخذ مذمّة ووسيلةً للصدّ عمّا ينصر به الإسلام وينصر به السنّة.
فإنّ أهل الأهواء الآن تعلّقوا مثلاً بكلمة: - فلان عنده شدّة - فنفّروا من كتبه.
هل كان السلف إذا قالوا: فلان شديد على أهل البدع يذمّونه بهذا؟ أو يريدون بذلك الصدّ عن سبيل الله كما يفعل هؤلاء من أهل الأهواء الآن.
فالشاهد أنّ النقد لأهل العلم ومن أهل العلم ينتقد بعضهم بعضًا ويبيّنون للناس الخطأ تحاشيًا من نسبة هذا الخطأ إلى دين الله عزّ وجلّ هذا واجب ولا نقول: جائز.
واجب أن تبيّنوا للناس الحقّ وتميزوا بين الحقّ والباطل { وإذ أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه }
{ لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون - كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } .
فالنقد من باب إنكار المنكر، فنقد الأشخاص السلفيين الكبار إذا أخطأوا وبيان خطأهم هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن باب البيان الذي أوجبه الله، ومن باب النصيحة التي أوجبها الله وحتّمها علينا.
ولهذا تجد ابن عباس قال كما قلت لكم وعمران بن حصين وغيرهم انتقدوا عمر في (قوله) بالإفراد ـ بارك الله فيكم ـ.
فالنقد هذا موجود ويجب أن يستمر للصغير والكبير والجليل والحقير من الأمور، بيان الخطأ وبيان البدع ونقد الأخطاء ونقد البدع، مع التصريح باحترام أهل السنّة وإثبات أنّ للمجتهد إذا أصاب أجرين، وإذا أخطأ فله أجر واحد، هذا ما ندين الله به في نقد أهل السنّة وليس كذلك أهل البدع.
فأهل البدع ما نقول فيهم إنهم مجتهدون لأنهم متّبعون للهوى بشهادة الله وشهادة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالمبتدع الضالّ يفرّق الآن ويخطئ فيقول لك: هذا اجتهاد، لمّا قتل حكمتيار والأحزاب الضالّة جميل الرحمن قالوا: هذا اجتهاد، استباحة دماء السلفيين اجتهاد عندهم، وهكذا لا يقع في ضلالة وطامّة إلاّ قالوا: اجتهاد.
فهذا تمييع الإسلام وخلط بين الباطل والضلال والبدع وبين الحقّ، ومساواة أخطاء المجتهدين التي يثابون عليها بالبدع التي توعّد رسول الله عليها بالنار.
وقال: إنها ضلالة وقال: إنها شرّ الأمور.
فهذا تمييع وظلم للإسلام يجب أن يتبصّر فيه المسلمون فيميزون بين أهل الهدى وكيف ينتقدونهم ويبيّنون أخطاءهم وبين أهل الضلال وكيف يتعاملون معهم. أجوبة فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي السلفية على أسئلة أبي رواحة المنهجية
وسؤال آخر : لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي حفظه الله ، نسألكم عن بعض رجال الدين اليوم وهم الشباب الذين إلتزموا بالدين يتعارضون مع بعضهم في الدين ، هذا تابع للشيخ فلان وهذا تابع للشيخ فلان ما رأيكم في هذا الأمر؟وفقكم الله تعالى .
الجواب : رأيي باختصار : أن التعصب لا يكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم لا ينطق عن الهوى ،
أما التعصب للأشخاص مطلقاً أصابوا أم أخطأوا فإنه لا ينبغي من طلبة العلم ، ومن ناحية أخرى أنه ينظر في الشيخ فلان والشيخ فلان كما يقول السائل من هو ؟ على الجادة والسير على منهج السلف ، هذا هو الذي نضع أيدينا في يده لا تقليداً له ولكن لأنه على الحق ونحن نتفق معه على الحق ، ونمشي في طريق واحد امتثالاً لقول الله عزّوجل : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ) [ الأنعام : من الآية 153 ] . أما من يتخذون أشياخاً وزعماءً وقادةً ويوافقونهم على الصواب والخطأ بحيث لا يخرجون عن منهجهم أصابوا أم أخطأوا ، فهؤلاء هم الذين أساءوا إلى أنفسهم وأساءوا إلى غيرهم ، وهم إن لم يتوبوا فهم أحق باللوم ، فالأمر ولله الحمد واضح ولا ينبغي أن يكون الإنسان في حيرة من أمره في هذه القضية ، فالذين يسيرون في الطريق نحن معهم ونسير في طريق واحدة أمرنا الله بها ودعانا إليها رسولنا عليه السلام ، والذين يخطئون الطريق أو يخطئون في كثير من أمورهم أو في بعض أمورهم دعوه ، إذ لا يتابع في كل شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما الناس فإنهم يصيبون ويخطئون ، فإننا لا نتبعهم ولا نجري وراءهم لكونهم أشياخاً أو دعاةً أو زعماءً وقادةً ، وأنت كن مع أهل المنهج السلفي الذين يسيرون مع المنهج الصحيح والفهم الصحيح . العقد المنضد الجديد في الإجابة على مسائل في الفقه والمناهج والتوحيد . (144).
وميثال أخر قال ابن عبد البر : وهو أصل صحيح لمن ألهم رشده ولم تمل به العصبية إلى المعاندة .التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (12 / 203)
و سئل أبو بكر بن عياش: من السني ؟ ، فقال الذي إذا ذُكرت االأهواء لم يتعصب إليها. بمعنى أنه لا يميل إليها و لا ينصرها و لا يُؤيدها .
وسئل الشيخ عبدالعزيز الراجحي: هل يدخل في شرك الطاعة ما يفعله متعصبي المذاهب المعروفة من رد النصوص المخالفة لمذهبهم مع وضوحها؟
نعم قال بعض العلماء: يدخل، يتعصب حتى يترك النص من الآية، أو الحديث لقول شيخه، أو إمامه، قال بعض العلماء: يخشى أن يكون هذا داخل، حتى قال متعصبو الأحناف كل آية أو حديث يخالف المذهب فهو منسوخ أو متأول. انظر إلى هذا التعصب، كل نص يخالف المذهب فهو منسوخ أو متأول، يعني: من دون تأول، من دون تفكير.
فجعل المذهب هو الأصل والنصوص من الآيات، أو الأحاديث تخضع للمذهب، والواجب العكس، الأصل هو الدليل، النصوص من كتاب الله وسنة رسوله، والمذهب يخضع للآيات. إذا وافق المذهب النص أخذ، وإذا لم يوافق ترك وطرح، هذا هو الأصل.
لكن هؤلاء المتعصبين عكسوا الأمر، فقالوا: الأصل المذهب، وإذا جاء آية أو حديث يخالف المذهب فهو منسوخ أو متأول، هذا من البلاء ومن المصائب، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قال الإمام أحمد أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. نسأل الله السلامة والعافية. أجوبة مفيدة عن أسئلة عديدة
وقال الشيخ صالح آل الشيخ : وإذا كان ليست عنده حجة وإنما يتعصب أو يقبل قول الغير هكذا لأنه قاله فقط مع ظهور الحُجَّةْ في خلافه، فهذا يُسمى مُقَلداً لأنه جعل القول قِلادةً له دون بيانه. إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل .
نسأل الله أن يعصمان من العصبية والتعصب وأشكالهما وأن يثبنا على الحق حتى نلقاه وصلى الله علي رسوله وآله وأصحابه وسلم
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .{ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً * واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم ورقيباً } {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم * ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .،
أما بعد
فهذه الرسالة قصدت فيها بيان خطورة التعصب والعصبية وأنه داء أصيب على كثير من الصوماليين إلا ما رحم ربك يتعصبون ممن انحرف عن السنة وابتدع في دين الله واستحق التحذير والعقوبة , وردوا قبول الحق إلا بما جاء عن هؤلاء الذين انحرفوا عن السنة وابتعدوا عن الصواب وهم كما قيل إذا قالت حذام فصدِّقوها...فإنَّ القولَ ما قالَتْ حذام . وسميتها { حرز القلب عن طعم التعصب }وهي نصحية لنفسي أولاً ولإخواني ثانياً أنصحهم أن يبتعدوا عن العصبية والتعصب وجميع أشكالهما وأن يبنوا للناس خطورة هذا الداء وأن يردوا على من وقع في هذا المرض الفتاك الخطير .لذلك قال الإمام الشوكاني رحمة الله عليه: فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف أن تورد عليهم حجج الله وتقيم عليهم براهينه فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد فى قلبه وأما من قد استحكم فى قلبه هذا الداء فلو أوردت عليه كل حجة وأقمت عليه كل برهان لما أعارك إلا أذناً صماء وعيناً عمياء ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن والهداية بيد الخلاق العليم { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}. فتح القدير - (4 / 104)
وهذه النصيحة لا يقبلها إلا من تلقى بما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بقلب سليم. وعقل واع ، ونفس خالية من التعصب للأشخاص والمذاهب والطوائف والأحزاب والحقد والعكوف على العصبية .ولكن من صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق والمجادلة بالباطل والانحراف عن الصواب والبعد عن الحق والإصرار على المخالفة لا يقبل من هذه النصيحة .كالصوماليين إلا من رحمه الله فهم الذين ظلموا أنفسهم بذلك,ولقد رأيت من الصوماليين من ينتصر ويتعصب لعلماء بلده ، ويقدح في علماء البلاد الأخرى،كالشيخ يحيى حفظه الله!! سبحان الله ! أليست علماء المسلمين واحدة ! أليس هذا من التعصب المذموم ! أليس من الشطط أن يتعصب أهل الشرق لعلماء الشرق ، وأهل الغرب لعلماء الغرب ، وأهل الوسط لعلماء الوسط ! . وأن هذا التعصب الذي ارتكب هؤلاء مخالف للكتاب والسنة الصحيحة، بل يجب عليهم أن يأخذوا ويقبلوا الحق مهما كان قائله ، إنْ كان ثابتاً على الحق ومستقيماً عليه ولهذا قال أبو حامد الغزالي في ذم التعصب:( وهذه عادة ضعفاء العقول ؛ يعرفون الحق بالرجال،لا الرجال بالحق ).
وهذه العصبية المنتنة ما يفعله أهل الدّين والإنصاف ومن عصمه اللّه من التّعصّب .
وأن التعصب على نوعين ، أولهما الانتصار للحق وأهله وهو ممدوح ، وثانيهما الانتصار للباطل وأهله وهو مذموم . وهو موضوع رسالتنا هذه ، وهو التعصب للباطل لا للحق وأهله .
ونعوذ بالله من التعصب للرجال. واتباع الهوى اللذين يصدان عن اتباع الحق، ويحملان على كتمان الحق، ولبسه بالباطل؛ وقد نهى الله -سبحانه- في كتابه عن هاتين الخصلتين، فقال -تعالى-: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون} .
ولكن {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً }, فأنا أبرأ إلى الله من التّعصّب والحميّة ، وجعل سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم تابعةً لأراء الرّجال ، منزّلة عليها ، مسوقة إليها .
تعريف التعصب : هي الدّعوة إلى نصرة العشيرة أو القبيلة أو البلد أو الوطن أوالتعصب الأسري ، أو التعصب العرقي ، أو الطائفة أو الجماعة أو الجنسية أو الحزبية على المخالفات الشرعية ، فقد نهى القرآن الكريم عن التّعاون على الإثم والعدوان ، وأمر بالتّعاون على البرّ والتّقوى فقال عزّ من قائلٍ :{ وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }،
وعصبة الرجل أقاربه من جهة الأب سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه وقبيلته وحزبه ولهواه كما يقاتل أهل الجاهلية لمحض العصبية والرياسة، لا في سبيل الله كأهل الأهواء. أفليس لكم أيها الناس عقول تدلكم على خطورة التعصب.
وقد جاءت آيات كثيرة تدل على حرمة التعصب والعصبية منها: قول الله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } قال تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }{ وأما الذين ابيضت وجوهم ففي رحمة الله هم فيها خالدون . تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } قال تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } قال تعالى { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم } قال تعالى {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} وقال تعالى } وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون}وقال تعالى { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين }قال تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } قال تعالى{ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ولكن وصاكم به لعلكم تتقون } قال تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء } قال تعالى { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} قال تعالى { وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق } وقال تعالى { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون }قال تعالى { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون }قال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } قال تعالى { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين }قال تعالى { ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون} قال تعالى { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} وقال تعالى { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } قال تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } هذه الآيات وإن كانت في تحذير البدع ولكن لها صلة قوية في تحذير التعصب والعصبية .
ومن أسباب التعصب كثيرة منها:- الحسد يعمي ويصمّ . والهوى.
وإن الذين يأكلون لحوم العلماء لم يتجردوا لله تعالى عن هذا الداء وإنما دفعهم الهوى والتعصب والحسد، للوقوع في أعراض علماء الأمة .
واتباع الهوى لا يؤدي إلى خير ، قال - تعالى- : { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } . وقال - سبحانه - :{ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم }.
وقد تواترت الأحاديث على النّهي عن العصبيّة بكل أشكالها وصورها : العصبيّة للقبيلة أو للجنس أو للأرض.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. قال: كنّا في غزاةٍ، فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار! فقال الأنصاريّ: يا للأنصار! وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين! فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما بال دعوى جاهليّةٍ؟» قالوا: يا رسول الله! كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار. فقال: «دعوها، فإنّها منتنةٌ». فسمع بذلك عبد الله بن أبيّ، فقال: فعلوها؟ أما والله! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ, فبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فقام عمر، فقال يا رسول الله! دعني أضرب عنق هاذا المنافق. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «دعه. لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه».متفق عليه
وكان التعصب للقبيلة ونصرتها ظالمةً كانت أو مظلومةً سائدةً في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام ، فأبطلها الإسلام ، وحرّم العصبيّة ،والتعصب والتّناصر على الظّلم .
وقد جاء في الصحيحين أنّه قال : انصر أخاك ظالمًاً أو مظلومًا ، فقال رجل : يا رسول اللّه أنصره إذا كان مظلومًا ، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟ فقال : تحجزه أو تمنعه من الظّلم فإنّ ذلك نصره . من حديث أنس بن مالك .
وجعل المناصرة بين المؤمنين على الحقّ ، قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } وعدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : ميتة المتعصّب ميتةً جاهليّةً ، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال قال : النّبىّ -صلى الله عليه وسلم- « من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليّةً ومن قاتل تحت رايةٍ عمّيّةٍ يغضب لعصبةٍ أو يدعو إلى عصبةٍ أو ينصر عصبةً فقتل فقتلةٌ جاهليّةٌ ومن خرج على أمّتى يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفى لذى عهدٍ عهده فليس منّى ولست منه ».رواه مسلم
كما أبطل الإسلام التّفاخر بالآباء ومآثر الأجداد ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا ، إنّما هم فحم جهنّم ، أو ليكوننّ أهون على اللّه من الجعل الّذي يدهده الخرء بأنفه ، إنّ اللّه قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهليّة ، إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ ، النّاس كلّهم بنو آدم وآدم خلق من ترابٍ .رواه الترمذي قال وفي الباب عن ابن عمر و ابن عباس وأبي هريرة .
قال الشيخ الألباني صحيح كما في الجامع الصغير وزيادته - (1 / 962) ورواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن تيمية وغيره وهو مخرج في غاية المرام 312 وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - (1 / 299) وصحيح الترغيب والترهيب - (3 / 69) و أخرجه أبو داود والترمذي والطحاوي والبيهقي وأحمد وابن وهب والن منده وأبو نعيم غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام - (1 / 190)
وجعل الإسلام أساس التّفاضل التّقوى والعمل الصّالح والإستقامة على دين الله وشرعه قال الله : { يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم } . بيّن اللّه في الآية الغاية من جعل النّاس شعوبًا وقبائل ، وهي التّعارف والتّعاون على الكتاب والسنة ، فالعصبيّة بأشكالها للقبيلة أو للجنس أو للّون أو للوطن أو حزبي تتنافى مع الإسلام .
عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا . رواه أحمد وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة - (1 / 537) وصحيح الأدب المفرد - (1 / 376) .
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر بالاحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب . رواه مسلم
وقال النبي صلى الله عليه و سلم وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام ؟ قال وإن صلى وصام فدعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله . رواه الترمذي من حديث الحارث الأشعري وقال الشيخ الألباني :صحيح
وعن جابر بن عبد اللّه فخطب رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- النّاس وقال « إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ألا كلّ شىءٍ من أمر الجاهليّة تحت قدمىّ موضوع ودماء الجاهليّة موضوعة .رواه مسلم
وعن عائشة، أنّ قريشًا أهمّهم شأن المرأة المخزوميّة الّتي سرقت، فقال: ومن يكلّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ومن يجترى عليه إلاّ أسامة بن زيدٍ، حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حدٍّ من حدود الله ثمّ قام فاختطب، ثمّ قال: إنّما أهلك الّذين قبلكم أنّهم كانوا، إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ؛ وايم الله لو أنّ فاطمة ابنة محمّدٍ سرقت، لقطعت يدها . متفق عليه
وعنها رضي الله عنها قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبيٍّ، وهو على المنبر، فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجلٍ قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلاّ خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً وما يدخل على أهلي إلاّ معي قالت: فقام سعد بن معاذٍ، أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا، يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحميّة فقال كذبت لعمر اللّه ، لا تقتله ولا تقدر على ذلك ، فقام أسيد بن الحضير فقال كذبت لعمر اللّه ، واللّه لنقتلنّه ، فإنّك منافقٌ تجادل عن المنافقين .متفق عليه
قال ابن حجر: وفيه أن التعصب لأهل الباطل يخرج عن اسم الصلاح وجواز سب من يتعرض للباطل ونسبته إلى ما يسوءه وإن لم يكن ذلك في الحقيقة فيه لكن إذا وقع منه ما يشبه ذلك جاز إطلاق ذلك عليه تغليظا له,وإطلاق الكذب على الخطأ والقسم بلفظ لعمر الله وفيه الندب إلى قطع الخصومة وتسكين ثائرة الفتنة وسد ذريعة ذلك واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما وفضل احتمال الأذى وفيه مباعدة من خالف الرسول ولو كان قريباً حميماً وفيه أن من آذى النبي صلى الله عليه و سلم بقول أو فعل يقتل لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك ولم ينكره النبي عليه وسلم. فتح الباري - ابن حجر - (8 / 480)
وقال أبو الفرج ابن الجوزي : وقولها احتملته الحمية أي أغضبته الأنفة والتعصب .كشف المشكل من حديث الصحيحين - (1 / 1209)
عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني والوادعي
وقال المناوي :أي ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل يعني من ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة والمراد لم يمش حاله إلا بالجدل أي الخصومة بالباطل .
وقال القاضي : المراد التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة لا المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلوماً عنده أو تعليم غيره ما عنده لأنه فرض كفاية خارج عما نطق به الحديث. فيض القدير - (5 / 579)
وقال سيف الدين الآمدى : قلما تنفك عن التعصب والأهواء وإثارة الفتن والشحناء والرجم بالغيب فى حق الائمة والسلف بالإزراء , غاية المرام في علم الكلام - (1 / 363)
ومن عادة أهل الجهل والمخالفات كالبربراوي حزبه ينسبون أهل العلم والإيمان والحق إلى السفه والجهالة وسوء الأخلاق وكل ذلك لأجل التعصب والعصبية التي أصابتهم,كما قال تعالى عن المنافقين: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء ألا إنّهم هم السّفهاء}.وقال فرعون لقومه:{أم أنا خير من هذا الّذي هو مهين ولا يكاد يبين}.
فهذه سنّة معروفة لأهل الكفر والنفاق والبدع والمخالفات، يستجهلون أهل الإيمان، ويزدرونهم، ويرونهم بالسفه، وعدم العلم،
وقال صالح الفوزان :والحرمان له أسباب:ومنها: التعصّب للباطل، وحميّة الجاهلية تسبّبان أن الإنسان لا يوفّقه الله جل وعلا، فمن تبيّن له الحق ولم يقبله فإنه يعاقب بالحرمان -والعياذ بالله-، يعاقب بالزّيغ والضلال، ولا يقبل الحق بعد ذلك، فهذا فيه الحثّ على أن من بلغه الحق وجب عليه أن يقبله مباشرة، ولا يتلكّأ ولا يتأخر، لأنه إن تأخر فحريّ أن يحرم منه: {فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ، {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} . وفيه التحذير من التعصّب لدين الآباء والأجداد إذا كان يخالف ما جاءت به الرسل، فإن الذي حمل أبا طالب على ما وقع فيه هو التعصّب لدين عبد المطّلب، وأنه سبب لسوء الخاتمة- والعياذ بالله-، فليحذر المسلم من هذا. الواجب على المسلم أن يقبل الحق ولو خالف ما عليه آباؤه وأجداده، أما إذا كان آباؤه وأجداده على حق، فأتباعهم حق، ويوسف عليه السلام يقول: {واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيءٍ ذلك من فضل الله علينا وعلى النّاس} .فإتباع الآباء والأجداد على الحق مشروع. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (1 / 258)
وقال أيضاً :وكذا إثارة العصبيات والقوميات والحزبيات، وما إلى ذلك. كل ذلك من دعوى الجاهلية. وكذا التعصب للأقوال والمذاهب التي لا دليل عليها. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (2 / 84)
وقال ابن القيّم رحمه الله: الدعاء بدعوى الجاهلية، والتّعزّى بعزائهم، كالدّعاء إلى القبائل والعصبيّة لها وللأنساب، ومثله التعصب للمذاهب، والطرائق، والمشايخ، وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويوالى عليه، ويعادى عليه، ويزن الناس به، كلّ هذا من دعوى الجاهلية. زاد المعاد في هدي خير العباد - (2 / 471)
وقال أيضاً : وهذا دليل قاطع على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله إلى الله ورسوله لا إلى أحد غير الله ورسوله فمن أحال الرد على غيرهما فقد ضاد أمر الله ومن دعا عند النزاع إلى حكم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله. زاد المهاجر - (42)
قلت الصحيح أن دعوى الجاهلية يعم ذلك كله تيسير العزيز الحميد - (456)
وكل من تعصّب إلى مذهب، أو تعصّب إلى قبيلة أو إلى وطن أو إلى حزبية كلّه يدخل في دعوى الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أن يتعصّب لأحد العلماء أو لأحد المذاهب ولا يقبل غير هذا المذهب أو لا يقبل غير هذا الرجل من العلماء، فهذه عصبية جاهلية. أو يتعصّب لقبيلته إذا كانت على خطأ، كما يقول الشاعر:
وهل أنا إلاّ من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد
والواجب على المسلم: أن يتبع الحق سواء كان مع إمامه أو مع غيره، وسواء كان مع قبيلته أو مع غيرها، والله سبحانه وتعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} .
وكم رأيت هذا من الصوماليين إلا من رحمه الله يتعصبون لأجل ذلك ويردون الحق وأهله ولا يقبلونها لأن الحق ما جاء من طريق قومهم.
قال صالح الفوزان :فلا تجوز العصبية للمذاهب، ولا تجوز العصبية للأشخاص، ولا تجوز العصبية للقبائل، وإنما المسلم يتبع الحق مع من كان، ولا يتعصّب، ولا يترك الحق الذي مع خصمه. فالمسلم يدور مع الحق أينما كان، سواءً كان في مذهبه، أو مع إمامه، أو مع قبيلته، أو حتى مع عدوه. والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والله تعالى يقول: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} ، والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " قل الحق ولو كان مرًّا " . إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (2 / 85)
وقال أيضاً : فمن تعصّب لم يكن متحاكماً إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول، وإنما تحاكم إلى هذا الشخص الذي تعصّب له وجمد على رأيه، مع مخالفته، وهو اجتهاد اجتهد فيه، لكن إذا خالف الدليل فلا يجوز لنا أن نتعصّب لرأي إمام أو لرأي عالم أو لرأي مفت من المفتين، ونحن نعلم أنّه مخالف للدّليل، لكن ذلك العالم معذور لأنّه مجتهد، ولكنّه لم يصادف الدّليل، فهو معذور له أجر على ذلك، لأنّ هذا منتهى اجتهاده، أما من تبيّن له أن هذا الاجتهاد غير مطابق للدّليل فلا يسعه أن يأخذ بهذا الاجتهاد، ولا يجوز له. والأئمّة ينهون عن ذلك، ينهوننا أن نأخذ بآرائهم دون نظرٍ إلى مستندها من كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، وإلاّ كنا- كما سبق في الباب الذي قبل هذا- أطعنا العلماء والأمراء في تحريم ما أحلّ الله وتحليل ما حرّم الله.
وكذلك التحاكم في المناهج التي يسمّونها الآن: مناهج الدّعوة، ومناهج الجماعات هي من هذا الباب، يجب أن نحكّم فيها كتاب الله وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فما كان منها متمشّياً مع الكتاب والسنّة فهو منهج صحيح يجب السّير عليه، وما كان مخالفاً لكتاب الله وسنّة رسوله يجب أن نرفضه وأن نبتعد عنه.
ولا نتعصّب لجماعة أو لحزب أو لمنهج دعويّ ونحن نرى أنه مخالف لكتاب الله وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فالدعاة منهم من هو داعية ضلال.
فالذي يقصر هذا التحاكم إلى الكتاب والسنّة على المحاكم الشرعيّة فقط غالط، لأن المراد: التحاكم في جميع الأمور وجميع المنازعات: في الخصومات وفي الحقوق المالية، وغيرها، وفي أقوال المجتهدين، وأقوال الفقهاء، وفي المناهج الدّعويّة، والمناهج الجماعيّة، لأن الله تعالى يقول: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ} و{شيءٍ} نكرة في سياق الشرط، فتعتمّ كل نزاع وكل خلاف في شيء، سواءً في الخصومات، أو في المذاهب، أو في المناهج. وفي أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية.
يجب أنّنا نعرف هذا، لأن بعض الناس وبعض المنتسبين للدّعوة يقصر هذا على وجوب التحاكم في المنازعات والخصومات إلى المحاكم الشرعية، ويقول: يجب تحكيم الشريعة ونبذ القوانين، نعم، يجب هذا، ولكن لا يجوز الاقتصار عليه، بل لابدّ أن يتعدّى إلى الأمور الأخرى، إلى تحكيم الشريعة في كلّ ما فيه نزاع، سواءً كان هذا النّزاع بين دول، أو كان هذا النّزاع بين جماعات، أو كان هذا النزاع بين أفراد، أو كان هذا النّزاع بين مذاهب واتّجاهات، لابدّ من تحكيم الكتاب والسنّة. نحن نطالب بهذا في كلّ هذه الأمور.
أما أن نقصره على ناحية ونسكت عن النّاحية الأخرى، فنقول: النواحي الأخرى دعوا الناس إلى رغباتهم، دعوا كلاًّ يختار له مذهباً، وكلاًّ يختار له منهجاً. نقول: هذا قصور عظيم، لأنه يجب أن نحكّم الشريعة في المحاكم، ونحكّمها في المذاهب الفقهيّة، ونحكّمها في المناهج الدّعويّة، لابد من هذا، فلا يجوز لنا أن نقصر كلام الله وكلام رسوله على ناحية ونترك النواحي الأخرى، لأنّ هذا إمّا جهل وإمّا هوى.
كثير من النّاس اليوم ينادون بتحكيم الشريعة في المحاكم وهذا حق؛ لكن هم متنازعون ومختلفون في مناهجهم وفي مذاهبهم، ولا يريدون أن يحكّموا الشّريعة في هذه الأمور، بل يقولون: اتركوا الناس على ما هم عليه، لا تتعرّضوا لعقائدهم، لا تتعرضوا لمصطلحاتهم، لا تتعرّضوا لمناهجهم، اتركوهم على ما هم عليه، وهذا ضلال، بل هذا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر، مثل قوله تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب} .
فهذا أمر يجب التنبّه له، لأنّ هذه مسألة عظيمة غفل عنها الآن الأكثرون.
فالذين ينادون بتحكيم الشريعة إنما يريدون تحكيمها في المخاصمات، في الأموال، والأعراض، والخلافات بين الناس، والأمور الدّنيوية دون العقائد والمذاهب. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (2 / 119)
فليتأمل اللبيب الخالي من التعصب والهوى، الذي يعرف أن وراءه جنة وناراً، الذي يعلم أن الله يطلع على خفيات الضمير، هذه النصوص، ويفهمها فهماً جيداً، ثم ينزلها على مسألة وقف الجنف والإثم، ثم يتبين له الحق إن شاء الله.وأن الحق إذا لاح واتضح، لم يضره كثرة المخالف . الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (7 / 48)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المضرة التي ذكرها نوعان أحدهما يتعلق بالعلم وهو التنبيه على شبه الباطل التي تضعف اعتقاد الحق وتفضي إلى الباطل والثاني يتعلق بالقصد وهو إثارة الهوى والحمية والعصبية التي تدعو إلى الإصرار ولو على الباطل لئلا يغلب الشيطان .درء تعارض العقل والنقل - (7 / 163)
قال أيضاً : وأما التعصب لأمر من الأمور بلا هدًى من الله فهو من عمل الجاهلية . { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدًى من الله }
فمن تعصّب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهليّة حتّى يكون المؤمنون كما أمرهم اللّه تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنّة رسوله . مجموع الفتاوى 11 / 28- 28 / 422
وقال أيضاً : وكلّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن : من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة : فهو من عزاء الجاهليّة ؛ مجموع الفتاوى 28 / 328
وقال أيضاً رحمه الله : من تبين له فى مسألة من مسائل الحق الذي بعث الله به رسوله ثم عدل عنه الى عادته فهو من أهل الذم والعقاب . مجموع الفتاوى . 20 / 225
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز لأحد أن يرجح قولاً على قول بغير دليل ولا يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة . مجموع الفتاوى . 35 / 233
وقال أيضاً رحمه الله: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة وهو الحق وهو الدين فإذا قدر أن الذي معه هوالحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعة وطبعا أو لغرض من الدنيا لم يكن لله ولم يكن مجاهدا في سبيل الله فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وكفر بعضهم بعضاً وفسق بعضهم بعضاً ولهذا قال تعالى فيهم وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة سورة البينة وقال تعالى كان الناس أمة واحدة. منهاج السنة النبوية - (5 / 176)
وكان السلف يقولون: ( احذروا من الناس صنفين، صاحب هوى قد فتنه هواه ، وصاحب دنيا أعمته دنياه ). اقتضاء الصراط - (1 / 25)
وقال أيضاً رحمه الله: عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله وتعاون على البر والتقوى ولا تعاون على الإثم والعدوان وإذا كان الحق معي نصرت الحق وإن كنت على الباطل لم تنصر الباطل . فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا . وفي الصحيحين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميةً ويقاتل رياءً فأي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله } . فإذا كان المجاهد الذي يقاتل حميةً للمسلمين ؛ أو يقاتل رياءً للناس ليمدحوه ؛ أو يقاتل لما فيه من الشجاعة : لا يكون قتاله في سبيل الله عز وجل حتى يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فكيف من يكون أفضل تعلمه صناعة القتال مبنياً على أساس فاسد ليعاون شخصًا مخلوقًا على شخص مخلوق فمن فعل ذلك كان من أهل الجاهلية الجهلاء . مجموع الفتاوى 28 / 21
وقال ابن باز رحمه الله: فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره; وإن عظمه المشار إليهم من أهل الجهل، أو التقليد الأعمى، والتعصب.
فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى، ولا بأهل التعصب، ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل واحتج بالدليل، وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. فتاوى نور على الدرب
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز أبداً التعصب لزيد أو عمرو , ولا لرأي فلان أو علان , ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية , أو الجماعة الفلانية , كل هذا من الأخطاء الجديدة , التي وقع فيها كثير من الناس.
فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد , وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأحوال , في الشدة والرخاء , في العسر واليسر , في السفر والإقامة , وفي جميع الأحوال , وعند اختلاف أهل العلم ينطر في أقوالهم , ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس . مجموع فتاوى (2 / 311)
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز التعصب لأي جمعية أو أي حزب فيما يخالف الشرع المطهر . مجموع فتاوى (7 / 178)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لا يجوز لأحد أن يعارض كتاب الله بغير كتاب فمن عارض كتاب الله وجادل فيه بما يسميه معقولات وبراهين وأقيسة أو ما يسميه مكاشفات ومواجيد وأذواق من غير أن يأتي على ما يقوله بكتاب منزل فقد جادل في آيات الله بغير سلطان هذه حال الكفار الذين قال فيهم {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا }فهذه حال من يجادل في آيات الله مطلقاً , ومن المعلوم أن الذي يجادل في جميع آيات الله لا يجادل بسلطان .الاستقامة - (1 / 22)
وقال أيضاً رحمه الله : فكل ما عارض قول النبي المعصوم فهو باطل .الجواب الصحيح - (2 / 22)
وقال الشيخ ربيع حفظه الله: وحذر صلى الله عليه وسلم من التعصب والعصبية العمياء , ... عصبية مذهبية أو قبلية أو غيرها من العصبيات التى تنافي المبدأ الإسلامي الذي يدعو للأخوة في الله ، ونبذ هذه العصبيات على مختلف أشكالها وألوانها فهذا تحذير من العصبية المقيتة وتنفير منها .
والرسول الكريم يحذر يا أخوتاه، يحذر من التعصب للقبائل أو للعشائر قال رجل: يا للأنصار قال آخر: يا للمهاجرين، الأنصار لفظ شريف ورد في كتاب الله وفي سنة الرسول والمهاجرون كذلك، لكن لما استغلت هاتين اللفظتين في الدعوة إلى الهوى والباطل فقال الرسول : ادعوى الجاهلية وأنا بين اظهركم، دعوها فإنها منتنه.
فهذا النتن الآن يفوح من التعصبات الموجودة في الساحة بدل أن يعتصم الشباب بهذا المنهج الحق الواضح تتجاذبهم الأهواء وتتجاذبهم الفرق والعياذ بالله.التعصب الذميم فهي رسالة نافعة إلى الغاية فراجعها
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد .
وما يفعله بعض الصوماليين من التعصب لمن ينتسبون إليه فهذا مخالف لهدي السلف ومخالف لما عليه أئمة المذاهب فإنهم متفقون على ذم التقليد وذم التعصب فالواجب على المسلم أن ينصر الدليل وأن يأخذ به فلم يحصر الله تعالى الحق في أقوال العلماء قال الإمام الشافعي رحمه الله : ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم - وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - خلاف ما قلت فالقول ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قولي " .
قال ابن القيم رحمه الله: ومن له قدم راسخ في الشريعة ومعرفة بمصادرها ومواردها وكان الإنصاف أحب إليه من التعصب والهوى والعلم والحجة آثر عنده من التقليد لم يكد يخفى عليه وجه الصواب والله الموفق. إعلام الموقعين عن رب العالمين - (4 / 33)
أسباب النجاة من التعصب
قال الإمام محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي اليماني رحمه الله: واعلم أنه لا يكاد يسلم من هذه الأغلاط إلا أحد رجلين إما رجل ترك البدعة كلها والتمذهب والتقاليد والاعتزاء إلى المذاهب والأخذ من التعصب بنصيب وبقي مع الكتاب والسنة كرجل نشأ قبل حدوث المذاهب ولم يعبر عن الكتاب والسنة بعبارة منه مبتدعة واستعان الله وأنصف ووقف في مواضع التعارض والاشتباه ولم يدع علم ما لم يعلم ولا تكلف ما لا يحسن وهذا هو مسلك البخاري وأئمة السنة غالباً في ترجمة تصدير الأبواب وفي العقائد بالآيت القرآنية والاخبار النبوية كما صنع في أبواب القدر وكتاب التوحيد والرد على الجهمية وأبواب المشيئة ورجل أتقن العلمين العقلي والسمعي وكان من أئمتهما معا بحيث يرجع اليه أئمتهما في وقائعهما ومشكلاتهما مع حسن قصد وورع وانصاف ونحر للحق فهذا لا تخلف عنه هداية الله واعانته وأما من عادى أحد هذين العلمين وعادى أهله ولم يكن على الصفة الأولى من لزوم ما يعرف وترك ما لا يعرف فانه لابد أن تدخل عليه البدع والأغلاط والشناعات . إيثار الحق على الخلق - (122)
وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله:ومن أكبر أسباب شرح الصدر للنصائح والمواعظ وقبولها، ما يعلمه الله من حرص العبد على الخير والهدى، والتجرد من ثوبي التعصب والهوى، والبعد عن الإعجاب بالنفس، وإيثار الشهوات الدنيوية؛ فالقلب إذا سلم من هذا، وابتهل إلى الله بالأدعية المأثورة، كدعاء الاستفتاح: " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ..." الحديث، لا سيما في أوقات الإجابة، فإن هذا لا تكاد تسقط له دعوة، والتوفيق له أقرب من حبل الوريد. قال الله تعالى: {ولو علم اللّه فيهم خيراً لأسمعهم} [سورة الأنفال آية: 23]. الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (8 / 319)
فيجب على الإنسان الالتفات إلى كتاب الله، وسنة نبيه، وطريقة أصحابه والتابعين، وأئمة الإسلام، ولا يعبأ بكثرة المخالفين بعدهم ; فإذا علم الله من العبد الصدق في طلب الحق، وترك التعصب، ورغب إلى الله في سؤال هدايته الصراط المستقيم، فهو جدير بالتوفيق ; فإن على الحق نوراً، لا سيما التوحيد الذي هو أصل الأصول، الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو توحيد الإلهية؛ فإن أدلته وبراهينه في القرآن ظاهرة، وعامته إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم.
ولا يتوحش الإنسان لقلة الموافقين، وكثرة المخالفين، فإن أهل الحق أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، لا سيما في هذه الأزمنة المتأخرة، التي صار الإسلام فيها غريباً.
والحق لا يعرف بالرجال، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمن قال له: أترى أنا نرى الزبير وطلحة مخطئين، وأنت المصيب ؟ فقال له علي: "ويحك يا فلان! إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله" وأيضاً قال: "الحق ضالة المؤمن".
وليحذر العاقل من شبهة الذين قال الله عنهم: {لو كان خيراً ما سبقونا إليه} [سورة الأحقاف آية: 11]، {أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا} [سورة الأنعام آية: 53]. وقد قال بعض السلف: "ما ترك أحد حقاً إلا لكبر في نفسه" ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر " ، ثم فسر الكبر: بأنه "بطر الحق" أي: رده، " وغمط الناس " أي: احتقارهم وازدراؤهم . الدرر السنية في الأجوبة النجدية - (12 / 107)
فيا أيها اللبيب العاقل ، اترك التعصب والهوى ، واختر لنفسك الدين الذي رضيه الله تعالى للناس كافة { إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب }. وقال الله {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} . وقال تعالى {اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} .
شهادة المتعصب ترد ولا تقبل
قال الشّافعىّ رحمه اللّه : من أظهر العصبيّة بالكلام وتألّف عليها ودعا إليها فهو مردود الشّهادة لأنّه أتى محرّمًا لا اختلاف فيه بين علماء المسلمين علمته واحتجّ بقول اللّه تعالى (إنّما المؤمنون إخوةٌ) وبقول رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- :« وكونوا عباد اللّه إخوانًا ». السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (10 / 231)
وقال عبد الحليم في حاشية الدرر ولا يذهب عليك أن أكثر طائفة القضاة بل الموالي في عصرنا بينهم تعصب ظاهر لأجل المناصب والرتب فينبغي أن لا تقبل شهادة بعضهم على بعض ما لم يتبين عدالته كما لا يخفى. حاشية ابن عابدين - (7 / 147)
وقال الشّافعي : فالمكروه فى محبّة الرّجل من هو منه أن يحمل على غيره ما حرّم اللّه عليه من البغى والطّعن فى النّسب والعصبيّة والبغضة على النّسب لا على معصية اللّه ولا على جنايةٍ من المبغض على المبغض ولكن يقول أبغضه لأنّه من بنى فلانٍ فهذه العصبيّة المحضة الّتى تردّ بها الشّهادة. السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (10 / 233)
وعلماء السلف من المتقدمين والمتأخرين وطلابهم بعيدون كل بعد عن التعصب وأشكاله وقد كثر تحذيرهم منها في كتبهم ونذكر هنا بعضاً منها :
سئل الإمام الشيخ العلامة ناصر الكتاب والسنة , ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله : هل تنصحون بما يفعله بعض طلبة العلم في تجرّدهم لنقد كتب بعض علمائنا صحّة وضعفًا، كالنظرات في السلسلة والنظرات في صفة الصلاة؟
الجواب: باب النقد للألباني ولأمثاله مفتوح ـ والله ـ، ولا يغضب من ذلك لا الألباني ولا أمثاله من حملة السنّة، النقد المؤدّب الذي يحترم العلماء، وليس له هدف إلاّ بيان الحقّ، فهذا بدأ من عهد الصحابة ولا ينتهي.
فقد انتقد الشافعي مالكًا، وانتقد أصحاب أبي حنيفة وانتقد أحمد ـ بارك الله فيك ـ كلّ هذه المذاهب واستمر هذا النقد إلى يومنا هذا في شتى العلوم.
فالنقد ـ يا إخوان ـ لا يجوز سدّ هذا الباب، لأنّنا نقول بسدّ باب الاجتهاد ـ بارك الله فيكم ـ.
ولا نعطي قداسة لأفكار أحد أبدًا كائنًا من كان. فالخطأ يردّ من أيّ شخص كان، سلفيًّا كان أو غير سلفي.
ولكنّ التعامل مع أهل الحقّ والسنّة الذين عرفنا إخلاصهم واجتهادهم ونصحهم لله ولكتابه ورسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم التعامل معهم غير التعامل مع أهل البدع والضلال.
إذ تكلّم وبيّن فقال: بيان الهدى وبيان الحقّ لابدّ منه وقد انتقد سعيد بن المسيب وابن عباس وطاووس وأصحاب ابن عباس وانتقدوا وانتقدوا، وما قال أحد: إنّ هذا طعن، ما يقول بهذا إلاّ أهل الأهواء، فنحن إذا انتقدنا الألباني ما نسلك مسلك أهل الأهواء فنقول: لا لا تنتقدوا الألباني، طيّب أخطاؤه تنتشر باسم الدين، وإلاّ أخطاء ابن باز، وإلاّ أخطاء ابن تيمية وإلاّ أخطاء أيّ واحد.
أيّ خطأ يجب أن يبيّن للناس أنّ هذا خطأ، مهما علت منزلة هذا الشخص الذي صدر منه هذا الخطأ. لأنّنا كما قلنا غير مرّة بأنّ خطأه ينسب إلى دين الله.
لكن نميّز ـ كما قلت ـ بين أهل السنّة وأهل البدعة، وكما قال ابن حجر وقال غيره: المبتدع يهان ولا كرامة . يهان لأنّ قصده سيئ، المبتدع صاحب هوى كما قال الله تبارك وتعالى: { هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله }.قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: فإذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم. متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
فالله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم يتقصّدون الفتنة، يتّبعون المتشابه ويتركون المحكم الواضح البيّن ويذهبون إلى المتشابه يتعلّقون به ويحتجّون به، ولا يسلكون مسالك أهل الهدى وأهل الحقّ من الصحابة والتابعين بإحالة المتشابه إلى المحكم، فيصير المتشابه محكمًا بإعادته إلى المحكم يصير محكمًا.
وهؤلاء يستغلّون المتشابه قصدًا واتباعًا للهوى ليضلّوا أنفسهم ويضلّوا الناس فماذا يستحقّون؟ يستحقّون الإهانة والتشريد إلى درجة أنّ هذا الذي يتّبع المتشابه إذا أصبح داعيًا يقتل أو يضرب على حسب فتنته، فضلاً أن ينتقد ويقسى عليه في النقد عند الحاجة والضرورة.
فأحمد بن حنبل مثلاً يقول:إذا رأيت الرجل ينتقّص حمّاد بن سلمة فاتّهمه على الإسلام، لماذا؟ لأنّه كان شديدًا على أهل البدع .
فهذه محمدة لا تصير الشدّة على أهل البدع مذمّة ـ على أنّنا لا ننصح بالشدّة ـ لكن لو حصلت فلتة من ناصح ما تتّخذ مذمّة ووسيلةً للصدّ عمّا ينصر به الإسلام وينصر به السنّة.
فإنّ أهل الأهواء الآن تعلّقوا مثلاً بكلمة: - فلان عنده شدّة - فنفّروا من كتبه.
هل كان السلف إذا قالوا: فلان شديد على أهل البدع يذمّونه بهذا؟ أو يريدون بذلك الصدّ عن سبيل الله كما يفعل هؤلاء من أهل الأهواء الآن.
فالشاهد أنّ النقد لأهل العلم ومن أهل العلم ينتقد بعضهم بعضًا ويبيّنون للناس الخطأ تحاشيًا من نسبة هذا الخطأ إلى دين الله عزّ وجلّ هذا واجب ولا نقول: جائز.
واجب أن تبيّنوا للناس الحقّ وتميزوا بين الحقّ والباطل { وإذ أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه }
{ لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون - كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } .
فالنقد من باب إنكار المنكر، فنقد الأشخاص السلفيين الكبار إذا أخطأوا وبيان خطأهم هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن باب البيان الذي أوجبه الله، ومن باب النصيحة التي أوجبها الله وحتّمها علينا.
ولهذا تجد ابن عباس قال كما قلت لكم وعمران بن حصين وغيرهم انتقدوا عمر في (قوله) بالإفراد ـ بارك الله فيكم ـ.
فالنقد هذا موجود ويجب أن يستمر للصغير والكبير والجليل والحقير من الأمور، بيان الخطأ وبيان البدع ونقد الأخطاء ونقد البدع، مع التصريح باحترام أهل السنّة وإثبات أنّ للمجتهد إذا أصاب أجرين، وإذا أخطأ فله أجر واحد، هذا ما ندين الله به في نقد أهل السنّة وليس كذلك أهل البدع.
فأهل البدع ما نقول فيهم إنهم مجتهدون لأنهم متّبعون للهوى بشهادة الله وشهادة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالمبتدع الضالّ يفرّق الآن ويخطئ فيقول لك: هذا اجتهاد، لمّا قتل حكمتيار والأحزاب الضالّة جميل الرحمن قالوا: هذا اجتهاد، استباحة دماء السلفيين اجتهاد عندهم، وهكذا لا يقع في ضلالة وطامّة إلاّ قالوا: اجتهاد.
فهذا تمييع الإسلام وخلط بين الباطل والضلال والبدع وبين الحقّ، ومساواة أخطاء المجتهدين التي يثابون عليها بالبدع التي توعّد رسول الله عليها بالنار.
وقال: إنها ضلالة وقال: إنها شرّ الأمور.
فهذا تمييع وظلم للإسلام يجب أن يتبصّر فيه المسلمون فيميزون بين أهل الهدى وكيف ينتقدونهم ويبيّنون أخطاءهم وبين أهل الضلال وكيف يتعاملون معهم. أجوبة فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي السلفية على أسئلة أبي رواحة المنهجية
وسؤال آخر : لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي حفظه الله ، نسألكم عن بعض رجال الدين اليوم وهم الشباب الذين إلتزموا بالدين يتعارضون مع بعضهم في الدين ، هذا تابع للشيخ فلان وهذا تابع للشيخ فلان ما رأيكم في هذا الأمر؟وفقكم الله تعالى .
الجواب : رأيي باختصار : أن التعصب لا يكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم لا ينطق عن الهوى ،
أما التعصب للأشخاص مطلقاً أصابوا أم أخطأوا فإنه لا ينبغي من طلبة العلم ، ومن ناحية أخرى أنه ينظر في الشيخ فلان والشيخ فلان كما يقول السائل من هو ؟ على الجادة والسير على منهج السلف ، هذا هو الذي نضع أيدينا في يده لا تقليداً له ولكن لأنه على الحق ونحن نتفق معه على الحق ، ونمشي في طريق واحد امتثالاً لقول الله عزّوجل : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ) [ الأنعام : من الآية 153 ] . أما من يتخذون أشياخاً وزعماءً وقادةً ويوافقونهم على الصواب والخطأ بحيث لا يخرجون عن منهجهم أصابوا أم أخطأوا ، فهؤلاء هم الذين أساءوا إلى أنفسهم وأساءوا إلى غيرهم ، وهم إن لم يتوبوا فهم أحق باللوم ، فالأمر ولله الحمد واضح ولا ينبغي أن يكون الإنسان في حيرة من أمره في هذه القضية ، فالذين يسيرون في الطريق نحن معهم ونسير في طريق واحدة أمرنا الله بها ودعانا إليها رسولنا عليه السلام ، والذين يخطئون الطريق أو يخطئون في كثير من أمورهم أو في بعض أمورهم دعوه ، إذ لا يتابع في كل شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما الناس فإنهم يصيبون ويخطئون ، فإننا لا نتبعهم ولا نجري وراءهم لكونهم أشياخاً أو دعاةً أو زعماءً وقادةً ، وأنت كن مع أهل المنهج السلفي الذين يسيرون مع المنهج الصحيح والفهم الصحيح . العقد المنضد الجديد في الإجابة على مسائل في الفقه والمناهج والتوحيد . (144).
وميثال أخر قال ابن عبد البر : وهو أصل صحيح لمن ألهم رشده ولم تمل به العصبية إلى المعاندة .التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (12 / 203)
و سئل أبو بكر بن عياش: من السني ؟ ، فقال الذي إذا ذُكرت االأهواء لم يتعصب إليها. بمعنى أنه لا يميل إليها و لا ينصرها و لا يُؤيدها .
وسئل الشيخ عبدالعزيز الراجحي: هل يدخل في شرك الطاعة ما يفعله متعصبي المذاهب المعروفة من رد النصوص المخالفة لمذهبهم مع وضوحها؟
نعم قال بعض العلماء: يدخل، يتعصب حتى يترك النص من الآية، أو الحديث لقول شيخه، أو إمامه، قال بعض العلماء: يخشى أن يكون هذا داخل، حتى قال متعصبو الأحناف كل آية أو حديث يخالف المذهب فهو منسوخ أو متأول. انظر إلى هذا التعصب، كل نص يخالف المذهب فهو منسوخ أو متأول، يعني: من دون تأول، من دون تفكير.
فجعل المذهب هو الأصل والنصوص من الآيات، أو الأحاديث تخضع للمذهب، والواجب العكس، الأصل هو الدليل، النصوص من كتاب الله وسنة رسوله، والمذهب يخضع للآيات. إذا وافق المذهب النص أخذ، وإذا لم يوافق ترك وطرح، هذا هو الأصل.
لكن هؤلاء المتعصبين عكسوا الأمر، فقالوا: الأصل المذهب، وإذا جاء آية أو حديث يخالف المذهب فهو منسوخ أو متأول، هذا من البلاء ومن المصائب، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قال الإمام أحمد أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. نسأل الله السلامة والعافية. أجوبة مفيدة عن أسئلة عديدة
وقال الشيخ صالح آل الشيخ : وإذا كان ليست عنده حجة وإنما يتعصب أو يقبل قول الغير هكذا لأنه قاله فقط مع ظهور الحُجَّةْ في خلافه، فهذا يُسمى مُقَلداً لأنه جعل القول قِلادةً له دون بيانه. إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل .
نسأل الله أن يعصمان من العصبية والتعصب وأشكالهما وأن يثبنا على الحق حتى نلقاه وصلى الله علي رسوله وآله وأصحابه وسلم