• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[الحدادية تتسقط الآثار الواهية والأصول الفاسدة وهدفها من ذلك تضليل أهل السنة السابقين واللاحقين] للعلامة ربيع المدخلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [الحدادية تتسقط الآثار الواهية والأصول الفاسدة وهدفها من ذلك تضليل أهل السنة السابقين واللاحقين] للعلامة ربيع المدخلي

    الحدادية تتسقط الآثار الواهية والأصول الفاسدة
    وهدفها من ذلك تضليل أهل السنة السابقين واللاحقين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
    أما بعد:
    فقد اطلعتُ على مقال لأبي عاصم عبد الله بن صوان الغامدي بعنوان: " تصحيح حديث عبد الله بن شقيق"، يدافع فيه عن أثر عبد الله بن شقيق متغافلاً عن ما بنى عليه الحداديون من تضليل وتبديع لأهل الحديث والسنة وأئمتهم.
    فهم على منهج الحدادية الباطل طائفتان:
    الأولى مرجئة، والثانية جهمية، كما في تعليقات عادل آل حمدان على بعض كتب أهل السنة، ولما رددنا باطله دافع عنه الحدادية في موقعهم المسمى بـ"الأثري"، فهم راضون عن صنيعه.
    وأما وصفهم السلفيين بالجهمية فسيأتي في مقال بعد هذا المقال.
    أقول هذه نصيحة لأبي عاصم ومن كان على شاكلته من المخدوعين بهذه الفئة الباغية على المنهج السلفي وعلمائه من علماء الحديث والسنة.
    فعسى أن يستيقظ أبو عاصم وأمثاله من المخدوعين فيربئوا بأنفسهم عن مجاراة هؤلاء المبطلين، بل عسى أن يشمروا عن ساعد الجد للذب عن السلف الكرام وإهانة من يتطاول عليهم.
    مناقشة أقوال أبي عاصم:
    أولاً- قال أبو عاصم الغامدي في (ص1):
    "الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد : فقد قرأت مؤخرا تحقيقا للشيخ ربيع بن هادي لأثر عبد الله بن شقيق العقيلي في حكم تارك الصلاة وقد ضعفه سندا ومتنا وهذا خلاف ما أعلمه من صحة الأثر وما قرأته من استدلالات العلماء به في مصنفاتهم دون نكير ، فقمت بدراسته فكانت هذه نتيجة الدراسة أسأل الله أن ينفع به.
    عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ".
    رواه الترمذي في سننه: (رقم : 2667) بسنده عن قتيبة قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن الجريري ، به .. بلفظه. والمروزي في كتابه: (تعظيم قدر الصلاة، رقم: 830) من طريق: محمد بن عبيد بن حساب ، وحميد بن مسعدة ، قالا : حدثنا بشر بن المفضل ، به .. ولفظه: "لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". وفي سنده: الجريري ، بضم الجيم، وهُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ الْخَامِسَةِ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ ، مات سنة أربع وأربعين ومائة روى له الستة، والراوي عن الجريري هو: بشر بن المفضل ، وقد سمع منه قبل الاختلاط".

    أقول:
    1- إن العلماء الذين استدلوا بأثر عبد الله بن شقيق لم يطلعوا على ما يدل على ضعفه سنداً ومتناً، ولو اطلعوا على ما يدل على ضعفه لما احتجوا به، والدال على ضعفه رواية إسماعيل بن علية ولفظها: " ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة "، رواه الخلال في "السنة"(4/144) رقم (1378).
    فأين ذكر الصحابة وإجماعهم في هذه الرواية الصحيحة؟، وأين تكفيرهم لتارك الصلاة؟
    2- ذكرتُ في بحثي السابق([1]) في (ص21) أن الترمذي روى هذا الحديث، لكنه لم يحكم له بصحة ولا حُسن، ولو كان صحيحاً عنده أو حسناً لصرّح بذلك، والظاهر أنه إنما سكت عن الحكم له بالصحة أو الحُسن لتوقفه في رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
    3- قال ابن أبي شيبة في "مصنفه" حديث (30960):
    حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كَانَ يُقَالَ : لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إنْسَانٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ.
    فهذا على منهجكم يفيد الإجماع، فيصير الصحابة والتابعون في اختلاف وتناقض، وسبب ذلك الغلو في دعاوى الإجماع، وحاشا الصحابة والتابعين من هذا التناقض المزعوم.

    ثانياً- قال أبو عاصم في (ص1):
    " قال ابن عدي في الكامل (4/444): " ثنا أَحْمَد بْن علي المدائني , ثَنَا الليث بْن عبدة , قَالَ يحيى بْن معين: قَالَ عيسى بْن يونس : نهاني عن الجريري فتى بالبصرة , قَالَ يحيى : يريد يحيى القطان.قال كهمس الذي بينه وبينه شيء فكان يقول : اختلط قبل الطاعون , والطاعون كان سنة اثنتين وثلاثين , ومات أيوب زمن الطاعون.قَالَ : والجريري أكبر من أيوب , وأكبر من خالد , قَالَ له ابْن أبي مريم : فمن سمع عنه قبل الاختلاط ؟ قَالَ : إسماعيل , وبشر بْن المفضل , والثوري." ، وقد أكد سماع بشر بن المفضل من الجريري ابن رجب وابن حجر ، قال ابن رجب في شرح العلل: (2/180): " وممن سمع منه قبل أن يختلط الثوري وابن علية وبشر بن المفضل " ، وقال ابن حجر في هدي الساري (1/405): "..وما أخرج البخاري من حديثه –أي : الجريري- إلا عن عبد الأعلى وعبد الوارث وبشر بن المفضل ، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط..".

    أقول:
    1- في إسناد ابن عدي هذا ابن أبي مريم يحتمل أن يكون هو أبو بكر الغساني الشامي، وهو ضعيف من السابعة، ويحتمل أن يكون يزيد بن أبي مريم الأنصاري لا بأس به، من السادسة.
    2- وكهمس هو ابن المنهال السدوسي، قال ابن أبي حاتم: "محله الصدق، يكتب حديثه، أدخله البخاري في الضعفاء فيحول عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان يقول بالقدر روى له البخاري حديثاً واحداً في مناقب عمر مقروناً بغيره.
    قال الحافظ: وقال الساجي كان قدرياً ضعيفاً لم يحدث عنه الثقات" ، "تهذيب التهذيب" (8/451).
    وقال الذهبي: " كهمس بن المنهال [ خ - مقرونا ].
    عن سعيد بن أبي عروبة.
    اتهم بالقدر.
    وله حديث منكر أدخله من أجله البخاري في كتاب الضعفاء.
    وقال أبو حاتم: محله الصدق" ، "الميزان" (3/416).
    3- والليث بن عبدة لم أقف له على ترجمة، بعد بحث في عدد من كتب الرجال.
    وإسناد هذا حاله لا يعتمد عليه.
    أما حكم الحافِظَين ابن رجب وابن حجر، فالظاهر أن هذا بناء منهما على رواية البخاري في "صحيحه" عن بشر عن الجريري، أو تساهل منهما كما يتساهل كثير من المحدثين في أحاديث الترغيب والترهيب.
    وقد أسلفتُ في البحث السابق([2]) في هذا الموضوع (ص21) أن الإمام البخاري لم يرو عن بشر بن المفضل عن الجريري إلا حديثاً واحداً؛ لأن له متابعاً، وهو إسماعيل بن علية، كرر البخاري هذا الحديث في ثلاثة مواضع، يذكر في موضعين منها متابعة إسماعيل بن علية لِبشر، ولم يرو مسلم بهذا الإسناد إلا حديثاً واحداً لبشر له فيه متابعات، والظاهر أن هذا العمل منهما ما كان إلا بسبب اعتقادهما أن بشراً غير أهل للاحتجاج به فيما يرويه عن الجريري؛ لأنه لم يرو عنه إلا بعد الاختلاط.

    ثالثاً- قال أبو عاصم في (ص1-2):
    " قلت : وقد توبع بشر بن المفضل ، تابعه عبد الأعلى ، عن الجريري عند ابن أبي شيبة في المصنف (برقم :29851)رواه بسنده عنه ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ولفظه : " ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة " قال : " كانوا يقولون : تركها كفر " وفي كتاب الإيمان : برقم ( 133 )، قال العجلي في الثقات (1/181) : "وعبد الأعلى من أصحهم سماعًا، سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين" ، وكذا تابعه إسماعيل بن علية عند الخلال في كتاب (السنة ، رقم : 1402)من طريق : أبي عبد الله ، قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : ثنا الجريري ، به .. ولفظه :" ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة"".

    أقول: قد بيّنا في البحث السابق في هذا الموضوع:
    1- أن عبد الله بن شقيق ما روى إلا عن عدد قليل من الصحابة، مما يبطل دعوى الإجماع.
    2- وأن بشر بن المفضل لم يسمع من الجريري إلا بعد الاختلاط، فإن صحَّ أنه سمع منه قبل الاختلاط، فيحتمل أنه سمع هذا الأثر بعد الاختلاط احتمالاً قوياً، أو يكون قد وهم فيه.
    ومما يدل على هذا أن إسماعيل بن علية قد رواه بنص يخالف نص رواية بشر.
    فرواية بشر نصها: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".
    ونص رواية إسماعيل بن علية: "ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة ".
    والفرق بينهما واضح جداً عند المنصفين.
    واعتبار رواية إسماعيل بن علية موافقة ومتابعة لرواية بشر من المكابرات.
    فرواية بشر بن المفضل تُسنِد التكفير إلى الصحابة، بلفظ يوهم إجماعهم على هذا التكفير.
    بينما رواية إسماعيل لا تُسند هذا التكفير إلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قريب، ولا من بعيد.
    وقوله: "قيل" يحتمل أن القائلين غير أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم-.
    ويحتمل أن القائل واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو من التابعين، فإن عبد الله بن شقيق قد روى عن بعض التابعين، راجع "تهذيب الكمال" (15/90).
    وكذا رواية عبد الأعلى فيها مخالفة لرواية بشر بن المفضل.
    فلا يجوز الجزم بأن قائليها هم الصحابة، وهي تقوي رواية إسماعيل بن علية، لا رواية بشر بن المفضل.
    والذين صححوا رواية بشر لو اطلعوا على روايتي إسماعيل بن علية وعبد الأعلى لكان لهم موقف حازم منها.
    وأزيد لو اطلعوا عليهما لأعلّوا بهما رواية بشر على طريقة أئمة الحديث.
    ويحتمل أن بعضهم يعرف ضعف رواية بشر، ولكنه يتساهل في قبولها على طريقة كثير من أهل الحديث في التساهل في روايات الترغيب والترهيب.

    رابعاً- قال أبو عاصم في (ص2):
    " وقد صححه بعض العلماء ومنهم : الحاكم كما تقدم ذكره عنه ، ونقله عنه الشنقيطي في أضواء البيان (4/515) ، وصححه النووي في خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام : ( 1/245) وفي المجموع : (3/3 ) وفي رياض الصالحين (314) والزيلعي في : تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف (1/204)قال –بعد ذكره لإسناد الترمذي -: وهؤلاء رجال الصحيح انتهى ، وقال ابن العراقي في طرح التثريب (1/146): رواه الترمذي بسند صحيح ،وصححه السخاوي في الأجوبة المرضية (2/819) ، قال ابن علان في دليل الفالحين (3/698): "(رواه الترمذي فـي كتاب الإيمان) من «جامعه» (بإسناد صحيح) خالف ابن حجر الـهيتمي فقال فـي «شرح الـمشكاة»: وسنده حسن " وقال الألباني في : صحيح الترغيب رقم :( 565) : " صحيح موقوف".

    أقول: الذين صححوا أثر عبد الله بن شقيق المنسوب إلى الصحابة إنما بنوا تصحيحهم على ظاهر الإسناد، إلى جانب أنهم لم يقفوا على رواية إسماعيل بن علية، ولو وقفوا عليها لما صححوا هذه الرواية التي تواردوا على تصحيحها، هذا ما نعتقده فيهم.
    وقوله: " وقد صححه بعض العلماء ومنهم : الحاكم...".
    أقول:
    أ- إن أثر عبد الله بن شقيق الذي تدافع عنه لم يسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه-.
    وهو عند الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
    وهذا واحد من الأدلة الدالة على ضعف أثر عبد الله بن شقيق.
    فتارة يسند إلى عبد الله بن شقيق وأخرى إلى أبي هريرة.
    وتارة يرويه بشر بن المفضل عن الجريري عن ابن شقيق بلفظ.
    ويخالفه إسماعيل بن علية فيرويه عن الجريري بلفظ آخر.
    ويرويه عبد الأعلى بلفظ مغاير للفظ رواية بشر.
    هذا مع احتمال أن بشراً ما روى هذا النص عن الجريري إلا بعد الاختلاط.
    فإذا لم يضعف هذا الأثر بهذه الاختلافات في الإسناد والمتن، فلا سبيل إلى تضعيف الأحاديث والآثار الضعيفة والباطلة، ويغلق باب التضعيف والتعليل، كل هذا من أجل هذا الأثر الذي هذا حاله، ولا سيما والحداديون يصححونه ليطعنوا به في أئمة الإسلام والحديث.

    ب- أحال أبو عاصم بأثر عبد الله بن شقيق على "رياض الصالحين" للنووي برقم (314)، ولم أجده إلا برقم (1087).
    وأحال أبو عاصم تصحيح النووي لأثر عبد الله بن شقيق إلى "المجموع" للنووي (3/3)، فرجعت إلى هذا الموضع فلم أجده فيه.
    وإنما وجدته في (3/19) وله حوالات أخرى إلى بعض إلى كتب النووي لم أُراجعها، ومع ذلك فالنووي لم يأخذ به، بل أخذ بنقيضه.
    حيث قال في (3/18) من "المجموع": "(فرع) في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حداً، ولا يكفر، وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف. وقالت طائفة يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو أصح الروايتين عن أحمد، وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي".
    ثم عقبه بسوق حجج من يكفره وحجج من لا يكفره.
    ثم قال في (3/21): "وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها، وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها، والجواب عما احتج به أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه، وقياسهم لا يقبل مع النصوص، فهذا مختصر ما يتعلق بالمسألة والله أعلم بالصواب".
    فقد خالفه النووي فحكى عن مذهبه المشهور أن تارك الصلاة كسلاً ليس بكافر، وحكى ذلك عن مالك والأكثرين من السلف والخلف.
    ولو كان يرى أن أثر ابن شقيق يدل على الإجماع فكيف يخالفه ويخالفه الأكثرون من السلف والخلف.
    ولم يحك عن المكفرين لتاركي الصلاة أنهم طعنوا فيمن لا يكفره كما يفعل الحدادية المارقة عن منهج السلف المحاربة لأهله.

    خامساً- قال أبو عاصم في (ص3):
    " وقال المروزي : " قال أبو عبد اللـه: أفلا ترى أن تارك الصلاة ليس من أهل ملة الإسلام الذين يرجى لـهم الخروج من النار ودخول الجنة بشفاعة الشافعين كما قال صلى اللـه عليه وسلم في حديث الشفاعة الذي رواه أبو هريرة وأبو سعيد جميعا رضي اللـه عنهما أنهم يخرجون من النار يعرفون بآثار السجود فقد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة هم المصلون. أو لا ترى أن اللـه تعالى ميز بين أهل الإيمان وأهل النفاق بالسجود فقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} وقد ذكرنا الأخبار المروية في تفسير الآية في صدر كتابنا، فقال اللـه تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ} ، {وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ} . أفلا تراه جعل علامة ما بين ملة الكفر والإسلام وبين أهل النفاق والإيمان في الدنيا والآخرة الصلاة. " تعظيم قدر الصلاة : ( 2/1010 )".

    أقول: أبو عبد الله هنا هو محمد بن نصر المروزي -رحمه الله-، وهذه زلة منه، غفر الله له.
    وأحاديث أبي سعيد وأنس وأبي هريرة -رضي الله عنهم- في الصحيحين تدفع قوله هذا.
    1- فقد ورد في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- في الشفاعة أن الشفاعة جاءت لأصناف.
    الصنف الأول: المصلون الصائمون القائمون بالحج، فهؤلاء مع قيامهم بهذه الأركان دخلوا النار بذنوب أوبقتهم، فمن لا يقوم بها أشد عذاباً منهم وأشد.
    الصنف الثاني: من في قلبه مثقال دينار من خير، فهؤلاء خرجوا من النار بما في قلوبهم من الإيمان وأعمال القلوب، ومنها إخلاصهم في التوحيد.
    والصنف الثالث من في قلبه مثقال ذرة من خير، وهذا الخير هو الإيمان مع الإخلاص فيه.
    وهذه الأصناف هم من غير أهل الصلاة.
    فيقول أبو سعيد للسامعين لحديثه هذا: " إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )".
    الصنف الرابع: من قال فيهم -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، بعد هذه المراحل:
    "فيقول الله -عزّ وجل-: "شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه([3]).
    ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
    أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (7439)، ومسلم في "صحيحه" حديث (183)، واللفظ له، وأحمد في "المسند" (3/94) وفي تحقيق شعيب (18/394) رقم (11898)، والضياء في "المختارة" (2345)، وأخرجه أبو داود الطيالسي برقم (2179)، وأبو عوانة في "مسنده" (1/156) (449) و (1/181-182،185)، وابن منده في "الإيمان" (ص776-779).
    2- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الشفاعة.
    ومنه يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "... فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل.
    قال معبد بن هلال العنـزي الراوي عن أنس –رضي الله عنه-:
    هذا حديث أنس الذي أنبأنا به فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة قال فدخلنا عليه فسلمنا عليه فقلنا يا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع مثل حديث حدثناه في الشفاعة قال هيه فحدثناه الحديث فقال هيه قلنا ما زادنا قال قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ولقد ترك شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا قلنا له حدثنا فضحك وقال: (خلق الإنسان من عجل). ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه.
    "ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله".
    رواه البخاري في "التوحيد" حديث (7510)، ومسلم في كتاب الإيمان حديث (193/326)، وأحمد في "مسنده" (3/116)، وأبو عوانة (1/183-184)، وابن منده (ص820-822)، والضياء في "المختارة" (2345)، وابن خزيمة في "التوحيد" (2/710-711) .
    حديث أنس -رضي الله عنه- يفيد أن الشفاعة تتناول أصنافاً.
    الصنف الأول: من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان.
    الثاني: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
    الثالث: من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان.
    الرابع: صنف يشفع فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم من قال: "لا إله إلا الله"، فيقول الله له: " ليس ذاك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ".
    فهذه الأصناف من أمة محمد أدخلوا النار بذنوبهم، وأخرجهم الله من النار بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    والصنف الأخير أخرجوا بعزة الله وكبريائه وعظمته وجبريائه ورحمته، وذلك بسبب توحيدهم وإيمانهم، وإن كان في نهاية الضعف.
    فهذان الحديثان يجمعان بين الترهيب والترغيب؛ الترهيب من الذنوب والعقوبة الشديدة عليها ليرتدع المسلمون عن الذنوب، والترغيب في الإيمان والتوحيد ليكونوا من أهله.
    وأعتقد أن أبا عاصم اطلع عل حديثي أبي سعيد وأنس –رضي الله عنهما- من خلال بحثي الذي ردَّ عليه ولكن!!
    3- حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبي دعوته، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً" .
    أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (199)، وأحمد في "مسنده" (1/426) ، والترمذي في "سننه" حديث (3602)، وابن ماجه في "سننه" حديث (4307)، والبغوي في "شرح السنة" حديث (1237) .

    أضف إلى هذه الأحاديث الصحيحة التي أسلفناها الأحاديث الآتية:
    1- حديث عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فتوسد كل رجل منا ذراع راحلته، قال: فاستيقظت فلم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت فذهبت أطلبه، فإذا معاذ بن جبل قد أفزعه الذى أفزعني، قال: فبينما نحن كذلك إذا هدير كهدير الرحى بأعلى الوادي، فبينما نحن كذلك إذ جاء النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: أتاني آت من ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فقلنا: ننشدك الله والصحبة يا رسول الله لما جعلتنا من أهل شفاعتك قال: أنتم من أهل شفاعتي، قال: ثم انطلقنا إلى الناس، فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنه أتاني آت من ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، قالوا: يا رسول الله، ننشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال: فأنتم من أهل شفاعتي، فلما أضبوا عليه، قال: شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا" ، أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (2/641) رقم (385و 386)، والإمام أحمد في "مسنده" (6/28).
    2- حديث ابن عباس –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي وَلَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا"([4]).
    أخرجه أحمد في "مسنده" (1/301)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (32175)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11047).
    3- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ رُعْبًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ آكُلُهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا، كَانُوا يُحْرِقُونَهَا، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ قِيلَ لِي: سَلْ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ، فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
    رواه أحمد في "مسنده" (2/222) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو ابنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ به، وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/432-433)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/367).
    4- حديث أبي ذر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فيرعب العدو من مسيرة شهر وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وقيل لي : سل تعطه واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في القيامة وهي نائلة - إن شاء الله- لمن لم يشرك بالله شيئا )، أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6462)، والبزار في "مسنده" (4077).
    5- حديث أبي موسى –رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أُعْطِيتُ خَمْسًا بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِمَنْ كَانَ قَبْلِي وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ شَهْرًا وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ سَأَلَ شَفَاعَةً وَإِنِّي أَخْبَأْتُ شَفَاعَتِي ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/416)، قال: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَن أَبِي بُرْدَةَ عَن أَبِي مُوسَى به، وصححه ابن كثير (6/420)، وأخرجه الروياني في "مسنده" برقم (485) من طريق محمد بن معمر قال: حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل به.

    6- حديث أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ".
    أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1237)، ومسلم في "صحيحه" حديث (94).

    7- قال الترمذي في "سننه" (4/378):
    " باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله
    2638- حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن ابن محيريز، عن الصانبحي، عن عبادة بن الصامت أنه قال: دخلت عليه وهو في الموت فبكيت، فقا: مهلاً لم تبكي ؟ فوالله لئن استشهدتُ لأشهدن لك، ولئن شُفِّعت لأشفعن لك، ولئن استطعتُ لأنفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرّم الله عليه النار".
    وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وجابر وابن عمر وزيد بن خالد قال سمعت ابن أبي عمر يقول سمعت ابن عيينة يقول: محمد بن عجلان كان ثقة مأمونا في الحديث.
    قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
    والصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله، وقد رُوي عن الزهري أنه سئل عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"، فقال: "إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي"([5]).
    قال أبو عيسى ووجه هذا الحديث عند أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار".

    أقول: هذا هو القول الحق وهو مذهب أهل السنة جميعاً([6])، وهو يجمع بين نصوص الوعد والوعيد، وهو يخالف مذهب الخوارج الذين يتعلقون بنصوص الوعيد فحسب، ويخالف مذهب المرجئة الذين يتعلقون بنصوص الوعد ولا يرفعون رأساً بنصوص الوعيد.

    8- قال الإمام مسلم –رحمه الله- في "صحيحه":
    حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد (يعني ابن مسلم) عن ابن جابر قال: حدثني عمير بن هانئ قال حدثني جنادة ابن أبي أمية ، حدثنا عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء "، حديث (28).
    وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن عمير بن هانئ؛ في هذا الإسناد بمثله غير أنه قال: "أدخله الله الجنة على ما كان من عمل" ولم يذكر "من أي أبواب الجنة الثمانية شاء"، حديث(28).
    9- وقال -رحمه الله-:
    حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال: يا معاذ، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا، قال: "إذا يتكلوا" ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما" حديث (32).
    10- وقال -رحمه الله-:
    حدثنا سهل بن عثمان وأبو كريب محمد بن العلاء جميعا عن أبي معاوية، قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد (شك الأعمش) قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا"، قال: فجاء عمر، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم"، قال فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، قال ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه بالبركة، ثم قال: "خذوا في أوعيتكم"، قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة" حديث (27).
    11- حديث عَبْد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص قال: قال رسول اللَّهِ e : "إن اللَّهَ عَز وجل يَسْتَخْلِصُ رَجُلاً من أمتي على رؤوس الْخَلاَئِقِ يوم الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عليه تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يقول أَتُنْكِرُ من هذا شَيْئاً أَظَلَمَتْكَ كتبتي الْحَافِظُونَ قال لاَ يا رَبِّ فيقول أَلَكَ عُذْرٌ أو حَسَنَةٌ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ فيقول لاَ يا رَبِّ فيقول بَلَى إن لك عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ فَتُخْرَجُ له بِطَاقَةٌ فيها أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا الله وان مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فيقول أَحْضِرُوهُ فيقول يا رَبِّ ما هذه الْبِطَاقَةُ مع هذه السِّجِلاَّتِ فَيُقَالُ انك لاَ تُظْلَمُ قال فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ في كَفَّةٍ قال فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ وَلاَ يَثْقُلُ شيء بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ".
    أخرجه أحمد (2/213)، والترمذي حديث (2639)، وابن ماجه حديث (4300)، وابن حبان (225)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب" ، وليس كما قال، فإسناده صحيح، وقد صححه الحاكم والذهبي والألباني، انظر الصحيحة (135).

    وكل هذه الأحاديث تدل على أن الشفاعة تتناول كل موحد لم يشرك بالله شيئاً.
    فالحدادية لا يرفعون رأساً بهذه الأحاديث التي تبلغ درجة التواتر، ويتعلقون بالآثار الواهية، نسأل الله الثبات على الحق والعافية.

    سادساً- قال أبو عاصم في (ص3-4):
    " وقال ابن بطة : " حدثنا أبو العباس عبد الله بن عبد الرحمن العسكري , ختن زكريا قال: نا الحسن بن سلام , قال: نا أبو عبد الرحمن المقرئ , قال: نا سعيد بن أبي أيوب , قال: حدثني كعب بن علقمة , عن عيسى بن هلال الصدفي([7]) , عن عبد الله بن عمرو , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما , فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة , ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة , ويأتي يوم القيامة مع قارون , وفرعون , وهامان , وأبي بن خلف".
    قال الشيخ عبيد الله بن محمد: فهذه الأخبار والآثار والسنن عن النبي والصحابة والتابعين كلها تدل العقلاء ومن كان بقلبه أدنى حياء على تكفير تارك الصلاة , وجاحد الفرائض , وإخراجه من الملة , وحسبك من ذلك ما نزل به الكتاب , قال الله عز وجل: {حنفاء لله غير مشركين به} [الحج: 31]. ثم وصف الحنفاء والذين هم غير مشركين به , فقال عز وجل: [ص:684] {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5]. فأخبرنا جل ثناؤه , وتقدست أسماؤه أن الحنيف المسلم هو على الدين القيم , وأن الدين القيم هو بإقامة الصلاة , وإيتاء الزكاة , فقال عز وجل: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5]. وقال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [التوبة: 11]. فأي بيان رحمكم الله يكون أبين من هذا , وأي دليل على أن الإيمان قول وعمل , وأن الصلاة والزكاة من الإيمان يكون أدل من كتاب الله , وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإجماع علماء المسلمين , وفقهائهم الذين لا تستوحش القلوب من ذكرهم , بل تطمئن إلى اتباعهم , واقتفاء آثارهم رحمة الله عليهم .. ".
    وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/217): " وقال محمد بن نصر المروزيُّ سمعت إسحاق يقول: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ كَافِرٌ، وَكَذلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ عَمْداً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ"".

    أقول: إن ابن بطة نفسه لا يُكفر تارك الصلاة.
    فلقد صرّح بذلك الإمام ابن قدامة في كتابه "المغني" (2/331).
    وصرّح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (7/610)، وتلميذه الإمام ابن القيم في كتاب "الصلاة" (ص30)، وشمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي في "الشرح الكبير" (3/36) حكى عن ابن بطة أن تارك الصلاة يقتل حداً، وأنه أنكر قول من قال : إنه يكفر، وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافا فيه.
    وذكر الشيخ عبد الرحمن بن محمد الأدلة الكثيرة التي تمنع من الحكم عليه بالكفر.
    وشهد بذلك العلامة علاء الدين أبو الحسن المرداوي في كتابه "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (3/38) وقال بعد ذكر العلماء الذين يكفرون تارك الصلاة وحكمه.
    قال: "والرواية الثانية: يقتل حداً اختاره أبو عبد الله ابن بطة، وأنكر قول من قال : إنه يكفر وقال: المذهب على هذا لم أجد في المذهب خلافه".
    ثم ذكر أبو الحسن أن عدداً من العلماء الحنابلة اختاروا هذا ونصوا عليه في مؤلفاتهم. انظر (3/39-40) .
    وإني لأخشى أن يكون قول ابن بطة بتكفير تارك الصلاة مدسوساً في كتابه "الإبانة الكبرى".
    وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب في حاشيته على "المقنع" لابن قدامة ( 1/101- 102):
    "قوله: "وهل يقتل حداً أو كفراً؟ فيه روايتان"، إحداهما يقتل لكفره كالمرتد ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن عقيل وابن حامد، وبه قال الحسن والنخعي والشعبي والأوزاعي وابن المبارك وإسحاق ومحمد بن الحسن لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" ، رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقال عمر –رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وقال علي -رضي الله عنه-: "من لم يصل فهو كافر"([8]).
    وقال عبد الله بن شقيق: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".
    والرواية الثانية يقتل حداً مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة.
    وذكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله([9])" وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة"، متفق عليهما.
    وعن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة"، ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة إلى غير ذلك، ولأن ذلك إجماع المسلمين فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام. وأما الأحاديث المتقدمة فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه الصلاة والسلام: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وقوله: "من حلف بغير الله فقد أشرك" وغير ذلك. قال الموفق: وهذا أصوب القولين".

    فهذه عدة شهادات من أكابر العلماء العارفين بمذهب الإمام أحمد وأصحابه على أن العلامة ابن بطة لا يُكفر تارك الصلاة([10]).
    1- بل صرّح ابن بطة في "الشرح والإبانة" (ص124-125) بقوله: "ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله، أو برد فريضة من فرائض الله –عزّ وجل- جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛ كان في مشيئة الله عز وجل: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
    فظاهر هذا الكلام أنه لا يُكفر إلا بالشرك الأكبر الذي حاربه الأنبياء جميعاً -صلوات الله وسلامه عليهم-.

    2- قال الإمام أحمد –رحمه الله-:
    " والإيمان قول وعمل يزيد وينقص: زيادته إذا أحسنت، ونقصانه: إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه"، "طبقات الحنابلة" (1/343) رواية مسدد، نشر دار المعرفة.
    3- وسئل -رحمه الله-: "ما زيادته ونقصانه؟ قال زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة والزكاة والحج، وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال: إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص، وقد كان وكيع قال: ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله ؟"، "السنة" للخلال (1/588).

    4- وقال البربهاري –رحمه الله- في شرح السنة" (41):
    "ولا نُخرج أحداً من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجبَ عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة".

    5- وقال ابن البناء -رحمه الله- في "الرد على المبتدعة" (ص195):
    "فصل وشفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أهل الكبائر من أمته خلافاً للقدرية في قولهم: (ليس له شفاعة).
    ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا: بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا: (لا إله إلا الله) مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك"([11]).

    فما رأي أبي عاصم في أقوال هؤلاء الأئمة الذين لا يُكفرون تارك الصلاة، بل ولا تارك العمل، هل هم من أهل السنة وأئمتهم كما هو رأي أهل السنة، أو هم ضُلّال مرجئة كما يقوله الحداديون؟ ، نريد منه توضيح موقفه.

    وقول أبي عاصم: "وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/217): " وقال محمد بن نصر المروزيُّ سمعت إسحاق يقول: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ كَافِرٌ، وَكَذلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ عَمْداً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ".

    أقول: قد بيّنتُ في مقالي السابق([12]) أن كلام الإمام إسحاق غير صحيح، وبيّنتُ أن عدداً كثيراً من العلماء قبله ومن معاصريه لا يُكفرون تارك الصلاة.


    سابعاً- قال أبو عاصم في (ص 4):
    "وقال القرطبي في التفسير (8/73): " وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن من ترك صلاة واحدة متعمِّداً حتى يخرج وقتُها لغير عذر، وأبى من أدائها وقضائها وقال لا أُصلي فإنه كافر، ودَمُه ومالُه حلالان، ولا يرثه ورثته من المسلمين، ويستتاب، فإن تاب وإلا قُتل، وحُكْمُ مالِه كحكم مال المرتدّ؛ وهو قول إسحاق. قال إسحاق: وكذلك كان رأي أهل العلم من لَدُن النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى زماننا هذا"".

    أقول: قول القرطبي: " وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين" ، واضح في أنه لم يدّع الإجماع الذي تدّعونه وإن نقل قول إسحاق، ولو كان مقتنعاً بقول إسحاق لما قال : " وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين...الخ".

    ثامناً- قال أبو عاصم في (ص5):
    " وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/69) : "وقال عبدالله بن شقيق: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة" ، وقال أبو([13]) أيوب السختياني : "ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه" .وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكى إسحاق عليه إجماع أهل العلم وقال محمد بن نصر المروزي هو قول جمهور أهل الحديث وذهب طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمس عمدا أنه كافر وروى ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها طائفة من أصحابه وهو قول ابن حبيب من المالكية" .
    التعليق:
    1- قوله: " وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/69) : "وقال عبدالله بن شقيق: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة"".

    أقول: تقدم الكلام على ضعف أثر عبد الله بن شقيق إسناداً ومتناً؛ الأمر الذي لا يدع مجالاً لقائل.
    مع أن ابن رجب -رحمه الله- لم يصرِّح بتصحيح أثر عبد الله بن شقيق.

    2- وقوله: "وقال أيوب السختياني : "ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه"".

    أقول: عدم العلم بالخلاف ليس علماً، والزهري ممن سبقه وهو لا يكفر تارك الصلاة.
    ولا يبعد أن كثيراً ممن سبقه أو عاصره لا يُكفرون تارك الصلاة، وهو لا يعلمهم.
    لا سيما وقد امتد العالم الإسلامي من أقصى خراسان شرقاً إلى الأندلس غرباً، ومن أرمينية وأذربيجان شمالاً إلى أقصى اليمن جنوباً، ودعوى إجماع الصحابة لا تصح.

    3- وقوله: "وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف".

    أقول:
    أ- انظر إلى ابن رجب -رحمه الله- حيث لم يدَّع الإجماع، ولو كان أثر عبد الله بن شقيق في دعوى الإجماع صحيحاً عنده لما تجرأ أحد على مخالفته، ولما قال ابن رجب هذا القول كغيره من أهل السنة.
    ب- وانظر إلى ابن رجب حيث لم يطعن في من لا يُكفر تارك الصلاة، ولم ينقل طعن أحد من السلف فيهم.
    جـ- بل له كلام آخر، على حديث من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    قال –رحمه الله- في"جامع العلوم والحكم" (2/400-403):
    " الحديث الثاني والأربعون
    عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة". رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
    هذا الحديث تفرد به الترمذي خرجه من طريق كثير بن فائد، حدثنا سعيد بن عبيد، سمعت بكر بن عبدالله المزني يقول: حدثنا أنس، فذكره، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. انتهى.
    وإسناده لا بأس به. وسعيد بن عبيد هو الهنائي، قال أبو حاتم: شيخ. وذكره ابن حبان في "الثقات"، ومن زعم أنه غير الهنائي فقد وهم، وقال الدارقطني: تفرد به كثير بن فائد، عن سعيد مرفوعا، ورواه سلْم بن قتيبة، عن سعيد بن عبيد، فوقفه على أنس.
    قلت: قد روي عنه مرفوعا وموقوفا، وتابعه على رفعه أيضاً أبو سعيد مولى بني هاشم، فرواه عن سعيد بن عبيد مرفوعا أيضا، وقد روي أيضا من حديث ثابت، عن أنس مرفوعا، ولكن قال أبو حاتم: هو منكر.
    وقد رُوي أيضا من حديث أبي ذر، خرجه الإمام أحمد من رواية شهر بن حوشب عن معديكرب، عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه تعالى فذكره بمعناه، ورواه بعضهم عن شهر عن عبد الرحمن ابن غنم عن أبي ذر، وقيل: عن شهر، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح هذا القول.
    ورُوي من حديث ابن عباس خرجه الطبراني من رواية قيس بن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    ورُوي بعضه من وجوه أخر، فخرج مسلم في "صحيحه" من حديث المعرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله تعالى: من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي، أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بقرابها مغفرة".
    وخرج الإمام أحمد من رواية أخشن السدوسي، قال: دخلت على أنس، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله لغفر لكم".
    قد تضمن حديث أنس المبدوء بذكره أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة:
    أحدها: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء مأمور به، وموعود عليه بالإجابة، كما قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر:60].
    وفي "السنن الأربعة" عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدعاء هو العبادة، ثم تلا هذه الآية.
    وفي حديث آخر خرجه الطبراني مرفوعا: "من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى يقول: (ادعوني أستجب لكم)".
    وفي حديث آخر: "ما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء، ويغلق عنه باب الإجابة".
    لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه، وقد تتخلف إجابته، لانتفاء بعض شروطه، أو وجود بعض موانعه، وقد سبق ذكر بعض شرائطه وموانعه وآدابه في شرح الحديث العاشر.
    ومن أعظم شرائطه: حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى، كما خرجه الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يقبلُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ".
    وفي "المسند" عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن هذه القلوب أوعية، فبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله، فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاءً من ظهر قلبٍ غافلٍ".
    ثم قال –رحمه الله- في (ص416-417):
    "السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد، وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء:48]، فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض -وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها- خطايا، لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله -عز وجل- فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة.
    قال بعضهم: الموحد لا يُلقى في النار كما يُلقى الكفار ، ولا يَلقى فيها ما يَلقى الكفار، ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار، فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية.
    فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبُه، أخرجت منه كل ما سوى الله محبةً وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا، وحينئذ تُحرَق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات، كما سبق ذكره في تبديل السيئات حسنات، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع ذرة منها([14]) على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات كما في "المسند" وغيره، عن أم هانئ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل"([15]).
    وفي "المسند" عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده ثم قال: "الحمد لله اللهم بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني الجنة عليها وإنك لا تخلف الميعاد"، ثم قال: "أبشروا فإن الله قد غفر لكم"([16])".

    انظر إلى أقوال الحافظ ابن رجب:
    1- قوله: " من أسباب المغفرة: التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقدة فقَدَ المغفرة".
    2- انظر إلى استشهاده بالآية الكريمة: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
    فالشرك المانع عنده من المغفرة هو أن يجعل العبد لله شريكاً ونداً في العبادة.
    3- تأمل قوله: " فمن جاء مع التوحيد بقُراب الأرض -وهو ملؤها أو ما يُقارب ملأها- خطايا، لقيه الله بقُرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غَفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه".
    وهذا رد منه على المرجئة الذين يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وعلى الخوارج الذين يكفرون بالذنوب.
    4- تأمل قوله: " ثم كان عاقبته أن لا يُخلَّد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة".
    وهذا استنادٌ منه على الآية الكريمة وتقرير لمذهب أهل السنة الذين يعظمون التوحيد، فلا يُكفرون تارك الصلاة، ويجمعون بين نصوص الوعد والوعيد، فلا يسيرون على منهج الخوارج الذين يتعلقون بنصوص الوعيد، ولا يلتفتون إلى نصوص الوعد، ولا يسيرون على منهج المرجئة الذين يتعلقون بنصوص الوعد ولا يلتفتون إلى نصوص الوعيد، وخير الأمور أوسطها.
    5- تأمل قوله: " فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبُه، أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا، وحينئذ تُحْرَقُ ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات".
    وفي هذا رد على الخوارج الآخذين بنصوص الوعيد رافضين الأخذ بنصوص الوعد، والمتجاهلين لمنـزلة لا إله إلا الله كلمة التوحيد.
    6- وتأمل قوله: " فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا، لقلبها حسنات".
    وهذا إشادة منه بالتوحيد، ويتضمن الرد على الخوارج ومن سار على نهجهم من الذين لا ينـزلون التوحيد منـزلته.
    ونسأل من يرمي من لا يكفر تارك جنس العمل أو تارك العمل بالإرجاء ويدّعون الإجماع على كفر تارك جنس العمل، فهل ابن رجب ومن هو أعلم منه ممن سلف ذكرهم يجهلون هذا الإجماع، أو هم يعلمونه ويذهبون إلى مخالفته؟، ثم هل تجتمع الأمة على مخالفة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ومنها ما ذكرته في هذا البحث؟
    اللهم إنا نعظمك ونعظم توحيدك ونؤمن بوعدك ووعيدك، ونؤمن بكل ما أخبر وأمر به رسولك -صلى الله عليه وسلم-.

    تاسعاً- قال أبو عاصم في (ص5):
    " وقد سئل أبناء الشيخ، وحمد بن ناصر: عمن ترك الصلاة كسلاً من غير جحود لها؟ فأجابوا: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً، كما روى مسلم في صحيحه من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " ، وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس بين العبد وبين الشرك والكفر إلا ترك الصلاة " ، وعن عبد الله بن شقيق قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال ترْكه كفر إلا الصلاة" ، رواه الترمذي؛ فدلت هذه الأحاديث: على أن ترك الصلاة كفر مستقل، من غير اقترانه بجحد الوجوب؛ وذلك لأن جحد الوجوب لا يختص بالصلاة وحدها، فإن من جحد شيئاً من فرائض الإسلام فهو كافر بالإجماع. الدرر السنية (4/200-201)".

    أقول: صرّح الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- أنه وإن قاتل على الأركان الأربعة بعد الشهادتين، إلا أنه لا يُكفر إلا بترك الشهادتين، وحكى الإجماع على ذلك، وتابعه على هذا من أحفاده الشيخ عبد الرحمن بن حسن والشيخ عبد اللطيف والشيخ سليمان بن عبد الله، ومن أتباعه ابن سحمان، وهذا أمر معلوم، وقد نشرناه مراراً، ومع علم الحدادية به فهم يرمون من لا يُكفر تارك الصلاة بالإرجاء.
    وأعتقد أنهم يعتقدون في الإمام محمد ومن سار على نهجه في عدم التكفير بأي عمل إلا بالشهادتين بأنهم من المرجئة، ولكنهم يستخدمون التقية والمراوغات.

    عاشراً- قال أبو عاصم في (ص5):
    "وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: اختلف العلماء، رحمهم الله، في تارك الصلاة كسلاً من غير جحود: فذهب أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، ومالك، إلى أنه لا يحكم بكفره; واحتجوا بما رواه عبادة. وذهب إمامنا أحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه، وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك والنخعي، والحكم وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي، وغيرهم من كبار الأئمة والتابعين، إلى أنه كافر، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعاً، وذكره في كتاب الزواجر عن جمهور الصحابة والتابعين..."الدرر السنية : (4/201-202)".

    أقول:
    أ- انظر إلى العلامة حمد بن ناصر كيف يترحم على جميع العلماء المختلفين في تارك الصلاة، ولم يغمز أي مغمز في من لا يُكفر تارك الصلاة.
    وليس كذلك الحدادية، إذ لهم منهج غير منهج أهل السنة والحديث، بل هم من فِرَق الخوارج الخارجين على علماء السنة والطاعنين فيهم والرامين لهم بالضلال والإرجاء.
    ب- وانظر إلى الشيخ حمد حيث لم يتشبث بدعوى الإجماع، وعقبه بقول الجمهور، ولو اطلع هو وغيره على مخالفة إسماعيل بن علية وعبد الأعلى لِرواية بشر بن المفضل المتضمنة دعوى الإجماع لما حكى هذا الإجماع المزعوم.

    الحادي عشر- قال أبو عاصم في (ص5):
    "وقال الشيخ ابن باز: "وهي -أي الصلاة - عمود الإسلام، فكون تركها كفر أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أنهم كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة" ، *فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم" .
    " الجزء العاشر من مجموع الفتاوى : "حكم تارك الصلاة، وهل يبطل عقد النكاح إذا كان أحد الزوجين لا يصلي قبل الزواج؟"".

    أقول: انظر إلى العلامة ابن باز، حيث أبدى رأيه في تكفير تارك الصلاة، ولم يرم من لم يُكفره بالإرجاء، ولو اطلع -رحمه الله- على مخالفة إسماعيل بن علية لبشر بن المفضل في حكاية الإجماع لما استشهد بحكاية بشر.
    ثم إنه سُئل عمن لا يُكفر تارك العمل هل هو مرجئ؟ فقال: لا، هو من أهل السنة"، "مجلة الفرقان"، العدد (94) السنة العاشرة، شوال 1418هـ.




    الثاني عشر- قال أبو عاصم في (ص6):
    " ومن إجابات اللجنة الدائمة حول حكم تارك الصلاة قولهم : "الصلاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء في ذلك، والأصل في ذلك عموم الأدلة التي دلك على الحكم بكفره ولم تفرق بين من تركها تهاوناً وكسلاً ومن تركها جاحداً لوجوبها، فروى الإمام أحمد وأهل السنن بسند صحيح من حديث بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر». وروى مسلم في صحيحه عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة»، وروى عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، رواه الترمذي." الفتوى رقم (1912)".

    أقول: انظر إلى اللجنة الدائمة، فإنهم وإن كفّروا تارك الصلاة لم يطعنوا في من لا يُكفره.
    ولو علموا بمخالفة إسماعيل بن علية وعبد الأعلى لبشر بن المفضل لما حكوا هذا الإجماع المزعوم.
    والحاصل أن العلماء الذين يُكفرون تارك الصلاة لا نراهم إلا يحترمون من لا يُكفره، ويعتبرونهم إخوانهم ومن علماء السنة، ويجلونهم ويعرفون لهم قدرهم، ويعتقدون أن لهم براهين فيما ذهبوا إليه، وأنهم بعيدون عن الهوى.
    وكذلك من لا يُكفرون تارك الصلاة لا ينظرون لإخوانهم الذين يُكفرون تارك الصلاة، إلا بعين الإجلال والاحترام والتقدير، ويعتبرونهم من أهل السنة وأئمتهم، ويعتقدون أن لهم براهينهم فيما ذهبوا إليه، وأنهم بعيدون عن الهوى.

    الثالث عشر- قال أبو عاصم:
    " وليس بحثي في الخلاف أو الإجماع في مسألة حكم تارك الصلاة فهذا شأن آخر وإنما بحثي حول صحة الأثر فقط واستدلالات الفقهاء به".

    أقول:
    1- إن بحثك بهذه الطريقة خطأ، لا سيما وأنت قد وقفتَ على تضعيف هذا الأثر بالأدلة والبراهين.
    وأنت رأيتَ بنفسك مخالفة إسماعيل بن علية لِبشر بن المفضل في هذا الأثر، وهو أقوى وأرجح في الجريري وغيره، وكذلك مخالفة عبد الأعلى لِبشر.
    2- قولك: " وليس بحثي في الخلاف أو الإجماع في مسألة حكم تارك الصلاة فهذا شأن آخر وإنما بحثي حول صحة الأثر فقط واستدلالات الفقهاء به".
    قول غريب عجيب، وذلك أن مقالك إنما تدندن فيه لإثبات الإجماع على كفر تارك الصلاة، ذلك الإجماع الذي لا ولن يثبت.
    ثم لو كنتَ تنشد الحق لكفاك ذلك زاجراً عن اللجوء إلى تقليد علماء لهم عذرهم، ولا عذر لك في تقليدهم، فهم لم يطلعوا على مخالفة إسماعيل بن علية وعبد الأعلى لِبشر، ولو اطلعوا عليها لما احتجوا برواية بشر الضعيفة المرجوحة، التي لا تصلح للاحتجاج بها، لا في هذا الموضوع، ولا فيما هو دونه.

    3- ليس لك أي حق أن تنصر الفرقة الحدادية الباغية على أهل السنة، الخارجة عليهم المحاربة لهم، فلم تترك أهل السنة المعاصرين ولا السابقين من بغيها وظلمها، فلا تراها إلا تتلمس وتبحث عن أي شيء يوصلها إلى تبديعهم وحربهم، ولو كان لهم أدلة وبراهين على ثبوته أو نفيه، ألا ترى أنهم يبدعون من لا يُكفِّر تارك الصلاة، وعلى رأسهم أئمة الإسلام؛ كالإمام الزهري والإمام مالك والإمام الشافعي، بل والإمام أحمد، الذي له روايات في تارك الصلاة وكثير من أتباعه وأبرزهم لا يُكفرون تارك الصلاة، ومنهم الإمام ابن بطة والإمام ابن قدامة والإمام عبد الرحمن بن محمد المقدسي وغيرهم.
    بل بعضهم لا يُكفر تارك العمل كما سقنا أقوالهم سلفاً، فما مصيرهم على منهج الحدادية؟
    بل وجماهير أهل الحديث يرون خروج المذنبين من النار بما في قلوبهم من الإيمان؛ آخذين ذلك من أحاديث الشفاعة، فما مصيرهم -أيضاً- على منهج الحدادية؟
    لقد كان من الواجب عليك الذب عن أهل السنة وأئمتهم الذين يتطاول عليهم هؤلاء الجهلة البغاة.

    موقف الإمام أحمد والشافعي وغيرهما، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن القيم من دعاوى الإجماع:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (19/271):
    " وَإِذَا نَقَلَ عَالِم الْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ آخَرُ النِّزَاعَ : إمَّا نَقْلًا سمى قَائِلهُ ؛ وَإِمَّا نَقْلًا بِخِلَافٍ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُسَم قَائُِهُ فَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ نَقْلًا لِخِلَافٍ لَمْ يَثْبُتْ ؛ فَإِنَّهُ مُقَابِلٌ بِأَنْ يُقَالَ وَلَا يَثْبُتُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ بَلْ نَاقِلُ الْإِجْمَاعِ نَافٍ لِلْخِلَافِ، وَهَذَا مُثْبِتٌ لَهُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. وَإِذَا قِيلَ : يَجُوزُ فِي نَاقِلِ النِّزَاعِ أَنْ يَكُونَ قَدْ غَلِطَ فِيمَا أَثْبَتَهُ مِنْ الْخِلَافِ : إمَّا لِضَعْفِ الْإِسْنَادِ ؛ أَوْ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ، قِيلَ لَهُ : وَنَافِي النِّزَاعِ غَلَطُهُ أجوز ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ لَمْ تَبْلُغْهُ ؛ أَوْ بَلَغَتْهُ وَظَنَّ ضَعْفَ إسْنَادِهَا وَكَانَتْ صَحِيحَةً عِنْدَ غَيْرِهِ ؛ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الدَّلَالَةِ وَكَانَتْ دَالَّةً، فَكُلمَا يَجُوزُ عَلَى الْمُثْبِتِ مِنْ الْغَلَطِ يَجُوزُ عَلَى النَّافِي مَعَ زِيَادَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ . وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ عَامَّةُ الْخِلَافِ ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالِ عُلَمَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ : مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ ؛ هَذِهِ دَعْوَى الْمَرِيسِيَّ وَالْأَصَمِّ([17]) ؛ وَلَكِنْ يَقُولُ : لَا أَعْلَمُ نِزَاعًا وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمَا يُفَسِّرُونَ مُرَادَهُمْ : بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ نِزَاعًا، وَيَقُولُونَ هَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَدَّعِيه".

    وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله- في "إعلام الموقعين" (1/29-30) متحدثاً عن أصول الإمام أحمد –رحمه الله-:
    " وكان فتاويه مبنية على خمسة أصول:
    أحدها: النصوص، فإذا وجد النص أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه كائنا من كان، ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس، ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار بن ياسر، ولا خلافه في استدامة المحرم الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه لصحة حديث عائشة في ذلك، ولا خلافه في منع المفرد والقارن من الفسخ إلى التمتع لصحة أحاديث الفسخ، وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب في ترك الغسل من الإكسال لصحة حديث عائشة أنها فعلته هي ورسول -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلا ولم يلتفت إلى قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن علي أن عدة المتوفى عنها الحامل أقصى الأجلين لصحة حديث سبيعة الأسلمية، ولم يلتفت إلى قول معاذ ومعاوية في توريث المسلم من الكافر لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس في الصرف لصحة الحديث بخلافه ولا إلى قوله بإباحة لحوم الحمر كذلك، وهذا كثير جدا ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح([18]).
    وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضا نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع ولفظه: ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا ما يدريه، ولم ينته إليه، فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك هذا لفظه.
    ونصوص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده".

    وإضافة إلى ما سلف من دلالات أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد على أن المسلم لا يخرجه من الإسلام إلا الشرك الأكبر وهو اتخاذ الند أو الأنداد مع الله، وأنه وإن عوقب بالنار لا بد أن يخرج منها إلى الجنة بما عنده من التوحيد، ولو كان أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان.
    وإضافة إلى ما صرّح به بعض العلماء بهذا الخصوص.
    إضافة إلى كل ما سبق نسوق قول الإمام البخاري وأقوال بعض أئمة التفسير:

    قال البخاري-رحمه الله- في "صحيحه" (1/26):
    " بَاب الْمَعَاصِي من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، ولا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إلا بِالشِّرْكِ، لِقَوْلِ النبي e : "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاءُ).
    يرى البخاري أن مرتكب المعاصي لا يكفر بارتكابها، ولا يكفر العبد إلا بارتكاب الشرك الأكبر.

    وقال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره (5/125) للآية (48) من سورة النساء: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
    قال –رحمه الله-: "القول في تأويل قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً).
    يعني بذلك جل ثناؤه (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم)، وأن الله لا يغفر أن يشرك به، فإن الله لا يغفر الشرك به والكفر، ويغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء من أهل الذنوب والآثام.
    وإذ كان ذلك معنى الكلام فإن قوله ( أن يشرك به ) في موضع نصب بوقوع يغفر عليها، وإن شئت بفقد الخافض الذي كان يخفضها لو كان ظاهرا، وذلك أن يوجه معناه إلى أن الله لا يغفر بأن يشرك به على تأويل الجزاء، كأنه قيل: إن الله لا يغفر ذنبا مع شرك أو عن شرك...".


    ثم قال في (5/126):
    "وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرة شركا بالله.
    القول في تأويل قوله تعالى: (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما).
    يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يشرك بالله في عبادته غيره من خلقه، فقد افترى إثما عظيما، يقول: فقد اختلق إثما عظيما.
    وإنما جعله الله تعالى ذكره مفتريا؛ لأنه قال زورا وإفكا بجحوده وحدانية الله وإقراره بأن لله شريكاً من خلقه وصاحبة أو ولد، فقائل ذلك مفتر، وكذلك كل كاذب فهو مفتر في كذبه مختلق له"، راجع تفسير آية (116) من سورة النساء.
    1- فهذا الإمام الطبري يرى أن كل صاحب كبيرة تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن تلك الكبيرة شركاً بالله.
    2- فسّر الشرك بالله بأنه عبادة غير الله من خلقه.
    3- فسر الشرك "بجحود وحدانية الله وإقراره بأن لله شريكاً من خلقه وصاحبة أو ولد، وأن قائل ذلك مفتر على الله".
    وأهل المعاصي والكبائر ومنها ترك الصلاة وإن تركوا الواجبات وارتكبوا المحرمات لا يصدق عليهم أنهم جحدوا وحدانية الله، ولا يصدق عليهم أنهم أقروا بأن لله شريكاً، فهم داخلون تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم، وهذا هو المعنى الصحيح لهذه الآية الكريمة، بل هي نص صريح في هذا المعنى.
    يؤيد هذا التفسير قول الله تعالى في المشركين: (وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)، [سورة إبراهيم : (30 )]، وقال تعالى: (فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، [سورة البقرة : (22)].
    وقوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، [سورة فصلت: (9)]، إلى غير ذلك من الآيات.
    وتارك العمل الذي لم يقع في الشرك لم يتخذ مع الله أنداداً.
    ويلاحظ أن ابن جرير لم يتعرض لذكر تارك جنس العمل، أو تارك العمل.
    وسأل ابن مسعود –رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قال: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، قال: ثُمَّ أَيٌّ؟، قال: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ من أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قال: ثُمَّ أَيٌّ؟، قال: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" ، أخرجه البخاري في "التفسير" حديث (4477)، ومسلم في "الإيمان" حديث (86).


    وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية (5/245-246):
    "قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) روي أن النبي e تلا: (إن الله يغفر الذنوب جميعا)، فقال له رجل : يا رسول الله والشرك؟، فنـزل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة. ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) من المتشابه الذي قد تكلم العلماء فيه، فقال محمد بن جرير الطبري : قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه ذنبه، وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بالله تعالى. وقال بعضهم : قد بين الله تعالى ذلك بقوله : (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فأعلمَ أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر. وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر "الفرقان". قال زيد بن ثابت : نزلت سورة "النساء" بعد "الفرقان" بستة أشهر، والصحيح أن لا نسخ؛ لأن النسخ في الأخبار يستحيل. وسيأتي بيان الجمع بين الآي في هذه السورة وفي "الفرقان" إن شاء الله تعالى. وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، قال : هذا حديث حسن غريب".
    1- يرى القرطبي أن كون الله لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك من المحكم المتفق عليه عند الأمة مستدلاً على ذلك بالآية والحديث الذي استشهد به.
    2- وذكر الاختلاف في قوله تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، ونقل عن ابن جرير في معناها ما يوافق ما حكاه من اتفاق الأمة على أن الله لا يغفر الشرك، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
    ثم أشار إلى رأي من يخالف في أصحاب الكبائر، والظاهر أنه يشير إلى مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر.
    ولم يشر إلى من يكفر بجنس العمل أو ترك العمل.

    وقال ابن كثير في تفسيره (4/99-100) للآية (48) من سورة النساء: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء):
    "ثم أخبر تعالى أنه (لا يغفر أن يشرك به) أي: لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به (ويغفر ما دون ذلك) أي من الذنوب (لمن يشاء) أي: من عباده.
    وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر:
    (الحديث الأول ): قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة قالت: قال رسول الله e : "الدواوين عند الله ثلاثة؛ ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، قال الله عز وجل: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) الآية. وقال: ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة )، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة" . تفرد به أحمد".
    يقول ابن كثير بما تضمنته هذه الآية، وهو أن الله لا يغفر لمن لقي ربه وهو مشرك، وأنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده، فما دون الشرك من الذنوب عنده تحت مشيئة الله إن شاء عفا وإن شاء عاقب.
    2- ساق بعد هذا ثلاثة عشر حديثاً تتعلق بمعنى الآية وتؤكده:
    منها الصحيح، ومنها الحسن، ومنها الضعيف المنجبر.
    3- ثم قال: وقوله تعالى: ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ) كقوله: ( إن الشرك لظلم عظيم ).
    ثم قال مؤكداً لمعنى هذه الآية: وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: قلت: يا رسول الله أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟، قال: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، وذكر تمام الحديث.
    وتمام الحديث: "قلت: ثُمَّ أَيٌّ؟، قال: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ من أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قلت: ثُمَّ أَيٌّ؟، قال: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ".
    ثم ساق حديثاً عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله e قال: "ألا أخبركم بأكبر الكبائر الإشراك بالله، ثم قرأ: ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ).
    ولم يشر إلى من يكفر بالذنوب، ومنها ترك العمل أو جنس العمل.

    وقال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (ص181-182):
    "يخبر تعالى أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين ، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب ، صغائرها وكبائرها ، وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك، إذا اقتضت حكمته مغفرته . فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة كالحسنات الماحية، والمصائب المكفرة في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة ، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض ، وشفاعة الشافعين . ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد .
    وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئا وما لهم يوم القيامة (من شافعين ولا صديق حميم) .
    ولهذا قال تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) أي : افترى جرماً كبيراً . وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه ، الفقير بذاته من كل وجه، الذي لا يملك لنفسه -فضلا عمن عبده- نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا - بالخالق لكل شيء، الكامل من جميع الوجوه، الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، الذي بيده النفع والضر ، والعطاء والمنع ، الذي ما من نعمة بالمخلوقين ، إلا فمنه تعالى . فهل أعظم من هذا الظلم شيء ؟ ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) . وهذه الآية الكريمة في حق غير التائب . وأما التائب فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) أي : لمن تاب إليه وأناب".
    انظر إلى قول العلامة ابن سعدي:
    1- "يخبر تعالى أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين ، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب ، صغائرها وكبائرها ، وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك...".
    2- وقوله: " فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة...".
    "وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد...
    3- وقوله: " وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه...
    فهو يرى أن الشرك هو أن يجعل العبد لله نداً من المخلوقين في عبادته.
    ولا يعتبر المعاصي كبيرها وصغيرها من الشرك الذي لا يغفر، بل عنده ما عدا الشرك من الذنوب يغفره الله،ويرى أن لذلك أسباباً كثيرة، أما المشرك فقد سد هذه الأبواب على نفسه.

    أقول: وأما الموحد فكما يقول الحافظ ابن رجب: "التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة...الخ".
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (1/70):
    " وَتَوْحِيدُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ وَاسْتِعَانَتِهِ فِي الْقُرْآنِ : كَثِيرٌ جِدًّا بَلْ هُوَ قَلْبُ الْإِيمَانِ وَأَوَّلُ الْإِسْلَامِ وَآخِرُهُ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } وَقَالَ : { إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَحَدٌ إلَّا وَجَدَ رُوحُهُ لَهَا رَوْحًا } وَقَالَ : { مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ : وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ } وَهُوَ قَلْبُ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ . وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ كَالْجَوَارِحِ لَهُ".
    وقال -رحمه الله- في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" فقرة (945):
    " فإن التوحيد، هو سر القرآن ولب الإيمان".

    أقول: هذه أقوال من يعظم التوحيد ويعرف منـزلته وثماره، ويفرق بين الشرك الأكبر المخرج من الإسلام وبين ما دونه مما يطلق عليه لفظ الشرك كترك الصلاة وغيره مما لا يخرج به الموحد من الإسلام وتنفعه شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشفاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين، ولو كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من التوحيد والإيمان، وبعد كل ذلك رحمة أرحم الراحمين -جل وعلا- كما نصَّ على ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد.
    اللهم إننا نشهدك على أننا نؤمن بذلك إيماناً صادقاً لا ريب ولا شك فيه.
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    كتبه
    ربيع بن هادي عمير المدخلي
    25/12/1433هـ




    [1] - "متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء...".

    [2] - "متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء...".

    [3] - انظر ما قال أهل الجنة هذا القول إلا في الصنف الرابع.

    [4] - في إسناده يزيد بن أبي زياد ضعيف، ولكنه يرتقي إلى درجة الحسن بما بعده.

    [5] - أقول: قول الزهري لا يسلم به؛ لأنه: 1- ليس له إسناد، 2- أن الرواة الذين رووا أحاديث فضل "لا إله إلا الله" ما سمعوها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد نزول الفرائض والأوامر والنواهي، ومنهم أبو هريرة وعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهم جميعاً-.

    [6] - إلا مسألة واحدة فقط -فيما أعلم- اختلفوا فيها -رحمهم الله- وهي مسألة تارك الصلاة، والصواب هو طريقة الجمع بين النصوص.

    [7] - ذكره البخاري في "التأريخ الكبير" (6/386)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6/290)، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وفي "تهذيب التهذيب"، قال الحافظ ابن حجر: "وثقه ابن حبان" ، ومعلوم أن ابن حبان لا يعتد بتوثيقه لأنه يوثق المجهولين، وقال الحافظ ابن حجر: "صدوق"، وفيه نظر.

    [8] - أثر علي لا يثبت.

    [9] - أي حرّم الله خلود الموحدين في النار.

    [10] - بالإضافة إلى بيان مذاهب العلماء في عصاة الموحدين مهما بلغت ذنوبهم.

    [11] - هذا بناء منه على أحاديث الشفاعة وعلى فضل التوحيد، وهذا بشرط أن يستمر ثابتاً على التوحيد حتى يموت عليه، فلا يأتي بما ينقضه من الشرك والكفر، ولا بما ينافي الإخلاص، وأرى أن في قوله : "مرة واحدة في دار الدنيا" تساهلاً .

    [12] - "متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء...".

    [13] - كذا، والصواب: أيوب السختياني.

    [14] - كذا، ولعل الصواب: "منه".

    [15] - أخرجه أحمد في "مسنده" ( 6/425)، وإسناده ضعيف فيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف، وفيه صالح مولى وجزة مجهول، وله متابعة فيها ضعف.

    [16] - أخرجه أحمد في "مسنده" (4/124)، وفي إسناده راشد بن داود، "قال ابن معين: ليس به بأس ثقة، وقال عثمان الدارمي عن دحيم: هو ثقة عندي، وقال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: ضعيف لا يعتبر به، قال الحافظ ابن حجر: قلت: وذكره ابن حبان في الثقات" "تهذيب التهذيب" (3/225)، وقال في "التقريب": "صدوق له أوهام"، وقال الذهبي في "الكاشف" : "مختلف فيه، وثقه ابن معين، وضعّفه الدارقطني".

    [17] - ما أشبه دعاوى الحدادية بدعاوى المريسي والأصم.

    [18] - أي كحال الحدادية الذين يقدمون أثر عبد الله بن شقيق ونحوه على أحاديث الشفاعة المتواترة وعلى أحاديث فضل التوحيد، الذي يخرج أهله من النار بسبب فضله والإخلاص فيه.

    (منقول)

  • #2
    تصحيح الأثر وتضعييفه أمر اجتهادي لا يعاب عليه أحد إذا أبرز كل حجته لأنه مما تختلف فيه مدارك ومآخذ العلماء ولكن أهل الغلو يخرجون الأمور من طور البحث العلمي إلى متاهات الجدل العقيم مما أشار إليه العلامة الوالد ربيع بن هادي ووفق الله الشيخ الغامدي إلى الأخذ بنصائح العلامة ربيع والبعد عن أهل الريب ومسالكهم وهو أهل لسماع ذلك _ إن شاء الله _

    تعليق

    يعمل...
    X