بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فقد ورد إلي سؤال من بعض إخواننا السلفيين بليبيا -ثبتنا الله وإياهم على السنة-حول بعض المميعين هناك ممن لا يزالون يدندنون بالغمز واللمز والطعن في قلعة السنة بدماج، وشيخها الناصح الأمين، ويتصلون ببعض الدعاة لإلزام إخواننا بالسكوت عن إنكار المنكر والصدع بالحق في مسائل وفي أشخاص قد بين حالهم أهل السنة والجماعة بدماج بالدليل الأبلج، وبينوا الحق من الباطل في تلك الأمور.
وأيضا ينسبون لإخواننا الطعن في العلامة ربيع حفظه الله، وفي الشيخ محمد بن هادي، مع أن إخواننا ينكرون ذلك ويكذبونه، وهذا هو الظن بهم.
وهكذا ما جاء في تلكم الصوتية لذلكم الداعية من نسبة السكوت لشيخنا حفظه الله وأنه ترك الكلام فيما أقام عليه الحجج والبراهين ثم اشتغل بما هو أهم وأنفع للإسلام والمسلمين، وغير ذلك مما جاء في ذلك الكلام.
فأوصي نفسي وإخواني بتقوى الله تعالى في السر والعلن، والإقبال على طلب العلم والتفقه في الدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) أخرجاه من حديث معاوية رضي الله عنه.
والإقبال على الله تعالى بالدعاء، دعاء المسألة ودعاء العبادة، متميزين عن الباطل وأهله، مقبلين على الدعوة إلى الله، منتهجين في ذلك السبل الشرعية، بعيدين عن الجمعيات، بعيدين عن الانتخابات، بعيدين عن سبل التمييع والحزبيات، بعيدين عن الفتن، بعيدين عن كل دخيل عن منهج السلف رضوان الله عليهم.
والحرص على الأخوة وجمع الكلمة على السنة والصفاء، يقول تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).
ومن أعظم ما تجتمع به الكلمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات).
والنهي عن التفرق بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل على أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للتفرق، فتتفرق الأمة ويكون لكل طائفة مشرب، وتكثر السبل المتفرقة التي حذر منها الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
فلا يجمع الأمة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أن الأمة أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وتحاكمت إلى الكتاب والسنة ما تفرقت أبدا ولحصل لهم الأمن بقدر ذلك، يقول الله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
وأهل السنة الناصحون بنصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر يسلكون الأسباب المشروعة للإصلاح فليست التبعة عليهم، بخلاف الأسباب الممنوعة التي هي أسباب للمفاسد لا للمصالح، أما الأسباب المشروعة فإنها أسباب للمصالح لا للمفاسد، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه أمر مشروع لأنه سبب لإقامة الدين، وإظهار شعائر الإسلام، وإخماد الباطل على أي وجه كان، وليس بسبب -في الوضع الشرعي- لفتنة من إتلاف مال أو نفس، ولا نيل من عرض، وإن أدى إلى ذلك في الطريق، فالمسؤولية لا تقع على الذين أحيوا هذه السنة ودعوا الناس إليها وإنما على الذين أصروا على مخالفة الحق فالإنكار إنما ينصب عليهم وكذا التبعة.كما قرر ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات وغيره.
وأهل السنة في القلعة السلفية بدماج منارة أهل الإسلام، قد تجاوزا القنطرة بإذن الله، وتجاوز الحال أن نبقى في مجادلة أولئك الطاعنين فيها وفي شيخها الناصح الأمين، وليسوا ساكتين عن أهل الباطل، لكنهم قد بينوا وأظهروا حججهم وأفحموا المخالفين للحق، وهم ماضون قدما إلى الأمام، ودعوتهم وما هم فيه من إعلاء لواء السنة أعظم بكثير، ومصلحتُه أعظم بكثير من مجاراة أولئك، ومجاراة شبهاتهم الهزيلة، فإن شبهات أهل الباطل من باب مالا ينقض الوضوء لا ضابط لها.كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله.
وقد اتضح الحق وبان، ولم يبق للمعارضة العلمية، ولا العملية محل.
ومن المعلوم أن محل المعارضات وموضع التوقفات إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات فترد عليه هذه الأمور؛ لأنها الطريق إلى البيان والتوضيح.
فأما إذا كان الشيء لا يحتمل إلا معنى واحداً واضحاً، فالمجادلة والمعارضة من باب العبث، والمعارضُ هنا لا يُلتفت إلى اعتراضاته، لأنه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات.
وقد قرر الله تعالى في كتابه الكريم هذا المعنى في آيات كثيرة.
يقول الله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29].
أي هذا الحق الذي قامت البراهين الواضحة على حقِّيَّته فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
وكقوله جل وعلا: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال:].
وقد كشف الله هذا المعنى غاية الكشف، في قوله: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ) [الأنفال:6]. أي فكل من حاول في الحق بعد ما تبين علمه، أو طريق عمله، فإنه غالط شرعاً وعقلاً.
ومن ذلك: أنه لما ذكر جل وعلا الآيات الدالة على وجوب الإيمان، وَبَّخَ ولام المتوقفين عنه بعد البيان، فقال: (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) [الانشقاق:21].
ولما بين تعالى عظمةَ القرآن وأنه أعلى الكلام، وأوضحه بياناً، وأصدقه وأنفعه ثمرة، قال تعالى:
(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) [الجاثية:6].
ولما ذكر الله تعالى عظمَ نعمِه الظاهرةِ والباطنة، قال تعالى: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم:55] وقال: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن:13]، وقال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فأنى تصرفون) [يونس:32].
وكذلك في آيات كثيرة يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمجادلة المكذبين (وجادلهم بالتي هي أحسن)، حتى إذا وصل معهم إلى حالة وضوح نور الحق التام، وإزالة الشبه كلها، انتقل من مجادلتهم، إلى الوعيد لهم بعقوبات الدنيا والآخرة، والآيات في هذا المعنى الجليل كثيرة جداً. وقد ذكر ذلك وتوسع في بيان هذا المعنى العلامة السعدي رحمه الله في كتابه (القواعد الحسان).
وهكذا هو حال أولئك الطاعنين الحاقدين، يقال لهم بعد اتضاح الحجة والحق، وإزالة الشبه الباطلة التي عمدتها الأكاذيب والتلبيسات: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا).
فمن لا يزال إلى حد الآن يطعن في دماج وشيخها الناصح الأمين، وبعد معرفته بحالهم واتباعهم للسنة، وما هم عليه من نصرة السنة بالسيف والسنان والقلم والبيان، ما لم يجتمع لغيرهم من أهل السنة في هذا الوقت وقبله بدهر، من كان هذا حاله فيحذر منه ولا كرامة، مهما علا قدره، وعلا كعبه، وكبر رأسه.
أما أن نسمع ونرى من يطعن ويحذر من منارة أهل السنة وشيخها الناصح الأمين ونسكت، ولا نبين بهتانه وبغيه، فهذا والله عين التخاذل والخذلان.
كما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره).
قال العلماء: الخذلان بترك الإعانة والنصر، فلا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه.
لكن كما قال تعالى (لن يضروكم إلا أذى).
فلا تسمعوا لمن ينادي بالسكوت عمن يطعن في أهل السنة بدماج وشيخها، ولا تعبئوا بمن يثبط عن النصح لمن استحقه، فلا أحد أكبر من الحق.
وكيف يُسكَت عن الباطل وأهله؟ أهل السنة بدماج وشيخها-بإذن الله- لا يسكتون عن بيان الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).
وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد أخطاء المخطئين وزيغ الزائغين بحكر على مكلف دون آخر، بل مرد ذلك إلى العلم والقدرة، (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
ولسنا بهذا نحرض المبتدئين في طلب العلم على الخوض فيما لا يحسنونه، ولكن يتكلمون بحسب ما وصلهم من الأدلة التي أقامها من يحسن ذلك وهو له أهل.
فكما قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله في كتابه (الاتباع) بأنه إذا كان للمكلف نوع تمييز يتبع أي القولين أرجح عنده، وأقربه إلى الدليل، بحسب تمييزه وقدرته (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، ومن عرف أدلة الشرع وكيفية دلالتها فهو من باب أولى.أو كما قال.
والله عز وجل يقول: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
نقل ابن كثير عن بعض السلف في تفسير الآية: هل من طالب علم فيعان عليه.
لماذا؟ لأن الحق يسير على من طلبه بإذن الله وبذَل الأسباب في سبيل إصابة الحق وتجرد وأخلص لله، فالله تعالى يَعِدُ بالتيسير، وهؤلاء يقولون: إنه عسير.
وكما قال العلامة النجمي رحمه الله بأنه لا ينبغي للمبتدئ في طلب العلم أن يجرح أو يبدع من قبل نفسه، ولكن يأخذ بقول أهل العلم المعتبرين، ولا بأس أن يحكي عن أحد من العلماء، إذا تأكد من قولهم ودليلهم.أو كما قال.
وهناك منكرات ظاهرة يشترك في إنكارها العالم وطالب العلم ومن دونه، لوضوح الأدلة فيها.
كإنكار التحزب الذي هو ولاء وبراء ضيق على خلاف ما تقتضيه الشريعة.
وكالفتوى بالانتخابات ودعوة أهل السنة إلى ذلك.
وكالفتوى بحل السحر عند سحرة المسحورين.
وكالفتوى بالدعوة تحت ظل جماعة حزبية كالتبليغ والإخوان لضرورة الدعوة-زعموا-.
وكالفتوى بجواز الاختلاط في التعليم والعمل وأن ذلك لا يخدش في تدين الشخص.
وكالفتوى بحضور درس الموسيقى، وتمجيد المولد، للضرورة الوهمية.
وبأن بعض بلاد الكفر دار هجرة.
وغير ذلك كثير مما صدر ويصدر من أباطيل بعض الطاعنين إلى حد الآن المتجلدين في التحذير من شيخنا حفظه الله تعالى.
ثم يقال بعد ذلك اسكتوا، لا تتكلموا...
من حضرتك يا أخي حتى تلزمنا بالسكوت عن إنكار المنكر وعندي الأدلة والبراهين على ما أقول وأنكره؟
في حين لا نسمع الأمر بالسكوت يوجه إلى الطاعنين في أهل السنة بدماج وشيخها الناصح الأمين!!
بل الواجب عليك وعلى غيرك يا أخي الانقياد للحق الذي أبانه الناصحون بالأدلة والبراهين، وإتيان البيوت من أبوابها، فإنه تقصير منك عفا الله عنك.
ولا يجوز لك أن تجند نفسك بالمحاماة عن أهل التهم والريب، و الله تعالى يقول: (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء: 105]، ويقول: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) [النساء: 107 - 109].
ومن المعلوم في محاسن العقول وسليم الفطر أنك إذا كنت تجهل أمراً من الأمور؛ فلا تتهالك على نصرته، ولا تقطع بصحته، وتكرّ على ما أظهره مخالفك بالإبطال،كما ذكر نحوه العلامة النعمي رحمه الله في كتابه (المعارج).
وهكذا تشنع عليه فيما لم تحط بعلمه ولم يأتك تأويله، والله تعالى يقول (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) [يونس: 39].
ومن عادة المخالفين لأهل السنة أنهم يحاولون أن يكمموا أفواه أهل السنة بالسكوت فيأبون ذلك، كما جاء عن أبي إسماعيل الهروي وكان يلقب بشيخ الإسلام: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي ارجع عن مذهبك، ولكن يقال لي: اسكت عمن خالفك.
وهذا الإمام شعبة رحمه الله ورضي عنه، كان يتكلم في أبان بن أبي عياش، ولم يكن مبتدعا لكنه كان لكثرة انشغاله بالعبادة شديد الغفلة فيما يرويه من الحديث فيجري على لسانه الكذب ولا يتعمده.
قال عباد بن عباد المهلبي: أتيت شعبة، أنا وحماد بن زيد، فكلمناه في أبان بن أبي عياش فقلنا له: يا أبا بسطام، تمسك عنه ؟! فلقيهم بعد ذلك، فقال: ما أراني يسعني السكوت عنه.صح ذلك كما في الكامل لابن عدي وغيره.
وهناك كلام طيب للعلامة الشيخ ربيع -حفظه الله وأسأل الله أن يطيل عمره في نصرة السنة وأهلها، والذي قام مقاما عظيما في نصرة السنة وأهل السنة بدماج وشيخها الناصح الأمين، وهو حفظه الله ينكر على من يطعن في أهل السنة بدماج وشيخها، ويحث على مناصرتهم، وقد رجع كثير ممن كان يكن العداء لهم بسبب نصحه حفظه الله- له كلام طيب في هذا الصدد، حيث ذكر بأنه كان في حياة الأئمة ابن باز وابن عثيمين وغيرهما -رحمهم الله- يتكلم ويبين بالحجة غلط الغالطين وزيف العاطلين عن الاتباع، ولم يكن أحد منهم يقول له: اسكت لا تتكلم!!
وهنا ننبه على شبهة ملعونة خطيرة يرددها كثير من المميعين، عندنا وفي غير بلدنا، وضعها الشيطان لترك القرآن، والسنة، واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة ؛ وهى أن مسائل الجرح والتعديل -الذي هو باب من أبواب الدين العظيمة في القرآن والسنة- لا يعرفها إلا العلماء الكبار والمجتهدون؛ فإن لم يكن الإنسان كذلك، فلا تسمع له والإعراض عنه فرض حتم لاشك ولا إشكال فيه؛ لأننا لا نستطيع فهم هذه الأمور لأجل صعوبة فهمها!!
ثم يحددون لهم فلانا وفلانا من أهل العلم دون غيرهم ممن هم أهل سنة واتباع وأهل لهذا الشأن، وأنه يجب فهم هذه المسائل على قول فلان وفلان فقط ولا نخرج عنه.
فتأتيهم بالأدلة والبراهين من أقوال غيرهم من أهل السنة والاتباع مما أقاموا الحجج عليه وعندهم زيادة علم عن غيرهم...فإذا بهم يعادونك ويعتبرون كلامك طعنا في من قلدوهم.
وهذه مسألة خطيرة، وشيخ الإسلام رحمه الله يقول ويقرر بأنه متى اعتقد أحد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من أهل العلم -غير النبي صلى الله عليه وسلم- دون آخر؛ فإنه يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.اهـ وهذا عام سواء كان مطلقا، أو في باب من أبواب الدين كالجرح والتعديل. لأنه نزله منزلة المشرع، والله تعالى يقول (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)
وقد يكون المانع من قبول الحق عند كثير، هو التكبر، والله تعالى يقول: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحــق).
فالمتكبر ينظر إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص فيحتقرهم ويزدريهم ولا يراهم أهلا لأن يقوم بحقوقهم ولا أن يقبل من أحدهم الحق إذا أورده عليه، كما بين ذلك الإمام ابن رجب رحمه الله في (جامع العلوم والحكم).
ولذلك كانت العبرة عند أهل الاتباع حقا بالدليل والبرهان، فمن أبانه وأظهره وجب الانصياع والانقياد إلى الأدلة التي أقامها، صغيرا كان أم كبيرا، يقول الله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء)، ويقول تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، ويقول تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
وأهل السنة بدماج حرسها الله- حريصون على الأخوة وعلى جمع الكلمة، على جمع الشمل على السنة والصفاء، لكن أهل الفتن أبوا إلا العناد ومباينة سبيل الرشاد.
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله ّإلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
كتبه على عجالة:
أبو حاتم يوسف بن العيد الجزائري
حجر الديس محافظة عنابة الجزائر
الخامس من ذي الحجة1433هـ
أبو حاتم يوسف بن العيد الجزائري
حجر الديس محافظة عنابة الجزائر
الخامس من ذي الحجة1433هـ
تعليق