كشف ظلمات التنصير
تقديم صاحبي الفضيلة:
الشيخ العلامة أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله ورعاه-
الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني -حفظه الله ورعاه-
تصنيف:
الفقير إلى الله أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
الجاوي القدسي آل الطوري عفا الله عنه
دار الحديث بدماج
اليمن حرسها الله
مقدمة فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله ورعاه-
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد طالعت في هذه الرسالة ("كشف ظلمات التنصير") لأخينا الفاضل عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي حفظه الله فرأيت ما قرأته منها مفيداً في بابه، وعليه نوصي بقراءة هذه الرسالة والاستفادة منها، وجزا الله كاتبها خيراً .
كتبه:
يحيى بن علي الحجوري
10 جمادى الثانية 1431 هـ
مقدمة الشيخ الفاضل أبي عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني -حفظه الله ورعاه-
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد اطلعت على كتاب "كشف ظلمات التنصير" الذي ألفه أخونا الفاضل المبارك الداعي إلى الله عز وجل أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي حفظه الله ورعاه، فوجدته كتاباً مفيداً للغاية، ومهماً جداً، بل والله إني لأعتبر مثل هذا الكتاب من الجهاد في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»( ). أخرجه أحمد والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وأعداء الإسلام لا يزالون يكيدون للإسلام وأهله، فيجب على أهل الإسلام أن يجاهدوهم بكل ما يستطيعون، فإنه لا فلاح إلا بالإسلام. قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]
فأسأل الله عز وجل أن يبارك في أخينا أبي فيروز، وأن يزيده علما، وأن يثبته على السنة، وأن يدفع عنه الحزبية والفتن ما ظهر منها وما بطن. والحمد لله رب العالمين.
كتبه:
أبو عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني
وفقه الله وعافاه
يوم الاثنين الموافق
18/جمادى الأولى/1431 هـ
مقدمة المؤلف
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ . ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾. ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ﴾.
أما بعد: فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
فإن من الأمور المحزنة التي هجمت على كثير من المسلمين اضمحلال الاعتزاز بالإسلام والسنة، مع افتخارهم بزيّ الكفار. تجد بعضهم ينظرون إلى عيش الكفار بعين التعجب كأنهم قالوا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وقاسوا الدين على ما هم عليه من الحضارة الرائعة، وإذا دعاهم الكفار إلى تقليد ما كانوا عليه من التقدم الدنيوي وسرعان ما يستجيبون لهم وهم على آثارهم يهرعون.
وتجد بعض الآخرين – وحالهم أهون من الصنف الأول- يهملون أهمية الاعتصام بالسنة ويتهاونون في شأن التشبه بأعداء الله، فاتبعوهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع وما شعر بعضهم أنهم قد دخلوا في جحر ضبّ كما دخل المتبوعون، فارتفعت الأخبار: (فلان قد تنصر!) (فلانة قد تزوجت نصرانياً!) (قد تنصر من أهل القرية الفلانية في هذا العام كذا كذا نفسا!) إلخ.
وزاد على الطين بلة أن الحزبيين -الذين كانوا يدّعون الجهاد لإعادة عزة الإسلام وخدمة المسلمين- هم الذين يسهّلون نفوذ مكر الكفار –ولا سيما النصارى- بدعايات كثيرة مكثّفة تحت ستار: (الأخوة البشرية) (التعاون والتسامح بين الأديان السماوية) (التعايش السلمي) وأتوا بشبه عديدة لإقناع المغرورين من المسلمين.
هم الدعاة إلى تقليد الكفار والتشبه بهم في الملابس، والأعياد، وزي البيوت، والإمارة، والسياسة، ووسائل الدعوة بالأغاني والتمثيليات، والجمعيات، والمؤسسات، والمنتديات، والصناديق وغير ذلك من وسائل دعوة الكفار( ).
ومن وجه آخر يتّهم هؤلاء الحزبيون الثابتين على السنة النبوية بالتشدد والجمود والتأخر وطفولية الفكر، وأصحاب القشور وغير ذلك من التشويهات.
إن وسائل التنصير وإفساد دين المسلمين كثيرة جداً يتعذر حصرها، وإنما أردت بهذا الكتاب الكلامَ في بعض الوسائل البارزة في بعض بلدان المسلمين قد يغفل عنها كثير من إخواننا المسلمين. تركيز هذا الكتاب: الكلام في حركات النصارى لتنصير المسلمين. وأحياناً أذكر أيضا حركات غيرهم من الأعداء إذا كانت لها علاقة بما في الباب.
أشكر الله سبحانه وتعالى على توفيقه لصاحب الرسالة المتواضعة، فله الحمد والمنة، وله الأمر من قبل ومن بعد، وبيده الخير كله، وهو على كل شيء قدير. قال ربنا عز وجل: الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم : 32-34].
ثم أشكر شيخنا المحدث الناصح الأمين أبا عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله على تربيته عموماً، وعلى نصحه وحثّه طلابه لنصرة المسلمين ومحاربة المبطلين، وعلى مطالعة هذه الرسالة.
ثم أشكر شيخنا الفاضل أبا عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني -رعاه الله وحفظه- على نصحه، ونصرته، وصبره على تسديد الرسالة.
ثم أشكر شيخنا الفاضل أبا عمرو عبد الكريم العمرو الحجوري -رعاه الله وحفظه- على نصرته في تسديد هذه الرسالة مع بعض التنبيهات المهمة.
وأشكر شيخنا الناصح أبا عبد الله طارق بن محمد البعداني -رعاه الله وحفظه- على مراجعة بعض الأبواب، وعلى تشجيعه على إمضاء هذا السعي، وأنّ وجود كتب العلماء لا يمنع طالب العلم من المشاركة في مناصحة الأمة.
ولا أنسى الشكر للإخوة الفضلاء النصحاء أبي أيمان عبد الله الجحدري اليماني، وأبي تراب سيف بن حضر الجاوي، وأبي عبد الرحمن إرحم الميداني، وأبي يوسف رضوان الأمبوني، وأبي دجانة أمين الأمبوني الإندونيسيين -رعاهم الله وحفظهم- على تعاونهم ونصرتهم.
فجزاهم الله خيراً، وتقبّل منهم جميعاً. وإلى الموضوع، وبالله التوفيق:
الباب الأول: الإسلام هو الدين الحق
دين جميع الأنبياء والمرسلين هو الإسلام . قال شيخ الإسلام رحمه الله: ... فإن الله أمر العباد كلهم أن يعبدوه مخلصين له الدين وهذا هو دين الإسلام الذى بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، فلا يقبل من أحد ديناً غيره. قال تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين ]سورة آل عمران: 85[. وكان نوح، وإبراهيم، وموسى، والمسيح، وسائر أتباع الأنبياء عليهم السلام على الإسلام. قال نوح: وأمرت أن أكون من المسلمين( ) ]سورة يونس: 72[، وقال عن إبراهيم: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه فى الدنيا وأنه فى الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني أن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ]سورة البقرة: 130-132[. وقال موسى: يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ]سورة يونس: 84[، وقالت السحرة: ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين ]سورة الأعراف: 126[، وقال يوسف: توفني مسلما وألحقني بالصالحين ]سورة يوسف: 121[، وقال تعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ]سورة المائدة: 44[، وقال عن الحواريين: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ]سورة المائدة:111[. اهـ ("مجموع الفتاوى"/1 / ص 188-189/مكتبة ابن تيمية).
والإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله القرشي صلى الله عليه وآله وسلم هو تحقيق الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع كما قال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعباده ربه أحدا وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه. وفي الثانية: أن محمدا هو رسوله المبلغ عنه فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره وقد بين لنا ما نعبد الله به ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة اهـ. ("مجموع الفتاوى" / 10 / ص 234/مكتبة ابن تيمية).
والإسلام كما قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله: وَهُوَ: الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ( )، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ( )، اهـ ("الأصول الثلاثة" / ص57-58/مع شرح العثيمين/دار الآثار).
وقال رحمه الله في معنى شهادة التوحيد: وَمَعْنَاهَا: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلا اللهُ، «لا اله» نَافِيًا جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ «إِلا اللهُ» مُثْبِتًا الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ اهـ. ("الأصول الثلاثة" /ص60/مع شرح العثيمين/دار الآثار).
وقال رحمه الله: وَمَعْنَى شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ اهـ. ("الأصول الثلاثة" / ص63 /مع شرح العثيمين/دار الآثار).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ودين الإسلام مبنى على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيعبد في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان، فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين، وكذلك شريعة الإنجيل. وكذلك في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلى إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام. ولما أمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجاً عن دين الإسلام. فكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد بما شرعه الله من واجب، ومستحب، فليس بمسلم.
ولا بد في جميع الواجبات والمستحبات أن تكون خالصة لله رب العالمين كما قال تعالى: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة. وقال تعالى: تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص.
فكل ما يفعله المسلم من القرب الواجبة والمستحبة كالإيمان بالله ورسوله، والعبادات البدنية، والمالية، ومحبة الله ورسوله، والإحسان إلى عباد الله بالنفع والمال هو مأمور بأن يفعله خالصاً لله رب العالمين لا يطلب من مخلوق عليه جزاء، ولا دعاء، ولا غير دعاء، فهذا مما لا يسوغ أن يطلب عليه جزاء لا دعاء ولا غيره. اهـ ("مجموع الفتاوى" /1 / ص 189-190/مكتبة ابن تيمية).
ومن الإسلام: طاعة الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، مع مخالفة الكفار وجميع أعداء الدين. قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف/108]. وقال جل ذكره: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام/153]. وقال سبحانه وتعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية/18، 19].
فلا بد من شكر الله على نعمه العظيمة أن يجعلنا من المسلمين الموحدين. قال تعالى عن يوسف عليه السلام: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِالله مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [يوسف/38].
هذا هو الحق، وإن جهله أكثر الناس. قال تعالى عن يوسف عليه السلام: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا الله أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف/39، 40].
فمن استقام على الحق حتى يأتيه اليقين –وهو الموت- فقد فاز فوزاً عظيماً. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت/30-32].
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف/13، 14].
فلا يدخل الجنة إلا المسلمون. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : -وذكر الحديث- ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلاً فَنَادَى بِالنَّاسِ: «إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، ... » الحديث (أخرجه البخاري (الجهاد والسير/باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر/(3062)) ومسلم (الإيمان/باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان .../(111)).
فلا تغررك كثرة من اختار الكفر والشرك على الإسلام. عَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: « ... وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ».(أخرجه البخارى (الرقاق/باب الحشر/(6528)) ومسلم (الإيمان/باب بيان كون هذه الأمة .../(221)).
فالكفار خاسرون، ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا من الأموال والأولاد والأتباع. قال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ الله وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة/217، 218].
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ الله الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال/36، 37].
فما بقي لهم يومئذ إلا الندامة. قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان/27-29]. وقال تعالى: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر/2، 3].
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»( ). (أخرجه مسلم (الإيمان/باب وجوب الإيمان /رقم (153))).
فلا دين أحسن من هذا الدين. قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت/33] .
فاثبتوا على الإسلام والسنة، فإنهما الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. وخالفوا سبل المغضوب عليهم والضالين. وبذكر ملخّص أحوال اليهود المغضوب عليهم وأحوال النصارى الضالين ازدادت بصيرتنا على جمال الصراط المستقيم دين الإسلام.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان أهل الأرض صنفين: أهل الكتاب وزنادقة لا كتاب لهم وكان أهل الكتاب أفضل الصنفين، وهم نوعان: مغضوب عليهم وضالون. فالأمة الغضبية هم "اليهود" أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل، قتلة الأنبياء وأكلة السحت - وهو الربا والرشا - أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السحر والكذب والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفه، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة؛ بل أخبهم أعقلهم، وأحذقهم أغشهم، وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم - ليس بيهودي على الحقيقة أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم لعنة ولقاؤهم طيرة، شعارهم الغضب ودثارهم المقت.
فصل: والصنف الثاني "المثلثة" أمة الضلال وعباد الصليب، الذين سبوا الله الخالق مسبة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد،ن ولم يكن له كفؤا أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء؛ بل قالوا فيه ما تَكادُ السَمَواتُ يَتَفَطَرنَ مِنهُ، وَتَنشَقُ الأَرضُ وَتَخِرُ الجِبالُ هَدا فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن، فدينها عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا. فدينهم شرب الخمور وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسبات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله القس والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير.
فصل: فهذا حال من له كتاب، وأما من لا كتاب له: فهو بين عابد أوثان، وعابد نيران وعابد شيطان، وصابيء حيران يجمعهم الشرك، وتكذيب الرسل، وتعطيل الشرائع، وإنكار المعاد وحشر الأجساد، لا يدينون للخالق بدين، ولا يعبدونه مع العابدين، ولا يوحدونه مع الموحدين. وأمة "المجوس" منهم تستفرش الأمهات والبنات والأخوات؛ دع العمات والخالات، دينهم الزمر، وطعامهم الميتة، وشرابهم الخمر، ومعبودهم النار، ووليهم الشيطان، فهم أخبث بني آدم نحلة، وأرداهم مذهبا، وأسوأهم اعتقاداً.
وأما "زنادقة الصابئة وملاحدة الفلاسفة" فلا يؤمنون بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه، ولا يؤمنون بمبدأ ولا معاد، وليس للعالم عندهم رب فعال بالاختيار لما يريد قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، آمر، ناه، مرسل الرسل، ومنزل الكتب، ومثيب المحسن، ومعاقب المسيء، وليس عند نظارهم إلا تسعة أفلاك وعشرة عقول وأربعة أركان، وسلسلة ترتبت فيها الموجودات هي بسلسلة المجانين أشبه منها بمجوزات العقول.
وبالجملة: فدين الحنيفية الذي لا دين الله غيره بين هذه الأديان الباطلة التي لا دين في الأرض غيرها أخفى من السها تحت السحاب، وقد نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فاطلع الله شمس الرسالة في حنادس تلك الظلم سراجا منيرا، وأنعم بها على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكورا، وأشرقت الأرض بنورها أكمل الإشراق، وفاض ذلك النور حتى عم النواحي والآفاق واتسق قمر الهدى أتم الاتساق، وقام دين الله الحنيف على ساق، فلله الحمد الذي أنقذنا بمحمد صلى الله عليه وسلم من تلك الظلمات، وفتح لنا به باب الهدى فلا يغلق إلى يوم الميقات، وأرانا في نوره أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون، وفي سكرتهم يعمهون وفي جهالتهم يتقلبون وفي ريبهم يترددون، يؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت يؤمنون ويعدلون ولكن بربهم يعدلون، ويعلمون ولكن ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة وهم غافلون ويسجدون ولكن للصليب والوثن والشمس يسجدون، ويمكرون وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون لَقَد مَنّ اللَهُ عَلى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلو عَلَيهِم آَياتِهِ وَيُزَكيهِم وَيُعَلِمُهُم الكِتابَ وَالحِكمَة وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالِ مُبين كَما أرسَلنا فيكُم رَسولاً مِنكُم يَتلوا عَليكُم آَياتِنا وَيُزَكيكُم وَيُعَلِمُكُم الكِتابَ وَالحِكمَة وَيُعَلِمُكُم ما لَم تَكونوا تَعلمون * فاذكُروني أَذكُركُم وَاشكُروا لي وَلا تَكفُرون.
الحمد لله الذي أغنانا بشريعته التي تدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، فله المنة والفضل على ما أنعم به علينا وآثرنا به على سائر الأمم. اهـ المراد. ("هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" /ص9-10/دار الآثار).
الباب الثاني: بغض أهل الكتاب للإسلام وكراهيتهم ثبات أهله عليه
إن الكفار مهما تحبوهم فإنهم لم يحبوكم حتى تكفروا. قال تعالى: هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور [آل عمران/119].
قال الإمام السعدي رحمه الله: ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يتخذوا بطانة من المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم يظهرونهم على سرائرهم أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية وذلك أنهم هم الأعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء فظهرت على أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر مما يسمع منهم فلهذا لا يألونكم خبالا أي: لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الأسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الأعداء عليكم قال الله للمؤمنين: قد بينا لكم الآيات أي: التي فيها مصالحكم الدينية والدنيوية لعلكم تعقلون فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو، فليس كل أحد يجعل بطانة، وإنما العاقل من إذا ابتلي بمخالطة العدو أن تكون مخالطة في ظاهره ولا يطلعه من باطنه على شيء ولو تملق له وأقسم أنه من أوليائه. –إلى قوله:- بل إذا لقوكم أظهروا لكم الإيمان وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل وهي أطراف الأصابع من شدة غيظهم عليكم قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور وهذا فيه بشارة للمؤمنين أن هؤلاء الذين قصدوا ضرركم لا يضرون إلا أنفسهم، وإن غيظهم لا يقدرون على تنفيذه، بل لا يزالون معذبين به حتى يموتوا فيتنقلوا من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة. اهـ ("تيسير الكريم الرحمن" /ص128/دار ابن حزم).
وقال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [البقرة/120]. وقال الله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [البقرة/109].
بل أمرهم كما قال تعالى: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة/217]. وقال تعالى: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة/8].
فانتبهوا ، ولا تخدعوا، وفقكم الله.
الباب الثالث: سيرة رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام
لا بد من إظهار حقيقة نبي الله عيسى عليه السلام، وأمه مريم البتول العذراء لأن معظم ضلال النصارى يدور حول شأنهما. فنحن نسلك طريقة أئمة أهل السنة والجماعة –وهم علماء الأمة حقا- فلا نحتقر بعيسى وأمه كما فعله اليهود المغضوب عليهم، ولا نغلو فيهما كما فعله النصارى الضالون، بل نقف على ما جاء به الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة رضي الله عنهم أجمعين، إن شاء الله.
الفصل الأول: قصة مريم بنت عمران البتول العذراء
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "قصص الأنبياء": قال الله تعالى في سورة آل عمران التي أنزل صدرها وهو ثلاث وثمانون آية منها في الرد على النصارى عليهم لعائن الله، الذين زعموا أن لله ولدا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وكان قد قدم وفد نجران منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يذكرون ما هم عليه من الباطل من التثليث في الأقانيم ويدعون بزعمهم أن الله ثالث ثلاثة وهم الذات المقدسة وعيسى ومريم، على اختلاف فرقهم، فأنزل الله عز وجل صدر هذه السورة بين فيها أن عيسى عبد من عباد الله خلقه وصوره في الرحم كما صور غيره من المخلوقات وأنه خلقه من غير أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم، وقال له (كن) فكان سبحانه وتعالى.
وبيّن أصل ميلاد أمه مريم، وكيف كان من أمرها، وكيف حملت بولدها عيسى، وكذلك بسط ذلك في سورة مريم كما سنتكلم على ذلك كله بعون الله وحسن توفيقه وهدايته. فقال تعالى وهو أصدق القائلين: إِنَّ الله اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران : 33 - 37].
يذكر تعالى أنه اصطفى آدم عليه السلام والخلص من ذريته المتبعين شرعه الملازمين طاعته، ثم خصص فقال: "وآل إبراهيم" فدخل فيهم بنو إسماعيل ثم ذكر فضل هذا البيت الطاهر الطيب وهم آل عمران، والمراد بعمران هذا والد مريم عليها السلام.
-إلى قوله:- ولا خلاف أنها من سلالة داود عليها السلام وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت أمها وهي حنة بنت فاقود بن قبيل من العابدات، وكان زكريا نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم أشياع في قول الجمهور وقيل زوج خالتها أشياع فالله أعلم.
("قصص الأنبياء"/قصة مريم بنت عمران/582-583/ مكتبة عباد الرحمن).
ثم ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله حديثاً عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها». ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (أخرجه البخاري (التفسير /باب سورة آل عمران/(4274))، ومسلم (الفضائل /باب فضائل عيسى/ (2366))).
ثم قال رحمه الله: وقوله: فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خروقها ثم خرجت بها إلى المسجد فسلمتها إلى العباد الذين هم مقيمون به، وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم فتنازعوا فيها، والظاهر أنها إنما سلمتها إليهم بعد رضاعها وكفالة مثلها في صغرها. ثم لما دفعتها إليهم تنازعوا في أيهم يكفلها، وكان زكريا نبيهم في ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل زوجته أختها أو خالتها على القولين. فشاحوه في ذلك وطلبوا أن يقترع معهم، فساعدته المقادير فخرجت قرعته غالبة لهم وذلك أن الخالة بمنزلة الأم. قال الله تعالى: وكفلها زكريا أي بسبب غلبه لهم في القرعة كما قال تعالى: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون.
قالوا: وذلك أن كلا منهم ألقى قلمه معروفاً به، ثم حملوها ووضعوها في موضع وأمروا غلاماً لم يبلغ الحنث فأخرج واحداً منها وظهر قلم زكريا عليه السلام. فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية وأن يكون ذلك بأن يلقوا أقلامهم في النهر فأيهم جرى قلمه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ففعلوا فكان قلم زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء، وسارت أقلامهم مع الماء ثم طلبوا منه أن يقترعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الأقلام قد انعكس سيرها صعداً فهو الغالب ففعلوا فكان زكريا هو الغالب لهم فكفلها إذ كان أحق بها شرعا وقدرا لوجوه عديدة.
قال الله تعالى: كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال: يا مريم أنى لك هذا، قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب قال المفسرون: اتخذ لها زكريا مكانا شريفا من المسجد لا يدخله سواها، فكانت تعبد الله فيه وتقوم بما يجب عليها من سدانة البيت إذا جاءت نوبتها وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها، حتى صارت يضرب بها المثل بعبادتها في بني إسرائيل، واشتهرت بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة حتى إنه كان نبي الله زكريا كلما دخل عليها موضع عبادتها يجد عندها رزقاً غريباً في غير أوانه، فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف فيسألها أنى لك هذا فتقول: هو من عند الله أي: رزق رزقنيه الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
فعند ذلك وهنالك طمع زكريا في وجود ولد من صلبه وإن كان قد أسن وكبر قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء.
-إلى أن قال رحمه الله:- فكان من خبره وقضيته ما قدمنا ذكره في قصته.
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا الله وَأَطِيعُونِ * إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم [آل عمران : 42 - 51] .
يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها، بأن اختارها لإيجاد ولد منها من غير أب وبشرت بأن يكون نبيا شريفا يكلم الناس في المهد أي في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكذلك في حال كهوليته، فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو إلى الله فيها، وأمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلا لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة، فيقال: إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضي الله عنها ورحمها ورحم أمها وأباها.
فقول الملائكة: يا مريم إن الله اصطفاك أي اختارك واجتباك وطهرك أي من الأخلاق الرذيلة وأعطاك الصفات الجميلة واصطفاك على نساء العالمين. يحتمل أن يكون المراد عالمي زمانها كقوله لموسى إني اصطفيتك على الناس وكقوله عن بني إسرائيل ولقد اخترناهم على علم على العالمين ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام أفضل من موسى، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل منهما، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عددا وأفضل علما وأزكى عملا من بني إسرائيل وغيرهم.
-إلى أن قال رحمه الله :- وقد جاء ذكرها مقروناً مع آسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن وأرضاهن اهـ.
ثم ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد». (أخرجه مسلم (فضائل الصحابة /باب فضائل خديجة/ (2430))).
وذكر أيضا بعض الأحاديث في باب فضيلة مريم رضي الله عنه. ("قصص الأنبياء"/قصة مريم/ص585-588/مكتبة عباد الرحمن).
الفصل الثاني: ذكر ميلاد رسول الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ الله أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [مريم : 16 - 37].
ذكر تعالى هذه القصة بعد قصة زكريا التي هي كالمقدمة لها والتوطئة قبلها كما ذكر في سورة آل عمران، قرن بينهما في سياق واحد وكما قال في سورة الانبياء: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ * وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِين [الأنبياء : 89-91].
وقد تقدم أن مريم لما جعلتها أمها محررة تخدم بيت المقدس وأنه كفلها زوج أختها أو خالتها نبي ذلك الزمان زكريا عليه السلام، وأنه اتخذ لها محرابا وهو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها سواه، وأنها لما بلغت اجتهدت في العبادة فلم يكن في ذلك الزمان نظيرها في فنون العبادات، وظهر عليها من الأحوال ما غبطها به زكريا عليه السلام وأنها خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها وبأنه سيهب لها ولدا زكيا يكون نبيا كريما طاهرا مكرما مؤيدا بالمعجزات، فتعجبت من وجود ولد من غير والد، لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل( ).
وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لا بد منها من استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي يوما قد خرجت لبعض شؤونها وانتبذت أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام فتمثل لها بشرا سويا فلما رأته قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا.
قال أبو العالية: علمت أن التقى ذو نهية. وهذا يرد قول من زعم أنه كان في بني إسرائيل رجل فاسق مشهور بالفسق اسمه "تقي" فإن هذا قول باطل بلا دليل، وهو من أسخف الأقوال. قال إنما أنا رسول ربك أي خاطبها الملك قال إنما أنا رسول ربك أي لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليك لأهب لك غلاما زكيا أي ولدا زكيا. قالت أنى يكون لي غلام أي: كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا أي ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة قال كذلك قال ربك هو علي هين أي: فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها والحالة هذه قائلا كذلك قال ربك أي: وعد أنه سيخلق منك غلاما ولست بذات بعل ولا تكونين ممن تبغين هو علي هين أي: وهذا سهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير.
وقوله: ولنجعله آية للناس أي: ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلا على كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى. وقوله ورحمة منا أي: نرحم به العباد بأن يدعوهم إلى الله في صغره وكبره في طفوليته وكهوليته، بأن يفردوا الله بالعبادة وحده لا شريك له وينزهوه عن اتخاذ الصاحبة والأولاد والشركاء والنظراء والأضداد والأنداد.
وقوله: وكان أمرا مقضيا يحتمل أن يكون هذا من تمام كلام جبريل معها، يعنى أن هذا أمر قد قضاه الله وحتمه وقدره وقرره، وهذا معنى قول محمد بن إسحاق واختاره ابن جرير، ولم يحك سواه والله أعلم. ويحتمل أن يكون قوله وكان أمرا مقضيا كناية عن نفخ جبريل فيها كما قال تعالى: ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا .
فذكر غير واحد من السلف أن جبريل نفخ في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها فحملت من فورها كما تحمل المرأة عند جماع بعلها. ومن قال إنه نفخ في فمها أو أن الذي كان يخاطبها هو الروح الذي ولج فيها من فمها، فقوله خلاف ما يفهم من سياقات هذه القصة في محالها من القرآن، فإن هذا السياق يدل على أن الذي أرسل إليها ملك من الملائكة وهو جبريل عليه السلام، وأنه إنما نفخ فيها ولم يواجه الملك الفرج بل نفخ في جيبها فنزلت النفخة إلى فرجها فانسلكت فيه، كما قال تعالى: فنفخنا فيه من روحنا فدل على أن النفخة ولجت فيه لا في فمها، كما رواه السدي بإسناده عن بعض الصحابة( ).
ولهذا قال تعالى: فحملته أي فحملت ولدها فانتبذت به مكانا قصيا وذلك لأن مريم عليها السلام لما حملت ضاقت به ذرعا، وعلمت أن كثيرا من الناس سيكون منهم كلام في حقها، فذكر غير واحد من السلف منهم وهب بن منبه أنها لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك رجل من عباد بني إسرائيل يقال له يوسف بن يعقوب النجار، وكان ابن خالها فجعل يتعجب من ذلك عجبا شديداً، وذلك لما يعلم من ديانتها ونزاهتها وعبادتها وهو مع ذلك يراها حبلى وليس لها زوج، فعرض لها ذات يوم في الكلام فقال: يا مريم هل يكون زرع من غير بذر ؟ قالت: نعم، فمن خلق الزرع الأول. ثم قال: فهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت: نعم إن الله خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى. قال لها: فأخبريني خبرك. فقالت: إن الله بشرني بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين. ويروى مثل هذا عن زكريا عليه السلام أنه سألها فأجابته بمثل هذا والله أعلم.
-إلى أن قال:- ثم الظاهر أنها حملت به تسعة أشهر كما تحمل النساء ويضعن لميقات حملهن ووضعن، إذ لو كان خلاف ذلك لذكر. ثم ذكر قول بعضهم: حملت به تسع ساعات واستأنسوا لذلك بقوله: فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة. والصحيح أن تعقيب كل شيء بحسبه، كقوله: فتصبح الأرض مخضرة وكقوله: فخلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ومعلوم أن بين كل حالين أربعين يوما كما ثبت في الحديث المتفق عليه.
قال محمد بن إسحق: شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا. قال: واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد، وتوارت عنهم مريم واعتزلتهم وانتبذت مكانا قصيا. وقوله: فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة أي: فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة، وهو بنص الحديث الذي رواه النسائي بإسناد لا بأس به عن أنس مرفوعاً والبيهقي بإسناد وصححه عن شداد بن أوس مرفوعاً أيضا ببيت لحم الذي بنى عليه بعض ملوك الروم فيما بعد على ما سنذكره هذا البناء المشاهد الهائل.
قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فيه دليل على جواز تمنى الموت عند الفتن، وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه، ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو كانت نسيا منسيا أي: لم تخلق بالكلية. وقوله: فناداها من تحتها وقرئ من تحتها على الخفض، وفي المضمر قولان: أحدهما أنه جبريل. قاله العوفي عن ابن عباس قال: ولم يتكلم عيسى إلا بحضرة القوم. وبهذا قال سعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والضحاك والسدي وقتادة. وقال مجاهد والحسن وابن زيد وسعيد ابن جبير في رواية: هو ابنها عيسى. واختاره ابن جرير.
وقوله: أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا قيل: النهر، وإليه ذهب الجمهور.
وجاء فيه حديث رواه الطبراني لكنه ضعيف. واختاره ابن جرير وهو الصحيح وعن الحسن والربيع بن أنس وابن أسلم وغيرهم أنه ابنها.
والصحيح الأول: لقوله وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فذكر الطعام والشراب ولهذا قال: فكلي واشربي وقري عينا. ثم قيل: كان جذع النخلة يابساً وقيل كانت نخلة مثمرة فالله أعلم. ويحتمل أنها كانت نخلة، لكنها لم تكن مثمرة إذ ذاك، لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر، وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الامتنان تساقط عليك رطبا جنيا .
قال عمرو بن ميمون: ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية.
-إلى أن قال:- وقوله: فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا وهذا من تمام كلام الذي ناداها من تحتها قال: كلي واشربي وقرى عينا فإما ترين من البشر أحدا أي: فإن رأيت أحدا من الناس فقولي له أي بلسان الحال والإشارة إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام، قاله قتادة والسدي وابن أسلم. ويدل على ذلك قوله: فلن أكلم اليوم إنسيا فأما في شريعتنا فيكره للصائم صمت يوم إلى الليل.
وقوله تعالى: فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ذكر كثير من السلف ممن ينقل عن أهل الكتاب أنهم لما افتقدوها من بين أظهرهم ذهبوا في طلبها فمروا على محلتها والأنوار حولها، فلما واجهوها وجدوا معها ولدها فقالوا لها: يا مريم لقد جئت شيئا فريا أي أمرا عظيما منكرا. وفي هذا الذي قالوه نظر، مع أنه كلام ينقض أوله آخره، وذلك لأن ظاهر سياق القرآن العظيم يدل على أنها حملته بنفسها وأتت به قومها وهي تحمله. قال ابن عباس: وذلك بعد ما تعالت من نفاسها بعد أربعين يوما.
والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال. ثم قالوا لها يا أخت هرون قيل شبهوها بعابد من عباد زمانهم كانت تساميه في العبادة، وكان اسمه هرون، قاله سعيد بن جبير. وقيل أرادوا بهرون أخا موسى شبهوها به في العبادة.
وأخطأ محمد بن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهرون نسبا، فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على أدنى من عنده من العلم ما يرده عن هذا القول الفظيع، وكأنه غره أن في التوراة أن مريم أخت موسى وهرون ضربت بالدف يوم نجى الله موسى وقومه وأغرق فرعون وملأه، فاعتقد أن هذه هي هذه. وهذا في غاية البطلان والمخالفة للحديث الصحيح مع نص القرآن كما قررناه في التفسير مطولا ولله الحمد والمنة.
ثم ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرءون: يا أخت هرون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ قال: فرحت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم»( ).
ثم قال رحمه الله: والمقصود أنهم قالوا: "يا أخت هرون" ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه هرون وكان مشهورا بالدين والصلاح والخير، ولهذا قالوا: ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا أي: لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم لا أخوك ولا أمك ولا أبوك، فاتهموها بالفاحشة العظمى ورموها بالداهية الدهياء.
فذكر ابن جرير في تاريخه أنهم اتهموا بها زكريا وأرادوا قتله ففرّ منهم فلحقوه وقد انشقت له الشجرة فدخلها وأمسك إبليس بطرف ردائه فنشره فيها كما قدمناه. ومن المنافقين من اتهمها بابن خالها يوسف ابن يعقوب النجار. فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال، عظم التوكل على ذي الجلال، ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال فأشارت إليه أي خاطبوه وكلموه فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه، فعندها قالوا من كان منهم جبارا شقيا: كيف نكلم من كان في المهد صبيا أي: كيف تحيلينا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو مع ذلك رضيع في مهده ولا يميز بين محض وزبده، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء، إذ لا تردين علينا قولا نطقيا، بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبيا.
فعندها قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا. هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم، فكان أول ما تكلم به أن قال إني عبد الله اعترف لربه تعالى بالعبودية، وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته، ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: آتاني الكتاب وجعلني نبيا فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله وقبحهم، كما قال تعالى وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا: إنها حملت به من زنا في زمن الحيض، لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبيا مرسلا أحد أولي العزم الخمسة الكبار ولهذا قال: وجعلني مباركا أينما كنت وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونزه جنابه عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد بالصلاة، والإحسان إلى الخليقة بالزكاة، وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة وتطهير الأموال الجزيلة بالعطية للمحاويج على اختلاف الآصناف وقرى الأضياف والنفقات على الزوجات والأرقّاء والقرابات وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات.
ثم قال وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا أي: وجعلني برا بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه لتمحض جهتها إذ لا والد له سواها، فسبحان من خلق الخليقة وبرأها وأعطى كل نفس هداها. ولم يجعلني جبارا شقيا أي: لست بفظ ولا غليظ، ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا.
-إلى أن قال رحمه الله:- ثم لما ذكر تعالى قصته على الجلية وبين أمره ووضحه وشرحه قال: ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون. ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون كما قال تعالى بعد ذكر قصته وما كان من أمره في آل عمران: ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم * إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين.
ولهذا لما قدم وفد نجران وكانوا ستين راكبا يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم، ويؤول أمر الجميع إلى ثلاثة هم أشرافهم وساداتهم وهم العاقب والسيد وأبو حارثة بن علقمة، فجعلوا يناظرون في أمر المسيح فأنزل الله صدر سورة آل عمران في ذلك، وبين أمر المسيح وابتداء خلقه وخلق أمه من قبله، وأمر رسوله بأن يباهلهم إن لم يستجيبوا له ويتبعوه، فلما رأوا عينيها وأذنيها نكصوا وامتنعوا عن المباهلة وعدلوا إلى المسالمة والموادعة وقال قائلهم وهو العاقب عبد المسيح: يا معشر النصارى لقد علمتم أن محمدا لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنها للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فطلبوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يضرب عليهم جزية وأن يبعث معهم رجلا أمينا، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وقد بينا ذلك في تفسير آل عمران وقد بسطنا هذه القصة في السيرة النبوية.
والمقصود: أن الله تعالى بين أمر المسيح فقال لرسوله: ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون يعني من أنه عبد مخلوق من امرأة من عباد الله، ولهذا قال: ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون أي: لا يعجزه شيء ولا يكرثه ولا يؤوده بل هو القدير الفعال لما يشاء إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وقوله: إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم هو من تمام كلام عيسى لهم في المهد، أخبرهم أن الله ربه وربهم وإلهه وإلههم، وأن هذا هو الصراط المستقيم.
قال الله تعالى: فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أي: فاختلف أهل ذلك الزمان ومن بعدهم فيه. فمن قائل من اليهود: إنه ولد زنية، واستمروا على كفرهم وعنادهم. وقابلهم آخرون في الكفر فقالوا: هو الله. وقال آخرون: هو ابن الله. وقال المؤمنون: هو عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. وهؤلاء هم الناجون المثابون والمؤيدون المنصورون، ومن خالفهم في شيء من هذه القيود فهم الكافرون الضالون الجاهلون، وقد توعدهم العلي العظيم الحكيم العليم بقوله: فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم.
ثم ذكر رحمه الله حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمتة ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل». وفي رواية زيادة: «من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء»( ).
("قصص الأنبياء"/ص596-606/مكتبة عباد الرحمن).
الفصل الثالث: إن الله تعالى منزّه عن الولد
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: باب بيان ان الله تعالى منزه عن الولد تعالى عما بقول الظالمون علوا كبيرا. وقال تعالى في آخر هذه السورة: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا [مريم : 88 - 89] شيئاً عظيماً ومنكراً من القول وزوراً. تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم : 88 - 95]
فبين أنه تعالى لا ينبغي له الولد لأنه خالق كل شيء ومالكه، وكل شيء فقير إليه، خاضع ذليل لديه وجميع سكان السموات والأرض عبيده، هو ربهم لا إله إلا هو ولا رب سواه كما قال تعالى: وَجَعَلُوا الله شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير [الأنعام : 100 ، 103]
فبين أنه خالق كل شيء فكيف يكون له ولد، والولد لا يكون إلا بين شيئين متناسبين، والله تعالى لا نظير له ولا شبيه ولا عديل له، فلا صاحبة له، فلا يكون له ولد كما قال تعالى: قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ * الله الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص : 1 - 4]
يقرر أنه "الأحد" الذي لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، "الصمد" وهو السيد الذي كمل في علمه وحكمته، ورحمته و بلغ جميع صفاته، "لم يلد" أي لم يوجد منه ولد، "ولم يولد" أي ولم يتولد عن شيء قبله "ولم يكن له كفوا أحد" أي وليس له عدل ولا مكافئ، ولا مساو فقطع النظير المداني والأعلى والمساوي، فانتفى أن يكون له ولد، إذ لا يكون الولد إلا متولدا بين شيئين متعادلين أو متقاربين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وقال تبارك وتعالى وتقدس: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى الله إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا الله إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا الله وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [النساء : 171 - 173]
ينهى تعالى أهل الكتاب ومن شابههم عن الغلو والإطراء في الدين وهو مجاوزة الحد، فالنصارى لعنهم الله غلوا وأطروا المسيح حتى جاوزوا الحد. فكان الواجب عليهم أن يعتقدوا أنه عبد الله ورسوله وابن أمته العذراء البتول التي أحصنت فرجها فبعث الله الملك جبريل إليها فنفخ فيها عن أمر الله نفخة حملت منها بولدها عيسى عليه السلام، والذي اتصل بها من الملك هي الروح المضافة إلى الله إضافة تشريف وتكريم، وهي مخلوقة من مخلوقات الله تعالى، كما يقال: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، وكذا روح الله أضيفت إليه تشريفا لها وتكريما.
وسمى عيسى بها لأنه كان بها من غير أب وهي الكلمة أيضا التي عنها خلق وبسببها وجد كما قال تعالى: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون . وقال تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون. بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. وقال تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون.
فأخبر تعالى أن اليهود والنصارى عليهم لعائن الله، كل من الفريقين ادعوا على الله شططا وزعموا أن له ولدا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وأخبر أنهم ليس لهم مستند فيما زعموه ولا فيما ائتفكوه، إلا مجرد القول ومشابهة من سبقهم إلى هذه المقالة الضالة تشابهت قلوبهم. وذلك أن الفلاسفة عليهم لعنة الله زعموا أن العقل الأول صدر عن واجب الوجود الذي يعبرون عنه بعلة العلل والمبدأ الأول، وأنه صدر عن العقل الأول عقل ثان ونفس وفلك، ثم صدر عن الثاني كذلك حتى تناهت العقول إلى عشرة والنفوس إلى تسعة والأفلاك إلى تسعة، باعتبارات فاسدة ذكروها واختيارات باردة أوردوها. ولبسط الكلام معهم وبيان جهلهم وقلة عقلهم موضع آخر.
وهكذا طوائف من مشركي العرب زعموا لجهلهم أن الملائكة بنات الله وأنه صاهر سروات الجن فتولد منهما الملائكة. تعالى الله عما يقولون وتنزه عما يشركون. كما قال تعالى: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون وقال تعالى: فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون. أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون. أصطفى البنات على البنين ؟ ! ما لكم كيف تحكمون. أفلا تذكرون. أم لكم سلطان مبين. فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين. وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون. سبحان الله عما يصفون. إلا عباد الله المخلصين. وقال تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون، ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين. –إلى قوله:- فهذه الآيات المكيات الكريمات تشمل الرد على سائر فرق الكفرة من الفلاسفة ومشركي العرب واليهود والنصارى الذين ادعوا وزعموا بلا علم أن لله ولدا، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا. ولما كانت النصارى عليهم لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة من أشهر من قال بهذه المقالة ذكروا في القرآن كثيرا للرد عليهم وبيان تناقضهم وقلة علمهم وكثرة جهلهم، وقد تنوعت أقوالهم في كفرهم، وذلك أن الباطل كثير التشعب والاختلاف والتناقض. وأما الحق فلا يختلف ولا يضطرب. قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء : 82].
فدل على أن الحق يتحد ويتفق والباطل يختلف ويضطرب.
فطائفة من ضلالهم وجهالهم زعموا أن المسيح هو الله تعالى. وطائفة قالوا: (هو ابن الله)، عز الله. وطائفة قالوا: (هو ثالث ثلاثة)، جل الله. قال الله تعالى في سورة المائدة: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير. فأخبر تعالى عن كفرهم وجهلهم وبين أنه الخالق القادر على كل شيء وأنه رب كل شيء ومليكه وإلهه. وقال في أواخرها: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار. لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم. ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون.
حكم تعالى بكفرهم شرعا وقدرا، فأخبر أن هذا صدر منهم مع أن الرسول إليهم هو عيسى بن مريم، وقد بين لهم أنه عبد مربوب مخلوق مصور في الرحم، داع إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتوعدهم على خلاف ذلك بالنار وعدم الفوز بدار القرار والخزي في الدار والآخرة والهوان والعار، ولهذا قال: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار .
ثم قال: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد قال ابن جرير وغيره: المراد بذلك قولهم بالأقانيم الثلاثة : أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن، على اختلافهم في ذلك ما بين المليكية واليعقوبية والنسطورية، عليهم لعائن الله كما سنبين كيفية اختلافهم في ذلك ومجامعهم الثلاثة في زمن قسطنطين بن قسطس، وذلك بعد المسيح بثلاثمائة سنة وقبل البعثة المحمدية بثلاثمائة سنة.
ولهذا قال تعالى: وما من إله إلا إله واحد أي: وما من إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نظير له ولا كفؤ له ولا صاحبة له ولا ولد، ثم توعدهم وتهددهم فقال: وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ثم دعاهم برحمته ولطفه إلى التوبة والاستغفار من هذه الأمور الكبار والعظائم التي توجب النار فقال: أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم.
ثم بيّن حال المسيح وأمه وأنه عبد رسول وأمه صديقة، أي ليست بفاجرة كما يقوله اليهود لعنهم الله، وفيه دليل على أنها ليست بنبية كما زعمه طائفة من علمائنا. وقوله: كانا يأكلان الطعام كناية عن خروجه منهما كما يخرج من غيرهما، أي ومن كان بهذه المثابة كيف يكون إلهاً ! تعالى الله عن قولهم وجهلهم علوا كبيرا.
-إلى قوله:- وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.
يخبر تعالى أنه يسأل عيسى بن مريم عليه السلام يوم القيامة على سبيل الإكرام له والتقريع والتوبيخ لعابديه ممن كذب عليه وافترى وزعم أنه ابن الله، أو أنه الله أو أنه شريكه، تعالى الله عما يقولون، فيسأله وهو يعلم أنه لم يقع منه ما يسأله عنه ولكن لتوبيخ من كذب عليه فيقول له: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك أي: تعاليت أن يكون معك شريك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي: ليس هذا يستحقه أحد سواك إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب وهذا تأدب عظيم في الخطاب والجواب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أي: ما قلت غير ما أمرتني عليه حين أرسلتني إليهم وأنزلت علي الكتاب الذي كان يتلى عليهم.
ثم فسر ما قال لهم بقوله: أن اعبدوا الله ربي وربكم أي: خالقي وخالقكم ورازقي ورازقكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني أي: رفعتني إليك حين أرادوا قتلي وصلبي فرحمتني وخلصتني منهم وألقيت شبهي على أحدهم حتى انتقموا منه فلما كان ذلك كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد.
ثم قال على وجه التفويض إلى الرب عز وجل والتبري من أهل النصرانية: إن تعذبهم فإنهم عبادك أي: وهم يستحقون ذلك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم وهذا التفويض والإسناد إلى المشيئة بالشرط لا يقتضي وقوع ذلك، ولهذا قال: فإنك أنت العزيز الحكيم ولم يقل الغفور الرحيم.
وذكر رحمه الله آيات متعددة على تنزه الرب عز وجل من أن يكون له ولد، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «قال الله: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفأ أحد». (أخرجه البخاري (التفسير /باب سورة الإخلاص/ (4974))).
وحديث أبي موسى رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولدا وإنه ليعافيهم ويرزقهم». (أخرجه البخاري (الأدب/باب الصبر على الأذى/ (6099)) ومسلم (صفات المنافقين /باب لا أحد أصبر .../(2804))).
ثم قال رحمه الله:- ولكن ثبت في الصحيح أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد. (أخرجه البخاري (التفسير /سورة هود: وكذلك أخذ ربك / (4686)) عن أبي موسى رضي الله عنه ).
("قصص الأنبياء" /ص606-613/مكتبة عباد الرحمن).
فائدة رائعة:
ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة القاضي أبي بكر الباقلاني( ) رحمه الله: سار القاضي رسولا عن أمير المؤمنين إلى طاغية الروم، وجرت له أمور، منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك، ففطن لها القاضي، ودخل بظهره. ومنها: أنه قال لراهبهم: كيف الأهل والأولاد؟ فقال الملك: مه! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا، ولا تنزهون رب العالمين عن الصاحبة والولد! وقيل: إن الطاغية سأله: كيف جرى لزوجة نبيكم ؟ - يقصد توبيخا - فقال: كما جرى لمريم بنت عمران، وبرأهما الله، لكن عائشة لم تأت بولد. فأفحمه اهـ. (راجع "سير أعلام النبلاء" /17/ص190 وما بعدها).
الفصل الرابع: منشأ عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قد تقدم أنه ولد ببيت لحم قريبا من بيت المقدس. –إلى أن ذكر:- قول الله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين [المؤمنون : 50]
وقد اختلف السلف والمفسرون في المراد بهذه الربوة التي ذكر الله من صفتها أنها ذات قرار ومعين، وهذه صفة غريبة الشكل، وهي أنها ربوة وهو المكان المرتفع من الأرض الذي أعلاه مستو يقر عليه وارتفاعه متسع، ومع علوه فيه عيون الماء المعين، وهو الجاري السارح على وجه الأرض فقيل المراد المكان الذي ولدت فيه المسيح وهو نخلة بيت المقدس، ولهذا ناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهو النهر الصغير في قول جمهور السلف، وعن ابن عباس بإسناد جيد أنها أنهار دمشق فلعله أراد تشبيه ذلك المكان بأنهار دمشق. وقيل ذلك بمصر كما زعمه من زعمه من أهل الكتاب ومن تلقاه عنهم، والله أعلم. وقيل: هي الرملة. ("قصص الأنبياء"/ص614-617/مكتبة عباد الرحمن).
الفصل الخامس: من كرامات نبي الله عيسى عليه السلام، ودعوته، وأصحابه
ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله قول الله تعالى: إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة : 110 ، 111]
يذكره تعالى بنعمته عليه وإحسانه إليه في خلقه إياه من غير أب، بل من أم بلا ذكر، وجعله له آية للناس ودلالة على كمال قدرته تعالى ثم إرساله بعد هذا كله وعلى والدتك في اصطفائها واختيارها لهذه النعمة العظيمة؟؟ وإقامة البرهان على براءتها مما نسبها إليه الجاهلون ولهذا قال إذ أيدتك بروح القدس وهو جبريل بإلقاء روحه إلى أمه وقرنه معه في حال رسالته ومدافعته عنه لمن كفر به تكلم الناس في المهد وكهلا أي: تدعو الناس إلى الله في حال صغرك في مهدك وفي كهولتك وإذ علمتك الكتاب والحكمة أي الخط والفهم، نص عليه بعض السلف والتوراة والإنجيل وقوله: وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني أي: تصوره وتشكله من الطين على هيئة الطير عن أمر الله له بذلك فتنفخ فيها تكون طيرا بإذني أي بأمري يؤكد تعالى بذكر الإذن له في ذلك لرفع التوهم.
وقوله وتبرئ الأكمه قال بعض السلف: وهو الذي يولد أعمى ولا سبيل لأحد من الحكماء إلى مداواته والأبرص هو الذي لا طب فيه بل قد مرض بالبرص وصار داؤه عضالا وإذ تخرج الموتى أي: من قبورهم أحياء بإذني. –إلى قوله:-
وقوله وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين وذلك حين أرادوا صلبه فرفعه الله إليه وأنقذه من بين أظهرهم صيانة لجنابه الكريم عن الأذى وسلامة له من الردى. وقوله: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون قيل المراد بهذا الوحي وحي إلهام أي أرشدهم الله إليه ودلهم عليه كما قال وأوحى ربك إلى النحل وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وقيل المراد وحي بواسطة الرسول وتوفيق في قلوبهم لقبول الحق ولهذا استجابوا قائلين: آمنا واشهد بأننا مسلمون.
وهذا من جملة نعم الله على عبده ورسوله عيسى بن مريم أن جعل له أنصاراً وأعواناً ينصرونه ويدعون معه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى لعبده محمد صلى الله عليه وسلم: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال : 62 ، 63]
-ثم ذكر قول الله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله آَمَنَّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِين [آل عمران : 48 - 54].
كانت معجزة كل نبي في زمانه بما يناسب أهل ذلك الزمان، فذكروا أن موسى عليه السلام كانت معجزته مما يناسب أهل زمانه وكانوا سحرة أذكياء، فبعث بآيات بهرت الأبصار وخضعت لها الرقاب، ولما كان السحرة خبيرين بفنون السحر وما ينتهي إليه وعاينوا ما عاينوا من الأمر الباهر الهائل الذي لا يمكن صدوره إلا عمن أيده الله وأجرى الخارق على يديه تصديقا له، أسلموا سراعاً ولم يتلعثموا. وهكذا عيسى بن مريم بعث في زمن الطبائعية الحكماء، فأرسل بمعجزات لا يستطيعونها ولا يهتدون إليها، وأنى لحكيم إبراء الأكمه الذي هو أسوأ حالا من الأعمى، والأبرص والمجذوم ومن به مرض مزمن، وكيف يتوصل أحد من الخلق إلى أن يقيم الميت من قبره ؟ هذا مما يعلم كل أحد معجزة دالة على صدق من قامت به وعلى قدرة من أرسله.
وهكذا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين بعث في زمن الفصحاء البلغاء، فأنزل الله عليه القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فلفظه معجز تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة، وقطع عليهم بأنهم لا يقدرون لا في الحال ولا في الاستقبال، فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا وما ذاك إلا لأنه كلام الخالق عز وجل، والله تعالى لا يشبهه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
والمقصود: أن عيسى عليه السلام لما أقام عليهم الحجج والبراهين استمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم وطغيانهم، فانتدب له من بينهم طائفة صالحة فكانوا له أنصارا وأعوانا قاموا بمتابعته ونصرته ومناصحته، وذلك حين همّ به بنو إسرائيل ووشوا به إلى بعض ملوك ذلك الزمان، فعزموا على قتله وصلبه فأنقذه الله منهم ورفعه إليه من بين أظهرهم وألقى شبهه على أحد أصحابه فأخذوه فقتلوه وصلبوه وهم يعتقدونه عيسى وهم في ذلك غالطون وللحق مكابرون، وسلم لهم كثير من النصارى ما ادعوه، وكلا الفريقين في ذلك مخطئون. قال تعالى: ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين
وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ –إلى قوله تعالى:- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف : 6 - 14].
فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل وقد قام فيهم خطيبا فبشّرهم بخاتم الأنبياء الآتي بعده، ونوّه باسمه، وذكر لهم صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه، إقامة للحجة عليهم وإحسانا من الله إليهم كما قال تعالى: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.
قال محمد بن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالو: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام»( ).
-إلى أن قال:- قال الله تعالى: فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين يحتمل عود الضمير إلى عيسى عليه السلام ويحتمل عوده إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم حرض تعالى عباده المؤمنين على نصرة الإسلام وأهله ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة فقال: يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله أي من يساعدني في الدعوة، إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله وكان ذلك في قرية يقال لها الناصرة فسموا بذلك النصارى قال الله تعالى: فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة يعنى لما دعا عيسى بني إسرائيل وغيرهم إلى الله تعالى منهم من آمن ومنهم من كفر، وكان ممن آمن به أهل أنطاكية بكمالهم فيما ذكره غير واحد من أهل السير والتواريخ والتفسير بعث إليهم رسلا ثلاثة، أحدهم شمعون الصفا فآمنوا واستجابوا وليس هؤلاء هم المذكورون في سورة يس لما تقدم تقريره في قصة أصحاب القرية، وكفر آخرون من بني إسرائيل وهم جمهور اليهود، فأيد الله من آمن به على من كفر فيما بعد، وأصبحوا ظاهرين عليهم قاهرين لهم كما قال تعالى: إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة [آل عمران : 55] الآية.
فكلّ من كان إليه أقرب كان غالبا لمن دونه، ولما كان قول المسلمين فيه هو الحق الذي لا شك فيه، من أنه عبد الله ورسوله كانوا ظاهرين على النصارى الذين غلوا فيه وأطروه وأنزلوه فوق ما أنزله الله به. ولما كان النصارى أقرب في الجملة مما ذهب إليه اليهود فيه عليهم لعائن الله، كان النصارى قاهرين لليهود في أزمان الفترة إلى زمن الإسلام وأهله. ("قصص الأنبياء" / 618-629/مكتبة عباد الرحمن).
الفصل السادس: ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء في حفظ الرب، وبيان كذب اليهود والنصارى في دعوى الصلب قال الله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون [آل عمران : 54 ، 55].
وقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ الله وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء : 155 - 159]
فأخبر تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به، وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان.
قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: كان اسمه داود بن نورا، فأمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار ببيت المقدس، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم ألقى شبهه على بعض أصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة من ذلك البيت إلى السماء، وأهل البيت ينظرون، ودخل الشرط فوجدوا ذلك الشاب الذي ألقى عليه شبهه فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب وضلوا بسبب ذلك ضلالا مبينا كثيرا فاحشا بعيدا.
وأخبر تعالى بقوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، كما بينا ذلك بما ورد فيه من الأحاديث عند تفسير هذه الآية الكريمة من سورة النساء، كما أوردنا ذلك مستقصى في كتاب الفتن والملاحم عند أخبار المسيح الدجال، فذكرنا ما ورد في نزول المسيح المهدي عليه السلام من ذي الجلال لقتل المسيح الدجال الكذاب الداعي إلى الضلال.
وهذا ذكر ما ورد في الآثار في صفة رفعه إلى السماء:
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس( )، قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه، وفي البيت اثنا عشر رجلا منهم من الحواريين، يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني فيكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا. فقال: أنت هو ذاك. فألقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثني عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق، فقالت طائفة: (كان الله فينا ما شاء، ثم صعد إلى السماء). وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: (كان فينا ابن الله ما شاء، ثم رفعه الله إليه) وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة: (كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء، ثم رفعه الله إليه)، وهؤلاء المسلمون.
-ثم ذكر رحمه الله كلام النصارى لعنهم الله:- (أن المسيح جاء إلى مريم وهي جالسة تبكى عند جذعة فأراها مكان المسامير من جسده، وأخبرها أن روحه رفعت وأن جسده صلب). وهذا بهت وكذب واختلاق وتحريف وتبديل وزيادة باطلة في الإنجيل على خلاف الحق ومقتضى الدليل.
-إلى قوله:- أن الروم لم يدخلوا في دين المسيح إلا بعد ثلاثمائة سنة، وذلك في زمان قسطنطين بن قسطنطين باني المدينة المنسوبة إليه على ما سنذكره.
إلى قوله:- وأمرت أم الملك هيلانة فأزيلت تلك القمامة وبنى مكانها كنيسة هائلة مزخرفة بأنواع الزينة، فهي هذه المشهورة اليوم ببلد بيت المقدس التي يقال لها القمامة باعتبار ما كان عندها، ويسمونها القيامة يعنون التي يقوم جسد المسيح منها.
ثم أمرت هيلانة بأن توضع قمامة البلد وكناسته وقاذوراته على الصخرة التي هي قبلة اليهود فلم تزل كذلك حتى فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس، فكنس عنها القمامة بردائه وطهرها من الأخباث والأنجاس، ولم يضع المسجد وراءها ولكن أمامها حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بالأنبياء وهو المسجد الأقصى. ("قصص الأنبياء" / 641-649/مكتبة عباد الرحمن).
الفصل السابع: بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي». (أخرجه البخاري (أحاديث الأنبياء /باب قوله تعالى: واذكر في الكتاب مريم/ (3443)) ومسلم (الفضائل / باب من فضائل عيسى/ (2365))).
الفصل الثامن: سيرة دين المسيح بعد رفع عيسى عليه السلام
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وذكر غير واحد أن الإنجيل نقله عنه أربعة: لوقا، ومتى، ومرقس، ويوحنا، وبين هذه اللأناجيل الأربعة تفاوت كثير بالنسبة إلى كل نسخة ونسخة، وزيادات كثيرة ونقص بالنسبة إلى الأخرى، وهؤلاء الأربعة منهم اثنان ممن أدرك المسيح وراءه وهما: متى، ويوحنا، ومنهم اثنان من أصحاب أصحابه وهما: مرقس، ولوقا.
-إلى قوله:- اختلف أصحاب المسيح عليه السلام بعد رفعه إلى السماء فيه على أقوال، كما قاله ابن عباس وغيره من أئمة السلف كما أوردناه عند قوله: فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين. قال ابن عباس وغيره: قال قائلون منهم: كان فينا عبد الله ورسوله فرفع إلى السماء. وقال آخرون: هو الله. وقال آخرون: هو ابن الله.
فالأول هو الحق، والقولان الآخران كفر عظيم، كما قال: فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم.
وقد اختلفوا في نقل الأناجيل على أربعة أقاويل ما بين زيادة، ونقصان، وتحريف، وتبديل. ثم بعد المسيح بثلاثمائة سنة حدثت فيه الطامة العظمى والبلية الكبرى اختلف البتاركة الأربعة وجميع الأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين في المسيح على أقوال متعددة لا تنحصر ولا تنضبط، واجتمعوا وتحاكموا إلى الملك قسطنطين باني القسطنطينية وهم المجمع الأول( )، فصار الملك إلى قول أكثر فرقة اتفقت على قول من تلك المقالات، فسُمّوا الملكية، ودحض من عداهم وأبعدهم، وتفردت الفرقة التابعة لعبد الله بن أريوس الذي ثبت على أن عيسى عبد من عباد الله ورسول من رسله فسكنوا البراري والبوادي وبنوا الصوامع والديارات والقلايات، وقنعوا بالعيش الزهيد ولم يخالطوا أولئك الملل والنحل. وبنت الملكيةُ الكنائسَ الهائلة، عمدوا إلى ما كان من بناء اليونان فحولوا محاريبها إلى الشرق وقد كانت إلى الشمال إلى الجدي.
]بيان بناء "بيت لحم" و"القمامة"[. وبنى الملك قسطنطين "بيت لحم" على محل مولد المسيح، وبنت أمه هيلانة "القمامة"، يعني على قبر المصلوب وهم يسلمون لليهود أنه المسيح. وقد كفرت هؤلاء وهؤلاء ووضعوا القوانين والأحكام. ومنها: مخالف للعتيقة التي هي التوراة، وأحلوا أشياء هي حرام بنص التوراة ومن ذلك الخنزير، وصلوا إلى الشرق ولم يكن المسيح صلى إلا إلى صخرة بيت المقدس، وكذلك جميع الأنبياء بعد موسى، ومحمد خاتم النبيين صلى إليها بعد هجرته إلى المدينة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم حول إلى الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل. وصوروا الكنائس ولم تكن مصورة قبل ذلك، ووضعوا العقيدة التي يحفظها أطفالهم ونساؤهم ورجالهم التي يسمونها بالأمانة، وهي في الحقيقة أكبر الكفر والخيانة. وجميع الملكية، والنسطورية أصحاب نطورس أهل المجمع الثاني، واليعقوبية أصحاب يعقوب البراذعي أصحاب المجمع الثالث، يعتقدون هذه العقيدة ويختلفون في تفسيرها.
("قصص الأنبياء/"ص657-659/مكتبة عباد الرحمن).
الباب الرابع: حركات التنصير ووسائلها
الفصل الأول: تعريف التنصير
التنصير من: نصّر ينصّر تنصيرا، أي: تصيير شخص نصرانيا، أو إفساد فطرته الإسلامية فصارت إلى الملة النصرانية. عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء» . ثم يقول أبو هريرة رضى الله عنه ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم﴾. (أخرجه البخاري (الجنائز/باب إذا أسلم الصبي/(1359)) ومسلم (القدر/باب معنى كل مولود.../ (2658))).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كذلك العبد يولد على الفطرة سليما ثم يفسد بالتهود و التنصير اهـ. ("مجموع الفتاوى" /8 / ص 48/مكتبة ابن تيمية).
وقال المناوي رحمه الله: (فأبواه) هما اللذان (يهودانه) أي يصيرانه يهوديا بأن يدخلاه في دين اليهودية المحرف المبدل بتفويتهما له (أو ينصرانه) أي يصيرانه نصرانيا (أو يمجسانه) أي يدخلانه المجوسية كذلك بأن يصداه عما ولد عليه ويزينا له الملة المبدلة والنحل الزائفة اهـ. ("فيض القدير" /حرف الكاف / 5/ص 43/رقم (6356)/دار الكتب العلمية).
وقد ذكر الله تعالى حرصهم على تنصير المسلمين بقوله: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين﴾ [البقرة/135]
وفي آيات أخرى.
الفصل الثاني: دعوة رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام ليست تنصيرا
كما سبق في بداية الكتاب أن دين جميع الأنبياء عليهم السلام دين الإسلام، فليسوا من اليهودية ولا من النصرانية. قال الله تعالى: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون [البقرة/131-133]
قال الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله: وتأويل الكلام: أكنتم -يا معشر اليهود والنصارى، المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، الجاحدين نبوته-، حضورَ يعقوبَ وشهودَه إذ حضره الموت، أي إنكم لم تحضروا ذلك، فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل، وتَنحلوهم اليهوديةَ والنصرانية، فإني ابتعثت خليلي إبراهيم -وولده إسحاق وإسماعيل وذريتهم- بالحنيفية المسلمة، وبذلك وصَّوْا بنيهم، وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم. فلو فسمعتم منهم، علمتم أنهم على غير ما نحلتموهم من الأديان والملل من بعدهم. وهذه آيات نزلت، تكذيبا من الله تعالى لليهود والنصارى في دعواهم في إبراهيم وولده يعقوب: أنهم كانوا على ملتهم، فقال لهم في هذه الآية: أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، فتعلموا ما قال لولده وقال له ولده؟ ثم أعلمهم ما قال لهم وما قالوا له اهـ. ("جامع البيان" /1/ ص 562/دار الفكر).
فدعوة جميع الأنبياء عليهم السلام دعوة إسلامية بوحي من الله تعالى. فكذلك عيسى بن مريم عليه السلام. وفي ضمن دعوته أنه بشر أمته بمجيء رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم جاء بأكمل شرائع الإسلام.
بل لو جاء ذلك النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم إليه لا بد له أن يتبعه وينصره. قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران/81، 82].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم، عليه السلام، إلى عيسى، عليه السلام، لَمَهْمَا آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة، وبلغ أيّ مبلَغ، ثم جاءه رسول من بعده، ليؤمنَنَّ به ولينصرَنَّه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته. - إلى أن قال:- قال علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بَعَث محمدًا وهو حَيّ ليؤمنن به ولينصرنه، وأمَرَه أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد [صلى الله عليه وسلم] وهم أحياء ليؤمِنُنَّ به ولينصرُنَّه. ("تفسير القرآن العظيم" /2 / ص 162).
فلما جاء خاتم النبيين سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم صارت دعوته هي الدعوة الإسلامية، وهي ناسخة لما تقدم. فمن ادعى اتباع عيسى عليه السلام، وأعرض عن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كافر، ولم يكن من أتباع عيسى عليه السلام في الحقيقة. فهذا الشخص باتباعه للإنجيل –مع كونه قد بُدّل وحُرّف- هو النصراني، ودعوته دعوة تنصيرية.
الفصل الثالث: تركيز الكلام في هذا الكتاب
وإنما نركّز الكلام على الحركات التنصيرية بعد الحروب الصليبية. فهي: حركة دينية سياسية استعمارية بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب. ("الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة"/الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض/ص159/الطبعة الثانية).
الفصل الرابع: بعض وسائل الحركات التنصيرية
وقد سلك أصحاب هذه الحركات بعض الخطوات واستخدموا بعض الوسائل، منها: مؤتمرات التنصير، كتابات التنصير ونحو ذلك، إنشاء جمعيات التنصير، التطبيب، جانب التعليم، الأعمال الاجتماعية، النسل، إشعال الفتن والانقلابات، إرسال المبشرين، إظهار قوة النصارى، وتقدمهم في وسائل الحياة، والحضارة ليميل إليهم نفوس المسلمين، فيتشبهوا بهم، ويتبعوا خطواتهم. ثم تقارب الأديان، تشويه صورة المسلمين بأنهم أهل الإرهاب والثورة، وسائل الإعلان، إظهار خوارق العادة، التسلل إلى السلطة، التخطيط المالي والاقتصادي، إما أن يدخلوا المسلمين في المسيحية، وإما أن يشككوهم في الإسلام، إظهار المودة والمحبة، ورفع شعارهما، الديمقراطية.
وسيأتي شيء من تفاصيل هذه الوسائل في الأبواب الآتية:
الباب الخامس: مؤتمرات أعيان الحركات التنصيرية
أصحاب الحركات التنصيرية قد نظموا حركاتهم فاجتمعوا في الأوقات المعينة لتوزيع المعلومات وتبادل التجربات وتحصيل التقريرات. كل هذه الاجتماعات كما كان المشركون يجتمعون ليمكروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال الله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال/30]
ومن أخبار مؤتمراتهم الإقليمية والعالمية ما تلي:
- مؤتمر القاهرة عام 1324هـ/ 1906م وقد دعا إليه زويمر بهدف عقد مؤتمر يجمع الإرساليات التبشيرية البروتستانتية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين، وقد بلغ عدد المؤتمرين 62 شخصاً بين رجال ونساء، وكان زويمر رئيساً لهم.
- المؤتمر التبشيري العالمي في أدنبرة باسكوتلندة عام 1328هـ/ 1910م، وقد حضره مندوبون عن 159 جمعية تبشيرية في العالم.
- مؤتمر التبشير في لكهنؤ بالهند عام 1339هـ/ 1911م حضره صموئيل زويمر، وبعد انفضاض المؤتمر وزعت على الأعضاء رقاع مكتوب على أحد وجهيها "تذكار لكهنؤ سنة 1911م"وعلى الوجه الآخر" اللهم يا من يسجد له العالم الإسلامي خمس مرات في اليوم بخشوع أنظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع المسيح".
- مؤتمرات التبشير في القدس: 1- في عام 1343هـ/ 1924م.
2- في عام 1928م مؤتمر تبشيري دولي.
3- في عام 1354هـ/1935م.
4- في عام 1380هـ/ 1961م.
- مؤتمر الكنائس البروتستانتية عام 1974م (1392 هـ) في لوزان بسويسرا.
- وأخطر المؤتمرات مؤتمر كولورادو في 15 أكتوبر 1978م (1396 هـ) تحت اسم (مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين) حضره (150) مشتركاً يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم، استمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق وقدمت فيه بحوث حول التبليغ الشامل للإنجيل. وتقديمه للمسلمين والكنائس الديناميكية في المجتمع المسلم وتجسيد المسيح وتحبيبه إلى قلب المسلم ومحاولات نصرانية جديدة لتنصير المسلمين وتحليل مقاومة واستجابة المسلم واستخدام الغذاء والصحة كعنصرين في تنصير المسلمين وتنشيط دور الكنائس المحلية في تنصير العالم الإسلامي.
وقد انتهى المؤتمر بوضع استراتيجية بقيت سرية لخطورتها مع وضع ميزانية لهذه الخطة مقدارها 1000 مليون دولار، وقد تم جمع هذا المبلغ فعلاً وتم إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى.
- المؤتمر العالمي للتنصير الذي عقد في السويد في شهر أكتوبر 1981م (1399 هـ) تحت إشراف المجلس الفيدرالي اللوثراني الذي نوقشت فيه نتائج مؤتمري لوزان وكولورادو وخرج بدراسة مستفيضة عن التنصير لما وراء البحار بهدف التركيز على دول العالم الثالث.
- ومن مؤتمراتهم كذلك:
1- مؤتمر استانبول.
2- مؤتمر حلوان بمصر.
3- مؤتمر لبنان التبشيري.
4- مؤتمر لبنان بغداد التبشيري.
5- مؤتمر قسنطينة التبشيري في الجزائر وذلك قبل الاستقلال.
- مؤتمر شيكاغو.
- مؤتمر مدارس التبشيري في بلاد الهند، وكان ينعقد هذا المؤتمر كل عشر سنوات.
- مؤتمر بلتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية 1942م (1360 هـ) وهو مؤتمر خطير جداً، وقد حضره من اليهود بن غوريون.
- بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت النصرانية نظاماً جديداً إذ ينعقد مؤتمر للكنائس مرة كل ست أو سبع سنوات متنقلاً من بلد إلى آخر:
1- مؤتمر أمستردام 1948م (1366 هـ)- هولندا.
2- مؤتمر إيفانستون 1954م (1372 هـ)- أمريكا.
3- مؤتمر نيودلهي 1961م (1379 هـ)- الهند.
4- مؤتمر أوفتالا 1967م (1385 هـ)- أوفتالا بأوروبا.
5- مؤتمر جاكرتا 1975م (1393 هـ)- أندونيسيا، وقد اشترك فيه 3000 مبشر نصراني.
("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص163-164/الندوة العالمية).
وفي تاريخ 12 - 15 / 2 / 1987 م : عقد "المؤتمر الإبراهيمي" في قرطبة ، بمشاركة أعداد من اليهود والنصارى ، ومن المنتسبين للإسلام من القاديانيين والإسماعيليين .
وكان انعقاده باسم: "مؤتمر الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية( )" . وافتتح لهذا الغرض معهد باسم: "معهد قرطبة لوحدة الأديان في أوربا". أو : "المركز الثقافي الإسلامي". أو: "مركز قرطبة للأبحاث الإسلامية". وكان متولي ذلك: النصراني: روجيه جارودي. وكانت أهم نقطة في انعقاده، هي: إثبات الاشتراك واللقاء بين عدد من المنتسبين إلى الأديان.
و "مؤتمر شرم الشيخ بمصر" في شهر شوال عام 1416، تركيز كلمات بعض أصحاب الفخامة من المسلمين على الصفة الجامعة بين المؤتمرين ، وهي : "الإبراهيمية" وهو مؤتمر يجمع لفيفا من المسلمين، واليهود، والنصارى، والشيوعيين. ("الإبطال"/للشيخ بكر أبي زيد رحمه الله( )/ص25 و28/مطابع أضواء البيان).
ومن ذلك "مؤتمر السكان والتنمية" المعقود بالقاهرة في : 29 / 3 / 1415 و "المؤتمر العالمي للمرأة" المعقود في بكين عام 1416 طرحوا فيهما: الفكري، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي، وإقامة سوق مشترك، لا تحكمه شريعة الإسلام، ولا سمع فيه، ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة، ولا كسب حلال، فيفشو الربا، وتنتشر المفسدات، وتدجن الضمائر، والعقول، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة، وشريعة مستقيمة. (انظر "الإبطال"/للشيخ بكر رحمه الله/ص40/مطابع أضواء البيان).
الباب السادس: كتب ومنشورات التنصير ونحو ذلك
لهؤلاء المبشرين المنصّرين كتب الإرشاد والمنشورات لتنفيذ أغراضهم، منها:
- جمعت موضوعات مؤتمر القاهرة 1906م (1324 هـ) في كتاب كبير اسمه وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين.
- صنف زويمر كتاباً جمع فيه بعض التقارير عن التبشير أسماه العالم الإسلامي اليوم تحدث فيه عن الوسائل المؤدية للاحتكاك بالشعوب غير المسيحية وجلبها إلى حظيرة المسيح مع بيان الخطط التي يجب على المبشر إتباعها.
- تاريخ التبشير: للمبشر أدوين بلس البروتستانتي.
- كتاب المستر فاردنر: تكلم عن إفريقيا وسبل نشر النصرانية فيها وعوائق ذلك ومعالجاته.
- مجلة إرساليات التبشير البروتستانتية التي تصدر في مدينة بال بسويسرا والتي تحدثت عن مؤتمر أدنبره سنة 1910م (1328 هـ).
- مجلة الشرق المسيحي الألمانية تصدرها جمعية التبشير الألمانية منذ سنة 1910م.
- دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت بعدة لغات حية.
- موجز دائرة المعارف الإسلامية.
("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص165-166/الندوة العالمية(.
وأنه بتاريخ : 10 / 10 / 1416 . أعلن بعضهم عن إصدار كتاب يجمع بين دفتيه : "القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل". ("الإبطال"/للشيخ بكر رحمه الله/ص 28).
هذه الكتابات كلها مكر لإطفاء دين الله الحق. قال الله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف/8]
الباب السابع: إنشاء جمعيات التنصير
لهؤلاء أعداء الله حرص عظيم على جمع الأموال لدعم حركاتهم التنصيرية، فينشطون في إنشاء الجمعيات والمؤسسات التنصيرية التخريبية. ومن تلكم الجمعيات والمؤسسات:
- في عام 1795م (1213 هـ) تأسست جمعية لندن التبشيرية وتبعتها أخريات في إسكوتلانده ونيويورك.
- في سنة 1819م (1237 هـ) اتفقت جمعية الكنيسة البروتستانتية مع النصارى في مصر وكونت هناك إرسالية عهد إليها نشر الإنجيل في إفريقيا.
- جمعية التبشير الكنسية الإنجليزية وهي أهم جمعية بروتستانتية وقد مضى على إنشائها قرابة قرنين من الزمان.
- إرساليات التبشير الأمريكية، أهمها الجمعية التبشيرية الأمريكية والتي يرجع عهدها إلى سنة 1810م (1228 هـ).
- جمعية إرساليات التبشير الألمانية الشرقية، أسسها القسيس لبسيوس سنة 1895م (1313 هـ). وقد بدأ عملها فعلاً سنة 1900م (1318 هـ).
- أسس الإنجليز في سنة 1809م (1227 هـ) الجمعية اللندنية لنشر النصرانية بين اليهود وبدأ عملها بأن ساقت اليهود المتفرقين في شتات الأرض إلى أرض فلسطين.
("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص159-165/الندوة العالمية)
- قامت جمعية نشر المسيحية بين اليهود بإرساله إلى ألمانيا ثم عُيِّن أستاذاً للغة العبرية من (1832 - 1841 م) (1253 - 1262هـ) في جامعة لندن. ("موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية"/عبد الوهاب المسيري رحمه الله /14 /ص 459/ إعداد المكتبة الشاملة).
قلت -وفقني الله-: أضف إلى ذلك ما يلي:
- أنه في تاريخ 12 - 15 / 2 /1987م : عقد "المؤتمر الإبراهيمي" في قرطبة ، بمشاركة أعداد من اليهود والنصارى، ومن المنتسبين للإسلام من القاديانيين والإسماعيليين . وكان انعقاده باسم: "مؤتمر الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية". وافتتح لهذا الغرض معهد باسم : "معهد قرطبة لوحدة الأديان في أوربا" . أو : "المركز الثقافي الإسلامي" . أو : "مركز قرطبة للأبحاث الإسلامية" .
- وكان متولي ذلك : النصراني : روجيه جارودي . وكانت أهم نقطة في انعقاده ، هي : إثبات الاشتراك واللقاء بين عدد من المنتسبين إلى الأديان.
- وفي تاريخ : 21 / 3 مارس / 1987 م تأسست الجماعة العالمية للمؤمنين بالله ، باسم : "المؤمنون متحدون" .
- وفي صيف هذا العام - أيضا - تأسس "نادي الشباب المتدين" .
- وفي شهر إبريل ، منه - أيضا - تأسست جمعية باسم : "الناس متحدون" .
- عمل لهذه المؤسسات ، لوائح ، وأنظمة داخلية ركزت على إذابة الفوارق بين الإسلام ، واليهودية ، والنصرانية ، وتجريد الشخصية الإسلامية من هويتها : "الإسلام ناسخ لما قبله" و "القرآن ناسخ لجميع الكتب قبله ومهيمن عليها" وذلك باسم: "وحدة الأديان" . رأس مال جماعة : "المؤمنون متحدون" وهو : " 000 ، 800 دولار " . في حال حلها تعود أموالها إلى : "الصليب الأحمر" ومؤسسات الصدقات الكنسية.
من عبارات هذه الجمعية الرموز الآتية :
* "رمز الإحسان" هو : مؤسس الصليب الحمر .
* "رمز التطور" هو : داروين .
* "رمز المساواة" هو : كارل ماركس .
* "رمز السلام العالمي للبشرية" و "الإخاء الديني" هو : البابا .
اتخذت هذه الجمعية راية عليها الشعارات الآتية : "شعار الأمم المتحدة" و "قوس قزح"، ورقم " 7 " - رمز النصر عندهم - وهو أيضا اسم أول سفينة اكتشفت القارة الأمريكية ، وحملت رسالة النصرانية إلى هذه القارة .
("الإبطال" /للشيخ بكر أبي زيد/ ص25-27/مطابع أضواء البيان).
استطراد:
قلت –وفقني الله-: كما أن النصارى حريصون على إنشاء الجميعات التنصيرية، فكذلك اليهود وبعض الكفار. وأشدهم حرصا على ذلك هم اليهود الذين قال فيهم الله عز وجل: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون [البقرة : 96]
قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ونحن نرى الآن لهم جمعيات كبيرة وعظيمة، لكن هم يريدون وراء هذه الجمعيات والتبرعات أكثر وأكثر يريدون أن يسيطروا على العالم. ("شرح عقيدة الواسطية"/شرح قوله تعالى: ﴿غلت أيديهم﴾/ص161/دار الغدّ الجديد).
ذكر عبد الوهاب المسيري رحمه الله في كتابه "موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية" (إعداد المكتبة الشاملة) عددا هائلة من أنشطتهم في إنشاء الجمعيات ونحوها لتنفيذ أضراضهم الفاسدة.
الباب الثامن: جانب التطبيب
تقديم الخدمات الطبية بهدف استغلال هذه المهنة في التنصير:
- بول هاريسون له كتاب الطبيب في بلاد العرب يقول: "لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى".
- س.أ. موريسون محرر في مجلة العالم الإسلامي يقول: "وحينئذٍ تكون الفرصة سانحة حتى يبشر هذا الطبيب بين أكبر عدد ممكن من المسلمين في القرى الكثيرة في طول مصر وعرضها".
- المبشرة أيد هاريس تقول: "يجب على الطبيب أن ينتهز الفرصة ليصل إلى أذان المسلمين وقلوبهم".
- المستر هاربر يقول بوجوب الإكثار من الإرساليات الطبية لأن رجالها يحتكون دائماً بالجمهور ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما للمبشرين الآخرين (مؤتمر القاهرة (1906م/1324 هـ)).
- من المبشرين الأطباء: آن أساوودج، فورست، كار نيليوسي فانديك، جورج بوست، وتشالرز كلهون، ماري أوي، الدكتور طومسون. ("الموسوعة" /التنصير/ص166).
وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسسها زويمر كان في حقل التطبيب في منطقة الخليج وتبعاً لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان. ("الموسوعة/"التنصير/ص160/الندوة العالمية).
واستخدموا القاعدة المشهورة عند دهاقنة الاستعمار: حيثما يوجد بشر يوجد مرضى، وحيثما يوجد مرضى تكون الحاجة إلى التطبيب ماسة وهي الفرصة الذهبية لإدخال الخراف إلى الحظيرة المقدسة. (ذكره صاحبا "التبشير والاستعمار في البلاد العربية" الدكتوران مصطفى الخالدي وعمر فروخ/نقله إبراهيم السليمان الجبهان في "ما يجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن النصرانية والتبشير"/ص102 /المطابع الأهلية للأوفست).
الباب التاسع: جانب التعليم
إن أصحاب التنصير يضعون كل ثقلهم في استغلال التعليم وتوجيهه بما يخدم أهدافهم التنصيرية، فمن ذلك:
- إنشاء المدارس والكليات والجامعات والمعاهد العليا وكذلك إنشاء دور للحضانة ورياض للأطفال واستقبال الطلبة في المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية.
- لقد وزعوا خلال مائة وخمسين عاماً ما يزيد عن ألف مليون نسخة من نسخ العهد القديم والجديد مترجمة إلى 1130 لغة عدا النشرات والمجلات التي تبلغ قيمتها بما يقدر بـ 7000 مليون دولار.
- الاستشراق والتنصير يتعاونان تعليمياً في خدمة أهدافهما المشتركة.
- ويعدّ زويمر من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أُسس معهداً باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين.
- كنث كراج : خلف صموئيل زويمر على رئاسة مجلة العالم الإسلامي، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي في هارتيفورد بأمريكا، وهو معهد للمبشرين، ومن كتبه دعوة المئذنة صدر عام 1956م.
- لويس ماسينيون: قام على رعاية التبشير والتنصير في مصر، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما أنه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا.
- دانيال بلس: يقول: "إن كلية روبرت في اسطانبول (الجامعة الأمريكة حالياً) كلية مسيحية غير مستترة لا في تعليمها ولا في الجو الذي تهيئه لطلابها لأن الذي أنشأها مبشر، ولاتزال إلى اليوم لا يتولى رئاستها إلا مبشر.
- الأب شانتور: رَأَسَ الكلية اليسوعية في بيروت زمناً طويلاً أيام الانتداب الفرنسي.
- مستر نبروز: ترأس جامعة بيروت الأمريكية عام 1948م يقول: "لقد أدى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان".
- دون هك كري: كان أكبر شخصية في مؤتمر لوزان التبشيري عام 1974م، وهو بروتستانتي، عمل مبشراً في الباكستان لمدة عشرين سنة، وهو أحد طلبة مدرسة فلر للتبشير العالمي. وبعد مؤتمر كولورادو التبشيري عام 1978م أصبح مديراً لمعهد صموئيل زيمر الذي يضم إلى جانبه داراً للنشر ولإصدار الدراسات المختصة بقضايا تنصير المسلمين ومقرها في كاليفورنيا، وهو يقوم بإعداد دورات تدريبية لإعداد المبشرين وتأهيلهم.
("الموسوعة"/التنصير/ص160-167/الندوة العالمية/الطبعة الثانية).
وفي الاجتماع المغلق الذي عقده الباب شنوده في 5/3/1973 بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، قال: إنه يجب بالنسبة للتعليم العام للشعب المسيحي الاهتمام بالسياسة التعليمية حاليا في الكنائس مع مضاعفة الجهد، خاصة وأن بعض المساجد بدأت تقوم بمهمات تعليمية كالتي تقوم بها كنائسنا، وذلك سيجعل مضاعفة الجهد المبذولة أمرا حتميا حتى تستمر النسبة التي نحصل عليها من مقاعد الجامعات، وخاصة الكليات العلمية. ("ما يجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن النصرانية والتبشير"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص25/المطابع الأهلية للأوفست).
وهم يبذلون عناية خاصة بالأطفال الصغار ويعتبرون دخول الطفل في مدارسهم صيدا ثمينا لا يقدر بمالٍ نظرا لما في الأطفال الصغار من قابلية التشكل بالشكر الذي يريدونه. ولقد قالت مرة مديرة مدرسة إحدى رياض الأطفال التبشيرية: (ليس هناك طريق أقصر إلى هدم حصن الإسلام من هذه المدرسة وأمثالها). (ذكره صاحبا "التبشير والاستعمار في البلاد العربية" الدكتوران مصطفى الخالدي وعمر فروخ/نقله إبراهيم السليمان الجبهان في "ما يجب أن يعرفه المسلم"/ص103 /المطابع الأهلية للأوفست).
الباب العاشر: الأعمال الاجتماعية
من وسائل هذه الحركات التنصيرية أيضا تكثيف الأعمال الاجتماعية استئناسا عند المسلمين. فمن تلكم الأعمال:
- إيجاد بيوت للطلبة من الذكور والإناث.
- إيجاد الأندية.
- الاهتمام بدور الضيافة والملاجىء للكبار ودور لليتامى واللقطاء.
- الاعتناء بالأعمال الترفيهية وحشد المتطوعين لأمثال هذه الأعمال.
- إنشاء المكتبات التبشيرية واستغلال الصحافة بشكل واسع.
- إنشاء مخيمات الكشافة التي تستغل أفضل استغلال في التنصير.
- زيارة المسجونين والمرضى في المستشفيات وتقديم الهدايا والخدمات لهم.
- تكلمت المس ولسون ومس هلداي في مؤتمر القاهرة 1906م (1324 هـ) عن دور المرأة كمبشرة لتقوم بنشر ذلك بين نساء المسلمين المسلمات.
("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص167/الندوة العالمية).
الباب الحادي عشر: التخطيط النسلي
ومن خبث مكرهم أنهم يحثون المسلمين على تحديد النسل، ويخوفونهم بالفقر والفاقة –تقليلا لعددهم-. قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة/268]
ومع ذلك أنهم يحضّون أتباعهم معشر النصارى على العكس. ولا يغني عنهم ذلك شيئا في الحقيقة. قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص/78] وقال جل ذكره: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ الله شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران/10]
في اجتماع البابا شنودة في 5/3/1973م (1391 هـ) مع القساوسة، والأثرياء في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية طرحوا بعض المقررات وقد كان منها تحريم تحديد النسل أو تنظيمه بين شعب الكنيسة وتشجيع الإكثار من النسل بوضع الحوافز والمساعدات المادية والمعنوية مع تشجيع الزواج المبكر بين النصارى. وبالمقابل تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين خاصة علماً بأن أكثر من 65% من الأطباء وبعض القائمين على الخدمات الصحية هم من شعب الكنيسة. ("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص167/الندوة العالمية).
ولكم –حفظكم الله على الإسلام والسنة- تفاصيل ذلك:
قال البابا شنوده في ذلك الاجتماع المغلق: إن الكنيسة تحرم تحديد النسل أو تنظيمه، وتعتبر من يفعل ذلك خارجا عن تعليمات الكنيسة، ومطرودا من رحمة الرب، وقاتلا لشعب الكنيسة ومضيعا لمجده. وقد اتخذت الكنيسة لتحقيق هذه الخطة بالنسة لزيادة عدد المسيحيين ما يأتي:
أ- تحريم تحديد النسل وتنظيمه بين شعب الكنيسة.
ب- تشجيع تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين –خاصة وأن أكثر من (65 %) من الأطباء وبعض الخدمات الصحية هم من شعب الكنيسة.
ج- تشجيع الإكثار من النسل بين شعب الكنيسة بوضع الحوافز والمساعدات المادية والمعنوية للأسر الفقيرة من شعبنا.
د- التنبيه على العاملين بالخدمات الصحية على المستوى الحكومي وغير الحكومي بمضاعفة الخدمات الصحية بين شعبنا المسيحي، وبذل العناية والجهد الوافرين وذلك من شأنه تقليل نسبة الوفيات، بين شعبنا المسيحي على أن يكون تصرفهم غير ذلك مع المسلمين.
هـ- تشجيع الزواج بالسن المبكرة بتخفيض تكاليفه وذلك بتخفيض رسوم فتح الكنائس، ورسوم الإكليل بالكنائس الكائنة بالأحياء الشعبية.
("ما يجب أن يعرفه المسلم"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص25/المطابع الأهلية للأوفست).
الباب الثاني عشر: إشعال الفتن والانقلابات
ومن محاربتهم لأمراء المسلمين أنهم بيّتوا مكراً لزعزعة الأمن والدولة المسلمة، مثال ذلك:
- يعملون على تشجيع الحروب والفتن وذلك لإضعاف الشعوب الإسلامية.
- إثارة الاضطرابات المختلفة بإذكاء نار العداوة والبغضاء وإيقاظ روح القوميات الإقليمية الطائفية الضيقة كالفرعونية في مصر والفينيقية في الشام وفلسطين ولبنان، والآشورية في العراق والبربرية في شمال إفريقيا واستغلال جميع ذلك في التنصير.
- يقول زويمر في مؤتمر التبشير في لكهنؤ بالهند 1911م (1329 هـ) : "إن الانقسام السياسي الحاضر في العالم الإسلامي دليل بالغ على عمل يد الله في التاريخ واستثارة للديانة المسيحية كي تقوم بعملها".
("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص167-168/الندوة العالمية).
استطراد:
العلاقة بين جمال الدين الأفغاني( ) والثورة ضد السلطان عبد الحميد
جمال الدين الأفغاني من المؤيدين للثوار ضد السلطان عبد الحميد، من القوميين الأتراك والعثمانيين عامة. (انظر "الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط" /الفصل السادس/المبحث الثاني / ص 550/دار القيمة).
واشترك فيها جمال الدين الأفغاني وبلنت الإنكليزي وتقضي هذه الخطة بإقضاء الخلافة عن السلطان عبد الحميد وعن العثمانيين عموماً. وبلنت هذا سياسي إنكليز ي يعمل في وزارة الخارجية الإنكليزية، ومؤلف كتاب "مستقبل الإسلام" ودعا فيه صراحة إلى العمل على نزع الخلافة من العثمانيين، وتقليدها للعرب. (نفس المصدر/ص 551).
رغم الأطماع الروسية والحروب الروسية ، ضد الدولة العثمانية واقتطاع الروس لأجزاء من الأراضي العثمانية، فقد كان موقف جمال الدين الأفغاني من مبدأ التوسع الروسي غريباً على مفهوم الجامعة الإسلامية، لأنه يعترف بما للروس من مصالح حيوية وإستراتيجية في الهند، تدفعهم لاحتلالها. وأن ليس لدى الأفغاني اعتراض على هذا الاحتلال إذا حدث، بل ينصح الروس باتباع أسلم السبل وأسهلها لتنفيذه، وذلك بأن يستعينوا بدولة فارس، وبلاد الأفغان، لفتح أبواب الهند، شريطة أن تسهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة. (نفس المصدر/ص 551).
فجمال الدين الأفغاني من أنصار تلك الجمعيات لانقضاء آخر الدولة العثمانية.
الباب الثالث عشر: إرسال المبشرين وتركيز الأماكن
ومن المخططات المحتومة منهم –وهو من أهمّ عناصير الحركات-: إرسال المبشرين مع تركيز الأماكن المستهدفة. ومن أخبارهم ما يلي:
- ريمون لول: أول نصراني تولَّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها إذ إنه قد تعلم اللغة العربية بكل مشقة وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين.
- منذ القرن 15 وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشرون الكاثوليك إلى إفريقيا، وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيرية البروتستانتية إنجليزية وألمانية وفرنسية.
- بيتر هلينغ: احتك بمسلمي سواحل إفريقيا منذ وقت مبكر.
- البارون دوبيتز: حرك ضمائر النصارى منذ عام 1664م (1082 هـ) إلى تأسيس كلية تكون قاعدة لتعليم التبشير المسيحي.
- المستر كاري: فاق أسلافه في مهنة التبشير، وقد ظهر إبّان القرن 18 وبداية 19.
- كان للمبشر هنري مارتن ت 1812م (1230 هـ) يد طولى في إرسال المبشرين إلى بلاد آسيا الغربية، وقد ترجم التوراة إلى الهندية والفارسية والأرمنية.
- دافيد ليفنستون 1813 - 1873م (1231- 1290 هـ): رحالة بريطاني، اخترق أواسط إفريقيا، وقد كان مبشراً قبل أن يكون مستكشفاً.
- في سنة 1849م (1267 هـ) أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام، وقد قامت بتقسيم المناطق بينها.
- وفي سنة 1855م (1273 هـ) تأسست جمعية الشبان المسيحية من الإنجليز والأمريكان، وقد انحصرت مهمتها في إدخال ملكوت المسيح بين الشبان كما يزعمون.
- في سنة 1895م (1313 هـ) تأسست جمعية اتحاد الطلبة المسيحيين في العالم، وهي تهتم بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد مع العمل على بث روح المحبة بينهم (المحبة تعني التبشير بالنصرانية).
- في بنجلاديش إرساليات تبشيرية كثيرة لتنصير المسلمين هناك.
- في كينيا: يعدون لتنصيرها تماماً في عام 2000 ميلادية (1418 هـ) أيضاً.
- إن التنصير يلقي بثقله في ماليزيا ودول الخليج وإفريقيا.
- مجموع الإرساليات الموجودة في 38 بلداً إفريقياً يبلغ 111.000 إرسالية بعضها يملك طائرات تنقل الأطباء والأدوية والممرضات لعلاج المرضى في الغابات وأحراش الجبال.
("الموسوعة الميسرة/"التنصير/ص159-168/الندوة العالمية)
ولقد أوردت مجلة المجتمع في عددها (204) نبأ مفاده أن خمسة وثمانين ألف قسيس يعدون الآن إعداداً تاماً، ويجهزون تجهيزا كاملا للقيام بهجوم شامل على الإسلام تحت المظلة الأمريكية الجديدة، وتطويقاً لحركة الانتعاش الإسلامي. ("ما يجب أن يعرفه المسلم "/إبراهيم السليمان الجبهان/ص29/المطابع الأهلية للأوفست).
بعض النتائج:
- لقد انتشر التنصير وامتد إلى كل دول العالم الثالث.
- إنه يتلقى الدعم الدولي الهائل من أوروبا وأمريكا ومن مختلف الكنائس والهيئات والجامعات والمؤسسات العالمية.
- إنه يلقي بثقله بشكل كثيف حول العالم الإسلامي. إنه يتمركز في أندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش والباكستان وفي إفريقيا بعامة.
- إحصائية 1975م (1393 هـ)في أندونيسيا تكشف بأن فيها 8919 كنيسة لطائفة البروتستانت و3897 قسيساً و8504 مبشرين متفرغين، ولطائفة الكاثوليك 7250 كنيسة و2630 قسيساً و5393 مبشراً متفرغاً وقد وضعوا خطة للانتهاء من تنصيرها في عام 2000 ميلادية.
- في بنجلاديش إرساليات تبشيرية كثيرة لتنصير المسلمين هناك.
- في كينيا: يعدون لتنصيرها تماماً في عام 2000 ميلادية أيضاً.
- إن التنصير يلقي بثقله في ماليزيا ودول الخليج وإفريقيا.
- مجموع الإرساليات الموجودة في 38 بلداً إفريقياً يبلغ 111.000 إرسالية بعضها يملك طائرات تنقل الأطباء والأدوية والممرضات لعلاج المرضى في الغابات وأحراش الجبال.
- يوجد الآن في العالم ما يربو على 220 ألف مبشر منهم 138.000 كاثوليكي والباقي 82.000 بروتستانتي، وفي إفريقيا وحدها 119.000 مبشر ومبشرة ينفقون بليوني دولار سنوياً.
(انتهى إلى هنا من "الموسوعة الميسرة"/ص168/الطبعة الثانية (1409 هـ)).
وزادت "الموسوعة الميسرة" إصدار "المكتبة الشاملة الجديدة" ما يلي:
- يستخدمون سفناً معدة إعداداً خاصاً يسمح بإقامة الحفلات على ظهرها للاستعانة بها في توزيع المطبوعات الكنسية وإقامة الحفلات التي تستغل لأهدافهم الخاصة في التنصير ويعلنون عنها باسم إقامة معرض عائم للكتاب.
قال الله تعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ الله إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب [غافر/4، 5]
وقال جل ذكره: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق/36، 37]
الباب الرابع عشر: إظهار قوة النصارى، وتقدمهم في وسائل الحياة، والحضارة لتميل إليهم نفوس المسلمين
ومن مخططاتهم سلوك أي سبيل لإمالة نفوس المسلمين إليهم. فأظهر أمامهم حسن الحضارة، ورائعة التطورات، وغير ذلك ليتشبه بهم المسلمون، ويتركون دينهم شيئا فشيئا، وقد حصل ذلك كله في جميع البلدان الإسلامية.
لا بد أن يتنبه المسلمون أن أحوال الكفار الدنيوية مهما أعجبتهم فإنها سم خبيث قتّال. قال الله تعالى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا الله يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/100]
قال الإمام السعدي رحمه الله: أي: قُلْ للناس محذرا عن الشر ومرغبا في الخير: لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ من كل شيء، فلا يستوي الإيمان والكفر، ولا الطاعة والمعصية، ولا أهل الجنة وأهل النار، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة، ولا المال الحرام بالمال الحلال. وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فإنه لا ينفع صاحبه شيئا، بل يضره في دينه ودنياه. فَاتَّقُوا الله يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فأمر أُولي الألباب، أي: أهل العقول الوافية، والآراء الكاملة، فإن الله تعالى يوجه إليهم الخطاب. وهم الذين يؤبه لهم، ويرجى أن يكون فيهم خير. ثم أخبر أن الفلاح متوقف على التقوى التي هي موافقة الله في أمره ونهيه، فمن اتقاه أفلح كل الفلاح، ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتته الأرباح اهـ. ("تيسير الكريم الرحمن" / ص 267/دار إحياء التراث).
وقد أخبر الله تعالى عن أهمية الثبات على صراطه المستقيم فقال: فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ الله الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ . وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [الأنعام/125، 126]
وقال تعالى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف/43، 44]
وقال جل وعلا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام/153]
وقال سبحانه وتعالى: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ الله مِنْ كِتَابٍ [الشورى/15]
فالناس في غاية من الافتقار إلى الهداية إلى الصراط المستقيم. وقد أوجب الله عباده المؤمنين أن يسأله إياها في كل ركعة في صلواتهم الخمس. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وقوله : « اهدنا الصراط المستقيم» يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته . وقوله : « غير المغضوب عليهم ولا الضالين» يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطريق الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل . ("الفوائد" /ص 40/مكتبة دار البيان).
ومن أجل هذه الغاية السامية كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابه الشهير العديم النظير – في بابه- "اقتضاء الصراط المستقيم" فقال: وإنما الغرض أن نبين ضرورة العبد وفاقته إلى هداية الصراط المستقيم ، وأن ينفتح باب إلى معرفة الانحراف. ("الاقتضاء" /1 / ص 92/مكتبة الرشد).
الفصل الأول: وما هو الصراط المستقيم؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب : من اعتقادات ، وإرادات ، وغير ذلك ، وأمور ظاهرة : من أقوال ، أو أفعال قد تكون عبادات ، وقد تكون أيضا عادات في الطعام واللباس ، والنكاح والمسكن ، والاجتماع والافتراق ، والسفر والإقامة ، والركوب وغير ذلك . ("اقتضاء الصراط المستقيم" /1 / ص 92).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هدي هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط فمنهم من يمرّ كالبرق ومنهم من يمرّ كالطرف ومنهم من يمرّ كالريح ومنهم من يمرّ كشدّ الركاب ومنهم من يسعى سعياً ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يحبوا حبواً ومنهم المخدوش المسلّم ومنهم المكردس في النار فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا حذو القذة بالقذة جزاءً وفاقاً هل تجزون إلا ما كنتم تعملون
ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك وما ربّك بظلّام للعبيد اهـ ("مدارج السالكين"/المطالب العالية التي اشتملت عليها سورة الفاتحة/1/ص15/دار الحديث).
الفصل الثاني: أهمية مخالفة سبيل الكفار
إن الأدلة القرآنية والنبوية تدل على عظم شأن مخالفة طريقة الكفار. ومن أهمية تلك المخالفة –وفي مضمونها خطر مشابهتهم-:
(1) السلامة من اتباع أهوائهم. قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِين [الجاثية/18، 19]
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد دخل في الذين لا يعلمون : كل من خالف شريعته. وأهواؤهم : هو : ما يهوونه ، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر ، الذي هو من موجبات دينهم الباطل ، وتوابع ذلك ، فهم يهوونه ، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه إلخ ("الاقتضاء" /1 / ص 98/ مكتبة الرشد).
(2) إغاظة الكفار. قال شيخ الإسلام رحمه الله: يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسُرّون به ("اقتضاء"/1 / ص 98/ مكتبة الرشد).
قلت –وفقني الله-: إذا كان الكفار يفرحون بموافقة المسلمين لهم، فمخالفتهم إغاظة لهم.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فعبوديته فيها عبودية خواص العارفين وهي تسمى عبودية المراغمة ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له، وقد أشار سبحانه إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه، أحدها قوله: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة سمى المهاجر الذي يهاجر إلى عبادة الله مراغعماً يراغم به عدو الله وعدوه والله يحب من وليه مراغمة عدوه وإغاظته كما قال تعالى: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين وقال تعالى في مثل رسول الله وأتباعه: ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار فمغايظة الكفار غاية محبوبة للرب مطلوبة له فموافقته فيها من كمال العبودية. وشرع النبي للمصلي إذا سها في صلاته سجدتين وقال: «إن كانت صلاته تامة كانتا ترغمان أنف الشيطان»( ) وفي رواية «ترغيماً للشيطان»( ) وسماها المرغمتين( ).
فمن تعبد الله بمراغمة عدوه فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة ولأجل هذه المراغمة حمد التبختر بين الصفين والخيلاء والتبختر عند صدقة السر.
حيث لا يراه إلا الله لما في ذلك من إرغام العدو وبذل محبوبه من نفسه وماله لله عز و جل. وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأول. وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ ("مدارج السالكين" /1 / ص 316-317/منزلة التوبة/مكتبة الرشد).
(3) ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم ، وأعون على حصول مرضاة الله في تركها. ("الاقتضاء" / 1 / ص 98).
(4) وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره ، فإن من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه ("اقتضاء الصراط المستقيم" /1 / ص 98/مكتبة الرشد).
(5) موافقتهم سبب لعدم موالاة الله ووقايته لفاعله. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاق ("الاقتضاء" /1 / ص 99/ مكتبة الرشد).
(6) موافقتهم سبب الضلالة لقوله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير فيه دليل على أن ملة اليهود والنصارى ليسوا على الهدى، فمن اتبعهم فقد زاغ على الهدى وسقط في الضلال.
(7) موافقتهم سبب لعدم نصر الله لفاعله. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير الآية.
(8) موافقتهم تعتبر ظلمًا. قال تعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
(9) مخالفتهم سلاح المؤمنين لقطع حجة أهل الكتاب عليهم. قال تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة. الآية
قال شيخ الإسلام رحمه الله: قال غير واحد من السلف: معناه : لئلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة ، فيقولون : قد وافقونا في قبلتنا ، فيوشك أن يوافقونا في ديننا، فقطع الله بمخالفتهم في القبلة هذه الحجة ، إذ الحجة : اسم لكل ما يحتج به من حق وباطل. ("الاقتضاء"/1 / ص 99/ مكتبة الرشد).
وقال رحمه الله: فبيّن سبحانه أن من حكمة نسخ القبلة وتغييرها مخالفة الناس الكافرين في قبلتهم ، ليكون ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل ، ومعلوم أن هذا المعنى ثابت في كل مخالفة وموافقة ، فإن الكافر إذا اتُّبع في شيء من أمره كان له في الحجة مثل ما كان أو قريب مما كان لليهود من الحجة في القبلة .("الاقتضاء" /1 / ص 100-101/ مكتبة الرشد).
(10) البعد عن الوقوع في المشابهة هو عين المصلحة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: كلما بعد الرجل عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها ، وهذه مصلحة جليلة . ("الاقتضاء " /1 / ص 101/ مكتبة الرشد).
(11) من وافقهم فهو متوعد بالعذاب لقوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ قال شيخ الإسلام رحمه الله: وما هم عليه من الهدي والعمل ، هو من سبيل غير المؤمنين، بل ومن سبيل المفسدين ، والذين لا يعلمون. ("الاقتضاء" / 1/ ص 102/ مكتبة الرشد).
(12) التشبه بهؤلاء الهالكين سبب الهلاك. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال : «إني فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها » وفي رواية: «ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا ، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم » ]أخرجه البخاري (الرقاق/باب في الحوض/(6590)) ومسلم (الفضائل/باب إثبات حوض نبينا/(2296)) واللفظ له[.
وفي حديث عمرو بن عوف قصة مال البحرين: «أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم ، كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها ، كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم » ]أخرجه البخاري (الرقائق/باب ما يحذر .../(6425)) ومسلم (الزهد والرقائق/باب الدنيا سجن المؤمن/(2961))[.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يخاف فتنة الفقر ، وإنما يخاف بسط الدنيا وتنافسها ، وإهلاكها ، وهذا هو الاستمتاع بالخلاق المذكور في الآية. ("الاقتضاء" /1 / ص 127/ مكتبة الرشد).
(13) مشابهتهم سبب الذمّ من الله ورسوله. قال شيخ الإسلام رحمه الله: فعلم أن مشابهتها اليهود والنصارى، وفارس والروم ، مما ذمّه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ("الاقتضاء" /1 / ص 170/ مكتبة الرشد).
(14) مشابهة الكفار تحقيق لأمانيهم من المسلمين. بعد أن ذكر تفاسير قوله تعالى: لا تقولوا راعنا الآية، قال شيخ الإسلام رحمه الله: فهذا كله يبيّن أن هذه الكلمة نُهي المسلمون عن قولها؛ لأن اليهود كانوا يقولونها - وإن كانت من اليهود قبيحة ومن المسلمين لم تكن قبيحة - لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار، وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم . ("الاقتضاء" /1 / ص 175/ مكتبة الرشد).
(15) مشابهة المسلمين للكفار سبب لمخالفة المسلمين هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ قال شيخ الإسلام رحمه الله: فقول القائل: لست من هذا في شيء، أي لست مشاركاً له في شيء، بل أنا متبرّئ من جميع أموره. وإذا كان قد برأ الله رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع أمورهم؛ فمن كان متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة كان متبرّئاً كتبرّئه، ومن كان موافقاً لهم كان مخالفاً للرسول بقدر موافقته لهم ، فإن الشخصين المختلفين من كل وجه في دينهما، كلما شابهت أحدهما؛ خالفت الآخر. ("الاقتضاء" /1 / ص 176-177/ مكتبة الرشد).
(16) مشابهة المسلمين الكفار سبب الخروج من دائرة بشارة الله بالغلبة. ذلك لأن التشبه تهمّ سبب الموالاة بهم وموادّتهم، وذلك ليس من سِيما حزب الله الذين وعدهم الله بالغلبة. وقال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ ونظائر هذا في غير موضع من القرآن. قال شيخ الإسلام رحمه الله: يأمر سبحانه بموالاة المؤمنين حقاً - الذين هم حزبه وجنده - ويخبر أن هؤلاء لا يوالون الكافرين ولا يوادّونهم . والموالاة والموادة : وإن كانت متعلّقة بالقلب ، لكن المخالفة في الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين ومباينتهم . ("الاقتضاء"/1 / ص 183/ مكتبة الرشد).
(17) وعلى وجه آخر: مخالفة الكفار من عوامل الظهور عليهم. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجّل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون»( ). (رواه أبو داود (2353)) . قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى. وإذا كان مخالفتهم سببا لظهور الدين فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله ، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة. ("الاقتضاء"/1/ ص 209/ مكتبة الرشد).
(18) مخالفة الكفار سبب صلاح المؤمنين وسلامتهم، وحصول النفع لهم. لأن في مخالفتهم من أصحاب الجحيم يعينهم على مباينة أصحاب المرض ومباعدتهم من أعظم أسباب النجاة من ذلك المرض الذي أضرّ من أمراض الأبدان. (1/ ص 197-198/ مكتبة الرشد).
(19) مخالفة الكفار سبب كمال المؤمنين. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وليس شيء من أمورهم إلا وهو إمّا مضرّ أو ناقص؛ لأن ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنسوخة ونحوها ، ولا يتصور أن يكون شيء من أمورهم كاملا قط ، فإذا المخالفة فيها منفعة وصلاح لنا في كل أمورهم حتى ما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم قد يكون مضرًّا بأمر الآخرة أو بما هو أهمّ منه من أمر الدنيا لمخالفة فيه صلاح لنا. ("الاقتضاء"/1 / ص 198/ مكتبة الرشد).
(20) تنبيه مهمّ: قال شيخ الإسلام رحمه الله: وبالجملة فالكفر بمنزلة مرض القلب وأشدّ ومتى كان القلب مريضاً لم يصحّ شيء من الأعضاء صحة مطلقة ، وإنما الصلاح أن لا تشبه مريض القلب في شيء من أموره ، وإن خفي عليك مرض ذلك العضو لكن يكفيك أن فساد الأصل لا بد أن يؤثر في الفرع، ومن انتبه لهذا قد يعلم بعض الحكمة التي أنزلها الله – إلى قوله: - وحقيقة الأمر: أن جميع أعمال الكافر وأموره لا بد فيها من خلل يمنعها أن تتم منفعة بها. ("الاقتضاء" /1 / ص 198-199/ مكتبة الرشد).
(21) مخالفة الكفار سبب السلامة من غضب الله عز وجل. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه». (أخرجه البخاري (الديات/باب من طلب بدم امرئ/(6882)/دار الكتاب العربي)).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن الجاهلية دخل في هذا الحديث. والسنة الجاهلية كل عادة كانوا عليها فإن السنة هي العادة وهي الطريق التي تتكرر لنوع الناس مما يعدونه عبادة ، أو لا يعدونه عبادة قال تعالى : قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم»( ) والاتباع هو الاقتفاء والاستنان ، فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية ، وهذا نصّ عامّ يوجب تحريم متابعة كل شيء من سنن الجاهلية في أعيادهم وغير أعيادهم. ("الاقتضاء"/1/ ص 254/مكتبة الرشد).
وليس المراد بالجاهلية هي مجرّد أعمال العرب قبل البعثة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكذلك كل ما يخالف ما جاءت به المرسلون من يهودية ونصرانية فهي جاهلية. ("الاقتضاء" /1 / ص 258/ مكتبة الرشد).
وقال رحمه الله: فقوله في هذا الحديث : «ومبتغ الإسلام سنة جاهلية»( ) يندرج فيه كل جاهلية مطلقة، أو مقيدة يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، أو صابئة، أو وثنية، أو مركبة من ذلك، أو بعضه، أو منتزعة من بعض هذه الملل الجاهلية فإنها جميعها مبتدعها ومنسوخها صارت جاهلية بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان لفظ الجاهلية لا يقال غالبا إلا على حال العرب التي كانوا عليها فإن المعنى واحد. ("الاقتضاء"/1 / ص 259-260).
(22) مخالفة أصحاب الجحيم أسلم من الإلحاق بهم في الحكم. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ومن تشبه بقوم فهو منهم»( ) قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا إسناد جيد. وقال رحمه الله: وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ- إلى قوله: - وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه ("الاقتضاء"/1 / ص 270-271/ مكتبة الرشد).
وقال رحمه الله: ومعلوم أن المشابهة للشيء لابد أن يتناوله من أحكامه بقدر المشابهة. ("مجموع الفتاوى" /32 / ص 259).
(23) مخالفة أصحاب الجحيم أسلم من الهلاك. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: «القط لي حصى» فلقطت له سبع حصيات، من حصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: «أمثال هؤلاء فارموا»، ثم قال: «أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»( ).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وذلك يقتضي أن مجانبة هديهم مطلقاً أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا، وأن المشارك لهم في بعض هديهم، يخاف عليه أن يكون هالكاً. ("الاقتضاء" /1 / ص 329/ مكتبة الرشد).
(24) قال شيخ الإسلام رحمه الله: فقد تبين لك : أن من أصل دروس دين الله وشرائعه، وظهور الكفر والمعاصي : التشبه بالكافرين، كما أن من أصل كل خير : المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم، ولهذا عظم وقع البدع في الدين، وإن لم يكن فيها تشبه بالكفار، فكيف إذا جمعت الوصفين؟ ("الاقتضاء"/ 1 /ص 198/ مكتبة الرشد).
(25) ومن مؤكّدات أهمية مخالفة أصحاب النقائص -من الأعراب والأعاجم وأهل الكتاب ونحو ذلك من جميع البهائم في خصائصهم-، قال شيخ الإسلام رحمه الله: يؤيد هذا: الوجه الرابع: وهو قوله صلى الله عليه و سلم في الصحيح: «العائد في هبته كالعائد في قيئه ليس لنا مثل السوء»( ) ، ولهذا يذكر أن الشافعي وأحمد تناظرا في هذه المسألة فقال له الشافعي: الكلب ليس بمكلف فقال له أحمد: ليس لنا مثل السوء. وهذه الحجة في نفس الحديث فإن النبي لم يذكر هذا المثل إلا ليبيّن أن الإنسان إذا شابه الكلب كان مذموما وإن لم يكن الكلب مذموماً في ذلك من جهة التكليف ولهذا ليس لنا مثل السوء والله سبحانه قد بيّن بقوله: ساء مثلًا إن التمثيل بالكلب مثل سوء والمؤمن منزّه عن مثل السوء فإذا كان له مثل سوء من الكلب كان مذموماً بقدر ذلك المثل السوء. ("مجموع الفتاوى"/32 /ص 258).
وقال رحمه الله: وبالجملة فالتشبه بالشيء يقتضي من الحمد والذم بحسب الشبه لكن كون المشبه به غير مكلف لا ينفي التكليف عن المتشبه كما لو تشبه بالأطفال والمجانين والله سبحانه أعلم. ("مجموع الفتاوى" /32 / ص 259/ مكتبة ابن تيمية).
(26) ومما يدل على عظم شأن مخالفة أصحاب الجحيم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» ]أخرجه البخاري (الأحاديث الأنبياء/باب ما ذكر عن بني إسرائيل/ (3462)) ومسلم (اللباس/باب في مخالفة اليهود/ (2103))[ وغير ذلك من أدلة الأمر بتغيير لون الشيب. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا اللفظ دل على الأمر بمخالفتهم والنهي عن مشابهتهم فإنه إذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بيض الشيب الذي ليس من فعلنا، فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى ، ولهذا كان هذا التشبه يكون محرما بخلاف الأول. ("الاقتضاء"/1 / ص 303/ مكتبة الرشد).
الباب الخامس عشر: تقارب الأديان
التقارب –بل الوحدة- بين دين الإسلام وغيره من الأديان حرام، فضلا أن يحصل الوحدة. وقد قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران : 71]
قال الإمام قتادة رحمه الله في تفسير الآية: يقول: لِمَ تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أنّ دين الله الذي لا يقبل غيرَه، الإسلام، ولا يجزي إلا به؟( )
وقد أدّى ذلك إلى التسوية بين الإسلام وغيره، كما قد صرح بذلك أصحاب تلك الدعوات. وهذا يعتبر مضادة لكلام الله تعالى. قال الله تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة/18-20]
وقال تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ [غافر/58]
وقال جل ذكره: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص/28]
وذلك أيضا يسبب المحبة لأعداء الله مع أن الله أوجب علينا بغضهم لكفرهم بالله.
قال الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلَا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة/22]
وقال جل ذكره: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ [الممتحنة/4]
هذا هو دين إبراهيم عليه السلام الذين انتسبوا إليه –كذباً وزوراً-. والأدلة كثيرة.
فمن أخبار هؤلاء أصحاب وحدة الأديان كما يلي:
في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري ، وحتى عام 1416 . وفي ظل "النظام العالمي الجديد" : جهرت اليهود ، والنصارى ، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ، وبين المسلمين، وبعبارة أخرى: "التوحيد بين الموسوية ، والعيسوية ، والمحمدية" باسم: "الدعوة إلى التقريب بين الأديان" . "التقارب بين الأديان" . ثم باسم : "نبذ التعصب الديني" . ثم باسم: "الإخاء الديني" وله : فتح مركز بمصر بهذا الاسم. وباسم : "مجمع الأديان" وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم. وباسم : "الصداقة الإسلامية المسيحية". وباسم: "التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية" . ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات: "وحدة الأديان". "توحيد الأديان". "توحيد الأديان الثلاثة" . "الإبراهيمية". "الملة الإبراهيمية". "الوحدة الإبراهيمية". "وحدة الدين الإلهي". "المؤمنون". "المؤمنون متحدون". "الناس متحدون". "الديانة العالمية". "التعايش بين الأديان". "المِلّيُون". "العالمية وتوحيد الأديان".
ثم لحقها شعار آخر، هو "وحدة الكتب السماوية" . ثم امتد أثر هذا الشعار إلى فكرة طبع: "القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل" في غلاف واحد .
ثم دخلت هذه الدعوة في: "الحياة التعبدية العملية"؛ إذ دعا "البابا" إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة: الإسلاميين والكتابيين، وذلك بقرية: " أسِيس" في: "إيطاليا". فأقيمت فيها بتاريخ: 27 / 10 / 1986 م .
ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم : "صلاة روح القدس".
ففي "اليابان" على قمة جبل "كيتو" أقيمت هذه الصلاة المشتركة ، وكان - واحسرتاه - من الحضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة. ("الإبطال" /ص21-23/مطابع أضواء البيان).
تنبيه:
إن محاولة الأعداء المختلفة على تقارب الأديان قديمة. وسأذكر شيئا من ذلك كما يلي:
الفصل الأول: سعي الفلاسفة
سأل الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله أبا عمر أحمد بن محمد بن سعدي المالكي عند وصوله إلى القيروان من ديار المشرق، وكان أبو عمر دخل ببغداد في حياة أبي بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري، فقال له يوماً: هل حضرت مجالس أهل الكلام؟ فقال: بلى. حضرتهم مرتين، ثم تركت مجالسهم ولم أعد إليها. فقال له أبو محمد: ولم؟ فقال: أما أول مجلس حضرته فرأيت مجلساً قد جمع الفرق كلها؛ المسلمين من أهل السنة والبدعة، والكفار من المجوس، والدهرية، والزنادقة، واليهود، والنصارى، وسائر أجناس الكفر، ولكل فرقة رئيس يتكلم على مذهبه، ويجادل عنه، فإذا جاء رئيس من أي فرقه كان، قامت الجماعة إليه قياماً على أقدامهم حتى يجلس فيجلسون بجلوسه، فإذا غص المجلس بأهله، ورأوا أنه لم يبق لهم أحد ينتظرونه، قال قائل من الكفار: قد اجتمعتم للمناظرة، فلا يحتج علينا المسلمون بكتابهم، ولا يقول نبيهم، فإنا لا نصدق بذلك ولا نقر به، وإنما نتناظر بحجج العقل، وما يحتمله النظر والقياس، فيقولون: نعم لك ذلك. قال أبو عمر: فلما سمعت ذلك لم أعد إلى ذلك المجلس، ثم قيل لي ثم مجلس آخر للكلام، فذهبت إليه، فوجدتهم على مثل سيرة أصحابهم سواء، فقطعت مجالس أهل الكلام، فلم أعد إليها. فقال أبو محمد بن أبي زيد: ورضي المسلمون بهذا من الفعل والقول؟ قال أبو عمر: هذا الذي شاهدت منهم، فجعل أبو محمد يتعجب من ذلك، وقال: ذهب العلماء، وذهبت حرمة الإسلام وحقوقه، وكيف يبيح المسلمون المناظرة بين المسلمين وبين الكفار؟ وهذا لا يجوز أن يفعل لأهل البدع الذين هم مسلمون ويقرون بالإسلام، وبمحمد عليه السلام، وإنما يدعى من كان على بدعة من منتحلي الإسلام إلى الرجوع إلى السنة والجماعة، فإن رجع قبل منه، وإن أبى ضربت عنقه؛ وأما الكفار فإنما يدعون إلى الإسلام، فإن قبلوا كف عنهم، وإن أبو وبذلوا الجزية في موضع يجوز قبولها كف عنهم، وقبل منهم، وأما أن يناظروا على أن لا يحتج عليهم بكتابنا، ولا بنبينا، فهذا لا يجوز؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون اهـ. ("جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس"/ص175-176 / دار الكتب الإسلامية)( ).
وقد ذكر الشيخ العلامة محمد خليل هراس رحمه الله مكر الفلاسفة في هذا الباب فقال: ... المصنفات التي يغالي بها أهل البحث ويعتمدون عليها في بحوثهم ودراساتهم مثل "الشفاء"، وهو كتاب لابن سينا يعتبر أهم كتبه كلها لما حواه من أبحاث في المنطق والفلسفة، ومثل رسائل الإخوان وهي رسائل ألفتها جماعة تسمت باسم "أخوان الصفا وخلان الوفا" وتزعم أن رائدها في تأليف هذه الرسائل هو رفع الخلاف بين المذاهب والأديان والتأليف بينها في وحدة منسقة حتى يعيش الناس جميعا في ظلال وحدة إنسانية شاملة، ولذلك جاءت رسائلهم خليطا متنافرا من شتى العقائد فهم يمزجون الإسلام باليهودية والنصرانية والزرادشتية والمانوية والأفلاطونية الحديثة ... إلخ. ومن يقرأ هذه الرسائل ويقف على مدى ما فيها من خلط وتناقض لا يشك في سوء اعتقاد هذه الجماعة وما تهدف إليه من كيد الإسلام، وانخلاع من ربقة الدين وتحلل من قيوده، انتهى المراد. ("شرح نونية ابن القيم"/1/95/دار الكتب العلمية).
الفصل الثاني: سعي الصوفية
قد قال رئيس وحدة الوجود – ابن عربي الملحد-: فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هم عليه. فكن في نفسك هيولي لصور المعتقدات كلها –إلى قوله:- وما ثم إلا الاعتقادات، فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور، وكل مأجور سعيد، وكل سعيد مرضي عنه إلخ ("فصوص الحكم" ص113، نقله الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله في "مصرع التصوف" ص93 بتحقيق وتعليق الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله/دار الإيمان).
وقال الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله في تعليقه على قول ابن عربي (فكن في نفسك هيولي لصور المعتقدات كلها): يريد بها هنا ما يقبل التأثير. يقول الزنديق: اجعل نفسك بحيث تتقبل كل معتقد وترضى به وتعتقد أنه حق، واحذر أن تنكر على المشرك شركه، أو على المجوس مجوسيته، واحذر أن تقيد نفسك بدين خاص وتحارب سواه، فالآلهة المعبودة في كل دين هي في حقيقتها الإله الواحد وإن تك كواكب أو أحجار أو موتى .. وكل عابد لأي منها عابد لله فما ذلك المعبود إلا عين ذات الله!! وتعالى الله عن إفك الزنادقة. (التعليق الأول على "مصرع التصوف" ص93/دار الإيمان).
وعقد الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله في "مصرع التصوف" (ص104/دار الإيمان) عنوان: "رد العراقي على وحدة الأديان"، فقال: وقد قال الإمام زين الدين العراقي رحمه الله: .. وليت شعري ما الفائدة لبعثة الرسل إذا كان من عبد شيئا من المخلوقات عابدا لله تعالى؟! وليت شعري ماذا يقول هذا القائل في نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نهيه عن عبادة الأوثان وكسرها؟! هل يقول: كانوا بعبادتها مصيبين عابدين لله وأنه ما حصل لنبينا و محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتساع، فأنكر عليهم كما قال في حق هارون عليه السلام ولا شك أن الرسل كلهم متفقون في التوحيد. وكأنه –أي ابن عربي وأمثاله- إنما سكت عن ذلك خيفة من السيوف المحمدية. فإن هذه المؤلفات التي كان يُسِرّها إلى أصحابه و يُسِرّها أصحابه إلى أصحابهم، ولو كان حقا لأظهروه على رؤوس الأشهاد اهـ .
وقال الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله في رده على وحدة الأديان عند ابن الفارض: وعلى هذا الأصل المخبث الخبيث – وهو الاتحاد بين جميع الكائنات، وأنه لا غير ولا غيرية في شيء من الوجود- فرّع صحة كل دين لأن الفاعل عنده إنما هو الله، فأبطل دين الإسلام القائل بأن كل ما عداه باطل، انتهى المراد.
ثم ذكر أبيات ابن الفارض في عقيدته وحدة الأديان، ثم قال رحمه الله: قال شراحه: ((إنه مهد في هذه الأبيات أعذار كل فرقة، وأن كل صاحب ملة ونحلة –وإن بطل سعيه- على نصيب من الهدى، فعبّاد النار غير مؤاخذين من جميع الوجوه، بل من وجه دون وجه، ولا لوم على أحد، بل لكل واحد وجه، ومحمل خير يحمل عليه، فكل يعمل على شاكلته، وكذا عابد الأصنام. قالوا: لا تنكر عليه، فإن أنكرت لم يكن إنكارك إلا تعصبا، لأنك لا تنكر على المقبل على الدنيا، مع أنه أقوى شركا من عابد الصنم – وقالوا:- كما أن القرآن نور المساجد فكذلك الإنجيل نور المعابد – وقالوا نحو هذا في التوراة، وفي عابد الشمس: إنه بإثباته عينَ الألوهية لم يكن ناقصا، فقام له عذر من وجه من الوجوه. وذلك كاف للكريم)). ولا يقول بشيء من هذا مسلم. ("مصرع التصوف" ص220 /دار الإيمان).
الفصل الثالث: سعي الحزبيين
للحزبيين دور عظيم جدا في تقارب الأديان وعدة مسمياته، وشغبهم في ذلك كثير جدا، منها (حرّية الاعتقاد) أو (إن عداوتنا من اليهود ليست دينية) أو (لا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجاً كاملا) أو (الأخوة البشرية) أو إنشاء الحزب الإبراهيمي . أو غير ذلك من الادعاءات. وإنما أذكر هنا بعض الأمثلة في ذلك من خلال كلامهم وردود علماء السنة عليهم.
فمن هؤلاء: محمد عبدة. وكان من جهوده في ذلك أن ألّف هو ، وزعيم الطائفة ميرزا باقر الإيراني- الذي تنصّر ثم عاد إلى الإسلام- ومعهم ممثّل جمالِ الأفغاني ، وعدد من رجال الفكر في "بيروت" ألّفوا فيه جمعية باسم : "جمعية التأليف والتقريب" موضوعها التقريب بين الأديان الثلاثة . وقد دخل في هذه الجمعية بعض الإيرانيين ، وبعض الإنجليز ، واليهود ، كما تراه مفصلا في كتاب: "تاريخ الأستاذ الإمام" : 1 / 817 - 829 تأليف محمد رشيد رضا . المتوفى سنة 1354 . ومن جهود محمد عبده في ذلك ، مراسلات بينه ، وبين بعض القساوسة ، كما في كتاب : " الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده : 2 / 363 - 367 " جمع محمد عمارة . وقد جالت مطارحات في هذه النظرية ، بين عدد من المؤيدين ، والمعارضين، بين محمد عبده ، ومحمد حسين هيكل ، والطبيب حسن الهراوي ، وعبد الجواد الشرقاوي ، وذلك في مجلة : " السياسة الأسبوعية بمصر " في الأعداد / 2821 لشهر صفر عام 1351 ، وما بعده . ("الإبطال"/للشيخ بكر أبي زيد رحمه الله / ص 19-20/مطابع أضواء البيان).
من أقوال فضيلة الشيخ أحمد النجمي رحمه الله
قال الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: .. وأن القول بحرّية الاعتقاد ورثه الإخوان المسلمون عن الصوفية القائلين بوحدة الوجود ووحدة الأديان، وذلك يبين ارتباطهم الوثيق بابن عربي وأمثاله من زنادقة الصوفية. ("الرد الشرعي" ص242/دار الآثار).
وقال الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: فتأمل قول الإخوان المسلمين في مصر بحرية الاعتقاد الخاص وحرية التعبد، ووازن بين قولهم هذا وقول ملاحدة الصوفية بوحدة الأديان، ترى أن الإخوان المسلمين مقلدوهم لأولئك الملاحدة ومقتبسون منهم ومقتفون آثارهم إلا أنهم غيروا العبارة، فبدلا أن يقولوا نؤمن بوحدة الأديان قالوا نؤمن بحرية الاعتقاد الخاص، من أجل أن تختلف العبارة فلا ينكر عليهم مع أن المعنى واحد وهو أن الأديان كلها صحيحة فخذ ما شئت ، ودع ما شئت وهذا أسلوب من أخبث أساليب المكر والتضليل والخداع لسلخ المسلمين من إسلامهم وإدخالهم في العقيدة النصرانية أو غيرها من العقائد المنحرفة الضالة إلخ ("الرد الشرعي" ص190/دار الآثار).
ثم ذكر رحمه الله رسالة الأستاذ حسين عبد الهادي بعنوان "دعوة تقارب الأديان في العصر الحاضر" وذكر فيها سعي المؤسسات التبشيرية المنتشرة في العالم الإسلامي في تنصير المسلمين، ثم ذكر سعي النصارى ومن وافقهم من دعاة المسلمين في إنشاء تقارب الأديان منها:
- مؤتمر الأديان في بوركسل عام 1936م (1354 هـ)
- مؤتمر الأديان عام 1936م (1354 هـ) اشترك فيه الأزهر
- المؤتمر الإسلامي النصراني بدعوة من جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية بلبنان عام 1954م (1372 هـ)
- مؤتمر للحوار في عجلون اشترك فيه ممثلون عن الإسلام والنصرانية والهندوكية والبوذية عام 1970م (1388 هـ)
- حوار إسلام نصراني بلبنان عام 1972م (1390 هـ)
- المؤتمر الإسلامي النصراني الأول بأسبانيا عام 1974م (1392 هـ)
- مؤتمر للحوار في تونس عام 1975م (1393 هـ)
- مؤتمر للحوار بين الطرفين في ليبيا عام 1976م (1394 هـ)
- المؤتمر الإسلامي النصراني الثاني بأسبانيا عام 1977م (1395 هـ)
- في سنة 1978م (1396 هـ) تم اللقاء بين وفد من الفاتيكان ووفد من علماء الأزهر.
ثم قال الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: قد تبنى الدعوة إلى تلكم المؤتمرات في الآونة الأخيرة الإخوان المسلمون في السودان، و الإخوان المسلمون في الكويت إلخ ("الرد الشرعي" ص192-194/دار الآثار).
من أقوال الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
وقال الإمام الوادعي رحمه الله: وهكذا السودان فالانتخابات أتت لنا بالترابي ترّب الله وجهه الذي يسب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويسخر منه ويقول: أنا آخذ بقول النصراني في أن الذباب إذا وقع في القهوة أصبّها لأنه يحمل الجراثيم ولا آخذ بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول هذا ويضحك بمعنى أنه يسخر من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأيضًا مسألة الاختلاط والحجاب والدعوة إلى وحدة الأديان.
وبعض الخبثاء يقول: حوار مع الأديان. ولكن الصحف السودانية والترابي عند أن ذهب إلى الخارج يقول: سندعو إلى وحدة الأديان ونضرب بيد من حديد على من وقف في طريقنا. وآخر يقول في الصحيفة وقد قيل له: لماذا اختير السودان بالذات؟ قال: لأن هناك شبهات حول السودان، فنحب أن يعلم الناس أنه لا فرق بين المسلم والنصراني. ورب العزة يقول في كتابه الكريم: أفنجعل المسلمين كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون، ويقول سبحانه وتعالى: أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار. فنقول لأهل الانتخابات: اسمعوا كلام ربّكم فإن الله عز وجل يقول: أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يستوون، ويقول سبحانه وتعالى: أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.("فتح المجيب" / حرمة الانتخابات/ص307 وما بعدها/دار الآثار)
ولما قال يوسف القرضاوي في دعوته إلى الحوار بين الأديان: (نحن نؤمر أن نحاور هؤلاء ونجادلهم بالتي هي أحسن) إلخ (في كتابه "الإسلام والغرب") قال الإمام الوادعي رحمه الله: أعداء الإسلام الحوار معهم يكون بالعلماء الذين يقدِّرون الإسلام ويعتزون بالإسلام. ما يكون الحوار بالانهزاميين الذين بهرتهم حضارة أوربا، أؤلئك سيعرِّضون الإسلام للذلّ، ويعرِّضون الإسلام للمهانة. فلا بد أن يكونوا من علماء السنة من أمثال الشيخ ابن باز حفظه الله تعالى ، والشيخ الألباني حفظه الله تعالى، من أمثال هذين العالمين الفاضلين الجليلين، أما أنت فقد عرف موقفك، وأنك انهزامي، فلا نثق بك ولا نعتمد عليك إلخ ("إسكات الكلب العاوي"/ص41-42/دار الآثار).
الفصل الرابع: سعي اليهود
ومن وسائل اليهود: إنشاء نادي الروتاري، وهي إحدا منظمات الماسونية التي تسيطر عليها اليهودية العالمية. وهي أسسها المحامي بول هاريس في مدينة شيكاغو سنة 1905 م ، ثم انتشر في كثير من دول العالم، حتى إن المؤسس لما مات سنة 1947م فقد امتدت الحركة إلى ثمانين دولة، وأصبح لها 6800 ناد تضم 327000 عضو.
وهذه النادي الماكرة تتظاهر بالعمل الإنساني من أجل تحسين الصلات بين مختلف الطوائف وتتظاهر بأنها تحصر نشاطها في المسائل الاجتماعية والثقافية وتحقق أهدافها عن طريق الحفلات الدورية والمحاضرات والندوات التي تدعو إلى التقارب بين الأديان وإلغاء الخلافات الدينية اهـ. ("الموسوعة الميسرة"/الروتاري/ ص246/ الندوة العالمية).
الفصل الخامس: تحريم الدعوة إلى تقارب الأديان
قد مر بنا كلام بعض العلماء رحمهم الله في تحريم الدعوة إلى تقارب الأديان. وإليكم زيادة على ما تقدم:
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 14 / ص 414):
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى (وحدة الأديان): دين الإسلام، ودين اليهودية، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب.
وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:
أولاً: إن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلَامُ وقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.
ثانياً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر كتب الله نزولا وعهدا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ
ثالثاً: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها قول الله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وقوله جل وعلا: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ وقوله سبحانه: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ الله وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. ولهذا فما كان منها صحيحا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: «أفي شك أنت يا بن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟! لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي » رواه أحمد والدارمي وغيرهما.
رابعاً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيا لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وإنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك، كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وحاكما بشريعته، وقال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. كما أن من أصول الاعتقاد في الاسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وغيرها من الآيات.
خامساً: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافرا ممن قامت عليه الحجة، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال تعالى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ الآية ، وغيرها من الآيات. وثبت في "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار»( ) . ولهذا فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طردا لقاعدة الشريعة: (من لم يكفر الكافر بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر).
سادساً: وأمام هذه الأصول الاعتقادية، والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجر أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وقوله جل وعلا: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً .
سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ويقول جل وعلا: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ.
ثامنا: إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعا، محرمة قطعا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
تاسعاً: وبناء على ما تقدم:
1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.
2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟ فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل). كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ بل هي بيوت يكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى" (22 / 162): (ليست - البيع والكنائس - بيوتا لله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها الكفار، فهي بيوت عبادة الكفار).
عاشرًا: ومما يجب أن يعلم: أن دعوة الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين، بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام، ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا الله وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ الله إِلَيْكَ.
وإن اللجنة إذ تقرر ما تقدم ذكره وتبينه للناس؛ فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة: (وحدة الأديان)، ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سببا في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين، وترويجها بينهم. نسأل الله سبحانه، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راض عنا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب الرئيس // الرئيس //
بكر أبو زيد // صالح الفوزان // عبد العزيز آل الشيخ // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
من أقوال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
وقد سئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله: لقد تزايد المد التنصيري عندنا في الكويت حتى أصبحت كثيراً من الأسر المسلمة تحتفل بأعياد النصارى، وقام بعض الشباب بتقليد النصارى بلباسهم وزيهم وتعليق بعضهم للصليب على صدورهم، فما هو توجيهكم لنا علماً بأننا في بلد يسمح أحياناً بحرّية الأديان؟
الجواب: النصيحة في آية من كتاب الله وهي قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] هذه الآية تكفي لكل مؤمن، ثم إني أحذرهم من تقليد هؤلاء النصارى بقول الله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109] فعليهم ألا يقتفوا بهذا، وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» ولتضرب لهم الأمثال بما فعل النصارى بالمسلمين سواء في العصر الحاضر أو العصور السابقة، وكيف يتولونهم وهم يفعلون بالمسلمين ما يفعلون، بل كيف يتولونهم وهم أعداء الله ورسوله؟! فالإنسان المؤمن حقيقة لا يمكن أن يقلد هؤلاء. أما احتفالهم بأعيادهم فقد قال ابن القيم رحمه الله: إن هذا إن سلم من الكفر ففعله من أكبر المعاصي، وأشدّ من إقرارهم على شرب الخمر؛ لأنهم يحتفلون بهذه الأعياد على أنها أعياد شرعية عندهم، وهي أعياد كفرية لا يجوز للمسلمين أن يحتفلوا بها، ولا أن يرفعوا بها رأساً. قد يقولون مثلاً: ألسنا نهنئكم على عيدكم في الفطر والأضحى؟ فنقول: بلى. لكن عيدنا عيد شرعي مرضي عند الله، وعيدكم عيد كفري مسخوط عند الله، ونحن وأنتم بشر متعبدون بشريعة الله، وكان الواجب عليكم أن تحتفلوا بعيدنا وأن تدخلوا في ديننا، فضلاً عن أن تحتفلوا بعيدكم، أما نحن فمحرم علينا أن ندخل في دينكم ومحرم علينا أن نحتفل بشرائعكم وشعائركم، وعليكم -أيها الإخوة- أنتم في بلادكم أن تكافحوا هذه الفكرة السيئة وأن تتصدوا للرد عليها، إلخ ("لقاءات الباب المفتوح" /144 / ص 10/المكتبة الشاملة).
السؤال: ما رأي فضيلتكم فيما يسمى بالتقريب بين الأديان كأن يكون هناك اجتماع بين المسلمين والنصارى لمحاولة تقوية الروابط بينهم، أو بين المسلمين: أهل السنة والرافضة جزاك الله خيراً؟
الجواب: أرى بارك الله فيك أنه لا يجوز إطلاقاً أن نقر بأن النصارى على دين أو أن اليهود على دين، كلهم لا دين لهم؛ لأن دينهم منسوخ بدين الإسلام، فكوننا نقول: الأديان ما نقر بهذا أبداً، نقول: ليست اليهود على شيء وليست النصارى على شيء، والدين دين الإسلام، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. إذا كان كذلك فهل يمكن أن نقارب بين حق وبين منسوخ؟ لا يمكن، وما ذاك إلا مداهنة كما قال عز وجل: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] نعم إذا كان مقاربة خاصة محدودة بين شخص وآخر، لأجل أن يدعوه إلى دين الإسلام فهذا شيء آخر، لكن أن نداهن ونقول: أنتم يا يهود! على دين، وأنتم يا نصارى! على دين، ونحن على دين؛ والأديان كلها سماوية، فهذا لا يجوز. أولاً: التوراة التي بيد اليهود والإنجيل الذي بيد النصارى محرف مبدل مغير، فهو ليس على ما جاء به الرسل. ثانياً: أنه لو فرض أنهم على ما جاء به الرسل مائة بالمائة فهو منسوخ، والذي يحكم بالأديان ويشرعها هو الله الخالق عز وجل، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله [المائدة:48] فدين اليهود ودين النصارى انتهى ولا قيام له أبداً. أما بالنسبة للشيعة وأهل السنة فكل منهم يقول: إنه مسلم، ولكن يجب أن يوزن ذلك بميزان الحق، وينظر هل الخلاف بينهم كالخلاف بين الشافعي وأحمد وأبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري وغيرهم أو خلاف جذري في العقيدة، إن كان الثاني فلابد أن يدعى هؤلاء إلى دين الإسلام، ويبين لهم أنهم على ضلال، ولا يمكن أن نقارب بين الإسلام وبين ما ليس بإسلام، إلخ ("لقاءات الباب المفتوح" /212 / ص 7/المكتبة الشاملة).
وسئل فضيلة الشيخ: نسمع ونقرأ كلمة، "حرية الفكر"، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟
فأجاب رحمه الله بقوله: تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر،لأن كل من اعتقد أن أحداً يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد، صلى الله عليه وسلم، فإنه كافر بالله - عز وجل - يستتاب، فإن تاب وإلا وجب قتله. والأديان ليست أفكاراً، ولكنها وحي من الله - عز وجل - ينزله على رسله، ليسير عباده عليه، وهذه الكلمة- أعني كلمة فكر - التي يقصد بها الدين: يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية، لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أن يقال عن الإسلام: فكر، والنصرانية فكر، واليهودية فكر - وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية - فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس، والواقع أن الأديان السماوية أديان سماوية من عند الله عز وجل يعتقدها الإنسان على أنها وحي من الله تعبد بها عباده، ولا يجوز أن يطلق عليها "فكر".
وخلاصة الجواب: أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله عز وجل لأن الله تعالى يقول: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه. ويقول: إن الدين عند الله الإسلام. فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن ديناً سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة. اهـ ("مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" / 3 / ص 99/ (459)/دار الثريا).
أقوال فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
ونقل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله: يقول سيد قطب - مع الأسف -: (ولا بد للإسلام أن يحكم، لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال)
أقول –حفظه الله-:
أولاً: هذا الكلام ليس ببعيد عن القول بوحدة الأديان ، فإن تنـزّلنا جدلاً فإنه يسلك في أقوال من يقول بجواز تعدد مصادر التشريع من العلمانيين الذين يعارضهم من يعارضهم من المسلمين بأن المصدر الوحيد للتشريع هو الإسلام فقط، ولا يسلمون للعلمانيين حتى بالقول بأن المصدر الرئيسي للتشريع هو الإسلام .
إن كلام سيد قطب هنا مطلق فلم يقيده بالجانب التشريعي ، فإذا تأوله المتأولون وتمحل له المتمحلون فيقال لهم :
اعترفوا على الأقل أن كلامه هنا يفيد أن المسيحية والشيوعية مصدران رئيسان للتشريع، فإن أصروا وعاندوا فنقول لهم: تأولوا كلام كل أهل الضلال جميعا ، فإنهم كلهم يدعون الإسلام، ولا يقبل منكم تأويل أباطيل سيد قطب وحده إلا بوحي من الله تعالى يخصصه ويميزه على كل من يقول الباطل ويتكلم بالهوى، ولا وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأخبروني بعد ذلك أي فرق بين من يتأول كلام وأباطيل سيد قطب وبين من يتأول لغلاة الروافض ، والصوفية، وطه حسين، وغيرهم من أهل الضلالات الكبرى .
ثانياً: في أي واد طوحت بك السياسة يا سيد قطب عن احترام الإسلام وتنزيهه عن مثل هذا القول الباطل . أين أنت من قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينًا. أين أنت من قول الله تعالى : ألا لله الدين الخالص. أين أنت من قول الله تعالى : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهَ. أين أنت من قول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب فقال: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني»( )
أين أنت من كمال الإسلام وشموليته التي يدركها ويؤمن بها كل فقيه مسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . أهذه هي الحاكمية التي تدعو إليها: المزج الكامل بين الشيوعية والنصرانية ثم تطبيقها على المسلمين؟
إن المصلحين من علماء الإسلام ليدعون جاهدين إلى تخليص الإسلام مما شابه من أخطاء المسلمين بل من أخطاء علماء المسلمين، فكيف يأتي سيد قطب بمثل هذه الدعاوى الخطيرة التي بلغت النهاية في خطورتها ومن أشدها هذه الدعوى بأن الإسلام يصوغ من الشيوعية والنصرانية . . . إلخ .
(نقل الشيخ ربيع عن العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري)
وكذلك سئل العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فاعتبرها دعوة إلى وحدة الأديان ، وهذا نص السؤال والجواب وعليه ختمه وتوقيعه :
بسم الله الرحمن الرحيم .
فضيلة الشيخ المحدث إسماعيل بن محمد الأنصاري حفظكم الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ما رأيكم في رجل يدعي العلم ودرس في الغرب يقول : "إن الإسلام هو العقيدة التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية مزيجا كاملا يحقق أهدافهما ويزيد عليهما بالتوازن والاعتدال"؟ ما حكم هذا القول؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
فإن كلمة ذلك المدعي المذكور كلمة تدعو إلى وحدة الأديان وإلى التقريب بينها، وقد رد أئمة العلماء على القائل بها في كتبهم المعتبرة ومن ضمن تلك الكتب ما يلي:
(1) كتاب "الرد على المنطقيين " لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 282 ).
(2) الجزء الأول من "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص4،5) في الرد على من قال : (كل يعمل في دينه الذي يشتهي ).
(3) "الاقتضاء" في "الرد على البكري" (ص 215) من قال : (المعبود واحد وإن اختلفت الطرق )
(4) "مدارج السالكين " لابن القيم (ج 3 ص 48 4 ).
(5) "منهاج السنة" لابن تيمية .
(6) "رسالة الحميدية في زمن السلطان عبد الحميد"
(7) رد العراقي على الدعوة إلى وحدة الأديان " (ص 111 ) من "مصرع التصوف" .
إسماعيل بن محمد الأنصاري
الأحد 12/11/ 1414 أهـ
(نقل الشيخ ربيع عن الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله)
وسئل الشيخ حماد بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فأجاب :
(إن كان قائل هذا الكلام حيا فيجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان قد مات فيجب أن يبين أن هذا كلام باطل ولا نكفره لأننا لم نقم عليه الحجة).
وسئل علماء آخرون عنها وكانت لهم إجابات قوية .
ثالثاً: ومما تجدر الإشارة إليه أن سيد قطب - وإن كان قد يطعن في النصارى واليهود وغيرهما ، فغالبا ما يكون هذا الطعن من الناحية السياسية، ولكنه في نفس الوقت إذا أغرق في السياسة يظهر منه أمور قد تكون مترسبة في نفسه لم يستطع الخلاص منها مثل قوله في مدح الإسلام في زعمه : (فكرة الإسلام عن وحدة البشرية، ونفيه لعصبية الجنس واللون والوطن ، واعتقاده في وحدة الدين في الرسالات كافة، واستعداده للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء، وحصره لأسباب الخصومة والحرب في الدفاع عن حرية الدعوة، وحرية العقيدة والعبادة)
فما المراد بوحدة البشرية هنا؟
والجواب: أنه لا يتحدث عن وحدة البشرية القائمة على دين الإسلام. وما المقصود من وحدة الدين في الرسالات كافة؟ هل هو يتحدث عن أخوة الأنبياء في عقيدة التوحيد أو يريد استمالة اليهود والنصارى في هذا العصر، كما يتحدث ساسة اليهود والنصارى إلى المسلمين بمثل هذا الأسلوب؟ يؤكد ما أقول قول سيد: (واستعداده- أي الإسلام- للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء) أي في تلاحم ومحبة وود. اهـ
(هذه النقولات كلها من كتاب "العواصم" ص20-25/للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله/مكتبة الفرقان).
فتوى فضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي حفظه الله
سئل فضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي حفظه الله: هل فكرة وحدة الأديان صحيحة أم باطلة؟
فأجاب حفظه الله: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
هذه الفكرة باطلة باتفاق أهل العلم قاطبة، إذ أنه بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يقبل من أحد أن يعبد الله بدين غير دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إذ كل عبادة بغير دين الإسلام فهي باطلة ومردودة على صاحبها، وسواء في ذلك اليهودية أو النصرانية أو أي ملة من الملل المخالفة لدين الإسلام. ومن قال بوحدة الأديان وادعى أن الناس أحرار في اختيار ما يريدون من العقائد، فقوله باطل ومردود عليه لأن الرسالات السماوية ختمت بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو رسول إلى جميع العالمين العرب والعجم بل والإنس والجن لقول الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف/158] وما في معناها من الآيات كثير، وكلها تدل على عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشمولها لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
وإذا كان الأمر كذلك فإن من ادعى أنه يسعه أن يخرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملة أخرى كاليهودية والنصرانية المحرفتين فدعواه باطلة بنصوص الكتاب والسنة ومنها ما يقدم ذكره قريبا.
وقد عدّ أهل السنة والجماعة ادعاء من ادعى أنه يسعه الخروج عن شريعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ناقضاً من نواقض الإسلام، وهو الحق، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اهـ. ("العقد المنضّد الجديد"/2/ص72-73/دار الإتقان السعودية).
قول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله
وقال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله: إن في هذه الآية رداً صريحاً على أولئك الذين ينادون بدون علم إلى دعوة لا تخلو من تشكيك، حيث لم تسلم من لبس، وهي دعوة وحدة الأديان، ومحل اللبس فيها أن هذا القول منه حق، ومنه باطل . أما الحق فهو وحدة الأصول، كما قال تعالى : وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ لدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ لصَّلَوةَ وَيُؤْتُواْ لزَّكَوةَ، وأما الباطل فهو الإبهام، بأن هذا ينجر على الفروع مع الجزم عند الجميع، بأن فروع كل دين قد لا تتفق كلها مع فروع الدين الآخر، فلم تتحد الصلاة في جميع الأديان ولا الصيام، ونحو ذلك. ("تتمة أضواء البيان" للشيخ عطية محمد سالم رحمه الله /2 / ص 282/المكتبة الشاملة).
من أقوال شيخنا المحدث يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
وقال شيخنا العلامة يحيى الحجوري - حفظه الله-: وإن من أعظم الغش ما سمعته من شريط للقرضاوي، يقول فيه عن الكفار: (إن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وأنه لا يدعى عليهم)، وقد رددنا بما يسره الله عز وجل في خطبة الجمعة على هذه المقولة الجائرة الظالم صاحبها. وأيضا من تلك البلاوي في الشريط الذي يدل على محاماة هذا الرجل عن اليهود والنصارى فينفث سمومه ويبث فتنته وينشر بواره ويوزع على الناس ما يراه من محبة الكافرين والدفاع عنهم من طرف خفي. وهذا ليس مبدأ هذا الرجل فحسب، فهو مبدؤه ومبدأ شيخه حسن البنا، ومبدأ جل الإخوان المسلمين، سيما الدعاة منهم إلخ ("شرعية الدعاء على الكافرين"/ ص32/دار البلد الأمين).
وقال حفظه الله في ص16: شأن المنافقين وديدنهم في كل زمان ومكان حماية الكفر وأهله، والوقيعة في الإسلام وأهله، سواء كان هؤلاء الرافضة أو من غيرهم إلخ.
وقد سئل حفظه الله في درس "صحيح البخاري": هل يجوز الحوار مع الكفار لدعوتهم إلى الإسلام؟
وأجاب حفظه الله: الدعوة تكون لجميع الناس. وأما الحوار الذي فعله بعض الناس وسموه الحوار بين الأديان فإنه دعوة إلى دمار، ودعوة إلى ضياع، ودعوة إلى انهيار، وإضعاف الإسلام والمسلمين. اهـ (أو تحو ذلك).
الفصل الثامن: نبذة من آثار حركات وحدة الأديان:
* فمن آثارها : اقتحام العقبة ، وكسر حاجز الهيبة من المسلمين من وجه ، وكسر حاجز النفرة من الكافرين من وجه آخر .
* ومن آثارها : أن قدم : "البابا" نفسه إلى العالم ، بأنه القائد الروحي للأديان جميعا ، وأنه حامل رسالة : "السلام العالمي" للبشرية .
* ومن آثارها : أن "البابا" اعتبر : يوم : 27 / 10 /عام 1986 م عيدا لكل الأديان ، وأول يوم من شهر يناير ، هو : "يوم التآخي" .
* ومن آثارها : اتخاذ نشيد ، يردده الجميع ، أسموه : "نشيد الإله الواحد رب ، وأب" .
* ومن آثارها : أنه انتشر في العالم ، عقد المؤتمرات لهذه النظرية ، وانعقاد الجمعيات ، وتأليف الجماعات الداعية لوحدة الأديان ، وإقامة الأندية ، والندوات اهـ المراد. ("الإبطال"/ للشيخ بكر أبي زيد / ص24-25/مطابع أضواء البيان).
الباب السادس عشر: تشويه صورة المسلمين بأنهم أهل الإرهاب والثورة
من مخططاتهم أيضا : إظهار الصور السيئة للمسلمين في أعين الناس تنفيراً من دين الله الحق. ومن أشهر إشاعاتهم: أن من تمسك بدينه من المسلمين صار "إرهابياً"، "أصوليا"، "قتالا" ، "ثوريا"، "انقلابيا"، وما إلى ذلك من الافتراءات.
هذا كله كذب على الإسلام والمسلمين. بل كان من أصول أهل الإسلام والسنة: وجوب طاعة الأمراء المسلمين. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء/59].
وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون. فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضى وتابع» قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا». (أخرجه مسلم/الإمارة/وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع.../(1854)).
وعن أبي أمامة يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب فى حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم».(أخرجه الترمذى ( 3 / ص238)، صححه الإمام الألباني رحمه الله في "الصحيحة" رقم (867)، وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح" رقم (3154)/دار الآثار).
الأدلة في هذا الباب كثيرة، وقد نقلت بعضها في رسالة "بعض مهمات أهل الإيمان"
ولا يخفى علينا جميعا أن هناك طائفة من المسلمين الذين يكفرون مرتكب الكبائر، ويريدون الانقلابات، فيزعزعون الأمن بالمظاهرات، والاغتيالات، والتفجيرات فهؤلاء هم الذين شوهوا سمعة المسلمين. فهم الخوارج كلاب النار.
عن سَعِيد بْن جُمْهَانَ قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ الله بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ: لِى مَنْ أَنْتَ فَقُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الأَزَارِقَةُ. قَالَ: لَعَنَ الله الأَزَارِقَةُ لَعَنَ الله الأَزَارِقَةُ حَدَّثَنَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّهُمْ كِلاَبُ النَّارِ». قَالَ: قُلْتُ: الأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: بَلَى الْخَوَارِجُ كُلُّهَا. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ وَيَفْعَلُ بِهِمْ. قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِى فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَائْتِهِ فِى بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ وَإِلاَّ فَدَعْهُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ. (أخرجه الإمام أحمد ((19415)/الرسالة) وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" رقم (545) /دار الآثار).
وعن أَبي غَالِبٍ يَقُولُ لَمَّا أُتِىَ بِرُءُوسِ الأَزَارِقَةِ فَنُصِبَتْ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ جَاءَ أَبُو أُمَامَةَ فَلَمَّا رَآهُمْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: «كِلاَبُ النَّارِ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - هَؤُلاَءِ شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ وَخَيْرُ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ هَؤُلاَءِ». قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأْنُكَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: قُلْنَا: أَبِرَأْيِكَ قُلْتَ هَؤُلاَءِ كِلاَبُ النَّارِ، أَوْ شَىْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِنِّى لَجَرِىءٌ بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ ثِنْتَيْنِ وَلاَ ثَلاَثٍ. قَالَ: فَعَدَّ مِرَاراً. (أخرجه الإمام أحمد ((22314)/الرسالة) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" رقم (482) /دار الآثار).
وعن علي رضى الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتى فى آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة». (أخرجه البخاري (المناقب /باب علامات النبوة/(3611)) ومسلم (الزكاة/باب التحريض على قتل الخوارج/(1066))).
ولا يجوز أيضا قتل الكافر المعاهد. عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما». (أخرجه البخارى (الجزية/باب إثم من قتل معاهدا ... /(3166)).
قلت –وفقني الله-: فنحن جميع السلفيين أهل السنة والجماعة بريئون إلى الله تعالى من جميع الخوارج كـ: أسامة بن لادن –وتنظيمه "القاعدة"- وجماعة الجهاد، وحماس، والإخوان المسلمين، وغيرهم.
وليشخنا العلامة المحدث أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله كتاب: "إعلان النكير على أصحاب الانقلاب والتفجير". ولشيخنا الفاضل أبي محمد عبد الحميد بن يحيى بن زيد الحجوري حفظه الله كتاب: "توجيه المسلمين إلى الطرق الشرعية في التعامل مع الخوارج من أصحاب تنظيم القاعدة والحوثيين". وكلا الكتابين كافٍ لبيان عقيدة السلفيين أهل السنة والجماعة في هذا الباب. والحمد لله رب العالمين.
الباب السابع عشر: وسائل الإعلان
وقد ركّزوا كثيرا على الوسائل الإعلانية لتقريب النصرانية إلى أسماع المسلمين وأبصارهم وأذهانهم. ومن أخبارهم ما يلي:
• صموئيل زويمر: رئيس إرسالية التبشير العربية في البحرين ورئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط، كان يتولى إدارة مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية التي أنشأها سنة 1911م وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد. دخل البحرين عام 1890م، ومنذ عام 1894م قدمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل. ("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص160/الندوة العالمية).
• وذكر في مؤتمر عدم الإنحياز في كوالالمبور بأن هناك حوالي 2500 محطة إذاعية بـ 64 لغة قومية تشن هجوماً صريحاً وضارياً ضد الإسلام. ("الموسوعة الميسرة"/ص168).
• يقوم مجلس الكنائس العالمي والفاتيكان وهيئات أخرى بالإشراف والتوجيه والدعم المالي لكافة الأنشطة التنصيرية وتتوفر مصادر تمويل ثابتة من مختلف الحكومات والمؤسسات في الدول الغربية وعن طريق المشروعات الاقتصادية والأراضي الزراعية والأرصدة في البنوك والشركات التابعة لهذه الحركات التنصيرية مباشرة وحملات جمع التبرعات التي يقوم بها القساوسة من حين لآخر. ("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص168/الندوة العالمية).
• ذكر في مؤتمر عدم الإنحياز في كوالالمبور بأن هناك حوالي 2500 محطة إذاعية بـ 64 لغة قومية تشن هجوماً صريحاً وضارياً ضد الإسلام. (نفس المصدر)
الباب الثامن عشر: التنصير بإظهار خوارق العادة
من أساليبهم في تنصير المسلمين إظهار العجائب وخوارق العادة المشعرة بأنهم أولياء رب العالمين، وأن دينهم حق مرضي عند الله. وهذا يلاحظ في خلال احتفالاتهم، وخدماتهم الطبية فتنقلوا من مدينة إلى مدينة بإعلانات مكثفة بما سموه: الطب الإلهي، أو بركة المسيح، أو نحو ذلك.
ولا ينبغي لمسلم عاقل أن يغتر بمجرد خوارق العادة. كل شيء يرد إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومما ينبغي أن يعلم أن سبب ضلال النصارى وأمثالهم من الغالية كغالية العباد والشيعة وغيرهم ثلاثة أشياء:
أحدها: ألفاظ متشابهة مجملة مشكلة منقولة عن الأنبياء، وعدلوا عن الألفاظ الصريحة المحكمة وتمسكوا بها. وهم كلما سمعوا لفظا لهم فيه شبهة تمسكوا به وحملوه على مذهبهم وإن لم يكن دليلا على ذلك، والألفاظ الصريحة المخالفة لذلك، إما أن يفوضوها، وإما أن يتأولوها كما يصنع أهل الضلال يتبعون المتشابه من الأدلة العقلية والسمعية، ويعدلون عن المحكم الصريح من القسمين.
والثاني: خوارق ظنوها آيات وهي من أحوال الشياطين. وهذا مما ضل به كثير من الضلال المشركين وغيرهم مثل دخول الشياطين في الأصنام وتكليمها للناس ومثل إخبار الشياطين للكهان بأمور غائبة ولا بد لهم مع ذلك من كذب ومثل تصرفات تقع من الشياطين
والثالث: أخبار منقولة إليهم ظنوها صدقا وهي كذب، وإلا فليس مع النصارى ولا غيرهم من أهل الضلال على باطلهم لا معقول صريح، ولا منقول صحيح، ولا آية من آيات الأنبياء، بل إن تكلموا بمعقول تكلموا بألفاظ متشابهة مجملة، فإذا استفسروا عن معاني تلك الكلمات وفرق بين حقها وباطلها تبين ما فيها من التلبيس والاشتباه. وإن تكلموا بمنقول فإما أن يكون صحيحا لكن لا يدل على باطلهم، وإما أن يكون غير صحيح ثابت بل مكذوب.
وكذلك ما يذكرونه من خوارق العادات: إما أن يكون صحيحا قد ظهر على يد نبي كمعجزات المسيح ومن قبله كإلياس واليسع وغيرهما من الأنبياء، وكمعجزات موسى فهذه حق.
وإما أن تكون قد ظهرت على يد بعض الصالحين كالحواريين وذلك لا يستلزم أن يكونوا معصومين كالأنبياء فإن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه لا يتصور أن يقولوا على الله إلا الحق ولا يستقر في كلامهم باطل لا عمدا ولا خطأ. وأما الصالحون فقد يغلط أحدهم ويخطىء مع ظهور الخوارق على يديه، وذلك لا يخرجه عن كونه رجلا صالحا ولا يوجب أن يكون معصوما إذا كان هو لم يدع العصمة ولم يأت بالآيات دالة على ذلك. ولو ادعى العصمة وليس بنبي لكان كاذبا لا بد أن يظهر كذبه وتقترن به الشياطين فتضله ويدخل في قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم [الشعراء : 221 ، 222]
والنصارى عندهم منقول في الأناجيل أن الذي صلب ودفن في القبر رآه بعض الحواريين وغيرهم بعد أن دفن قام من قبره رأوه مرتين أو ثلاثا وأراهم موضع المسامير وقال: (لا تظنوا إني شيطان) وهذا إذا كان صحيحا فذاك شيطان ادعى أنه المسيح والتبس على أولئك. ومثل هذا قد جرى لخلق عظيم في زماننا وقبل زماننا كناس كانوا بتَدْمُر فرأوا شخصا عظيما طائرا في الهواء وظهر لهم مرات بأنواع من اللباس وقال لهم: (أنا المسيح ابن مريم) وأمرهم بأمور يمتنع أن يأمر بها المسيح عليه السلام وحضروا إلى( ) عند الناس وبينوا لهم أن ذلك هو شيطان أراد أن يضلهم.
وآخرون يأتي أحدهم إلى قبر من يعظمه ويحسن به الظن من الصالحين وغيرهم فتارة يرى القبر قد انشق وخرج منه إنسان على صورة ذلك الرجل، وتارة يرى ذلك الإنسان قد دخل في القبر، وتارة يراه إما راكبا وإما ماشيا داخلا إلى مكان ذلك الميت كالقبة المبنية على القبر، وتارة يراه خارجا من ذلك المكان ويظن أن ذلك هو ذلك الرجل الصالح. وقد يظن أن قوما استغاثوا به فذهب إليهم ويكون ذلك شيطانا تصور بصورته. وهذا جرى لغير واحد ممن أعرفهم، وتارة يستغيث أقوام بشخص يحسنون به الظن إما ميت وإما غائب فيرونه بعيونهم قد جاء، وقد يكلمهم، وقد يقضي بعض حاجاتهم فيظنونه ذلك الشخص الميت وإنما هو شيطان زعم أنه هو وليس هو إياه. وكثيرا ما يأتي الشخص بعد الموت في صورة الميت فيحدثهم ويقضي ديونا ويرد ودائع ويخبرهم عن الموتى ويظنون أنه هو الميت نفسه قد جاء إليهم وإنما هو شيطان تصور بصورته.
وهذا كثير جدا لا سيما في بلاد الشرك كبلاد الهند ونحوها. ومن هؤلاء من تراه أنت تحت سريره آخذ بيد ابنه في الجنازة، ومنهم من يقول: (إذا متُّ فلا تدعوا أحدا يغلسني، فأنا آتي من هذه الناحية أغسل نفسي) فيأتي بعد الموت شخص في الهواء على صورته يغسله هو والذي أوصاه ويظن ذلك أنه جاء وإنما هو شيطان تصور بصورته. وتارة يرى أحدهم شخصا إما طائرا في الهواء وإما عظيم الخلقة وإما أن يخبره بأشياء غائبة ونحو ذلك ويقول له: (أنا الخضر) ويكون ذلك شيطانا كذب على ذلك الشخص. وقد يكون الرائي من أهل الدين والزهد والعبادة، وقد جرى هذا لغير واحد، وتارة يرى عند قبر نبي أو غيره أن الميت قد خرج إما من حجرته وإما من قبره وعانق ذلك الزائر وسلم عليه، ويكون شيطانا تصور بصورته. وتارة يجيء من يجيء إلى عند قبر ذلك الشخص فيستأذنه في أشياء ويسأله عن أمور فيخاطبه شخص يراه أو يسمع صوتا ولا يرى شخصا ويكون ذلك شيطانا أضله. وقد يرى أشخاصا في اليقظة إما ركبانا وإما غير ركبان ويقولون: (هذا فلان النبي -إما إبراهيم، وإما المسيح، وإما محمد- وهذا فلان الصديق -إما أبو بكر، وإما عمر، وإما بعض الحواريين- وهذا فلان -لبعض من يعتقد فيه الصلاح إما جرجس، أو غيره ممن تعظمه النصارى، وإما بعض شيوخ المسلمين-) ويكون ذلك شيطانا ادعى أنه ذلك النبي أو ذلك الشيخ أو الصديق أو القديس. ومثل هذا يجري كثيرا لكثير من المشركين، والنصارى، وكثير من المسلمين. ويرى أحدهم شيخا يحسن به الظن ويقول: (أنا الشيخ فلان) ويكون شيطانا. وأعرف من هذا شيئا كثيرا، وأعرف غير واحد ممن يستغيث ببعض الشيوخ الغائبين والموتى يراه قد أتاه في اليقظة وأعانه. وقد جرى مثل هذا لي ولغيري ممن أعرفه ذكر غير واحد أنه استغاث بي من بلاد بعيدة وأنه رآني قد جئته. ومنهم من قال: (رأيتك راكبا بلباسك وصورتك) ومنهم من قال: (رأيتك على جبل) ومنهم من قال غير ذلك، فأخبرتهم أني لم أغثهم وإنما ذلك شيطان تصور بصورتي ليضلهم لما أشركوا بالله ودعوا غير الله.
وكذلك غير واحد ممن أعرفه من أصحابنا استغاث به بعض من يحسن به الظن فرآه قد جاءه وقضى حاجته، قال صاحبي: (وأنا لا أعلم بذلك) ومن هؤلاء الشيوخ من يقول إنه يسمع صوت ذلك الشخص المستغيث به ويجيبه وتكون الشياطين أسمعته صوتا يشبه صوت الشيخ المستغيث له فأجابه الشيخ بصوته فأسمعت المستغيث صوتا يشبه صوت الشيخ فيظن أنه صوت الشيخ. وهذا جرى لمن أعرفه واخبر بذلك عن نفسه، وقال بقي الجني الذي يحدثني يبلغني مثل صوت المستغيثين بي ويبلغهم مثل صوتي ويريني في شيء أبيض نظير ما أسأل عنه فأخبر به الناس أني رأيته وأنه سيأتي ولا أكون قد رأيته، وإنما رأيت شبيهه. وهكذا تفعل الجن بمن يعزم عليهم ويقسم عليهم.
وكذلك ما رآه قسطنطين من الصليب الذي رآه من نجوم( ) والصليب الذي رآه مرة أخرى هو مما مثله الشياطين وأراهم ذلك ليضلهم به، كما فعلت الشياطين ما هو أعظم من ذلك بعباد الأوثان. وكذلك من ذكر أن المسيح جاءه في اليقظة وخاطبه بأمور كما يذكر عن بولس، فإنه إذا كان صادقا كان ذلك الذي رآه في اليقظة وقال إنه المسيح شيطانا من الشياطين كما جرى مثل ذلك لغير واحد.
والشيطان إنما يضل الناس ويغويهم بما يظن أنهم يطيعونه فيه فيخاطب النصارى بما يوافق دينهم ويخاطب من يخاطب من ضلال المسلمين بما يوافق اعتقاده وينقله إلى ما يستجيب لهم فيه بحسب اعتقادهم. ولهذا يتمثل لمن يستغيث من النصارى بجرجس في صورة جرجس، أو بصورة من يستغيث به النصارى من أكابر دينهم، إما بعض البطاركة، وإما بعض المطارنة، وإما بعض الرهبان، ويتمثل لمن يستغيث به من ضلال المسلمين بشيخ من الشيوخ في صورة ذلك الشيخ كما تمثل لجماعة ممن أعرفهم في صورتي وفي صورة جماعة من الشيوخ الذين ذكروا في ذلك ويتمثل كثيرا في صورة بعض الموتى، تارة يقول: (أنا الشيخ عبد القادر) وتارة يقول: (أنا الشيخ أبو الحجاج الأقصري)، وتارة يقول: (أنا الشيخ عدي)، وتارة يقول: (أنا أحمد بن الرفاعي)، وتارة يقول: (أنا أبو مدين المغربي). وإذا كان يقول: (أنا المسيح أو إبراهيم أو محمد) فغيرهم بطريق الأولى. والنبي قال: «من رآني في المنام فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي»( ). وفي رواية: «في صورة الأنبياء».
فرؤيا الأنبياء في المنام حق. وأما رؤية الميت في اليقظة فهذا جني تمثل في صورته. وبعض الناس يسمي هذا "روحانية الشيخ" وبعضهم يقول: (هي رفيقه) وكثير من هؤلاء يرى يقوم من مكانه ويدع في مكانه صورة مثل صورته، وكثير من هؤلاء ومن هؤلاء من يقول: يرى في مكانين ويرى واقفا بعرفات، وهو في بلده لم يذهب فيبقى الناس الذين لا يعرفون حائرين، فإن العقل الصريح يعلم أن الجسم الواحد لا يكون في الوقت الواحد في مكانين. والصادقون قد رأوا ذلك عيانا لا يشكون فيه. ولهذا يقع النزاع كثيرا بين هؤلاء وهؤلاء كما قد جرى ذلك غير مرة: وهذا صادق فيما رأى وشاهد، وهذا صادق فيما دل عليه العقل الصريح، لكن ذلك المرئي كان جنيا تمثل بصورة الإنسان. والحسيات إن لم يكن معها عقليات تكشف حقائقها وإلا وقع فيها غلط كبير( ).
وهذا القسم المشهود في الخارج غير ما يتخيله الإنسان في نفسه فإن هذا يعرفه جميع الناس ويصوبه جميع العقلاء يتخيلون أشياء في أنفسهم كما يتخيله النائم في منامه وتكون تلك الصورة موجودة في الخيال لا في الخارج.
والفلاسفة وسائر العقلاء يعترفون بهذا لكن كثير من الفلاسفة يظن أن ما رأته الأنبياء من الملائكة وما سمعته من الكلام كان من هذا النوع ويظنون أن ما يرى من الجن هو من هذا النوع وهؤلاء جهال غالطون في هذا، كما جهلوا وغلطوا في ظنهم أن خوارق العادات سببها قوى نفسانية أو طبيعية أو قوى فلكية وأن الفرق بين النبي والساحر إنما هو حسن قصد هذا وفساد قصد الآخر، وإلا فكلاهما خوارق سببها قوى نفسانية أو فلكية. وهذا النفي باطل كما قد بسطنا الكلام عليه وبينا جهل هؤلاء وضلالهم في غير هذا الموضع.
والذين شاهدوا ذلك في الخارج وثبت عندهم بالأخبار الصادقة المتواترة وجود ذلك في الخارج يعلمون أن هؤلاء جاهلون ضالون ويعلمون أن الملائكة تظهر في صورة البشر كما ظهرت لإبراهيم، ولوط، ومريم في صورة البشر، وكما كان جبريل يظهر للنبي تارة في صورة دحية الكلبي، وتارة في صورة أعرابي ويراه كثير من الناس عيانا. وما في خيال الإنسان لا يراه غيره. وكذلك كما ظهر إبليس للمشركين في صورة الشيخ النجدي وظهر لهم يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فلما رأى الملائكة هرب. قال تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ الله وَالله شَدِيدُ الْعِقَاب [الأنفال : 48]
وروي عن ابن عباس( ) وغيره( ) قال: تبدى إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم وأقبل جبريل عليه السلام على إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده وولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل: يا سراقة أتزعم أنك لنا جار فقال: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب.
قال ابن عباس: وذلك لما رأى الملائكة( ) قال الضحاك: سار الشيطان معهم برايته وجنوده وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دينكم ودين آبائكم.
وكثير من الناس تحمله الجن إلى مكان بعيد فتحمل كثيرا من الناس إلى عرفات وغير عرفات وإذا رأى واحد من هؤلاء في غير بلده يكون تارة محمولا قد حملته الجن وتارة تصورت على صورته. ولا يكون هذا من أولياء الله المتقين الذين لهم كرامات بل قد يكون من الكافرين أو الفاسقين وأعرف من ذلك قضايا كثيرة، ليس هذا موضع تفصيلها.
وعند المشركين والنصارى من ذلك شيء كثير يظنونه من جنس الآيات التي للأنبياء، إنما هي من جنس ما للسحرة والكهان ومن لم يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ويفرق بين معجزات لأنبياء وكرامات الصالحين وبين خوارق السحرة والكهان ومن تقترن بهم الشياطين، وإلا التبس عليه الحق بالباطل. فأما أن يكذب بالحق الذي جاء به الأنبياء الصادقون وأما أن يصدق بالباطل الذي يقوله الكاذبون والغالطون.
وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر والمقصود هنا التنبيه على هذا الأصل، وعلماء النصارى يسلمون هذا وعندهم من ذلك أخبار كثيرة من حكايات أولياء الشيطان الذين عارضهم أولياء الرحمن، وأبطلوا أحوالهم كما أبطل موسى صلوات الله عليه ما عارضته به السحرة من الخوارق كما ذكر ذلك في التوراة، وكما يذكرونه عن فلان وفلان مثل حكاية سيمون الساحر مع الحواريين وغير ذلك. وإذا كان هذا معلوما كان ما يذكرونه من هذا الجنس إذا كان مخالفا لما ثبت عن الأنبياء من الشيطان فلا يجوز أن يحتج به على ما يخالف شرائع الأنبياء الثابتة عنهم، بل هؤلاء من جنس الدجال الكبير الذي أنذرت به الأنبياء كلهم حتى نوح أنذر قومه وقال خاتم الرسل: ما من نبي إلا قد أنذر أمته حتى نوح أنذر قومه. وسأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لأمته: إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر ك ف ر يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ. وقال: واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت( ).
وقد أخبر أن المسيح عيسى بن مريم مسيح الهدى ينزل إلى الأرض على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيقتل مسيح الضلالة( ) وهذا هو الذي تنتظره اليهود ويجحدون المسيح عيسى بن مريم ويقولون هذا هو الذي بشرت به الأنبياء ويتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفا مطيلسين( ) ويقتلهم المسلمون مع عيسى بن مريم شر قتلة حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال اقتله( ) وكل هذا ثابت في "الصحيح" عن النبي، ولهذا أمر أمته أن يستعيذوا بالله من فتنته فقال: إذا قعد أحدكم في التشهد في الصلاة فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال( ).
والأنبياء كلهم أنذروا بالكذابين الذين يتشبهون بالأنبياء لكن من الناس من يتعمد الكذب وكثير منهم لا يتعمد بل يلتبس عليه فيغلط فيخبر بما يظنه حقا ولا يكون كذلك ويرى في اليقظة ما يظنه فلانا الولي أو النبي أو الخضر ولا يكون كذلك.
والغلط جائز على كل أحد إلا الأنبياء عليهم السلام فإنهم معصومون لا يقرون على خطأ فمن لم يزن علونه وأعماله وأقواله وأفعاله بالمعلوم عن الأنبياء وإلا كان ضالا فنسأل الله العظيم أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والمسلمون وأهل الكتاب متفقون على إثبات مسيحين مسيح هدى من ولد داود ومسيح ضلال يقول أهل الكتاب إنه من ولد يوسف ومتفقون على أن مسيح الهدى سوف يأتي كما يأتي مسيح الضلالة لكن المسلمون والنصارى يقولون مسيح الهدى هو عيسى بن مريم، وإن الله أرسله ثم يأتي مرة ثانية لكن المسلمون يقولون إنه ينزل قبل يوم القيامة فيقتل مسيح الضلالة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير( ) ولا يبقى دين إلا دين الإسلام، ويؤمن به أهل الكتاب اليهود والنصارى كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء : 159]
والقول الصحيح الذي عليه الجمهور: قبل موت المسيح. وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف : 61]
وأما النصارى فتظن أنه الله وأنه يأتي يوم القيامة لحساب الخلائق وجزائهم وهذا مما ضلوا فيه واليهود تعترف بمجيء مسيح هدى يأتي، لكن يزعمون أن عيسى عليه السلام لم يكن مسيح هدى لظنهم أنه جاء بدين النصارى المبدل ومن جاء به فهو كاذب وهم ينتظرون المسيحين. ("الجواب الصحيح" /1 / ص309-317/دار ابن الهيثم).
ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله: والخوارق التي تضل بها الشياطين لبني آدم مثل تصور الشيطان بصورة شخص غائب أو ميت ونحو ذلك ضلّ بها خلق كثير من الناس من المنتسبين إلى المسلمين أو إلى أهل الكتاب وغيرهم وهم بنوا ذلك على مقدمتين:
إحداهما: أن من ظهرت هذه على يديه فهو "ولي لله" وبلغة النصارى هو "قديس عظيم"
الثانية: أن من يكون كذلك فهو معصوم، فكل ما يخبر به فهو حق، وكل ما يأمر به فهو عدل، وقد لا يكون ظهرت على يديه خوارق لا رحمانية ولا شيطانية ولكن صنع حيلة من حيل أهل الكذب والفجور، وحيل أهل الكذب والفجور كثيرة جدا فيظن أن ذلك من العجائب الخارقة للعادة ولا يكون كذلك مثل الحيل المذكورة عن الرهبان.
وقد صنف بعض الناس مصنفا في حيل الرهبان مثل الحيلة المحكية عن أحدهم في جعل الماء زيتا بأن يكون الزيت في جوف منارة فإذا نقص صب فيها ماء فيطفو الزيت على الماء فيظن الحاضرون أن نفس الماء انقلب زيتا.
ومثل الحيلة المحكية عنهم في ارتفاع النخلة وهو أن بعضهم مَرَّ بدير راهب وأسفل منه نخلة فأراه النخلة صعدت شيئا شيئا حتى حاذت الدير فأخذ من رطبها ثم نزلت حتى عادت كما كانت فكشف الرجل الحيلة فوجد النخلة في سفينة في مكان منخفض إذا أرسل عليه الماء امتلأ حتى تصعد السفينة وإذا صرف الماء إلى موضع آخر هبطت السفينة.
ومثل الحيلة المحكية عنهم في التكحل بدموع السيدة يضعون كحلا في ماء متحرك حركة لطيفة فيسيل حتى ينزل من تلك الصورة فيخرج من عينها فيظن أنه دموع.
ومثل الحيلة التي صنعوها بالصورة التي يسمونها "القونة بصيدنايا" وهي أعظم مزاراتهم بعد "القمامة" و"بيت لحم" حيث ولد المسيح وحيث قبر فإن هذه صورة السيدة مريم وأصلها خشبة نخلة سقيت بالأدهان حتى تنعمت وصار الدهن يخرج منها دهنا مصنوعا يظن أنه من بركة الصورة.
ومن حيلهم الكثيرة النار التي يظن عوامهم أنها تنزل من السماء في عيدهم في "قمامة" وهي حيلة قد شهدها غير واحد من المسلمين والنصارى ورأوها بعيونهم أنها نار مصنوعة يضلون بها عوامهم يظنون أنها نزلت من السماء ويتبركون بها وإنما هي صنعة صاحب محال وتلبيس.
ومثل ذلك كثير من حيل النصارى فجميع ما عند النصارى المبدلين لدين المسيح من الخوارق إما حال شيطاني، وإما محال بهتاني ليس فيه شيء من كرامات الصالحين( ).
وكذلك أهل الإلحاد المبدلين لدين محمد الذين يتخذون دينا لم يشرعه الله ورسوله ويجعلونه طريقا إلى الله وقد يختارونه على الطريق التي شرعها الله ورسوله مثل أن يختاروا سماع الدفوف والشبابات على سماع كتاب الله تعالى فقد يحصل لأحدهم من الوجد والغرام الشيطاني ما يلبسه معه الشيطان حتى يتكلم على لسان أحدهم بكلام لا يعرفه ذلك الشخص إذا أفاق كما يتكلم الجني على لسان المصروع. وقد يخبر بعض الحاضرين بما في نفسه، ويكون ذلك من الشيطان، فإذا فارق الشيطان ذلك الشخص لم يدر ما قال. ومنهم من يحمله الشيطان ويصعد به قدام الناس في الهواء، ومنهم من يشير إلى بعض الحاضرين فيموت أو يمرض أو يصير مثل الخشبة، ومنهم من يشير إلى بعض الحاضرين فيلبسه الشيطان ويزول عقله حتى يبقى دائرا زمانا طويلا بغير اختياره.
ومنهم من يدخل النار ويأكلها ويبقى لهبها في بدنه وشعره، ومنهم من تحضر له الشياطين طعاما أو شيئا من لادن أو سكر أو زعفران أو ماء ورد ومنهم من تأتيه بدراهم تسرقها الشياطين من بعض المواضع، ثم من هؤلاء من إذا فرق الدراهم على الحاضرين أخذت منهم فلا يمكنون من التصرف فيها إلى أمور يطول وصفها. وآخرون ليس لهم من يعينهم على ذلك من الشياطين فيصنعون حيلا ومخاريق.
فالملحدون المبدلون لدين الرسل دين المسيح أو دين محمد صلى الله عليهما وسلم هم كأمثالهم من أهل الإلحاد والضلال الكفار المرتدين والمشركين ونحوهم، كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والحارث الدمشقي وبابا الرومي وغيرهم ممن لهم خوارق شيطانية.
وأما أهل الحيل فيكثرون وهؤلاء ليسوا أولياء الله بل خوارقهم إذا كانت شيطانية من جنس خوارق الكهنة والسحرة لم يكن لهم حال شيطاني بل محال بهتاني فهم متعمدون للكذب والتلبيس بخلاف من تقترن به الشياطين، فإن فيهم من يلتبس عليه فيظن أن هذا من جنس كرامات الصالحين كما أن فيهم من يعرف أن ذلك من الشياطين ويفعله لتحصيل أغراضه، فالمقصود أنه كثير من الخوارق ما يكون من الشياطين أو يكون حيلا ومخاريق، ويظن أنها من كرامات الصالحين فإن ما يكون شبيه الشرك أو الفجور إنما يكون من الشيطان، مثل أن يشرك الرجل بالله فيدعو الكواكب أو يدعو مخلوقا من البشر ميتا أو غائبا أو يعزم ويقسم بأسماء مجهولة لا يعرف معناها أو يعرف أنها أسماء الشياطين أو يستعين بالفواحش والظلم فإن ما كان هذا سببه من الخوارق فهو من الشيطان كما قد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.
والصالحون لهم كرامات مثل كرامات صالحي هذه الأمة، ومثل كرامات الحواريين وغيرهم ممن كان على دين المسيح. لكن وجود الكرامات على أيدي الصالحين لا توجب أن يكونوا معصومين كالأنبياء لكن يكون الرجل صالحا وليا لله وله كرامات، ومع هذا فقد يغلط ويخطىء فيما يظنه أو فيما يسمعه ويرويه أو فيما يراه أو فيما يفهمه من الكتب. ولهذا كان كل من سوى الأنبياء يؤخذ من قولهم ويترك بخلاف الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فإنه يجب تصديقهم في كل ما أخبروا به من الغيب وطاعتهم في كل ما أمروا به. ولهذا أوجب الله الإيمان بما أوتوه ولم يوجب الإيمان بجميع ما يأتي به غيرهم انتهى المراد. ("الجواب الصحيح" /1 / ص317-320/دار ابن الهيثم).
قلت –وفقني الله-: بهذا البيان الواسع الواضح الفاضح من شيخ الإسلام رحمه الله انجلى غطاء هؤلاء أصحاب التنصير الذين حاولوا جادين على زعزعة إيمان المسلمين من طريق خوارق العادة، والحمد لله.
الباب التاسع عشر: التسلل إلى السلطة
في الاجتماع المغلق الذي عقده الباب شنوده في 5/3/1973 بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، قال إنه سيتقدم بعدد مطالب رسميا إلى الحكومة وهي:
1- أن يصبح مركز البابا الرسمي في البروتوكول السياسي للدولة بعد رئيس الجمهورية وقبل رئيس الوزراء.
2- أن يخصص لهم ثمانية وزارات في الوزارة.
3- أن يحدد لهم ربع القيادات العليا في الجيش والبوليس
4- أن يخصص لهم ربع القيادات المدنية كرؤساء مجالس المؤسسات والشركات والمحافظين، ووكلاء الوزارات، والمديرين، ورؤساء مجالس المدن.
5- أن يؤخذ رأي البابا عند شغل هذه النسبة في الوزارات والمراكز العسكرية والمدنية الرئيسية، وسيكون له حق ترشيح بعض العناصر والتعديل.
6- أن يسمح لهم بإقامة إذاعة خاصة بهم في تمويلهم الخاص.
7- أن يسمح بإقامة جامعة خاصة بهم، وقد وضعت الكنيسة بالفعل تخطيط هذه الجامعة وهي تضم معاهدا للاهوتية والكليات العملية والنظرية وتمول من مالهم الخاص اهـ.
("ما يجب أن يعرفه المسلم"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص29/المطابع الأهلية للأوفست).
الباب العشرون: التخطيط المالي والاقتصادي
وتجد هذه العصابات –عصابات التبشير- من دول الاستعمار من يساندها ويرصدها لها الأموال الطائلة ويجند لها الطاقات الهائلة، ويبلغ ما ينفق عليها أو بواسطتها مئات الملايين من الدولارات كل عام.ولقد قرر الكاتب التركي (ضياء أويغور) في كتابه جذور الصهيونية عدد ما طبع ووزع من نسخ العهدين القديم والجديد بواسطة إرساليات التبشير خلال مائة وخمسين سنة بما يزيد على ألف مليون نسخة مترجمة إلى ألف ومائة وثلاثين لغة عدا النشرات والمجلات – كما قدر أن تكاليف هذه المطبوعات لا تقل عن ستين ألف مليون ليرة تركية، أي: ما يقارب (7000) مليون دولار. وإذا أضفنا إلى هذا الرقم رواتب الجيوش الجرارة من المبشرين، ومصاريفهم وتكاليف بناء الكنائس، وملاجئ، والمستشفيات، فإن النتيجة تصل إلى أرقام خيالية. ("ما يجب أن يعرفه المسلم"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص17-18 /المطابع الأهلية للأوفست).
قلت –ثبتني الله على الإسلام والسنة إلى الممات-: ينطبق عليهم قول ربنا عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ الله الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال : 36 ، 37]
ومما يدل على تخطيطهم في المضيقات الاقتصادية على المسلمين:
وفي الاجتماع المغلق الذي عقده الباب شنوده في 5/3/1973 بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، قال: تحرم الكنيسة تحريما باتا على أصحاب العمارات والمساكن تأجير أي مسكن أو شقة أو محل تحاري للمسلمين، وتعتبر من يفعل ذلك من الآن مطرودا من رحمة الرب، ورعاية الكنيسة – كما يجب العمل بشتى الوسائل على إخراج المسلمين الذين يسكنون العمارات والبيوت المملوكة لشعب الكنيسة، وهذه السياسة الإسكانية إذا استطعنا تنفيذها بقدر الإمكان فإن من شأنها تشجيع الزواج بين الشباب المسيحي وتصعيبه وتضييقه بقدر الإمكان على المسلمين مما يكون له أثره هو انخفاض معدل الزيادة بين المسلمين، وارتفاع هذا المعدل بين الشعب المسيحي اهـ. ("ما يجب أن يعرفه المسلم"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص25 /المطابع الأهلية للأوفست).
فيا أيها المسلمون، أفيقوا، واسمعوا قول ربكم جل وعلا: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة : 2]
وقوله سبحانه: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُون [التوبة : 8 - 10]
الباب الحادي والعشرون: إما أن يدخلوا في النصرانية، وإما أن يشكّوا في الإسلام
في الاجتماع المغلق الذي عقده الباب شنوده في 5/3/1973 بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، قال: إنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية على أن الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس أن الهدف الذي اتفق عليه من التبشير في المرحلة القادحة هو التركيز على التبشير بين الفئات والجماعات أكثر من التبشير بين الأفراد. وذلك لزحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم أو التمسك به، على أن لا يكون من الضروري دخولهم في المسيحية ويكون التركيز في بعض الحالات على زعزعة الدين في نفوس المسلمين وتشكيك الجموع الغفيرة في كتابهم وفي صدق محمد. وإذا نجحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة القادحة فإننا نكون قد نجحنا في إزاحة هذه الفئات عن طريقنا، وحتى هذه الحالة إن لم تكن لنا فلن تكون علينا. ("ما يجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن النصرانية والتبشير"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص27/المطابع الأهلية للأوفست).
وقال صموئيل زويمر (رئيس جمعيات التبشير في الشرق الأوسط في مؤتمر القدس الذي عقده المبشرون في عام 1935 م: ... ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريما. وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها. ("ما يجب أن يعرفه المسلم"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص105و106/المطابع الأهلية للأوفست).
وقال في (ص107): أنكم أعددتم نشأً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة، والكسل. فإذا تعلم فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء اهـ.
قلت –أعاذني الله وإياكم من الكفر بعد الإيمان-: إن هؤلاء جنود إبليس ينطبق عليهم قول الله تعالى: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران : 69]
وقوله جل ذكره: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة : 109]
وقال سبحانه: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِين [النمل : 50 ، 51]
وصموئيل زويمر هذا قد مات، كما ذُكر في "ما يجب أن يعرفه المسلم" (ص107/الحاشية/المطابع الأهلية للأوفست): لقد ظهرت يهودية صموئيل زويمر على حقيقتها حينما طلب عند موته ختاماً لتلقينه ودفنه بموجب التعاليم اليهودية اهـ.
فإذا كان كذلك –أنه مات على الكفر- فنسأل الله السميع البصير أن يعذبه عذابا نكرا. قال الله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون [الشعراء : 227]
الباب الثاني والعشرون: شعار المودّة والمحبّة احترازا من غضب المسلمين
في سنة 1895م تأسست جمعية اتحاد الطلبة المسيحيين في العالم، وهي تهتم بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد مع العمل على بث روح المحبة بينهم (المحبة تعني التبشير بالنصرانية). ("الموسوعة الميسرة"/التنصير/ص160/الندوة العالمية).
وفي الاجتماع المغلق الذي عقده الباب شنوده في 5/3/1973 بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، قال: أن يراعى في تنفيذ هذا المخطط أن يتم بطريقة (لبقة ذكية) حتى لا يكون سببا في إثارة حفيظة المسلمين، ويقظتهم –إلى أن قال:- وهذه اليقظة بالذات من شأنها أن تفسد علينا مخططاتنا المدروسة وتؤثر في نتائجها وثمارها وتضيع جهودنا هباء. لذلك فقد أصدرت التعليمات بهذا الخصوص وستنشر في جميع الكنائس لكي يتصرف الجميع من شعبنا مع المسلمين بطريقة ودّية لا تثير غضبهم، وإقناعهم بكذب هذه الأنباء. كما تم التنبيه على رعاة الكنائس، والآباء والقساوسة لمشاركة المسلمين في احتفالاتهم الدينية، وتهنئتهم بأعيادهم، وإظهار المودة والمحبة لهم، وعلى شعب الكنيسة في المصالح، والوزارات والمؤسسات وكل أماكن الاحتكاك إظهار هذه الروح لمن يخالطونهم من المسلمين. ("ما يجب أن يعرفه المسلم"/إبراهيم السليمان الجبهان/ص27-28 /المطابع الأهلية للأوفست).
الباب الثالث والعشرون: الديمقراطية
ومن وسائل النصارى لتنصير المجتمع المسلمين: الديمقراطية.
تعريف الديمقراطية
سأنقل لكم –حفظكم الله- كلام عدنان النحوي رحمه الله في كتابه "الشورى لا الديمقراطية": إن الديمقراطية لفظا من معنى لم تكن معروفة لدى العرب. ويبدو أن اللفظة بلغت من غرابتها أن استعصت على أن تجد مرادفاً أو اشتقاقاً في اللغة العربية. فانسلت اللفظة بذاتها، وحملها كثير من الكتاب، ودفعها بعضهم بعيدا في التاريخ الإسلامي، وتاريخ العرب قبل الإسلام.
وأصل الكلمة من اللغة اليونانية، وتتألف من اللفظتين، الأولى: وهو (Demo) وهي مأخوذة من الكلمة اليونانية (Demos) وتعني الشعب أو السكان. أما الثاني (Cracy) تدل على تمط الحكم أو السلطة. و مأخوذة من الكلمة اليونانية (Kratia)، والكلمتان معا في اليونانية (DemoKratia) وتعني الحكومة من قبل الشعب. –إلى قوله:- وفي قاموس كولنز طبعة 1979 لندن وجلاسكو يضع معاني كلمة (Democratia) كما يلي: (الحكم بواسطة الشعب أو ممثليه)، (التحكم بأي منطمة من قبل أعضائها)، (وحدة سياسية أو اجتماعية يحكمها بصورة مطلقةٍ أعضاؤها)، (ممارسة أو روح المساواة الاجتماعية)، (العوام، عامة الناس كقوّة سياسية)، (حالة اجتماعية لا توجد فيها الطبقات، وتوجد المساواة).
هذه المعاني التي حملتها لفظة الديمقطرية مع تاريخها الطويل، تحمل بريقا خلاباً، وزخرفا جذاباً. وكل معنى من هذه المعاني، مع زخرفه وبريقه، يصطدم بعدة قواعد إيمانية، وعدة أُسس إسلامية. وأساس الاصطدام والاختلاف نابع من أنّ التصوّر كله مرتبط بالشعب، وسلطة الشعب، على أن الشعب هو القوة الأعلى المسيطرة، والمشرِّعة، والمنظمة في الديمقراطية. فلا سلطان لشيء فوقه أبداً.
-إلى أن قال-: وعندما تعرض القضايا، فإنها تردّ إلى رغبة الشعب، ورأي الشعب، وممثليه فقط، دون أيّ اعتبار آخر. فأجازوا اللواط، وأباحوا الزنا، وحلّلوا الخمر ...! وامتدّ الفساد إلى مجالس الحكم، إلى مجالس الشعب، إلى كل مجالس الشعب، وممثلي الشعب، دون أن ينالهم القانون. فإذا عرض تطبيق حكم الإعدام على القاتل المتعمد مثلا منعته رغبات أفراد، أو أقرّته رغبات أفراد، دون أي مبالاة لحكم الله، وأمر الله، وشرع الله..! وسمِّي ذلك (الديمقراطية). انتهى المراد. ("الشورى لا الديمقراطية"/ لعدنان علي رضا النحوي رحمه الله/ص35-37/مطابع الفرزدق التجارية).
وقال شيخنا يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: فإذا قيل لك: ما هي الديمقراطية؟ فقل: هي حكم الشعب نفسه بنفسه، بغير كتاب ولا سنة اهـ. ("المبادئ المفيدة"/ص30/دار الآثار).
حكم الديمقراطية
سئل الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله: ما رأيك في الديمقراطية في اليمن؟
فأجاب رحمه الله: الديمقراطية كفر، لأن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله [يوسف : 40] ، ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون [المائدة : 44]. ويقول: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون [المائدة : 50].
ولسنا في حاجة الديمقراطية، بل دين الإسلام سوى بين المسلمين وآخى بينهم، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التّقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرّات بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»( ).
فلسنا محتاجين إلى الديمقراطية، فإن معناها: حكم الشعب نفسه بنفسه، أي: لا كتاب ولا سنة، والله عز وجل قد ضمن الكتاب والسنة من الخطأ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول كما في "صحيح مسلم" من حديث جابر: «وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله»( ).
ويقول سبحانه وتعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء : 9].
والديمقراطية هي التصويت بالإباحية، فقد صوتوا في بعض بلاد الكفر أنه يجوز للرجل أن يتزوج بالرجل، فالديمقراطية مسخ، وتجعل الصالح والفاسق سواء، والله سبحانه وتعالى يقول: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ [السجدة : 18] ، وتجعل المرأة والرجل سواء والله عز وجل يقول: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران : 36] ، وقال: تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم : 22] لمن نسب إلى الله الإناث، ونزه نفسه منهن.
السؤال: هل الشورى الإسلامية تشبه الديمقراطية؟
الجواب: الشورى هي أن يجتمع مجموعة من أهل الحل والعقد ومن العلماء ومن ذوي الخبرة والسياسة وهم الذين يديرون أحوال الناس على نهج الكتاب والسنة، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء : 83] فالقصد أنّهم يرجعون إلى الكتاب والسنة.
بخلاف الديمقراطيين فإنّهم يرجعون إلى الأكثرية والله عز وجل يقول: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين [يوسف : 103] ، ويقول: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله [الأنعام : 116] ، ويقول: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور [سبأ : 13]، ويقول: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُون [الأنعام : 37].
فالديمقراطية تأخذ بالكثرة، والإسلام يأخذ ويعتبر بالكتاب والسنة وبأهل الحل والعقد يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله [الشورى : 10]، ويقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [النساء : 59]. ("تحفة المجيب"/ جلسة مع الصحفي الإلماني ص222-224/دار الآثار).
وقال شيخنا يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: فإذا قيل لك: ما حكمها –يعني: الديمقراطية-؟ فقل: هي شرك أكبر، والدليل قول الله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا الله [يوسف/40]. ("المبادئ المفيدة"/ص30/دار الآثار).
من أضرار الديمقراطية وما يتولد منها
أضرار الديمقراطية كثيرة، ولكنا نأخذ بعض ما يتعلق بالحركات التنصيرية:
1- حرية الاعتقاد والدين فلا يجوز لولاة الأمر إقامة الأمر إقامة حد الردة على من تنصر بعد إسلامه،
2- تسوية المسلم بالكافر، فإذا كان كذلك فلا بأس أن ينتقل المسلم إلى النصرانية، ولا سيما إذا أعطاه النصارى المال بمقابلة ذلك أصنافا من المال،
3- لما كان الأغلب هو المسيطر على البلاد والدولة بذل النصارى جهدهم في إكثار عددهم في المجتمع مع السعي في عدم ازدياد المسلمين في النسبة،
4- ولما كانت السلطة للأغلب سهل للفسقة والفجرة نشر الفساد في البلاد وإكراه المجتمع على السكوت عن أغراضهم القبيحة من أجل أغلبية الناس،
5-الديمقراطية من أوسع أبواب غزوة الفكر والحضارة، والدعوة إلى النصرانية،
6- في الديمقراطية تسوية العالم والجاهل، والصالح والفاجر، وهي من أسباب استخفاف المجتمع لشأن العلماء والصالحين، وبُعدهم من توجيهاتهم وإرشاداتهم وإنذاراتهم، وذلك فرصة كبيرة للمبشرين، فيتسللون في المجتمع ويعدهم ويمنّيهم على حسب أهوائهم، ويبذلون لهم ملذّات الدنيا.
7- الديمقراطية تفتح بابا عظيما للنساء فيخرجن في الطرقات ويختلطن مع الرجال، فيحصل فساد دين الأمة، وذلك من أهداف المبشرين.
8- في الديمقراطية انتقاض عرى الإسلام عروة عروة. وقد طمع الكفار أن يستمرّوا في هذا المكر الكبّار إلى أن لا يعرف أبناء المسلمين دينهم شيئاً.
9- من أجل الديمقراطية تجترئ طائفة من المبشرين على إلقاء التدريس أمام بنات المسلمين، وكذلك المبشرات أمام أبناء المسلمين، كما يُذكر بعض ذلك في السودان. والمفاسد رواء ذلك جسيمة معروفة.
10- ومن أجلها أيضاً برزت دعايات طبع التوراة والإنجيل والقرآن في غلاف واحد، كما يُذكر ذلك في السودان.
11- ومن أجلها أيضاً ظهر اقتراح بناء مسجد، وكنيسة، وبيئة في منطقة واحدة كما يُذكر ذلك في السودان، وأن يكون في منطقة واحدة مسجد، وجنبه كنيسة البروتيستان، وجنته الآخر كنيسة الكاطوليك، وجنبه الآخر كنيسة الأنليكان، كما يُذكر ذلك في مصر.
قال شيخنا يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: فإذا قيل لك: ما حقيقة الانتخابات؟ فقل: هي من النظام الديمقراطي المنابذ لشرع الله الحق، وهي تشبه بالكفار، والتشبه بهم لا يجوز، وفيها ضرر كثير، وليس فيها أي نفع ولا أي فائدة على المسلمين. ومن أهمّ أضرارها: مساواة الحق بالباطل والمحق بالمبطل حسب الأكثرية، وتضييع الولاء والبراء، وتمزيق شمل المسلمين، وإلقاء العداوة والبغضاء والتحزب والتعصب بينهم، والغش، والخداع، والاحتيال، والزور، وضياع الأوقات والأموال، وإهدار حشمة النساء، وزعزعة الثقة وعلوم الشريعة الإسلامية وأهلها اهـ. ("المبادئ المفيدة"/ص30/دار الآثار).
تنبيه: إذا قال العلماء أن الديمقراطية كفر، لا يلزم أن يكون رئيس الدولة كافراً من أجل ذلك. و التكفير له شروط وموانع، فليس هذه الفتاوى مبررة للخوارج على الانقلابات والثورات. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فقد دعا المأمون، والمعتصم، والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن، وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل، والضرب، والحبس، وانواع الإهانة، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك، ودام الأمر بضع عشرة سنة، حتى ولي المتوكل الخلافة فأبطل المحنة وأمر بإظهار السنة اهـ. ("فتح الباري" /كتاب الأحكام/باب الأمراء من قريش/13 /ص144/دار السلام).
الباب الرابع والعشرون: تحذير اللجنة الدائمة من وسائل التنصير
فتوى مهمة برقم (20096) من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية في التحذير من وسائل التنصير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين، خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فغير خاف على كل من نَوَّرَ الله بصيرته من المسلمين، شدة عداوة الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم للمسلمين، وتحالف قواهم، واجتماعها ضد المسلمين؛ ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم الحق، دين الإسلام، الذي بعث الله به خاتم أنبيائه ورسله، محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين، وإن للكفار في الصد عن الإسلام وتضليل المسلمين، واحتوائهم، واستعمار عقولهم، والكيد لهم، وسائل شتى، وقد نشطت دعواتهم وجمعياتهم وإرسالياتهم، وعظمت فتنتهم في زمننا هذا، فكان من وسائلهم ودعواتهم المضللة: بعث نشرة باسم: معهد أهل الكتاب في دولة جنوب أفريقيا ، تُبعث للأفراد والمؤسسات والجمعيات عبر صناديق البريد في جزيرة العرب، أصل الإسلام ومعقله الأخير، متضمنة هذه النشرة برامج دراسية عن طريق المراسلة، وبطاقة اشتراك بدون مقابل في كتب: (التوراة، والزبور، والإنجيل)، وعلى ظهر هذه النشرة مقتطفات من هذه الكتب.
هذا وإن من عاجل البشرى للمسلمين استنكار هذا الغزو المنظم، والتحذير منه بجميع وسائله، وكان من هذه المواقف المحمودة: وصول عدد من الكتابات والمكالمات إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، آملين صدور بيان يقف أمام هذه النشرات، ويحذر من هذه الدعوات الكفرية الخطيرة على المسلمين، فنقول وبالله التوفيق:
منذ أشرقت شمس الإسلام على الأرض، وأعداؤه على اختلاف عقائدهم ومللهم يكيدون له ليلا ونهارا، ويمكرون بأتباعه كلما سنحت لهم فرصة؛ ليخرجوا المسلمين من النور إلى الظلمات، ويقوضوا دولة الاسلام، ويضعفوا سلطانه على النفوس، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى إذ يقول: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ وقال جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾.
وكان من أبرز أعداء هذا الدين: (النصارى الحاقدون) الذين كانوا ولا يزالون يبذلون قصارى جهدهم، وغاية وسعهم لمقاومة المد الإسلامي في أصقاع الدنيا، بل ومهاجمة الإسلام والمسلمين في عقر ديارهم، لا سيما في حالات الضعف التي تنتاب العالم الإسلامي كحالته الراهنة اليوم، ومن المعلوم بداهة أن الهدف من هذا الهجوم هو زعزعة عقيدة المسلمين، وتشكيكهم في دينهم، تمهيدا لإخراجهم من الإسلام، وإغرائهم باعتناق النصرانية، عبر ما يعرف خطأ بـ (التبشير) وما هو إلا دعوة إلى الوثنية في النصرانية المحرفة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونبي الله عيسى عليه السلام منها براء.
وقد أنفق النصارى أموالا طائلة، وجهودا كبيرة في سبيل تحقيق أحلامهم، في تنصير العالم عموما، والمسلمين على وجه الخصوص، ولكن حالهم كما قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ وقد عقدوا من أجل هذه الغاية مؤتمرات عدة، إقليمية وعالمية، منذ قرن من الزمان، وإلى الآن توافد إليها المنصرون العاملون من كل مكان لتبادل الآراء والمقترحات حول أنجع الوسائل، وأهم النتائج، ورسموا لذلك الخطط ووضعوا البرامج، فكان من وسائلهم:
1- إرسال البعثات التنصيرية إلى بلدان العالم الإسلامي، والدعوة إلى النصرانية من خلال توزيع المطبوعات من كتب ونشرات تعرف بالنصرانية، وترجمات للإنجيل، ومطبوعات للتشكيك في الاسلام، والهجوم عليه، وتشويه صورته أمام العالم.
2- ثم اتجهوا أيضا إلى التنصير بطرق مغلفة، وأساليب غير مباشرة، ولعل من أخطر هذه الأساليب ما كان:
عبر التطبيب، وتقديم الرعاية الصحية للإنسان، وقد ساهم في تأثير هذا الأسلوب عامل الحاجة إلى العلاج، وكثرة انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة في البيئات الإسلامية، خصوصا مع مرور زمن فيه ندرة الأطباء المسلمين، بل فقدانهم أصلا في بعض البلاد الإسلامية.
ومن تلك الأساليب أيضا: التنصير عن طريق التعليم، وذلك إما بإنشاء المدارس والجامعات النصرانية صراحة، أو بفتح مدارس ذات صبغة تعليمية بحتة في الظاهر، وكيد نصراني في الباطن؛ مما جعل فئات من المسلمين يلقون بأبنائهم في تلك المدارس رغبة في تعلم لغة أجنبية، أو مواد خاصة أخرى، ولا تسل بعد ذلك عن حجم الفرصة التي يمنحها المسلمون للنصارى حين يهدون فلذات أكبادهم في سن الطفولة والمراهقة، حيث الفراغ العقلي والقابلية للتلقي، أيا كان الملقِي، وأيا كان الملقَى.
ومن أساليبهم كذلك: التنصير عبر وسائل الإعلام، وذلك من خلال الإذاعات الموجهة للعالم الإسلامي، إضافة إلى طوفان البث المرئي عبر القنوات الفضائية في السنوات الأخيرة، فضلا عن الصحف والمجلات والنشرات الصادرة بأعداد هائلة، وهذه الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة كلها تشترك في دفع عجلة التنصير من خلال مسالك عدة:
أ- الدعوة إلى النصرانية بإظهار مزاياها الموهومة، والرحمة والشفقة بالعالم أجمع.
ب- إلقاء الشبهات على المسلمين في عقيدتهم وشعائرهم وعلاقاتهم الدينية.
ج- نشر العري والخلاعة، وتهييج الشهوات؛ بغية الوصول إلى انحلال المشاهدين، وهدم أخلاقهم، ودك عفتهم، وذهاب حيائهم، وتحويل هؤلاء المنحلين إلى عباد شهوات، وطلاب متع رخيصة، فيسهل بعد ذلك دعوتهم إلى أي شيء، حتى لو كان إلى الردة والكفر بالله والعياذ بالله، وذلك بعد أن خبت جذوة الإيمان في القلوب، وانهار حاجز الوازع الديني في النفوس إلا من رحم الله.
3- وهناك وسائل أخرى للتنصير، يدركها الناظر ببصيرة في أحوال العالم الإسلامي، نتركها اختصارا، إذ المقصود هنا التنبيه لا الحصر، وإلا فالأمر كما قال الله عز وجل: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ وكما قال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾
4- تلك مكائد المنصرين، وهذا مكرهم لإضلال المسلمين فما واجب المسلمين تجاه ذلك؟ وكيف يكون التصدي لتلك الهجمات الشرسة على الإسلام والمسلمين؟ لا شك أن المسئولية كبيرة ومشتركة بين المسلمين أفرادا وجماعات، حكومات وشعوبا؛ للوقوف أمام هذا الزحف المسموم، الذي يستهدف كل فرد من أفراد هذه الأمة المسلمة، كبيرا كان أو صغيرا، ذكرا أو أنثى، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ويمكننا القول فيما يجب أداؤه على سبيل الإجمال -مع التسليم بأن لكل حال وواقع ما يناسبه من الإجراءات والتدابير الشرعية- ما يلي:
1- تأصيل العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، من خلال مناهج التعليم وبرامج التربية بصفة عامة، مع التركيز على ترسيخها في قلوب الناشئة خاصة، في المدارس ودور التعليم الرسمية والأهلية.
2- بث الوعي الديني الصحيح في طبقات الأمة جميعا، وشحن النفوس بالغيرة على الدين وحرماته ومقدساته.
3- التأكيد على المنافذ التي يدخل منها النتاج التنصيري من أفلام ونشرات ومجلات وغيرها بعدم السماح لها بالدخول، ومعاقبة كل من يخالف ذلك بالعقوبات الرادعة.
4- تبصير الناس وتوعيتهم بمخاطر التنصير وأساليب المنصرين وطرائقهم للحذر منها وتجنب الوقوع في شباكها.
5- الاهتمام بجميع الجوانب الأساسية في حياة الإنسان المسلم، ومنها الجانب الصحي والتعليمي على وجه الخصوص، إذ دلت الأحداث أنهما أخطر منفذين عبر من خلالهما النصارى إلى قلوب الناس وعقولهم.
6- أن يتمسك كل مسلم في أي مكان على وجه الأرض بدينه وعقيدته مهما كانت الظروف والأحوال، وأن يقيم شعائر الإسلام في نفسه ومن تحت يده حسب قدرته واستطاعته، وأن يكون أهل بيته محصنين تحصينا ذاتيا لمقاومة كل غزو ضدهم يستهدف عقيدتهم وأخلاقهم.
7- الحذر من قبل كل فرد وأسرة من السفر إلى بلاد الكفار، إلا لحاجة شديدة، كعلاج أو علم ضروري لا يوجد في البلاد الإسلامية، مع الاستعداد لدفع الشبهات والفتنة في الدين الموجهة للمسلمين.
8- تنشيط التكافل الاجتماعي بين المسلمين، والتعاون بينهم، فيراعي الأثرياء حقوق الفقراء، ويبسطوا أيديهم بالخيرات والمشاريع النافعة؛ لسد حاجات المسلمين، حتى لا تمتد إليهم أيدي النصارى الملوثة، مستغلة حاجاتهم وفاقتهم. وختاما نسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمع شمل المسلمين على الحق، وأن يؤلف بين قلوبهم، ويصلح ذات بينهم، ويهديهم سبل السلام، وأن يحميهم من مكائد الأعداء، ويعيذهم من شرورهم، ويجنبهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه أرحم الراحمين. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واردد كيده في نحره، وأدر عليه دائرة السوء، إنك على كل شيء قدير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // عضو // نائب الرئيس // الرئيس //
بكر أبو زيد // صالح الفوزان // عبد الله بن غديان // عبد العزيز آل الشيخ // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
("فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" /14 / ص 446-457).
الباب الخامس والعشرون: العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي
إذا علمنا أن تلك الحركات التنصيرية ساعدها بعض المنافقين، تبين لنا عظم خطر حركات الأعداء داخل البنيان لقلة من تفطن لها. والله يحفظ دينه.
قال العلامة أبو الوفاء على بن عقيل الفقيه رحمه الله : قال شيخنا أبو الفضل الهمداني: مبتدعة الإسلام والواضعون للأحاديث أشد من الملحدين لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله، والملحدون كالحاضرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن فهو شر على الإسلام من غير الملابسين له. (ذكره ابن الجوزي في مقدمة "الموضوعات" /1 / ص7/ط. مكتبة أضواء السلف).
هكذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله –بعد أن تكلم في هجوم الأعداء خارجي الحصن-:
ومن البليّة أن قوما بين أهـ ـل الحصن واطوهم على العدوان
ورموا به معهم وكان مصاب أهـ ـل الحصن منهم فوق ذي الكفران
فتركبت من كفرهم ووفاق من في الحصن أنواع من الــــــطغيان
وجرت على الإسلام أعظم محنة من ذيــن تقــــــــديرا من الرحمن
والله لولا أن تدارك ديـــــــنه الرحمن كان كـــــــــسائر الأديان
لكن أقام له الإله بفضــــــله يزكا من الأنـــــــــصار والأعوان
فرموا على ذا المنجنيق صواعقا وحجارة هـــــــــــــدته للأركان
("الكافية الشافية"/فصل: في كسر المنجنيق/(شرح الهراس)/2/ص23/دار الكتب العلمية).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومنهم من أدخل على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد. فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا واستولوا بهم على بلاد الإسلام وسبوا الحريم وأخذوا الأموال وسفكوا الدم الحرام وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا رب العالمين. ("منهاج السنة النبوية"/1/ ص 10-11/ط. جامعة الإمام ابن سعود).
وقال فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله: أعداء متربصون بالإسلام والمسلمين ويبذلون أقصى جهودهم في اختلاق العيوب للقرآن والسنة والفقه والتاريخ وكل ما هو منسوب إلى الإسلام. نعم، أعداء من خارج. وأعداؤكم الداخل أخطر منهم يبحثون عن كل ما يشين الإسلام والمسلمين وتاريخهم. ("كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها/"ص16/دار المنهاج).
ومن العدوّ الداخلي: محمد الغزالي –أحد رؤوس تنظيم الإخوان المسلمين-. قال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله:
موقفه من النصارى: الغزالي لطيف وحليم وحكيم مع النصارى وإن خططوا لتدمير الإسلام والمسلمين وبعد اطلاعه وتأكده من خططهم المدمرة يقول : (بين يدي هذا التقرير المثير لابد من كلمة ، إن الوحدة الوطنية الرائعة بين مسلمي مصر وأقباطها يجب أن تبقى وأن تصان ، وهي مفخرة تاريخية ودليل جيد على ما تسديه السماحة من بر وقسط . ونحن ندرك أن الصليبية تغص بهذا المظهر الطيب وتريد القضاء عليه وليس بمستغرب أن تفلح في إفساد بعض النفوس وفي دفعها إلى تعكير الصفو . وعلينا - والحالة هذه -أن نرأب كل صدع ونطفيء كل فتنة لكن ليس على حساب الإسلام ، وليس كذلك على حساب الجمهور الطيب من المواطنين الأقباط. وقد كنت أريد أن أتجاهل ما يصنع الأخ العزيز شنودة - يعنى الذى حاك التخطيط المدمر - الرئيس الديني لإخواننا الأقباط غير أني وجدت عددا من توجيهاته قد أخذ طريقه إلى الحياة العملية)( ) .
وهكذا يلين ويتعاطف مع عباد الصليب في الوقت الذي يرتكبون فيه أشد الجرائم وينفذون أخبث الخطط لتدمير الإسلام والمسلمين ، ويعتبرهم إخوانه ويقدم لهم اعتذاره عن هذه المناقشة الظريفة اللطيفة. أما السلفيون وإن تمسكوا بالحق وتعلقوا بأهداب السنة فقد عرفت كيف يتعامل معهم.
دعوته إلى إقامة وحدة بين المسلمين واليهود والنصارى وسائر المتدينين إلا الملحدين :
قال في كتابه "من هنا نعلم" (ص66) : (ومع ذلك التاريخ السابق ، فإننا نحب أن نمد أيدينا، وأن نفتح آذاننا وقلوبنا إلى كل دعوة تؤاخي بين الأديان وتقرب بينها، وتنزع من قلوب أتباعها أسباب الشقاق . إننا نقبل مرحبين كل وحدة توجه قوى المتدينين إلى البناء لا الهدم، وتذكرهم بنسبهم السماوي الكريم، وتصرفهم إلى تكريس الجهود لمحاربة الإلحاد والفساد) اهـ .
ما هذا يا غزالي ؟ تنشد المؤاخاة بين الإسلام والأديان الكافرة ؟! وهل كان الإسلام في يوم من الأيام يحمل هذه الروح ، ويبحث بكل شغف عن كل دعوة تؤاخي بين اليهودية والنصرانية والمجوسية والهندوكية؟؟ ويفتح المسلمون آذانهم وقلوبهم ويمدون أيديهم إلى كل دعوة تؤاخي بين الإسلام دين الله الحق ، وبين الأديان الوثنية الكافرة؟؟
أين أنت من آيات القرآن الواضحة الفاضحة لكل من يريد أن يمد للكافرين يد الإخاء، ويفتح قلبه لهم بالمودة والولاء؟؟
أين أنت من قول الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة : 22] الآية ؟؟
أين أنت من قول الله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون [المجادلة : 14 ، 15] إلى أن يقول : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون [المجادلة : 14 ، 15]
أين أنت من قول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة : 1] . وقوله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ [الممتحنة : 4].
أين أنت من قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين [المائدة : 51 ، 52].
وتقول يا غزالي : (إننا نفبل مرحبين كل وحدة توجه قوى المتدينن إلى البناء لا الهدم ؟؟ أبناءً دينيا أم دنيويا ؟ وتنشد الوحدة في وقت استباحت الصليبية العالم الإسلامي، تسفك الدماء وتنهب الثروات وتفسد الأخلاق والعقائد وفي الوقت الذي احتلت فيه اليهودية المسجد الأقصى وفلسطين وتخطط للاستيلاء على باقي البلاد العربية من النيل إلى الفرات ، وتقتل وتشرد وتدمر أبناء فلسطين صباح مساء ونحن نمد لها يد الأخوة والوحدة .
وما هذا النسب السماوي الكريم الذي تقدم الاعتراف به والتكريم له طوعا لأديان محرفة باطلة ؟ أنكر الله نسبتها إلى السماء وقطع صلتها بالأنبياء، قال تعالى : مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين [آل عمران : 67] ، وقال تعالى: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون [البقرة : 140].
أتضفي على الدين المحرف المبدل صفات دين الله الحق المنزل ، وتنسى عبارة العلماء الذهبية المشهورة : (نؤمن بالمنزل ولا نؤمن بالمبدل ). وا أسفاه على الإسلام إذا كان دعاته من هذه النوعيات .
لقد هزلت حتى بدى من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس. أتظن أن اليهود والنصارى سيقفون مع المسلمين جنبا إلى جنب يحاربون الشيوعية وهي من صنع أيديهم ، ومن بنات أفكارهم ، ويعملون على ترويجها في بلدان المسلمين ، وقال تعالى في بيان بغضهم الشديد وعداوتهم الشديدة للإسلام وأهله ، ومحمد بين أيديهم يشاهدونه تتنزل عليه آيات القرآن من السماء وتجري على يديه المعجزات الباهرات: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله وَمَنْ يَلْعَنِ الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء : 51-52].
مع الأسف كثيراً ما تتحدث عن قضايا باسم الإسلام، والإسلام وعلماؤه وفقهاؤه منها براء، وهذا والله من أشراط الساعة أن يتخذ الناس رؤوسا جهالا فيسألونهم فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون . ("كشف موقف الغزالي" /ص20-23/دار المنهاج).
قال الله تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران : 72 ، 73].
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: وهذه مكيدة لا تزال تحاك للمسلمين ممن يندسون في صفوفهم من أعدائهم، ويتظاهرون بقبول الحق، يريدون قلب الإسلام وإفساد الإسلام، وهذا وقع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مستمر إلى وقتنا هذا، وإلى أن يشاء الله جلّ وعلا، يندسّ أناس من أعداء الإسلام ويتظاهرون بالإسلام من أجل إفساد الإسلام، ومن أجل بثّ الشبه بين المسلمين وتفريق الكلمة، وإلقاء العداوة بين المسلمين وتقطيعهم إلى أحزاب وإلى جماعات، وهذا من كيد الأعداء ومكرهم. فيجب على المسلمين أن يتنبهوا لهذا المكر الخبيث، وأن لا يمنحوا الثقة لكل ما هبّ ودبّ، بل عليهم أن يجربّوا الناس تجربة صادقة، ويختبرون اختباراً دقيقاً، فإذا ثبت صدقهم منحوهم الثقة اهـ. ("شرح مسائل الجاهلية" /صالح الفوزان/ص180-181/دار العاصمة).
الباب السادس والعشرون: إن تنصروا الله ينصركم
إن عظم مكر أعداء الله، وشدة محاولتهم في محاربة دين الإسلام وأهله ليس بشيء، لأن الأمر بيد الله عز وجل وحده. قال الله تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام [إبراهيم/46، 47]
إن الله يحفظ دينه ويظهر أولياءه. قال تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر/45، 46]. قال الله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات/171-173]. وقال جل ذكره: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر/51]. وقال تعالى: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ [الأنعام/124]، وقال جل وعلا: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين [يوسف/110]
ولكن لا بد من بذل الجهد من قبل المسلمين لنصرة دين الله. قال تبارك وتعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج/40]، وقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد/7]
ولا بد من الصبر والمصابرة في هذه العبادة العظيمة. قال جل ذكره: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِالله وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل/127، 128].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وقوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِالله تأكيد للأمر بالصبر، وإخبار بأن ذلك إنما ينال بمشيئة الله وإعانته، وحوله وقوته. ثم قال تعالى: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي: على من خالفك، لا تحزن عليهم؛ فإن الله قدر ذلك، وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ أي: غم مِمَّا يَمْكُرُونَ أي: مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك، فإن الله كافيك وناصرك، ومؤيدك، ومظهرك ومظفرك بهم. وقوله: إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ أي: معهم بتأييده ونصره ومعونته وهذه معية خاصة، ... -إلى قوله:- ومعنى: الَّذِينَ اتَّقَوْا أي: تركوا المحرمات، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ أي: فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم، وينصرهم ويؤيدهم، ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم اهـ. ("تفسير القرآن العظيم"/4/ص 279-280/دار الآثار).
وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو الله لَنَا قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَالله لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ الله أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». (أخرجه البخاري (كتاب المناقب/باب علامات النبوة/(3612) /دار الكتاب العربي).
الفصل الأول: مفتاح الظهور: العلم النافع والعمل الصالح
قال ربنا عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون﴾ [التوبة/33]
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ فالهدى: هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة، والإيمان الصحيح، والعلم النافع -ودين الحق: هي الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة. ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أي: على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله زَوَى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها» إلخ. ("تفسير القرآن العظيم" /3 / ص 556/دار الآثار).
قلت –عفا الله عني-: فالعلم النافع والعمل الصالح هما عنوان الفلاح والظفر والظهور على سائر الأعداء، لأن الشبهات تنكشف بالعلم الراسخ، والغلبة في المعارك تكون بعون الله عز وجل ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون﴾ [آل عمران/160] ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران/126]
فلا بد من ملازمة طاعة الله عز وجل والتحلي بالأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة الله. فالمعاصي خطيرة وسبب للفشل. قال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [آل عمران/165]
قال جبير بن نفير رحمه الله قال : لما فتحت قبرس وفرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي. فقلت : يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره. بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى. ("الزهد"/ للإمام أحمد بن حنبل/زهد أبي الدرداء/ص 176/دار الريان للتراث)( ).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في أضرار المعاصي: ومنها ان المعاصي توهن القلب والبدن. أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لا يزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته من قلبه وكلما قوي قلبه قوى بدنه، وأما الفاجر فإنه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه فتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانهم عند أحوج ما كانوا إليها وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم اهـ. ("الجواب الكافي" /ص85/مكتبة عباد الرحمن).
الفصل الثاني: من فتاوى الإمام العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله
سئل الإمام العلامة ابن باز رحمه الله: يحرص أعداء الله على التغلغل في ديار الإسلام بشتى الطرق . فما المجهود الذي ترون بذله للوقوف أمام هذا التيار الذي يهدد المجتمعات الإسلامية ؟
فأجاب رحمه الله : ... هذا ليس بغريب من الدعاة إلى النصرانية أو اليهودية أو غيرهما من ملل الكفر ومذاهب الهدم، لأن الله سبحانه وبحمده قد أخبرنا عن ذلك بقوله في محكم التنزيل : ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ وقوله سبحانه : ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ الآية .
ولهذا فإنهم يبذلون كل ما يستطيعون للنفوذ في ديار الإسلام ولهم طرقهم المختلفة في هذا منها : التشكيك وزعزعة الأفكار وهم دائبون على ذلك بدون كلل أو ملل تحركهم الكنيسة والحقد والبغضاء بالتوجيه والدفع والبذل.
والجهود التي يجب أن تبذل هي التوعية والتوجيه لأبناء المسلمين من القادة والعلماء ومقابلة جهود أعداء الإسلام بجهود معاكسة . فأمة الإسلام أمة قد حملت أمانة هذا الدين وتبليغه . فإذا حرصنا في المجتمعات الإسلامية على تسليح أبناء وبنات المسلمين بالعلم والمعرفة والتفقه في الدين والتعويد على تطبيق ذلك من الصغر، فإننا لن نخشى بإذن الله عليهم شيئا ما داموا متمسكين بدين الله معظمين له متبعين شرائعه محاربين لما يخالفه . بل العكس سيخافهم الأعداء لأن الله سبحانه وبحمده يقول : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ويقول عز وجل : ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ والآيات في هذا المعنى كثيرة ، فأهم عامل للوقوف أمام هذا التيار هو تهيئة جيل عارف بحقيقة الإسلام ويتم هذا بالتوجيه والرعاية في البيت والأسرة والمناهج التعليمية ووسائل الإعلام وتنمية المجتمع.
يضاف إلى هذا دور الرعاية والتوجيه من القيادات الإسلامية والدأب على العمل النافع وتذكير الناس دائما بما ينفعهم وينمي العقيدة في نفوسهم : ﴿أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ ولا ريب أن الغفلة من أسباب نفاذ أعداء الإسلام إلى ديار الإسلام بالثقافة والعلوم التي تباعد المسلمين عن دينهم شيئا فشيئا ، وبذلك يكثر الشر بينهم ويتأثرون بأفكار أعدائهم ، والله سبحانه وتعالى يأمر الفئة المؤمنة بالصبر والمصابرة والمجاهدة في سبيله بكل وسيلة ، في قوله جل وعلا : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، أن يصلح أحوال المسلمين ويفقههم في الدين وأن يجمع كلمة قادتهم على الحق ويصلح لهم البطانة ، إنه جواد كريم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً اهـ. ("فتاوى ابن باز"/4/ ص 137- ما بعدها/دار أصداء المجتمع).
وقال أيضا رحمه الله:
ولا ريب أن العلم هو مفتاح كل خير ، وهو الوسيلة إلى أداء ما أوجب الله وترك ما حرم الله ، فإن العمل نتيجة العلم لمن وفقه الله ، وهو مما يؤكد العزم على كل خير ، فلا إيمان ولا عمل ولا كفاح ولا جهاد إلا بالعلم ، فالأقوال والأعمال التي بغير علم لا قيمة لها ، ولا نفع فيها بل تكون لها عواقب وخيمة، وقد تجر إلى فساد كبير.
وإنما يُعبد الله ويؤدي حقه وينشر دينه وتحارب الأفكار الهدامة والدعوات المضللة والأنشطة المنحرفة بالعلم النافع ، المتلقى عن كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهكذا إنما تؤدى الفرائض بالعلم ، ويتقي الله بالعلم ، وبه تكشف الحقائق الموجودة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام ، قال جل وعلا في كتابه العزيز : ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ فجميع ما يقدمه أهل الباطل وما يلبسون به في دعواتهم المضللة وفي توجيهاتهم لغيرهم بأنواع الباطل وفي تشبيههم غيرهم فيما جاء عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كله يندحض ويكشف بما جاء عن الله ورسوله بعبارة أوضح ، وبيان أكمل ، وبحجة قيمة تملأ القلوب وتؤيد الحق ، وما ذاك إلا لأن العلم المأخوذ من الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، علم صدر عن حكيم عليم ، يعلم أحوال العباد ويعلم مشكلاتهم ويعلم ما في نفوسهم من أفكار خبيثة أو سليمة ، ويعلم بما يأتي به أهل الباطل فيما يأتي من الزمان ، كل ذلك يعلمه سبحانه، وقد أنزل كتابه لإيضاح الحق وكشف الباطل ، وإقامة الحجج على ما دعت إليه رسله عليهم الصلاة والسلام ، وقد أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، وأنزل كتابه الكريم تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.
وإنما يعمل أهل الباطل وينشطون عند اختفاء العلم وظهور الجهل ، وخلو الميدان ممن يقول : قال الله وقال الرسول ، فعند ذلك يستأسدون ضد غيرهم وينشطون في باطلهم ، لعدم وجود من يخشونهم من أهل الحق والإيمان وأهل البصيرة. وقد ذكر الله عز وجل في كتابه كل شيء إجمالا في مواضع، وتفصيلا في مواضع أخرى قال عز وجل: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وهذا كلام الحكيم العليم الذي لا أصدق منه . وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا وأوضح سبحانه في قوله : ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ أنه مع كونه تبيانا لكل شيء فيه هدى ورحمة وبشرى . فهو بيان للحق وإيضاح لسبله ومناهجه ودعوة إليه بأوضح عبارة وأبين إشارة، ومع ذلك فهو هدى للعالمين في كل ما يحتاجون إليه في ذكر ربهم والتوجه إلى ما يرضيه ، والبعد عن مساخطه ، ويبين لهم طريق النجاح وسبيل السعادة مع كونه رحمة في بيانه وإرشاده ، وهدى وإحسانا وبشرى ، وتطمينا للقلوب بما يوضح من الحقائق ويرشد إليه من البصائر التي تخضع لها القلوب وتطمئن إليها النفوس ، وتنشرح لها الصدور ، بوضوحها وظهورها يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ ويقول سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله ذَلِكُمُ الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.
ولولا أن كتابه عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهما الهداية والكفاية لما رد الناس إليهما ، ولكان رده إليهما غير مفيد ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وإنما رد الناس إليهما عند التنازع والخلاف لما فيهما من الهداية ، والبيان الواضح ، وحل المشكلات والقضاء على الباطل ، ثم ذكر أن هذا شرط للإيمان فقال سبحانه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ثم ذكر أنه خير للعباد في العاجل والآجل وأحسن عاقبة ، يعني أن ردهم ما يتنازعون فيه إلى الله والرسول خير لهم في الدنيا والآخرة وأحسن لهم في العاقبة.
(محاضرة ألقاها سماحة الشيخ في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في شهر ربيع الثاني عام 1402هـ).
ومن هذا يعلم أن في كتاب الله العزيز وسنة رسوله الأمين حلا لجميع المشكلات وبيانا لكل ما يحتاجه الناس في دينهم ، وفي القضاء على خصوماتهم ، كما أن في ذلك النصر للداعي إلى الحق والقضاء على خصمه بالحجة الواضحة ولهذا يقول سبحانه : ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ والمثل يعم كل ما يقدمون من شبهة يزعمونها حجة ، ومن مذهب يدعونه صحيحا ، ومن دعوة يزعمون أنها مفيدة ، كل ذلك يكشفه هذا الكتاب وما جاءت به سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
فجميع ما يقدمونه من مشكلات وشبهات ودعوات مضللة ومذاهب هدامة كل ذلك يكشفه العلم بهذا الكتاب وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومعلوم أن الأفكار الهدامة والمبادئ الضالة والمذاهب المنحرفة كثيرة ، والملبسون للحق بالباطل لا يحصون ، وكذلك دعاة الباطل والمؤلفون في الصد عن سبيل الله لا يحصيهم إلا الله ، وهم يلبسون على الناس باطلهم بما يحرفون من الكلم ، ولقد كثر الخطباء والمتكلمون في الإذاعات وفي التلفاز وفي كل مجال : في الصحافة والمجتمعات وفي كل نافذة ، كل يدعو إلى نحلته ، وينادي إلى فكرته ، ويمني غيره ويدعوه إلى الباطل ، ولا مخرج من هذه المحن ، ولا طريق للتخلص منها والقضاء عليها إلا بعرضها على هذا الميزان العظيم الكتاب والسنة ، ففي عرضها على هذا الميزان العظيم تمحيصها وبيان حقها من باطلها ، ورشدها من غيها ، وهداها من ضلالها ، وبذلك ينتصر الحق وأهله ، ويندحر الباطل وأهله –إلى قوله:-
وهكذا الدجال الذي يأتي في آخر الزمان يتبعه جم كثير من كل جاهل ، وأعمى بصيرة لما يروجه من الباطل ، ويأتي به من خوارق العادات التي تشتبه على أشباه الأنعام . وكل نحلة ، وكل دعوة باطلة تجد لها اتباعا وأنصارا بغير قلوب ، ولا هدى. أما طريق السلف الصالح فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار ، لما قام عليه من البراهين الساطعة ، والحجج النيرة ، والأدلة القاطعة لكل من عنده أدنى بصيرة ورغبة في طلب الحق ، وقد بين الله في كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين أن الخير والفلاح يكونان في التمسك بكتاب الله العظيم ، وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم ، وأتباعهم بإحسان ، فيرد دعاة الحق على هؤلاء المنحرفين بما علموا من كتاب الله ، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وبما علموا بعقولهم الصحيحة ، وبصائرهم النافذة ، وفطرهم السليمة على هدى ما علموه من كتاب الله ، وسنة رسوله –إلى قوله:-
والجدير بطالب العلم ، أينما كان أن يقبل على كتاب الله ، وأن يجعل تدبره وتعقله، من أكبر همه ، ومن أعظم شواغله ، وأن تكون له العناية الكاملة بقراءته ، وتدبر ما فيه من المعاني العظيمة ، والبراهين الساطعة ، على صحة ما جاء به الرسل ، وعلى صدق ما دل عليه الكتاب ، وعلى بطلان ما يقول به أهل السوء ، أينما كانوا، وكيفما كانوا.
ومن تدبر القرآن طالبا للهدى أعزه الله ، وبصره وبلغه مناه ، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ وقال عز وجل: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾
وهكذا السنة المطهرة إذا تأملها المؤمن ، وتأمل موقفه صلى الله عليه وسلم مع أعدائه وخصومه في مكة والمدينة عرف الحق ، وأن أهل الحق منصورون وممتحنون ، ومن فاته النصر في الدنيا فلن يفوته الجزاء والعوض في الآخرة، كما قال عز وجل : ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾
فقد وعد الله سبحانه بالنصر للعاملين في الدنيا والثواب في الآخرة ، قال عز وجل : ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَالله عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ فقد وعد الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين ، الذين يعملون للحق ، ويقيمون الصلاة ، ويؤدون الزكاة لمستحقيها، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وعدهم جل وعلا بالنصر ، وهو يعلم النصر في الدنيا والتمكين فيها والنصر والرضى من الله سبحانه يوم القيامة ، يوم يقوم الأشهاد .
وفي هذا عزة للمؤمنين ، وذلة للكافرين ، فالمؤمنون يفوزون بالجنة ، والكافرون تعلو وجوههم الذلة والندامة ، والنار تكون مثواهم ومصيرهم . وفي هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى : ﴿وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ومن تأمل أحوال أهل العلم الموفقين الذين نبغوا في هذه الأمة وتدبروا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وعلموا في ذلك ما يعينهم على فهم كتاب الله وعلى فهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما صحيحا من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم والتابعين لهم بإحسان من أئمة الإسلام فيما كتبوا وما نقل عنهم ومن سار على نهجهم من أهل الصدق والوفاء والبصيرة كأبي العباس بن تيمية رحمه الله وتلميذيه : العلامة ابن القيم، والحافظ ابن كثير وغيرهم ممن برزوا في هذا الميدان من أئمة هذا الشأن.
نعم من تأمل أحوالهم ، وفتح الله عليه بفهم ما قالوا وهل كتبوا رأى العجب العجاب ، والعبر الباهرة ، والعلوم الصحيحة ، والقلوب النيرة ، والبراهين الساطعة ، التي ترشد من تمسك بها إلى طريق السعادة وسبيل الاستقامة .
وبذلك يحصل له بتوفيق الله سبحانه ، تحقيق الغاية المطلوبة ، وتحصين نفسه بالعلوم والمعرفة والطمأنينة إلى الحق ، الذي بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه ، ودرج عليه سلف هذه الأمة . ويتضح له أن من خالفهم من دعاة الزيغ والضلال ، ليس عندهم إلا الشبهات الباطلة ، والحجج الزائفة ، التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
ويعلم حقا أن طالب العلم في الحقيقة هو الذي يميز الحق من الباطل ، بأدلته الظاهرة ، وبراهينه الساطعة ، ويقرأ كتب الأئمة المهتدين ، ويأخذ منها ما وافق الحق ، ويترك ما ظهر بطلانه ، وعدم موافقته للحق ، ومن هؤلاء الأئمة المبرزين الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وأنصاره في القرن الثاني عشر وما بعده ، قد برزوا في هذا الميدان ، وكتبوا الكتابات العظيمة الناجحة ، وأرسلوا الرسائل إلى الناس وردوا على الخصوم ، وأوضحوا الحق في رسائلهم ومؤلفاتهم ، بأدلة من الكتاب والسنة ، وقد جمع من ذلك العلامة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله جملة كثيرة في كتابه المسمى: (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). والأدلة التي كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وتلاميذه من تأملها وتبصر فيها رأى فيها الحق المبين ، والحجج الباهرة ، والبراهين الساطعة التي- توضح بطلان أقوال الخصوم ، وشبهاتهم ، وتبين الحق بأدلته الواضحة .
وهم رحمة الله عليهم مع تأخر زمانهم- قد وفقوا في إظهار الحق وبيان أدلته، وأوضحوا ما يتعلق بدعوة التوحيد، والرد على دعاة الوثنية، وعباد القبور، وبرزوا في هذا السبيل، وكانوا على النهج المستقيم، نهج السلف الصالح، واستعانوا في هذا الباب بالأدلة الواضحة التي جاءت في الكتاب والسنة النبوية، وعنوا بكتب الحديث، وكتب التفسير، وبرزوا في هذا الميدان حتى أظهر الله بهم الحق، وأذل بهم الباطل، وأقام بهم الحجة على غيرهم، ونشر بهم راية الإسلام، وقامت راية الجهاد، وأجرى الله على أيديهم من نعمه وخيره الجزيل ما لا يحصى، وأصبح أهل الحق في سائر الأمصار الذين عرفوا كتبهم، وصحة دعوتهم، وسلامة منهجهم، ينشرون دعوتهم، ويستعينون بما ألفوا في هذا الشأن على خصوم الإسلام وأعداء الإسلام في كل مكان، من أهل الشرك والبدع والخرافات اهـ المراد. ("مجموع فتاوى ومقالات ابن باز" /4 / ص 59-77/دار أصداء المجتمع).
الباب السابع والعشرون: في آخر الزمان يحارب عيسى عليه السلام مع الطائفة المنصورة الحركات التنصيرية وجميع الدعوات الكفرية
مما بشر الله تعالى هذه الأمة المحمدية: وجود الطائفة المنصورة منها يظهرون على الحق في جميع الأزمان، حتى يجيء نبي الله عيسى عليه السلام، فيقاتلون معه الدجال، واليهود والنصارى وجميع الكفار.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة - قال - فينزل عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- فيقول أميرهم تعال صل لنا. فيقول لا. إن بعضكم على بعض أمراء. تكرمة الله هذه الأمة». (أخرجه مسلم (الإيمان /باب نزول عيسى/ (156)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها» . ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به من قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا. (أخرجه البخاري (أحاديث الأنبياء /باب نزول عيسى/ (3448)) ومسلم (كتاب الإيمان /باب نزول عيسى/ (155)).
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه فى طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: «ما شأنكم». قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه فى طائفة النخل. فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج خلة بين الشأم والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا». قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال: «أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم». قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال: «لا اقدروا له قدره». قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال: «كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء. ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسي كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردى بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة ». (أخرجه مسلم (الفتن /باب ذكر الدجال / (2937)).
وأخبار نزول عيسى عليه السلام متواترة.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ: وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى ابن مريم، عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا. ("تفسير القرآن العظيم"/6/ص291/دار الآثار).
خاتمة الكتاب
لسنا كتبنا هذه الرسالة لإثارة الفتنة ولا القلقلة في المجتمع كما يظنه بعض الناس. بل هي نصيحة لإخواننا المسلمين وأمرائهم –سددهم الله وحفظهم ورعاهم-. أهل السنة والجماعة يحبّون الأمن والأمان والطمأنينة، ولا يريدون أن يؤذوا غيرهم من سكان البلد. ولكن النصيحة لا بد أن تبذل لا سيما في وقت غفلة كثير من المسلمين مع شدة مكر خونة البلد.
نحب سلامة المسلمين وبقاءهم على الدين الإسلامي، وهو الصراط المستقيم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهدى الله المؤمنين المخلصين لله أهل الصراط المستقيم الذين عرفوا الحق واتبعوه، فلم يكونوا من المغضوب عليهم ولا الضالين فأخلصوا دينهم لله وأسلموا وجوههم لله وأنابوا إلى ربهم وأحبوه ورجوه وخافوه وسألوه ورغبوا إليه وفوضوا أمرهم إليه وتوكلوا عليه وأطاعوا رسله وعزروهم ووقروهم وأحبوهم ووالوهم واتبعوهم واقتفوا آثارهم واهتدوا بمنارهم. وذلك هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد دينا إلا إياه اهـ. ("العبودية /شرح الراجحي/ص165-166/دار التوحيد والسنة).
وما نريد أي واحد يزلزل أقدام المسلمين على دينهم، فضلا أن يخرجهم من هذا الدين الحنيف، الذي هو دين جميع الأنبياء والمرسلين. وهو دين إبراهيم عليه السلام. فمن خرج منه فقد خسر خسرانا مبينا.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه الفقير إلى ربه عز وجل
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
بدار الحديث الدار الأم بدماج باليمن -حرسها الله-
تاريخ 2 جماد الأولى 1431 هـ
فهرس الكتاب
مقدمة فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله ورعاه- 3
مقدمة الشيخ الفاضل أبي عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني -حفظه الله ورعاه- 4
مقدمة المؤلف 6
الباب الأول: الإسلام هو الدين الحق 9
الباب الثاني: بغض أهل الكتاب للإسلام وكراهيتهم ثبات أهله عليه 18
الباب الثالث: سيرة رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام 20
الفصل الأول: قصة مريم بنت عمران البتول العذراء 20
الفصل الثاني: ذكر ميلاد رسول الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام 25
الفصل الثالث: إن الله تعالى منزّه عن الولد 36
فائدة رائعة: 43
الفصل الرابع: منشأ عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام 44
الفصل الخامس: من كرامات نبي الله عيسى عليه السلام، ودعوته، وأصحابه 45
الفصل السادس: ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء 50
الفصل السابع: بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم 53
الفصل الثامن: سيرة دين المسيح بعد رفع عيسى عليه السلام 53
الباب الرابع: حركات التنصير ووسائلها 56
الفصل الأول: تعريف التنصير 56
الفصل الثاني: دعوة رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام ليست تنصيرا 57
الفصل الثالث: تركيز الكلام في هذا الكتاب 59
الفصل الرابع: بعض وسائل الحركات التنصيرية 59
الباب الخامس: مؤتمرات أعيان الحركات التنصيرية 60
الباب السادس: كتب ومنشورات التنصير ونحو ذلك 65
الباب السابع: إنشاء جمعيات التنصير 67
استطراد: 69
الباب الثامن: جانب التطبيب 71
الباب التاسع: جانب التعليم 73
الباب العاشر: الأعمال الاجتماعية 76
الباب الحادي عشر: التخطيط النسلي 77
الباب الثاني عشر: إشعال الفتن والانقلابات 79
استطراد: 79
الباب الثالث عشر: إرسال المبشرين وتركيز الأماكن 81
بعض النتائج: 82
الباب الرابع عشر: إظهار قوة النصارى، وتقدمهم في وسائل الحياة، والحضارة لتميل إليهم نفوس المسلمين 85
الفصل الأول: وما هو الصراط المستقيم؟ 87
الفصل الثاني: أهمية مخالفة سبيل الكفار 88
الباب الخامس عشر: تقارب الأديان 100
الفصل الأول: سعي الفلاسفة 102
الفصل الثاني: سعي الصوفية 104
الفصل الثالث: سعي الحزبيين 106
من أقوال فضيلة الشيخ أحمد النجمي رحمه الله 107
من أقوال الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله 109
الفصل الرابع: سعي اليهود 110
الفصل الخامس: تحريم الدعوة إلى تقارب الأديان 111
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 14 / ص 414): 111
من أقوال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله 117
أقوال فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله 120
(نقل الشيخ ربيع عن العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري) 125
(نقل الشيخ ربيع عن الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله) 126
فتوى فضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي حفظه الله 127
قول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله 128
من أقوال شيخنا المحدث يحيى بن علي الحجوري حفظه الله 128
الباب السادس عشر: تشويه صورة المسلمين بأنهم أهل الإرهاب والثورة 131
الباب السابع عشر: وسائل الإعلان 134
الباب الثامن عشر: التنصير بإظهار خوارق العادة 135
الباب التاسع عشر: التسلل إلى السلطة 152
الباب العشرون: التخطيط المالي والاقتصادي 153
الباب الحادي والعشرون: إما أن يدخلوا في النصرانية، وإما أن يشكّوا في الإسلام 155
الباب الثاني والعشرون: شعار المودّة والمحبّة احترازا من غضب المسلمين 157
الباب الثالث والعشرون: الديمقراطية 158
الباب الرابع والعشرون: تحذير اللجنة الدائمة من وسائل التنصير 164
الباب الخامس والعشرون: العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي 170
الباب السادس والعشرون: إن تنصروا الله ينصركم 176
الفصل الأول: مفتاح الظهور: العلم النافع والعمل الصالح 177
الفصل الثاني: من فتاوى الإمام العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله 179
الباب السابع والعشرون: في آخر الزمان يحارب عيسى عليه السلام مع الطائفة المنصورة الحركات التنصيرية وجميع الدعوات الكفرية 188
خاتمة الكتاب 191
فهرس الكتاب 193
([1]) قلت –وفقني الله:- الحديث أخرجه الأئمة أحمد رحمه الله (12246)، وأبو داود رحمه الله (كتاب الجهاد/كراهية ترك الغزو/(2504))، والنسائي (كتاب الجهاد/وجوب الجهاد/(4289)/الرسالة) كلهم من طريق حماد –وهو ابن سلمة- عن حميد عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال به.
وهذا السند صحيح. وصححه الإمام الألباني رحمه الله كما في "صحيح سنن أبي داود" ((2504)/مؤسسة غراس).
([1]) ليس هذا تكفيراً، وإنما تنبيه على أن السبل التي سلكوها سبل الكافرين، ويكفي بذلك ذمّاً لفاعله.
([1]) قال الإمام ابن كثير رحمه الله: أي: وأنا ممتثل ما أمرت به من الإسلام لله عز وجل، والإسلام هو دين جميع الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم، كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [ المائدة : 48 ]. ("تفسير القرآن العظيم"/3/ص688/دار الآثار).
([1]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره كما قال تعالى: ]ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان[ الآية. فمن لم يستسلم لله فقد استكبر ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك اهـ. ("مجموع الفتاوى" /10 / ص 14/ مكتبة ابن تيمية).
([1]) قال الله تعالى: )قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ( [الممتحنة/4]
([1]) قال الإمام النووي رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته . وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيها على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى . والله أعلم . ("شرح النووي على مسلم" /2/ ص 365/دار المعرفة).
([1]) قلت –وفقني الله-: هذه من خصائص مريم رضي الله عنه، وليس فيها دليل لمن ادعى مثل ذلك من هذه الأمة، والله أعلم.
([1]) إسناد السدي رحمه الله إلى بعض الصحابة رضي الله عنهم ضعيف، لأنه ملفّق، والله أعلم.
([1]) أخرجه مسلم (الآداب /باب النهي عن التكني بأبي القاسم/ (2135) /دار الكتاب العربي(.
([1]) أخرجه البخاري (أحاديث الأنبياء/باب قوله تعالى: يا أهل الكتاب... /(3435)).
([1]) وترجمته كما يلي: قال الذهبي رحمه الله: الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، القاضي أبو بكر، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه. وكان ثقة إماما بارعا، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة، والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه. وقد ذكره القاضي عياض في "طبقات المالكية"، فقال: هو الملقب بسيف السنة، ولسان الأمة، المتكلم على لسان أهل الحديث، وطريق أبي الحسن، و إليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة. –إلى قوله:- مات في ذي القعدة، سنة ثلاث وأربع مئة، وصلى عليه ابنه حسن، وكانت جنازته مشهودة، وكان سيفا على المعتزلة والرافضة والمشبهة، وغالب قواعده على السنة، وقد أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديا يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة. انتهى المراد. ("سير الأعلام" /17/ص190 وما بعدها).
([1]) السند صحيح، وله بعض الطرق والشواهد. وصححه أيضا الإمام الألباني رحمه الله في "الصحيحة" ((1545)/مكتبة المعارف).
([1]) السند حسن إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
([1]) قلت –وفقني الله-: انظر "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/ص 106 /دار ابن الهيثم).
([1]) قلت –وفقني الله-: بل إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم مسلم حنيف وليس يهوديا ولا نصرانيا. قال الله تعالى: )مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين( [آل عمران : 67] وقال جل ذكره: )أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( [البقرة : 140]
([1]) إن الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله من مشاهير العلماء. ولكنه لما كان يدافع عن بعض الحزبيين، ويهجم على السلفيين الصادعين بالحق أمامهم، ولم يساعد السلفيين على جهاد بعض الحزبيين في أمسّ الحاجة، فنحن لا نفرح بفتواه ولا نعتمد عليها. وأما مجرد أخباره عن النصارى التي نقلها إلينا فأمر سهل، إن شاء الله.
([1]) اسمه محمد بن صفدر المكي. و(صفدر) فارسية معناها مخترق الصفوف. وكان يكتب في جريدة "مصر" بتوقيع "محمد بن وضاح"، ويكتب في بعض منشوراته بتوقيع "السيد الحسيني" أو "السيد" (اقرأ "الإعلام" /للزركلي /6 /ص168 و 169/دار العلم للملايين).
([1]) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (كتاب الصلاة /باب سجود السهو/ (2667)/الإحسان/مؤسسة الرسالة)، وابن ماجه (كتاب الصلاة/ما جاء فيمن شك .../ (1210)/دار السلام) عن أبي سعيد الخدري رصي الله عنه، بسند حسن.
([1]) أخرجه مسلم في "صحيحه" (المساجد ومواضع الصلاة /باب السهو في الصلاة/ (571)/دار الكتاب العربي) عن أبي سعيد الخدري رصي الله عنه.
([1]) ضعيف، أخرجه أبو داود (الصلاة/باب إذا شك في الثنتين/(1025)) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
جميع رواته ثقات إلا عبد الله بن كيسان، وهو أبو مجاهد المروزي، يروي عن عكرمة، قال الذهبي رحمه الله: قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي. ("ميزان الاعتدال" /رقم (4527) /دار إحياء الكتب العربية).
([1]) أخرجه أبو داود فقال: حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد - يعنى ابن عمرو - عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال به. (كتاب الصيام/باب ما يستحب من تعجيل الفطر/ (2353)/دار السلام).
وهب بن بقية، هو أبو محمد الواسطي المعروف بـ: وهبان. ثقة . ("تهذيب التهذيب" /4/ص328/الرسالة).
وخالد هو ابن عبد الله الواسطي الطحان، وثقه أحمد، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، كما في "الجرح والتعديل" (رقم (1536)/دار الفكر).
محمد بن عمرو هو ابن علقمة، أبو عبد الله الليثي، حسن الحديث وله أوهام. ("تهذيب التهذيب" /3/ص662 /الرسالة).
فالحديث حسن، والحمد لله.
([1]) عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه». قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟». (أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء /باب ما ذكر عن بني إسرائيل/ (3456)/دار الكتاب العربي) ومسلم (كتاب العلم/باب اتباع سنن اليهود.../(2669)/دار السلام)).
([1]) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه». (أخرجه البخاري (كتاب الديات/باب من طلب دم امرئ.../(6882)/دار الكتاب العربي)).
([1]) الحديث صحيح، أخرجه أبو داود (كتاب اللباس/باب في لبس الشهرة/ (4026/(العون/دار الحديث). راجع كلام الإمام الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" (رقم 1269 / ط. المكتب الإسلامي).
([1]) الحديث صحيح، أخرجه ابن ماجه بهذا اللفظ، فقال: حدثنا علي بن محمد ، حدثنا أبو أسامة عن عوف عن زياد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما به. (كتاب المناسك /باب قدر حصى الرمي/(3029)/دار السلام).
علي بن محمد هو ابن إسحاق، أبو محمد الطنافسي، ثقة ("تهذيب التهذيب"/3/ص19/الرسالة).
أبو أسامة هو حماد بن أسامة، ثقة معروف.
عوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي، ثقة، رمي بالقدر والتشيع. ("ميزان الاعتدال" /(6536)/دار الكتب العلمية).
زياد بن الحصين، هو ابن قيس الحنظلي اليربوعي، ثقة من رجال مسلم. ("تهذيب التهذيب" /1/ ص645/الرسالة).
([1]) أخرجه البخاري (الهبة وفضلها /باب لا يحل لأحد أن يرجع.../ (2622)/دار الكتاب العربي) ومسلم (الهبات / باب تحريم الرجوع في الصدقة/ (1622)/دار السلام)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
([1]) أخرجه الإمام الطبري رحمه الله فقال: حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة به. ("جامع البيان"/للطبري / 3 / ص 310/دار الفكر).
بشر هو ابن معاذ العقدي أبو سهل البصري الضرير. قال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث صدوق. ("الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم /2 / رقم (1418/(دار الفكر).
يزيد هو ابن زريع العيشي أبو معاوية البصري ثقة حافظ متقن. قال الإمام أحمد رحمه الله: وكل شيء رواه يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة فلا تبال أن لا تسمعه من أحد سماعه منه قديم. ("تهذيب التهذيب" /4/ ص 411/الرسالة).
وسعيد هو ابن أبي عروبة أثبت الناس في قتادة، وروايته عنه في التفسير محتج بها أيضا.
فالأثر حسن، والحمد لله.
([1]) دلني على هذه الفائدة أخونا الفاضل أبو عيسى علي بن رشيد العفري حفظه الله وجزاه خيرا.
([1]) كتاب الإيمان/باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد /(103)/دار الكتاب العربي.
([1]) الحديث حسن بمجموع شواهده. أخرجه الإمام أحمد في المسند (15195) وفي سنده مجالد عن الشعبي. مجالد ضعيف.
وله شواهد كثيرة. وأكتفي بما ذكره الإمام الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" (رقم (1589)/المكتب الإسلامي) حيث قال:
لكن الحديث قوي فإن له شواهد كثيرة أذكر بعضها :
أولا : عن عبد الله بن ثابت خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال : جاء عمر رضى الله عنه بصحيفة . . . الحديث بنحوه . أخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" ( 1 / 76 / 1 ) والهروي في "ذم الكلام" ( 3 / 64 / 1 ) وعبد الغني المقدسي في " الجواهر " ( ق 245 / 1 ) من طريق جابر الجعفي عن عامر الشعبي عن عبد الله بن ثابت به . والجعفي ضعيف ومن طريقه رواه البزار أيضا كما قال الحافظ . وأخرجه ابن عبد البر من طريق عبد الرزاق قال : وأخبرنا الثوري عن الشعبى به . كذا في النسخة المطبوعة وغالب الظن انه سقط منها جابر الجعفي فالحديث حديثه .
ثانيا : عن ابى قلابة أن عمر . . . فذكره نحوه أخرجه الهروي أيضا . وهو منقطع .
ثالثا : عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو كان فيكم موسى واتبعتموه وعصيتموني لدخلتم النار» . أخرجه الرويانى في مسنده ( 9 / 50 / 2 ) عن طريق ابنه لهيعة : حدثنى مشرح بن هاعان المعافري أنه سمع عقبه به . قلت : وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد . رجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيئ الحفظ .
رابعا : عن خالد بن عرفطة قال : " كنت جالسا عند عمر رضي الله عنه إذ أتى برجل من عبد القيس سكنه بالسوس فقال له عمر : أنت فلان بن فلان العبدي ؟ قال : نعم قال : وأنت النازل بالسوس ؟ قال : نعم فضربه بعصاة معه فقال : ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال له عمر : اجلس . فجلس فقرأ عليه ( بسم الله الرحمن الرحيم آلر * تلك آيات الكتاب المبين * إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * نحن نقص عليك أحسن القصص ...) الآية فقرأها عليه ثلاثا وضربه ثلاثا فقال الرجل : ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال : أنت الذي نسخت كتاب دانيال ؟! فقال : مرني بأمرك اتبعه قال : انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحدا من الناس فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة ثم قال له : اجلس فجلس بين يديه فقال : انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما هذا في يدك يا عمر؟» قال : قلت : يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما إلى علمنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار : أغضب نبيكم؟ هلم السلاح السلاح، فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الناس إني أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ولا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون» . قال عمر : فقمت فقلت : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا. ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه الضياء في "الأحاديث المختارة" ( 1 / 24 - 25 ) من طريق أبي يعلى الموصلي ثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير ثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن ابن إسحاق عن خليفة بن قيس عن خالد بن عرفطة . وقال للضياء: (عبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم وابن حبان). قلت : كلا فإن الذي أخرج له مسلم إنما هو عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله العامري القرشي مولاهم وليس هو هذا وإنما هو عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد أبو شيبة الواسطي بدليل أن الذي رواه عنه علي بن مسهر وهو إنما روى عن هذا كما في ترجمته من "التهذيب" وهو ضعيف اتفاقا . ولذلك قال الهيثمي (1 / 173 و 182) بعد أن عزاه لأبي يعلى : (وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة). ثم إن في الحديث علة أخرى هي خليفة بن قيس. أورده العقيلي في "الضعفاء" (122) وقال : (قال البخاري : يعد في الكوفيين لم يصح حديثه). ثم ساق العقيلي له هذا الحديث من طريق أخرى عن علي بن مسهر به وقال: (وفي هذا رواية أخرى من غير هذا المعنى بإسناد فيه أيضا لين). قلت : كأنه يشير إلى حديث جابر.
خامسا: عن أبي الدرداء قال : جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث نحو رواية جابر باختصار وفيه: «والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين». قال الهيثمي : رواه الطبراني في "الكبير" وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي (وفي نسخة : الأشعري) ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون.
سادسا : عن حفصة رضي الله عنها : جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كنف فجعلت تقرأ عليه والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه . فقال : «والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا معكم فاتبعتموه وتركتموني ضللتم». أخرجه الهروي ( 3 / 64 / 1 - 2 ) عن عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري عنها . ورجاله ثقات لكنه منقطع بل معضل بين الزهري وحفصة . وجملة القول : أن مجيء الحديث في هذه الطرق المتباينة والألفاظ المتقاربة لمما يدل على أن مجالد بن سعيد قد حفظ الحديث فهو على أقل تقدير: حديث حسن . والله أعلم . ثم وجدت له طريقا آخر مرسلا قال أبو عبيد : وثنا معاذ عن ابن عون عن الحسن يرفعه نحو ذلك . قال : قال ابن عون : فقلت للحسن : ما ( متهوكون ) ؟ قال : متحيرون . ذكره البيهقي في " شعب الايمان " ( 1 / 132 ).
([1]) هكذا في المطبوع المحقق (وحضروا إلى عند الناس) والله أعلم بالصواب.
([1]) اقرأ القصة في "هداية الحيارى" للإمام ابن القيم رحمه الله، فيها قصة إغواء الشيطان النصارى لما أصابتهم الشدة. فنعوذ بالله من الفتن في العسر واليسر، ونعوذ بالله من الزيغ بعد الهدى لشدة الكرب أو عظم الفرح.
([1]) أخرجه البخاري ( كتاب التعبير /باب من رآى النبي صلى الله عليه وآله وسلم / (6993)) ومسلم (كتاب الرؤيا /باب قول النبي من رآني.../(2266)) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (التعبير /باب من رآى النبي صلى الله عليه وسلم /(6994)) عن أنس رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (التعبير /باب من رآى النبي صلى الله عليه وآله وسلم /(6995)) ومسلم (كتاب الرؤيا /باب قول النبي من رآني.../(2267)) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (التعبير /باب من رآى النبي صلى الله عليه وآله وسلم / (6997)) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وأخرجه مسلم (الرؤيا /باب قول النبي من رآني.../(2268)) عن جابر رضي الله عنه.
([1]) قلت –وفقني الله-: معناه: إن النظر الحسي، أو السماع الحسي، أو نحو ذلك يحتاج إلى مصاحبة العقل الصحيح –وأن يكون معه العلم الراسخ والمعتقد الصحيح أيضا- ليكشف تلعبات الشيطان. وإن لم يكن كذلك فإن الشيطان يلعب بإحساسنا كثيرا. فقولوا كما أمر الله تعالى: )وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُون( [المؤمنون : 97 ، 98]
([1]) أخرجه ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية، وفي سنده عبد الله بن صالح، وهو كاتب الليث، لين الحديث. وفي سنده أيضا انقطاع بين ابن أبي طالحة وابن عباس.
وأخرج أيضا ابن جرير في تفسير الآية، وفي سنده انقطاع بين ابن جريج وابن عباس، ولم يصرح بالسماع، وتدليسه يضرّ.
([1]) وأخرج أيضا ابن جرير في تفسير الآية من كلام السدي رحمه الله، والسدي ملفلف في التفسير.
وأخرجه أيضا في تفسير الآية عن عروة بن الزبير، وفي سنده ابن حميد، كذب. وعروة لم يشهد القصة.
وأخرجه أيضا في تفسير الآية عن ابن أسحاق، وفي سنده ابن حميد، كذب. وابن إسحاق لم يشهد القصة.
وأخرجه أيضا في تفسير الآية بسند حسن إلى قتادة رحمه الله من قوله، ولم يشهد القصة.
وأخرجه أيضا في تفسير الآية بسند صحيح إلى الحسن البصري رحمه الله من قوله، ولم يشهد القصة.
وأخرجه أيضا في تفسير الآية بسند لين إلى محمد بن كعب رحمه الله من قوله، ولم يشهد القصة.
([1]) سبق ذكر ما روي عن ابن عباس. وأخرج ابن جرير في تفسير الآية عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا مرسل صحيح.
والقصة ثابتة بمجموع هذا المرسل مع مراسيل الحسن، وقتادة رحمها الله. وهذا الذي سار عليه أئمة المفسرين كابن جرير وابن كثير وغيرهما.
([1]) أخرجه مسلم (الفتن /باب ذكر ابن صياد/ (169)) عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([1]) أخرجه مسلم رحمه الله (الفتن /باب ذكر الدجال/ (2937)) عن النواس رضي الله عنه.
([1]) أخرجه مسلم (الفتن /باب من بقية ذكر أحاديث الدجال/ (2944)) عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ».
([1]) أخرجه البخاري (الجهاد والسير /باب قتال اليهود/ (2926)) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أخرجه صحيح البخاري (الجهاد والسير /باب قتال اليهود/ (2925)) و مسلم (الفتن /باب لا تقوم الساعة حتى ... / (7338)) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
([1]) بسياق الأمر أخرجه مسلم (كتاب المساجد/باب ما يستعاذ .../ (558)) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وكذلك أخرجه مسلم (المساجد /باب ما يستعاذ .../ (590)) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
([1]) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها». ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: )وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به من قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا(. (أخرجه البخاري (أحاديث الأنبياء /باب نزول عيسى/ (3448)) ومسلم (الإيمان /باب نزول عيسى/ (155))).
([1]) أضيف إلى ذلك ما قاله الإمام العلامة المجاهد ابن القيم رحمه الله: ثم إنك إذا كشفت عن حالهم وجدت أئمة دينهم ورهبانهم قد نصبوا حبائل الحيل ليقتنصوا بها عقول العوام ويتوصلوا بالتمويه والتلبيس إلى استمالتهم وانقيادهم، واستدرار أموالهم، وذلك أشهر وأكثر من أن يذكر.
فمن ذلك: ما يعتمدونه في العيد الذي يسمونه عيد النور ومحله بيت المقدس فيجتمعون من سائر النواحي في ذلك اليوم ويأتون إلى بيت فيه قنديل معلق لا نار فيه فيتلوا أحبارهم الإنجيل ويرفعون أصواتهم ويبتهلون في الدعاء فبيناهم كذلك وإذا نار قد نزلت من سقف البيت فتقع على ذبالة القنديل فيشرق ويضيء ويشتعل فيضجون ضجة واحدة ويصلبون على وجوههم ويأخذون في البكاء والشهيق.
قال أبو بكر الطرطوشي : كنت ببيت المقدس وكان واليها إذ ذاك رجلا يقال له سقمان فلما نما خبر هذا العيد إليه أنفذ إلى بتاركتهم وقال : أنا نازل إليكم في يوم هذا العيد لأكشف عن حقيقة ما تقولون فإن كان حقا ولم يتضح لي وجه الحيلة فيه أقررتكم عليه وعظمته معكم بعلم وإن كان مخرقة على عوامكم أوقعت بكم ما تكرهونه. فصعب ذلك عليهم جدا وسألوه أن لا يفعل فأبى ولج فحملوا له مالا عظيما فأخذه وأعرض عنهم.
قال الطرطوشي: ثم اجتمعت بأبي محمد بن الأقدم بالإسكندرية فحدثني أنهم يأخذون خيطا دقيقا من نحاس وهو الشريط ويجعلونه في وسط قبة البيت إلى رأس الفتيلة التي في القنديل ويدهنونه بدهن اللبان والبيت مظلم بحيث لا يدرك الناظرون الخيط النحاس وقد عظموا ذلك البيت فلا يمكنون كل أحد من دخوله وفي رأس القبة رجل فإذا قدسوا ودعوا ألقى على ذلك الخيط النحاس شيئا من نار النفط فتجرى النار مع دهن اللبان إلى آخر الخيط النحاس فتلقى الفتيلة فيتعلق بها. فلو نصح أحد منهم نفسه وفتش على نجاته لتتبع هذا القدر وطلب الخيط النحاس وفتش رأس القبة ليرى القبة ليرى الرجل والنفط ويرى أن منبع ذلك النور من ذلك الممخرق الملبس وأنه لو نزل من السماء لظهر من فوق ولم يكن ظهوره من الفتيلة.
ومن حيلهم أيضا : أنه قد كان بأرض الروم في زمان المتوكل كنيسة إذا كان يوم عيدها يحج الناس إليها ويجتمعون عند صنم فيها فيشاهدون ثدي ذلك الصنم في ذلك اليوم يخرج منه اللبن وكان يجتمع للسادن في ذلك اليوم مال عظيم فبحث الملك عنها فانكشف له أمرها فوجد القيم قد ثقب من وراء الحائط ثقبا إلى ثدي الصنم وجعل فيها أنبوبة من رصاص وأصلحها بالجبس ليخفى أمرها فإذا كان يوم العيد فتحها وصب فيها اللبن فيجرى إلى الثدي فيقطر منه فيعتقد الجهال أن هذا سر في الصنم وأنه علامة من الله تعالى لقبول قربانهم وتعظيمهم له فلما انكشف له ذلك أمر بضرب عنق السادن ومحو الصور من الكنائس وقال : إن هذه الصور مقام الأصنام فمن سجد للصورة فهو كمن سجد للأصنام.
ولقد كان من الواجب على ملوك الإسلام أن يمنعوا هؤلاء من هذا وأمثاله لما فيه من الإعانة على الكفر وتعظيم شعائره فالمساعد على ذلك والمعين عليه شريك للفاعل لكن لما هان عليهم دين الإسلام وكان السحت الذي يأخذونه منهم أحب إليهم من الله عز و جل ورسوله عليه الصلاة و السلام أقروهم على ذلك ومكنوهم منه اهـ. ("إغاثة اللهفان"/فصل: رهبان النصارى أشد الناس احتيالا/ ص492-493/دار ابن الهيثم).
([1]) أخرجه مسلم (كتاب البر/تحريم ظلم المسلم/(2564)/دار السلام) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([1]) أخرجه مسلم (كتاب الحج/باب حجة النبي/(1218)/دار السلام).
([1]) نقله الشيخ ربيع حفظه الله من "قذائف الحق" (ص66-67).
([1]) أخرجه للإمام أحمد فقال: حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه. قال الوليد : وحدثني ثور ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير به.
رجال السند ثقات معروفون، وقد صرح الوليد بن مسلم في السند الأول بالتحديث في طبقة شيخه وشيخ شيخه. فالأثر صحيح. وقد صححه شيخنا المحدث يحيى بن علي الحجوري حفظه الله.
تعليق