بسم الله الرحمن الرحيم
· قال تعالى ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ ( الذاريات 53 )
· وقال تعالى ﴿فَذَكِر ِإنمَا أَنتَ مُذَكِر﴾ ( الغاشية 21 )
فهذه خمس خصال حميدة وأخرى ذميمة تذكرة للطالب و تنبيها للغافل وندعو الله عز وجل أن تكون ذكرى فان الذكرى تنفع المؤمنين.
أولا: إخلاص العمل لله لأن حظ العامل من عمله نيته من خير أو شر
· قال تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾البينة 5
· وقال تعالى ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ ( الزمر 2-3 )
· عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه} متفق عليه. رواه البخاري ومسلم
· عن سفيان الثوري قال: {ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي}. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص والنية ( 1/72-73 )
· قال ابن عجلان: لا يصلح العمل إلا بثلاث ، التقوى لله و النية الحسنة والإصابة ( رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص والنية ( 1/74-75 )
ثانيا: إتباع النبي صلى الله عليه وسلم
· قال الله سبحانه وتعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران 31 )
( الزمر 18 )
· وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله "و اذا كانت سعادة الأولين والآخرين هي بإتباع المرسلين فمن المعلوم أن أحق الناس بذلك أعلمهم بآثار المرسلين واتبعهم لذلك. فالعاملون بأقوالهم وأفعالهم المتَّبعون لها هم أهل السعادة في كل زمان ومكان وهم الطائفة النَّاجية من أهل كل أمَّة وهم أهل السنَّة والحديث من هذه الأمة ".الدرر 2/21.
ثالثا: طلب العلم ومجالسة العلماء(1) واحترامهم ومحبتهم
· قال تعالى: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا اله إِلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَآئـِمَا بِالْقِسْطِ لا إله إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( آل عمران 18)
· قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . ( المجادلة 11 )
· عن صفوان بن عسال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما طلب. ( حديث حسن- الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ص 18
· عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" ( حديث حسن صحيح ) قال أبو عبد الرحمن صحيح على شرط الشيخين ( الجامع مما ليس في الصحيحين ص 20 ).
· ورحم الله الشيخ حافظ حكمي إذ قال في ميميته:
العلم أشرف مطلوب وطالبه***لله أشرف من يمش على قدم
· قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ... ( الكهف28)
· عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل الجليس الصالح والسوء: كحامل المسك، ونافخ الكِير. فحامل المسك: إما أن يَحْذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" متفق عليه.
· إن احترام العلماء ومحبتهم واجب اوجبه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. ( أخرجه الإمام أحمد في المسند ).(1) علماء السنة والكتاب القائمون بالدعوة قولا وفعلا وعملا بكل جد وعزم وصدق وثبات)
· قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصيته المشهورة للكميل بن زياد : ومحبة العالم دين يدان بها. ( خرجه الحافظ أبو ناعم الأصبهاني في حلية الأولياء ( 1/79-80
ومن طريقه خرجه الخطيب البغدادي في الفقيه لمفقه (1/182)
- قال ابن القيم رحمه الله شارحا قول علي هذا:
لأن العلم ميراث الأنبياء والعلماء ورثتهم فمحبة العلم وأهله محبة لميراث الأنبياء وورثتهم وبغض العلم بغض لميراث الأنبياء وورثتهم...
إلى أن قال رحمه الله : وأيضا فإن الله سبحانه عليم يحب كل عليم، وإنما يضع علمه عند من يحبه فمن أحب العلم وأهله فقد أحب ما أحبه الله وذلك مما يدان به. انتهى ( مفتاح دار السعادة 1/136 ) ط.مكتبة الرياض الحديثة.
رابعا: حسن الخلق:
· إن جميع الشرائع السابقة التي شرعها الله عز وجل على عباده كلها تحث على حسن الخلق مع الخالق والمخلوق وشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام جاءت لإتمام مكارم الأخلاق ، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لإتمم صالح الأخلاق). (صحيح الجامع).
· وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا). (البخاري)
· وعن عبد الله بن عمرو أيضا قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من خياركم أحسنكم أخلاقا).
· وإنك إذا نظرت إلى أخلاق الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم رأيت خلقا وأدبا جما ، فقد روى مسلم عن عمر بن العاص انه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه.
· وإذا نظرت إلى معاملة بعضهم بعضا رأيت العجب ، فقد روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما قدموا يعني المهاجرين إلى المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع قال لعبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالا فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها ، قال بارك الله لك في اهلك ومالك اين سوقكم فدلوه على سوق بني قينقاع.
· هذا خلق الصحابة رضي الله عنهم مع بعضهم البعض وادبهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعلمهم.
· قال سفيان ابن عُيينه :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر , فعليه تُعرض الأشياء , على خلقه وسيرته وهديه , فما وفقها فهو الحق , وما خالفها فهو الباطل. ( أخرجه الخطيب البغدادي في كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع).
· "وندعو الله عز وجل أن يهدينا لأحسن الأخلاق فانه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها فانه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت"
خامسا: دعاء الله والتضرع إليه:
· الدعاء شأنه في الإسلام عظيم، ومكانته فيه سامية ومنزلته منه عالية إذ هو أجل العبادات وأعظم الطاعات وأنفع القربات ولهذا جاءت النصوص الكثيرة تحث عليه ، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. ( غافر 60 )
وقال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ... . ( الأعراف 33 )
· عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة" حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وأحمد وغيرهم.
· روى الحاكم بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا "أفضل العبادة الدعاء، وقرأ : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. (غافر 60)
· ففي هذه الأدلة دلالة على فضل الدعاء وعظيم كرمه عند الله ورفيع مكانته من العبادة وهو مفتاح كل خير.
· قال الحسن "مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء" ( ذكره القرطبي في تفسيره 14/53)
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "الدعاء مفتاح كل خير" (مجموع الفتاوى 10/661)
· وقال فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله "من أعظم أسباب صيانة العلم عبادة الله والتضرع إليه والإلحاح عليه في الدعاء" (المجموع الثمين من أقوال الناصح الأمين ص40)
- فصل –
أخرجه البخاري و مسلم
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه و من لم يعرف الشر من الخير يقع فيه .
و معناه أن يعمل عملا ظاهره أنه لله لكنه يقصد به غير الله كأن يقصد أن يمدحه الناس و أن يثني عليه الناس أو يقصد به طمعا من مطامع الدنيا كما قال تعالى :" من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوف إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون ، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون ." هود".
و عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز و جل لا يتعلمه إلا ليصيب به حرصا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة . " رواه أبو داود باسناد صحيح ".
فالذي يطلب العلم أو يعمل أعمالا هي من أعمال العبادة لكنه يقصد بها طمعا من مطامع الدنبا ، فهذا إنما يريد بعمله الدنيا و هذا محبط للعمل ، فالرياء محبط للعمل ، و قصد الدنيا بالعمل يحبط العمل ، قال النبي صلى الله عليه و سلم " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فسأل عنه فقال الرياء " رواه الإمام أحمد في مسنده و البغوس في شرح السنة و عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: " إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها قال : فما عملت فيها ؟
قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت و لكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على و جهه حتى ألقى في الناس. و رجل تعلم العلم و علمه ، و قرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها .قال بما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم و علمته و قرأت فيك القرآن ، قال كذبت و لكنك تعلمت العلم و علمته ليقال عالم ، قرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر فسحب على وجهه حتى ألقي في النار و رجل وسع الله عليه و أعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما عملت فيها ؟
قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال كذبت و لكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار .
" رواه مسلم"
و الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل فالواجب على المسلم و طالب العلم أن يخلص لله في أفعاله و أقواله و نياته لله جميع ما يصدر منه من قول أي عمل أو نية ليكون عمله صالحا مقبولا عند الله عز و جل .
ثانيا : عدم العمل بالعلم
قال تعالى :" يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبرمقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلوا " – الصف 2-3-
و قال تعالى :" مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله و الله لا يهدي القوم الظالمين ، - جمعة 5-
- و عن جندب بن جنادة " رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " مثل العالم الذي يعلم الناس الخير و لا يعمل به مثل السراج يضيء للناس و يحرق نفسه –رواه العثيمي و غيره و هو حديث صحيح و صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 5831 و حسنه الشيخ الوادعي رحمه الله كما في تحقيقه لتفسير ابن كثير (1/164) .
- و عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقي في النار فتندلق
أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه ، فيجمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك ؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف و تنهانا عن المنكر ؟ قال كنت آمركم بالمعروف و لا آتيه و أنهاكم عن المنكر و آتيه " متفق عليه .
و عدم العمل بالعلم سيكون حجة على صاحبه كما جاء في حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " و القرآن حجة لك أو عليك " – أخرجه مسلم و غيره -.
و عدم العمل بالعلم سنة يهودية قال سفيان بن عينية من فسد من علما ففيه شبه باليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى.
- اليهود هلكوا لعدم عملهم بالعلم ، و النصارى هلكوا بجهلهم .
و عن زيد بن أرقم و عبد الله بن عمر و جماعة نحوه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول " اللهم أني أعوذ بك من علم لا ينفع و من قلب لا يخشع و من نفس لا تشبع و من دعوة لا يستجاب لها ".
ثالثا : حب الدنيا و إيثارها على الآخرة
.
قال تعالى : " بل تؤثرون الحياة الدنيا و الآخرة خير و أبقى"
- سورة الأعلى 16-17-
و قال تعالى :" قل متع الدنيا قليل و الآخرة خير لمن اتقى و لا تظلمون فتيلا" – النساء 77-
و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ليأتين على الناس زمان قلوبهم قلوب العجم قلت و ما قلوب العجم ؟ قال حب الدنيا سنتهم سنة الأعراب ، ما أتاهم الله من رزق جعلوه في الحيوان يعدون الصدقة مغرما و الجهاد ضررا " صحيحة 3357-
و عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقتربت الساعة و لا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا و لا يزدادون من الله إلا بعدا "الصحيحة 1510-
و صدق قول القائل :
- إنما دنياك ساعة فاجعل الساعة طاعة
و احذر التقصير فيها و اشتهد مقدار ساعة
و إذا أحببت عزا فالتمس عز القناعة
و لقد رأينا و رأيتم من صرف عن الهدى و عن السنة و عن العلم بسبب مطامع دنيوية و بسبب ما يجعلونه و يأكلونه و يشربونه .
و قد ورد بعض الآثار عن السلف في ذم الدنيا جاء في صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " ارتحلت الدنيا مدبرة و ارتحلت الآخرة مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فإن ليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل .
و قال أحمد بن أبي الحواري :" من نظر إلى الدنيا نظرة إرادة و حب أخرج الله نور اليقين و الزهد من قلبه ".-السير12/88-
و قد جاء عند الترمذي و الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قلما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه " اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا و بين معاصيك و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك و عن اليقين وا تهون به علينا مصيبات الدنيا و متعنا بأسماعنا و أبصارنا و قوتنا ما أحييتنا و اجعله الوارث منا و اجعل ثأرنا على من ظلمنا و انصرنا على من عادانا و لا تجعل مصيبتنا في ديننا و لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا و لا تسلط علينا من يرحمنا " .
رابعا :الإعراض عن مجالس العلم بغير عذر
قال تعالى : " و من أعرض عن ذكر فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى " طه 184-
و قال تعالى : " فما لهم عن التذكرة معرضين " المدثرّ
و عن أبي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بينما هو جالس في المسجد و الناس معه ، اذا أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذهب واحد فوقفنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها و أما الآخر فجلس خلفهم و أما الثالث فأدبر ذاهبا فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " ألا أخبركم عن النفر الثلاث :
فأما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله ، و أما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه و أما الآخر فأعرض الله عنه " – متفق عليه –
- قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان جالسا مع أصحابه في المسجد فأقبل ثلاثة نفر يعني ثلاثة رجال : أما احدهم فولى و أعرض و لم يأت إلى الحلقة و أما الثاني فوجد في الحلقة فرجة فجلس و أما الثالث فجلس خلف الحلقة كأنه استحيا أن يراهم الناس و أن يضيق عليهم فلما فرع النبي صلى الله عليه و سلم قال " أخبركم بنبأ القوم أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله عز و جل " و هو الذي جلس "فأواه الله عز و جل " لأنه كان صادق النية في الجلوس
مع النبي صلى الله عليه و سلم فيسر الله له " و أما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه "لأنه ما زاحم و لا تقدم و أما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه لم يوفقه لأن يجلس مع هؤلاء القوم البررة الأطهار .
خامسا: مجالسة أصحاب السوء و أهل الأهواء.
قال تعالى : " و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه " – الكهف 28 –
و قال تعالى :"و إن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم " – الأنعام 119-
و أخرج البخاري و مسلم في صحيحهما من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" إنما مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك و أما أن تبتاع منه و إما أن تجد منه ريحا طيبة و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك و إما أن تجد ريحا خبيثة " .
- قال الإمام النووي في شرح مسلم عند الحديث ، باب استحباب مجالسة الصالحين و مجانبة قرناء السوء ثم قال : في تمثيله صلى الله عليه و سلم الجليس الصالح بحامل المسك و جليس السوء بنافخ الكير .
و فيه فضيلة مجالسة الصالحين و أهل الخير و المروءة و مكارم الأخلاق و الورع و العلم و الأدب و النهي عن مجالسة أهل الشر و أهل البدع و من يغتاب الناس و يكثر فجره و بطالته و نخوة لك من الأنواع المذمومة - شيخ مسلم (16/394) –
- و جاء عن السلف النهي عن مجالسة أهل الأهواء : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب"- الشريعة للآجري-
- و قال الدارمي أيضا :" عن الحسن البصري و محمد بن سيرين قالا :" لا تجالسوا أصحاب الأهواء و لا تجادلوهم و لا تسمعوا إليهم ".
- و ختاما نسأل الله عز و جل أن ييسر لنا سبل الهدى و يجنبنا موارد الردى و الهوى و أن ينفعنا الله و إياكم بما قلنا و بما سمعنا و يرزقنا الإخلاص و الإتباع في الأقوال و الأفعال في السر و العلن و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا .
( جمع وترتيب فريد أبو عبد الرحمان )
تعليق